خصائصُ نُبُوّةِ رسول الاِسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)
إنّ لِدَعوة النبيّ الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) خصائصَ أهمُّها أربعة أُمور، نذكرها في ثلاثة أُصول:
الاَصلُ السابعُ والسبعون: عالمية دعوة النبي الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته
إنّ دعوةَ النبيّ الاَكرم ونبوَّتَه ورسالَتهُ، عالميةٌ، ولا تختصُّ بقومٍ دون قومٍ، ومنطقةٍ دون أُخرى. كما قال تعالى: (وَما أرْسلْناكَ إلاّكاّفةً للنّاسِ بَشِيراً وَنَذِيْراً)(1) .
ويقول أيضاً: (وَما أرْسَلْناكَ إلاّ رَحْمَةً لِلعالَمِين)(2)
من هنا نرى كيفَ أنّه كانَ يستفيدُ في دعوته من لفظة (النّاس) وقال:
(يا أيُّها النّاسُ قَد جاءَكُمُ الرَّسُولُ بالحقّ مِن رَبّكُمْ فآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ)(3)
____________
1. سبأ | 28.
2. الاَنبياء | 107.
3. النساء | 170.
(لِتُنْذِرَ قوماً ما أتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ)(1)
ولكنَّ هذا لم يكن ليعني أنَّ مجالَ رسالته محدودٌ بجماعةٍ خاصةٍ، وإرشادِ قومٍ خاصّين.
ولهذا السبب نرى القرآنَ ـ أحياناً ـ في الوقت الذي يوجّه دعوته إلى جماعة خاصّة، يعمد فوراً إلى اعتبار دعوته تلك حجةً على كلّ الذين يمكن أن تبلغَهُمْ دعوتُه. إذ يقول: (وَأُوحِيَ إليَّ هذا القرآنُ لاَُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ)(2) .
إنّ مِنَ البديهيّ أنّ على الاََنبياء أنْ يَبدأوا أقوامَهم في البداية سواء أكانت دعوتهم عالميّة، أم محلِّية.
وهذا هو القرآنُ الكريم يُذَكّرُ بهذه الحقيقة:
(وَما أرْسَلْنا مِنْ رسَوِلٍ إلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبيّن لَهُمْ)(3)
____________
1. السجدة | 3.
2. الاَنعام | 19.
3. إبراهيم | 4.
الاَصلُ الثامنُ والسبعون: إنّ نبي الاِسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم الاَنبياء
إنّ نبوّة رسول الاِسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) نبوّةٌ خاتمةٌ، كما أنّ شريعته كذلك خاتمةُ الشرائع، وكتابهُ خاتمُ الكتب أيضاً.
يعني أنّه لا نبيَّ بعدَه، وأنّ شريعَتَه خالدةٌ، وباقيةٌ إلى يوم القيامة.
ونحنُ نستفيدُ من خاتميّة نبوّته أمرين:
1. إنّ الاِسلام ناسخٌ لجميع الشرائعِ السابقة، فلا مكانَ لتلك الشرائعِ بعد مجيَ الشريعةِ الاِسلاميةِ.
2. إنّه لا وجودَ لِشَريعةٍ سماويةٍ في المستقبل، وادّعاء أي شريعة بعد الشريعة الاِسلامية أمرٌ مرفوضٌ.
إنّ مسألة الخاتميّة طُرحت ـ في القرآن والاَحاديث الاِسلامية ـ بشكلٍ واضحٍ، بحيث لا تترك مجالاً للشك لاَحد.
وفيما يأتي نشيرُ إلى بعضها في هذا المجال:
(ما كانَ مُحمَّدٌ أبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِن رَسُولَ الله وَخاتمَ النَبِيّين وكان اللهُ بِكُلّ شَيءٍ عَليْماً)(1)
والخاتَم هو ما يوضع في الاِصبع من الحُليّ، وكان في عصر الرسالة يُخَتُم بفصّه على الرسائل، والمعاهدات، ليكونَ آيةً على انتهاءِ المكتوب.
