بسم الله الرحمن الرحيم
((ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا
بينهم موبقاً * ورءا المجرمون فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها
مصرفاً))
(سورة
الكهف: آية 52
–
53)
الآيات القرآنية:
((ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين * وراودته
التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله
إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون * ولقد همّت به وهم بها لولا
أن رأى برهان ربه، كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا
المخلصين * واستبقا الباب وقدّت قميصه من دبر وألفيا سيّدها لدا الباب
قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب اليم * قال هي
راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها…))
[سورة يوسف: آية 22
–
26]
العناوين المشكلة:
"35
–
عذاب يوسف(ع) في مقاومة الإغراء.
36
–
الإنجذاب إلى الحرام والقبيح لا ينافي العصمة.
37
–
جسد يوسف(ع) تأثر بالجو.
38
–
عزم على أن ينال منها ما أرادت نيله منه.
39
–
هم بها، ولكنه توقف ثم تراجع.
40
–
إيمان يوسف (النبي) يستيقظ.
41
–
استنفذ كل طاقاته في المقاومة"(1).
النصوص
المشكلة:
"
التفسير الذي نميل إليه ونستقربه، هو الانجذاب اللاشعوري تماماً كما
ينجذب الإنسان إلى الطعام".
"فالعصمة لا تعني عدم الانجذاب إلى الطعام المحرّم، والشراب المحرّم،
أو الشهوة المحرمة، ولكنها لا تمارس هذا الحرام، فالانجذاب الغريزي
الطبيعي هنا لا يتحوّل إلى ممارسة، وتتضح الصورة أكثر عندما جمعته مع
النسوة، اللاتي قلن ((حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم)) عند
ذلك شعر أن الطوق بدأ يضيق ويحاصره إلى درجة لا يستطيع فيها أن يتناسى،
على اعتبار أنه استنفذ كل طاقاته في المقاومة".
"وهذا ما يجعلنا نشعر بالعذاب الذي كان يعيشه يوسف في مقاومته لإغراء
هذه المرأة".
"خلاصة الفكرة: إن يوسف(ع) لم يتحرك نحو المعصية، ولم يقصدها ولكنه
انجذب إليها غريزياً، بحيث تأثر جسده بالجو، دون أن يتحرّك خطوة واحدة
نحو الممارسة"(2)
"
عزم على أن ينال منها ما كانت تريد نيله منه"(3).
"((وهم بها)) في حالة شعورية طبيعية، فيما يتحرك فيه الإنسان غريزياً
بطريقة عفوية من دون تفكير.. لأن من الطبيعي لأي شاب يعيش في أجواء
الإثارة أن ينجذب إليها، تماماً، كمن يتأثر بالروائح الطيبة أو النتنة
التي يمر بها، أو كمن تتحرك غريزة الجوع في نفسه بكل إفرازاتها الجسدية
عندما يشم رائحة الطعام".
"وهكذا نتصوّر موقف يوسف، فقد أحس بالإنجذاب في إحساس لاشعوري، وهم بها
استجابة لذلك الإحساس، كما همت به، ولكنه توقف ثم تراجع.. ورفض الحالة
بحزم وتصميم، لأن المسألة عنده ليست مسألة تصوُّر سابق وموقف متعمّد،
وتصميم مدروس، كما هي المسألة عندها، ليندفع نحو خطّ النه7اية كما
اندفعت هي، ولكنها كانت مسألة إنجذاب جسدي يشبه التقلّص الطبيعي،
والاندفاع الغريزي.. إنها لحظة من لحظات الإحساس، عبرت عن نفسها ثم
ضاعت وتلاشت أمام الموقف الحاسم والعقيدة الراسخة أو القرار الحازم..
المنطلق من حساب دقيق لموقفه من الله، فيما ينطلق فيه من عقيدة، وفيما
يتحرّك فيه من خط، وفيما يقبل عليه من عقاب الله، لو أطاع إحساسه..
وهذا ما عبّر عنه قوله تعالى: ((لولا أن رءا برهان ربّه)) فيما تعنيه
كلمة "البرهان" من الحجّة في الفكرة التي تقوده إلى وضوح الرؤية، فتكشف
له حقيقة الأمر، فيحسّ بعمق الإيمان، أنه لا يملك أية حجّة فيما يمكن
أن يقدم عليه، بل الحجّة كلها لله.. وربما كان جو هذه الآية هو جو قوله
تعالى: ((إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم
مبصرون)) وقد نستوحي ذلك من مقابلة كلمة "هم بها" لكلمة "همت به" فقد
اندفعت عليه بكل قوّة وضراوة واشتهاء، فحرّكت فيه قابلية الاندفاع..
وكاد أن يندفع عليها لولا يقظة الحقيقة في روحه، وانطلاقة الإيمان في
قلبه.. وبذلك كان الموقف اليوسفي، فيما هو الإنجذاب، وفيما هو التماسك
والتراجع والانضباط، مستوحى من الكلمة، ومن الجو الذي يوحي به السياق
معاً"(4).
الكاتب هو "الكاتب"، والدواعي هي هي، كما الوسائل والغايات.. فلا يتوقع
القارىء أي تغيير أو تبديل أو تحويل أو حتى تعديل في المنهج لا سيما
بعد أن اطلعنا على بعض مفرداته فيما سبق من فصول.
فمن الواضح أن "الكاتب" بات أسيراً لهذا المنهج الذي لم يعد يملك
أمامه من أمره شيئاً، كيف وقد رسمته هذه الدواعي، ورفعت قواعده تلك
الوسائل، وأسست بنيانه تلك الغايات على شفا جُرُفٍ هارٍ سرعان ما
يتصدّع وينهار ويسقط أمام الحقائق الثابتة، والبراهين الساطعة والوقائع
التي لا يمكن إنكارها، ولا ينفع "الكاتب" دس رأسه في التراب..
والمشكلة مع هذا "الكاتب" أنه في كل مرّة يمارس فيها دور "محامي
الدفاع" عن صاحب "من وحي القرآن"، بأتي "بشواهد" و"أدلة" من كتب
العلماء الأعلام الذين ينسب إليهم ما هم منه براء ظناً منه أنه بذلك
يدين صاحب كتاب "خلفيات" وهو في الحقيقة، إنما يدين نبي الله يوسف(ع)
والأنبياء، لا لغاية إلا للدفاع عن "موكله"، رغم اطلاعه الواسع على
النصوص المتضمنة لمقولاته الخطيرة التي صدّرنا بها هذا الفصل، وهذه
النصوص التي حرّك فيها صاحبها المشاعر والأحاسيس الباطنية والظاهرية
والنفسية والجسدية لهذا النبي المخلَص، مرة بشكل عفوي لاشعوري، ومرة
بشكل طبيعي أو طبعي شعوري.. حتى أنه أسال لعابه، وأفقده السيطرة على
شهواته فبات غير قادر على تناسي ما يعاني منه من آلام وعذابات وضغوطات
وإغراءات تلك المرأة والجو الجنسي.. كل ذلك تحت عنوان "الميل الطبعي"
وقد وصل به الأمر إلى أن جعل من جسد هذا النبي المخلص مرتعاً للشيطان
نتيجة ما أسماه: "الجو" الجنسي الضاغط و"الإنجذاب" نحو الحرام.. رغم
علمه بأن لا سلطة للشيطان على عباد الله المخلصين الذين استثناهم من
دائرة الغواية ((لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين)) وإمعاناً
في بيان تأثره بهذا "الجو" الضاغط و"الانجذاب" نحو الحرام لم يتورّع عن
الحديث عن "تقلّصات" و"إفرازات جسدية" لتوضيح الفكرة وشرحها.
وإذا ما أضفت إلى ذلك كله، ما جادت به قريحته، وأتحفنا به يراعه، من
عبارات ومفردات، رسم بها حدود النبوّة مما اطلعت عليه فيما مرّ من فصول
لم يستثن بها أحداً من الأنبياء، بما فيهم نبي الله يوسف(ع) الذي يشترك
معهم فيها من حيث كونه نبياً ـ إذا ما أضفت إلى هذا ـ تجلّى لك النهج
الخطير وظهر لك أن هذه المقولات ما هي إلا "ثمرة" من ثمرات هذا النهج،
وهنا بيت القصيد الذي لا ينبغي تجاهله.
وهو ـ أي صاحب هذا النهج ـ وإن ضمّن كلامه جملاً توحي بعكس الظاهر من
عباراته التي هي موضع الإشكال كقوله: "إنها لحظة من لحظات الإحساس
عبّرت عن نفسها، ثم ضاعت وتلاشت" فإن هذه الجملة بضميمة ما سبقها وما
لحقها من عبارات توضح المقصود، وكأن اللحظة لا تحرّك ساكناً في ميزان
الزمن المتحرك، ولا وزن لها في ميزان العصمة الثابت أو كقوله: " إن
يوسف(ع) لم يتحرّك خطوة واحدة نحو الممارسة" وكأن كل ما يسبق الممارسة
لا سيما مما أتحفنا به من "إفرازات" و"تقلّصات".. لا مدخلية له في
الممارسة فضلاً عن موضوع العصمة..
وكعادته يسعى الكاتب" بما تيسّر له من وسائل وأساليب إلى التقاط
"شواهد" و"أدلة" وانتقاء بعض العبارات من كتب العلماء الأعلام ليوحي
بها بأن "موكله" لم يأت بشيء جديد في عالم التفسير، فقد سبقه إلى ذلك
كثيرون... إلى آخر المعزوفة.. ويا ليته ترك هذه العبارات "الشواهد"
و"الأدلة" على حالها بل هو قد أمعن في تقطيع أوصالها وتمزيقها وتحريفها
لتنسجم مع ما ذهب إليه "موكله" من مقولات "جريئة" و"شاذة" وصف بها
أنبياء الله بأوصاف لا يرضى أن يتصف بها أقل الناس وأحطهم..
فإلى ما هنالك مما أتحفنا به هذا "الكاتب" في هذا الفصل.
التجاهل
من جديد
إن
المطالع لما دوّنه "الكاتب" في وقفته هذه يجده قد حصر وركّز كلامه على
موضوعين:
الأول: مقولة "الميل الطبعي".
الثاني: مقولة "العزم" الواردة في شريط مسجل.
وكعادته، عمد إلى تجاهل المقولات التي أشكل عليها العلامة المحقق.
ولتوضيح ذلك نعود لاستعراض العناوين المشكلة التي أُدرجت في كتاب
"خلفبات" وهي التالية:
"عذاب يوسف(ع) في مقاومة الإغراء.
الإنجذاب إلى الحرام والقبيح لا ينافي العصمة.
جسد يوسف(ع) تأثر بالجو "الجنسي".
عزم على أن ينال منها ما أرادت نيله منه.
هم
بها، ولكنه توقف، ثم تراجع.
إيمان يوسف(ع) (النبي) يستيقظ.
استنفذ كل طاقاته في المقاومة"(5).
وإذا ما استثنينا مقولة العزم التي سيأتي الحديث عنها لاحقاً، فإن باقي
العناوين المشكلة لم يتحدّث عنها "الكاتب"، وإنما حصر حديثه في موضوع:
"الميل الطبعي" في محاولة منه للإيحاء بأن هذه المقولات تندرج تحت هذا
الموضوع.
ولإلقاء المزيد من الضوء على هذه المقولات التي تجاهلها "الكاتب"،
نستعرض ما ورد فيها بشيء من التفصيل.
أولاً:
عذاب يوسف(ع) في مقاومة الإغراء
يقول صاحب "من وحي القرآن": بعد أن جمعت امرأة العزيز بين يوسف(ع)
والنسوة اللاتي قلن: ((حاشا لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم))
شعر يوسف(ع) عند ذلك " أن الطوق بدأ يضيق ويحاصره إلى درجة لا يستطيع
فيها أن يتناسى على اعتبار أنه استنفذ كل طاقاته في المقاومة، وهذا
يجعلنا نشعر بالعذاب الذي كان يعيشه يوسف في مقاومته لإغراء هذه
المرأة.."(6).
