الصفحة 315

أُمورّ في الفروع
الفصل العاشر
الحديث والاجتهاد والفقه


الصفحة 316

الصفحة 317

الاَصل السادسُ والثلاثون بعد المائة: مصادر التشريع والحديث

يَعملُ الشيعة الاِمامية في العَقائد والاَُصول بأحاديث مرويّةٍ عن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن طريق ثقات يُعتَمَد عليهم، سواء أكانت هذه الروايات والاَحاديث. في كتب الشيعة أم في كتب أهل السُّنّة.

من هنا ربّما استَنَد الشيعة في كتبهم الفقهيّة إلى رواياتٍ منقولة عن طريق رواة من أهل السّنة أيضاً، ويُسمّى هذا النوع من الحديث الذي تُصَنَّف أقسامه على أربعة أقسام، بالموثّق.

وعلى هذا فإنّ ما يرمي به البعض من المغرضين «الشيعةَ الاِماميةَ» في هذا المجال لا أساس له من الصحّة مطلقاً.

إنّ الفقه الشيعيَّ الاِماميَّ يقوم ـ أساساً ـ على الكتاب والسُّنّة، والعقل، والاِجماع.

والسُّنَّة عبارة عن قول المعصومين وفعلهم وتقريرهم وعلى رأسهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وعلى هذا إذا روى شخصٌ ثقة حديثاً عن رَسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واشتمل ذلك الحديثُ على قولِ النبي، أو فعله، أو تقريره، كانَ معتبراً في نظر

الصفحة 318
الشيعة الاِمامية وتلقّوه بالقبول وعملوا وفقه.

وما نجده في مؤلّفات الشيعة ومصنّفاتهم شاهدُ صدق على هذا القول، ويجبُ أن نقول: إنَّه ليس هناك أيُّ فرقٍ بين كتب الشيعة في الحديث، وكتب أهل السنّة في الحديث، في هذا المجال، إنّما الكلام هو في تشخيص من هو الثقة، وفي درجة اعتبار الراوي.

الحديث والاجتهاد والفقه…

الاَصلُ السابعُ والثلاثون بعد المائة: حجيّة الاَحاديث المروية عن أئمة أهل البيت:

إنّ الاَحاديث والرّوايات التي تُنْقَل عن أئمة أهل البيت المعصومين بأسنادٍ صحيحة، حجّةٌ شرعيّة، ويجب العمل بمضمونها، والاِفتاء وفقها.

إنّ أئمة أهل البيت: ليسوا بمجتهِدين أو «مفتين» ـ بالمعنى الاِصطلاحيّ الرائج للَّفظَتين ـ بل كلُّ ما يُنقَلُ عنهم حقائق حَصَلوا عليها من الطُرُقِ التالية:

ألف ـ النَقْل عن رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)

إنّ الاَئمّة المعصومين: أخَذَوا أحاديثهم من جَدّهمْ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (خَلفاً عن سَلَف وكابِراً عن كابر) ثم رووها للنّاس.

وإنّ هذا النَوع من الاَحاديث والرِّوايات التي رَواها كلُّ إمام لاحق عن الاِمام السابِق إلى أن يصل السَند إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كثيرة في أحاديث الشيعة الاِمامية.

ولو أنّ هذه الاَحاديث التي وردت عن أهل البيت واتصل سَنَدها

الصفحة 319
برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جُمِعَت في مكانٍ واحدٍ لحصل مِنها مُسْنَدٌ كبيرٌ يُمثل كَنزاً عظيماً للمحدّثين، والفُقَهاء المسلمين، لاَنّ مثل هذه الاَحاديث والروايات بهذه الاَسانيد المُحكَمة القَوِيّة لا نَظير لها في عالم الحَديث، ونشير إلى نموذج واحدٍ من هذه الاَحاديث، ويسمّى بحديث «سلسلة الذهب» ويُقال انّ السامانيّين كانوا يحتفظون بنسخةٍ منه في خزانتهم حبّاً منهم للاَدب والعلم.

