الصفحة 47

وثامنها:الحليف(35).

وتاسعها: الجار(36)..

وهذان القسمان أيضا معروفان.

وعاشرها: الإمام السيد المطاع(37)، وسيأتي الدليل عليه في الجواب عن السؤال الرابع إن شاء الله تعالى.

فقد اتضح لك بهذا البيان ما تحتمله لفظة «مولى» من الأقسام، وأن «أولى» أحد محتملاتها في معاني الكلام، بل هي الأصل وإليها يرجع معنى كل قسم، لأن مالك الرق لما كان أولى بتدبير عبده من غيره كان لذلك مولاه.

والمعتق لما كان أولى بميراث المعتق من غيره كان مولاه.

والمعتق لما كان أولى بمعتقه في تحمله لجريرته، وألصق به من غيره كان مولاه.

وابن العم لما كان اولى بالميراث ممن هو أبعد منه في نسبه، وأولى أيضا من الأجنبي بنصرة ابن عمه، كان مولى.

والناصر لما اختص بالنصرة وصار بها أولى، كان لذلك مولى.

____________

(35) قال النابغة الجعدي:

موالي حلف لا موالي قرابة * ولكن قطينا يسألون الأتاويا
يقول: هم حلفاء لا أبناء عم.

وقول الفرزدق:

فلو كان عبد الله مولى هجرته * ولكن عبد الله مولى مواليا
لأن عبد الله بن أبي إسحاق مولى الحضرميين، وهم حلفاء بني عبد شمس بن عبد مناف، والحليف عند العرب مولى.

انظر: الصحاح ـ ولي ـ 2529:6.

(36) الصحاح 2529:6.

(37) الصحاح 2530:6.


الصفحة 48
واذا تأملت بقية الأقسام وجدتها جارية هذا المجرى، وعائدة بمعناها إلى «الأولى»، وهذا يشهد بفساد قول من زعم أنه متى اريد بمولى «أولى» كان ذلك مجازا، وكيف يكون مجازا وكل قسم من أقسام «مولى» عائد إلى معنى الأولى ؟! وقد قال الفراء(38) في كتاب «معاني القرآن» أن الولي والمولى في كلام العرب واحد(39)

***

____________

(38) يحيى بن زياد بن عبد الله الأسلمي الديلمي الكوفي، مولى بني أسد، المعروف بالفراء، أبو زكريا، أخذ عن أبي الحسن الكسائي، وكان فقيها عالما بالخلاف وبأيام العرب وأخبارها وأشعارها، عارفا بالطب والنجوم، متكلما يميل إلى الاعتزال، وكان يتفلسف في تصانيفه ويستعمل فيها ألفاظ الفلاسفة، وقيل: إنه لقب بالفراء لأنه كان يفري الكلام، توفي في طريق مكة سنة سبع ومائتين، وقد بلغ ثلاثاً وستين سنة، وقيل: مات ببغداد. من تصانيفه: كتاب اختلاف أهل الكوفة والبصرة والشام في المصاحف، معاني القرآن، المصادر في القرآن، اللغات، الوقف والابتداء، وغيرها.

انظر: معجم الادباء 20: 9/ 2، الانساب 247:9، شذرات الذهب 19:2.

(39) معاني القرآن 59:3.

الصفحة 49

الجواب عن السؤال الثالث:

فاما الحجة على ان المراد بلفظة «مولى» في خبر الغدير «الأولى» فهي أن من عادة أهل اللسان في خطابهم، إذا أوردوا جملة مصرحة وعطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدم به التصريح ولغيره، فإنهم لا يريدون بالمحتمل إلا ما صرحوا به من الخطاب المتقدم.

مثال ذلك: ان رجلا لو أقبل على جماعة فقال: الستم تعرفون عبدي فلانا الحبشي؟ ثم وصف لهم أحد عبيده وميزه عنهم بنعت يخصه صرح به، فإذا قالوا: بلى، قال لهم عاطفا على ما تقدم: فاشهدوا أن عبدي حر لوجه الله عزوجل، فأنه لا يجوز ان يريد بذلك ألا العبد الذي سماه وصرح بوصفه دون ما سواه، ويجري هذا مجرى قوله: فاشهدوا أن عبدي فلانا حر، ولو أراد غيره من عبيده لكان ملغزا غير مبين في كلامه.