فأي حصار هذا الذي لم يعد يستطيع معه نبي الله يوسف(ع) أن ينسى، بل
يتناسى، أي أن يفعل فعل الناسي، أو أن يتظاهر بالنسيان على اعتبار أنه
استنفذ كل طاقاته، مع ما رافق ذلك من عذاب ومقاومة من جرّاء إغراء هذه
المرأة؟!
ومَن مِن العلماء الأعلام لا سيما منهم المرتضى، والطوسي، والطبرسي،
والطباطبائي يتحدث عن الأنبياء ويعالج قصصهم ويتعامل مع الآيات
القرآنية بهذه الطريقة والأسلوب الذي لا يليق بكتاب الله وأنبيائه؟!!
على أن الله قد أخبرنا عن قول يوسف(ع) لتلك المرأة: ((معاذ الله))
مباشرة بعد قول امرأة العزيز: ((هيت لك)) مما يدل على أن يوسف(ع) كان
قد حسم الموقف من البداية ولاذ بالله واستعاذ به، فمن أين جاءت كل هذه
التخيلات والأوهام التي يحلو للبعض أن يطلق عليها أنها "من وحي
القرآن".
إن
هذه الطريقة في التعامل مع كتاب الله وأنبيائه، والأسلوب في معالجة
قصصهم، والمبالغة في وصف الموقف باستخدام صور ومفردات كـ: الطوق
والحصار والعذاب الذي كان يعيشه هذا النبي، والممانعة فيما بين قوى
النفس، واستنفاذ الطاقات في المقاومة التي تصور البطل اسطورة مثخنة
بالجراح، ومرهقة من التعب وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة وتبالغ في حجم
العدو وقدراته وطاقاته التي لا تقهر، إلى ما هنالك من صور ومفردات
وحالات خاصة واستثنائية.
إن
هذه الطريقة أو الاسلوب ـ قد يصلح لسيناريو في فيلم سينمائي أو لقصة
روائية أو لملحمة أدبية أو شعرية، إلا أنه لا يصلح ولا يليق التعامل به
في تفسير كتاب الله وآياته، وفي معالجة قصص الأنبياء(ع)؛ لأن عظمة
هؤلاء الأنبياء لا تقاس بشخصية وهمية خيالية أو اسطورية هنا، ولا
بشخصية تاريخية هناك، مهما كانت هذه الشخصية عظيمة.
فالحر بن يزيد الرياحي مثلاً، شخصية عظيمة، عاش الصراع في نفسه بين قوى
الشر والخير، والحق والباطل في تجربة فريدة ونادرة من نوعها، أتفق فيها
أنه خيِّر بين اثنتين بين الموت (الشهادة) والحياة، أو بين الآخرة
والدنيا، أو بين الوقوف إلى جانب الحق والوقوف إلى جانب الباطل، أو بين
الجنة والنار، فاختار الموت (الشهادة) على الحياة في هذه الدنيا، ووقف
إلى جانب الحق، ولم يرض عن الجنة بديلاً، فقضى شهيداً.
فهل يقاس هذا الشهيد العظيم بمن عاش الصراع في نفسه فاختار الحياة
الدنيا على الآخرة ووقف إلى جانب الباطل؟!
وهل يقاس بمن خذل الحق، ولم ينصر الباطل، أو جلس على التل ينظر إلى
الحسين(ع) ويستمع إليه ينادي: هل من ناصر ينصرنا، فلم ينصره، فضلاً عن
أن يقاس بمن لم يعش الصراع، فنصر الباطل دون تردد؟!
فإن كان الحرّ (رضوان الله عليه) لا يقاس بهؤلاء، وهو أرفع من أن يقاس
بهم، فإنه بالمقابل، وعلى عظمته، لا يقاس بمن لم يعش هذا الصراع
أصلاً؟! أي بمن هم أرفع منه مقاماً، ممّن لم يعش هذا الصراع، لأنه لم
يكن يرى سوى الحسين(ع) وحق الحسين(ع) وحب الحسين(ع) حتى أجنّه هذا
الحب، نعم، لا شك بأن العناية والرعاية والألطاف الإلهية قد تداركت
الحرّ في ذلك الامتحان والموقف الصعب، فاستحق الثناء من الإمام
الحسين(ع) الذي قال له: أنت حر كما سمّتك أمك، فكان عظيماً. ولكن، أين
الحر من اولئك الذين لم يعيشوا هذا الصراع المرير ممن كانوا على
طمأنينة وسكينة ويقين مما هم مقدمون عليه ومنتهين إليه.
وعليه، فهل تقاس عظمة الحسين(ع) أو الأنبياء(ع)، بعظمة الحرّ التي
إنما استمدها منهم واهتدى إليها واستحقها بهم، فهم الوسيلة له إلى ذلك،
والقدوة والمثل الأعلى للكمال الإنساني.
فهؤلاء(ع) قد شملتهم العناية الإلهية، والرعاية والألطاف منذ اللحظة
الأولى لانعقاد نطفهم، وهم أجنّة في بطون أمهاتهم، لم يأت عليهم حين من
الدهر على امتداد وجودهم، إلا وكانوا موضع لهذه العناية والرعاية
واللطف، تطلبوا الكمال فنالوه، مذ كانوا بعين الله يتقلبون في
الساجدين، بما أودعه الله فيهم من وسائل للهداية أخرجوها باختيارهم من
عالم القوة إلى عالم الفعل بما حقّقوه من نجاحات فيما امتحنهم وابتلاهم
الله به، بدت آثارها عليهم منذ نعومة أظفارهم علم وحكمة، وقوة وقدرة،
يقين وسكينة واطمئنان.. استحقوها بجدارة بعد أن سبق فضل الله عليهم بما
وعد به عباده.. لذا استخلصهم لنفسه، واصطفاهم للنبوة، واختارهم للرسالة
دون العالمين.. حتى إذا ما واجهوا البلاء وتعرضوا للابتلاء من جديد،
وقفوا بثبات واختاروا الأولى والأصلح والأصح والأحسن بعد أن باتوا يرون
الواقع على حقيقته، لا يحول بينهم وبين ذلك حائل.. طاهرة أجسادهم،
صافية عقولهم، ساكنة قلوبهم، زاكية أرواحهم، مطمئنة نفوسهم لا تشوبها
شائبة ولا يعتريها ريب ولا شك، قريبة من الله متحصنة به متيقنة من
لقائه، فلا تطوقها المواقف والظروف ولا تضعف أمامها، ولا تنازعها
الشهوات والنزوات والغرائز لتعيش العذاب، فلا تنجذب للحرام والقبيح
الذي تنفر من طباعهم وتأباه طبائعهم،لأنها (القبائح) مصروفة عنهم لا
مصروفون عنها ((كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا
المخلصين)) لا سيما إذا عرض عليهم هذا الحرام والقبيح بثوب امرأة فائقة
الحسن والجمال، تحسن استخدام مفاتنها، وتجيد الإغراء والغواية، فإن ذلك
لا يستر الواقع المكشوف لهم، والحقيقة الساطعة أمامهم، فلا يرون ذلك
إلا تجلّي جلالي غضبي يمثل الغضب الإلهي ما دامت حراماً، أو تجلي جمالي
يمثل الجمال الإلهي ما دامت حلالاً يستأنسون بها، وتسكن نفوسهم إليها
((هو الذي جعل لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها)).. وعليه فلا يقاس
أحد بهم، وكيف يقاس من كان هذا هو شأنه بمن هو دونه..
من
هنا فإن النبي الصائم، مهما كان جائعاً أو عطشاناً، ومهما كان الطعام
والشراب الذي يعرض عليه طيباً ولذيذاً وشهياً كما قد يراه البعض، فإنه
لا ينجذب إليه ولا يسيل لعابه عليه ما دام حلالاً، فكيف إذا كان
حراماً، فهو كالجيفة النتنة يراه على حقيقته وواقعه، أو كلحم الميتة أو
لحم الخنزير أو الخمر الذي ينفر منه طبع الإنسان المؤمن الملتزم، الذي
هو دون النبي مهما علا شأنه وعظم أمره.. ألا ترى كيف أن هذا الإنسان
المؤمن الملتزم ينفر بطبعه من الحرام إذا ما عرض عليه، بل هو معصوم عند
تناول الميتة ولحم الخنزير والخمر والنظر إلى ما لا يحل النظر إليه فهو
يراه سماً ينفر منه، ولا تهش له نفسه، ولا يخطر في باله، ويفكر فيه.
فكيف بالنبي، الذي علمت بعض صفاته ومزاياه وكمالاته..
ثانياً
: الانجذاب إلى الحرام والقبيح لا ينافي العصمة!!
وهذه مقولة ثانية من المقولات التي تجاهلها "الكاتب" لا يشك أحد
بإنفراد صاحب "من وحي القرآن" بها، وإلا فليخبرنا "الكاتب" من العلماء
الأعلام، لا سيما منهم المرتضى والطوسي يعتبر أن: "العصمة لا تعني عدم
الانجذاب إلى الطعام المحرم، والشراب المحرم، أو الشهوة المحرمة،
ولكنها لا تمارس هذا الحرام"(7).
إذن وفق رأي صاحب "الوحي" فالمعصوم يمكن أن يشتهي الخمر، ويمكن أن
تنجذب نفسه إليه، ويشتهي النساء المحصنات، وتنجذب نفسه إليهن، ولا يضير
كل ذلك وغيره بالعصمة، لأنها إنما تتعلق بالممارسة؛ لأن العصمة ـ عنده
ـ هي عدم ممارسة الحرام، لا الميل النفساني له!!
وهذا كلام غاية في الغرابة، و"السذاجة".. و"الجرأة" لم يسبقه إليه أحد.
إن
هذه المقولة هي التي ربطها العلامة المحقق بقول صاحب "من وحي القرآن"
إن الإنسان:" لا يحاسب على نيّته إذا لم يحولها إلى واقع فالإنسان تخطر
في باله أعمال يعبرون عنها في علم الأصول بالقول: "فعل قبيح وفاعل
قبيح" بمعنى أن هذا يدل على قبح الفاعل، أي أنه إنسان سيء ذاك الذي
يفكر بالجريمة لكنه لم يفعل"(8).
ومع ملاحظة هاتين المقولتين علّق العلامة المحقق بالقول: " فهل يلتزم
هذا البعض بنسبة القبح إلى نبي الله يوسف عليه السلام؟ وهل يجوز أن
يقول عنه: أنه "إنسان سيء" أو أنه "فاعل قبيح".."(9).
ثم
جعل صاحب كتاب "خلفيات" من مقولة "العزم" بمثابة شاهد آخر على عدم صحة
هذا الكلام وشناعته.
لكن "الكاتب" لما لم يستطع إنكار مقولة أن: " الذي يفكر بالجريمة إنسان
سيء" عمد إلى ربطها بمقولة "العزم" فقط، متجاهلاً حديث صاحب "من وحي
القرآن" عن ان العصمة لا تعني عدم الانجذاب إلى المحرم وإنما هي عدم
ممارسة هذا المحرم.
وعلى أي حال، فإن العصمة عند صاحب "من وحي القرآن" تنحصر في عدم ممارسة
الحرام، أي تختصّ بالجانب العملي والفعلي، أما في المجال النفسي
والنظري فالعصمة ـ عنده ـ لا تشمله.
وذلك مخالف لأوضح أدلة العصمة التي يدركها المبتدئون في تحصيل العلوم
الدينية، فضلاً عن الأساتذة الفضلاء والعلماء الأعلام.
