بَعضُ الاَحكام الفقهيّة المختلَف فيْها
إنَّ الدينَ الاِسلاميَّ تركيبة مزيجةٌ من العقيدة والشريعة (أي من الرؤية والنظرة إلى الوجود، ومما يجب وما لا يجب) واللّذين يُعَبَّر عنهما بأُصول الدين وفُرُوعه أيضاً.
ولقد وقفنا في الاَبحاث السابقة على أُصول عقائد الشيعة بصورة برهانيّة، كما تمَّ بيان موقف الشيعة ونظريتهم حول اعتبار أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت: أيضاً.
والآن يجب أن نشير باختصار إلى الاَُسلوب والمنهج الفقهيّ للشيعة وإلى بعض المسائل الفقهيّة التي للشيعة فيها آراءٌ خاصّة، وموقف خاص.
الاَصلُ الاَربعون بعد المائة: حجّية قول الصحابي وروايته
لقد رُويَت ونُقِلَت السنّة النبويّة إلى الاَجيال اللاحقة عن طريق فريقٍ مِن صَحابته، وما رُوي من قوله، وفعله، وتقريره (صلى الله عليه وآله وسلم) حجةٌ إلَهيّةٌ يجب اتّباعُها، والعمل بموجبها.
فإذا روى صحابيٌ السُّنةَ النبويّةَ وحازت تلك الرواية على كل شرائط الحجية تلقّاها الجميعُ بالقبول ولزم العمل وفقها.
وهكذا إذا فَسَّرَ أحدُ الصَّحابة لغةً من لغات القرآن ولفظاً من ألفاظه، أو روى شيئاً من الحوادث والوقائع المرتبطة بعصر الرسالة، أو غيرها، قبلت روايتهُ إذا توفرت فيها الشروط المذكورة.
ولكن إذا ذَكَرَ الصحابيُّ رأيَه أو استنباطَه من آية قرآنية، أو حديث نبويّ، أو نُقِلَ عنه قولٌ، ولم يتبيّن أنّ ذلك المنقول هل هو من سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو أنّه رأي ذلك الصحابي واجتهاده الخاص، لم يكن في هذه الحالة حجةً، لاَنّ رأي المجتهد ليس حجة على غيره من المجتهدين.
ولهذا يجب التفريق في مجال العمل بقول الصحابيّ بين رأيه واجتهاده، وبين ما ينقله للسنّة النبوية. والشيعة الاِمامية إنّما تعمل بقول الصحابي إذا روى السُّنة النبويّة.
الاَصلُ الواحدُ والاَربعون بعد المائة: التقليد
يجب على كل مسلم أن يحصِّلَ على اليقين في المسائل التي يجب ان يعتقدها، ولا يجوز له اتّباعُ الآخرين في هذه المسائل من دون أن يحصل له اليقين.
وحيث إنّ أُمّهات الاَُصول وكلّيات المسائل الاعتقادية محدودة ومعدودة ولكلّ منها أدلةٌ عقليةٌ واضحةٌ، لهذا فإنّ تحصيلَ اليقين للاَشخاص في أُصول الدين وأساسيات العقيدة، قضيةٌ سهلة، في حين أنّ نطاق الفروع والاَحكام الفقهية لما كان واسعاً جداً، والعلم بها يحتاج إلى مقدمات كثيرة، لا يقدر أغلبُ الاَفراد على تحصيلها، لهذا فإنّ على أُولئك الاَشخاص ـ بحكم الفطرة، وتبعاً لسيرة العقلاء ـ أن يرجعوا في أحكام الشريعة إلى العلماء والمجتهدين، ليقوموا في ضوء ذلك بواجباتهم الدينية، ووظائفهم الشرعية.
إنّ الاِنسان ـ في الاَساس ـ فاعلٌ عِلْمِيٌ أي إنّه يقومُ بأعماله على أساس العلم والمعرفة، فإذا تيسَّر له ان حَصَل بنفسه على تلك المعلومات أخَذَ بها وعمل على ضوئِها، وإلاّ استعان بغيره.
وهنا لا بدّ من أن نعلم بأنّ التقليد للمجتهد الجامع للشرائط والرجوع إليه لمعرفة الوظيفة الشرعية، هو نوعٌ من الرجوع إلى المتخصّصِين، ولا علاقة له بالتقليد الاَعمى الناشىَ من العصبيّة القوميّة، أو العرقية أو ما شاكل ذلك.
الاَصلُ الثاني والاَربعون بعد المائة: الوضوء
اتّفق المسلمون على أنّ الاِسلام عقيدة وشريعة.
