الصفحة 52

الباب الرابع

في أن ميلاده (عليه السلام) في الكعبة من طريق الخاصة


الشيخ أبو جعفر الطوسي في أماليه قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الحسن بن شاذان قال: حدثني أحمد بن محمد بن أيوب قال: حدثنا عمر بن الحسن القاضي قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثني أبو حبيبة قال: حدثني سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عائشة.

قال محمد بن أحمد بن شاذان: وحدثني سهل بن أحمد قال: حدثنا أحمد بن عمر الربيعي قال:

حدثنا زكريا بن يحيى قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا شعبة عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن العباس بن عبد المطلب. قال ابن شاذان: وحدثني إبراهيم بن علي بإسناده عن أبي عبد الله جعفر ابن محمد عن آبائه (عليهم السلام) قال: كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام إذ أتت فاطمة (عليها السلام) بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت حاملة بأمير المؤمنين (عليه السلام) لتسعة أشهر وكان يوم التمام قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق فرمت بطرفها نحو السماء وقالت: أي رب إني مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرسول وبكل نبي من أنبيائك وبكل كتاب أنزلته وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل وإنه بنى بيتك العتيق فأسألك بحق هذا البيت ومن بناه وبحق هذا المولود(1) الذي في أحشائي، الذي يكلمني ويؤنسني بحديثه وأنا مؤمنة(2) إنه إحدى آياتك ودلائلك لما يسرت علي ولادتي.

قال العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب فلما تكلمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء رأينا البيت قد انفتح من ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا. ثم عادت الفتحة والتزقت بإذن الله فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله

____________

(1) في الأمالي والبحار: وبهذا المولود.

(2) في الأمالي والبحار: موقنة.


الصفحة 53
تعالى، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام. قال: وأهل مكة يتحدثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدث المخدرات في خدورهن. قال: فلما كان بعد ثلاثة أيام انفتح الباب من الموضع الذي كانت دخلت فيه فخرجت فاطمة وعلي على يديها.

ثم قالت: معاشر الناس إن الله عز وجل اختارني من خلقه وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنها عبدت الله سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا، وإن مريم بنت عمران هزت الجذع(1) اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطبا جنيا، وإن الله تعالى اختارني وفضلني عليهما وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين لأني ولدت في بيته العتيق وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأرزاقها(2)، فلما أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة سميه عليا فأنا العلي الأعلى وإني خلقته من قدرتي وعز جلالي(3) وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي وأدبته بأدبي(4) وهو أول من يؤذن فوق بيتي ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها ويعظمني ويمجدني ويهللني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ووصيه، فطوبى لمن أحبه ونصره والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقه.

قال: فلما رآه أبو طالب سر(5) وقال علي (عليه السلام): " السلام عليك يا أبه ورحمة الله وبركاته ".

ثم قال: دخل(6) رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما دخل اهتز له أمير المؤمنين (عليه السلام) وضحك في وجهه وقال:

" السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ".

قال: ثم تنحنح(7) بإذن الله تعالى وقال: " بسم الله الرحمن الرحيم * (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) *(8). - إلى آخر الآية - فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قد أفلحوا بك، وقرأ تمام الآية إلى قوله * (أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) *(9) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أنت والله أميرهم تميرهم(10) من علومك فيمتارون، وأنت والله دليلهم، وبك يهتدون ".

____________

(1) في الأمالي: (ومريم بنت عمران حيث هانت ويسرت عليها ولادة عيسى فهزت الجذع اليابس).

وفي البحار: (وأن مريم بنت عمران اختارها الله حيث يسر عليها ولادة عيسى فهزت الجذع).

(2) وفي الأمالي: وأوراقها.

(3) في الأمالي: وعزتي وجلالي.

(4) في الأمالي والبحار: (وفوضت إليه أمري، ووقفته على غامض علمي وولد في بيتي، وهو أول من يؤذن..).

(5) في الأمالي: سره.

(6) في الأمالي: قال: ثم دخل.

(7) في المخطوطة: تجنح.

(8) المؤمنون: 2 - 3.

(9) المؤمنون: 11 - 12.

(10) مير ميرا: أتاهم بالطعام والمؤنة.


