بسم الله الرحمن الرحيم
)وجادلوا
بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب)(1).
)ويجادل
الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق)(2).
الآيات القرآنية
(وقلنا يا آدم اسكن أنت
وزوجك الجنّة، وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا
من الظالمين*
فأزلهما الشيطان فأخرجهما مما كانا فيه، وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو
ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين *
فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم)(3).
(ولقد عهدنا إلى آدم من قبل
فنسي ولم نجد له عزما *
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى
* فقلنا يا آدم إن هذا عدو
لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى *
إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى *
وإنك لا تظمأوا فيها ولا تضحى *
فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى
* فأكلا منها فبدت
لهما سؤاتهما، وطفقا
يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم
ربه فغوى * ثم
اجتباه ربه فتاب عليه وهدى)(4).
(ويا آدم اسكن أنت وزوجك
الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين
* فوسوس لهما
الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سؤاتهما، وقال ما نهاكما ربكما عن
هذه الشجرة إلا أن
تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين
* وقاسمهما إني لكما
لمن الناصحين *
فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سؤاتهما وطفقا يخصفان عليهما
من ورق الجنة فناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن
الشيطان لكما عدو مبين *
قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)(5).
العناوين المشكلة:
"14ـ
معصية آدم كمعصية إبليس.
15ـ الفرق بين آدم وإبليس هو
في الإصرار والتوبة.
16ـ آدم ينسى ربه، وينسى
موقعه منه.
17ـ آدم استسلم لأحلامه
الخيالية وطموحاته الذاتية.
18ـ آدم طيب وساذج، لا وعي
لديه (أبله)!.
19ـ آدم يعيش الضعف البشري
أمام الحرمان.
20ـ آدم يمارس الرغبة
المحرمة.
21ـ الدورة التدريبية لآدم
عليه
السلام.
22ـ كان عاصياً ولم يكن
مكلفاً.
23ـ لا طريق إلا تزويج
الإخوة بالأخوات.
24ـ لا مناعة جنسية حتى بين
الأم وولدها.
25ـ بإمتداد النسل يحصل الجو
النظيف جنسياً "(6).
النصوص المشكلة:
"وغفر لهما وتاب عليهما،
ولكنه أمره بالخروج من الجنة كما أمر إبليس بالخروج منها، لأنهما عصياه
كما عصاه، وإن كان الفرق بينهما: أنه ظل مصراً على المعصية ولم يتب،
فلم يغفر له الله، بينما وقف آدم وزوجته في موقف التوبة إلى الله، فغفر
لهما".
"فانطلقا إليها بكل شوق،
ولهفة، وأطبقت عليهما الغفلة عن مواقع أمر الله ونهيه، لأن الإنسان إذا
استغرق في مشاعره، وطموحاته الذاتية، واستسلم لأحلامه الخيالية، نسي
ربه ونسي موقعه منه".
"كيف نسيا تحذير الله لهما؟
وكيف أقبلا على ممارسة الرغبة المحرمة؟".
"كان يعيش الضعف البشري أمام
الحرمان".
"فالله أراد أن يدخل آدم في
دورة تدريبية، ولذلك لم يكن أمراً جدياً ولكنه كان أمراً امتحانياً،
إختبارياً، تجريبياً، وكان أمراً تدريبياً، تماماً كما يتم تدريب
العسكري، ولذلك فالجنة لم تكن موضع تكليف،
وما يذكر لا يرتبط بالعصمة
أبداً، إن الأنبياء من البشر وهم يعيشون نقاط الضعف، ولكن نقاط الضعف
التي لا تدفعهم إلى معصية الله، أما مسألة الجنة وقصة آدم في الجنة
فهذا خارج عن نطاق التكليف، لقد أراد الله أن يدخله في دورة تدريبية
حتى يستعد للصراع القادم عندما ينـزل هو وإبليس إلى الأرض ليكون بعضهم
لبعض عدواً حتى يتحرك في مواجهة العداوة التاريخية".
"الله أراد لآدم أن يمر في
دورة تدريبية في مواجهة إبليس لأن آدم طيب وساذج، ولم يدخل معترك
الحياة".
"أول الخلق كان هذا الشيء
حلال، لماذا؟ لأن هذا هو الذي يفسح المجال لإنطلاقة البشرية، ولا يوجد
طريق غيره".
"فنظام العائلة مكون من أب
وأم، وأخوة وأخوات، وهو إنّما يتوازن ويستقيم عندما تكون هناك مناعة
عند الأب وعند الأم وعند الأخ وعند الأخت ضد أي إحساس جنسي تجاه الآخر،
لأنه لو فرضنا أن الأحاسيس الجنسية كانت موجودة في حياة الأب والأم
تجاه أولادهما، أو في حياة الأولاد تجاه بعضهما البعض، فلن تستقر حياة
عائلية ولن تنسجم في خصوص الجو العائلي المغلق حيث يفسح المجال لهذه
الأمور بشكل فوق العادة لذلك فإن الله سبحانه وتعالى بعد أن صار هناك
أبناء عم أو أبناء خال وخالة، أي عندما امتد التناسل وأصبحت هناك
علاقات طبيعية، حرّم الله ذلك ليستقيم نظام العائلة، ولتنمو العائلة في
جو طاهر نظيف من الناحية الجنسية، وبعد ذلك تنطلق لينشئ كل واحد منهم
عائلة"(7).
توالد أبناء آدم عليه
السلام
إن
الوقفة التي صدّر "الكاتب" إشكالاته بها تتعلق بكيفية توالد أبناء آدم
عليه السلام، حيث استنكر على العلامة المحقق إعتباره تزويج الإخوة
بالأخوات - على حد زعمه - مقولة جريئة.
ثم عمد إلى استعراض رأي
السيد الطباطبائي (قده) والشيخ الطوسي (قده) والطبرسي (قده) وغيرهم،
ولم يكن ذلك منه سوى مضيعة للوقت والجهد منشؤه عدم تدبره وقلة تأمله
فيما أورده العلامة المحقق من إشكالات، هذا إن لم نقل أن منشأه إرادة
التمويه والتعمية والتضليل، ولو تدبر وتأمل لما أشكل واستنكر.
ولتوضيح ما نقصده نقول:
تضليل سافر
قد مرّ عزيزي القارئ أن كتاب
خلفيات ينقسم إلى ثلاثة فئات من الكلام:
الفئة الأولى:
كلام السيد فضل الله المنقول حرفياً من كتبه.
الفئة الثانية:
عناوين مأخوذة من هذا الكلام تشير إلى محل الإشكال وتعّين موضعه، وقد
قام العلامة المحقق بترقيمها حتى بلغت 278 عنواناً تمثل بمجملها مجموع
الإشكالات التي يتضمنها الجزء الأول من كتاب خلفيات.
الفئة الثالثة:
وقفات قصيرة للعلامة المحقق إقتضاها المقام، الهدف منها، كما هو ظاهر
إلقاء المزيد من الضوء على مورد الإشكال ومعالجته بما يتناسب والوقفة
القصيرة.
ولا يخرج ما في كتاب خلفيات
عن هذه الفئات الثلاث.
وبالعودة إلى العناوين التي
تعّرض لها الكاتب في كتاب خلفيات، فسنجدها ثلاثة وهي:
1ـ لا طريق إلا تزويج الإخوة
بالأخوات.
2ـ لا مناعة جنسية حتى بين
الأم وولدها.
3ـ بامتداد النسل يحصل الجو
النظيف.
ولو تدبرنا وتأملنا فيها
لعرفنا مورد الإشكال، ولوجدنا العلامة المحقق قد تحدث في وقفتين
قصيرتين:
الأولى:
عن الإشكال الثاني والثالث.
والثانية:
عن الإشكال الأول.
ولوجدناه، قد أشكل على:
"حصر الطريق" بتزويج الإخوة بالأخوات لا على نفس
تزويج الإخوة بالأخوات.
وقد أشار إلى ذلك صراحة
بقوله:
"ويزعم أنه لم يكن ثمة طريق
يمكن بواسطتها حل هذه المشكلة، وإنطلاقة البشرية من خلالها"(8).
ولذا ذكر رواية الصدوق (قده)
عن الإمام الصادق (ع) التي يقول فيها:
"ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال؟!.."(9).
إذن فمورد الإشكال كما ترى
هو: في
مصادرة كلام صاحب "من وحي القرآن" لقدرة الله سبحانه تعالى!!!.
وعليه:
يظهر الفرق واضحاً جلياً بين ما تقدم من كلام العلامة المحقق وبين ما
حشّده "الكاتب" من أقوال العلماء التي استشهد بها على أمر لم يكن
مورداً للبحث أصلاً.
وللمزيد من التوضيح نقول:
لنفرض أننا سألنا العلامة
الطباطبائي (قده):
كيف امتد النسل من ولد آدم عليه السلام؟.
لأجاب:
لقد تزوج الإخوة بالأخوات، ولا مانع – حسب رأيه طبعاً - من ذلك لأن
الله تعالى حلله ثم بعد ذلك حرمه، لا سيما أنه حكم تشريعي يعود لله
وحده الحكم فيه وتشريعه أنى ومتى وكيفما شاء…
ولو سألناه:
ألم يكن هناك طريق آخر لامتداد النسل؟.
لأجاب:
إن الله قادر على كل شيء فالذي خلق آدم عليه السلام من تراب قادر على
أن يخلق غيره منه ومن غيره بل من لا شيء "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن
يقول له كن فيكون" فالأمر لا يتعلق بالإمكان بل بما كان وبما وقع،
وبالتالي:
رغم وجود طرق أخرى إلا أن المشيئة الإلهية والحكمة الربانية قد تعلقت
بخصوص هذا الطريق دون سواه..
أما
عبارة صاحب "من وحي القرآن" محل الإشكال والتي جاءت في مجلة الموسم
وتكررت في نفس المجلة في مكان آخر منها فهي قوله:
"في بداية الخليقة لم يكن هناك بديل عن زواج الإخوة
بالأخوات"(10).
وقوله:
"أول الخلق كان هذا الشيء حلال، لماذا؟ لأن هذا هو
الذي يفسح المجال لإنطلاقة البشرية، ولا يوجد طريق غيره"(11)
وهي مقولة جريئة حقاً وقد
انفرد بها صاحبها.
وإن قلت إنه لا يعقل أن ينكر
(السيد) فضل الله قدرة الله تعالى على الخلق؟ قلنا:
إننا ذكرنا في مقدمة الكتاب، أن العلامة المحقق أعزه الله قد صرّح
وصرّح بأن ما أورده في كتاب خلفيات يتفاوت ويختلف الأمر فيه من حيث
الأهمية، وبأن الإشكالات لا تنحصر بخطأ الرأي فيه، فقد يورده لفساد
طريقة التعاطي معه، ولوجود خطأ أساسي في معالجته له(12)
حيث ينبغي على الكتّاب أن يختاروا كلماتهم وألفاظهم، وتعابيرهم بدقة لا
سيما في مقام الحديث عن الله سبحانه وتعالى، والأنبياء، والأئمة عليهم
السلام.
وعليه:
فإن إشكال العلامة المحقق في هذا المورد إنما هو حول هذا الحصر وهذا
النفي لوجود طرق أخرى للتوالد، وبدائل لإمتداد النسل، بغض النظر عن
رأيه في هذه القضية، وإن كان قد صرّح بأنه يضعّف حصول التوالد عبر
تزويج الإخوة بالأخوات لقوله:
وأما خبر الإحتجاج، وقرب
الإسناد.. فيضعفه مطابقته في هذا الأمر لمذهب غير الشيعة"(13).
علماً أن هذه العبارة قد
أخذها العلامة المحقق من كتاب تنزيه الصفوة وقد أشار إلى ذلك(14).
