الصفحة 34
والافتاء بها، ففي المصنف لعبد الرزّاق: انّ عليّاً قال بالكوفة: "لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب ـ أو قال: رأي ابن الخطاب ـ لأمرت بالمتعة ثمّ ما زنى الاّ شقي"(1).

وفي تفسير الطبري والنيشابوري والفخر الرازي وأبي حيّان والسيوطي واللفظ للأوّل: "لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى الاّ شقي"(2).

وفي تفسير القرطبي، قال ابن عباس: ما كانت المتعة الاّ رحمة من الله تعالى، رحم بها عباده، ولولا نهي عمر عنها ما زنى إلاّ شقي(3).

وفي المصنف لعبد الرزاق، وأحكام القرآن للجصّاص، وبداية المجتهد لابن رشد، والدرّ المنثور للسيوطي، ومادّة "شقى" من نهاية اللغة لابن الأثير ولسان العرب وتاج العروس وغيرها واللفظ للجصّاص:

____________

1- المصدر نفسه 7 : 500 .

2- تفسير الطبري 5 : 17; والنيشابوري 5 : 17; والفخر الرازي في تفسير الآية بتفسيره الكبير 3 : 200; وتفسير أبي حيّان 3 : 218; والدر المنثور للسيوطي 2 : 40.

3- تفسير القرطبي 5 : 130.


الصفحة 35
عن عطاء سمعت ابن عبّاس يقول: رحم الله عمر، ما كانت المتعة الاّ رحمة من الله تعالى رحم بها أُمّة محمد(ص)، ولولا نهيه لما احتاج إلى الزنا الاّ شقا(1).

في لفظ المصنّف: إلاّ رخصة من الله، بدل: رحمة، وفي آخر الحديث: الاّ شقيّ، قال عطاء: كأنّي والله أسمع قوله: إلاّ شقي.

وفي لفظ بداية المجتهد: ولولا نهي عمر عنها ما اضطرّ إلى الزنا الاّ شقي.

7 ـ من بقي على القول بتحليل المتعة بعد تحريم عمر إيّاها

قال ابن حزم في المحلّى: وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله جماعة من السلف ـ رض ـ منهم من الصحابة: أسماء بنت أبي بكر، وجابر بن عبد الله، وابن مسعود، وابن عبّاس، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن حريث، وأبو

____________

1- أحكام القرآن للجصاص 2 : 147; وتفسير السيوطي للآية 2 : 141; وبداية المجتهد 2 : 63; ونهاية اللغة لابن الأثير 2 : 229; ولسان العرب 14 : 66; وتاج العروس 10 : 200; وراجع الفائق للزمخشري 1 : 331; وراجع تفسير الطبري والثعلبي والرازي وأبي حيّان والنيسابوري وكنز العمال.


الصفحة 36
سعيد الخدري، وسلمة ومعبد إبنا أُميّة بن خلف، ورواه جابر عن جميع الصحابة مدّة رسول الله ومدّة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر.

قال: وعن عمر بن الخطاب انّه إنّما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط وأباحها بشهادة عدلين.

قال: ومن التابعين: طاووس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكّة أعزّها الله ...(1).

وروى القرطبي في تفسيره أنّه: لم يرخّص في نكاح المتعة الاّ عمران بن الحصين وبعض الصحابة وطائفة من أهل البيت.

وقال: قال أبو عمر: أصحاب ابن عباس من أهل مكّة واليمن كلّهم يرون المتعة حلالا على مذهب ابن عباس(2).

وفي المغني لابن قدامة: وحكي عن ابن عبّاس أنّها

____________

1- المحلى لابن حزم 9 : 519-520 المسألة 1854; ويذكر رأي ابن مسعود النووي في شرح مسلم 11 : 186.

2- القرطبي 5 : 133.