الصفحة 54
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة: " إذهبي إلى عمه حمزة فبشريه به ". فقالت: " فإذا خرجت أنا فمن يرويه "؟ فقال: " أنا أرويه " فقالت فاطمة: " أنت ترويه "؟ قال: " نعم وذلك قول الله تعالى:

* (فانفجرت منه اثنتا عشر عينا) *(1) " قال: فسمي ذلك اليوم يوم التروية: فلما أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نورا قد ارتفع من علي إلى عنان السماء. قال: ثم شددته وقمطته قماطا فبتر القماط(2) ثم جعلته قماطين فبترهما فجعلته ثلاثة فبترها، فجعلته أربعة أقمطة من رق مصر لصلابته فبترها، فجعلته خمسة أقمط ديباج لصلابته فبترها كلها، فجعلته ستة من ديباج وواحدا من الأدم(3) فتمطى فيها فقطعها كلها بإذن الله، ثم قال بعد ذلك: " يا أمه لا تشدي يدي فإني أحتاج إلى أن أبصبص لربي بإصبعي ". قال: فقال أبو طالب عند ذلك: إنه سيكون له شأن ونبأ، قال: فلما كان من غد دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على فاطمة، فلما بصر علي (عليه السلام) برسول الله (صلى الله عليه وآله) سلم عليه وضحك في وجهه وأشار إليه أن خذني(4) واسقني مما سقيتني بالأمس قال: فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت فاطمة: عرفه ورب الكعبة قال: فلكلام فاطمة سمي ذلك اليوم يوم عرفة يعني(5) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) عرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما كان اليوم الثالث وكان العاشر من ذي الحجة أذن أبو طالب في الناس جامعا وقال:

هلموا إلى وليمة ابني علي. قال ونحر ثلاثمائة من الإبل وألف رأس من البقر والغنم واتخذ وليمة عظيمة وقال: معاشر الناس ألا من أراد من طعام علي ولدي فهلموا وطوفوا بالبيت سبعا سبعا(6) وادخلوا وسلموا على ولدي علي، فإن الله شرفه، ولفعل أبي طالب شرف يوم النحر(7).

____________

(1) في الأمالي والبحار: فوضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) لسانه في فيه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا. والآية في سورة البقرة: 60.

(2) في البحار: قال: ثم شدته وقمطته بقماط فبتر القماط. قال: فأخذت فاطمة قماطا جيدا فشدته به فبتر القماط.

(3) أدم وأدم: الجلد المدبوغ.

(4) في البحار: خذني إليك.

(5) في الأمالي: تعني.

(6) في الأمالي: وطوفوا بالبيت سبعا.

(7) الأمالي 2 / 317 - 320 ط: النجف، بحار الأنوار 35 / 35 - 39.


الصفحة 55

الباب الخامس

في نسبه عليه السلام

من طريق العامة والخاصة.


فمن طريق العامة ما رواه أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في مسند والده أحمد بن حنبل.

أخبرنا السيد الأجل العالم الطاهر الأوحد نقيب النقباء مجد الدين فخر الإسلام عز الدولة تاج الملة ذو المناقب مرتضى أمير المؤمنين أبو عبد الله أحمد بن الطاهر الأوحدي ذي المناقب أبي الحسن علي بن الطاهر الأوحد أبي الغنايم المعمر بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحسيني(1).

وعنه عن الشيخ الصالح أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم الصيرفي، عن الشيخ أبي طاهر محمد بن علي بن محمد بن يوسف المقري المعروف بابن العلاف، عن أبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال:

علي بن أبي طالب واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب واسم عبد المطلب شيبة بن هاشم واسم هاشم عمرو بن عبد مناف واسم عبد مناف المغيرة بن قصي واسم قصي زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن يشخب - وقيل أشخب - بن نبت بن قيدار بن إسماعيل، وإسماعيل أول من فتق لسانه بالعربية المبينة التي نزل بها القرآن، وأول من ركب الخيل وكانت وحوشا وهو ابن عرق الثرى خليل الله إبراهيم بن تارخ بن ناخور - وقيل التأخر - ابن ساروع بن أرغو بن فارغ وهو قاسم الأرض بين أهلها بن غابر وهو هود النبي (عليه السلام) بن شالخ بن ارفخشد وهو الراند(2) بن سام بن نوح بن لمك وهو في لغة العرب ملكان بن المتوشلخ وهو المثوب بن اخنح وهو إدريس (عليه السلام) النبي بن يرد وهو اليارد بن مهلائيل بن قينان بن انوش وهو

____________

(1) الصحيح: (محمد بن المعمر بن أبي الغنايم المعمر بن أحمد أبي عبد الله الحسيني) كما في عمدة الطالب ص 322 ط إيران.