روى الشيخُ الصَّدوقُ، عن أبي سعيد محمد بن الفَضل النيسابوري، عن أبي علي الحسن بن علي الخزرجي الاَنصاري السعديّ، عن أبي الصَّلت الهَرَويّ، قال: كنتُ مع علي بن موسى الرّضا (عليه السلام) حين رَحَلَ من «نيسابور» وهو راكبٌ بغلةً شهباء، فاذا محمدُ بن رافع، وأحمد بن حرب، ويحيى بن يحيى، وإسحاق بن راهويه، وعدّةٌ من أهل العلم، قد تَعَلَّقوا بلجام بغلته في المربعة فقالوا: بحقّ آبائِك المطهَّرين، حدِثنا بحديثٍ قد سَمِعته من أبيك، فأَخرَجَ رأسَه من العَمارية، وعَليه مِطرف خزٍ ذو وجهين، وقال: «حَدَّثَني أبي العبدُ الصالح موسى بنُ جعفرٍ قال: حَدَّثني أبي الصادقُ جعفرُ بنُ محمدٍ قالَ: حَدَّثني أبي أبو جَعفر محمدُ بنُ عليٍ باقر عِلمِ الاََنبياء قالَ: حَدَّثَني أبي عليُّ بن الحسين زينُ العابِدين قالَ: حَدَّثني أبي سيدُ شبابِ أهلِ الجَنَّةِ الحسينُ قالَ: حَدَّثني أبي عليُّ بنُ أبي طالب قالَ: سَمعْتُ النَّبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: قالَ الله جَلَّ جَلالُه: لا إلَهَ إِلاّ اللهُ حِصْنِي فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أمنَ مِن عَذابي».

فلَما مَرَّتِ الراحِلةُ، نادانا: «بِشُروطِها، وأنا مِن شُروطِها».(1)

____________

1. التوحيد للشيخ الصدوقَ: الباب 1، الاَحاديث 21، 22، 23.


الصفحة 320
ب: الرِواية من كتابِ عليٍّ (عليه السلام)

لقد صاحَبَ عليٌ (عليه السلام) رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في فترةِ بعثته كلّها، ولهذا استطاع أن يحفظ ويدوّن قدراً عظيما من أحاديث رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتاب (وفي الحقيقة كان ذلك الكتابُ من إملاءِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم وكتابة علي عليه السلام).

ولقد ذُكِرَت خُصوصيّات هذا الكتاب الذي صار بعد استشهاد الاِمام علي (عليه السلام) إلى أهل بيته في أحاديث أهل البيت:.

يقول الاِمام الصّادق عن هذا الكتاب: «طولُه سَبْعون ذراعاً، إملاء رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قاله من فِلقِ فِيه، وخطّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) بيده، فيه والله جميع ما تحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة»(1)

ومِنَ الجدير بالذّكِر أنّ هذا الكتاب بقيَ عند أهل البيت يتوارثه إمامٌ من إمامٍ، وقد نقل الاِمامُ الباقر والاِمام الصّادق8 رواياتٍ عديدةٍ منه وربّما أطلَعُوا بعضَ شيعتهم عليه.

ويوجَدُ قسمٌ كبير من أحاديثه الآن في المجاميع الحديثية الشيعية وبالاَخص كتاب «وسائل الشيِعة».

ج: الاِِلْهاماتُ الاِِلَهِيّة

إنّ لِعلومِ أهلِ البيت: مَنبعاً آخر يمكن أن نسَمّيه بالاِلهام.

____________

1. بحار الاَنوار ج: 26 | 18 ـ 66.


الصفحة 321
والاِلهامُ ليس مخصوصاً بالاََنبياء، فقد كان في طول التاريخ من الشخصيات المقدَّسة مَن كان يحظى بهذا الاِلهام، مع أنّهم لم يَكونوا أنبياء، وقد كانت تلقى إليهم بعضُ الاَسرار من عالم الغيب، وقد أشار القرآنُ الكريمُ إلى ذلك عندما تَحدَّثَ عن مرافق النبيّ موسى (خضر) الّذي علّم موسى بعضَ الاَشياء فقال:

(آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدنا وَعَلّمناهُ من لَدُنّا عِلْماً)(1)

كما وأنّه قال في شأن شخصٍ من حاشية النبيّ سليمان (عليه السلام) (وهو آصف بن برخيا) قال:

(قالَ الّذِي عندَهُ عِلْمٌ مِن الكِتاب)(2)

إنّ هؤلاء الاَشخاص لم يَتَعلَّموا علومَهم، ولم يَكتسبُوا مَعلوماتهم من طريق التعلّم، بل هو كما يُعَبّرُ عنه القرآنُ عِلْمٌ لَدُنّيٌ:(عَلَمَنّاهُ مِنْ لَدُنّا عِلماً) .

وعلى هذا الاَساس لا يكونُ عدم كون الشخص نبيّاً، مانِعاً من أن يحظى بالاِِلهام الاِلَهيّ، كما يحظى بعضُ الاَشخاص من ذوي الدَرَجات المعنويّة الرفِيْعَة بالاِلْهامِ الاِلَهيّ.

وقد أُطلق على هذا النَمَط من الاَشخاص في أحاديث الفريقين وصف «المُحدَّث» يعني الّذين تَتَحَدّثُ معهم الملائكةُ من دون أن

____________

1. الكهف | 65.

2. النمل | 40.


الصفحة 322
يكونوا أنبياء.