الصفحة 37
جائزة، وعليه أكثر أصحابه عطاء وطاووس، وبه قال ابن جريج، وحكي ذلك عن أبي سعيد الخدري وجابر، وإليه ذهب الشيعة، لأنّه قد ثبت أنّ النبي أذن فيها(1).

8 ـ من تابع عمر في تحريم المتعة

منهم: عبد الله بن الزبير، فقد روى ابن أبي شيبة في مصنّفه عن ابن أبي ذئب قال: سمعت ابن الزبير يخطب وهو يقول: إنّ الذئب يكنّى أبا جعدة، ألا وإنّ المتعة هي الزنا(2).

ومنهم: ابن صفوان، كما يأتي حديثه.

ومنهم: عبد الله بن عمر في أحد قوليه، كما يأتي شرحه.

وقد جرى بين من تابع عمر في ذلك وبين من خالفه مناقشات نورد بعضها في ما يلي:

____________

1- المغني لابن قدامة 7 : 571 .

2- مصنف ابن أبي شيبة 4 : 293 في نكاح المتعة وحرمتها.


الصفحة 38

9 ـ الخلاف بين المحللين والمحرمين

وقعت مشادّة بين ابن عبّاس وجماعة في تحليل المتعة، منهم عبد الله بن الزبير كما روى مسلم في صحيحه والبيهقي في سننه واللفظ للأوّل:

عن عروة بن الزبير قال: إنّ عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال: إنَّ ناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة، يعرّض بالرجل، فناداه فقال: إنّك لجلف جافّ، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتّقين (يريد رسول الله)، فقال له ابن الزبير: فجرّب بنفسك، فوالله لئن فعلتها لأرجمنّك بأحجارك.

قال ابن شهاب: فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله، أنّه بينا هو جالس عند رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فأمره بها، فقال له أبو عمرة الأنصاري: مهلا، قال: ما هي؟ والله لقد فعلت في عهد إمام المتّقين(1).

____________

1- صحيح مسلم، : 1026 ح27 باب نكاح المتعة; وسنن البيهقي 7 : 205; ومحاججة أبي عمرة الأنصاري وردت في مصنف عبد الرزاق 7 : 502 .

وعن سعيد بن جبير قال: سمعت عبد الله بن الزبير يخطب وهو يعترض بابن عباس يعتب عليه قوله في المتعة، فقال ابن عباس: يسأل أُمّه ان كان صادقاً، فسألها، فقالت: صدق ابن عباس قد كان ذلك، فقال ابن عباس: لو شئت سميت رجالا من قريش ولدوا فيها، يعني المتعة; الطحاوي في باب نكاح المتعة من شرح معاني الآثار.


الصفحة 39
يبدو انّ هذه المحاورة وقعت على عهد ابن الزبير وأزمان حكمه بمكّة، وكان الاجتماع يومذاك يقع في البيت الحرام، وأغلب الظنّ انّ هذه المحاورة وقعت أثناء خطبة الجمعة وفي ملأ حاشد من المسلمين، لأنّا نرى انّ ابن عبّاس كان يربأ بنفسه أن يحضر خطبة ابن الزبير في غير صلاة الجمعة التي كانوا يلزمون حضورها، وأيضاً يبدو بكلّ وضوح أنّ ابن الزبير لم يكن لديه يومذاك ولا كان لدى عصبته عصبة الحكم والخلافة أيّ مستند من قول الرسول أو فعله أو تقريره في نهيهم عن المتعة، وإلاّ لقابل حجة ابن عباس من أنّها فعلت على عهد امام المتّقين بها.

وعلى عكس الحاكمين الذين كانوا يستندون إلى هذا العصر في تحريمهم المتعتين إلى منطق القوّة فحسب نجد المحللين لها أبداً يقابلونهم بسنّة الرسول حين تتاح لهم الفرصة أن يتحدّثوا ويدلوا بحجّتهم.

ففي صحيح مسلم ومسند أحمد والطيالسي وسنن

الصفحة 40
البيهقي وغيرها واللفظ للأوّل عن أبي نضرة، قال: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال: ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله (ص) ثمّ نهانا عنها عمر فلم نعدلها(1).