(2) في المخطوطة: الراقد، وفي البحار: الرافد.


الصفحة 56
الطاهر بن شيث وهو هبة الله ويقال أيضا شاث بن آدم أبي البشر (عليه السلام)(1).

وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه كان يقول: " إذا وصل إلى إبراهيم (عليه السلام) كذب النسابون " يريد به ما بعد إبراهيم (عليه السلام).

وقيل إنه إنما قال ذلك (عليه السلام) إذا وصل النسب إلى معد بن عدنان(2) والله أعلم وإنما هذا هو النسب المتعارف.

ومن طريق الخاصة.

محمد بن علي بن بابويه قال: حدثنا علي بن عيسى المجاور - رضي الله عنه -(3) قال: حدثنا علي بن محمد بن بندار، عن أبيه، عن محمد بن علي المقري، عن محمد بن سنان، عن مالك بن عطية، عن ثوير بن سعيد، عن أبيه سعيد بن علاقة، عن الحسن البصري قال: صعد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) منبر البصرة فقال: " أيها الناس انسبوني، فمن عرفني فلينسبني وإلا فأنا أنسب نفسي ". أنا زيد بن عبد مناف بن عامر ابن عمرو بن المغيرة بن زيد بن كلاب. فقام إليه ابن الكواء(4) فقال(5): يا هذا ما نعرف لك نسبا غير أنك علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب. فقال له: " يا لكع(6) إن أبي سماني " زيدا " باسم جده " قصي " وإن اسم أبي " عبد مناف " فغلبت الكنية على الاسم، وإن اسم عبد المطلب " عامر " فغلب اللقب على الاسم، واسم هاشم " عمرو " فغلب اللقب على الاسم، واسم عبد مناف " المغيرة " فغلب اللقب على الاسم، وإن اسم قصي " زيد " فسمته العرب مجمعا لجمعه إياها من البلد الأقصى إلى مكة فغلب اللقب على الاسم "(7).

____________

(1) رواه عن عبد الله بن أحمد بن حنبل بهذا السند واللفظ ابن بطريق في العمدة: 11 ط إيران، وذكره المجلسي في البحار: 35 / 14 مرسلا.

(2) ذكر الشيخ ابن شهرآشوب في " المناقب ": 1 / 155، قال: وروي عنه (عليه السلام): إذا بلغ نسبي إلى عدنان فأمسكوا.

وأخرج ابن سعد في " الطبقات ": 1 ق 1 / 28، عن ابن عباس " إن النبي (عليه السلام) كان إذا انتسب لم يجاوز في نسبه معد بن عدنان بن أدد ثم يمسك ويقول: كذب النسابون، قال الله عز وجل: وقرونا بين ذلك كثيرا ".

(3) في معاني الأخبار: في مسجد الكوفة.

(4) هو عبد الله بن الكواء الخارجي.

(5) في معاني الأخبار: فقال له.

(6) اللكع: اللئيم، الأحمق.

(7) أمالي الصدوق: 540 ط النجف، معاني الأخبار: 120 - 121، بحار الأنوار 35 / 51 - 52.


الصفحة 57

الباب السادس

في تكنيته عليه السلام بأبي تراب

من طريق العامة


أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن والده قال: حدثنا علي بن بحر، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني يزيد بن محمد بن خيثم المحاربي، عن محمد بن كعب القرظي، عن محمد بن خيثم أبي يزيد، عن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وعلي رفيقين في غزوة ذات العشيرة فلما نزلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأقام بها رأينا ناسا من بني مدلج يعملون في عين لهم في نخل فقال لي علي: يا أبا اليقظان هل لك أن نأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة ثم غشينا النوم فانطلقت أنا وعلي فاضطجعنا في صور من النخل في دقعاء(1) من التراب فنمنا فوالله ما أهبنا إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحركنا برجله وقد تتربنا من تلك الدقعاء فيومئذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي: " يا أبا تراب " لما يرى عليه من التراب، قال: " ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين؟ " قلنا: بلى يا رسول الله قال: " أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه يعني قرنه حتى تبتل منه هذه يعني لحيته "(2).

