معاشر الناس: قد ضل قبلكم أكثر الأولين، والله قد أهلك الأولين وهو مهلك الآخرين(1).
معاشر الناس: إن الله قد أمرني ونهاني، وقد أمرت عليا ونهيته، فعلم الأمر والنهي من ربه عز وجل، فاسمعوا لأمره تسلموا، وأطيعوا تهتدوا، وانتهوا لنهيه ترشدوا، وصيروا إلى مراده ولا تتفرق بكم السبل عن سبيله.
معاشر الناس: أنا صراط الله المستقيم الذي أمركم الله باتباعه، ثم علي من بعدي، ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون، ثم قرأ * (الحمد لله رب العالمين) *(2) إلى آخرها وقال: في نزلت وفيهم نزلت ولهم عمت وإياهم خصت أولئك أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون:
* (ألا إن حزب الله هم الغالبون) * ألا إن أعداء علي أهل الشقاق العادون، وإخوان الشياطين الذي يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ألا إن أولياؤهم هم المؤمنون الذين ذكرهم في كتابه فقال عز وجل: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) *(3) إلى آخر الآية، ألا أولياؤهم الذين وصفهم الله عز وجل فقال: * (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) *(4) ألا إن أولياؤهم الذين يدخلون الجنة آمنين، وتتلقاهم الملائكة بالتسليم أن طبتم فادخلوها خالدين، ألا إن أولياؤهم الذين قال الله عز وجل: * (يدخلون الجنة بغير حساب) *(5) ألا إن أعداءهم يصلون سعيرا، ألا إن أعداءهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا وهي تفور ولها زفير كلما دخلت أمة لعنت أختها، ألا إن أعداءهم الذين قال الله عز وجل: * (كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير) *(6) ألا إن أولياءهم الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير.
معاشر الناس: شتان ما بين السعير والجنة، عدونا من ذمه الله ولعنه، وولينا من مدحه الله وأحبه.
معاشر الناس: ألا وإني منذر وعلي هاد.
____________
(1) في الاحتجاج: قال تعالى: * (ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين * كذلك نفعل بالمجرمين * ويل يومئذ للمكذبين) *. (المرسلات: 16 - 19).
(2) الفاتحة: 2.
(3) المجادلة: 22.
(4) الأنعام: 82.
(5) المؤمن: 40. ونص الآية: * (فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) *.
(6) الملك: 8 - 11. وفي الاحتجاج: * (كلما ألقي فيها قوم سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جائنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ إن أنتم إلا في ضلال مبين) *. وفي البحار: * (كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير) * إلى قوله: * (فسحقا لأصحاب السعير) *.
معاشر الناس: قد بينت لكم وأفهمتكم، وهذا علي يفهمكم بعدي، ألا وإن عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي على بيعته والإقرار به، ثم مصافقته بعدي، ألا إني قد بايعت الله وعلي قد بايعني، وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله عز وجل: * (ومن نكث فإنما ينكث على نفسه) *(2) الآية.
معاشر الناس: * (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) *(3).
معاشر الناس: فما ورده(4) أهل بيت إلا استغنوا، ولا تخلفوا عنه إلا افتقروا.
معاشر الناس: ما وقف بالموقف مؤمن إلا غفر الله له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك، فإذا انقضت حجته استونف عمله(5).
معاشر الناس: الحجاج معانون ونفقاتهم مخلفة * (والله لا يضيع أجر المحسنين) *.
معاشر الناس: حجوا البيت بكمال الدين والتفقه ولا تتفرقوا(6) عن المشاهد إلا بتوبة وإقلاع.
معاشر الناس: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة كما أمركم الله عز وجل، فإن طال عليكم الأمد فقصرتم أو نسيتم فعلي وليكم ومبين لكم الذي نصبه الله عز وجل بعدي، ومن خلفه الله مني ومنه(7)، يخبركم بما تسألون عنه، ويبين لكم ما لا تعلمون، ألا إن الحلال والحرام أكثر من أن
____________
(1) يسم الشئ: يجعل له علامة يعرف بها.
(2) الفتح: 10.
(3) البقرة: 158.