بناء على ما مر، يتضح عدم
جدوى النظر في النصوص التي حشّدها "الكاتب" للعلماء الأعلام لأنها
خارجة عن الموضوع محط النظر، إذ أن هؤلاء الأعلام لم يتحدثوا، لا من
قريب ولا من بعيد، عن عدم وجود بدائل أخرى للتوالد وامتداد النسل، ولم
يحصروا الأمر بطريق واحد بما يوحي بنوع من المصادرة لقدرة الله سبحانه
وتعالى.
ومن الشواهد اللطيفة على هذا
الأمر ما نقله العلامة الطباطبائي (قده) في تفسيره عن نهج البيان عن
عمرو بن أبي المقدام عن أبيه عن الباقر (ع) قد قال له عندما سأله من أي
شيء خلق الله حواء، وأن اليهود يقولون أنه تعالى خلقها من ضلع آدم.قال
عليه السلام: كذبوا،
أكان الله يعجزه أن يخلقها من غير ضلعه(15).
ترى إن كان القول:
إن الله خلق حواء من ضلع آدم استلزم هذا الردّ من الإمام (ع) بأن في
هذا القول إنقاصاً من قدرة الله، فماذا كان سيقول (ع) لو سمع صاحب "من
وحي القرآن"؟!!.
ونترك للقارئ تصور طبيعة
الإجابة، كما ونترك "للكاتب" تصور ذلك، وإن كنا نخشى أن يستنكر على
الإمام الصادق (ع) تكذيبه لليهود بإعتبار أن هذه المقولة لا جرأة
فيها!! وأن يعمد إلى استعراض آراء المفسرين حول قدرة الله على خلق حواء
من ضلع آدم (ع) للإستشهاد على صحة مقولة اليهود وإن كان الموضوع في محل
والإشكال في محل آخر!!!!.
سيغموند فرويد تلميذاً
أما فيما يتعلق بالإشكالين
الآخرين، فإن صاحب هذه المقولات قد نظّر لقضية التزاوج عبر المقدمة
التالية:
إن نظام العائلة لا يتوازن
إلا بوجود مناعة جنسية عند الأب والأم والأخ والأخت، وهذه المناعة لا
تحصل في خصوص الجو العائلي المغلق حيث يفسح المجال لهذه الرغبات، ومع
انعدام المناعة، أي مع وجود الأحاسيس الجنسية في حياة الأم والأب تجاه
أودلاهما فلن يحصل ذلك التوازن، إلا أنه عندما صار هناك أبناء عم
وأبناء خال وخالة أي بعد أن امتد النسل وأصبحت هناك علاقات طبيعية حرّم
الله ذلك ليستقيم نظام العائلة، ولتنمو العلاقات في جو طاهر نظيف من
الناحية الجنسية..(16)
هذا التنظير الذي دخل فيه
صاحب هذه المقولات حول عدم توازن نظام العائلة بسبب عدم وجود المناعة،
أدى به إلى القول:
فكما كان يوجد أحاسيس جنسية من الإخوة تجاه الأخوات الذي أدى إلى
التزاوج وامتداد النسل كذلك كان يوجد أحاسيس جنسية بين الأب والأم،
والأولاد بسبب ما أسماه:
"خصوص الجو العائلي المغلق" وهذا ما تبناه بشكل صريح وواضح، وإلا لماذا
لم يحصر عدم وجود المناعة بين الإخوة والأخوات وحسب؟!!.
فهل يريد أن يمهد الطريق
لبعض الأفكار الإسرائيلية للتوراة التي تتحدث أن بعض الأنبياء نزا على
بناته؟!!.
ثم إذا كان هذا الزواج قد
شرعه الله، فما معنى وصفه لنظام العائلة بعد التحريم "بالنظيف جنسياً"
ألا يلزم من ذلك القول أن الجو العائلي قبل التحريم لم يكن نظيفاً؟!!.
وإن لم يكن بوسع "الكاتب" أن
يفقه هذه الملازمة فما عليه سوى مراجعة الدروس التمهيدية في علم المنطق
والأصول، وإن عجز عن ذلك لوحده فليستعن بولده ابن الخامسة عشرة الذي
يبدو أنه يلجأ إليه عادة في مثل هذه الموارد!!.
ثم، ألم يقل العلامة
الطباطبائي (قده): إن هذه القضية تشريعية، وكأنه بذلك يشير إلى أنها
ليست قضية عقلية لتجري فيها قاعدة التحسين والتقبيح العقليين وبالتالي
فهي نظيفة ما دامت كذلك.
ونتساءل:
كيف عرف صاحب هذه المقولات أنه عندما صار هناك
أبناء عم وأبناء خال أصبحت هناك علاقات طبيعية ليأتي التحريم بعد
ذلك؟!. علماً أن العلاقات الطبيعية لا ترتبط بوجودهم؛ لأن وجودهم لا
يمنع تلك الأحاسيس من أن تعّبر عن نفسها بين الإخوة والأخوات وبين
الوالد وابنته والأم وولدها ما دامت تشريعية.
وإذا غضضنا النظر عن القضية
المتعلقة بالأب والأم وأحاسيسهما الجنسية تجاه أولادهما، كان ينبغي أن
يقول: عندما صار
هناك أبناء عم وأبناء خال وخالة، أصبح بالإمكان تحريم ذلك، ليصبح هناك
علاقات طبيعية. (المقصود بالطبيعية ما يقابل الإستثنائية فاقتضى
التنويه منعاً للإلتباس).
ولا نعتقد أن صاحب "من وحي
القرآن" قصد بالطبيعية هذا المعنى، وإلا كان ينبغي عليه نصب قرينه تدل
على ذلك . هذا مع أنه قد تحدث عن العلاقات الطبيعية قبل التحريم، حيث
قال: إن
التحريم جاء بعد ذلك . وهذا نص كلامه:
"لذلك، فالله سبحانه وتعالى
بعد أن صار هناك أبناء عم وأبناء خال وخالة، أي عندما امتد التناسل
وأصبحت هناك علاقات طبيعية حرّم الله ذلك.."(17).
فيتضح أن الحديث عن العلاقات
الطبيعية إن كان بعد التحريم، فيقصد به ما يقابل العلاقات الإستثنائية
قبله.
أما الحديث عن العلاقات
الطبيعية عند امتداد النسل وقبل التحريم، فلا نرى فيه إلا حديثاً عن
العلاقات الطبيعية في مقابل العلاقات الشاذة غير الطبيعية، مما لا
يتناسب وينسجم مع القول بتشريعية القضية، فلا يصح نعتها ووصفها بتلك
النعوت والأوصاف ما دامت كذلك.
بعبارة أخرى:
ينبغي جعل العلاقة الطبيعية نتيجة للتحريم، أي تأتي بعده، لا أن
التحريم جاء بعدها؛ لأن القضية ما دامت تشريعية خاضعة للحكم الإلهي،
فإن المناعة لا تحصل عبر تزويج الإخوة بالأخوات وبالتالي:
فإن قبول هذا التزاوج والوجود المفترض لهذه الأحاسيس والميول، سيبقى
مركوزاً في أذهانهم ووجدانهم ومشاعرهم، ولن يروا ضيراً في استمراره
والتعبير عنه.. ولن تكون هناك علاقات طبيعية إلا بعد التحريم.
طبعاً، كل ذلك على فرض
القبول بمقولة التزاوج، وقد رأينا أنه حتى مع هذا التنـزل فإن كلام
صاحب "من وحي القرآن" فيه الكثير الكثير من الشناعة بحق الأنبياء،
علماً بأن مقولة التزاوج ضعيفة بل غير مقبولة، وهو ما عليه المذهب وقد
اعترف الكاتب بحقيقة رأي العلامة المشهدي والكاشاني والسبزواري(18)
بل ومكارم الشيرازي الذي نقل الكاتب أنه صرح بأحاديث أخرى بعدم التزاوج
وأنه يحمل بشدة على من يرى هذا الأمر(19).
أما دعوى تعارض الروايات
المعارضة لمقولة التزواج(20)
فغير دقيق إذ الجمع بينهما جمعاً دلالياً أمراً ممكناً.
بعد ما مرّ نسأل " الكاتب ":
هل يتبنى العلامة الطباطبائي
(قده) والشيخ الطوسي (قده) والطبرسي (قده) وغيرهم من العلماء الأعلام
هذه "النظرية" التي لم تخطر حتى على بال سيغموند فرويد نفسه؟!!.
وهل هذه المقولة لا توجد
فيها رائحة الجرأة؟!!.
وهل هذا مما يكاد يجمع عليه
المفسرون الشيعة؟!!.
ولماذا قدم "الكاتب" نصوصاً
منتقاة ومختارة لصاحبه ليست محط نظر، في الوقت الذي تجاهل فيه النصوص
المشكلة واكتفى بالقول:"
وهكذا الحال فيما يطرحه في كتاب "الندوة" من الحديث عن المناعة
الجنسية، واستقرار حياة العائلة وتوفير الأجواء الطاهرة"(21)
.
ثم ما معنى كلمة الطاهرة
أليست في مقابل القذرة؟!!وما معنى المناعة الجنسية،أليست في مقابل
الإنفلات الجنسي!!
ولماذا لم تكن لديه الجرأة
على عرض النص الكامل المشتمل على هذه الترّهات أمام القارئ علماً أنه
النص الأساسي، بل الوحيد الذي قدّمه العلامة المحقق؟!!
ألا يعتبر ذلك تعمداً
وإمعاناً في التمويه والتعمية والتضليل؟!!!.
وبعد ما قدمناه:
كيف يستقيم ادعاء "الكاتب" بأنه لا يدافع عن أحد؟!!!.
وهل تجاهل النص المشكل يعتبر
شاهداً على النـزاهة والحيادية البالغة والموضوعية التامة؟!!.
وهل الحديث عن فقدان المناعة
الجنسية والفلتان الجنسي قبل التحريم هو مجرد "إيحاءات" من قبل العلامة
المحقق(22)
أم هي مقولات صاحبه التي لا نعلم من أين إستوحاها ولعل غيرنا يعلم؟!!.
وهل ثمة من يبرئ صاحب هذه
المقولات منها ومن معانيها وملازماتها مهما كانت لغته العربية ضعيفة أو
قراءته للنص متدنية كما يحلو "للكاتب" أن يعبّر.
ولعمري فإن من وضع نفسه في
مواضع التهمة هذه كيف له أن يلوم من أساء الظن به لاسيما إذا كان
معانداً مصمماً ومصراً على تبني مثل هذه المقولات الفاسدة والشاذة،
ويجهد نفسه في سبيل تبريرها ويهدر ماء وجهه للدفاع عنها بهذه الأساليب
والوسائل الملتوية،حتى صار مصداقاً لقوله تعالى:
(وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان
عقاب)(23).
شاهد ... طريف
أردنا في هذا المورد بعض
الترفيه الهادف الذي نظهر فيه مدى عمق "الكاتب" وبعد نظره في اختيار
النصوص المؤيّدة - على زعمه - لما تقدم من مقولات لصاحبه، الذي بشرنا
من على المنبر قبل أشهر -وعبر الفتاوى المكتوبة التي أصدرها - بظهور
هذا الكتاب الذي انتظرنا أن يأتي بجديد..
ففي معرض حشده لآراء العلماء
الذين ذهبوا إلى تزويج الإخوة بالأخوات عرض نصاً يعبر عن رأي السيد
الخوئي (قده) ننقله بحرفيته:
"سئل المرجع الراحل السيد
الخوئي (قده): هل
تزوج أبناء آدم من اخواتهم أم حورية، وجنّية؟ فأجاب:
الأخبار الواردة في ذلك مختلفة ولا محذود - فيما لو صدقت - إن كان
بالأخوات لإمكان أنها لم تكن محرمة في شرع آدم على الإخوة.