واذا كان الأمر كما وصفناه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يزل مجتهدا في البيان، غيرمقصر فيه عن الإمكان، وكان قد أتى في أول كلامه يوم الغدير بأمر صرح به، وقرر أمته عليه، وهو أنه أولى بهم منهم بأنفسهم، على المعنى الذي قال الله تعالى في كتابه: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)(40) ثم عطف على ذلك بعد ما ظهر من اعترافهم بقوله: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» وكانت «مولاه»(41) تحتمل ما صرح به في مقدمة كلامه وتحتمل غيره، لم يجز أن يريد إلا ما صرح به في كلامه الذي قدمه، وأخذ إقرار أمته به دون سائر أقسام «مولى»، وكان هذا قائما مقام قوله «فمن كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه»، وحاشى لله أن لا يكون الرسول صلى الله عليه وآله أراد هذا بعينه.

____________

(40) الأحزاب 6:33.

(41) في نسخة «هـ» مولى.

الصفحة 50

ووجه آخر:

وهو أن قول النبي صلى الله عليه وآله: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» لا يخلو من حالين: إما أن يكون أراد «بمولى» ما تقدم به التقرير من «الاولى»، أو يكون أراد قسما غير ذلك من أحد محتملات «مولى».

فإن كان أراد الأول، فهو ما ذهبنا عليه واعتمدنا عليه، وإن كان أراد وجها غير ما قدمه من أحد محتملات «مولى» فقد خاطب الناس بخطاب يحتمل خلاف مراده، ولم يكشف فهم فيه عن قصده، ولا في العقل دليل عليه يغني عن التصريح بمعنى ما نحا إليه، وهذا لا يجيزه على رسول الله عليه وآله إلا جاهل لا عقل له.

الصفحة 51

الجواب عن السؤال الرابع.

واما الحجة على أن لفظة «أولى» تفيد معنى الامامة والرئاسة على الامة، وفهو انا نجد أهل اللغة لا يصفون بهذه اللفظة إلا من كان يملك تدبير ما وصف بأنه أولى به، وتصريفه وينفذ فيه أمره ونهيه. ألا تراهم يقولون: إن السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعية، والمولى أولى بعبده، والزوج أولى بأمرأته، وولد الميت أولى بميراثه من جميع أقاربه، وقصدهم بذلك ما ذكرناه دون غيره.

وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله سبحانه: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)(42) أنه أولى بتدبيرهم والقيام بامورهم، من حيث وجبت طاعته عليهم(43).

وليس يشك أحد من العقلاء في أن من كان أولى بتدبير الخلق وأمرهم ونهيهم من كل أحد منهم، فهو امامهم المفترض الطاعة عليهم.

ووجه آخر:

ومما يوضح ان النبي صلى الله عليه وآله أراد أن يوجب لأمير المؤمنين عليه السلام بذلك منزلة الرئاسة والامامة والتقدم على الكافة فيما يقتضيه فرض الطاعة، أنه قررهم بلفظة «أولى» على أمر يستحقه عليهم من معناها، ويستوجبه من مقتضاها، وقد ثبت أنه يستحق في كونه أولى بالخلق من أنفسهم أنه الرئيس عليهم، والنافذ الأمر فيهم، والذي طاعته مفترضة على جميعهم، فوجب أن يستحق أمير المؤمنين عليه السلام مثل ذلك بعينة، لأنه جعل له منه مثل ما هو واجب له، فكانه قد قال: من كنت أولى به من نفسه في كذا وكذا فعلي أولى به من نفسه فيه.

____________

(42) الأحزاب 6:33.

(43) تفسير الطبري 77:21، الجامع لأحكام القرآن ـ للقرطبي ـ 122:14، التفسير الكبير ـ للفخر الرازي ـ 195:25، زاد المسير ـ لابن الجوزي ـ 352:6.