وفي رواية: قلت لجابر: إنّ ابن الزبير ينهى عن المتعة وابن عباس يأمر بها، قال جابر: على يدي دار الحديث، تمتعنا على عهد رسول الله (ص) فلمّا كان عمر بن الخطّاب وقال: إنّ الله عزّ وجلّ كان يحلّ لنبيّه ما شاء وإنّ القرآن قد نزل منازله، فافصلوا حجّكم عن عمرتكم، وابتّوا نكاح هذه النساء، فلن أُوتى برجل تزوّج إلى أجل إلاّ رجمته(2).

وفي لفظ البيهقي: تمتعنا مع رسول الله (ص) وأبي بكر (رض)، فلمّا ولي عمر خطب الناس فقال: انّ رسول

____________

1- صحيح مسلم : 1023 ح1405 باب نكاح المتعة; ومسند أحمد 1 : 52 باختلاف في اللفظ، و 3 : 325 و 356، وفي 363 منه باختصار; وسنن البيهقي 7 : 206; وراجع كتاب مناسك الحج من شرح معاني الآثار : 401; وكنز العمال 8 : 293 و 294.

2- صحيح مسلم : 885 ح145 باب في المتعة بالحج; ومسند الطيالسي : 247 ح1792 واللفظ له; وأحكام القرآن للجصاص 2 : 178; وتفسير السيوطي1 : 216; وراجع الكنز 8 : 294; وتفسير الرازي 3 : 26.


الصفحة 41
الله (ص) هذا الرسول وإنّ هذا القرآن هذا القرآن، وإنّهما كانتا متعتان على عهد رسول الله (ص) وأنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما: إحداهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ غيّبته بالحجارة، والأُخرى متعة الحج افصلوا حجّكم عن عمرتكم فانّه أتمّ لحجّكم وأتمّ لعمرتكم(1).

10 ـ بين ابن عباس وآخرين

في مصنّف عبد الرزاق: وقال [ابن] صفوان هذا ابن عبّاس يفتي بالزنا، فقال ابن عبّاس: إنّي لا أفتي بالزنا، أفنسي [ابن] صفوان أُمّ أراكة، فوالله انّ ابنها لمن ذلك، أفزنا هو، واستمتع بها رجل من بني جمح(2).

____________

1- سنن البيهقي 7 : 206.

2- المصنف لعبد الرزاق 7 : 498 باب المتعة.

ورجل من جمح هو: سلمة بن أُمية، وفي لفظه صفوان تحريف والصواب ابن صفوان كما ورد في الرواية الثانية، فانّ صفوان كان قد توفي بمكة وسوى عليه التراب فوردها نعي عثمان وابن صفوان أراه عبد الله الأكبر الذي قتل مع ابن الزبير. راجع جمهرة أنساب ابن حزم : 159-160 وانما قلنا: هو ابن صفوان وليس بصفوان لأنّ مناقشات ابن عباس في شأن المتعتين كان على عهد ابن الزبير وكان يومذاك قد توفى صفوان.


الصفحة 42
وفي رواية أُخرى: عن طاووس قال: قال ابن صفوان: يفتي ابن عبّاس بالزّنا، قال: فعدّد ابن عبّاس رجالا كانوا من أهل المتعة، قال: فلا أذكر ممّن عدّد غير معبد بن اُمية(1).

معبد هو معبد بن سلمة بن اُمية.

وفي رواية أُخرى: عن ابن عباس، لم يرع عمر أمير المؤمنين الاّ أمّ أراكة خرجت حبلى فسألها عمر عن حملها، فقالت: استمتع بي سلمة بن اُميّة بن خلف، فلمّا أنكر [ابن] صفوان على ابن عباس ما يقول في ذلك، قال: فسل عمّك(2).