وقد وافقه على هذا الجواب
تلميذه سماحة الشيخ جواد التبريزي (حفظه الله) [صراط النجاة 1/461]"(24).
الطريف في هذا الشاهد هو:
أن إجابة السيد الخوئي (قده)، ومتابعة الشيخ
التبريزي (حفظه الله) له أمر طبيعي جداً،حيث إن الإجابة منـزّلة على
سبيل الفرض، وهو المقصود من قوله (قده):
"فيما لو صدقت "أي فيما لو صدقت الأخبار والروايات،
وهذا الرأي المشروط بهذا الفرض، لا يوافقه عليه الشيخ التبريزي (حفظه
الله) وحسب، بل كل إنسان له عقل وإن كان يميل (من الناحية العلمية
التحقيقية) إلى استبعاد مقولة تزويج الإخوة بالأخوات، إذ مع الفرض
المذكور لا بد من التسليم بأن هذا الأمر لا شك أنه لم يكن محرماً في
شرع آدم عليه السلام وإلا كان تكذيباً للمعصوم، ورداً عليه، فضلاً عن
أنه اتهام للنبي (ص) بإشاعة الفحشاء والمنكر ونشر الفساد والإفساد،
والعياذ بالله، ولا يقول ذلك إلا كافر، فاجر، مارق عن الدين خارج عن
الإسلام.
وعليه، فإن صح جعل هذا النوع
من الإجابات الفرضية شاهداً فما أكثر الشواهد والشهود!! وإننا نلفت نظر
"كاتبنا" الطريف إلى أنه كان بإمكانه أن يضع لائحة بأسماء جميع العلماء
مرتبة حسب الأحرف الأبجدية منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، وهم
بالآلاف، كملحق في كتابه هذا على أنهم شهود مفترضون يؤيدون هذه
المقولة، عندها سيحطم بكتابه هذا الرقم القياسي بعدد أجزائه التي ستفوق
حتماً أجزاء بحار الأنوار.
قصة آدم عليه السلام
والجنة
مرة ثانية نقف مع "الكاتب"
لنعالج موضوعاً يتعلّق بنبي الله آدم عليه السلام حيث وجدناه هذه المرة
قد أخل بالأصول العلمية والمنهجية، وافترى على العلماء الأعلام
بتقويلهم ما لم يقولوه، وحرف كلماتهم لتظهر على غير ما أرادوه..
وقد كان لنا معه وقفات تشتمل
على سبع نقاط رئيسية:
معصية آدم عليه السلام كمعصية إبليس والفرق بينهما:
ذكر "الكاتب" أن هاتين
المقولتين قد تبدوان:
"غريبتين، وجريئيتين، بيد أن الرجوع إلى سياق
الحديث والأحاديث الأخرى للسيد في نفس الكتاب (من وحي القرآن) يظهر
المقصود بصورة جلية وواضحة.."(25).
ونقول له:
أ ـ
مما لا يخفى أن العودة إلى سياق الحديث ضرورية، وهذا أمر نفهمه
ونتفهمه. هذا إذا كان هناك قرائن وشواهد، ترفع الشبهة وتحل الإشكال
..إلا أن العودة إلى سياق الحديث تقتضي العودة إلى موضع النص، والآيات
موضع الشرح، لا العودة إلى الأحاديث الأخرى المشتتة في خمسة وعشرين
مجلداً هي مجموع مجلدات كتاب "من وحي القرآن".
ولا يخفى أن ما يعنينا هو
موضع الداء الذي يحتاج إلى دواء.
على أن الرجوع إلى الأحاديث
الأخرى مخالف للقاعدة الأصولية الثابتة وهي: "عدم جواز تأخير البيان
عن موضع الحاجة" التي تقتضي بأنه لو خليّ النص لوحده بمعزل عن النصوص
الأخرى المتباعدة زماناً ومكاناً، فهل يكون فيه من الإيضاح ما يرفع
الشبهة ويدفع اللبس ويحل الإشكال؟.
والغريب أنه كيف يجهل
"كاتبنا" هذه القاعدة التي تدرّس عادة للمبتدئين في علم الأصول؟!.
بل كيف فات ولده ابن الخامسة
عشر الذي يتخذه مستشاراً له في علوم الدين وحقائق الإيمان أن يلفته
إليها ليشهد على صحة ما نقول وصوابية ما ندّعي..
على أن دعوته للعودة إلى
الأحاديث الأخرى الواردة في كتاب "من وحي القرآن" بمجلداته الخمس
والعشرين لا إلى خصوص النص الوارد في الجزء العاشر منه موضع الإشكال،
مما لم يسبقه إليه ولم يخطر على بال أحد.!!
فنسأل "الكاتب":
ماذا لو تعدّدت النصوص
المشكلة خلال البحث عما يرفع الإشكال؟!!فهل سيطلب منا العودة إلى
كل الكتاب في كل مرّة نواجه فيه نصاً مشكلاً؟!!
وماذا لو عدنا إليها ولم نجد
ما يرفع الإشكال؟!!
وماذا لو وجدنا ما يؤكد
الإشكال ويثبته؟!! فهل سيطلب منا العودة إلى الكتب الأخرى؟!!
وماذا عمن لا يملكون بعض
أجزاء كتابه فضلاً عمن لا يملكون كتبه الأخرى، لا سيما تلك التي صدرت
بصورة متقطعة وتلك التي لم تكتمل حلقاتها بعد؟!!
ألا يعني ذلك أنه علينا
إنتظار صدور كتبه الأخرى التي ربما ستصدر لترفع الإشكال عما صدر؟!!
وماذا لو أن عمر المؤلف لم
يتسع ليصل إلى المورد الذي يرفع فيه الإشكال؟!!!فهل سيطلب منا العودة
إلى المسودات وأشرطة التسجيل والفيديو وما شابه؟!!
وماذا لو لم يف عمر القارئ
بمراجعة كتبه ونشراته وأشرطته ومحاضراته قبل أن يطلع على ما يرفع
الإشكال وهو مقتنع بما فيه من الضلال؟.
ومن يضمن أن حجم النصوص
المشكلة لن يتضاعف ويتضاعف؟!!
وإذا كان الأمر كذلك فالأسهل
علينا أن نستخرج النصوص الصحيحة النادرة من كل هذا الكم من الكتب ونترك
"للكاتب" ولولده إبن الخامسة عشر القيام بهذه المهمة الشاقة التي نقر
ونعترف بعجزنا عن القيام بها، لا هرباً من المسؤولية كما فعل يونس (ع)
على حد زعم صاحب (من وحي القرآن) فإننا لسنا أنبياءً، وإنما إختصاراً
للوقت والجهد..
وإن قرر "الكاتب" الشروع
بهذه المهمة، فننصحه أن لا يهمل الإستماع إلى أشرطة "الكاسيت" ليقارن
بين المسموع والمقروء إذ لعل وعسى يجد فيها ما يساعده على رفع
الإشكالات.. ولا بأس، بل من الضروري اشهاد رجلين أو رجل وامرأتين على
كل مقولة وردت في المحاضرات المسجلة ممن كانوا حاضرين عند إلقائها،
وليحرص على أن تكون الأشرطة التي يقتنيها ممهورة ومختومة من قبل الجهات
المختصة والمؤسسات المعنية لضمان سلامتها وعدم تعرضها للدبلجة من قبل
أجهزة المخابرات العالمية والإقليمية والمحلية، وليتوقع بعد ذلك كله أن
يقال له: إن هذا الختم مزوّر، أو أن صاحب هذه المقولات لم يقصد ما يفهم
منها، أو أنهم فهموا كلامه خطأ، أو أنه من سهو القلم أو أن الطباع دسها
في كتابه، وما شابه ذلك من مبررات لا طائل تحتها.. هذا في الوقت الذي
نقرأ له ونسمع منه ما يؤكد نسبتها إليه وتبنيه لها وإصراره عليها وعلى
مضامينها ومعانيها ودلالاتها وملازماتها. أضف إلى ذلك أنها موجوده في
كتبه ومتداولة بين مريديه الذين يدافعون عنها صراحة ويتباهون بها
جهاراً بل ويضفون عليها هالة من القداسة، ويُرمى من يعترض عليها بشتى
أنواع السباب وأقذعة، ويتهم بالتجرؤ على المقامات المقدسة، هذا إذا لم
يتهم بتهديد الساحة الإسلامية باسرها!!!
فهل "كاتبنا" مستعد لمواجهة
كل ذلك؟!!! وعلى قاعدة الإنفتاح على الآخر، وعلى طاولة الحوار
المزعوم..؟ !!!
ب ـ
لنفرض جدلاً أن صاحب "من وحي القرآن" لم يقصد من
هذا النص ما يظهر و يفهم منه، وأنه أوضح مقصوده في أماكن أخرى، فليكن
عندئذ هذا المورد من الموارد التي قال عنها العلامة المحقق أنها تحتاج
إلى إيضاح لا إصلاح.
ج-
أضف إلى ذلك كله أن النصوص مورد الإشكال لو لم يكن فيها ما فيها لما
امتدت أيدي المدافعين عن صاحبها لحذف بعض عباراتها كما فعل " كاتبنا "
حيث ذكر أن هاتين المقولتين:
"هما في الحقيقة مقولة واحدة جاءت في سياق واحد حيث يقول السيد:
"أنهما عصياه كما عصاه [أي كما عصاه إبليس] وإن كان الفرق بينهما أنه
[أي إبليس] ظل مصراً على المعصية.."(26).
ومن يراجع النص يجد ما فعلته
يد هذا "الكاتب" السمحة الكريمة حيث حذف العبارة التي توضح المشكلة
التي تقع قبل الكلام الذي نقله مباشرة وهي قوله: ".. ولكنه أمره [أي
أمر آدم عليهم السلام] بالخروج من الجنة كما أمر إبليس بالخروج منها،
لأنهما عصياه كما عصاه.. إلخ(27).
حيث إن المعصية التي
ادعاها.. قد أثرت أثراً واحداً لكليهما، وهو خروجهما من الجنة على حد
سواء.
د- وإذا كانت المعصية من
إبليس لأمر مولوي قد استلزمت هذا العقاب وهو الخروج من الجنة، ألا يعني
ذلك أن المعصية من آدم (ع) كانت مولوية أيضاً؟! لأنها استلزمت نفس
العقاب؟! وإلا فما معنى لام التعليل الواردة في عبارته:
".. أمره بالخروج من الجنة كما أمر إبليس بالخروج منها (لـ) أنهما
عصياه كما عصاه.."؟!!.
ولتوضيح ذلك نقول:
لنفترض أن استاذاً في مدرسة عاقب زيداً بطرده من الصف لأنه خالف
النظام، ثم بعد ذلك طرد عمراً.. فلو قال قائل:
لقد طرد عمراً كما طرد زيداً لأن الأول خالف النظام كما خالفه الثاني،
فهل يبقى هناك شك بأن طرد عمرو كان عقاباً وأن مخالفته كانت كمخالفة
زيد؟!!
وهل يوجد فرق بين هذا
المثال، وبين كلام صاحب هذه المقولة؟!! لا سيما أن النص باللغة العربية
الواضحة المعنى والدلالة.. وبسبب شدة وضوحها عمد "الكاتب" الذي لا يهدف
من كتابه هذا الدفاع عن أحد أبداً ، كما يدعي! - عمد - إلى حذف القرينة
الدالة على الإشكال حينما عجز عن توجيه النص الوجهة التي يريد، فكان
التمويه والتعمية والتحريف والتضليل أقصر الطرق وأيسر الوسائل!!!.