____________
1. الاَحزاب | 40. لا تنحصر الآياتُ الدالّة على خاتميّة رسول الاِسلام في هذه، بل هناك سِت آيات قرآنية في هذا المجال تدلّ على خاتميته. راجع كتاب مفاهيم القرآن: 3 | 130 ـ 139.
على أنّ لفظَ الرسالة حيث إنّه ينطوي على معنى إبلاغ أشياء (الرسالة) يتلّقاها النبي عن طريق الوحي (النبوة)، لهذا فإنّ من الطبيعي أنْ لا تكونَ الرسالة الاِلَهيّةُ من دون نبوّة، فيكون ختم النبوات ملازماً ـ في المآل ـ لختم الرسالات.
ثم إنّ في هذا المجال أحاديث وروايات متنوّعة، وعديدة، نكتفي بذكر واحد منها وهو حديثُ «المنزلة».
فعندما كان رسولُ الا ِسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ يريد أنّ ـ يتهيّأَ لغزوة تبوك، خلّف الاِمامَ عليّاً(عليه السلام) في المدينة وقال له: «أما ترضى أنْ تكونَ منّي بِمَنزلةِ هارونَ مِن مُوسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بَعدِي».
هذا وثمَّت مجموعةٌ من الاَحاديث المتواترةِ إجمالاً ترتبط بالخاتميّة عدا حديث «المنزلة» المتواتر نُقِلَت ورُوِيت في الكتب.
الاَصلُ التاسعُ والسبعون: كمال الدين الاِسلامي
إن سرَّ خلودِ الشريعة الاِسلامية يَكْمُنُ في أمرين:
ألف: إنّ الشَريعة الاِسلامية تُقَدّمُ لضمان وتحقيق حاجة البَشَرِ الطبيعيّة والفطريّة، الى الهدايات الاِلَهيّة، أكمل برنامج عُرِف بحيث لا
ب: بَيَّنَ الاِسلامُ في مجال الاَحكام العمليّة كذلك سلسلةً من الاَُصول والكليّات الجامعة والثابتة التي يمكنها أن تلبّي الحاجاتِ البشريةِ المتجدّدةِ والمتنوعة أوّلاً بأوّل.
ويشهد بذلك أنّ فُقَهاء الاِسلام (وبالاَخص الشيعة منهم) قدروا طوال القرون الاَربعة عشرة الماضية أنْ يلبُّوا كلّ إحتياجات المجتمعات الاِسلامية على صَعيد الاَحكام، ولم يَحْدُث إلى الآن أن عَجَزَ الفِقْهُ الاِسلاميّ عنِ الاِجابة على مُشكلةٍ في هذا المجال.
هذا والاَُمور التالية مفيدةٌ، ومؤثرةٌ في تحقيق هذه الغاية وهذا الهدف:
1. حجيّة العقل:
إنّ اعتبار العقل، ومنحه الحجية، والقيمة المناسبة في المجالات التي يقدر فيها على الحكم والقضاء، هو إحدى طرق استِنْباط وظائِفِ البشر في الحياة.
2. رعايةُ الاَهمّ عِند مُزاحمة المهمّ:
إنّ الاَحكام الاِسلاميّة ـ كما نعلَمُ ـ ناشئةٌ من طائفة من الملاكات الواقعيّة، والمصالح والمفاسد الذاتيّة (أو العارضة) في الاَشياء، وهي ملاكاتٌ ربما أدرك العقلُ بعضها، وربما لم يدرِكِ البعضَ الآخر، وإنما بيَّنَها الشرعُ.
3. فتح باب الاجتهاد:
إن فتح باب الاِجتهاد في وجه الاَُمّة الاِسلامية ـ الذي يُعتبر من مفاخر الشيعة وامتيازات التشيّع ـ هو الآخرَ من الاَسباب الضامنة لخاتمِيّة الدين الاِسلاميّ واستمراريّته، لاَنّه في ظلّ الاِجتهاد الحيّ والمستمرّ يمكن استنباط أحكام الموضُوعات، والحوادث الجديدة، باستمرار، من القواعد والضوابط الاِسلامية الكليّة.
4. الاََحكامُ الثّانَوِيّةُ:
هناك في الشريعة الاِسلاميّة مضافاً إلى الاَحكام الاَوّليّة، طائفةٌ من الاَحكام الثانوية التي تستطيع أن تحلَّ الكثيرَ من المشاكل.