أمّا الاَُولى فقد تعرفت عليها في الفصول الماضية.
أمّا الشريعة فأُصولها أربعة:
1. العبادات.
2. المعاملات.
3. الاِيقاعات.
4. الاَحكام.
وأُصول العبادات عبارة عن الاَُمور التالية:
1. الصلاة ونوافلها.
2. الصوم الواجب والمستحب.
3. الزكاة.
4. الخمس.
5. الحج.
6. الجهاد.
7. الاَمر بالمعروف.
8. النهي عن المنكر.
نعم هناك أحكام ربما لا تتفق الشيعة فيها مع الآخرين ونشير إلى مهماتها وهي في الوقت نفسه أُمور فقهية.
مسح الاَرجل مكان غسلها
كلُّنا نَعلمُ بأنّ الوُضوء هو أحَدُ مقدمات الصلاة فإنّنا نقرأُ في سورة المائدة قوله تعالى:
(يَا أيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُم إلى المرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلى الكَعْبَيْنِ)(1)
وللفظة «الاََيدي» وهي جمع «يد» التي جاءت في جملة (فَاغسِلُوا وجوهَكم وأيديَكم إلى المَرافِق) إستعمالاتٌ مختلِفةٌ في اللُّغة العربيّة فربما تُطلق ويراد منها الاَصابع إلى الرسغ، وربما يُراد منها الاَصابع إلى المرافق، وربما تُطلَق ويراد منها من رؤوس الاَصابع إلى الكتف. هذا أوّلاً.
وثانياً: حيث إنّ المقدار الواجب غسلُه في الوضوء هو ما بين رؤوس الاَصابع والمرافق، لذلك استعمل القرآن الكريم لفظة (إلى المرافق) ليعرف المقدارَ الواجبَ غسلُه من هذين العضوين في الوضوء.
____________
1. المائدة | 6.
وللمثال: إنّ الطبيب حينما يأمر بغَسل رجلي المريض الى الرُّكبة نجدهم يغسلونَهما من الاَعلى إلى الاَسفل.
ولهذا فإنَّ الشيعةَ الاِمامية تعتقد بأنّ غَسل الوَجه واليدين في الوضوء يجب ان يكون من الاَعلى إلى الاَسفل، ولا يصحّحون عكس ذلك.
وثمّتَ مطلبٌ آخر في الوضوء وهي مسألة مسح الاَرجل فإنّ الفقه الشيعي يقول: يجب المسح لا الغَسل، ويدلُّ على ذلك بإيجاز، ظاهرُ الآية السادسة من سورة المائدة التي تبيّن أن هناك وظيفتين في الوضوء إحداهما «غَسلٌ» والاَُخرى «مسحٌ». والغَسل للوجه واليدين، والمسح للرأس وللرجلين.
1. (فاْغسِلُوا وجوهَكم وأيديكم إلى المرافق) .
2. (وامسَحوا بِرءُوسِكَم وأرجلَكم إلى الكعبين) .
ولو أنّنا عرضنا هاتين الجملتين على أيّ عربي أصيل غير عارفٍ بمذهبٍ فقهيٍ خاصٍ، ولا مطّلع على موقف اجتهاديّ معيّن، وطلبنا منه
ومن حيث القواعد العربية فإنّ لفظة (أرجلكم) يجب أن تُعطف على كلمة (رءُوسِكم) فتكون النتيجة هي مسح الاَرجل ولا يجوز عطفها على الجملة الاَسبق وهي (واغسلوا... وايديكم) التي تكون نتيجته غسل الاَرجل لاَنّ العطف على أيديكم يستلزم الفصل بين المعطوف وهو (أرجلكم) والمعطوف عليه وهو (وأيديكم) بجملة معترضة وهي (فَامسحُوا برءُوسِكم) وهو غير صحيحٍ من حيثُ القواعِدِ النَحوية العربيّة، ويوجب الاِلتباس في المقصود.
كما أنّه لا فرق في هذه المسألة بين قراءة (أرجلكم) بالجر أو النصب، فعلى كلتا القراءتين يجب عطف (أرجلكم) على (رءُوسكم) مع فارقٍ واحد وهو أن في الاَوّل يكون العطفُ على اللَّفظ والظاهر، وفي الثاني يكون العطفُ على المحلّ.
وبعبارة أُخرى؛ إذا عُطِفتِ أرجلكم على لفظ رءُوسِكم قُرئت بالجرّ، واذا عُطِفَت على المحلّ (وهو المَفعولية) قرِئَت بالنصب.