في جمهرة أنساب ابن حزم: ولد اُمية بن خلف الجمحي عليّ وصفوان وربيعة ومسعود وسلمة. فولد سلمة بن اُمية معبد بن سلمة، أُمّه أم أراكة نكحها سلمة نكاح متعة في عهد عمر أو في عهد أبي بكر فولد له منها

____________

1- المصنف لعبد الرزاق 7 : 499 .

2- المصنف لعبد الرزاق 7 : 499 .


الصفحة 43
معبد فولد صفوان بن أُميّة عبد الله الأكبر ...(1).

ونرى انّ المحاورة جرت بين ابن عباس وابن صفوان عبد الله هذا، فقال له: سل عمّك سلمة، وقال له: أفنسي أُمّ أراكة فوالله انّ ابنها ـ يعني معبداً ـ من ذلك، أفزنا هو، ولمّا عدّد رجالا ولدوا من المتعة عدّ منهم معبداً هذا.

11 ـ بين عبد الله بن عمر وابن عباس

اختلف ما روي عن عبد الله بن عمر في هذا الباب، فمنه ما رواه أحمد في مسنده قال: عن عبد الرحمن بن نعيم الأعرجي قال: سأل رجلٌ ابن عمر، وأنا عنده، عن المتعة متعة النساء، فغضب وقال: والله ما كنّا على عهد رسول الله زنّائين ولا مسافحين ...(2).

____________

1- جمهرة أنساب ابن حزم : 159-160.

2- مسند أحمد 2 : 95 ح5694، و 2 : 104 ح5808 واخرت لفظ الأخير; وأورده في مجمع الزوائد 7 : 332-333; وأيضاً في مجمع الزوائد 4 : 265 وعن ابن عمر أنه سئل عن المتعة فقال: حرام، فقيل: إنّ ابن عباس لا يرى بها بأساً، فقال: والله لقد علم ابن عباس انّ رسول الله نهى عنها يوم خيبر وما كنّا مسافحين. قال: رواه الطبراني وفيه منصور بن دينار وهو ضعيف. قال المؤلف: يبدو أنّه حرّف حديث ابن عمر.


الصفحة 44
وفي مصنف عبد الرزاق، قيل لابن عمر: انّ ابن عباس يرخّص في متعة النساء، فقال: ما أظنّ ابن عباس يقول هذا، قالوا: بلى! والله انّه ليقوله، قال: أما والله ما كان ليقول هذا في زمن عمر، وإن كان عمر لينكلكم عن مثل هذا، وما أعلمه الاّ السفاح(1).

وفي مصنف ابن أبي شيبة والدرّ المنثور واللفظ للأوّل: عن عبد الله بن عمر (رض) انّه سئل عن متعة النساء، فقال: حرام، فقيل له: ابن عباس يفتي بها، فقال: هلاّ تزمزم بها في زمان عمر. الزمزمة: صوت خفي لا يكاد يفهم(2).

وفي سنن البيهقي بعد حرام: أما انّ عمر بن الخطاب (رض) لو أخذ فيها أحداً لرجمه بالحجارة(3).

12 ـ ما فعله أتباع مدرسة الخلفاء في شأن المتعة أخيراً

____________

1- المصنف لعبد الرزاق 7 : 502 .

2- مصنف ابن أبي شيبة 4 : 293; وتفسير السيوطي 2 : 140.

3- سنن البيهقي 7 : 206.


الصفحة 45
وجدنا اعتماد المحرّمين للمتعة من الخلفاء على القوّة إلى عهد ابن الزبير، وبعد ذلك تغيّر نشاط أتباع مدرسة الخلفاء واعتمدوا على الوضع والتحريف، وفي ما يلي بعض الأمثلة على ذلك:

(أ) في سنن البيهقي: انّ ابن عباس كان يفتي بالمتعة ويغمض ذلك عليه أهل العلم، فأبى ابن عباس أن يتنكّل عن ذلك حتى طفق بعض الشعراء يقول:


يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس هل لك في ناعم خود مبتّلة

تكون مثواك حتى مصدر الناسِ

قال: فازداد أهل العلم بها قذراً، ولها بغضاً حين قيل فيها الأشعار(1).

