الاَصلُ الخامسُ والاَربعون بعد المائة: الزواج المؤقت (المتعة)
إنّ الفقه الشيعيَّ تَبَعاً للكتاب والسُّنة يُصَحّحُ نوعَينِ من الزَّواج: «الزواج الدائم» وهو لا يحتاج إلى توضيح.
«والزواج المؤقَّت» أو المتعة وكيفيتها كالتالي:
يجوز للرجل والمرأة بأن يقيما علاقة زوجيّة بينهما لمدّة معينة شريطة أن لا يكون هناك مانعٌ شرعي (من نَسَبٍ أو رِضاعٍ) في طريق زواجهما، وذلك بَعد أن يُعيّنا مبلغاً من المال، ثم إنّهما بعد انقضاء المدة ينفصلان من دون إجراء صيغة الطلاق.
ولو نشأ من هذا الزواج (المؤقَّت) وَلد كان ولدُهما شرعاً وورثهما.
وعلى المرأة ـ بعد إنقضاء المُدّة ـ أن تعتدَّ عدةً شرعيّةً، ولو كانت حاملاً وَجَبَ الاِعتدادُ إلى أن يولَد الطفلُ، ولا تتزوَّج في حالِ كونها في حبالة الرَّجُل، وكذا في حالِ عدَّتها، برجل آخر.
إنّ الزواج المؤقَّت مثل الزَّواج الدائم ماهيةً وحقيقةً، وأكثر الاَحكام الثابتة للزواج الدائم، ثابتة كذلك للنكاح المؤقَّت، وغاية ما هناك من تفاوت مهّم بين هذين الزواجين هو أمران:
1. تعيين المدة في النكاح المؤقت.
2. عدم وجوب النفقة في هذا النِّكاح.
ولو أنّنا تجاوزنا هذين المطلبين البارزين تكون الفوارق الاَُخرى
هذا وحيث إنّ الاِسلام دينٌ خاتم وشريعة جامعة فجوّز هذه الاَطروحة لحلّ المشكلة الجنسية.
ولو أنّنا أخذنا وضع الشاب الّذي يدرس أو يعمل خارج البلاد، ويفتقد القُدرة على الزواج الدائم فماذا يفعل في هذه الحالة؟ وما هي وظيفته في هذه الصورة؟ فإنَّ الشابّ لا يجد أمامه إلاّ ثلاثة خيارات:
ألف: كبح الرغبة الجنسيّة وأن يحرم النفس من التلذّذ الجنسي.
ب: إيجاد العلاقة الجنسية غير الشرعية مع النساء الفاسدات أو المريضات.
ج: الاِستفادة من الزواج المؤقّت مع امرأةٍ طاهرةٍ ضمن شروطٍ خاصّةٍ، من دون تحمّل مشكلة النفقة والتي توجدُها رابطة الزوجية الدائمة.
إنّ من الواضح انّه ليس هناك طريقٌ رابعٌ يستفيد منه الشابُ المذكورُ، على أنّه لا يعني هذا أنّ الزواج المؤقَّت خاصٌّ بمثل هذه الشروط ولكن في نفس الوَقت تستطيع ملاحظة مثل هذه الموارد أن تكشف عن حكمة تشريع هذا النمط من الزواج.
ولابدّ من الاِلتفات ـ ضمناً ـ إلى أنّ فقهاءَ الاِسلام قد أيّدوا نوعاً من الزَّواج الدائم الذي هو في حقيقته الزواج المؤقّت وهو ان يتزوجَ رجلٌ وامرأة زواجاً دائمياً ولكنهما أو أحدهما يعلمان بأنهما سينفصلان، بعد
إنّ تجويز هذا النوع من الزواج يشبه تماماً تجويز الزواج المؤقّت فهما متشابهان جوهراً وإن اختلفا اسماً.
إنّ الكتاب والسُّنَّة النبويّة حاكيان عن مشروعية الزواج المؤقّت (المتعة) فالقرآنُ الكريم يقول:
(فما اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنهُنَّ فآتُوهُنَّ أُجورَهُنَّ فَرِيضةً)(1)
إنّ الاَغلبيّة الساحقة من المفسّرين يعتبرون هذه الآية مرتبطةً بالزواج المؤقّت. وأساساً لا مجال للترديد في تشريع مثل هذا النكاح في الاِسلام، إنّما الخلاف لو كان هو في نسخ هذا الزواج أو عدم نسخه، أي بقاءه على مشروعيته.