ولعل "الكاتب" يلتمس عذراً
أو مبرراً لفعلته هذه كأن يقول:
إن نسخة الكتاب التي اعتمدها كانت باللغة السنسكريتية الأمر الذي أدى
لهذا الإلتباس!! وبما أن اللغة السنسكريتية ليست لغتنا والترجمة ليست
من اختصاصنا فلنترك ذلك لمن يجيدها ومنه نستفيد!!.
هـ
وإذا كان صاحب "من وحي القرآن" قد صرّح في مواضع أخرى، بخلاف ما صرّح
به في الجزء العاشر منه، كما أشار إلى ذلك "الكاتب"، وأن عملية الهبوط
لم تكن عقوبة لآدم، فإنه مع وضوح دلالة النص المشكل، فلا أقل من القول
بأن ذلك من التناقضات التي ينبغي رفع الفاسد منها من كتبه، بل من واجبه
ذلك، الأمر الذي أشار إليه العلامة المحقق حيث قال:
"إذا كانت أقوال البعض متناقضة فليدل على الصحيح
منها ليؤخذ به، وليبين للناس الفاسد ليجتنب عنه.. كما أن من مسؤولياته
أن لا يتكلم بالمتناقضات.."(28).
ونضيف على كلام العلامة
المحقق: إن من مسؤولياته أن يرفع هذا التناقض لا أن يصرّ عليه ويدافع
عنه ويتبناه، بل و يجهد في اقناع الآخرين به، بعد توجيهه في محاولات
يائسة مباشرة أو عن طريق مريديه كما هو الحال مع "كاتبنا" الذي حاول
ذلك، بما مرّ من طرق طريفة مثيرة للشفقة والأسف معاً..
و ـ وإذا كانت هذه العبارة
أو تلك موهمة لا مشكلة على أقل التقادير، وما دام المقام مقام الحديث
عن أسباب خروج نبي الله آدم (ع) من الجنة، وعلاقة ذلك بالمعصية، فإنه
كان على صاحب هذه العبارة أن يبادر إلى التوضيح بأن الخروج من الجنة لم
يكن عقاباً لآدم (ع)، والتوضيح بأن معصيته ليست كمعصية إبليس، وأن
الفرق إنما في طبيعة المعصية وحيثياتها؛ حيث الأولى إرشادية والثانية
مولوية وذلك عملاً بمقتضى تقديم الأولى والأهم، بدلاً من التفريع في
كلامه عن الفرق على أنه الإصرار والتوبة..
وليكن ذلك خطأ من "صاحب
العبارة" في ترك الأولى فإنه أولى من الأنبياء بهذا النوع من الأخطاء،
اللهم إلا إذا كان "الكاتب" يعتقد بعصمته عن ترك الأولى دونهم (ع).
ز ـ
وأما قطع "الكاتب" في تعليقه على النص بأن مقصود صاحبه:
"ليس التشابه من جميع الجهات
والوجوه بل من جهة واحدة فحسب"(29)
فهو مما لا دليل عليه، ولا قرينة ترشد إليه، بل هو تمحل صرف لا سيما مع
وجود القرينة التي أشرنا إليها.
ثم من أين اكتشف هذا
المقصد، فهل أطلعه الله على غيبه وكشف له مكنون نفس صاحب هذه
العبارة!!.
وإذا كان ذلك هو مقصوده
فليصلح عبارته بحيث تدل عليه دلالة صريحة وواضحة حتى لا يقع في محذور
الطعن بالأنبياء والجرأة على مقامهم.
على أن مسارعة "الكاتب" لوضع
جملة اعتراضية توضيحية لكلام صاحبه الذي ما فتئ يدافع عنه دليل على ما
نقول.
النسيان وعدم العزم:
وتحت هذا العنوان يفاجئنا
"الكاتب" بالمبادرة إلى القول:
إن هاتين المقولتين: " قد صرّح بهما القرآن
الكريم [!!] وأن السيد الطباطبائي (قده) ذكرهما في تفسيره [!!](30).
وذلك منه مصادرة واضحة لأن
الإشكال إنما هو حول معنى النسيان والعزم المذكوران في القرآن الكريم
!! وليس على نفس استعمال الكلمات..
ولعل "الكاتب" قد رجع إلى
"المعجم المفهرس لألفاظ القرآن" فوجد لفظة " نسي" ولفظة "عزم"
فاعتبرهما تصريحاً بالمقولة!!!.
ولعله ذكر ذلك على سبيل
النكتة إلا أنه نسي ما عاهد الله عليه ولم نجد له عزماً على ترك
التمويه والتعمية والتضليل.
أما قوله:
إن العلامة الطباطبائي (قده) ذكرهما في تفسيره
فسنناقشه فيه وسنبين أنه لم يتدبر كلامه، بل لم يفهمه وأنه يفتري عليه
ويقوّله ما لم يقله..
وعلى أي حال، فإن من الواضح
البيّن أن النسيان المنسوب لآدم (ع) قد جعله صاحب من وحي القرآن سيفاً
قاطعاً سلطه على رأس آدم (ع) حيث يقول:
"كيف نسيا تحذير الله
لهما"؟!(31).
ويقول:
"ونسي ربه"؟!
(32).
ويقول:
"ونسي موقعه منه"؟!!(33).
فهلاّ أرشدنا "الكاتب" أين
ذكر الله ذلك في القرآن الكريم؟!.
وهلاّ أرشدنا عن الذي نسيه
عليه السلام؟! فهل هو التحذير، أم ربّه، أم موقعه منه؟!!.
ثم ما معنى قوله:(34)
"قد ينطلق من الشعور بالإساءة إلى مقام الله في ترك اتباع نصائحه.."(35).
فهل المعصية الإرشادية إساءة
إلى مقام الله أم إلى النفس؟!. وهل عصيان نصيحة الطبيب إساءة إلى
الطبيب وإلى مقامه أم إساءة من المريض إلى نفسه؟!.
وهل يعقل أصلاً أن تكون
معصية آدم (ع) إساءة إلى مقام الله؟!!.وهل هناك من يقول بمثل هذه
المقولة؟!!!.
وحتى لو كان العلامة
الطباطبائي (قده) يقول:
"إن النسيان هو نسيان عهد الربوبية"
فإنه (قده) قد ذكر أن ذلك يعني "غفلة الإنسان عن ذكر مقام ربه" لا
الإساءة إليه سبحانه وتعالى، فهناك فرق بين القولين..
بل أن العلامة الطباطبائي
(قده) قد صرّح بما لا يقبل الشك أن آدم (ع) قد أساء إلى نفسه، وفسّر
قوله تعالى:
"فتكونا من الظالمين" بالظالمين لأنفسهم، حيث قالا على ما حكاه الله
عنهما: "ربنا ظلمنا أنفسنا". كما استدل (قده) على هذا المعنى بأنه
تعالى: بدّل
هذه الكلمة في سورة طه بقوله:
".. فتشقى" أي فتتعب، وأن وبال هذا الظلم هو التعب في الحياة الدنيا..
فعلى هذا يكون الظلم منهما ظلم لأنفسهما لا بمعنى المعصية المصطلحة..(36).
بعد ما مرّ نسأل "الكاتب":
هل أن ما ذكره صاحب "من وحي
القرآن" من أن آدم (ع) أساء إلى مقام الله سبحانه هو مما يكاد يجمع
عليه العلماء؟!!!.وهل هو ما ذكره العلامة الطباطبائي (قده) والشهيد
الصدر (قده) وغيرهما؟!!.
أما قول صاحب "من وحي
القرآن": أن
آدم نسي تحذير الله لهما بالإقتراب من الشجرة فهو قول ساذج (بالمعنى
المصطلح المستعمل مع نبي الله آدم عليه السلام). والعلامة الطباطبائي
(قده) لم يضعفه –
كما ذكر الكاتب(37)
- بل رفضه رفضاً قاطعاً وقال:
إنه غير صحيح(38)
إذ كيف نسيا تحذير الله لهما وقد ذكره إبليس أمامهما كما في قوله تعالى:
(فوسوس لهما الشيطان وقال:
ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من
الخالدين..)
ولنفترض أن النسيان بمعنى
الغفلة، فهل هذا يبرر كل هذا التهويل بتلك العبارات من مثل:
"أطبقت عليهما الغفلة عن
مواقع الله ونهيه"(39).
وهل غفلا عن مواقع بالجملة!!
أم عن موقع واحد بحسب الفرض؟!!
و"استسلم لأحلامه
الخيالية.."(40).
فهل هذا من آداب الحديث عن
الأنبياء؟!!
أضف إلى ذلك أن النسيان لو
كان يتعلق بالنهي، فإن إبليس كان سيكتفي بإرشادهما إلى الشجرة ودعوتهما
للأكل منها ما داما نسيا هذا التحذير.. إلا أن ذلك لم يحصل، بل هو ذكر
النهي أمامهما ولذلك عمد لعنه الله إلى الإغواء (الإغواء المقابل
للرشد) بأن الأكل من الشجرة فيه منفعة كبيرة، وهو ما يتوافق مع كلام
العلامة المحقق الذي قال:
"إن عمل إبليس تركّز على
إظهار أن الإلتزام بنهي الله وإن كان فيه منفعة كبيرة لأنه يدفع ضرراً،
إلا أن تحمّل هذا الضرر بالأكل يجلب منفعة أعظم"(41).
وهو ما أشار إليه العلامة
الطباطبائي (قده) في شرحه لمعنى الغيّ في قوله تعالى:
"وعصى آدم ربه فغوى" حيث قال:
"إن الغي خلاف الرشد الذي هو
بمعنى إصابة الواقع وهو غير الضلال الذي هو خروج عن الطريق"(42).
فالغيّ هو عدم إصابة الواقع،
وهو ما يتلاءم مع كلام العلامة المحقق، لأن عمل آدم (ع) بكلام إبليس لم
يصب به الواقع فلم يحصل فيه منفعة.
أما صاحب "من وحي القرآن"
فقد إعتبره " إنحرافا ً" بقوله:
"لم تكن عملية الهبوط عقوبة لهذا الإنحراف عن أوامر الله"(43).
والإنحراف هو خروج عن
الطريق، أي فهو الضلال كما أشار إليه العلامة الطباطبائي (قده).
وعليه فإن صاحب "من وحي
القرآن" في تفسيره لمعنى الغيّ بحسب رأي العلامة الطباطبائي (قده)
يعتبر الغيّ ضلالاً.
فكيف يستقيم بعدما مرّ ادعاء
"الكاتب" بأنه لا فرق بين كلام العلامة الطباطبائي (قده) وكلام صاحبه.
وليخبرنا "الكاتب" عن معنى
قول صاحب (من وحي القرآن): "..من دون أن يشعر أن ذلك يمثل تمرداً على
الله وعصياناً لإرادته"(44)
. ألا يعني ذلك أن آدم (ع) قد فعل ما فعل من دون أن يشعر بأن ذلك يمثل
تمرّداً على الله وعصياناً لأوامره ولإرادته لكنه في الواقع كذلك؟!.
فهل المعصية الإرشادية تمثل
تمرداً أو عصياناً.. فما بالكم كيف تحكمون؟!!
ونسأل "الكاتب" ومعه صاحب
المقولة: أي إرادة لله عصاها وتمرد عليها آدم عليه السلام؟!!.
هل هي الإرادة التكوينية أم
الإرادة التشريعية؟!!.
أم أنه سيتحفنا بتقسيم جديد
للإرادة الإلهية أيضاً؟!! كأن يقول هناك إرادة إرشادية!! وأخرى
مولوية!!.