قلت: وروي هذا الحديث إبراهيم بن محمد الحمويني في كتاب فرائد السمطين بإسناده المتصل عن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وعلي (عليه السلام) وساق الحديث إلى آخره(3).

ومن الجزء الأول من صحيح البخاري في باب نوم الرجل من المسجد في نصف المجلدة أو زيادة على ذلك من أجزاء ثمانية قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت فقال: " أين ابن عمك "؟

قالت: " كان بيني وبينه شئ فغاضبني فخرج فلم يقم عندي " فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لإنسان: " أنظر أين هو " فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسحه عنه ويقول: " قم أبا تراب قم أبا

____________

(1) الدقعاء: الأرض لا نبات بها. التراب.

(2) مسند أحمد 4 / 263.

(3) فرائد السمطين: 1 / 384 / ح 316.


الصفحة 58
تراب "(1).

ومن صحيح البخاري أيضا في الجزء الرابع من أجزاء ثمانية في ثلثه الأخير قال: حدثنا عبد الله ابن مسلمة، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أن رجلا جاء إلى سهل بن سعد فقال: هذا فلان لأمير المدينة يدعو عليا عند المنبر قال: فيقول ماذا؟ قال: يقول له أبو تراب، فضحك وقال: والله ما سماه إلا النبي (صلى الله عليه وآله) وما كان له اسم أحب إليه منه فاستعظمت الحديث سهلا وقلت يا أبا عباس كيف؟

قال: دخل علي على فاطمة ثم خرج فاضطجع في المسجد فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " أين ابن عمك قالت: " في المسجد " فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول: " اجلس يا أبا تراب مرتين "(2).

ومن صحيح مسلم في ثالث كراس من الجزء الرابع من أجزاء ستة في باب فضائل علي بن أبي طالب قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز - يعني ابن أبي حازم - عن أبي حازم، عن سهل ابن سعد قال: استعمل على المدينة رجل من آل مروان قال: فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم عليا قال: فأبى سهل فقال له: أما إذا أبيت فقل لعن الله أبا تراب فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب وإن كان ليفرح إذا دعي بها فقال له: أخبرنا عن قصته لم سمي أبا تراب؟ قال:

جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت فقال: " أين ابن عمك "؟ فقالت: " كان بيني وبينه شئ فغاضبني فخرج فلم يقم عندي " فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لإنسان: " انظر أين هو " فجاء فقال:

يا رسول الله هو في المسجد راقد فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسحه عنه ويقول: " قم أبا التراب، قم أبا التراب "(3).

ومن طريق المخالفين أيضا ما رواه أبو المؤيد موفق بن أحمد - وهو من أعيانهم - في كتاب فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: أنبأني سيد القراء أبو العلا الحسن بن أحمد العطار الهمداني قال:

أخبرنا أبو الحسن بن أحمد المقري، أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا سليمان بن أحمد

____________

(1) صحيح البخاري 1 / 114 ط - دار الطباعة العامرة - مصر.

قال العلامة الأميني (قدس سره) في الغدير 6 / 336، بعد ذكر الحديث: " عند الحفاظ في متن حديث سهل اضطراب ينبأ عن تصرف الأهواء فيه، وفي بعض ألفاظه إبهام المباغضة بين أمير المؤمنين وابنة عمه الطاهرة الصديقة فاطمة، وهما - سلام الله عليهما - بعيدان عن ذلك بما منحهما الله تعالى من العصمة بنص الكتاب الكريم ".

(2) صحيح البخاري 4 / 207 - 208 ط - دار الطباعة العامرة - مصر.

(3) صحيح مسلم 7: 123 - 124 - ط - المكتب التجاري.


الصفحة 59
الطبراني، حدثنا محمود بن محمد المروزي، حدثنا حامد بن آدم المروزي، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: لما آخا النبي (صلى الله عليه وآله) بين أصحابه وبين المهاجرين والأنصار فلم يؤاخ بين علي بن أبي طالب وبين أحد منهم، خرج علي (عليه السلام) مغضبا حتى أتى جدولا من الأرض فتوسد ذراعه وسفت عليه الريح فطلبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى وجده فوكزه برجله فقال له: " قم فما صلحت إلا أن تكون أبا تراب، أغضبت علي حين واخيت بين المهاجرين والأنصار ولم أواخ بينك وبين أحد منهم؟ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي، ألا من أحبك حف بالأمن والإيمان، ومن أبغضك(1) أماته الله ميتة جاهلية وحوسب بعمله في الإسلام "(2).