(4) في الاحتجاج: حجوا البيت فما ورده.
(5) في البحار: انقضت حجه استونف عليه عمله.
(6) في الاحتجاج والبحار: ولا تنصرفوا.
(7) في البحار: ومن خلقه الله مني وأنا منه.
معاشر الناس: كل حلال دللتكم عليه وكل حرام نهيتكم عنه فإني لم أرجع عن ذلك ولم أبدل، ألا فاذكروا ذلك واحفظوه وتواصوا به ولا تبدلوه ولا تغيروه، ألا وإني أجدد القول، ألا فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، إن رأس الأمر بالمعروف أن تنتهوا إلى قولي وتبلغوه من لم يحضره وتأمروه بقبوله وتنهوه عن مخالفته، فإنه أمر من الله عز وجل ومني، ولا أمر بمعروف ولا نهي منكر إلا مع إمام معصوم.
معاشر الناس: القرآن يعرفكم إن الأئمة من بعده ولده، وعرفتكم أنهم مني ومنه حيث يقول الله عز وجل: * (وجعلها كلمة باقية في عقبه) *(1) وقلت: لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما.
معاشر الناس: التقوى التقوى، احذروا الساعة كما قال الله عز وجل: * (إن زلزلة الساعة شئ عظيم) *(2) اذكروا الممات والحساب والموازين والمحاسبة بين يدي رب العالمين والثواب والعقاب، فمن جاء بالحسنة أثيب ومن جاء بالسيئة فليس له في الجنان نصيب.
معاشر الناس: إنكم أكثر من أن تصافقوني بكف واحدة، أمرني الله عز وجل أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدت لعلي بإمرة المؤمنين، ومن جاء بعده من الأئمة مني ومنه على ما أعلمتكم أن ذريتي من صلبه، فقولوا بأجمعكم إنا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلغت عن ربنا وربك في أمر علي وأمر ولده من صلبه من الأئمة نبايعك على ذلك بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وأيدينا، على ذلك نحيا ونموت ونبعث، لا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نرتاب، ولا نرجع عن عهد ولا ننقض الميثاق ونطيع الله ونطيعك وعليا أمير المؤمنين وولده الأئمة الذين ذكرتهم من ذريتك من صلبه بعد الحسن والحسين، الذين قد عرفتكم مكانهما مني ومحلهما عندي ومنزلتهما من ربي عز وجل، فقد أديت ذلك إليكم وأنهما سيدا شباب أهل الجنة، وأنهما الإمامان بعد أبيهما علي وأنا أبوهما قبله، فقولوا: أطعنا الله بذلك وإياك وعليا والحسن والحسين والأئمة الذين ذكرت، عهدا وميثاقا مأخوذا لأمير المؤمنين من قلوبنا وأنفسنا وألسنتنا ومصافحة(3) أيدينا - من أدركهما بيده وأقر بهما بلسانه - لا نبتغي بذلك بدلا ولا نرى من أنفسنا
____________
(1) الزخرف: 28.
(2) الحج: 1.
(3) في الاحتجاج والبحار: ومصافقة.
معاشر الناس: ما تقولون؟ فإن الله يعلم كل صوت وخافية كل نفس * (فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها) *(2) ومن بايع فإنما يبايع الله * (يد الله فوق أيديهم) *(3).
معاشر الناس: فاتقوا الله وبايعوا عليا أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمة كلمة باقية، يهلك الله من غدر، ويرحم من وفى * (ومن نكث فإنما ينكث على نفسه) *(4) الآية.
معاشر الناس: قولوا الذي قلت لكم، وسلموا على علي بإمرة المؤمنين، وقولوا: * (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) *(5) وقولوا: * (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) *(6).
معاشر الناس: إن فضائل علي بن أبي طالب عند الله عز وجل، وقد أنزلها في القرآن أكثر من أن أحصيها في مقام واحد فمن أنبأكم بها وعرفها فصدقوه.
معاشر الناس: من يطع الله ورسوله وعليا والأئمة الذين ذكرتهم فقد فاز فوزا عظيما.