وعلى أي حال،
فالفرق واضح بين ما ذكره صاحب "من وحي القرآن"
وبين كلام العلامة الطباطبائي (قده) الذي يعتبر أن المعصية الإرشادية
لم تكن ناتجة عن النسيان، أي أن الأكل من الشجرة لم يكن نتيجة للنسيان،
بل النسيان كان نتيجة للأكل، لأن النسيان يسببه عيش الإنسان في الدنيا
وهي دار الغفلة، ولا يتم تجنبه إلا بالتوبة والتقرب إلى الله فهو
(قده) يقول:
"ومن هنا تحدث إن كنت ذا
فطانة أن الشجرة كانت شجرة في إقترابها تعب الحياة الدنيا وشقائها وهو
أن يعيش الإنسان في الدنيا ناسياً لربه غافلاً عن مقامه، وأن آدم (ع)
كأنه أراد أن يجمع بينها وبين الميثاق، ووقع في تعب الحياة الدنيا، ثم
تدورك له ذلك بالتوبة"(45).
ومعنى كلامه (قده) أن آدم
(ع) أراد أن يجمع بين الميثاق والخلود الذي يسببه الأكل من الشجرة كما
أقسم له عليه إبليس. لكن الأكل أدى إلى الهبوط إلى الدنيا وهي دار
الغفلة التي تقتضي نسيان الميثاق، ما لم يتقرب الإنسان إلى الله..
وهذا الكلام صريح بأن
النسيان كان بسبب الأكل من الشجرة الذي أدى إلى الخروج من الجنة إلى
الأرض.
بعد ما مرّ ألا يعتبر ما
ذكره "الكاتب" حول رأي العلامة الطباطبائي (قده) كما قدّمه افتراء
عليه، أو على الأقل قلة تدبر وتأمل منه في كلامه؛ لا سيما أنه شبّهه
بكلام صاحب "من وحي القرآن".
السذاجة:
أما اتهام "الكاتب" للعلامة
الطباطبائي (قده) بأنه قد وصف آدم (ع) بالسذاجة فمما يندى له الجبين.
والحق أن العلامة الطباطبائي
(قده) إنما تحدث عن الإنسان الأول، ولم يتحدث عن الأنبياء، لأنهم (ع)
كانوا حالة مميزة عن الإنسان الأول، وهذا التميز هو سبب الإصطفاء،
وبالتالي: فلا يصح
حمل كلامه (قده) على الأنبياء.
أضف إلى ذلك، أنه كيف يمكن
وصف نبي الله آدم (ع) بالسذاجة!! (بمعنى سذاجة الفكر وبساطة الإدراك)
كما عرفها "الكاتب" نفسه(46)
والحال أن الله تعالى، كان قد علمه الأسماء كلها، بغض النظر عن ما هية
تلك الأسماء، ومسمياتها، وذلك قبل إسكانه الجنة..
ثم إن "الكاتب" قد ذكر أن
السذاجة تارة تعني البساطة في الإدراك، وامتلاك البديهيات، وقليل من
النظريات، وأخرى تعني عدم الإطلاع على مكائد، وأساليب إبليس(47).
فهل هذه تساوي تلك؟! أي هل
عدم الإطلاع على مكائد إبليس وأساليبه يساوي البساطة في الإدراك..؟! أم
أن ذلك من تبعات تلك؟!!.
وهل حديث العلامة الطباطبائي
(قده) عن الإنسان الأول وأنه كان يعيش على بساطة، وسذاجة في الفكر هو
الدليل الذي يملكه على أن ذلك مما أجمع عليه علماء المذهب أو كادوا؟!!
ويا ليته بيّن لنا كيف فهم ذلك من كلامه؟!!.
وأين كلمات الشيخ الطوسي
(قده) والطبرسي (قده) وغيرهما مما ذكره، فهل يقول هؤلاء بهذه المقولة؟!
وهل يصفون نبي الله آدم (ع) بهذه الصفة (أي السذاجة) والسقوط إلى درك
الخطيئة، وما شابه؟!..
ومن أي معجم لغوي حصل على
هذا التعريف أن السذاجة تعني:
"عدم الإطلاع على مكائد إبليس"؟!!.
وكيف تكون السذاجة التي تعني
البساطة في الإدراك.. غير منافية لتعلمه الأسماء كلها؟!!.
ثم من أين علم هذا "الكاتب"
أن العلامة المحقق لم يطلع على ما ذكره صاحب "لسان العرب" الذي يفسّر
السذاجة بـ:"عدم إمتلاك البرهان القاطع"؟!!.
أليس في قول العلامة المحقق
أيده الله:
"وكيف يكون آدم (ع) ساذجاً وقد خلقه الله تعالى بيده، وعلمه الأسماء
كلها، وأثبت لهم أنه أوسع علماً ومعرفة منهم.."(48)
أليس في قوله هذا ما يدل على إمتلاكه للبرهان القاطع؟!! ولذلك دفع عنه
صفة السذاجة التي لا تلتقي مع امتلاكه لذلك.
ولعل "الكاتب" فهم من كلام
العلامة المحقق أنه يذهب إلى أن السذاجة تعني:"
التطلع إلى الأمور بنظرة حائرة بلهاء"؟!(49)
ولهذا قال: أنه لا
ينبغي أن يتبادر إلى ذهن العلامة المحقق هذا المعنى على الإطلاق، لأن
السذاجة لا تعني البلاهة وإن هذا التبادر خاطئ(50).
لكن قوله هذا إفك عظيم،
وتضليل ما بعده تضليل، فالعلامة المحقق إنما نقل كلام صاحبه الذي يدافع
عنه، فإنه هو الذي عرّف السذاجة بهذا المعنى حيث يقول: "لأن توجيه
الوجه لله لا يعني - في مدلوله العميق - هذا الموقف الساذج الذي يتطلع
فيه الإنسان نحو الأفق الممتد في السماء بنظرة حائرة بلهاء"(51).
ولندع هذا الأمر جانباً
لأننا سنعود إليه، ولنعرض قليلاً عن وصف صاحب "من وحي القرآن" لنبي
الله آدم (ص) بالسذاجة التي قال "الكاتب" أنها تعني البساطة في الإدراك
وعدم الإطلاع على مكائد إبليس، وأساليب اللف والدوران، ولنبق مستحضرين
لهذا المعنى لأننا سننتقل للكلام حول نبي الله إبراهيم الخليل (ع) الذي
وصفه صاحب "من وحي القرآن" بالسذاجة أيضاً!! حيث قال وهو يتحدث عنه (ع):
"لأن الفكرة الساذجة تجعله في الأفق الأعلى البعيد (فلما جن عليه الليل
رأى كوكباً قال: هذا
ربي).. في صرخة الإنسان الطيب الساذج..".
وقال:
"ولعل هذا هو الذي نستوحيه من الجو النفسي الساذج
الذي توحي به الآية".
وقال:
"فتكبر الصرخة في طفولة بارزة:
هذا ربي وهذا أكبر.. لأن الأشياء الكبيرة توحي للفكر الساذج بالهيبة
والعظمة"(52).
هذه أربعة موارد كرر فيها
صاحب "من وحي القرآن" هذا الوصف لشيخ الأنبياء إبراهيم الخليل (ع) في
أربع صفحات متتالية، من كتابه وقد كرّر هذا الوصف له (ع) مرتين في صفحة
واحدة ورغم ذلك فقد تجاهل "الكاتب" هذا الأمر ولم يتعرض له في حديثه عن
إبراهيم (ع)؟!(53).
ولعله يريد أن يوحي بأن ذلك
يتوافق مع تفسير الآيات، بأن ذلك كان في زمن طفولة إبراهيم (ع)، وأن
هذا التفسير هو الإتجاه الثاني الذي تحدث عنه صاحب "من وحي القرآن".
ولكن هذه المحاولة منه
للإفلات لن تنجح لأنه أكد وأكد بأن "السيد" يعتبر الإتجاه الأول هو
الأقرب؛ والإتجاه الأول هو إعتبار فعل إبراهيم (ع) بأنه "محاكاة
استعراضية.. في محاولة إيحائية لمن حوله بسخافة هذه العقائد.."(54).
وقد قدم "الكاتب" ثلاثة
شواهد وقرائن تؤكد تقريبه لهذا الإتجاه وقد لخصّها كالتالي:
ـ التمرد على البيئة.
ـ رؤية الملكوت
ـ الأسلوب الواقعي في الحوار(55).
ثم بعد ذلك قدم "الكاتب"
مواطن أربعة جعلها شواهد على أن "السيد" يركز على هذا الإتجاه، ويؤكد
ترجيحه له، بل:
"وتبنيه له في إجاباته عن الأسئلة التي ترد عليه حول رأيه في مقولة
إبراهيم (ع): "هذا
ربي" فإنه لا يذكر سوى عند الرأي الذي يذهب إلى أن ذلك إسلوب رائع من
أساليب الحوار"(56).
مما مرّ يتضح أن صاحب "من
وحي القرآن" - بحسب إدعاء "الكاتب" - قد استبعد الإتجاه الثاني بأن
ذلك كان في زمن طفولته وسيأتي عدم صحة هذا الإدعاء أيضاً.
فلماذا إذن كل هذه الأوصاف
لنبي الله إبراهيم (ع) لا سيما وصفه بالسذاجة؟!!.
وهل من يقوم بهذا النوع من
المحاكاة لإظهار سخف عقائد قومه يوصف "بالسذاجة" أو "بالبساطة في
الإدراك" أو "بأنه غير مطلع على أساليب اللف والدوران ومكائد
إبليس.."إلخ؟!!.
وكيف يمكن التأليف والتوفيق
بين ما نقله "الكاتب" عن صاحب "من وحي القرآن" بأن اسلوب إبراهيم (ع):
"أسلوب رائع من أساليب الحوار"(57)
وبين هذه الأوصاف؟!! فهل من يمارس هذا الأسلوب الرائع يوصف بالسذاجة
والبساطة في الإدراك.. وفق تعريف "الكاتب نفسه"؟!!.
ولو فرضنا أن "الكاتب" رجح
الإتجاه الثاني، فإن الأمر سيان وسيوقعه ذلك بما هو أمرّ وأدهى وهو أن
إبراهيم (ع) قد عاش مع الكوكب في حالة من التصوّف والعبادة لهذا الرب
النوراني، وأنه اكتشف الحقيقة الصارخة، وأنه أقبل عليه (أي على الكوكب)
في خشوع العابد وفي لهفة المسحور.. وغير ذلك من صور وأشكال حلّق بها
صاحب "من وحي القرآن" بعيداً.
أضف إلى ذلك أن المعصوم لا
يحتمل في حقه أنه قد عبد الكوكب ووجود الإحتمال لا يجتمع مع الإعتقاد
لأن الإعتقاد معناه اليقين.
فكلمة "رجح" تفيد أن
الإحتمال المرجوح باقٍ فكيف يقول:
أنه يعتقد بعصمته عن الشرك وعبادة الكواكب و..؟!!.
فالواقع أن الإتجاهين الأول
والثاني لا ينسجمان مع ما استعمله صاحب "من وحي القرآن" من ألفاظ
وتعابير وأوصاف بحق نبي الله إبراهيم (ع) الأمر الذي كان محط نظر
العلامة المحقق ومحل إشكالاته، حيث إن تبني أو ترجيح الإتجاه الأول لا
ينسجم مع وصف النبي، الذي قدم أسلوباً رائعاً في الحوار، بالسذاجة.
وسيأتي المزيد من التوضيح
حول كلام صاحب "من وحي القرآن" عن نبي الله إبراهيم (ع).
والحقيقة أن ما قام به
"الكاتب" كان غاية في التقليد والترديد لمقولات صاحب "من وحي القرآن"
المتهافتة والمتناقضة بحيث أنه لم يأت بشيء جديد مما يجعله مصداقاً
لقول القائل:
"وهل من نهاية في التقليد أبلغ من أن يتبع المقلّد إمامه في خروجه عن
عقله.. وهل من خروج عن العقل أعظم من أن يقول المرء بالشيء ونقيضه".