الصفحة 52

ووجه آخر:

وهو انا اذا اعتبرنا ما تحتمله لفظة «مولى» من الأقسام، لم نر فيها ما يصح أن يكون مراد النبي صلى الله عليه وآله إلا ما اقتضاه الإمامة والرئاسة على الأنام، وذلك أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن مالكا لرق كل من ملك رسول الله صلى الله عليه وآله رقه، ولا معتقا لكل من أعتقه، فيصح أن يكون أحد هذين القسمين المراد، ولا يصح أن يريد المعتق لا ستحالة هذا القسم فيها على كل حال.

ولا يجوز أن يريد ابن العم والناصر، فيكون قد جمع الناس في ذلك المقام ويقول لهم: من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه!! أو: من كنت ناصره فعلي ناصره!! لعلمهم ضرورة بذلك قبل هذا المقام، ومن ذا الذي يشك في أن كل من كان رسول الله صلى الله عليه وآله ابن عمه فإن عليا عليه السلام كذلك ابن عمه، ومن ذا الذي لم يعلم أن المسلمين كلهم انصار من نصره النبي صلى الله عليه وآله!! فلا معنى لتخصيص أمير المؤمنين عليه السلام بذلك دون غيره.

ولا يجوز أن يريد ضمان الجرائر واستحقاق الميراث، للاتفاق على أن ذلك لم يكن واجبا في شيء من الأزمان

وكذلك لا يجوز أن يريد الحليف، لأن عليا عليه السلام لم يكن حليفا لجميع حلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله.

فاذا بطل ان يكون مراده عليه السلام شيئا من هذه الأقسام، لم يبق إلا أن يكون قصد ما كان حاصلا له من تدبير الأنام، وفرض الطاعة على الخاص والعام، وهذه هي رتبة الإمام، وفيما ذكرناه كفاية لذوي الافهام.


الصفحة 53

فصل وزيادة

فأما الذين ادعوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله إنما قصد بما قاله في أمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير ان يؤكد ولاءه في الدين، ويوجب نصرته على المسلمين، وان ذلك على معنى قوله سبحانه: (والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)(44) وإن الذي أوردناه من البيان على ان بلفظة «مولى» يجب أن تطابق معنى ما تقدم به التقرير في الكلام، وأنه لا يسوغ حملها على غير ما يقتضي الإمامة من الأقسام، يدل على بطلان ما ادعوه في هذا الباب، ولم يكن أمير المؤمنين عليه السلام بخامل الذكر فيحتاج إلى أن يقف به في ذلك المقام يؤكد ولاءه على الناس، بل قد كان مشهورا، وفضائله ومناقبه وظهور علوّ مرتبته وجلالته قاطعا للعذر في العلم بحاله عند الخاص والعام(45).

على أن من ذهب في تأويل الخبر إلى معنى الولاء في الدين والنصرة، فقوله داخل في قول من حمله على الإمامة والرئاسة، لأن إمام العالمين تجب موالاته في الدين، وتتعين نصرته على كافة المسلمين، وليس من حمله على الموالاة في الدين والنصرة يدخل في قوله ما ذهبنا إليه من وجوب الإمامة، فكان المصير إلى قولنا اولى.

____________

(44) التوبة 71:9.

(45) ذكر ابن حجر في إصابته 2: 507 ـ بعد سرده لجانب من فضائله ومناقبه عليه السلام ـ: «ومناقبه كثيرة، حتى قال الإمام أحمد: لم ينقل لأحد من الصحابة ما نقل لعلي».

وليت شعري أنى يذهب البغض بذوي الرؤوس الخاوية لينهجوا هذا النهج من المطل والمماراة والالتفاف حول كلمة الحق، ألا رجعوا إلى أنفسهم فسألوها وماذا أراد رسول الله صلى عليه وآله وسلم بذلك وقد جمع له الحجيج من بقاع الارض المختلفة بهذا الجو اللاهب والشوق العارم للعودة إلى الأهل والخلان بعد أداء فرض الله تعالى وبعد وعثاء السفر، ألا لا مناص من الإجابة بأن الأمرأعظم وأشد مما ذهبوا إليه، بل وهل هي إلا الوصية والخلافة التي يعرفونها كما يعرفون أبناءهم ولكنهم ينكرون حتى تكون حجة عليهم يوم القيامة حين يحق الحق ويبطل الباطل، وعندئذ يخسر المبطلون.