معاشر الناس: السابقون إلى مبايعته وموالاته والتسليم عليه بإمرة المؤمنين، أولئك الفائزون في جنات النعيم.
معاشر الناس: قولوا ما يرضي الله عنكم من القول، * (فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فلن يضر الله شيئا) *(7) اللهم اغفر للمؤمنين واغضب على الكافرين والحمد لله رب العالمين ".
فناداه القوم: سمعنا وأطعنا على أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا وتداكوا(8) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى علي وصافقوا بأيديهم، فكان أول من صافق رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأول والثاني والثالث والرابع والخامس وباقي المهاجرين والأنصار، وباقي الناس على طبقاتهم وقدر منازلهم، إلى أن صليت العشاء والعتمة في وقت واحد، وواصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول، كلما بايع قوم: " الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين، وصارت المصافقة سنة ورسما يستعملها من ليس له حق فيها ".
____________
(1) في البحار حولا أبدا، نحن نؤدي ذلك عنك الداني والقاصي من أولادنا وأهلينا.
(2) الزمر: 39.
(3) الفتح: 10.
(4) الفتح: 10.
(5) البقرة: 285.
(6) الأعراف: 43.
(7) آل عمران: 144.
(8) تداك عليه القوم: ازدحموا.
قال: فالتفت إليه عمر حين سمع كلامه فأعجبته هيئته ثم التفت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: أما سمعت ما قال هذا الرجل كذا وكذا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عمر أتدري من ذاك الرجل؟ قال: لا، قال: ذلك الروح الأمين جبرائيل فإياك أن تحله، فإنك إن فعلت فالله ورسوله وملائكته والمؤمنون منك براء "(1).
وهذه الخطبة متكررة في الكتب وقد ذكرها الشيخ الفاضل محمد بن أحمد بن علي المعروف بابن الفارسي في روضة الواعظين(2).
الحادي والأربعون: الشيخ الطوسي في التهذيب، عن أبي عبد الله بن عياش قال: حدثني أحمد بن زياد الهمداني وعلي بن محمد التستري قالا: حدثنا محمد بن ليث المكي قال: حدثني أبو إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي قال: دخل في صدري(3) ما الأيام التي تصام؟ فقصدت مولانا أبا الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) وهو بصريا(4) ولم أبد ذلك لأحد من خلق الله فدخلت عليه فلما بصر بي قال (عليه السلام): " يا أبا إسحاق جئت تسألني عن الأيام التي يصام فيهن؟ وهي أربعة: أولهن يوم السابع والعشرين من رجب يوم بعث الله تعالى محمدا (صلى الله عليه وآله) إلى خلقه رحمة للعالمين، ويوم مولده (صلى الله عليه وآله) [ بمكة ] وهو السابع عشر من شهر ربيع الأول، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة فيه دحيت الكعبة، ويوم الغدير فيه أقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخاه عليا (عليه السلام) علما للناس وإماما من بعده "، قلت: صدقت جعلت فداك لذلك أشهد أنك حجة الله على خلقه(5).
الثاني والأربعون: وعنه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن ابن راشد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: أللمسلمين(6) عيد غير هذين العيدين؟ قال: " نعم يا حسن أعظمهما وأشرفهما "، قال: قلت: وأي يوم هو؟ قال: " هو يوم نصب أمير المؤمنين فيه علما للناس "، قال: قلت: جعلت فداك وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟ قال: " تصومه يا حسن وتكثر من
____________
(1) الاحتجاج: 1 / 66 - 84. البحار: 37 / 201 - 219.
(2) روضة الواعظين ص 89 - 99. ط - النجف 1386 هـ.
(3) في المصدر: وحك في صدري.
(4) صريا: قرية على ثلاثة أميال من المدينة.
(5) التهذيب: 4 / 305 - 306. ط - النجف.
(6) في المصدر: جعلت فداك أللمسلمين.
" صيام ستين شهرا ولا تدع صيام سبعة وعشرين من رجب فإنه اليوم الذي نزلت فيه النبوة على محمد (صلى الله عليه وآله) وثوابه مثل ستين شهرا لكم "(2).