وفي مصنف عبد الرزاق عن الزهري قال: ازدادت العلماء لها استقباحاً حين قال الشاعر: يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس(2).

____________

1- سنن البيهقي 7 : 205.

2- المصنف لعبد الرزاق 7 : 503.


الصفحة 46
في هذه الرواية: انّ ابن عباس أبى أن يتنكل عنها مهما غمض عليه الناس وانشدوا فيه الشعر.

(ب) حرّفوا الرواية الآنفة ورووا عن سعيد بن جبير أنه قال: قلت لابن عبّاس أتدري ما صنعت وبما أفتيت؟ سارت بفتياك الركبان، وقالت فيه الشعراء، قال: وما قالوا: قلت: قالوا:


قد قلت للشيخ لما طال مجلسه يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس
هل لك في رخصة الأطراف آنسة تكون مثواك حتى مصدر الناس

فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون! والله ما بهذا أفتيت ولا هذا أردت ولا أحللت منها إلاّ ما أحلّ الله من الميتة والدم ولحم الخنزير(1).

وفي المغني لابن قدامة: فقام خطيباً وقال: إنّ المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير، فأمّا إذن رسول الله فقد ثبت

____________

1- سنن البيهقي 7 : 205.


الصفحة 47
نسخه(1).

علة الحديث

هكذا تسابقوا في نقل هذه الرواية عن سعيد بن جبير(2)، ونسوا أنّ سعيد بن جبير هو هو الذي تمتّع بمكّة(3)، ونسوا أنّ أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن كلّهم كانوا يرون المتعة حلالا على مذهب ابن عباس(4)، ولو كان ابن عبّاس قد رجع عن فتواه لما استمرّ أصحابه عطاء وطاووس وغيرهما على ذلك(5)، وقد أبان الهيثمي في مجمع الزوائد عن علّة هذا الحديث حيث قال: وفيه ـ أي في سند الحديث ـ الحجّاج بن أرطاة مدّلس(6)، وفي ترجمة الحجّاج راوي هذا الحديث بتهذيب التهذيب: كان

____________

1- المغني لابن قدامة 7 : 573 .

2- مثل البيهقي في سننه 7 : 205.

3- المصنف لعبد الرزاق 7 : 496 .

4- القرطبي 5 : 133.

5- المغني لابن قدامة 7 : 571.

6- مجمع الزوائد 4 : 265 .


الصفحة 48
يرسل عن يحيى بن أبي كثير ومكحول ولم يسمع منهما، وانّما يعيب الناس منه التدليس، ليس يكاد له حديث الاّ فيه زيادة، وقال ابن المبارك: كان الحجّاج يدلّس فكان يحدّثنا بالحديث عن عمرو بن شعيب ممّا يحدّثه العرزمي. متروك.

وقال يعقوب بن أبي شيبة: واهي الحديث، في حديثه اضطراب كثير(1).

(ج) روى الترمذي والبيهقي عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب عن ابن عباس أنّه قال: انّما كانت المتعة في أوّل الإسلام: كان الرجل يقدم البلدة ليس بها معرفة، فيتزوّج المرأة بقدر ما يرى أنّه يقيم، فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه حتى إذا نزلت الآية (إلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهمْ)، قال ابن عباس: فكلّ فرج سوى هذين فهو حرام(2).

____________

1- تهذيب التهذيب 2 : 196-198.

2- الترمذي 5 : 50 باب نكاح المتعة; وسنن البيهقي 7 : 206.


الصفحة 49

علّة الحديث

في سند الحديث موسى بن عبيدة، وفي ترجمته من تهذيب التهذيب قال أحمد: منكر الحديث، لا تحلّ الرواية عندي عنه، حدّث بأحاديث منكرة(1).