والرّوايات المتواترة الواردة عن أهل البيت: تحكي عن أنّ «الوضوء» يتألّف من شيئين هما: «غسلتان» و «مسحتان» وقد روى الاِمام الباقر (عليه السلام) في حديث بيّن فيه وضوءَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كانَ يمسح على رِجليه.
وليست أئمّة أهل البيت: منفردين في هذا القول بل وافقهم فيه لفيف من الصحابة والتابعين.
أمّا الصحابة، فمنهم:
1. الاِمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
2. عثمان بن عفان.
3. عبد الله بن عباس الصحابي.
4. النزال بن سبرة الهلالي.
5. رفاعة بن رافع بن مالك البدري.
6. أنس بن مالك بن نضر خادم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
7. تميم بن زيد المازني الذي له صحبة.
8. أبو مالك الاَشعري: الصحابي.
وأمّا من التابعين، فنذكر منهم:
9. الاِمام الباقر محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام).
10. بسر بن سعيد المدني.
11. حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان.
13. عباد بن تميم الخزرجي.
14. أوس بن أبي أوس الثقفي.
15. عامر شراحيل بن عبد الشعبي.
16. عكرمة مولى ابن عباس.
17. عروة بن الزبير القرشي.
18. قتادة بن عزير البصري.
19. موسى بن أنس بن مالك قاضي البصرة.
20. حصين بن جندب الكوفي التابعي.
21. جبير بن نفير بن مالك بن عامر الحضرمي.
22. إسماعيل بن أبي خالد البجلي الاَحمصي.
23. عطاء القداحي.
إلى غير ذلك ممّن ذكرنا أسماءهم في رسالة مخصَّصة بحكم الاَرجل في الوضوء.(1)
ولكن سنة مسح الاَرجل هذه تبدَّلت إلى الغَسل فيما بعد لاَسباب خاصّة جاء ذكرها في الكتب الفقهيّة.
وقد قال ابن عباس الوضوء غسلتان ومسحتان(2)
____________
1. لاحظ رسالة حكم الاَرجل في الوضوء، ص 61 ـ 68.
2. تفسير الطبري: الجزء 6 | 82.
الاَصلُ الثالث والاَربعون بعد المائة: ما يصح السجود عليه
تعتقد الشيعة بأنّه يجب السجود في حال الصلاة على الاَرض وما ينبت منها بشرط أن لا يكون مأكولاً ولا ملبوساً، وأنّه لا يصحُّ السجود على غير ذلك في حال الاِختيار.
فقد روي في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونَقَلَهُ أهلُ السُّنة أنّه قال: «وجُعِلَتْ لِيَ الاَرضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً»(1)
وكلمة «الطهور» التي هي ناظرة إلى التيمّم تفيد أنّ المقصودَ من الاَرض هو الاَرض الطبيعيّة التي تتمثل في التراب والصخر والحصى وما شابهها.
ويقول الاِمام الصادق (عليه السلام) أيضاً: «السجودُ لا يَجُوز إلاّ عَلى الاََرض أو عَلى ما أنبَتت الاَرضُ إلاّ ما أُكِلَ أو لُبِس»(2)
ولقَد كانت سِيرةُ المسلمين في عصر الرسول الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) هي السجود على أرض المسجد التيكانت مفروشة بالحصى، وعندما كان الجوّ حاراً جداً بحيث كان السجود على الحصى أمراً عسيراً، كانَ يسمح لهم بأن يأخذوا الحصى في أكفهم لتبريدها، حتى يمكنهم السجودُ عليها.
يقول «جابرُ بنُ عبد الله» الاَنصاري: كنتُ أُصلّي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
____________
1. صحيح البخاري: 1 | 91، كتاب التيمم، الحديث 2.
2. وسائل الشيعة، ج 3، الباب 1 من أبواب «ما يُسجَد عليه» الحديث الاَوّل، ص 591.