الصفحة 54
وأما الذين غلطوا فقالوا: إن السبب في ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الغدير انما هو كلام جرى بين أمير المؤمنين وبين زيد بن حارثة، فقال علي عليه السلام لزيد: أتقول هذا وأنا مولاك؟! فقال له زيد: لست مولاي، إنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وآله، فوقف يوم الغدير فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، إنكارا على زيد، واعلاماً له أن عليا مولاه(46)!

فإنهم قد فضحهم العلم بأن زيدا قتل مع جعفر بن أبي طالب عليه السلام في أرض مؤته(47) من بلاد الشام قبل يوم غدير خم بمدة طويلة من الزمان (48)، وغدير خم إنما كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله بنحو الثمانين يوماً، وما حملهم على هذا الدعوى إلا عدم معرفتهم بالسير والأخبار(49).

ولما رأت الناصبة غلطها في هذه الدعوى رجعت عنها، وزعمت أن الكلام كان

____________

(46) انظر: العقد الفريد 5: 357.

(47) مؤتة ـ بالضم ثم واو مهموزة ساكنة، وتاء مثناة من فوقها، وبعضهم لا يهمزه ـ قريه من قرى البلقاء في حدود الشام، وقيل: مؤتة من مشارف الشام، وبها كانت تطبع السيوف وإليها تنسب المشرفية في السيوف.

انظر: معجم البلدان 5: 219.

(48) نقلت كافة كتب التاريخ والسير والحديث بلا أي خلاف بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث بعثة إلى مؤتة في جمادى الاولى من سنة ثمان للهجرة، واستعمل عليهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبدالله ابن رواحة، واستشهدوا هناك في تلك السنة واحد بعد الآخر.

انظر: تأريخ الامم والملوك ـ للطبري ـ 3: 36، الكامل في التأريخ ـ لابن الاثير ـ مروج الذهب ـ للمسعودي ـ 3: 30/ 1493، المغازي ـ للواقدي ـ 2: 755، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ 4: 15، السيرة النبوية ـ لابن كثير ـ 3: 455، معجم البلدان ـ للحموي ـ 5: 219.

(49) إنه لأمر غريب فعلا أن يحدث هذا الخط الفاضح، الذي يبدو مستهجنا ممن يملك أدنى معرفة بشيء من التأريخ، ناهيك بمن يتجرأ ليكتب التأريخ، ويسطر فيه الوقائع والحقائق.

ولا أجد لذلك تفسيرا إلا أن الله تعالى شاء أن يفضح اُولئك الذين أعماهم الحقد عن رؤية شمس الحق.

وتالله إن الأمر ليبدو أوضح من أن يلتبس به أحد، فكتب الحديث والسنن التي نقلت هذه الواقعة تشير نصاً إلى انها كانت في حجة الوداع.

كما ان كل كتب التأريخ نذكر أن هذه الحجة كانت في السنة العاشرة من الهجرة النبوية، وهي لا تختلف أيضا في أن وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت في السنة الحادية عشر، فأين هذه من تلك؟!

الصفحة 55
بين أمير المؤمنين عليه السلام وبين اسامة بن زيد(50)، والذي قدمناه من الحجج يبطل ما زعموه ويكذبهم فيما ادعوه، ويبطله ايضا ما نقله الفريقان من أن عمر بن الخطاب قام في يوم الغدير فقال: بخ بخ لك يا أبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة(51)، ثم مدح حسان بن ثابت في الحال بالشعر المتضمن رئاسته وإمامته على الأنام، وتصويب النبي صلى الله عليه وآله له في ذلك(52).

ثم احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام به في يوم الشورى، فلو كان ما ادعاه المنتحلون حقا، لم يكن لاحتجاجه عليهم به معنى، وكان لهم أن يقولوا: أي فضل لك بهذا علينا؟! وإنما سببه كذا وكذا.