وروايات الفريقين حاكية عن أنّ هذا الحكم لم يُنسَخ. إنما مُنِعَ عن العمل بهذا الحكم في عصر الخليفة الثاني، والجدير بالذكر أنّ هناك كلاماً للخليفة في هذا المجال يكشف أيضاً عن أنّ هذا النمط من النكاح كان جائزاً بل رائجاً في عصر النبيّ الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). ويفيد أنّ هذا المنع لم يكن ناشئاً إلاّ من رأي شخصيٍ ليس إلاّ، لاَنّه قال: «أيّها الناسُ ثلاثٌ كنَّ على عَهد رسولِ الله أنا أنهى عنهنّ وأُحَرمهنَّ وأُعاقب عليهنّ، وهي: متعة النساء، ومتعة الحج، وحيّ على خَير العَمَل»(2)
____________
1. النساء | 24.
2. شرح التجريد للقوشجي، مبحث الاِمامة، ص 464، وغيره.
والدليل الواضح على أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يمنع عن المتعة ما رواه البخاري عن عِمران بن حصين أنّه قال: نزلت آية المتعة في كتابِ اللهِ ففعلناها مع رسول الله ولم ينزل قرآن يحرّمُهُ ولم يَنهَ عنها حتى مات، قالَ رجلٌ برَأْيه ما شاءَ (والمقصود هو تحريم الخليفة الثاني لنكاح المتعة).(1)
الاَصل السادسُ والاَربعون بعد المائةِ: وضع اليد اليمنى على اليسرى في القراءة
يُعتبر التكفيرُ أو القبض وهو وضع اليد اليُمنى على اليُسرى في حال الصلاة بدعةً، وحَراماً في فقه الاِماميّة.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا يَجْمَعُ المسلمُ يَدَيه في صلاته وهو قائمٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ يتشبّه بأهل الكُفْرِ مِنَ المجوس»(2)
____________
1. صحيح البخاري، 6 | 37، قسم التفسير عند تفسير الآية 196 من سورة البقرة.
2. وسائل الشيعة، ج 4، الباب 15 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 7.
ومن البديهي أنّ هذا العمل لو كان من سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لذكَره عند ذكر صلاته (صلى الله عليه وآله وسلم) أو لذَكره الحاضرون في ذلك المجلس.
وقد ورَد في كتبنا الحديثيّة ما يشابه حديث الساعدي على لسان الاِمام جعفر الصادق (عليه السلام) برواية حماد بن عيسى أيضاً.(2)
ويستفاد من حديث سهل بن سعد أيضاً أنّ وضع اليُمنى على اليُسرى في الصلاة حَدَث بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لاَنّه يقول: «كانَ النّاسُ يؤمَرون»(3) ظى لاَنّه إذا كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الآمر بهذا العمل لقال: كان النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمرُ الناسَ.
أي كان ينسبه إلى شخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
____________
1. البيهقي، السنن: 2 | 72، 73، 101، 102؛ وأبو داود: السنن: 1 | 194، باب افتتاح الصلاة، الحديث 730، 736؛ الترمذي: السنن: 2 | 98 باب صفة الصلاة.
2. وسائل الشيعة: 4، باب 1 من أبواب أفعال الصلاة، الحديث 81.
3. فتح الباري: 2 | 224، وسنن البيهقي: 2 | 28.
الاَصلُ السابعُ والاَربعون بعد المائة: لاتجوز صلاة التطوّع جماعة
تُعتبر صلاةُ «التراويح» من المستحبّات المؤكّدة اتّباعاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فقد جاء في الفقه الشيعيّ انّه يُستحبُّ أن يُصلّي الاِنسان طول شهر رمضان ألف ركعة زائداً على النوافل المرتّبة في سائر الشهور، وتصلى هذه الصلاة فرادى، والجماعة فيها بدعة.ويقولُ الاِمام الباقر (عليه السلام): «ولا يَجُوز أنْ يُصَلّي التطوَّعَ جماعةً»(1)
وقد ذَكرَ الاِمام الرضا (عليه السلام) في رسالته التي كتَبَ فيها عقائد المسلم، وأعماله بأنّ هذه النوافل لا يجوز الاِتيان بها جماعة، وأنّ الاِتيان بها كذلك بدعة. حيث قال: «ولا يُصَلّى التطوّع في جماعة لاَنّ ذلك بدعَة وكلُ بدعةٍ ضلاَلة وكل ضلالة في النار»(2)
من دراسة تاريخ صلاة «التراويح» جماعةً كما هو متداوَلٌ بين أهل السُّنّة، يتضح أن الاِجتهاد الشخصيّ كان وراء تشريع هذا الاَمر إلى دَرَجة أنّهم سمَّوه بدعة حسنة.