والجدير ذكره أن كتاب "من
وحي القرآن" طبع وهو في متناول أيدي الناس على إختلاف مستوى وعيهم
وثقافتهم، فهو بين أيدي المثقفين كما هو بين أيدي العوام، الأمر الذي
يدعو بشكل ملح إلى مراعاة إختلاف مستويات الفهم، وهذا ما كان يجدر
"بالكاتب" أن يعالجه لا سيما أنه قد أشار إليه(58)
وتوقف عنده داعياً لمراعاة الألفاظ التي يفهمها العامي من غير وجهها
اللغوي الصحيح من قبل الخطباء والكتّاب(59)،
لكنه اعترض بأن ذلك على إطلاقه يؤدي إلى كوارث خطيرة(60).
إلا أنه لم يلفت أو لم يلتفت
إلى أن تجاهل صاحب "من وحي القرآن" وعدم مراعاته لهذا الأمر في المقابل
هو الذي ينشر هذه الكوارث ويزيدها خطورة، لا فهم العامي أو المثقف، هذا
إذا سلمنا أن الأمر ناشئ عن عدم مراعاة الألفاظ التي نرى أنها أحيطت
بعناية فائقة لتؤدي المعنى المراد منها بدقة، ودليلنا على ذلك هو
الطبعة الثانية الجديدة لكتاب "من وحي القرآن" الذي أصّر مؤلفه على
استعمال نفس المفردات والعبارات المشكلة رغم الإعتراضات الكبيرة التي
واجهها.
على أننا نرى أن شريحة لا
بأس بها منهم قادرة على فهم النص ومحاكمته.
ثم إن "الكاتب" قد اعتبر أن
الكوارث الخطيرة ناتجة عن الإنسياق وراء تبديل الكلمات والمصطلحات بما
يتناسب والدلالات اللغوية المتغيرة مع مرور الزمن، وهو كلام في محله إذ
أن الإنسياق وراء بعض المذاهب المعرفية الداعية لهذا الأمر كعلم النصوص
والدلالة والألسنية وغيرهم سوف يؤدي حتما إلى ضياع دلالات النصوص
المقدسة ومقاصدها..
ولكن ثمة بديل آخر عن ذلك،
من دون الحاجة إلى تغيير المصطلح وهو الإبتعاد عن التعابير التي لها
دلالات تسيء إلى الأنبياء، ومع الإصرار فإنه يمكن الإشارة في الهامش
إلى أن المقصود من " السذاجة " مثلاً هو هذا المعنى لا المعنى
المتبادر، لكن هذا على فرض إطلاق لفظ السذاجة، وقد تقدم أن صاحب "من
وحي القرآن" لم يطلقه دون تحديد لمعناه، بل ذكر أن معناها هو التطلع
للأمور بنظرة حائرة بلهاء كما بينّا!!!
الضعف
البشري والرغبة المحرمة:
والطريف هنا هو قول "الكاتب"
إنه قد صرح بهاتين المقولتين الكثير من المفسرين.. وفضّل في هذا المورد
بالذات وعلى غير عادته القول إنه:
"لا داعي للإعادة"(61).
ولعله عجز عن إيجاد شاهد
يؤيد ذلك في كتب المفسرين فتهرب بهذه الطريقة "الطريفة"، كما عجزنا عن
أن نعثر على قول مفاده:
أن نبي الله آدم (ع) كان يعيش الضعف البشري أمام الحرمان أو أنه قد
مارس الرغبة المحرمة؛ هذه المقولة التي رغب عنها "الكاتب" ولم يحم حول
حماها حتى لا يقع فيها!! بل لم نعثر على ما يشير من حيث الشكل أو
المضمون لهاتين المقولتين لا سيما عند الطباطبائي (قده) والطوسي (قده)
والطبرسي (قده).
وإذا كان الأمر كذلك، وهو
كذلك، فكيف تكون هاتان المقولتان مما يكاد يجمع عليهما علماء التفسير
منذ عصر الشيخ الطوسي(قده). حتى عصرنا الحاضر؟!.
على أن ما ذكره "الكاتب" عن
قول العلامة المحقق في "الصحيح في سيرة النبي الأعظم" حول قوله تعالى:
(ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً).. وبالحرف الواحد:
إن
هذه الآية تدل على أنه لو كان لآدم (ع) طاقة وتحمل لما أقدم على ما
أقدم عليه، مما يعني أن النسيان ناشئ عن عدم القدرة على التحمل"(62).
فهو تشبيه غريب بين كلام
العلامة المحقق وكلام صاحب "من وحي القرآن" وحديثه عن الضعف البشري
أمام الحرمان.
إذ أن ما استظهره العلامة
المحقق من الآية هو:
إنها تربط بين النسيان والعزم (فنسي ولم نجد له
عزماً) أي لم يجد له عزماً بسبب نسيانه وهذا هو المعنى اللغوي لكلمة لم
نجد له عزماً فقد ذكره ولم يوضح حقيقته، ولا أشار إلى أسبابه، بل أراد
مجرد الإشارة إلى الربط بين النسيان وبين العزم. بغض النظر عن معنى
النسيان .
فالعلامة المحقق لم يشر، لا
من قريب ولا من بعيد، إلى الأمر الذي لم يستطع آدم (ع) أن يتحمله.
وإن كان "الكاتب" يريد أن
يوحي بأن هذا الأمر إنما هو عدم القدرة على تحمل إغراءات إبليس، فهذا
افتراء محض ولا دليل عليه البتة.
وقد تقدم مراراً وتكراراً أن
آدم لم يكن يعيش الضعف البشري أمام الحرمان، لأن هذه العبارة توحي بأنه
ضعف أمام إغراءات إبليس، والحال أن آدم (ع) لم يقدم على ما أقدم عليه
بسببه، بل بسبب قسم إبليس أنه له لمن الناصحين..
أما تجاهل "الكاتب" لمقولة
صاحب (الوحي) حول إقبال آدم (ع) على ممارسة الرغبة المحرمة(63)
فهو أمر اعتدناه منه في الكثير من الموارد المحرجة، والفاضحة، التي
يمثل عرضها إدانة لمطلقها فكيف بتبنيها والدفاع عنها..
وكيف يمكن أن يكون إقدام نبي
الله آدم (ع) على الأكل من الشجرة ممارسة للرغبة المحرمة؟!!.
وهل يمكن أن تكون هذه
المقولة من وحي القرآن حقاً؟!!.
الدورة التدريبية لآدم عليه السلام:
أما عن هذه المقولة وإدعاء
"الكاتب" أن العلامة المحقق راح يستهزئ بها!(64).
فإننا بدورنا سنعرض كلامه
الذي نقل "الكاتب" بعضه لنرى مدى الإفتراء والتجني عليه..
يقول العلامة المحقق:
"أما الدورة التدريبية التي
تحدث عنها بالنسبة لآدم ولغيره من الأنبياء فنحن نخشى أن يكون ثمة رغبة
في الحديث عن دورات مماثلة لعيسى والإمامين الجواد والهادي، والمهدي
عليهم السلام!! حيث أن تصدّيهم للمقامات الإلهية لم تسبقه دورة تدريبية
فيها أوامر إمتحانية وعسكرية إلا أن يقال:
إن إمامتهم لم تبدأ في ذلك السن، وبقي مقام النبوة
والإمامة شاغراً إلى أن انتهت دوراتهم التدريبية.
ولعل ما يعزز هذا الإحتمال
ما قالوه من أن "غيبة الإمام المهدي عليه السلام إنما هي ليكتسب خبرة
قيادية" فلما أوردنا عليهم الإشكال قالوا:
"إن الشهيد الصدر هو الذي قال ذلك" فراجعنا كلام الشهيد الصدر فوجدناه
يقول: "وعلى هذا
الأساس نقطع النظر مؤقتاً عن الخصائص التي نؤمن بتوفرها في هؤلاء
الأئمة المعصومين.. أي من أجل تقريب الفكرة لمن يعتقد بما نعتقده كذا
وكذا.."(65).
فنسأل هذا "الكاتب" من أين
علم أن العلامة المحقق راح يستهزئ؟!
فلعله قرأ قوله:
".. فيها أوامر إمتحانية وعسكرية"
فاستنبط منه أن في ذلك إستهزاء، وهو لا يدري أن ذلك كلام صاحب "من وحي
القرآن" الذي يقول:
"ولكنه كان أمراً إمتحانياً، إختبارياً، تجريبياً، وكان أمراً
تدريبياً، تماماً كما يتم تدريب العسكري"(66).
فإذا كان في هذا الكلام
استهزاء، فهو كلام (السيد). أما العلامة المحقق فلم يلتفت إلى ما التفت
إليه هذا "الكاتب" من استهزاء في هذا الكلام ولم يحمل على هذه المقولة
بالذات، إنما أراد أن يعبر عن خشيته من أن يكون الحديث عن دورة تدريبية
لآدم (ع) تمهيداً للحديث عن دورات تدريبية لعيسى (ع) ولبعض الأئمة (ع)
كالإمام الجواد (ع) والهادي والإمام المهدي عليهم السلام، فيكون بذلك
قد التف على أي إمكانية لدعوى من هذا النوع.
بيد أن هذه الخشية لم تأت من
فراغ فهو قد أشار أيضاً إلى علامات تبرّر هذه الخشية كمقولة تبرير غيبة
القائم (عج) بأن الغاية منها هي إكتساب الخبرة القيادية، هذه المقولة
التي ينشؤون عليها الأجيال في إحدى الجمعيات الإسلامية للتعليم الديني
رغم ما تثيره هذه المقولة من علامات استفهام توحي بأن القائم (عج)
يحتاج لإقامة الحكومة الإسلامية لبضع سنين - كما تشير إلى ذلك الروايات
- إلى دورة تدريبية لإكتساب خبرة قيادية تستمر أكثر من ألف عام، ومن
يدري فقد تحتاج إلى آلاف الأعوام حيث لا زالت هذه الدورة مستمرة؟!.
وتوحي أيضاً أن عدم نجاح
الأئمة عليهم السلام في إقامة الحكومة الإلهية يعود لعدم اكتسابهم لمثل
هذه الخبرة ولعدم قيامهم بمثل هذه الدورة؟!! ولما كان الإمام الحجة
(عج) آخر الأئمة (ع) كان لا بد من غيبته هذه لإكتساب هذه الخبرة
القيادية إحترازاً من الفشل، وبالتالي ضمان النجاح؟!!.
ولعمري إنها لأطول دورة
تدريبية عرفها التاريخ وأغربها وأعجبها ولعلها تستحق أن تدرج في موسوعة
غينيس للأرقام القياسية..
ولعمري إنها مقولة فيها
استهزاء بالدين والعقيدة ما بعده استهزاء وإستخفاف بالقيم والمقدسات ما
بعده استخفاف، هذا فضلاً عن كونها تجرؤاً على مقامات الأنبياء والأئمة
عليهم السلام ما بعده تجرؤ!!.
وهناك علامات أخرى تبرّر
للعلامة المحقق خشيته، فإن ثمة مقولات شفهية وإن لم تصل بعد إلى حد
المقولات المكتوبة تحامل فيها "مستوحيها" على إعتقاد الشيعة بإمامة
الجواد عليه السلام وهو في سن السادسة من العمر بقوله خلال أحد
اللقاءات التي جرت بينه وبين العلامة المحقق قبيل إصدار كتاب مأساة
الزهراء ما مضمونه:
إنه كيف يقنع الناس بأن
إمامهم صبي عمره ست سنوات، لذا هو يستبعد ذلك ويحاول أن يثبت أن عمره
الشريف كان آنذاك أكثر من ذلك بكثير، وهو ما ذهب إليه السيد هاشم معروف
الحسني في كتابه "سيرة الأئمة الإثنى عشر" رغم عدم وجود أي نص يشير إلى
ذلك ورغم وجود نصوص صريحة تؤكد صغر سنه بإعتراف الحسني نفسه(67)
الأمر الذي ينتهي بشكل أو بآخر إلى إنكار إمامة الجواد عليه السلام
بناء على هذه المقولة التي ترتكز على استبعاد قيام الإمام عليه السلام
بشؤون الإمامة وهو غلام صغير!!!.