وملخصه: لقد ثبت في محله أن العصمة ملكة نفسانية منشؤها العلم(10)،
لكنه ليس أي علم، وإنما هو من سنخ العلوم الحضورية، حيث ينكشف للمعصوم
حقيقة الفعل وصورته الأخروية ((كلا لو تعلمون علم اليقين لترون
الجحيم))، فأشار سبحانه إلى آثار العلم، فإن علماً كهذا إذا ما تحقق
للإنسان، فسيجعله يرى بعين الله، فيرى تجليات غضب الله، كما يرى تجليات
رحمته ورضاه. والروايات التي تشير مثلاً إلى أن امرأة حشرت يوم القيامة
ورأسها رأس خنزير، وبدنها بدن حمار، وعليها ألف ألف لون من العذاب،
وأنها حشرت على هذه الصورة لأنها كانت نمّامة كذّابة(11)،
أو أن الزاني أو غيره يحشر ورائحته رائحة الجيفة إلى غير ذلك من ما جاء
في روايات كثيرة. إن هذه الروايات هي إشارة إلى تلك الصور الأخروية
لأفعال الإنسان والتي يراها المعصوم حتماً.
وقد جاء في رواية عن أبي بصير عن أبي عبد الله(ع) قال: "حججت مع ابي
عبد الله(ع) فلما كنت في الطواف قلت له: جعلت فداك يا ابن رسول الله
يغفر الله لهذا الخلق؟ فقال: يا أبا بصير إن أكثر من ترى قردة وخنازير،
قال: قلت له: أرنيهم. قال: فتكلم بكلمات ثم أمرّ يده على بصري، فرأيتهم
قردة وخنازير، فهالني ذلك، ثم أمرّ يده على بصري، فرأيتهم كما كانوا
المرة الأولى"(12).
وجاء عن أبي عبد الله (ع) أنه قال:" إستقبل رسول الله (ص) حارثة بن
مالك بن النعمان الأنصاري فقال له : كيف أنت يا حارثة بن مالك ، فقال:
يا رسول الله مؤمن حقاً، فقال رسول الله(ص) : لكل شيء حقيقة فما حقيقة
قولك ؟ فقال: يا رسول الله أعزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت
هواجري، وكأني أنظر الى عرش ربي وقد وضع للحساب، وكأني أنظر الى أهل
الجنة يتزاورون في الجنة وكأني أسمع عواء أهل النار في النار.
فقال رسول الله (ص): عبد نوّر الله قلبه،....."(13)
وغير ذلك من الروايات التي لا تعد ولا تحصى.
فإذا أدركنا ذلك، علمنا كيف أن المعصوم تنفر نفسه وتشمئز من المعاصي،
وتندفع لفعل الطاعات، لأنه في الواقع يرى الأمور على حقيقتها وعلى
صورتها الأخروية.
وإذا اتضح ذلك، أدركنا السبب في عدم انجذاب الأنبياء والأولياء(ع) إلى
امرأة أجنبية، سواء انجذاب شعوري أو لاشعوري، فإن الإنسان مهما كان
جائعاً لن ينجذب أو يسيل لعابه سيلاً لاشعورياً لجيفة نتنة تفوح
رائحتها في الأجواء.
فالأنبياء لن ينجذبوا لامرأة أجنبية عرضت نفسها عليهم، ودعتهم إلى فعل
الحرام، لأنهم والحال هذه، لن يروها إلا على صورة خنزير، أو أفعى، أو
كلب أجرب.
من
هنا، فإن العصمة لا تمنع صاحبها من فعل المعاصي وحسب، وإنما تمنعه من
التفكير بها أو من خطورها في البال.
إننا نرى كيف أن الجاهل بنوع الطعام قد يعتبر رائحته زكية عطرة، فتنجذب
نفسه إليه، ويسيل لعابه له، فإذا علم أنه لحم خنزير مثلاً انقلبت هذه
الرائحة إلى رائحة كريهة نتنة يتنفر منها، وليس ذلك إلا بسبب العلم.
فلا شك بعد ذلك بمدى تأثير العلم بالانفعالات النفسانية.
وكم نشاهد في حياتنا العملية كيف أن الإنسان العادي إذا فجع بعزيز من
أعزاءه، كوالديه أو ولده، وقد سيطرت الفجيعة على كل أحاسيسه ومشاعره،
فإنه وهو في هذه الحال، لا ينجذب إلى امرأة أو إلى أي منظر يثير
الغرائز ويحرّك المشاعر والأحاسيس الجنسية.
بل
إننا كثيراً ما نرى شخصاً قد أحب امرأة وقد سيطر هذا الحب على مجامع
قلبه، وأخذ منه كل مأخذ، فإنه لا يرى جميلاً بعد ذلك غير محبوبته، ولا
يميل إلا إليها..
فما بالك بالذي يكون الله سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده
التي يبطش بها كما ورد في الحديث القدسي (المسمى بحديث قرب النوافل)،
ولو اطلعت على ما في قلبه، فلن تجد سوى الله.
ولا يشك عاقل بأن هذا الذي كان عليه حال يوسف(ع)، الذي وصفه العلامة
الطباطبائي بالقول:
"فكان مملوء الحس، مستغرق النفس في مشاهدة ألطاف ربه الخفية، يرى نفسه
تحت ولاية الله محبوراً بصنائعه الجميلة، لا يرد إلا على خير، ولا
يواجه إلا جميلاً..
فلم يزل يوسف(ع) تنجذب نفسه إلى جميل صنائع الله ويمعن قلبه في لطيف
الإشارات إليه، ويزداد كل يوم حباً بما يجده من شواهد الولاية، ويشاهد
أن ربه هو القائم على كل نفس بما كسبت، وهو على كل شيء شهيد، حتى تمكنت
المحبة الإلهية منه، واستقر الوله والهيمان في سرّه، فكان همه في ربه،
لا يشغله عنه شاغل، ولا يصرفه عنه صارف، ولا طرفة عين، وهذا بمكان من
الوضوح لمن تدبر فيما تحكي عنه السورة من المحاورات كقوله: "معاذ الله
إنه ربي" وقوله: "ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء" وقوله: "إن الحكم
إلا لله" وقوله: "أنت وليي في الدنيا والآخرة" وغير ذلك..
فهذا ما عند يوسف(ع)، فقد كان شبحاً ما وراءه إلا محبة إلهية أنسته
نفسه، وشغلته عن كل شيء، وصورة معناها أنها خالصة أخلصها الله لنفسه
فلم يشاركه فيه أحد"(14).
ثم
يصف الطباطبائي(قدس سره) الموقف بين حال امرأة العزيز وحال يوسف(ع)
فيقول:
"
فتى واله في حبّه، وفتاة تائقة في غرامها اجتمعا في بيت خالية، أما هي
فمشغوفة بحب يوسف تريد أن تصرفه عن نفسه إلى نفسها وتتوسل إلى ذلك
بتغليق الأبواب، ومراودته عن نفسه، والاعتماد على ما لها من العزّة
والملك حيث تدعوه إلى نفسها بلفظ الأمر ((هيت لك)) لتقهره على ما تريده
منه.
وأما هو فقد استغرق في حب ربّه وأخلص وصفى ذلك نفسه، فلم يترك لشيء في
قلبه محلاً غير حبيبه، فهو في خلوة مع ربّه، وحضرة منه، يشاهد فيها
جماله، وجلاله، وقد طارت الأسباب الكونية على مالها من ظاهر التأثير من
نظره، فهو على خلافها لا يتبجح بالأسباب ولا يركن إلى الأعضاد.
ترى أنها تتوسل عليه بالأسباب بتغليق الأبواب.. أما هو فقد قابلها
بقوله: ((معاذ الله)) فلم يجبها بتهديد، ولم يقل: إني أخاف العزيز، أو
لا أخونه، أو إني من بيت النبوة والطهارة، أو إن عفّتي أو عصمتي تمنعني
من الفحشاء، ولم يقل إني أرجو ثواب الله، أو أخاف عذابه إلى غير ذلك،
ولو كان قلبه متعلقاً بشيء من الأسباب الظاهرة لذكره، وبدأ به، عند
مفاجأة الشدة، ونزول الاضطرار..
بل
استمسك بعروة التوحيد، وأجاب بالعياذ بالله فحسب، ولم يكن في قلبه أحد
سوى ربه، ولا تعدى بصره إياه إلى غيره، فهذا هو التوحيد الخالص الذي
هدته إليه المحبة الإلهية وأولهه في ربّه أو ما يؤدي معناه وإنما قال:
((معاذ الله)).."(15).
ترى من كان هذا حاله، كيف يمكن أن ينجذب إلى الحرام أو أن يتأثر جسده
بالجو(الجنسي) كما ذكر صاحب "من وحي القرآن" في المقولة التالية.
ثالثا
ً: جسد يوسف (ع) تأثر بالجو (الجنسي)
وهذه المقولة لا يمكن فصلها عن سابقتها، حيث يقول صاحب "الوحي": "
خلاصة الفكرة: أن يوسف(ع) لم يتحرك نحو المعصية ولم يقصدها، ولكنه
انجذب إليها غريزياً، بحيث تأثر جسده بالجو، دون أن يتحرك خطوة واحدة
نحو الممارسة"(16).
ويقول في مكان آخر أيضاً: "ولكنها كانت مسألة انجذاب جسدي يشبه التقلّص
الطبيعي، والاندفاع الغريزي.."(17).
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن أولاً هو: من أين علم (سماحته) أن جسد
يوسف(ع) قد تأثر بالجو؟!
وهل يمكن أن يحدث هذا الأمر بالفعل بطريقة لاشعورية؟!
فإذا كان الأمر كذلك، فليستفد من ذلك الفقهاء، وليحرموا الاختلاط وظهور
المرأة في الشارع ما دام يمكن للإنسان أن يحصل معه ذلك بطريقة
لاشعورية!!
وليتوقف "سماحته" عن إعطاء المحاضرات للنساء، وليمنع الاخوة أخواتهم،
وبناتهم، ونساءهم من حضور محاضراته، إذ ما دام أنبياء الله غير مأمونين
على السيطرة على أنفسهم من هذا الأمر الذي يحصل معهم بطريقة غير
شعورية، فإن سماحته غير مأمون من ذلك بطريق أولى!!
وليستفد علماء النفس من هذا الأمر، ومن هذا المعين المعرفي الذي لا
ينضب، في صياغة نظريات جديدة، فإن الجائع يمكن أن يسيل لعابه لاشعورياً
إذا رأى جيفة، وكذلك يفعل العطشان إذا رأى سمّاً زعافاً!!.
أم
فات "سماحته" أن هذا الأمر الذي يعتري الرجال لا يمكن أن يحصل بطريقة
لاشعورية، لأنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشعور والإرادة والالتفات،
وإلا فهل يشتهي النائم الطعام ويسيل له لعابه، وكذلك فإن المفجوع
المكروب بفقد عزيز عليه، ما دامت الفجيعة تسيطر على مشاعره ووجدانه
وأحاسيسه فإنه لن ينجذب غريزياً لا إرادياً إلى امرأة مهما بلغ حسنها
الحسن وفاق جمالها الجمال.
وبالتالي: فلن يحصل ما يريد "سماحته" أن يقنعنا بحصوله مع نبي الله
يوسف(ع) ما لم يلتفت أو يفكر بأنوثة هذه المرأة وصفاتها الجمالية
ومفاتنها المثيرة..
ولو كان بالإمكان أن يحصل ذلك الانجذاب اللاشعوري الغريزي للإنسان دون
أن يلتفت إلى مفاتن المرأة، فإنه يمكن للإنسان أن يعتريه ما يعتريه وهو
نائم دون الحاجة إلى تلك الصور المنامية.