ويمكن لمن يحب الوقوف على هذا أن يراجع المصادرَ التالِية.(3)
____________
1. الصدوق، الخصال، ص 606.
2. الصدوق، عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 124.
3. القسطلاني، إرشاد الساري: 3 | 226؛ عمدة القارىَ: 11 | 126؛ الشاطبي، الاعتصام: 2 | 291.
الاَصلُ الثامنُ والاَربعون بعد المائة: الخُمس
اتّفق فقهاء الاِسلام على أنّ غنائم الحرب تقسَّم بين المجاهدين ما عدا خمس الغنائم، فإنّه يجب صرفُه في موارد خاصّة جاء ذكرُها في قوله تعالى:
(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شيءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وللرَّسُولِ وَلذِي القُربى واليَتَامى وَالمَسَاكِينِ وَابنِ السَّبِيلِ)(1)
والفرقُ الوحيد بين فقهاء الشيعة وبين غيرهم من الفقهاء هو أنّ الفريقَ الثاني يخصّون «الخُمْسَ» بغنائم الحرب، ولا يقولون بفرض «الخمس» في غير ذلك، ممّا يكتسبه الاِنسان ويستحصله ويَستدلون لهذا الموقف بهذه الآية المباركة التي ذُكِرَت فيها غنيمةُ الحرب والقتال.
ولكنّ هذا الموضوع غير صحيح لسببين:
أوّلاً: أنّ الغنيمة تُطلَقُ في لغَة العَرب على كلّ مايفوزُ به الاِنسان، ولا تختص بما يَحصَلُ عليه من العَدُوّ في الحرب، وبالقتال.
يقول ابن منظور: «الغنم الفوز بالشيء من غير مشقة»(2)
كما أنّ القرآنَ الكريمَ يستعمل هذه اللفظة في نِعَمِ الجنة، إذ يقول: (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كثيرَةٌ)(3)
____________
1. الاَنفال | 41.
2. لسان العرب، كلمة غَنَم، ويقرب من هذا المعنى ما ذكره ابن الاَثير في النهاية، والفيروز آبادي في قاموس اللغة.
3. النساء | 94.
وعلى هذا الاَساس لا تختصُّ لفظة الغنيمة بغنائم الحرب،ونزولُ الآية في غنيمة معركة «بدر» لايَدلُّ على اختصاصها بغنيمة الحرب، وقانون تخميس الاَرباح قانون شاملٌ وكاملٌ، ومورد الآية غير مخصّص لهذا لحكمِ العامّ.
وثانياً: لقد وَرَدَ في بعض الروايات أنّ النبيَّ الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فرض «الخمسَ» على كلّ ربح، فعندما حضر عنده وفدٌ من قبيلة عبد القيس وقالوا: إنّ بينَنا وبينَك المشركين، وإنّا لا نصل إليك إلاّ في الاَشهر الحُرُم فمرنا بجُمل الاَمر، إن عَمِلنا به دخلنا الجنة وندعوا إليه مَن وَراءنا؟
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «آمُرُكم بأربع: وأنهاكُمْ بأربع: شهادة أن لا إلَه إلاّ الله وإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة وتعطوا الخمس من المغنم»(1)
إنّ المراد من الغنيمة في هذه الرواية، غير غنيمة القتالِ لاَنّ وفد عبد القيس قالوا: إنّ بيننا وبينكَ: المشركين، يعني انّنا نخاف أن نصل إليك في المدينة لوجود المشركين بيننا وبينك، وهذا يفيد أنهم كانوا محاصَرين من قِبَل الكفّار والمشركين ولم يكن في مقدورهم مقاتلة المشركين حتى يحصلوا على غَنيمة منهم، ثم يقوموا بتخميسها.
____________
1. صحيح البخاري، ج 2 ص 250.
هذه بعضُ الفُروع الفقهيّة التي اتخذَ فيها الشيعةُ مواقفَ خاصة.