فعلى سبيلِ المثال: عندما يصبَحُ تطبيقُ حكمٍ من الاَحكام الاِسلامية على موضوعٍ موجِباً للعُسر والحَرَج، أو مُستلزِماً للاِضرار بأشخاصٍ (بالشروط المذكورة في الفقه الاِسلاميّ) هناك أُصولٌ وقواعدُ مثل قاعدة «نفي الحرج»، أو «نفي الضرر» تساعد الشريعة الاِسلاميّة على فتح الطرق المسدودة وتجاوز المشاكل.
يقول القرآن الكريم: (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(1)
وجاء في الاَحاديثِ النَبَويّة: «لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ»(2)
____________
1. الحج | 78.
2. وسائل الشيعة: 17، الباب 12 من إحياء الموات، الحديث 3.
ومعالجةُ مَسألة الخاتميّة بشكلٍ مسهب موكولةٌ إلى الكتب الاِعتقادية.
الاَصلُ الثمانون: السهولة والاعتدال من خصائص الشريعة الاِسلامية
من خصائص الشَريعة الاِسلاميّة «الاِعتدالُ»، و «سهولة درك المفاهيم والاَحكام الاِسلامية»، وهو أمر يمكن أنْ يكون أَحدَ أهَمّ أسباب نفوذ هذا الدين وانتشاره بين شعوب العالم المختلفة.
إنّ الاِسلام يعرض ـ في مجال معرفة الله ـ توحيداً خالصاً، وواضحاً، وبعيداً عن أيّ إيهام وتعقيدٍ.
فسورة «التوحيد» التي هي من سُوَر القرآن القصار، يمكن أنْ تكون خير شاهد على هذا الاَمر.
كما أنّ القرآنَ يُؤكّد في مجال مكانة الاِنسان أيضاً على مَبدأ التَّقوى الّذي هو شاملٌ لجميع الخِصال الاََخلاقية، الرفيعة، والنبيلة.
وفي مجال الاَحكام العملية نرى كذلك أنّ الاِسلام يَنفي أيَّ عُسْرٍ وحَرَجٍ، وقد وَصَفَ النبيُّ نفسُهُ شريعتَهُ بالسهولة والسَّماحة فقال: «جِئْتُ بالشَرِيعةِ السَّهْلةِ السَّمْحَةِ».
صيانة القرآن من التحريف …
إنّنا مهما أمعنّا النظر وفكرنا فإنّنا لن نجد أبسط من أُصول الاِسلامِ الذي يقول: اللهُ واحد، والناسُ أمامَ الله سواسية، والاِنسانُ يحظى بالجنة والسعادة بالاِِتيان بعدّة فرائض دينية، ويقع بالاِعراض عنها في جهنم.
إنّ وضوح الاِسلام وتعاليمه وبساطتها هذه ساعدت كثيراً على تقدّم هذا الدين في العالم.
والاَهم من هذا، ذلك الاِيمانُ الراسخُ الذي صَبَّه وأوجدَه في القلوب، إنّه إيمانٌ لا تقدر أيّةُ شُبْهةٍ على اقتلاعه.
إنّ الاِسلامَ كما انّه يكون أنسبَ من أيّ دينٍ آخر، وأكثره ملائمةً مع المكتشفات العلمية. كذلك هو في مجال حمل الناس على العفو والصفح أكبر دين يستطيع أنّ يتولّى مهمة تهذيب النفوس والاَخلاق(1)
____________
1. حضارة العرب تأليف غوستاف لوبون.
الاَصلُ الواحدُ والثمانون: صيانة القرآن من التحريف
إنّ الكتبَ السماويّة التي عَرَضَها الاَنبياء السابقون تعَرضت ـ وللاَسف ـ من بعدهم للتحريف بالتدريج بسبب الاَغراض المريضة، وبسبب مواقف النفعيّين.
ويشهَد بذلك ـ مضافاً إلى إخبار القرآنِ الكريم بذلك ـ شواهدُ تاريخيّة قاطعةٌ.