ولعمري كيف ينجذب الرجل إلى امرأة مهما كانت فائقة الجمال والحسن ما
دام يعلم أنها تريد هلاكه وقتله، ترى هل يلتفت هذا الرجل إلى جمالها
وحسنها حينئذٍ وهل يمكن أن تحرك فيه الأحاسيس والمشاعر، وهل يمكن أن
ينجذب إليها بطبعه؟ وهل يمكن أن تحصل لديه تمدّدات؟؟!!(18).
فمن من العلماء الأعلام يتحدث عن تأثر الأنبياء بالجو (الجنسي)
والانجذاب الجسدي بما يشبه التقلّص الطبيعي والاندفاع الغريزي؟!
وأي عاقل يفعل ذلك؟
على أن المثال الذي ضربه صاحب "من وحي القرآن" تمثيلاً للانجذاب
بالانجذاب إلى الطعام،- قد أخذه كما يبدو من الفخر الرازي الذي ضرب
مثالاً حول الصائم في الصيف والجلاب المبرد- فيه خلط واضح، بل وفهم
مغلوط حتى لكلام الرازي، رغم أن حال الرازي معلوم، إذ شتان بين انجذاب
الصائم في الصيف إلى الجلاب المبرد على فرض مقبولية تطبيقه على
الأنبياء(ع) وبين الانجذاب الذي نحن بصدده، لأن الجلاب مباح في ذاته
(بمعزل عن حالة الصوم). أما امرأة العزيز فهي: امرأة محصنة محرمة على
يوسف(ع).
فإن كان يريد صاحب "من وحي القرآن" تشبيه الانجذاب الذي يتحدّث عنه
بالشرب، فإن الأوفق أن يقول: إن الانجذاب الذي حصل مع يوسف(ع) هو
كالصائم الذي ينجذب إلى الخمر مثلاً!! فهل يصح هذا القول؟! ومَن مِن
الأعلام يقبل به؟!!
رابعاً
: همّ بها، لكنه توقف ثم تراجع:
يقول صاحب "من وحي القرآن": " وهكذا نتصور موقف يوسف، فقد أحسّ
بالانجذاب في إحساس لاشعوري، وهم بها إستجابة لذلك الإحساس، كما همت
به، ولكنه توقف ثم تراجع.."(19).
فليخبرنا "الكاتب" لماذا تجاهل هذا القول؟!
وليخبرنا أيضاً ما معنى قول صاحب "من وحي القرآن": " أحس يوسف
بالإنجذاب وهم بها استجابة لذلك الإحساس" ألا يعني ذلك أن "الهمّ" هو
أمر آخر غير الانجذاب، وقد حصل بعده، وإلا ما معنى: وهم بها استجابة
لذلك الإحساس؟!
فإذا كان معنى " الهمّ " هو الانجذاب اللاشعوري، فإننا لو استبدلنا
كلمة "الهمّ" بكلمة "الانجذاب اللاشعوري" فإن العبارة ستصبح كالتالي:
أي
انجذب إليها لا شعورياً استجابة لإنجذابه اللاشعوري؟!!
ولعمري فإن اللغة السنسكريتية أفصح وأبلغ من هذه اللغة.
ثم
ما معنى قوله: وهم بها.. لكنه توقف ثم تراجع، فهل أقدم يوسف(ع) أو
تقدّم، حتى يقال: إنه توقف ثم تراجع؟!!
إن
الإطلاع على هذه النصوص تجعلنا ندرك السبب الحقيقي وراء تجاهل "الكاتب"
لها.
خامساً
: إيمان يوسف (ع) يستيقظ!
ويقول صاحب "من وحي القرآن" أيضاً وأيضاً: "كان انجذاباً عفوياً
طبيعياً، لا انجذاباً إرادياً متعمداً (لولا أن رأى برهان ربّه) لولا
أن استيقظ إيمانه"(20)
فليخبرنا "الكاتب": هل إيمان يوسف(ع) كان نائماً حقاً، ثم استيقظ؟!
وليخبرنا أيضاً: ما الذي يمكن أن يكون قد حصل أثناء غياب هذا الإيمان؟!
فهل حل محله الكفر؟!!
وإن كان الإيمان والكفر نائمان معاً في تلك الأثناء فما الذي أيقظ هذا
الإيمان النائم؟!!
فهذه مقولة جريئة أخرى تجاهلها "الكاتب" كما هو ديدنه، والسبب بات
معروفاً.
سادساً:
استنفذ كل طاقاته في المقاومة
ويقول صاحب "من وحي القرآن": "عند ذلك شعر إن الطوق بدأ يضيق، ويحاصره
إلى درجة لا يستطيع فيها أن يتناسى، على اعتبار أنه استنفذ كل طاقاته
في المقاومة.."(21)
فليخبرنا "الكاتب" بصراحة: ما الذي لم يستطع يوسف(ع) أن يتناساه، هل هو
الطوق، والحصار، أم الإنجذاب الغريزي الطبيعي؟
وقد أوضح ذلك صاحب "من وحي القرآن" بقوله: " العصمة لا تعني عدم
الإنجذاب إلى الطعام المحرّم والشراب المحرّم، أو الشهوة المحرّمة،
ولكنها لا تمارس هذا الحرام، فالإنجذاب الغريزي الطبيعي هنا لا يتحول
إلى ممارسة، وتتضح الصورة أكثر، عندما جمعته مع النسوة اللاتي قلن:
((حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم)) عند ذلك شعر أن الطوق.."
الخ..(22)
وبعد أن علمنا ذلك، نسأل "الكاتب": ألا يعني هذا أن نبي الله يوسف(ع)
لم يستطع تناسي هذا الانجذاب الغريزي الطبيعي!! وأنه لم يكن ناسياً إلى
حين جمعته هذه المرأة مع النسوة!! وإنه عند ذلك كان يحاول أن لا تظهر
عليه علامات هذا الانجذاب الغريزي الطبيعي، لأنه لم يستطع، بعد أن شعر
أن الطوق بدأ يضيق ويحاصره ، أن يتناسى!! على اعتبار أنه استنفذ كل
طاقاته في المقاومة؟!!
مما يدل على أن حالة الانجذاب الغريزي الطبيعي هذه قد أخذت من نبي الله
يوسف(ع) كل مأخذ بحيث إنه لم يستطع أن يتظاهر بنسيانها رغم المقاومة
التي استنفذ معها كل طاقاته إلى حين جمعته هذه المرأة مع النسوة. حتى
إن علامات هذا الانجذاب ظهرت وبدت على ملامحه ولم يستطع أن يخفيها رغم
محاولته تناسيها أي رغم محاولته التظاهر بنسيانها أو رغم محاولته
الظهور بمظهر الناسي لها.
بعدما مرّ فليخبرنا "الكاتب" بصراحة، من مِن الأعلام يتبنّى مثل هذا
الرأي الجريء على الأنبياء (ع)؟!!
وليخبرنا أيضاً وبصراحة، لماذا تجاهل هذه المقولة؟!!
سابعاً
: يوسف (ع) قد لا يكون نبياً آنذاك!!
وهذه المقولة مما لم يرد في كتاب "خلفيات" حيث يقول صاحب "من وحي
القرآن": " وتحدث المفسرون كثيراً عن تأويل هذه الفقرة ليواجهوا مشكلة
العصمة في يوسف النبي الذي قد لا يكون نبياً آنذاك، ولكن رأي الكثيرين،
أن العصمة تسبق النبوة، كما تلحقها أو ترافقها.."(23)
ويستوقفنا في هذا المجال عدة نقاط:
1ـمن هم هؤلاء "الكثيرين"؟، فإن كان يقصد من الشيعة الإمامية فهذا خلط
واضح، بل فاضح، لأن جميع الإمامية تقول بذلك لا كثيرين، إلا إذا قصد من
المسلمين عامة!!
2ـولعل صاحب "من وحي القرآن" لا يعرف الفرق بين النبوة والبعثة، لأن
هؤلاء " الكثيرين"، إنما يقولون بعصمة الأنبياء قبل بعثتهم لا قبل
نبوتهم؟! ولشدّة دهشتي وأنا أقرأ كلامه الآنف الذكر، عمدت إلى سؤال
ولدي البالغ من العمر سبع سنوات عن نبي الله يوسف(ع) هل كان نبياً
عندما حصلت الحادثة مع امرأة العزيز؟ فأجاب مستغرباً، بالطبع كان
نبياً، فقد قال تعالى قبل ذلك: ((ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً،
وكذلك نجزي المحسنين)). وأردف قائلاً، فإنه بمعزل عن كونه نبياً أم لا،
فلا شك أنه معصوم منذ ولادته، وتساءل: أليس هذا ما عليه علماء مذهبنا؟!
3
ـ على أن صاحب "من وحي القرآن" نفسه يقول: " إن عقيدة الشيعة الإمامية
تؤكد أن عصمتهم تبدأ من حين ولادتهم.."(24)ومن
هنا فلا معنى للتشكيك بأنه(ع) ربما لم يكن نبياً.
ولنترك للقارئ أن يتأمل في هذه المقولة وما سبقها، فهذه سبع مقولات
"مخالفة" تجاهلها "الكاتب" كعادته، والأهداف لم تعد خافية.
الميل الطبعي والتلاعب المعهود بالنصوص
ذكرنا فيما سبق أن "الكاتب" تجاهل مقولات صاحب "من وحي القرآن" وركّز
بحثه حول نقطتين:
الأولى: مقولة الميل الطبعي.
والثانية: مقولة العزم.
وفيما يلي سنشرع في مطالعة ما أورده "الكاتب" وركّز عليه من خلال
النصوص:
رياضة القفز من جديد
تحت عنوان: "رأي السيد هو الإتجاه السائد" ذكر "الكاتب" بأن صاحب
"الوحي" صرّح " مراراً وتكراراً.. إن الإتجاه الذي يميل إليه ويستقربه
هو اتجاه الميل الطبعي"(25)ويتابع
الكاتب خطابه للعلامة المحقق قائلاً: "ألم تسجلوا خلاصة الفكرة التي
يراها في تفسير همِّ يوسف"(26).
ثم
ينقل نصّين من كلمات (السيد) نقلاً عن كتاب "خلفيات" لتأييد ما يدّعيه،
وهما:
"خلاصة الفكرة: إن يوسف(ع) لم يتحرك نحو المعصية، ولم يقصدها ولكنه
انجذب إليها غريزياً"(27).
"والتفسير الذي نميل إليه ونستقربه هو الإنجذاب اللاشعوري تماماً، كما
ينجذب الإنسان إلى الطعام"(28).
هذا وقد أحال "الكاتب" النص الأول إلى المصدر بالشكل التالي:
"[ن.م/1/87، نقلاً عن شريط مسجل للسيد]"
(29).
وأحال النص الثاني بالشكل التالي:
"[ن.م/1/86، نقلاً عن شريط مسجل]"
(30).
وتعليقاً على ما تقدم نسجل الملاحظات التالية:
1ـإننا نستغرب إحالات "الكاتب" المذكورة في كلا النصّين، وتحديداً أن
يكون النصّان "نقلاً عن شريط مسجل" لأن هذا الأمر غير صحيح، إذ أن
العلامة المحقق قد أحال النص الأول إلى كتاب الندوة ج1، ص 304"، والنص
الثاني إلى كتاب "دنيا الشباب، ص 36" وكلا المصدرين من المصادر
المكتوبة (للسيد).
ولنا أن نسأل، وبصراحة، لماذا أقدم "الكاتب" على التلاعب بالإحالة إلى
المصدر الحقيقي وأحال إلى "شريط مسجل"؟!!
إننا لن نقول أن "الكاتب" فعل ذلك ليموّه على القارئ، وبالتالي الإيحاء
له بعدم القدرة على مراجعة أو سماع النص من شريط مسجل غير متوفر إلا
لندرة من القراء.
لا
لن نقول ذلك، لا سيما أن الأمر مختلف هنا.