وللمثال ثمتَ خلاف بينهم وبين غيرهم في أبواب الخمس، والوصيّة والاِرث، ولكن لابدّ من القول بأنّه مضافاً إلى اشتراك الشيعة مع غيرهم في كليات الاَحكام، فإنّ تدريس الفقه بصورة مقارنة وبخاصة مع الاَخذ بنظر الاعتبار كل ما ورد عن أهل البيت من آراء وأحكام مدعومة بالدليل، يمكنه أن يقلّلَ من شقة الخلاف بين أهل السنة والشيعة في هذا المجال.(2)
الاَصلُ التاسعُ والاَربعون بعد المائةِ: دور الشيعة في بناء الحضارة الاِسلامية
إنّ الحضارةَ الاِسلامية ثمرةُ الجهود المتواصلة للاَُمّة الاِسلامية منذ انبثاق الدعوة المحمدية المباركة، فهم بشعوبهم المتنوعة وفي ظِلّ الاِيمان والعقيدة ذابوا في بوتقة الاِسلام، ووظَّفُوا كلّ قواهم وإمكانياتهم وركّزوا كلّ مساعيهم وجهودِهم لخدمة الاِسلام، وتحقيق أهدافه
____________
1. وسائل الشيعة، ج 6، كتاب الخمس، الباب الاَوّل.
2. وصيّة الوارث نافذة في نظر الشيعة ولكنها غير نافذة في نظر السنّة، والعول والتعصيب في أحكام الاِرث باطلان في نظر الشيعة وفقههم ويجب معالجة المشكلة في مورد العول بطريق آخر، مذكور في كتب الفقه.
ولقد كانَ للشيعة دورٌ مؤثرٌ في بِناءِ صرحِ الحضارةِ الاِسلاميّة الكبرى، ويكفي تصفّح الكتب المؤلَّفة في العلوم والحضارةِ الاِسلاميّة لنرى كيف تلمع فيها أسماءُ علماء الشيعة ومفكّريهم.
ففي مجال الآداب العربية والعلوم الاِنسانية يكفي أن نعرف أنّ الاِمام عليّاً أمير المؤمنين (عليه السلام) هو مؤسّسُها الاَوّل، وأن تلميذه أبا الاَسود الدؤلي هو الذي عمل على توسعتها وتدوينها. وقد واصَلَ علماء الشيعة بعد ذلك الجهود الحثيثة في سبيلها، وذلك نظراء المازني (المتوفّى 248 هـ) وابن السكيت (المتوفّى 244 هـ) وأبي إسحاق النحوي (من أصحاب الاِمام الكاظم) وخليل ابن أحمد الفراهيدي مؤلّف كتاب «العَين» (المتوفّى 170 هـ) وابن دريد مؤلف كتاب «الجمهرة» (المتوفّى 321 هـ) والصاحب بن عبّاد مؤلف كتاب «المحيط» (المتوفّى 386 هـ) وغيرهم من آلاف الاَُدباء الشيعة الذين كان كل واحد منهم قطباً من أقطاب اللغة، والنحو، والصرف، أو الشِّعر، وعلم العَروض في عصره.
وفي علم التَّفسير فالمرجع الاَوّل لتفسير القرآن بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الاَمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأئمة أهل البيت: ومن بعدهم عبد الله بن عباس (المتوفّى 68 هـ) وغيرهم من تلامذة أهل البيت، وقد ألَّفَ علماءُ الشيعة طوال أربعة عشر قرناً مئات التفاسير المتنوِّعة حجماً وكيفاً ومنهجاً، وقد كتبنا مقالاً مفصّلاً حول تأليف الشيعة في
وفي علم الحديث تقدّمت الشيعة على غيرهم من الِفرَق الاِسلامية في تدوين السنة وكتابتها ودراستها على حين كان ذلك ممنوعاً في عصر الخلفاء.
ويمكن الاِشارة في هذا الصَّعيد إلى «عبيد الله بن أبي رافع» و «ربيعة بن سميع» و «عليّ بن أبي رافع» من أصحاب الاِمام علي (عليه السلام)، ثم إلى أصحاب وتلامذة الاِمام السجّاد والباقر والصادق:.