فقد رَوى البخاريُّ في صحيحِهِ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «لَقَدْ كانَ فِيمَنْ كانَ قَبْلَكُمْ مِن بَني إِسْرائِيل يُكلَّمون مِن غَيرِ أنْ يَكُونُوا أنْبِياء».(1)

من هنا كان أئمة أهل البيت: ـ لكونهم مراجعَ للاَُمة في بيان المعارف الاِلَهيّة، والاَحكام الدينيّة ـ يجيبون على الاَسئلة التي لا توجَد أجوبتها في أحادِيث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو في كتاب علي (عليه السلام)، من طريق «الاِلهام» والتعليم الغيبي، والعِلمِ اللَدُنِيّ.(2)

الاَصلُ الثامنُ والثلاثون بعد المائة: تدوين الحديث

إنّ الاَحاديث النَبَويّة تحظى باعتبارٍ خاصٍّ، مثل القرآن الكريم، فالكتاب والسُّنّة كانا ولا يزالان من مصادر المسلمين الاعتقادية والفقهيّة.

ولقد أحجَمَ فريقٌ من المسلمين بعد رحلة النبيّ الاَكرمِ (صلى الله عليه وآله وسلم) وتحت ضغطٍ من السُّلُطات الحكومية بعد النبيّ، من كتابة وتدوين الحديث، ولكنّ أتباع أهلِ البيت: لم يغفَلوا ـ ولحسن الحَظّ ـ ولا لحظة واحدة عن تدوين الحديث، فدوَّنُوا، وضَبَطوا الحديث بعد رحيل النبيّ الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولقد قُلنا ـ في الاَصل السابقـ بأنّ قِسماً من أحاديث أئمة أهلِ البيت مأخوذٌ عن الرسول الاَكرم نفسه.

____________

1. صحيح البخاري: 2 | 149.

2. راجع حول المحدَّث وتعريفه كتاب إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري: 6 | 99 وغيره.


الصفحة 323
ولقد قام علماءُ مدرسة أهل البيت وعلى طول التاريخ، بتأليف مجاميع حديثيّة كبيرة، ومدوَّنات تضمُّ الرّوايات والاَخبار، جاءَ ذكرها في كتب الرجال، خاصّة في القرنِ الرابعِ والخامسِ الهجريّين، مستفيدين ـ في هذا الصعيد ـ من الكتب التي تمَّ تأليفُها وتدوينُها في عصر الاَئمة:، وعلى أيدي أصحابهم وتلامذتهم العَدِيدين.

والكتب الحديثية الجامعة المدَوَّنة التي تعتَبَرُ اليومَ محوراً للعقائد والاَحكام الشيعية هي عبارة عن:

1. «الكافي» تأليف محمّد بِنِ يعقوب الكلينيّ (المتوفّى عام 329 هـ) في ثمانية أجزاء.

2. «مَنْ لا يَحْضرُه الفقيهُ»، تأليف محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالصدوق (306 ـ 381 هـ) في أربعة أجزاء.

3. «التَهذيب» تأليف محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسيّ (385ـ 460 هـ) في عشرة أجزاء.

4. «الاِستبصار»، تأليف المؤلف السابق، في أربعة أجزاء.

وهذه هي ثاني مجموعة من المجاميع الحديثيّة التي دوَّنها ونَظَّمها الشيعةُ، طوال التاريخ، بجهودِهِمُ الحثيثة حتى القرن الرابع والخامس الهجريّين، وقد أُلّفَتْ ـ كما ذكرنا ـ في عصر الاَئمة أي القرن الثاني والثالث جوامع حديثيّة تُسمّى بِالجَوامع الاَوَّليّة، بالاِضافة إلى «الاَُصول الاَربعمائة» وقد انتقلت محتوياتها إلى الجوامع الثانويّة.


الصفحة 324
وحيثُ إنّ عِلمَ الحديث كانَ دائماً موضعَ إهتمام الشيعة، لذلك أُلّفَت في القرنِ الحادي عشر، والثاني عشر مجاميعُ حديثية أُخرى نترك ذكر أسمائها لعلّة الاختصار.

إلاّ أنّ أكثر هذه المجاميع شهرة هو «بحار الاَنوار» للعلامة محمد باقر المجلسي، ووسائل الشيعة لمحمد بن الحسن الحرّ العاملي.

هذا ومن البديهيّ أنّ الشيعة لا تعمل بكل حديث، ولا تعمل بأخبار الآحاد، في العقائد، أو التي تخالف في مضمونها القرآنَ أو السّنة القطعيّة، وليست بحجّة عندهم، على أنّ مجرّد وجود الرواية في كتب الحديث عندهم لا يَدلُّ على إعتقاد المؤلّف بمفاده، بل الاَحاديث تتنوَّع عند هذه الطائفة إلى صحيح وحَسَن، وموثَّق، وضعيف، ولكلِّ واحدٍ من هذه الاَنواع أحكامٌ خاصّة، ودرجةٌ خاصّة من الاعتبار، وقد جاء بيان ذلك على وجه التفصيل في علم الدراية.