كما أنّ مطالعة نفس تلك الكتب والتأمل في محتوياتها من المواضيع تدلُّ على ذلك أيضاً، فإنّ هناك طائفة من المواضيع في هذه الكتب لا يمكن أن يؤيّدها الوحيُ الاِلَهيّ.
هذا بغضّ النظر عن أنّ الاِنجيل الحاضر يحتوي في أكثره على حياة السيّد المسيح (عليه السلام)، وحتى صَلْبِهِ.
ولكن رغم وقوع التحريفات الواضحة في الكتب السماويّة السابقة، فإنّ القرآنَ الكريم بقي مصوناً من أيّ نوعٍ من أنواع التحريف، والتغيير.
فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ترك للبشرية من بعده (مائةً وأربع عَشَرة) سورة قرآنيّة، كاملة، وقد قام كُتّابُ الوَحي، وبالخُصوص الاِمامُ عليٌّ(عليه السلام) بكتابة الوحي، وتدوينه منذ البداية.
وَلِحُسن الحظّ لم ينقص من القرآن الكريم، وسُوَره، وآياتِهِ شيءٌ قَطّ رغم مرور قرابة (15) قرناً على بدء نزول القرآن، كما لم يُزَد عليه شيءٌ
1. كيف يمكن أن يجدَ التحريفُ سبيلاً إلى القرآنِ الكريم، في حين أنّ الله تعالى تعهَّدَ صراحةً بحفظ القرآن، بنفسِهِ إذ قال: (إنّا نَحْنُ نَزَّلنا الِذّكْرَ وَإنّا لَهُ لحافِظُونَ)(1)
2. إنّ الله تعالى نفى تطرُّق أيِّ نوعٍ من أنواع الباطل إلى القرآن الكريم مهما يكن مصدرُهُ، نفياً قاطعاً فقال: (لا يأتِيهِ الباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِن خَلْفِهِ تِنْزِيلٌ مِن حَكِيمٍ حَمِيدٍ)(2)
إنَّ الباطلَ الّذي يمكن أنْ يَتَطَرَّقَ إلى القرآن الكريمِ بصُوَرِهِ المختلفة، والذي قد نفاه الله تعالى نفياً قاطعاً، لا شكَّ هو الباطل الذي يوجب وَهْنَ القرآن الكريم، ويُضعِفُ مِن مكانتهِ ويَحُطُّ من مَنزلتِهِ، وحيث إنّ النَقْصَ من القُرآنِ الكريم، أو الزيادة في كلماته، وألفاظه مما يوهن مكانة القرآن قطعاً، ويقيناً، ويَحطُّ من شأنه، لهذا لا يوجد أيّ لونٍ من ألوانِ الزيادةِ والنقص في القرآن الكريم أبَداً، ويقيناً.
3. إنّ التاريخ يشهدُ بأنَّ المسلمين كانوا يعتنون بالقرآن الكريم تعلّماً وتعليماً، قراءةً وحِفظاً أشدّ الاعتناء، وكان العرب في عصر النبيّ الاَكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) يتمتّعون بحافظةٍ قويّةٍ وذاكرةٍ حادّة بحيث إذا سمعوا خطبةً أو قصيدةً طويلةً مرةً واحدةً حَفِظوها، وأتقنوها.
وعلى هذا كيف يمكن أن يُقال أنّ كتاباً مثل هذا، مع كثرة قارئيه،
____________
1. الحجر | 9.
2. فصلت | 42.
4. لا شكَّ في أنّ الاِمام أميرَ المؤمنين عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) كان يختلف مع الخلفاءِ، في بعض المسائل، وكان يُظهِرُ مخالفَتُهُ لهم في موارد مختلِفة بِصُورةِ منطقيّة، وتتمثل هذه الاِعتراضات في الخطبة الشقشقيّة وبعض مناشداته على سبيل المثال.
ولكنّه لم يُسَمعْ ولا مرّةً واحدةً بأنّه (عليه السلام) تَحَدّثَ ـ ولا بِكلَمَةٍ واحدةٍ ـ عن تحريف القرآن الكريم، طيلة حياته.