ولكن قد يسأل القارئ : ما المشكلة في ذلك، فإن الإحالة غير هامة، إذ
القصد هو إطلاع القارئ على ما يقوله "السيد" في المورد الذي يستشهد به
"الكاتب"؟
وجواب ذلك هو:
2ـصحيح، أن المهم في المسألة هو إطلاع القارئ على ما يقوله (السيد)
ولذلك تحديداً توقفنا عند هذه القضية، لأن "الكاتب" عرض النصّين، لكنه
لم يكملهما، وتوقف عند مقولة أساسية مما كنا قد أشرنا إليه سابقاً من
المقولات التي تجاهلها "الكاتب".
ولتوضيح الأمر، سنكمل كلمات هذين النصّين:
خلاصة الفكرة: إن يوسف(ع) لم يتحرّك نحو المعصية، ولم يقصدها، ولكنه
انجذب إليها غريزياً (هنا توقف "الكاتب" ولم يكمل)، بحيث تأثر جسده
بالجو.."(31).
*
" التفسير الذي نميل إليه ونستقربه هو الإنجذاب اللاشعوري تماماً كما
ينجذب الإنسان إلى الطعام (هنا توقف "الكاتب" ولم يكمل)، فيتفاعل في
جسده عندما يكون جائعاً…"(32).
وبهذا العرض للنص الحرفي يظهر بوضوح تام الأمر الذي يرغب "الكاتب" في
إخفائه وعدم ذكره وهو المقولة الثالثة التي مر ذكرها تحت عنوان: جسد
يوسف(ع) تأثر بالجو (الجنسي)!!
فهل من محمل حسن نحمل عليه "الكاتب" بعدما مرّ؟!
الشريف المرتضى (قده) : تنزيه يوسف (ع) عن الميل الطبعي
يستعرض "الكاتب" الوجوه اللغوية الأربعة لـ "الهمّ" التي ذكرها الشريف
المرتضى وهي:
الوجه الأول: العزم على الفعل.
الوجه الثاني: خطور الشيء في البال.
الوجه الثالث: المقاربة، أي كاد أن يفعل.
الوجه الرابع: الشهوة وميل الطباع.
وبعد أن استعرض ذلك نقل الكاتب عن المرتضى(رضوان الله عليه) قوله: "
فإذا كانت وجوه هذه اللفظة مختلفة متّسعة على ما ذكرناه، نفينا عن نبي
الله ما لا يليق به، وهو العزم على القبيح، وأجزنا باقي الوجوه لأن كل
واحدٍ منها يليق بحاله"(33).
ثم
يعلق "الكاتب" بعد ذلك بالقول: " وهذا نص صريح في مقبولية الوجه الرابع
(الشهوة وميل الطباع) وأنه يليق بحال يوسف الصدّيق(ع)، بل إنه يؤكد بأن
التجوُّز باستعمال الهم مكان الشهوة ظاهر في اللغة"(34).
ويبقى قبل أن نشرع بالكشف عما اقترفته يد "الكاتب" هنا أن نشير إلى ما
نقله " الكاتب" عن الشريف المرتضى حول تفسيره لقوله تعالى: ((وما أبرئ
نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي)) حيث قال:
"
يقول علم الهدى(قده): إنما أراد (يوسف(ع)) الدعاء ومنازعة الشهوة، ولم
يرد العزم على المعصية، وهو لا يبرئ نفسه مما لا تعرى منه طباع
البشر.."(35).
وبعد أن استعرضنا ما نسبه "الكاتب" للشريف المرتضى(قده)، نقول: لقد
مارس "الكاتب" تحريفاً في رأي الشريف المرتضى(قده) بحيث أخرجه عن وجهته
(180 درجة)، وذلك افتراء قد خرج عن كل حدّ.
ولتوضيح ما ندّعيه نقول:
1ـإن ما ذكره الشريف المرتضى إنما هو المعنى اللغوي للهم وليس بالضرورة
أنه(قده) يثبت مقولة الميل الطبعي.
2ـفي تفسيره للآية لم يذكر الشريف المرتضى سوى وجهين من وجوه التفسير:
الأول: أن يكون جواب لولا محذوف ويكون هم يوسف(ع) هو الهم بضربها.
الثاني: أن يكون جواب لولا متقدم عليها. ولم يمانع(قدس سره) وفق هذا
الوجه، من حمل الهم على العزم؛ لأنه مع كون جواب لولا متقدم لم يحصل
لديه العزم. وعليه فإن الشريف المرتضى لم يفسر الهم بمعنى ميل الطبع.
3ـقد يقول "الكاتب" إن هذا مدفوع بما ذكره، من قول الشريف المرتضى(قده)
حول تفسيره لقوله تعالى ((وما أبرئ نفسي)) بأنه: " إنما أراد يوسف(ع)
الدعاء، والمنازعة، والشهوة، ولم يرد العزم على المعصية، وهو لا يبرئ
نفسه مما لا تعرى منه طباع البشر" فإن كلامه هذا(قده) يؤكد أنه يثبت
وقوع "الميل الطبعي" من يوسف(ع) ولا ينفيه، فهو لا يبرئ نفسه منه.
ونجيب "الكاتب" بأن هذا الإشكال صحيح عند من جوّز الإفتراء على الشريف
المرتضى(قدس سره) وعمد إلى تحريف كلامه، أما عند غيرهم فهو كلام سخيف
و"ساذج" وذلك لأن:
أـما نقله "الكاتب" من أن الشريف المرتضى يرتضي التفسير القائل:" أما
همها، فكان أخبث الهم، وأما همه فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء"(36).
لم
يكن أميناً في نقله، لأن هذا القول إنما نقله الشريف المرتضى(قده) عن
الحسن البصري، فهو القائل بهذا التأويل لا الشريف المرتضى(قده)، وإليه
يرجع القول بأن من وجوه الهم الشهوة وميل الطبع وأن استعمال الهم مكان
الشهوة ظاهر في اللغة(37).
وعليه، فعبارة الشريف المرتضى المتعلقة بالمعنى اللغوي للهم وأنه ميل
الطبع هي بأكملها للحسن البصري، ولا يخفى أن نقل قول من الأقوال لا
يعني الالتزام به وارتضاؤه.
بـوأما رأيه (قده) في تفسير قوله تعالى: ((وما أبرئ نفسي)) فإن ما ذكره
"الكاتب" ليس رأي الشريف المرتضى (قده) وإنما هو رأي من حمل الآية على
أنها من كلام يوسف(ع)، والشريف المرتضى لا يتبنّى هذا الرأي وإنما
يتبنّى ما نسبه إلى "أبي علي الجبائي "وإن كان قد سبق إليه جماعة من
أهل التأويل" وهذا الرأي هو: " إن هذا الكلام.. إنما هو من كلام المرأة
لا من كلام يوسف(ع)، واستشهدوا على صحة هذا التأويل بأنه مسوق على
الكلام المحكي عن المرأة بلا شك… وعلى هذا التأويل يكون التبرؤ من
الخيانة الذي هو ذلك "ليعلم إني لم أخنه بالغيب" من كلام المرأة لا من
كلام يوسف(ع) ويكون المكنّى عنه في قوله تعالى: ((إني لم أخنه بالغيب))
هو يوسف(ع) دون زوجها لأن زوجها قد خانته في الحقيقة بالغيب، وإنما
أرادت إني لم أخن يوسف(ع) وهو غائب في السجن، ولم أقل فيه لما سئلت عنه
وعن قصّتي معه إلا الحق..".
وهذا الرأي هو الذي يرتضيه الشريف المرتضى(قده) ولذلك قال عنه: "وهذا
الجواب كأنه أشبه بالظاهر، لأن الكلام معه لا ينقطع عن اتساقه،
وانتظامه"(38).
3ـعلى أننا نقرأ كما "سماحته" ما جاء في دعاء التوبة للإمام زين
العابدين عليه السلام: " اللهم إني أتوب إليك في مقامي هذا… توبة من لا
يحدث نفسه بمعصية" فإذا كان الإمام عليه السلام يعلمنا موارد التوبة
(دون أن يعني ذلك أنه فعل فعلاً يتوب عنه كما حققه العلماء في محلّه)
وأن نتوب ولا نعود حتى على هذا المستوى من حديث النفس بالمعصية، ألا
يعني ذلك أن هذا أمر ممكن التحقق؟ وأن الأنبياء هم أولى الناس بالتزام
هذا الأمر والانتهاء إليه.
أولم يعلمنا الإمام زين العابدين(ع) أيضاً في نفس الدعاء أن نقول: "
اللهم وإني أتوب إليك من كل ما خالف إرادتك أو أزال عن محبتك من خطرات
قلبي ولحظات عيوني، وحكايات لساني" ألا يعني ذلك أن خطرات القلب ولحظات
العيون وحكايات اللسان تزيل الإنسان عن محبة الله وتخالف إرادته؟
ثم
بعد ذلك كله يأتي هذا "الكاتب" تبعاً لصاحبه ليقول: إن خطور الفاحشة
بالبال قد حصل عند يوسف(ع) وأن ذلك لا يطعن بعصمته لأنها مما تليق
بحاله!! ما لم تصل إلى العزم؟!!
ولا ندري، فلعل "الكاتب" يصدّر مراجعات أخرى لاحقاً يردّ بها على
الإمام زين العابدين (ع) ـ حاشداً بعض "الأدلة" و"الشواهد" أو النصوص
التي يتلاعب بها ليثبت أن خطرات القلب لا تطعن بعصمة ولا تهتك ستر نبي
أو إمام!! ولا تزيل مرتكبها عن محبة الله! ولا هي مخالفة لإرادته.
الشيخ الطوسي (قده) : تنزيه يوسف (ع) عن الميل أيضاً
وما ذهب إليه الشيخ الطوسي هو بعينه ما ذهب إليه الشريف المرتضى(قده)
مع فارق بسيط يتعلّق بتفسير قوله تعالى: ((وما أبرئ نفسي إن النفس
لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي)).
حيث اعتبر الطوسي (قده) إن هذا القول: " إخبار عما قال يوسف(ع)"
وذكر(قده) أن: "أكثر المفسرين على أن هذا من قول يوسف(ع). وقال أبو علي
الجبائي هو من كلام المرأة"(39)
وكأني "بالكاتب" تغمره السعادة عند قراءته لهذا النص، لكنها سعادة لن
تدوم لأطول من مدّة قراءة هذين السطرين، ولن تلبث أن تتحوّل إلى تعاسة
وشقاء عندما يعلم أن الطوسي (قده) عندما ذكر هذا التفسير ذكر معه ما
يلي:
أـ" إنه إخبار عما قال يوسف(ع) على وجه التواضع لله.."(40).
وبالتالي: لم يفسّر الطوسي(قده) ذلك بمعنى أبرئ نفسي عن الشهوة وميل
الطباع!!
بـإن في الآية استثناء، فإن قوله(ع): وما أبرئ نفسي متفرع عن قوله: إن
النفس لأمارة بالسوء، فيكون المعنى: إن النفس لأمّارة بالسوء، ولذلك
فإني لا أبرئ نفسي، لكن يستثني من ذلك: إلا ما رحم ربِّي وبالتالي، فإن
تلك النفس التي رحمها الله بريئة من ذلك، لأنها تخرج بذلك عن أن تكون
أمّارة بالسوء.
وهذا معنى قوله(قده): " إلا ما رحم ربي استثناء من الأنفس التي يرحمها
الله، فلا تدعو إلى القبيح، بأن يفعل معها من الألطاف ما تنصرف به عن
ذلك"(41).
والحق يقال: إنه حتى ولو اعتبرنا أن قوله تعالى: ((وما أبرئ نفسي)) هو
قول يوسف(ع)، وأن معناه: ما أبرئ نفسي عن ميل الطبع ومنازعة الشهوة فإن
وجود الاستثناء الظاهر كافٍ في الدلالة على نفي حصوله من يوسف(ع) ليكون
المعنى: أن من رحمهُ ربي بريء عن هذا الأمر.