ولا يتوقف الأمر على إمامة
الإمام الجواد (ع) كما أشرنا بل يستلزم ذلك أيضاً إنكار إمامة الهادي
(ع) والإمام المهدي.. وكذلك هو يستلزم أيضاً إنكار نبوة عيسى في المهد
حيث صرّح نفس صاحب هذه المقولة في معرض الحديث عن قوله تعالى (آتاني
الكتاب وجعلني نبياً وجعلني..) أنه حديث عن المستقبل وقد جاء بصيغة
الماضي للتأكيد على حصوله أي أن الله سيأتيه الكتاب وسيجعله نبياً في
المستقبل!!(68).
وعليه، فمن حق العلامة
المحقق أن يعبر عن خشيته وعن مخاوفه، بل من واجبه ذلك.. ومن حقنا أن
نتساءل وأن نثير علامات الإستفهام والإستهجان حول هذه المقولة الجريئة
وغير البريئة هذا في الوقت الذي يدعي فيه صاحبها أنه قد تصدّى لكتابة
المقالات الأدبية، بل ولإصدار مجلة، وإستكتاب بعض الشخصيات وهو بسن
العاشرة أو الحادية عشر!!(69)
وكأن الله اجتباه واختصّه بما لم يختص به أولياءه وأغناه عن الحاجة إلى
دورة تدريبية بما لم يغنهم عنه!!! فتبارك الله أحسن الخالقين!!!.
وخلاصة القول:
إن صاحب "من وحي القرآن" يستبعد أن يتصدّى
المعصوم لشؤون الإمامة صغيراً في الوقت الذي يدرس فيه العلماء ظاهرة
النبوغ المبكر لدى الأطفال، حيث بتنا نسمع ونرى بين الحين والآخر آيات
عبارة عن أطفال يتميزون بطاقات وقوى يعجز العلم والعقل عن تفسيرها. حتى
إن بعض هؤلاء قد نال شهادة الدكتوراه في العلوم الرياضية عالج في
رسالته أعقد مسائلها - هذه الآيات ـ إنما يرينا الله إياها بين الحين
والآخر لنـزداد رسوخاً في الإيمان و العقيده.
ولعمري فإن مغزى كلام
العلامة المحقق ومؤاخذاته على هذه المقولة لا يدركه من كان ذو عصبية،
وإنما يدركه من كان متجرداً حراً في رأيه.
طرائف
إبلسية
استغرب "الكاتب" قول العلامة
المحقق في تفسيره لفعل آدم عليه السلام:
"وليس من حق آدم (ع) أن يكذب أحداً لم تظهر دلائل
كذبه، فكان من الطبيعي أن يقبل آدم (ع) منه ما أخبره به"(70).
وهو استغراب لا مبرّر له،
لأن ما استدل به على حقه بالإستغراب هو أن آدم (ع) وزوجته في جوابهما
لله عز وجل عندما سألهما "ألم أنهكما عن تلكما الشجرة.." قالا:
"ربنا ظلمنا أنفسنا" ولم يقولا:
"أنه ليس من حقنا تكذيب إبليس في إخباره" وهو استدلال طريف.
ونجيب:
أنه لم يفهم كلام العلامة المحقق الذي يريد أن يقول:
إن الله عز وجل لم يزد على أن حذرهما من إبليس أن
يخرجهما من الجنة فيكون التعب والشقاء، وإبليس لم يتحدث معهما عن
الخروج من الجنة ولا عن معصية الله، وإنما ذكّرهما بنهي الله لهما عن
الشجرة بقوله: (ما
نهاكما ربكما ..) ثم فسّر لهما أسباب النهي عن الشجرة وقاسمهما أنه
لهما لمن الناصحين، ولم يكن ثمة ما يدل على وجود كذب لديه حتى ولو كان
يرغب في إخراجهما من الجنة .
ومهما يكن من أمر، فلماذا لا
ينطبق هذا الذي استدل به على كلام صاحبه الذي يدافع عنه، إذ أن آدم (ع)
وزوجه قالا: "ربنا
ظلمنا أنفسنا" ولم يقولا:
"لم يكن لنا عهد بأساليب اللف والدوران.."؟!!.
والأطرف من ذلك تأييده لكلام
صاحبه برواية الكافي عن الصادق (ع) رغم أنها رواية مؤيدة لكلام العلامة
المحقق( أيده الله) بطريق أوضح وأظهر،حيث أن آدم (ع) وفق الرواية
المذكورة لم يقل: لا
عهد لي بأساليب اللف والدوران بل قال:
إن إبليس حلف بالله، فما ظننت أن أحداً من خلق الله يحلف بالله كاذباً.
ألا يعني هذا أن الذي يحلف
بالله لا ترد شهادته ما دام لم تظهر له دلائل كذبه؟!.
كذلك ما ورد في رواية مسعدة
بن صدقة عن أبي عبد الله (ع) التي ذكرها "الكاتب"(71)
وهو قول آدم لموسى (ع):
"فوثقت بيمينه، فهذا عذري" فإنه يشهد على صحة ما ذهب إليه العلامة
العاملي.
والأطرف من هذا وذاك قول
"الكاتب":
كيف لم يظهر لآدم كذب إبليس رغم التحذيرات الإلهية؟! وقوله:
أليس هو تحذير عن التصديق بأخباره والإستماع إلى أقواله؟!(72)
إذ هو في إنطباقه على كلام صاحبه أقرب وأولى،لأن تحذيره تعالى له بأنه
عدو، دليل على إعلامه بأن ثمة من يمارس "أساليب اللف والدوران" إذ أن
هذه التحذيرات إنما هي من أجل أن لا يخرجهما من الجنة ومن أنه عدو،
وذلك لا يعني أنه كاذب لا محالة حتى حينما يقسم بالله.. فإن العدو قد
يقاتل عدوّه لكنه ربما لا يجرؤ على القسم الكاذب، بل وربما لا يكذب
أصلاً.
وعليه فإن آدم (ع) لم يصدق
إبليس بسبب عدم عهده بأساليب اللف والدوران بل هو لم يصدقه لمجرد دعوته
له للأكل كما هو ظاهر من الآيات وإنما لقسمه بالله.
على أن القسم إنما يلجأ إليه
المقسم في حالتين:
الأولى:
أن يبادر إبتداءً بالقسم وهو إنما يستعمله من يستعمله عندما يعلم أن
الطرف المقابل له موقف حذر منه ومن أقواله.
الثاني:
حينما يعجز عن إقناع الطرف الآخر بصدق كلامه بعد أن لم يعجزه عن حيلة،
ولم يدّخر وسيلة، فيلجأ للقسم.
وقوله تعالى:
(ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين
أو تكونان من الخالدين.. وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) يشعر بأن آدم
(ع) رفض قوله أولاً، فلجأ إبليس إلى القسم كما أن التعبير يوحي بأن آدم
(ع) لم يصدقه لمجرد قسمه بل لمبالغته في القسم.
أضف إلى ذلك أن تحذير الله
لآدم (ع) من إبليس جاء وفق الآية بتعبير:
(إن هذا عدو لك ولزوجك) ومن طبيعة العدو ومن شأن
العداوة استعمال الخديعة بالضرورة، وأساليب اللف والدوران ولكن ليس
بالضرورة لجوء العدو للقسم.
ومن هنا يمكن استظهار أن
كلمة:
"العدو" المستعملة في التحذير الإلهي من إبليس وإن استبطنت عدم الأخذ
بقوله، لكن ليس فيها دلالة على عدم الأخذ بقوله مع القسم، بل المقاسمة.
هذا كله على فرض أن المقاسمة
على صيغة المبالغة،أما على فرض أنها "مفاعلة": فلعل المراد بقاسمهما
أنهما طلبا منه القسم، فأقسم لهما؟.. أو أنهما قد أقسما عليه بالله أن
يقول الصدق،فأقسم لهما أنه صادق ..مما يعني أنهما إحتاطا للأمر، وألجآه
الى القسم،تماماً كما يفعل المتخاصمان أمام القضاء،فإنهما يكذّب بعضهما
بعضاّ ويدعي بعضهم على بعض أموراّ تدخل في دائرة العداوات كالقتل وغيره
..ويكون الحل هو القسم أو ما الى ذلك .فاللجوء إلى طلب القسم من العدو
لفض النـزاعات أمر ثابت في الدين. ويبدو أن هذا " الكاتب" ينكر هذا
الأمر، وإلا فما معنى هذه الآيات كلها التي حشدها والمتعلقة بعدم الأخذ
بقول بعض الناس حتى مع قسمهم.
ومهما يكن من أمر،فكونه عدو
لهما لا يمنع من تحتم تصديقه عليهما حينما يقسم لهما.. وقد عاملاه
معاملة الخصماء بطلب القسم منه.
فيتضح من كل ما تقدم أن
قول العلامة المحقق قول سديد ومؤيد، والتفاتة موفقة تنسجم وتتناسب
وسياق الآيات، ودلالات الألفاظ..
ومن جهة أخرى فإننا إذا
أردنا أن ننحو منحى "الكاتب" في تعليقه على قول العلامة المحقق بقوله:
"إذا كان من الطبيعي أن يقبل آدم (ع) من إبليس ما أخبره به وكان لا
يملك حق تكذيبه، فلماذا اعتبره الله عاصياً، أو غاوياً، أو ظالماً، أو
ناسياً للعهد، أو فاقداً للعزم"(73).
فعندئذ نقول له وفق منطقه:
إن كان آدم (ع) لا عهد له بأساليب اللف والدوران، والغش، والخداع..
فلماذا اعتبره الله عاصياً، غاوياً، ظالماً، ناسياً للعهد، فاقداً
للعزم. ونقول له أيضاً: (ما هكذا تورد يا سعد الإبل).
أما قوله:
"إن إبليس نفسه ذكر آدم (ع) بالنهي الرباني بقوله:
"ما نهاكما عن هذه الشجرة.." فيدل دلالة واضحة على أن آدم (ع) لم يكن
ناسياً للنهي، وحتى لو كان ناسياً فإن إبليس.. قد ذكره"(74)
فهو قول طريف، ومن حق العلامة المحقق أن يقول له:
"هذه بضاعتنا ردّت إلينا".
فيتضح مما مر صوابية رأي
العلامة المحقق بأن آدم (ع) لم ينس، إنما ترك العمل بالنصيحة لما قاسمه
إبليس، والتارك للعمل بالنصيحة، والمعرض عنها حاله حال الناسي، فيصح
وصفه بذلك وإن لم يكن في الواقع كذلك(75).
ونضيف:
إن آدم (ع) لم يكن ناسياً حقيقة للتحذير الإلهي من إبليس وإنما هو
عَمِلَ عمَلَ الناسي، ولو كان هناك نسيان حقيقي لاكتفى إبليس بإرشادهما
إلى الشجرة وتصوير منافعها لهما كذباً. ولكن ذلك لم يحصل.
أضف إلى ذلك أن لجوء إبليس
للمبالغة بالقسم، أو إستدراج آدم (ع) له للقسم يشعر أنه لم يكن ناسياً
لعداوته، لذا لم يصدقه إلا بعد أن قاسمه بأنه له لمن الناصحين.