____________

(1) في المخطوطة: أغضبك.

(2) مناقب الخوارزمي: 7.

وذكر ذلك العلامة الأميني في الغدير 3 / 200 وأفرد لها بحثا في: 6 / 333، جمع فيه طرقها ومصادرها وقال:

" وهذا الحديث صحيح السند مما استدرك به الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، وصححه الهيثمي، أخرجه إمام الحنابلة في مسنده 4 / 263 والحاكم في المستدرك 3 / 140، والطبري في تاريخه 2 / 261، وابن هشام في السيرة النبوية 2 / 236، وابن كثير في تاريخه 3 / 247، والهيثمي في المجمع 9: 136، والسيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه 6 / 399، والعيني في عمدة القاري 7: 630 ويجده القارئ من المتسالم عليه في طبقات ابن سعد: 509، وعيون الأثر لابن سيد الناس 1 / 226، والإمتاع للمقريزي 1: 55، والسيرة الحلبية 2 / 142، وتاريخ الخميس 2 / 364، ومجمع الزوائد 9:..، والفصول المهمة لابن صباغ: 22، وكفاية الطالب: 82، وتاريخ الطبري 2 / 363، والسنن الكبرى للبيهقي 2 / 446، وتذكرة سبط ابن الجوزي: 4، ونزل الأبرار: 15، والإصابة 2 / 509 ".


الصفحة 60

الباب السابع

في تكنيته (عليه السلام) بأبي تراب

من طريق الخاصة


ابن بابويه قال: حدثني أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، قال: حدثنا أبو الحسن العبدي، عن سليمان بن مهران عن عباية بن ربعي قال: قلت لعبد الله بن عباس: لم كنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) أبا تراب؟ قال: لأنه صاحب الأرض، وحجة الله على أهلها بعده، وبه بقاؤها، وإليه سكونها، وقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " إنه إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ما أعد الله تبارك وتعالى لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة قال: يا ليتني كنت ترابا(1)، أي من شيعة علي(2) وذلك قول الله عز وجل: * (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) *(3).

وعنه قال: حدثني الحسين بن يحيى بن ضريس، عن معاوية بن صالح بن ضريس البجلي قال:

حدثنا أبو عوانة(4) قال: حدثنا محمد بن يزيد وهشام الرباعي(5) قال: حدثني عبد الله بن ميمون الطهوي، قال: حدثنا ليث، عن مجاهد عن ابن عمر قال: بينا أنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) في نخيل المدينة وهو يطلب عليا (عليه السلام) إذا انتهى إلى حائط فاطلع فيه فنظر إلى علي (عليه السلام) وهو يعمل في الأرض وقد اغبار فقال: " ما ألوم الناس أن يكنوك أبا تراب "، فلقد رأيت عليا عفر(6) وجهه وتغير لونه، واشتد ذلك عليه فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " ألا أرضيك يا علي "؟ قال: " نعم يا رسول الله " فأخذ بيده فقال: " أنت أخي ووزيري وخليفتي في أهلي(7) تقضي ديني وتبرئ ذمتي، من أحبك في حياة مني فقد قضى له بالجنة، ومن أحبك في حياة منك بعدي ختم الله له بالأمن والإيمان، ومن أحبك بعدك ولم يرك ختم الله له بالأمن والإيمان وآمنه يوم الفزع الأكبر، ومن مات وهو يبغضك يا علي مات ميتة

____________

(1) في هامش معاني الأخبار وفي البحار: ترابيا.

(2) في معاني الأخبار والبحار: أي يا ليتني كنت من شيعة علي.

(3) النبأ: 40، والحديث يوجد في معاني الأخبار: 120، علل الشرائع: 63، البحار 35 / 51.

(4) في البحار: عن معاوية بن صالح، عن أبي عوانة.

(5) في علل الشرائع: الزراعي، وفي البحار: الزواعي.

(6) في علل الشرائع: تمغر.

(7) في علل الشرائع: وخليفتي بعدي في أهلي.