وتجنَّبَ أحد الصَّحابة عن تتريب جبهته عند السجود، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ترّب وجهك»(2)
كما انّه إذا كان أحدٌ من الصحابة يسجد على كور العمامة أزاح النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده عمامته عن جبهته.(3)
إنّ هذه الاَحاديث كلَّها تشَهد بأنّ وظيفة المسلمين في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت في البداية هي السجودُ على الترابِ والحصى، ولم يسجدوا على الفراش أو اللباس أو على طرف العمامة، ولكن النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أُبلغ عن طريق الوحي الاِلَهي فيما بعد أنّه يمكنه السجودُ على الحصير والخُمرة أيضاً وثمت رواياتٌ عديدةٌ وكثيرةٌ تحكي عن سجود النبيّ على الحصير والخُمرة.(4)
إنّ الشيعة الاِمامية كانوا لا يزالون مقيّدين بهذا الاَصل، فهم كانوا ولا يزالون يسجُدون فقط على الاََرض، أو ما ينبتُ من الاَرض من غير المأكول والملبُوس كالحصير المصنوع من سَعْف النَخْل، أو القَصَب، ويرجع إصرارهم على السجود على التراب أو الحصى والصخر أو
____________
1. مسند أحمد: 3 | 327، حديث جابر، سنن البيهقي: 1 | 439.
2. كنز العمّال: 7 | 465، رقم الحديث 19810.
3. راجع سنن البيهقي: 2 | 105.
4. مسند أحمد: 6 | 179، 309، 331، 377، و 2 | 192 ـ 198.
ثم إنّ من الاَفضل أن تكون المساجدُ في البلاد الاِسلامية على نحو يمكن لاَتباع جميع المذاهب المختلفة العمل بوظائفهم دون حرج.
وفي الخاتمة؛ لابد أن نُذكِّر بهذه النقطة وهي أنّ التراب والحجر هو في الحقيقة «مسجودٌ عليه» وليس «مسجوداً له» فالشيعة يسجدون على التراب والحجر لا أنّهم يسجدون لهما.
وربما يُتصوّر أحد خطأً أنّ الشيعة يسجدون للتراب والحجرفي حين انّهم إنّما يسجدون لله تعالى تماماً مثل جميع المسلمين ويضعون جباههم على التراب تذلّلاً لله تعالى ويقولون سبحانَ ربّي الاعلى وبحمده.
الاَصل الرابع والاَربعون بعد المائة: الجمع بين الصلاتين
يَجبُ على كلّ مسلم أن يصلّيَ لله كلّ يومٍ وليلةٍ خمسَ مرّات في الاَوقات الشرعيّة التي بيّنها الله تعالى ورسولهُ الكريم في القرآن والسُّنة.
فوقت صلاة الظهر والعصر يَبدَأُ من الزَّوالِ إلى الغُروب، ووقتُ صَلاةِ المغرب والعشاء يبدأ من المغرب إلى منتصف اللَّيْل، ووقتُ صلاة الصُّبح يبدأ من طلوع الفجر إلى طلوع الشَّمس.
إنّ الشيعة تعتقد بأنّ الظُّهَر إلى المغرب هو الوقت المشترك بين الصَّلاتين، إلاّ بمقدار أربع ركعات من أوّل الوقت، فهو وقت مختص
وعلى هذا الاََساس يجوزُ للاِنسان الاِتيانُ بكلتا الصَّلاتين: الظُّهرِ والعصرِ في الوقت المشتَرَك (أمّا في وقت الظهر ووقت العصر فلا يجوز إلاّ الاِتيان بالصلاة المختصّة به فيه) وإن كان الاَفضل أن يفصلَ بين الظهرين والعشائين، ويأتي بكلّ واحدةٍ منهما في وقتِ فضيلتها التي ستُذكر فيما بعد(1) ولكنه في نفس الوقت يجوز الجمعُ بينهما، وترك وقت الفضيلة.
يقول الاِمامُ الباقرُ (عليه السلام): إذا زالتِ الشَّمسُ دَخَلَ الوقتان الظهرُ والعصرُ، وإذا غابتِ الشمسُ دخلَ الوقتان المغربُ والعشاءُ الآخرة(2)
وقال الاِمامُ الصادق (عليه السلام): «إذا زالَتِ الشَّمسُ فَقَدْ دَخَلَ وَقتُ الظُّهرِ والعَصرِ جميعاً، إلاّ أنَّ هذِهِ قبلَ هذهِ، ثم إنّه في وقت منهما جميعاً حتى تغيبَ الشمسُ»(3)
ويُخبرُ الاِمامُ الباقر (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه كان يَجمعُ بين الظُّهر والعَصر مِن دون عذر أو علة.(4)
____________
1. وقت فضيلة صلاة الظهر من أوّل زوال الشمس إلى الوقت الذي يصير فيه ظلّ الشاخص بمقدار نفسه، ووقت فضيلة صلاة العصر كذلك عندما يصير ظل الشاخص ضعفي مقداره.
2. وسائل الشيعة: ج 3، أبواب المواقيت الباب 4، الرواية 1.
3. وسائل الشيعة: ج 3، أبواب المواقيت، الباب 4، الرواية 4 و 6.