وفي متن الحديث: كانت المتعة في أوّل الإسلام ... حتى نزلت (إلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهمْ) فكلّ فرج سوى هذين حرام.

لست أدري إذا كان هذا قوله فما باله يخاصم ابن الزبير بعد نزول هذه الآية بنصف قرن، ثمّ أليس نكاح المتعة زواجاً مؤقتاً ومن مصاديق الزواج، وأيضاً إنْ صحّت هذه الرواية وكان ابن عباس قد ترك فتواه بعد نزول هذه الآية وفي عصر النبي، إذاً متى قال له الإمام عليّ: انّك امرؤ تائه حين رآه يليّن في المتعة، كما تفيده الرواية التي سنوردها في باب الأحاديث الصحاح.

(د) رووا عن جابر أنّه قال: خرجنا ومعنا النساء التي استمتعنا بهنّ، فقال رسول الله (ص): "هنّ حرام إلى يوم

____________

1- تهذيب التهذيب 10 : 356-360.


الصفحة 50
القيامة" فودّعننا عند ذلك، فسمّيت عند ذلك ثنية الوداع، وما كانت قبل ذلك الاّ ثنية الركاب(1).

علّة الحديث

قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه صدقة بن عبد الله، في سند الحديث: صدقة، وقد قال أحمد بن حنبل فيه: ليس يسوي شيئاً، أحاديثه مناكير.

وقال مسلم: منكر الحديث(2).

وفي متن الحديث: يروى عن جابر أنّ رسول الله قال: "هنّ حرام إلى يوم القيامة" وقد تواترت الروايات الصحاح عن جابر أنّه قال: تمتّعنا على عهد النبي وأبي بكر وعمر حتى نهانا عمر في شأن عمرو بن حريث، وقال نظير هذا القول.

(هـ) روى البيهقي في سننه والهيثمي في مجمع الزوائد واللفظ للأوّل عن أبي هريرة قال: خرجنا مع رسول الله (ص) في غزوة تبوك فنزلنا بثنية الوداع، فرآى نساء

____________

1- مجمع الزوائد 4 : 264; وفتح الباري 11 : 34.

2- نقلنا قول أحمد ومسلم عن ترجمة صدقة، تهذيب التهذيب 4 : 416.


الصفحة 51
يبكين، فقال: "ما هذا؟" قيل: نساء تمتّع بهنّ أزواجهنّ ثمّ فارقوهنّ، فقال رسول الله: "حرّم أو هدّم المتعة النكاح والطلاق والعدّة والميراث".

وفي مجمع الزوائد: فرآى رسول الله مصابيح ورآى نساء يبكين(1).

علة الحديث

في سند الحديث: مؤمّل بن اسماعيل، وهو أبو عبد الرحمن العدوي، مولاهم نزيل مكّة، مات سنة خمس أو ستّ ومائتين، في ترجمته بتهذيب التهذيب، قال البخاري: منكر الحديث.

وقال غيره: دفن كتبه فكان يحدّث فكثر خطاؤه.

وقد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه، فانّه يروي المناكير عن ثقات شيوخه، وهذا أشدّ، فلو كانت هذه المناكير عن الضعفاء لكنّا نجعل له عذراً(2).

____________

1- سنن البيهقي 7 : 207; ومجمع الزوائد 4 : 264; وفتح الباري 11 : 73.

2- تهذيب التهذيب 10 : 380-381.


الصفحة 52
وفي متن الحديث: أنّهم نزلوا ثنيّة الوداع، وثنيّة الوداع كما في معجم البلدان: ثنيّة مشرفة على المدينة يطأها من يريد مكة، وقال: والصحيح انّه اسم جاهلي، قديم، سمّي لتوديع المسافرين(1).

ويؤيد ذلك: أنّ رسول الله لما ورد المدينة في الهجرة لقيته نساء الأنصار يقلن: طلع البدر علينا في ثنيّات الوداع ..(2).