العلامة المجلسي(قده): الرأي المختار ما أومأ إليه الإمام الرضا(ع)
ويتابع "الكاتب" سلسلة تحريفاته وافتراءاته على العلماء الأعلام وقد
وصل الدور للعلامة المجلسي (قده) حيث يقول:
"عقد العلامة المجلسي في (البحار) بحثاً… تحت عنوان: "تذنيب في حل ما
يورد من الإشكال على ما مرّ من الآيات والأخبار"، تصدى في أحد فصوله
للرد على الإشكال الذي قد يرد في تفسير قوله تعالى: ((وهم بها لولا أن
رأى برهان ربّه))".
ويضيف "الكاتب" قائلاً: " وقد رأى صاحب البحار أن الأجدى في دفع هذا
الإشكال هو ما قد جاء في تفسير الفخر الرازي فنقله بأكمله على طوله
واعتبره أجدى في إتمام المرام في هذا المقام".
ويتابع بالقول: "وقد ذكر ثلاثة وجوه في تفسير "الهم" كان ثانيها "الهم
بالشهوة" ليكون معنى الآية على هذا الوجه:
"ولقد اشتهته واشتهاها لولا أن رأى برهان ربه لدخل ذلك العمل في
الوجود".
ويمضي "الكاتب" بنقل بعض العبارات منها مثال الصائم في الصيف الصائف
والجلاّب المبرد(42).
ويختم "الكاتب" بالقول: " إننا إذا نظرنا إلى الأمثلة التي استجودها
المجلسي فيما نقله عن (التفسير الكبير) للفخر الرازي في تقريب معنى
"الميل الطبعي"، نجدها قريبة جداً من تلك الأمثلة التي ذكرها (السيد)
بيد أن العلامة المجلسي.. (فاته) أن يضع خطوطاً عريضة تحت عباراتها، بل
نقلها على طولها، معتزاً بها، من دون أن يسجل في أي مقطع من مقاطعها أي
إشكال، أو أدنى تأمل، بل اعتبرها الأجدى في إتمام المرام.."(43).
ولا يسعنا إلا أن نعبر عن ذهولنا أمام هذا الحجم والركام الهائل من
التحريف والإفتراء، ونقف عاجزين عن أن ندرك الأسباب الحقيقية، والأهداف
الواقعية التي تختفي خلف هذه المحاولات التي تسعى لتشويه المعتقدات
وأقوال العلماء وقد يأتي في المستقبل من يدّعي أن كتاب البحار محرّف قد
عبثت به الأيدي الأثيمة بناء على ما ينقله هذا "الكاتب" عنه على ما به
من اختلاف. ولا يتوقف الأمر على كتاب البحار بل سيطال كل الكتب التي
يحيل إليها..
ولا ندري لأجل من كل هذا التحريف، ولماذا، ومن المستفيد؟.. أسئلة
نثيرها أمام القارئ، ونكتفي بإثارتها للحق وللتاريخ لعلها تقع في يد
أمينة أو تطرق سمع مخلص قادر على المساعدة ومدرك لخطورة ما يجري يعيننا
على هذه المصيبة.. وما يهمنا هنا هو الكشف عما في هذه النصوص من تحريف
وافتراء ليظهر
رأي
العلامة المجلسي على حقيقته.
وفي هذا السياق سنتحدّث على مستويين:
الأول: كلام الرازي نفسه.
والثاني: كلام المجلسي رحمه الله.
أولاً: كلام الرازي نفسه
فيما يتعلق بكلام الرازي فإنه يلاحظ ما يلي:
1ـإن أول ما عالجه الرازي هو الرد على ما ذكره الواحدي في "البسيط"
وغيره، من أن يوسف(ع) عزم على الفاحشة فأبطل كلامه، واستخف واستهزأ به.
2ـبعد أن انتهى الرازي من الرد على الواحدي، عكف على شرح الآيات وقد
قسّم بحثه إلى مقامين:
الأول: إن يوسف(ع) لم يهم بها أصلاً وهو قوله: "إذا عرفت هذا فنقول:
الكلام على ظاهر هذه الآية يقع في مقامين: المقام الأول أن نقول: لا
نسلم أن يوسف(ع) هم بها.."(44)ثم
تحدث الرازي في تأكيده لهذا الرأي عن جواز تقديم جواب "لولا".
الثاني: التسليم بأن الهم قد حصل، وبالتالي البحث عن الوجوه التي يمكن
حمل الآية عليها بناء على ذلك. وهذا هو قوله: "المقام الثاني: في
الكلام على هذه الآية نقول: سلمنا أن الهم قد حصل، إلا أننا نقول: إن
قوله: ((وهم بها)) لا يمكن حمله على ظاهره… ونحن نضمر شيئاً آخر يغاير
ما ذكروه"(45)أي
من الفاحشة.
ثم
استعرض الرازي ما ذكره "الكاتب" من معاني لغوية للهم.
والمتأمل في كلام الرازي يجد أنه يتبنّى ما ورد في المقام الأول، أي أن
يوسف(ع) لم يهم بها.
أما بحثه في المقام الثاني: فقد كان على سبيل التنزل وهو مقتضى قوله:
"سلمنا أن الهم قد حصل" فإن هذا التعبير من يتنزل. فلا يصح نسبة هذا
القول إليه لأن ما يذكر على سبيل التسليم والمجاراة لا يكون هو الرأي
الذي يلتزم به بصورة نهائية.
ثانياً: كلام المجلسي (قده):
ويقع الحديث فيه في نقاط عدّة:
1
ـ إن "الكاتب" عمد إلى التعمية على قول المجلسي الذي قال قبل عرض رأي
الرازي: "فإن اعتراف الخصم أجدى في إتمام المرام" وهذه العبارة أعني:
"اعتراف الخصم" وإن ذكرها "الكاتب" في النص الحرفي لكنه في التمهيد له
حذفها واكتفى بأن ينسب للمجلسي (قده) اعتباره أن ما جاء في تفسير
الرازي:"أجدى في إتمام المرام" في هذا المقام.
وكذلك حذفها من خاتمة بحثه حينما نسب إلى المجلسي (قده) قوله فقط "بل
اعتبرها:"أجدى في إتمام المرام" في مقام دفع الإشكال والإيهام" فراجع
ما نقلناه آنفاً من كلام "الكاتب".
ولا يخفى أن حذف عبارة:"اعتراف الخصم"في التمهيد ثم في الخاتمة يهدف
للتعمية على القارئ وإبعاده عن أن يلتفت إلى دلالتها عند المطالعة.
ودلالتها واضحة، فإن كلام الرازي هو كلام الخصم، والمقصود بالخصم هو
الذي لا يتبنى ما يقوله الشيعة الإمامية من العصمة المطلقة.
وعليه، فإن الاستدلال بكلام "الخصم" إنما هو للأخذ منه ما يفيد في
إثبات ما يعتقده ويتبنّاه الشيعة الإمامية دون الإلتفات إلى غيره مما
لا يحتاج إلى مناقشة أصلاً.
وبعبارة أخرى: إن كان الرازي يتبنى، كما يظهر من كلامه أن يوسف(ع) لم
يهم أصلاً، فإن إيراد المجلسي(قده) لكلامه هو للأخذ بهذا الوجه، ولا
يضر ذلك استعراض الآراء الأخرى، على اعتبار أن الخصم إن كان ممن لا
يمنع عن الأنبياء المعصية ولا هو ممن يؤمن بعصمتهم المطلقة، فتنزيهه
للنبي في هذا المقام له دلالته، فإن عاد وقال قولاً ينافيه (على فرضه)
فإنك تلزمه به.
والنتيجة التي نريد قولها هي: إن المجلسي أخذ من الرازي ما يفسد قول من
لا يؤمن بالعصمة مطلقاً، ممن هم على شاكلة الرازي، وإن ظهر من الرازي
في هذا المقام تنزيه، على اعتبار أن اعتراف الخصم بوجود وجه وجيه في
حمل الآية على معنى دون أن يطعن ذلك بعصمة أولى في إتمام المرام على
حدّ تعبير المجلسي(قده) ولذلك سمّاه المجلسي إعترافاً، بل اعتراف من
"الخصم": ومع ذلك، فإن المجلسي لم يذكر قول "الخصم" دون أن يختار منه
ما يريد، وهذا ما سنبينه فيما يأتي.
2
ـ ومع ذلك فقد بيّنا أن الرازي يختار: إن يوسف(ع) لم يهم بامرأة
العزيز، وأنه ممن يجوِّز تقديم جواب "لولا" عليها وقد تبنّى المجلسي
(قده) هذا الرأي دون غيره واعتبره الرأي المختار المؤيد برواية الإمام
الرضا(ع) كما سيأتي.
3
ـ أما قوله بأن العلامة المجلسي(قده) لم يسجل أي إشكال أو أدنى تأمل
فهو تحريف للكلم عن مواضعه، لأن المجلسي اختار، وبشكل صريح الوجهين
القائلين بأن يوسف(ع) إما أنه لم يهم أصلاً، وإما أنه هم بضربها، وذلك
واضح وبيّن:
فإن العلامة المجلسي (قده) بعد أن أنهى نقل كلام "الخصم" علَّق قائلاً:
"
أقول: قد عرفت أن الوجهين اللذين اختارهما أومأ الرضا(ع) إلى أحدهما في
خبر أبي الصلت، حيث قال: وأما قوله عز وجل في يوسف(ع): ((ولقد همت به
وهم بها))، فإنها همت بالمعصية وهم يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما
داخله، فصرف الله عن قتلها والفاحشة، وهو قوله: ((كذلك لنصرف عنه
السوء)) يعني القتل ((والفحشاء)) يعني الزنا.
وأشار إليهما معاً في خبر ابن الجهم قال: "لقد همت به ولولا أن رأى
برهان ربه لهم كما همت [أي تقديم جواب "لولا" وبالتالي نفي الهم
أصلاً]، لكنه كان معصوماً، والمعصوم لا يهم بذنب، ولا يأتيه، ولقد
حدثني أبي، عن أبيه الصادق(ع) أنه قال: "همت بأن تفعل وهم بأن لا يفعل"(46).
هذا هو رأي العلامة المجلسي الحقيقي، لا ما نسبه إليه هذا "الكاتب"
الذي ما فتئ يفتري على العلماء الأعلام من دون أن يرف له جفن وبدم
بارد؟!!
العلامة المشهدي: "وقيل" التي أصبحت في خبر كان
ومن جملة العلماء الأعلام الذين لم يسلموا من افتراءات هذا "الكاتب"
العلامة المشهدي، حيث استشهد بما نقله عنه على أنه يقول بما يقول به
صاحب "من وحي القرآن" ومما نقله عنه أنه يذكر في تفسير قوله تعالى:
((وهم بها)) قولين أساسيين ثانيهما:
"المراد بهمّه ميل الطبع ومنازعة الشهوة، لا القصد الإختياري، وذلك مما
لا يدخل تحت التكليف، بل الحقيق بالمدح، والأجر الجزيل من الله من يكفّ
عن الفعل عند قيام هذا الهم"(47).
وبأسلوبه المعهود، عمد "الكاتب" للتلاعب بهذا النص وذلك في موردين:
الأول: اعتباره أن القولين اللذين ذكرهما العلامة المشهدي هما:
"أساسيين" وهذا افتراء فاضح من "الكاتب" على صاحب (كنز الدقائق) لأن
القول الأول الذي تجاهله "الكاتب" ولم يذكره، بل اعتبره "أساسياً" عند
المشهدي هو: أن المقصود من الهم "القصد والعزم" حيث قال (قده):
"قيل قصدت مخالطته وقصد مخالطتها، والهم بالشيء: قصده والعزم عليه.."(48).