وقد احتج له أمير المؤمنين عليه السلام دفعات، واعتده في مناقبه الشراف وكتب يفتخر به في جملة افتخاره إلى معاوية بن أبي سفيان في قوله:

وأوجب لي الولاء معا عليكم * خليلي يوم دوح غدير خم(53)

____________

(50) النهاية ـ لابن الأثير ـ 5: 228، السيرة الحلبية 3: 277.

(51) انظر: مسند أحمد 4: 281، الفضائل ـ لأحمد بن حنبل ـ: 111/ 164، مصنف ابن أبي شيبة 12: 78/ 12167، تأريخ بغداد 8: 290، البداية والنهاية 5: 210، المناقب ـ للخوارزمي ـ 94، كفاية الطالب: 62، فرائد السمطين 1: 71/ 38.

(52) انشد حسان بعد قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم وال من والاه....:

يـنـاديـهـم يـوم الغـديـر نــبــيـهــم * بخم فـأســمع بالــرسول مناديـا
فـقال: فــمن مــولاكـم وولـيكـم؟ * فـقالوا ولم يبدوا هناك التعامــيا
إلــهـــك مـولانــا وأنــت نـبـيــنــا * ولم تلق منا في الولايـة عاصيا
فـقـــال لــه: قــم يــا عـلـي فأنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فـمـن كـنـت مــولاه فـهـذا ولـيــه * فـكـونوا له أنصار صدق مواليا
هـنــاك دعــا: الــلـهـم وال ولـيه * وكـن للذي عـــادى عليـا معاديا
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا حسان، لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نافحت عنا بلسانك.

انظر: كفاية الطالب: 64، المناقب ـ للخوارزمي ـ: 80 و 94، فرائد السمطين 1: 72/ 39.

(53) ذكر العلامة سبط ابن الجوزي (ت 654هـ) في تذكرة الخواص: 102 ـ بعد ذكره كتاب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام مفاخرا عليه ببعض العبارات ـ قال عليه السلام: أعَلَيَّ يفخر ابن آكلة الأكباد؟! ثم أمر عبيدالله بن أبي رافع أن يكتب جوابه من إملائه فكتب:

=


الصفحة 56
وهذا الأمر لا لبس فيه:

واما الذين اعتمدوا على أن خبر الغدير لو كان موجيا للامامة لأوجبها لأمير المؤمنين عليه السلام في كل حال، إذ لم يخصصها النبي صلى الله عليه وآله بحال دون حال، وقولهم: إنه كان يجب أن يكون مستحقا لذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله، فإنهم جهلوا معنى الاستخلاف والعادة المعهودة في هذا الباب.

وجوابنا ان نقول لهم: قد أوضحنا الحجة على أن النبي صلى الله عليه وآله استخلف عليا عليه السلام في ذلك المقام، والعادة جارية فيمن يستخلف أن يخصص له الاستحقاق في الحال، والتصرف بعد الحال، ألا ترون أن الإمام اذا نص على حال له قوم بالامر بعد، أن الأمر يجري في استحقاقه وتصرفه على ما ذكرناه؟!

ولو قلنا: إن أمير المؤمنين عليه السلام يستحق بهذا النص التصرف والامر والنهي في جميع الأوقات على العموم والاستيعاب إلا ما استثناه الدليل ـ وقد استثنت الأدلة في زمان حياة رسول الله صلى الله عليه وآله الذي لا يجوز أن يكون فيه متصرف في الأمة [ غيره] (54) ولا آمرناه لهم سواه ـ لكان هذا أيضا من صحيح الجواب.

فإن قال الخصم: إذا جاز أن تخصصوا بذلك زمانا دون زمان، فما أنكرتم أن يكون إنما يستحقها بعد عثمان؟

____________

=

مـحمد الــنبي اخي وصهري * وحـمزة سـيد الشـهداء عمي
وجعفر الذي يمسي ويضحي * يطير مع الملائكة ابن أمي
وبنـت محمد سكني وعرسي * مسـوط لحمها بدمي ولحمي
وسـبــطا أحـمد ولـداي مـنها * فمـن منـكم لـه سهم كسهمي
سبقـتكـم إلـى الإسـلام طــرا * صغيرا ما بلغت أوان حلمي
فـأوصـاني النبي لدى اختيار * رضـى منـه لأمتـه بـحكمي
واوجب لي الولاء معا عليكم * خـليلـي يـوم دوح غدير خم
فـــويـــل ثـم ويـل ثـــم ويل * لمن يرد القيامة وهو خصمي
فلما وقف معاوية على الكتاب قال: اخفوه لئلا يسمع أهل الشام.