وعلى هذا فثنيّة الوداع محلّ توديع المسافرين منذ العصر الجاهلي، وسمّي بهذا الاسم قبل الإسلام وليس بعده.

أضف إليه: انّه ما سبب خروج نساء المتعة لتوديع أزواجهنّ دون نساء النكاح الدائم؟! وما سبب بكائهنّ وليس الأزواج ذاهبين إلى غير رجعة؟!.

(و) روى البيهقي عن عليّ بن أبي طالب (رض) قال: "نهى رسول الله (ص) عن المتعة، قال: وانّما كانت لمن لم

____________

1- بمادة ثنية الوداع من معجم البلدان.

2- بمادة ثنية الوداع من الروض المعطار للحميري.


الصفحة 53
يجد، فلمّا نزل النكاح والطلاق والعدّة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت"(1).

علّة الحديث

في سند الحديث موسى بن أيّوب، ذكره العقيلي في الضعفاء، وقال عنه يحيى بن معين والساجي: منكر الحديث(2).

وفي متن الحديث، ينسب إلى علي أنّه قال: "نهى رسول الله (ص) عن المتعة"، في حين أنّه القائل: "لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب لأمرت بالمتعة ثمّ ما زنى الاّ شقي".

(ز) روى البيهقي عن عبد الله بن مسعود قال: المتعة منسوخة نسخها الطلاق والصداق والعدة والميراث.

علّة الحديث

____________

1- سنن البيهقي 7 : 207.

2- بترجمة موسى بن أيوب من تهذيب التهذيب 1 : 336.


الصفحة 54
في سند رواية منه الحجّاج بن أرطاة عن الحكم عن أصحاب عبد الله، والحجّاج بن أرطاة سبق تعريفه انّه مدلس متروك، يزيد في الحديث، ولا ندري من أي واحد من أصحاب عبد الله روى الحكم؟!

وسند الأُخرى: قال بعض أصحابنا عن الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن مسعود، ولم ندر من هو بعض الأصحاب هذا، وكيف روى الحكم بن عتيبة المتوفى سنة ثلاثة عشر بعد المائة أو بعدها وله نيف وستون عن عبد الله بن مسعود المتوفى سنة اثنتين وثلاثين(1).

ويناقض متن الحديث ما ثبت عن عبد الله بن مسعود انّه ثبت على تحليل المتعة بعد رسول الله وكان يقرأ الآية: "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل"(2).

وفي متن الأحاديث هـ .و.ز : أنّ النكاح والطلاق والعدّة والميراث حرّمت أو هدّمت أو نسخت المتعة، ومعنى هذا انّ نكاح المتعة كان قد شرّع قبل تشريع

____________

1- راجع ترجمة الحكم وابن مسعود في تقريب التهذيب 1 : 192 و 459.

2- راجع فصل من بقي على القول بتحليل المتعة بعد تحريم عمر.


الصفحة 55
النكاح الدائم وما يتعلّق به، وانّه كان الزواج بالمتعة إلى أن شرّع النكاح الدائم، ونسخت المتعة به، ويلزم من هذا القول أن تكون جميع زيجات الرسول والصحابة في البدء بالمتعة إلى وقت نزول حكم النكاح الدائم.

(ح) في مجمع الزوائد عن زيد بن خالد الجهني، قال: كنت أنا وصاحب لي نماكس امرأة في الأجل وتماكسنا، فأتانا آت فأخبرنا أنّ رسول الله (ص) حرّم نكاح المتعة وحرّم أكل كلّ ذي ناب من السباع والحمر الانسية(1).

علّة الحديث

في سند الحديث: قال الهيثمي: رواه الطبراني، وفي موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف، انتهى(2). وسبق قولنا في ضعفه.

في متن الحديث: يبدو انّ مخترع هذه الرواية قد جمع بين رواية سبرة الجهني في فتح مكّة وما روى عن يوم

____________

1- بمجمع الزوائد 4 : 266.

2- بمجمع الزوائد 4 : 266.