الصفحة 61
جاهلية يحاسبه الله عز وجل بما عمل في الإسلام "(1).

وعنه قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي السكري، قال:

حدثنا الحسين بن حسان العبدي قال: حدثنا عبد العزيز ابن مسلم، عن يحيى بن عبد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الفجر ثم قام بوجه كئيب وقمنا معه حتى صار إلى منزل فاطمة - صلوات الله عليها - فأبصر عليا نائما بين يدي الباب على الدقعاء فجلس النبي (صلى الله عليه وآله) فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول: " قم فداك أبي وأمي يا أبا تراب "، ثم أخذ بيده ودخلا منزل فاطمة فمكثا [ فمكثنا ] هنية ثم سمعنا ضحكا عاليا، ثم خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بوجه مشرق فقلنا: يا رسول الله دخلت بوجه كئيب وخرجت بخلافه؟ فقال: " كيف لا أفرح وقد أصلحت بين اثنين أحب أهل الأرض إلى(2) أهل السماء "(3).

وعنه قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا الحسن بن علي بن الحسين السكري، قال: حدثنا عثمان بن عمران، قال: حدثنا عبد الله(4) بن موسى عن عبد العزيز، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: كان بين علي وفاطمة (عليهما السلام) كلام فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكان هناك مثال(5) فاضطجع عليه فجاءت فاطمة (عليها السلام) فاضطجعت من جانب، وجاء علي (عليه السلام) فاضطجع من جانب فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده فوضعها على سرته وأخذ يد فاطمة فوضعها على سرته فلم يزل حتى أصلح بينهما ثم خرج فقيل له: يا رسول دخلت وأنت على حال، وخرجت ونحن نرى البشرى في وجهك؟ قال: " ما يمنعني وقد أصلحت بين اثنين أحب من على وجه الأرض [ إلي ] ".

قلت: قال ابن بابويه عقيب هذا الحديث: قال محمد بن علي بن الحسين: ليس هذا الخبر عندي بمعتمد، ولا هو لي بمعتقد(6) لأن عليا وفاطمة (عليهما السلام) ما كان ليقع بينهما كلام يحتاج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الإصلاح بينهما، لأنه (عليه السلام) سيد الوصيين، وهي سيدة نساء العالمين، مقتديان بنبي الله (صلى الله عليه وآله) في حسن الخلق، لكنه اعتمد في ذلك(7) على ما حدثني به أحمد بن الحسن القطان وذكر الحديث الذي ذكرناه في أول الباب(8).

____________

(1) علل الشرائع: 57، وفيه: يحاسبه الله بها في الإسلام، بحار الأنوار 35 / 50.

(2) في علل الشرائع: إلى والى.

(3) علل الشرائع: 155 ط - النجف.

(4) في علل الشرائع: عبيد الله.

(5) في علل الشرائع: والقى له مثال. والمثال: الفراش الذي ينام عليه.

(6) في علل الشرائع: ولا هو لي بمعتقد في هذه العلة.

(7) في المخطوطة: لكني أعتمد من طريق العامة في ذلك.

(8) علل الشرائع:: 156 ط النجف.


الصفحة 62

الباب الثامن

في أنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وأمير البررة

من طريق العامة وفيه اثنان وأربعون حديثا


الأول: أبو المؤيد موفق بن أحمد أخطب خوارزم من أعيان علماء المخالفين في كتاب فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) - وكلما في هذا الكتاب عنه فهو منه - قال: أنبأني الإمام صدر الحفاظ أبو العلاء الحسن بن أحمد العطار الهمداني، أخبرنا الحسين(1) بن أحمد المقري، أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن مخلد، حدثنا محمد - وهو ابن عثمان - عن شيبة(2)، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، حدثنا علي بن عابس(3) عن الحرث بن الحصين، عن القسم(4) بن جندب، عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يا أنس اسكب لي وضوءا " ثم قام فصلى ركعتين ثم قال: " يا أنس، أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين " قال: قلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار وكتمته، إذ جاء علي (عليه السلام) فقال: " من هذا يا أنس "؟ فقلت: علي(5) فقام مستبشرا فاعتنقه، ثم جعل يمسح عرق وجه علي عن وجهه(6) فقال علي: " يا رسول الله لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعت بي من قبل "(7)؟ قال:

" وما يمنعني وأنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي "(8).