فإذا كان هذا التحريف حدث ـ والعياذ بالله ـ لما سَكتَ عنه الاِمامُ أميرُ المؤمنين(عليه السلام)، بل ـ على العكس من ذلك ـ نجده (عليه السلام) يدعو إلى التأمُّل والتَدَبُّر في القرآنِ الكريمِ ومن ذلك قولهُ: «لَيْسَ لاََحدٍ بَعْد القُرآنِ مِن فاقَةٍ ولا بَعْدَ القرآنِ مِن غِنىً فكونوا من حَرَثَتِهِ وأتباعِهِ»(1)
وبالنظر إلى هذه الاَدلة ونظائرها أكّدَ علماءُ الشيعة الاِمامية واتّباعاً لاَهل البيت: منذ أقدم العصور الاِسلامية، على صيانة القرآن الكريم من التحريف نذكر منهم:
1. الفضل بن شاذان (المتوفّى 260 هـ ق) والذي كان يعيش في عصر الاَئمة:، وذلك في كتاب الاِيضاح | 217.
2. الشيخ الصدوق (المتوفّى 381 هـ ق) في كتاب الاعتقادات | 93.
3. الشيخ المفيد (المتوفّى 413 هـ ق) في كتاب أجوبـة المسائل
____________
1. نهج البلاغة، الخطبة 176.
4. السيّد المرتضى (المتوفّى 436 هـ. ق) في كتاب: جواب المسائل الطرابلسيات الذي نقل الشيخ الطبرسي كلامه فيه، في مقدمة تفسيره: مجمع البيان.
5. الشيخ الطوسيّ المعروف بشيخ الطائفة (المتوفّى 460 هـ. ق) في كتاب: التبيان1|3.
6. الشيخ الطبرسيّ (المتوفّى 548 هـ. ق) في مقدمة كتابه: «مجمع البيان»، حيث أكَّدَ فيها على عدم وقوع التحريف في القرآن الكريم.
7. السيد ابن طاووس (المتوفّى 664 هـ. ق) في كتاب: «سعد السعود|144» حيث يقول فيه: إن عدم التحريف هو رأي الاِماميّة.
8. العلامة الحِلّي (المتوفّى 726 هـ. ق) في كتاب: «أجوبة المسائل المهنّائية | 121» حيث يقول فيه: «الحقُّ أنّه لا تبديلَ ولا تأخير ولا تقديم فيه، وأنّه لم يُزَد فيه ولم يُنْقص، ونعوذ بالله تعالى من أن يُعتَقَدَ مثلُ ذلك، فإنّه يوجب التَطَرُّق (أي تطرّق الشَكّ والوَهْن) إلى معجزة الرَسُّول(عليه السلام) المنقولة بالتّواتر».
ونكتفي بهذا القدر من أسماء علماء الاِمامية المنكرين للتحريف، ونؤكّد على أنّ هذا كان ولم يزل إعتقاد عُلَماء الامامية، ويتّضح ذلك من مراجعة ما كتبه ويقوله مراجع الشيعة في العصر الحاضر.
الاَصلُ الثاني والثمانون: مناقشة الروايات الدالّة على تحريف القرآن وردّها
لقد وَرَدَت في كتب الحديث، والتفسير، رواياتٌ يدل بعضُها على وُقوع التحريف في القرآن الكريم، ولكن يجب أن ننتبه إلى النقاط التالية:
أوّلاً: أنّ أكثر هذه الروايات نُقِلَتْ بواسطة أفراد غير موثوق بهم وجاءت في كتب لا قيمة لها. مثل كتاب «القراءات» لاَحمد بن محمد السياري (المتوفّى 286 هـ ق) الذي ضَعَّفَهُ علماءُ الرجال وضعَّفوا رواياته، واعتبروه فاسد المذهب(1) أو كتاب علي بن أحمد الكوفي (المتوفّى 352 هـ ق) الذي قال عنه علماء الرجال بأنّه صار غالياً في أُخريات حياته.(2)
ثانياً: بعض هذه الروايات التي حُمِلَت على التحريف، لها جانبُ التفسير، أي أنّها تفسّر الآية، وتكون من قبيل تطبيق المفادِ الكليّ للآية على مصاديقه، أو أحد مصاديقه. غير أنّ البعضَ تصوّر أنّ ذلك التفسير والتطبيق هو جزءٌ مِن القرآن الكريم، وقد حُذِفَ، أو سقطَ من القرآن الكريم.