(54) في نسخة «ف» أمره، وفي نسخة «هـ» غير مقروءة، والظاهر أن ما أثبتناه هو الصواب.

الصفحة 57

قلنا له:

أنكرنا ذلك من قبل ان القائلين بأنه استحقها بعد عثمان مجمعون على انها لم تحصل له في ذلك الوقت بيوم الغدير ولا بغيره من وجوه النص عليه، وإنما حصلت له بالاختيار، وكل من أوجب له الإمامة بالنص أوجبها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله من غير تراخ في الزمان، والحمدلله.

حدثني القاضي أبو الحسن أسد بن ابراهيم السلمي الحراني رحمه الله قال: أخبرني أبو حفص عمر بن علي العتكي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن هارون الحنبلي، قال: حدثنا حسين بن الحكم، قال: حدثنا حسن بن حسين قال: حدثنا أبو داود الطهوي، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قام علي عليه السلام خطيباً في الرحبة وهو يقول: «أنشد الله امرأ ً شهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخذا يدي ورفعهما إلى السماء وهو يقول: يا معشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فلما قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، إلا قام فشهد بها».

فقام بضعة عشر بدريا فشهدوا بها(55)، وكتم أقوام فدعا عليهم، فمنهم من برص، ومنهم من عمي، ومنهم من نزلت به بلية في الدنيا، فعرفوا بذلك حتى فارقوا الدنيا(56)

____________

(55) حديث المناشدة تناقلته كتب الحديث والتأريخ وأرسلته أرسال المسلمات، ولست ادري ماذا يحاول أن يكتم البعض عندما يريد أن يصرف اذهان الناس عن يوم الغدير ويشير بكل صراحة إلى أن هذا اليوم هو من نتاج عقول الشيعة وتخرصاتهم! وليت شعري ماذا يفعلون أمام هذا السيل العارم من الأحاديث الصحاح التي تحفل بها العديد من المراجع.

انظر: مسند أحمد 1: 84 و 88 و 119, 5: 336، أُسد الغابة 2: 233 و 3: 93 و 307و 5: 276 حلية الأولياء 5: 26، أنساب الاشراف 1: 156/ 169، البداية والنهاية 5: 210ـ 211، كفاية الطالب: 63، فرائد السمطين 1: 68/ 34، المناقب ـ للخوارزمي ـ: 95، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي لحديد ـ 19: 217.

(56) المشهور ـ كما تنقله المصادر ـ أن ستة من الصحابة اصابتهم دعوة أمير المؤمنين عليه السلام عند إعراضهم وامتناعهم عن الشهادة له بما شهدوه وسمعوه يوم الغدير... وهم: (1) أنس بن مالك (2) البراء بن عازب (3) جرير بن عبدالله البحلي (4) زيد بن أرقم (5) عبدالرحمن (6) يزيد بن وديعة.

انظر: أنساب الأشراف 2: 156/ 169، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد المعتزلي ـ 19: 217، السيرة الحليبة 3: 274.

الصفحة 58
ومما حفظ عن قيس بن سعد بن عبادة أنه كان يقول وهو بين يدي أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله بصفين ومعه الراية، في قطعة له أولها:

قـلـت لـمـا بـغـى الـعـــدو علينا * حســـبنــا ربــنـا ونعم الوكيل
حسبـنا ربـنا الذي فتـح الـبـصـ * ــرة بالامس والـحديث يطول
وعـــلــي إمــامـــنــا وأمــــــام * لــســوانـا أتــى بــه الـتـنـزيـل
يــوم قـال النبي: من كنت مو * لاه فهذا مولاه خـطـب جليـــل
إنــما قـاله النبــي علــــى الأًمـ * ــة حتم ما فـيه قال وقيل(57)
***

____________

(57) الفصول المختارة: 236.