4. نفس المصدر.
كما أنّ فريقاً كبيراً من فُقَهاءِ أهل السُّنّة يجوّزُون الجمعَ بين الصَلاتين في السَّفر.
وما يَختلفُ فيه الشيعةُ عن الآخرين هو أنّهم يتوسَّعُون في هذه المسألة إستناداً إلى الاَدِلّة السّابقة (مع القبول بأفضلية الاِتيان بالصلوات الخمس في أوقات فضيلتها والقول به وترجيحِهِ) فيجوّزُونَ الجمعَ بين الصَّلاتين مطلقاً.
وحكمة هذا الاَمر هي ـ كما جاء في الاَحاديث ـ التوسعة على المسلمين والتخفيف عنهم، وقد جَمَعَ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسُه في مواضع كثيرة بين الصَّلاتين من دون عذر (كالسَّفر، والمرض وغيرهما) ليخفّف بذلك عن المسلمين، ويوسّعَ عليهم، حتى يستطيع ان يجمع بينهما كلُّ من شاءَ أنْ يجمع، ويُفّرِقَ بَينّهما كلُّ من شاءَ أنْ يفرّق.
فقد رَوى مُسْلم في صحيحه الحديث الآتي: «صَلّى رسولُ الله الظُّهرَ والعَصرَ جميعاً، والمغرب والعِشاء جميعاً في غير خوف ولا سَفَرٍ»(1) .
وقد أُشير في بعض الرّوايات إلى حِكمة هذا العمل.
____________
1. صحيح مسلم: 2 | 151، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.
فقيلَ له في ذلك.
فقال: صَنَعْتُ هذا لِئلاّ تُحرَجَ أُمّتي»(1)
إنّ الروايات التي تحدّثت عن جمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بين الصلاتين وردت في الصحاح والمسانيد وهي تنص على جواز الجمع بين الصلاتين تربو على واحدة وعشرين رواية، بعضُها يرتبط بالسَّفر، والبعض الآخر يكون في غير السفر والمرض والمطر.
وفي بعضها أُشيرَ إلى حكمة الجَمع بين الصَّلاتين وهو التوسعة والتخفيف عن المسلمين، وقد استفاد فقهاء الشيعة من هذا التسهيل تجويز الجمع بين الصلاتين (الظهرين والعشائين) مطلقاً، وأمّا كيفية الجمع فهي على النحو الذي كان المسلمون جميعاً يجمعون في عرفة والمزدلفة.
وقد يُتَصوَّر أن المقصود من الجَمع هو أن يؤتى بالصلاة الاَُولى من الصَّلاتين في آخر وقت الفَضيلة (مثلاً عندما يبلغُ ظل الشاخص إلى مقداره) ويؤتى بالصلاة الثانية في أوّل وقت العصر، وبهذا العمل يكون المصلّيـ في الحقيقة ـ قد أتى بكلتا الصلاتين في وقتهما وإن كان أحداهما في نهاية وقتها والآخرى في بدايته.
____________
1. شرح الزرقاني على موطأ مالك، ج 1، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر ص 294.
وعلى هذا الاَساس يجب أن يكون الجمع بين الصّلاتين الذي جاء في لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ناظراً إلى هذا النمط من الجَمع، وليس الجمع الذي يؤتى فيه بإحدى الصلاتين في آخر وقته، وبالاَُخرى في أوّل وقتها.
هذا مضافاً إلى أنّ حكمة الجمع بين الصلاتين وُصِفت في بعض الروايات بأنّها التوسعة والتخفيف وفي بعض الرّوايات وصُفِت بأنّها لرفع الحَرَج، وهذا إنّما يتحقّق إذا كان المصلّي في الجمع بين الصلاتين على خيارٍ كاملٍ يعني أن يجوز له أن يأتي بالظهر والعصر، والمغرب والعشاء متى شاء.
هذا مضافاً إلى أنّه على أساس هذا التفسير للمقصود يجب أن يُقال إنَّ النبيّ لم يأت بشيءٍ جديدٍ، لاَنّ مثل هذا الجمع كان جائزاً حتى قبل أن يفعله النبيّ، فإنّ أي مسلم كان يجوز له أن يؤخّر صلاة الظهر إلى آخر الوقت، ويأتي بالعصر كذلك في أول وقته.
ولقد كَتبَ فقهاءُ الشيعة الاِمامية حول الجَمع بين الصَّلاتين وأدلّتِهِ رسائلَ مفصّلةً يمكن لمن يحبُّ التوسعَ مراجعتها.