الاَصلُ التاسع والثلاثون بعد المائة: الاجتهاد

أشرنا فيما سبق إلى مصادر الفقه الشيعيّ الاِماميّ (وهي عبارة عن الاَدِلّة الاَربعة: الكتاب والسُّنة والعقل والاِجماع)، وتسمّى عمليّة إستنباط الاَحكام الشرعيّة من هذه الاَدلّة بشروطٍ خاصّة مذكورة في عِلم الاَُصولِ بـ«الاِجتهاد».

إنّ الشريعة الاِسلاميّة حيث إنَّها شريعةٌ سماويّةٌ، ولا شريعة بعدَها قَط، وَجَبَ أنُ تلبّي كلَّ الحاجات البشرية في مختلف مجالات حياتها

الصفحة 325
الفرديّة والاجتماعية.

ومن جانِبٍ آخَر حيث إنَّ الحوادث والوقائع لا تنحصر فيما كان في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فالتَطوُّرات المتلاحقة في الحياة تطرح احتياجات وحالات جديدة، تحتاج كل واحدة منها طبعاً إلى حكم شرعي خاصّ.

وبالنظر إلى هذين المطلبين يكون فتح باب الاجتهاد في وجه الفقهاء على طول التاريخ أمراً ضروريّاً، إذ هل يمكن أن يكون الاِسلام الذي هو شريعة إلَهية كاملة ودين جامع أن يسكتَ في الحوادثِ الجَديدة الظهور، وأن يترك البشرية حائرة في منعطفات التاريخ والحياة، أمام سيل الحوادث الجديدة.

كُلُّنا نَعلم بأنّ علماءَ «الاَُصول» قَسَّموا «الاِجتهاد» إلى قسمين «الاِجتهاد المطلَق» و «الاِجتهاد في مَذهَبٍ خاصٍّ».

فإذا اجتهد شخصٌ في مسلك أبي حنيفة الفقهيّ، وسعى إلى أن يحصل على رأيه في مسألة مّا، سُمِّيَ عَمَلُه بـ«الاِجتهاد في المذهب».

وأمّا إذا لم يقيّدِ المجتهدُ نَفسَه بمذهبٍ معيّن وخاصّ في المذهب وسعى إلى أن يَفهَمَ الحكمَ الاِلَهيَّ من الاَدلّة الشرعيّة (سواءً وافق مذهباً ومَسلَكاً معيَّناً أو خالفه) دُعيَ ذلك بالاِجتهادِ المطلق.

ولقد أُغلق بابُ الاِجتهاد المطلق ـ وللاَسف ـ في وجه علماء أهل السُّنّة(1) ّلا، وإنحصر اجتهادُهم في إطار المذاهب الاَربعة خاصّة، وهو لاشك

____________

1. المقريزي: الخطط: 2 | 344.


الصفحة 326
نوعٌ من تقييد عمليّة الاجتهاد، وتضييق لدائرته.

إنّ فقهاء الشيعة اجتهدوا على أساس الكتاب والسّنة والعقل والاِجماع، وسعَوا إلى أن لايتقيّدوا لاِدراك الحقائق والمعارف الدينية بشيء، الاّ إتّباع الاَدلّة الشرعيّة.

ومن هنا انتج اجتهادُهم الحيُّ المتحرّك فِقهاً جامعاً، منسجماً مع الاِحتياجات البشريّة المختلفة، المتنوعة، المتطوّرة باستمرار، وخلّف كنزاً علمياً عظيماً.

إنّ ما ساعد على إثراء هذا الفقه العميق المتحرّك هو المنع من تقليد الميّت، والحكم بتقليد المجتهد الحيّ، الذي يعرف بالمجتمع وبالزمان واحتياجاتهما، ومستجداتهما.

إنّ الفقه الشيعيّ يوافق في أكثر المسائل نظريات الفقهاء من المذاهب الاَُخرى، وإنّ مطالعة كتابِ «الخلاف» للشيخ الطوسيّ شاهدُ صدقٍ على ذلك، فقلّما توجَد مسألةٌ فرعيّة في الفقه الشيعيّ لا توافِق رأيَ أحد مؤسسي المذاهِبِ الاَربعة، أو من سَبَقهم من الفقهاء، ومع ذلك فثمّت مسائل للفقه الشيعي فيها رأيٌ خاصٌ، نشير إلى بعضها ضِمن عدّة أُصول تالية، وسنَذكرها مع أدلّتها، لاَنّه قد يُتَصَوَّر أنّ هذه الفروع الخاصّة لا يدل عليها شيءٌ أو هي تخالف الكتاب والسُّنّة، والحال أنّ الاَمر على عكس ذلك.