أما رأي العلامة الطباطبائي
(قده) بأن النسيان هو نسيان العهد الربوبي فهو رأي غير سديد مخالف
لظاهر الآية ولدلالاتها اللغوية. وليس المقام هنا مقام مناقشة ذلك إنما
هو مقام إظهار محاولات "الكاتب" الجاهدة والمستميتة لتوجيه مقولات صاحب
"من وحي القرآن" وإظهار عدم جرأتها، بل موافقتها لآراء العلماء الأعلام
الأمر الذي لم يوفق إليه رغم إستعماله لأساليب اللف والدوران التي يبدو
أن له باعاً طويلاً بها وعلماً بمناهجها كما رأيت وسترى.
مقولات تجاهلها الكاتب
والملفت حصر "الكاتب"
لمقولات صاحب "من وحي القرآن" المتعلقة بآدم (ع) بما مرّ، وتجاهله
لغيرها من المقولات، خاصة تلك التي تتعلق بالتعابير والألفاظ التي
وصفها العلامة المحقق بأنها:
"ليست لغة سليمة، ولا مقبولة، مهما حاولنا التبرير، والتوجيه،
والإلتفاف على الكلمات" وبأنها "عبارات تستعمل لأقل الناس وأحطهم.."(76).
فنتساءل:
ما الدافع لتجاهل "الكاتب"
قول صاحب "من وحي القرآن":
"فلا تقربا هذه الشجرة
فتكونا من الظالمين" الذين يظلمون أنفسهم ويسيئون إليها بالإنحراف عن
خط المسؤولية في طاعة الله"؟!!(77).
وما الدافع لإغفاله عن قوله:
"فدلاّهما بغرور، أي أنزلهما
عن درجتهما الرفيعة فأوصلهما إلى مرحلة السقوط بسبب الغرور الذي
أوقعهما فيه"؟!!(78).
فهل هناك جرأة أكثر من
ذلك؟!!.
وهل صحيح أن إبليس أوقع آدم
(ع) وزوجه بالغرور؟!!.
ولعل "كاتبنا" ومعه صاحب
العبارة قد فهما من كلمة غرور المعنى (العامي) لها وهو:
رؤية النفس بإستعلاء وتكبر؟!!.
فإن كان كذلك، فلا حول ولا
قوة إلا بالله، ونعوذ به من هذا الوحي والإستيحاء والإستئناس بالمعاني
العامية ومفاهيمها.
وإن دل ذلك على شيء فإنما
يدل على غربة هذا "الكاتب" وصاحبه عن عالم التفسير واللغة.
ونقول لهذا "الكاتب" الذي
يدعي أنه يعيش في عالم التفسير ويتهم الآخرين بعدم الإطلاع على
التفاسير:
ألم يقرأ التبيان للشيخ الطوسي ليعلم أن الموصوف بكلمة الغرور إنما هو
إبليس؟!! وأن معنى الغرور هو:
"إظهار النصح وإبطان الغش"(79)
ليصبح معنى قوله تعالى:
"فدلاهما بغرور" أي أنزلهما من الجنة إلى الأرض عبر إظهاره للنصح
وإبطانه للغش.
وليخبرنا هذا "الكاتب" لماذا
تعامى عن قول صاحبه:
"فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سؤاتهما وشعرا
بالعري.. الذي بدأ يبعث في نفسيهما الشعور بالخزي والعار.."؟!!(80)
علماً أن "الكاتب" قد تعرّض
لمناقشة موضوع السوءات(81)
ومع ذلك تجاهل كلياً تعبير صاحبه بكلمة:
"الخزي والعار" على أن سبب هذا التعامي بات
معروفاً، بل مفضوحاً لا يخفى على أحد.
وماذا عن تعبير صاحبه الذي
يقول: وتمثلت
الجريمة لهما بمستوى الكارثة!!(82)
حيث لا يوجد مبرر لغض النظر؟!!.
فنسأل "الكاتب":
أي نوع من أنواع الجريمة يقصد؟!! أم أنه هناك أيضاً جريمة إرشادية
وأخرى مولوية! فإننا لا نستبعد أن يتحفنا بهذا التقسيم للجريمة.
وماذا عن قوله:
فأسقطه من مكانته.. لئلا يبقى هو الساقط الوحيد في عملية التمرد على
الله؟!!(83).
ألا يعتبر هذا الكلام الساقط
عن الإعتبار تمرداً على الله؟!! من حيث كونه اتهاماً للأنبياء.
وماذا عن قوله:
"فها هو إبليس يشعر بالزهو والرضا لأنه استطاع أن يهبط بقيمة هذا
المخلوق الذي كرمّه الله عليه إلى درك الخطيئة ليصبح منبوذاً من الله"(84).
فيا له من تكريم!!!
فهل تمرد آدم (ع) على الله،
فسقط، فوجد إبليس شريكاً له في عملية التمرد والسقوط؟!!.
وهل هبطت قيمة هذا النبي (ع)
مع العلم أنه اجتباه؟!!.
وهل هو حقاً سقط إلى درك
الخطيئة؟!وهل هو فعلاً أصبح منبوذاً من الله؟!
وماذا عن قوله:
"ولكن آدم لم يتعمق في وعي الموضوع، ولم يأخذه مأخذ
الجدية والإهتمام.."(85)
ونسأل "الكاتب":
هل هذه هي عقيدة الشيعة بالأنبياء، أم هي عقيدة آخرين؟!!".
أوليس في هذا القول اتهام
لآدم (ع) بأنه لم يأخذ النهي على محمل الجد؟!!
فهل كان الله سبحانه يمازح
آدم (ع) ويلاطفه ويداعبه بإصدار الأوامر له حتى اشتبه عليه الأمر بحيث
لم يدر أن هذا الأمر جدي أو غير جدّي؟!! تعالى الله عن ذلك علواً
كبيراً.
وماذا عن جملة العبارات
التالية المستوحات من القرآن كما يزعم صاحب "من وحي القرآن".
ـ "فينحرف من موقع الغفلة".
ـ "ولو فكر جيداً".
ـ "وإستسلما للجو الخيالي
المشبع بالأحاسيس الذاتية المتحركة مع الأحلام..
وغير ذلك كثير.
ونسأل "الكاتب ":
وماذا عن قول صاحب (الوحي):"فإنطلقا
إليها بكل شوق ولهفة" فمن أين علم بشوقهما ولهفتهما.
هل هذا كله حقاً من وحي
القرآن؟!!!.
خلاصة الفصل الأول
ومن كل ما تقدم نخلص إلى
النتائج التالية:
1- إن
"الكاتب" قد مارس أسلوب التعمية حيث أظهر للقارئ أن مورد الإشكال هو
زواج أبناء آدم (ع)، والحقيقة أن الإشكال إنما هو في قول صاحب (من وحي
القرآن) " لا طريق إلا تزويج الإخوة بالأخوات".
وقوله:
لم يكن هناك بديل عن زواج الإخوة بالأخوات مع ما
يستبطن هذا القول من تقييد لقدرة الله تعالى ونسبة العجز إليه .
2ـ
تجاهل "الكاتب" وصف صاحب من وحي القرآن لبيت آدم (ع) بأنه كان غير نظيف
من الناحية الجنسية وهذا القول لم يتعرض له أبداً.
3ـ
تجاهل "الكاتب" حديث صاحب (الوحي) عن عدم وجود مناعة جنسية في بيت آدم
حتى بين الأم والأب تجاه أولادهما، حيث لم يتعرض لهذا القول البتة.
4 ـ
نسب "الكاتب" زوراً لأعلام الأمة وعلماءها ومراجعها كالطوسي والطبرسي
والخوئي والطباطبائي أنهم يقولون بما يقوله صاحبه.
5 ـ
قام الكاتب بالتدليس في نص صاحبه عندما حذف عبارة توضح الإشكال في
حديثه عن أن معصية آدم كمعصية إبليس.
6 ـ
حاول "الكاتب" تضليل القارئ عندما أخذ يحشد نصوصاً لصاحب من وحي القرآن
إما من غير كتابه، (من وحي القرآن) أو من غير الجزء الذي ورد فيه
الإشكال، وقد ذكرنا أن ذلك مخالف للقاعدة الأصولية التي تنص على عدم
جواز تأخير البيان عن موضع الحاجة.
7ـ
تحريفه لرأي العلامة الطباطبائي المتعلق بأن آدم (ع) قد نسي تحذير الله
لهما بالإقتراب من الشجرة، حيث نسب "الكاتب" له أنه يضعّف هذا الرأي،
والحقيقة أن الطباطبائي رفضه رفضاً قاطعاً وقال عنه بأنه غير صحيح.
8 ـ
قيام "الكاتب" بحذف نص لصاحبه كان قد ذكره هو بنفسه في رسالته للعلامة
المحقق، وهذا النص، الإشكال فيه ظاهر وهو عن طلب آدم وزوجه للمغفرة
والرحمة بأنه قد ينطلق من الشعور بالإساءة إلى مقام الله في ترك اتباع
نصائحه.
9 ـ
قيام "الكاتب" بالعبث بكلام العلامة الطباطبائي المتعلق بمعنى نسيان
آدم (ع) ليخرجه عن دلالته الحقيقية.
10 ـ
نسب "الكاتب" زوراً وبهتاناً للشهيد الصدر وغيره أنهم يقولون بما يقول
به صاحبة.
11 ـ
جاء الكاتب بإفك صريح عندما أشار بأن تعريف السذاجة بأنها " التطلع إلى
الأمور بنظرة حائرة بلهاء" هو تعريف للعلامة المحقق، والحق أنه تعريف
صاحب "من وحي القرآن".
12 ـ إفتراء "الكاتب" على
العلامة الطباطبائي عندما اعتبر أنه (قده) وصف آدم بالسذاجة.
13 ـ
إفتراء "الكاتب" على علماء الأمة عندما ادعى أن الحديث عن ضعف آدم (ع)
أمام الحرمان، وأنه أقدم على ممارسة الرغبة المحرمة، مما صرح بهما
الكثير من المفسرين دون أن يتحدث عنهما واكتفى بذكرهما في عنوان بحثه.
14 ـ الإفتراء على العلامة
المحقق عندما ألمح إلى أنه (أعزه الله) يعتبر أن آدم (ع) قد ضعف أمام
إغراءات إبليس.
15 ـ
تجاهل "الكاتب" لحديث صاحبه من إقبال آدم (ع) على ممارسة الرغبة
المحرمة في الوقت الذي جعلها في عنوان بحثه.
16 ـ
إتهام "الكاتب" للعلامة المحقق بأنه راح يستهزء بمقولة الدورة
التدريبية لآدم (ع) من خلال حديثه (أيده الله) عن الأوامر الإمتحانية
والعسكرية.
والحقيقة أن هذا التعبير هو
لصاحب من وحي القرآن نفسه.
17ـ
تجاهل "الكاتب" مقولات عدة لصاحبه:
* فقد تجاهل حديثه عن انحراف
آدم عن خط المسؤولية في طاعة الله .
* وتجاهل قوله أن ابليس أوصل
آدم إلى مرحلة السقوط بسبب الغرور الذي أوقعه فيه .
* وقوله أن آدم وزوجه (ع) قد
شعرا بالخزي والعار.
* وكذلك قوله:
وتمثلت الجريمة لهما بمستوى الكارثة.
* ولا ننسى تجاهل قوله أن
إبليس أسقط آدم (ع) من مكانته لئلا يبقىهو الساقط الوحيد في عملية
التمرد على الله .
* وكذلك قوله:
فها هو إبليس يشعر بالزهو والرضا لأنه استطاع أن
يهبط بقيمة هذا المخلوق الذي كرمه الله عليه إلى درك الخطيئة ليصبح
منبوذاً من الله .
* كما تجاهل قول صاحبه:
ولكن آدم لم يتعمق في وعي المفهوم ولم يأخذه مأخذ الجدية والإهتمام.
إلى غيرها من العبارات
والألفاظ التي أتحفنا بها صاحب "من وحي القرآن" والتي قد تجاهلها
الكاتب.
|