الثاني: أبو المؤيد أيضا قال: أخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي، عن الشريف أبي طالب المفضل(9) بن محمد بن طاهر الجعفري بإصبهان، عن الحافظ

____________

(1) في مناقب الخوارزمي: الحسن.

(2) في مناقب الخوارزمي: حدثني محمد بن عثمان بن أبي شيبة.

(3) في مناقب الخوارزمي: علي بن عباس.

(4) في مناقب الخوارزمي: القاسم.

(5) في مناقب الخوارزمي: جاء علي.

(6) في مناقب الخوارزمي: يمسح عرق وجهه، ويمسح عرق وجه علي على وجهه.

(7) في مناقب الخوارزمي: ما صنعته.

(8) ذكره الخوارزمي في كتابيه المناقب: 42 ط. النجف ومقتل الحسين: 1 / 46، وحلية الأولياء: 1 / 63 مع اختلاف يسير في ألفاظهما.

(9) في مناقب الخوارزمي: وأخبرني شهردار هذا إجازة، أخبرني عبدوس هذا إجازة عن الشريف أبي طالب الفضل.


الصفحة 63
أبي بكر محمد(1) بن موسى بن مردويه بن فورك الإصبهاني، حدثني عبد الله بن محمد بن يزيد، حدثني محمد بن أبي يعلى، حدثني إسحاق بن إبراهيم بن شاذان، حدثني زكريا بن الحسين(2) أبو علي الخزاز البصري، حدثني مندل بن علي، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيته فغدا عليه علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - بالغداة وكان يحب أن لا يسبقه إليه أحد، فدخل فإذا النبي في صحن البيت فإذا(3) رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي، فقال: السلام عليك كيف أصبح رسول الله؟ قال: " بخير يا أخا رسول الله " فقال(4) علي: " جزاك الله عنا أهل البيت خيرا "، قال له دحية: إني أحبك، وإن لك عندي مدحة أزفها إليك، أنت أمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، أنت سيد ولد آدم يوم القيامة ما خلا النبيين والمرسلين ولواء الحمد بيدك يوم القيامة تزف أنت وشيعتك يوم القيامة مع محمد وحزبه إلى الجنة زفافا، قد أفلح من تولاك وخسر من تخلاك(5)، محب محمد محبوك، ومبغضوك لن تنالهم شفاعة محمد، أدن مني صفوة الله فأخذ رأس النبي فوضعه في حجره(6) فقال النبي: " ما هذه الهمهمة "؟ فأخبره علي (عليه السلام) بما جرى فقال: " يا علي لم يكن دحية ولكن كان جبرئيل(7) سماك باسم سماك الله به فهو الذي ألقى محبتك في صدور المؤمنين ورهبتك في صدور الكافرين "(8).

قلت: وروي الحديث السابق من طريق العامة - أيضا - إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيانهم قال: أخبرنا العدل الصالح رشيد الدين محمد بن عمر بن أبي القسم المقري بقرائتي عليه ببغداد إجازة بروايته، عن شيخ الإسلام شهاب الدين عمر بن محمد بن عبد الله السهروردي - رضي الله عنه - قال: نبأنا محمد بن عبد الباقي بن سلمان(9) سماعا، أنبأنا أحمد بن عبد الله(10) قال: نبأنا محمد ابن أحمد بن علي، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، حدثنا علي بن محمد بن عابس، عن الحرث بن حصيرة، عن القاسم(11) ابن جندب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يا أنس اسكب لي وضوءا "، ثم قام فصلى ركعتين ثم قال:

____________

(1) في مناقب الخوارزمي: أحمد.

(2) في مناقب الخوارزمي: زكريا بن يحيى.

(3) في مناقب الخوارزمي: الدار وإذا.

(4) في مناقب الخوارزمي: قال له.

(5) في مناقب الخوارزمي: وخاب وخسر من عاداك.

(6) في مناقب الخوارزمي: فوضعه في حجره وذهب، فرفع رسول الله رأسه.

(7) في مناقب الخوارزمي: ليس هو دحية الكلبي هو جبرائيل.

(8) مناقب الخوارزمي: 231 ط. النجف.

(9) في فرائد السمطين: سليمان.

(10) في فرائد السمطين: أنبأنا أحمد بن أحمد أنا أحمد بن عبد الله.

(11) في فرائد السمطين: القسم.