فهل تفسير الهم اليوسفي بالقصد هو قول أساس، أم هو مرفوض عند جميع
العلماء الأعلام، وقد ذكر "الكاتب" هذا الأمر وأن جميع العلماء يرفضون
أن يكون الهم اليوسفي هو العقد والعزم وذلك عند استعراضه لرأي الطوسي،
والطبرسي، والشريف المرتضى، وغيرهم(49).
ولا يخفى أن تعبير العلامة المشهدي بلفظ: " قيل" يفيد تضعيف هذا الرأي.
الثاني: لو رجعنا إلى ما نقله "الكاتب" من نص (كنز الدقائق) لوجدناه
ينقل عنه قوله: "المراد بهمّه ميل الطبع.. الخ".
لكن المراجع للنص الأصلي سيجد أن "الكاتب" المهووس، على ما يبدو،
برياضة القفز والوثب الطويل قد عمد إلى القفز فوق كلمة واحدة هذه
المرَّة كان المشهدي(قده) قد صدّر بها الرأي الثاني وهي كلمة: "قيل"
التي تفيد التضعيف، وعمد إلى تجاهلها كعادته بل هوايته.. والحق أن
العلامة المشهدي(قده) قد قال بالنص الحرفي: "وقيل: المراد بهمّة، ميل
الطبع ومنازعة الشهوة.. الخ"(50)هكذا،
وبقدرة قادر "طارت" كلمة "قيل" وأصبحت في خبر "كان" المحذوفة منعاً
لظهور الحقيقة!!
ولكن الملفت في كلام المشهدي أنه ذكر رأيين وكلاهما صدرهما بكلمة "
قيل" والذي يظهر لي أن المشهدي توقف في ترجيح أي من هذين القولين.
العلامة الطباطبائي (قده): الميل الطبعي لا يسمّى هماً
وفي استعراضه لرأي العلامة الطباطبائي (قده) ارتكب "الكاتب" مفارقات
عديدة، ولكي لا نطيل على القارئ لوضوح الأمر نختصر ذلك بالنقاط
التالية:
1
ـ اعترف "الكاتب" بأن الإتجاه الذي تبنّاه الطباطبائي(قده) في ميزانه
هو: "أن يوسف(ع) لم يهم إليها أصلاً، وإن اختلف عن الأعلام الذين
تبنّوه لأنه يعتبر أن قوله: ((وهم بها)) ليست جزاءً لـ "لولا" متقدماً،
بل "هو مقسمً به بالعطف على قوله: ((ولقد همت به)) وهو في معنى الجزاء
استغنى به عن معنى الشرط.."(51).
2
ـ إن العلامة الطباطبائي (قده) يفسّر الهم بمعنى: أوشك، أو كاد، أو
مال. ويستدل عليه بما قيل من أن "الهم": "لا يستعمل إلا فيما كان
مقروناً بالمانع كقوله تعالى: ((وهموا بما لم ينالوا)) وقوله: ((إذ همت
طائفتان منكم أن تفشلا)) وقول صخر:
أهم بأمر الحزم لا أستطيعه***وقد
حيل بين العير والنزوان
ومن هنا يعتبر الطباطبائي (قده) أن يوسف(ع) "لولا ما رآه من البرهان
لكان الواقع هو الهمّ، والإقتراب دون الإرتكاب والإقتراف".
وعليه فإن يوسف(ع)، وفق رأي صاحب الميزان، منزّه حتى عن الاقتراب
والميل، لأن رؤية البرهان حالت دون الهمّ ومن هنا يستظهر صاحب
الميزان:أن الأنسب أن يكون المراد بالسوء هو الهم بها والميل إليها كما
أن المراد بالفحشاء، اقتراف الفاحشة وهي الزنا فهو(ع) لم يفعل ولم يكد،
ولولا ما أراه الله من البرهان لهم وكاد أن يفعل.
وكلاهما: أي السوء (الهم بها والميل إليها) والفحشاء (الإقتراف)
مصروفان عنه لا هو مصروف عنهما"(52).
3
ـ ومن كل ما تقدم يخرج الطباطبائي بنتيجة مفادها: أن يوسف(ع) لم يحصل
في نفسه شيء: لا الميل، ولا الخطور في البال، ولا المشارفة،
ويستدل(قده) على ذلك بما تقدم، من كون ((وهم بها)) ليس جزاءً، بل هو
مقسمً به بالعطف على قوله: ((ولقد همت به)) ثم يضيف (قده) دليلاً آخر
وهو قوله تعالى: ((لنصرف عنه السوء والفحشاء)) حيث أخذ السوء والفحشاء
مصروفين عنه لا هو مصروفاً عنهما.
واعتبر (قده) العدول عن التعبير بأنه (ع) مصروف عنها لما فيه "من
الدلالة على أنه كان فيه ما يقتضي اقترافهما المحوج إلى صرفه عن ذلك،
وهو ينافي شهادته تعالى: بأنه من عباده المخلصين"(53).
وعليه، فلما كان التعبير بأن يوسف(ع) هو الذي صُرف عن السوء والفحشاء
فيه دلالة على أنه كان فيه(ع) ما يقتضي اقترافهما المحوج إلى صرفه عنه،
عدل عنه إلى قوله: ((لنصرف عنه السوء والفحشاء)) ليفيد أنه لا توجد لدى
يوسف أي ميول نحو هذا الأمر ليحتاج إلى أن يصرف عنه.
4
ـ إذا اتضح هذا الأمر، اتضح معه ما اقترفته يد "الكاتب" وقلمه "الشريف"
في رأي العلامة الطباطبائي، عندما راح يقول بأنه:
"من الخطأ الشائع في بعض الأوساط أن العلامة الطباطبائي يعارض اتجاه
"الميل الطبعي" ولا يقبله لأنه مضر بالعصمة"(54).
نعم، إن "الكاتب" يعتبر هذا الأمر بمثابة "إشاعة"(55)كل
ذلك من أجل حشد أكبر عدد ممكن من المؤيدين والأنصار لصاحب "من وحي
القرآن". وإن قلت له إن لهؤلاء الأعلام قداسة وحرمة لا ينبغي أن تهتك،
فإننا نتوقع أن يقول لك: وإن، فإن طالبته بأن معنى "وإن": أن لا مانع
من هتك حرمة هؤلاء الأعلام، فنتوقع أن يجيبك بأن قوله: "وإن" لا تعني
ذلك وإنما تعني: "إحنا ما إلنا شغل مع هؤلاء الأعلام إحنا جيين ندافع
عن صاحب "من وحي القرآن"(56).
5
ـ ومن المكائد التي نصبها الكاتب للتشبث بمدعاه: إن العلامة
الطباطبائي(قده) لا يرى ضيراً بمقولة: "الميل الطبعي" ما نقله عن
الميزان من أن: " الهمّ بمعناه اللغوي مذموم لا ينبغي صدوره من نبي
كريم، والطبع وإن كان غير مذموم لخروجه عن تحت التكليف، لكنه لا يسمّى
هماً البتة"(57).
لكن هذا "الكيد" يفضحه كون هذا النص ليس للعلامة الطباطبائي(قده) أصلاً
ولتوضيح ذلك نقول:
إن
صاحب الميزان عندما شرع باستعراض ما قيل في تفسير الآيات وصل إلى القول
الثاني، وهو: أن المراد بهمِّه(ع) هو "ميل الطبع" فأخذ(قده) يعرض أقوال
المؤيدين لهذا الرأي والمعارضين له، وذكر أدلة الفريقين دون أن يبدي أي
رأي حولها لأنه أظهر رأيه الحقيقي على حدة، وقد عرفت حقيقة هذا الرأي.
والنص الذي ذكره "الكاتب" هو من كلام المعارضين الذين كانوا يردون على
من تبنّى الرأي المخالف كصاحب الكشاف والبيضاوي.
من
هنا فإن الطباطبائي (قده) بعد أن انتهى من استعراض ما قالوه أي ذكر ذلك
النص الذي تمسّك به "الكاتب" عمد للإدلاء برأيه في هذه المناقشة مصدراً
كلامه بما هو معروف في مثل هذه الموارد عنه(قده) بكلمة: "أقول".
فلنقرأ النص الآنف الذكر كما ورد في تفسير "الميزان".
"ورُدّ هذا القول… والهم بمعناه اللغوي مذموم لا ينبغي صدوره من بني
كريم والطبع وإن كان غير مذموم لخروجه عن تحت التكليف لكنه لا يسمى
هماً.
أقول: هذا إنما يصلح…"(58).
فما مر من كلام قبل كلمة "أقول" ليس من كلام الطباطبائي أصلاً.
6
ـ وبعد كل ما تقدم يتضح قبح ما أقدم عليه "الكاتب" من زج إسم العلامة
الطباطبائي (قده) على أنه ممن يؤيد مقولة "الميل الطبعي"، أو أنه لا
يرى ضيراً فيه(59)
مقولة العزم : الفطنة والنباهة
ينقل سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه خلفيات
مقولة عن (السيد) فضل الله مفادها:
"عزم على أن ينال منها ما تريد نيله منه".(60)
ويحيل القارىء إلى شريط مسجل بصوت (صاحب المقولة) بثته إذاعة محلية
تابعة له وردت فيه هذه المقولة.
وقد دوّن "الكاتب" فيما تقدم نصوصاً للعديد من العلماء الأعلام الذين
صرحوا بنفي أن يكون ما صدر من يوسف(ع) هو العزم.
ومن هنا، كان يبدو أن ثمة سؤالاً يلح بقوة ويطلب الإجابة في هذا
المجال وهو:
ماذا سيفعل "الكاتب" بعد كل هذه النصوص التي تنزّه النبي(ع) عن العزم.
وماذا سيفعل بمقولة صاحبه التي يصرّح فيها بأنه: "عزم على أن ينال منها
ما تريد نيله منه".
وقد عرفت سلفاً أن الجواب على هذا السؤال ليس معجزاً "للكاتب" بل سيكون
عليه بسيطاً جداً، وسهلاً، وذلك لأمر بسيط أيضاً وهو: معرفتي بمنهج
"الكاتب" في معالجة مقولات "السيد" والذي ذكرت مراراً وتكراراً أنه
منهج يمكن تلخيصه في جملة واحدة، هي: حرّف كلام "السيد" ليطابق كلام
العلماء الأعلام، أو حرف كلام العلماء الأعلام ليطابق كلام "السيد"،
فإن لم تستطع، أنكره من الأصل!!(61)فإن
المهم هو أن تصل إلى المطحنة بأي طريق سلكت. والمطحنة ـ طبعاً ـ
معروفة.
وكما توقعت، عمد "الكاتب" لإنكار هذه المقولة، وادعى أنها مقطّعة
تقطيعاً، وممزقة تمزيقاً، فلم "يبق في البين سياق، ولا قرينة، لا قبل
الجملة ولا بعدها"(62).
ثم
يدعي "الكاتب" أنه يملك الشريط "المقطع نفسه" بزعمه، وأنه أيضاً قد عثر
على الشريط "الأصلي"، وعلى المحاضرة بكاملها، وهي محاضرة ألقيت بتاريخ
29/9/1992 في درس التفسير، كما يدّعي(63).
ثم
أخذ يصول ويجول في استعراض نص الشريطين، والمقارنة بين ما جاء في الأول
والثاني(64).
ولا يعنينا كثيراً الدخول في استعراض ما ذكره في محاولة منه للظهور
بمظهر البرىء، فليس كل ما يلمع ذهباً.