إنّ تنامي علم الحديث في عصر الاِمام جعفر الصّادق (عليه السلام) بلغ إلى درجة أنّ الحسن بن علي الوشاء قال: رأيتُ في مسجد الكُوفة تسعمائة محدّث كلُّهُمْ يقولُ: حَدَّثنِي جعفرُ بنُ محمد (عليه السلام).(1)
وفي مجال الفقه تخرّج من مدرسة أهل البيت: علماء ومجتهدون كبارٌ نظراء: أبان بن تغلب (المتوفّى 141 هـ) وزرارة بن أعين (المتوفّى 150هـ) ومحمد بن مسلم (المتوفّى 210 هـ) ومئات المجتهدين الكبار والعلماء المحققين كالشيخ المفيد والسيد المرتضى، والشيخ الطوسيّ، وابن إدريس الحلّي والمحقّق الحلّي، والعلاّمة الحلّي الذين خلَّفوا آثاراً علميّة وفكريّة في غاية الاَهمية.
على أنّ جهودَ الشّيعة لم تتركّزْ على هذه العلوم حسب ولم تقتصر خدماتُهم على هذه المجالات بل خدَموا الاِسلام والعالم في غيرها من
____________
1. رجال النجاشي، الرقم 79.
هذا كلّه في مجال العلوم النَقْليّة، ولقد تقدَّموا على غيرهم من الطوائف والفِرق في العلوم العقليّة كعلم الكلام والفلسفة لاَنَّ الشيعة يمنحون العقلَ دوراً أكبر وأهمية أكثر ممّا يعطيه غيرُهم من الفِرَق الاِسلامية.
فهم بالاِستلهام من أحاديث الاِمام أمير المؤمنين وأبنائه المعصومين: سعوا أكثر من غيرهم في بيان وشرح العقائد الاِسلاميّة، وبهذا قدّمت الشيعة للاَُمّة الاِسلامية جيلاً عظيماً من المتكلّمين القديرين ومن الفلاسفة الكبار، ويُعَدُّ الكلام الشيعيُّ من أغنى وأثرى المدارس الكلامية الاِسلامية، وهو يحتوي ـ مضافاً إلى أدلةٍ من الكتاب والسنة ـ على براهين قوية من العقل.
إنّ أحد أُسُس الحَضارة الاِسلامية هو معرفة عالم الطبيعة وقوانينها وقد تخرَّجَ من مدرسة الاِمام جعفر الصادق (عليه السلام) أشخاص معروفون مثل «جابر ابن حيان» برعوا في مجال العلوم الطبيعية إلى درجة أن جابراً دعي في هذا العصر بأبي الكيمياء الحديثة.
وفي علم الجغرافيا كان أحمدُ بن أبي يعقوب المعروف باليعقوبي (المتوفّى حوالي 290 هـ) أول عالم جغرافيّ ساحَ في البلاد الاِسلامية العريضة، وألّف كتاباً باسم «البلدان» وهو من علماء الشيعة.
وإنّ ماذُكِرَ هنا في هذه العجالة ليس إلاّ إشارة عابرة إلى دور الشيعة في مجال العِلم والحضارة الاِسلاميّة وللتوسّع ومزيد الاطلاع لابدَّ من مراجعة المصادر المرتبطة بهذا المجال.(1)
الاَصلُ الخمسون بعد المائة: الوحدة بين المسلمين
إنّ الشيعة لاترى الاختلاف في الفروع مانعاً من الاَخوة الاِسلاميّة، ومن توحّد صفوف المسلمين أمام الاستعمار الغاشم.
كما أنّهم يعتقدون بأنّ عقد جلسات الحوار العلمي في جوّ هادىٍَ، كفيلٌ بأن يحلّ الكثيرَ من المشاكل والاختلافات الفكرية والفقهيّة (التي تمنع أحياناً عن توحيد الصفوف ووحدة الكلمة).
على أنّ الاختلاف في الرأي والمنهج أمر غريزي عند البشر أساساً، كما أن سدّ باب المناقشة والبحث العلميّ في وجه العلماء
____________
1. فهرست ابن النديم، رجال النجاشي، فهرست الشيخ الطوسي، تأسيس الشيعة لعلوم الاِسلام، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، أعيان الشيعة، والمجلد السادس من بحوث في الملل والنحل، وغيرها من الكتب.
من هنا سعى علماء الشيعة الاِمامية في كل العصور إلى أن يوضحوا الحقائق بطرح الاَبحاث العلميّة والعقيديّة على طاولة البحث والنقاش، وبذلك قاموا بكُلّ خطوةٍ من شأنها توحيد صفوف المسلمين وتأليف قلوبهم ضد أعداء الاِسلام الذين أقسموا على محو هذا الدين وإطفاء جذوته.