فمثلاً فُسرت لفظةُ «الصِراط المُستَقيِم» في سورة الحمد في الروايات بـ «صراط النبي وأهل بيته» ومن الواضح جدّاً أنّ مثل هذا التفسير هو نوع من أنواع التطبيق الكليّ على المصداق الاَكمل(3)
____________
1. رجال النجاشي: 1 | 211 رقم الترجمة 190.
2. رجال النجاشي: 1 | 96 رقم الترجمة 689.
3. الطبرسي: مجمع البيان: 1 | 28.
ألف: الروايات الضَعيفةُ التي لا يمكن الاِستفادة منها والاَخذ بها أبداً.
ب: الروايات المختلَقَة التي تلوح عليها علائم الوضع والاِختلاق.
ج: الروايات الصحيحة التي لو تأمَّلْنا فيها بدقّة لاتّضح أنّ المقصودَ منها ليس هو التحريف اللَفظيّ (أي الزيادة والنقصان اللفْظِيّ) بل هو تحريف حقائِقها ومفاهيمها.(1)
ثالثاً: انّ الواجب على الذين يريدون التعرّف على المعتقد الواقعي لاَتباع مذهب من المذاهب، أنْ يرجعوا إلى الكتب الاعتقاديّة والعِلمية لذلك المذهب، لا الكتب الحديثية (أي التي تضم الاَحاديث والاَخبار) التي يَهتَمُّ مؤلفها في الاَغلب بجمع الاَحاديث وتدوينها، تاركاً التحقيق فيها، والاِستفادة منها للآخرين.
كما أنّه لا يكفي لمعرفة المعتقد الحقيقيّ والمسَلَّم لاَي مذهَبٍ من المذاهب، الرجوعُ إلى الآراء الشاذّة التي طَرَحَها أو يطرحُها أفرادٌ من أتباع ذلك المذهب.
وأساساً لا يمكن الاِستناد إلى قولِ فردٍ أو فردين في مقابل رأي الاَكثريّة القاطعة والساحقة من عُلَماء المذهب وجعله مِلاكاً صحيحاً
____________
1. تهذيب الاَُصول: 2 | 96.
وفي خاتمة البحث عن التحريف من الضَروريّ أنْ نُذَكّرَ بعدة نقاط هي:
1. إنّ اتّهام بعض المذاهب الاِسلامية البعضَ الآخر بتحريف القرآن وخاصّة في العصر الحاضر لا يستفيد منهُ سوى أعداء الاِسلام، وخصومه، ومناوئيه.
2. إذا أقدَمَ أحدُ علماء الاِمامية بكتابة كتاب حولَ تحريف القرآن، وجب أن نعتبر ذلك رأيه الشخصيّ وليس رأيَ الاَكثريّة الساحقة من علماء الاِمامية.
ولهذا نرى أنّه أقدم علماءُ كثيرون من الاِِمامية على كتابة ردودٍ عديدةٍ على ذلك الكتاب. تماماً كما حَدَثَ في أوساط أهل السنة حيث أقدم أحدُ علماء مصر على تأليف كتابٍ في تحريف القرآن باسم «الفرقان» عام 1345 هـ. ق، فَرَدَّ عليه علماءُ الاَزهر، وأمَرُوا بمصادَرَتِهِ.
3. إنّ من العجيب جداً أن يحمل بَعْضُ المغرضين الذين أيسوا من الاَساليب الاَُخرى، كلّ هذه التصريحات القاطعة من قِبَل علماء الشيعة الاِماميّة بعدم تحريف القرآن الكريم على «التقيّة»!!
فإنّه يقال لهؤلاء بأنّ «التقية» ترتبط بأحوال شخصٍ يكون في ظروف الخوف والخطر، وهؤلاء العلماء الكبار لم يكونوا يخافون أَحداً حتّى يضطرّوا إلى ممارسة «التقيّة».