ولكن سننحو في هذا المجال منحىً آخر فنقول:
1
–
قد سعيت جاهداً للحصول على الشريط الذي يزعم الكاتب أنه مؤرخ بتاريخ
29/9/1992 بهدف إجراء مقارنة بين الشريطين للتأكد مما يدّعيه هذا
"الكاتب" ـ الذي لا أخفي أنني لم أعد أثق بإحالاته المكتوبة فكيف
بالمسجلة ـ لتكون المناقشة أدق والحكم أوضح، إلا أنه في هذه المرة أحال
على غائب مفقود، فلم أوفق بالحصول على هذا الشريط المزعوم، حيث ووجه
الإخوة والأصدقاء الذين أرسلناهم بطلبه من مظان وجوده لا سيما المراكز
الأساسية المعنية بالإنتاج والتسويق ـ ووجهوا ـ بالصدّ والزجر،
والاستهجان والاستغراب، وكأن الذي يطلب ذلك الشريط قد أتى فسقاً أو نطق
كفراً، وكانت تتحول عملية الشراء والبيع إلى عملية تحقيق وتحرِّ: لماذا
تريد الشريط؟ ولمن؟ ولماذا هذا الشريط بالذات؟ وما هو الأمر المهم فيه؟
و.. الخ.
2
–
وحتى بعض الإخوة والأصدقاء الذين تم إهداءهم كتاب "مراجعات في عصمة
الأنبياء" من قبل بعض المقربين من "السيد" عندما طلبوا الشريط لم يجدوا
إلا تسويفاً : سأرى كيف يمكن أن أحصل لك عليه؟! سأسعى لإحضاره لك؟!
سأرى ما يمكن فعله للتمكن من الحصول عليه؟!! امهلني بضعة أيام أخرى؟!!
وإن شاء الله خير؟! (ولعل الأخير قيّد وعده بالمشيئة ليخرج بذلك من أن
يكون كاذباً) وهكذا إلى يومك هذا..
3
–
وإذا كان "الكاتب" قد عمد إلى التحريف السافر لآراء العلماء الأعلام
كما رأيت، وما ستراه مما سيأتي أعظم، وعمد إلى التوجيه المستغرب لكلام
"السيد" وهو ما قام الدليل والبرهان القاطع عليه ابتداءاً من وقفته مع
نبي الله آدم(ع) في مقولة الإيحاء بأن بيت آدم لم يكن نظيفاً من
الناحية الجنسية. ودعوى أنه لا طريق إلا تزويج الإخوة بالأخوات، التي
حولها إلى نقاش حول دعوى تزويج الإخوة بالأخوات، مموهاً بذلك عن حقيقة
المشكلة متجاهلاً الإشكال، وصولاً إلى ما نحن فيه مما اطلعت عليه
آنفاً..
إذا كان الكاتب قد فعل ذلك كله وبشكل سافر، وتحت نور الشمس، وفي وضح
النهار، وهي مقولات مكتوبة، ومدوّنة، ومنتشرة منذ عشرات السنين وهو
متوفرة بين أيدي الناس، وفي المكتبات العامة والخاصة.. ترى ألن يعتبر
أن شريط كاسيت مسجل قليل الانتشار يصعب الحصول عليه بسهولة كما أشرنا
مضى عليه بضعة سنين، يتحكم بتوزيعه من هو موضع الاتهام ـ ألا يعتبره ـ
يمثل مسرحاً واسعاً للتلاعب، ومرتعاً رحباً خصباً للتحريف، وفرصة نادرة
لن تعوّض ولن تتكرر..؟!!
4
–
ثم ألم نسمع مراراً وتكراراً من (السيد) نفسه أن هذه الأشرطة "مدبلجة"
"مخابراتياً".
وعليه، لنفترض أن هذا الشريط قد وجد فجأة وأصبح في متناول الناس على
حين غرة، فمن الذي يضمن أنه ليس "مدبلجاً" هو الآخر، لا سيما أن مقومات
"الدبلجة" متوافرة وأهل "الاختصاص" حاضرون لديهم بعكس غيرهم الذين سبق
أن تعرضت مسودات كتبهم للسرقة مقابل المال الوفير.. نعم حاضرون لا سيما
أنهم يملكون محطة إذاعية بكامل تجهيزاتها..
5
–
بل أن (السيد) لا يحتاج إلى "الدبلجة" أصلاً، لماذا؟ لأن "الإستديو"
حاضر وجاهز لتسجيل شريط جديد بكامله يتحدث فيه ما شاء أن يتحدث دون
رقيب أو حسيب أو تقطيع أو توصيل أو "دبلجة".
6
–
وإذا تنزلنا، وافترضنا أن كل ما قاله "الكاتب" وادعاه صحيح على علاّته
وأن الشريط المزعوم الذي وصل إلى يد العلامة المحقق ربما بنفس الطريقة
التي وصل بها إلى "الكاتب" ـ ولا ندري لماذا لا يتهم "الكاتب" نفسه بما
اتهم به العلامة المحقق ـ مقطع وموصل وأنه كان ينبغي على العلامة
المحقق أو "سماحته" ـ كما يحلو "للكاتب" أن يعبر ـ كان ينبغي أن لا
ينقل عنه هذه المقولة حتى يتأكد من صحتها، وأنه.. وأنه.. إلى آخر
"الديباجة" فما الذي سيلزم من هذا الخطأ المفترض؟!
الجواب: إن كل ما سيلزم عنه ويترتب عليه هو: أن المقولات التي وردت في
كتاب خلفيات بجزئيه الأول والثاني بدل أن يكون عددها (512) مقولة يصبح
عددها (511) مقولة.
7
–
ولماذا شكك "الكاتب" بالشريط الذي وصل إلى العلامة المحقق ولم يشكك
بالشريط الذي وصل إليه ويزعم أنه الشريط الأصل، فكيف تأكد له أنه غير
مدبلج هو الآخر؟!!
8
–
وبمعزل عن الشريط، فإن ما سجله صاحب "من وحي القرآن" بخط يده كافٍ في
إثبات ما يريد هؤلاء التملص منه، فاقرأ قول صاحب (من وحي القرآن): "وهم
بها استجابة لذلك الإحساس، لكنه توقف ثم تراجع" فإنه يكفي في إظهار
مقولة العزم على النيل منها، إذ لو لم يكن ثمة عزم واندفاع.. لم يكن
معنى للتوقف ثم التراجع بعد الهم استجابة لذلك الإحساس، بل إن التوقف
يشير إلى أكثر من مقولة العزم، فإنه يعني أنه قد سار باتجاه الهدف، ثم
توقف، والسير لا يكون في العادة إلا عن عزيمة وتصميم.اللهم إلا أن يقول
الكاتب إنه سير طبعي لا شعوري كما يسير الشخص وهو نائم ؟
9
–
يبدو أن "الكاتب" يريد هنا وعبر بعض الإيحاءات أن يسوِّق منطقاً جديداً
(على فرض براءة صاحبه من مقولة العزم).
وكأنه يريد أن يقول: إن المجرم المتهم بمئة جريمة مثلاً وقد ضبط
متلبساً بتسعة وتسعين منها فإذا برء من واحدة منها فقط فإن الحكم عليه
سيكون البراءة!!
أليس هذا هو الذي يريد أن يوحي به "الكاتب"؟
نعم إن "الكاتب" ينكر تلبّس صاحبه بمقولاته الباقية ولكننا كشفنا زيف
ادعاءاته وموارد تلبيساته ومواطن تحريفاته وتدليساته وهي نصوص متوافرة
في الأسواق يمكن للقارىء مراجعتها بسهولة وعلى أسس العدل
محاكمتها.((وإن الحكم إلا لله)).
الإعجاز
القرآني والإخبارات المستقبلية
ونختم بحثنا هذا بالإشارة إلى القضية التالية:
ذكرالكاتب حول قضية الشريط ما نصه:
"
لست أدري هل هذا تعمد منكم أو أنه عمل بعض الأخوة الذين يساعدونكم في
البحث والتنقيب"(65).
وقول الكاتب هذا ليس بعجيب، وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن هذه
النماذج من الناس حيث قال جل وعلا: ((وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك
افتراه وأعانه عليه قوم آخرون)(66).
-خلفيات
ج 1 ص 86 و87 نقلاً عن: دنيا الشباب ص36، والندوة ج1 ص304.
خلفيات
ج1 ص87 نقلاً عن شريط مسجل.
-خلفيات
ج1 ص87 –
89، نقلاً عن: من وحي القرآن ج12 ص204
–
208.
-خلفيات
ج1 ص89 نقلاً عن الندوة ج1 ص640.
-وهناك
الاستعداد والكمال في الميزات النفسانية والتوازن والعقل
الكامل وهناك التوفيق والرعاية الإلهية وفقاً لقوله: ((والذين
اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم)).
-سفينة
البحار، الشيخ عباس القمي ج8 ص333.
-بصائر
الدرجات ص290، وراجع أيضاً بحار الأنوار ج46 ص261 وكذلك لئالي
الأخبار، وسفينة البحار.
بحار
الأنوار، ج 64 ، ص 288 .
-نعم،
تمددات لا تقلصات كما قال صاحب "من وحي القرآن" ولعل "سماحته"
قد فاته أن الحرارة تسبب التمدد أما التقلص فتسببه البرودة.
-من
وحي القرآن، ج12، ص 206.
-أجوبة
السيد فضل الله على مسائل الشيخ التبريزي 11 جمادي الآخرة
1417هـ.
-مراجعات
في عصمة الأنبياء، ص 176.
-مراجعات
في عصمة الأنبياء، ص 177.
-مراجعات
في عصمة الأنبياء، ص 177.
-مراجعات
في عصمة الأنبياء، ص 177.
-مراجعات
في عصمة الأنبياء، ص 177.
-مراجعات
في عصمة الأنبياء، ص 177.
-خلفيات:
ج1، ص 87 نقلاً عن كتاب الندوة، ج1، ص 304.
-خلفيات:
ج1، ص 87 نقلاً عن دنيا الشباب، ص 36.
-مراجعات
في عصمة الأنبياء، ص 178، نقلاً عن تنزيه الأنبياء، ص 79.
-مراجعات
في عصمة الأنبياء،ص 179، نقلاً عن تنزيه الأنبياء، ص 79 أو ص
75 من طبعة أخرى.
-مراجعات
في عصمة الأنبياء، ص 179، نقلاً عن تنزيه الأنبياء، ص 83.
-مراجعات
في عصمة الأنبياء، ص 179.
-تنزيه
الأنبياء، ص 79 و80.
-راجع
مراجعات في عصمة الأنبياء، ص 183 و184.
-راجع
مراجعات في عصمة الأنبياء، ص 183 و184.
-بحار
الأنوار: ج12، ص 331.
بحار
الأنوار: ج12، ص 332.
بحار
الأنوار، ج12، ص 336.
مراجعات
في عصمة الأنبياء، ص 185.
-راجع:
مراجعات في عصمة الأنبياء، ص 178 ـ 181 وغيرها.
مراجعات
في عصمة الأنبياء، ص 189، وراجع الميزان ج11، ص 128.
-مراجعات
في عصمة الأنبياء، ص 189.
-مراجعات
في عصمة الأنبياء، ص 189.
-إشارة
إلى تفسير صاحب من وحي القرآن كلمة: "وإن" التي وردت في حديث
الهجوم على بيت فاطمة(ع) حيث فسر قول "فلان": وإن، بأن المقصود
هو ما إلنا شغل بفاطمة إحنا جايين نعتقل علي!!
-مراجعات
في عصمة الأنبياء، ص 189 نقلاً عن الميزان، ج6، ص 136.
-هذا
وقد كرر "الكاتب" زج اسم العلامة الطباطبائي(قده) في هذا الأمر
كثيراً فراجع: ص 175 و176 و177 و178 و188 و189 و210.
-وهذه
هي الترجمة بالمعنى لمقولة: إكذب إكذب حتى يصدقك الناس، ثم
اكذب اكذب حتى تصدق نفسك" التي يرددها صاحب "من وحي القرآن"
باستمرار.
-مراجعات
في عصمة الأنبياء ص195.
مراجعات
في عصمة الأنبياء ص197.
-مراجعات
في عصمة الأنبياء ص195 و200.
مراجعات
في عصمة الأنبياء ص197.
|