الثالث والأربعون: الشيخ الطوسي في التهذيب عن الحسين بن الحسن الحسني قال: حدثنا محمد بن موسى الهمداني قال: حدثنا علي بن حسان الواسطي قال: حدثنا علي بن الحسين العبدي قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: " صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا لو عاش إنسان ثم صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك، وصيامه يعدل عند الله عز وجل في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات، وهو عيد الله الأكبر، وما بعث الله عز وجل نبيا(3) إلا وتعيد في هذا اليوم وعرف حرمته، واسمه في السماء يوم العهد المعهود، وفي الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود، ومن صلى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة، يسأل الله عز وجل يقرأ في كل ركعة سورة الحمد مرة وعشر مرات قل هو الله أحد وعشر مرات آية الكرسي وعشر مرات إنا أنزلناه، عدلت عند الله عز وجل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة، وما سأل الله عز وجل حاجة من حوائج الدنيا وحوائج الآخرة إلا قضيت له كائنة ما كانت الحاجة، وإن فاتتك الركعتان والدعاء قضيتها بعد ذلك، ومن فطر فيه مؤمنا كان كمن أطعم فئاما وفئاما وفئاما(4) فلم يزل يعد إلى أن عقد بيده عشرا، ثم قال: أتدري كم الفئام؟
قلت: لا، قال: مائة ألف كل فئام، كان له ثواب من أطعم بعددها من النبيين والصديقين والشهداء في حرم الله عز وجل وسقاهم في يوم ذي مسغبة والدرهم فيه بألف ألف درهم. قال: لعلك ترى أن الله عز وجل خلق يوما أعظم حرمة منه، لا والله لا والله، ثم قال: وليكن من قولكم إذ التقيتم أن تقولوا: الحمد لله الذي أكرمنا بهذا اليوم وجعلنا من الموفين بعهده إلينا وميثاقه الذي واثقنا به من ولاية ولاة أمره والقوام بقسطه ولم يجعلنا من الجاحدين والمكذبين بيوم الدين.
ثم قال: وليكن من دعائك في دبر هاتين الركعتين أن تقول: * (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا) * إلى قوله: * (إنك لا تخلف الميعاد) *(5).
____________
(1) في المصدر: وتكثر فيه الصلاة.
(2) التهذيب: 4 / 305.
(3) في المصدر: نبيا قط.
(4) الفئام: الجماعة من الناس.
(5) آل عمران: 193. وفي المصدر ذكر تمام الآية وهي: * (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع البرار * ربنا واتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد) *.
____________
(1) الزخرف: 4.
(2) المائدة: 3.
اللهم فلك الحمد على إنعامك علينا بالذي هديتنا إلى ولاية ولاة أمرك من بعد نبيك الأئمة الهداة الراشدين الذين جعلتهم أركان لتوحيدك وأعلام الهدى ومنار التقوى والعروة الوثقى وكمال دينك وتمام نعمتك فلك الحمد، آمنا بك وصدقنا نبيك واتبعنا من بعده النذير ووالينا وليهم وعادينا عدوهم وبرئنا من الجاحدين والناكثين والمكذبين إلى يوم الدين.
اللهم فكما كان من شأنك يا صادق الوعد يا من لا يخلف الميعاد يا من هو كل يوم في شأن أن أنعمت علينا بموالاة أوليائك المسؤول عنها عبادك فإنك قلت وقولك الحق: * (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) *(2) وقلت: * (وقفوهم إنهم مسؤولون) *(3) ومننت علينا بشهادة الإخلاص لك بموالاة أوليائك الهداة من بعد النذير المنذر والسراج المنير وأكملت الدين بموالاتهم والبراءة من عدوهم، وأتممت علينا النعمة التي جددت لنا عهدك فذكرتنا ميثاقك المأخوذ منا في مبتدأ خلقك إيانا وجعلتنا من أهل الإجابة، وذكرتنا العهد والميثاق ولم تنسنا ذكرك، فإنك قلت: * (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) * شهدنا بمنك ولطفك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت ربنا ومحمد عبدك ورسولك نبينا وعلي أمير المؤمنين والحجة العظمى وآيتك الكبرى والنبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون.
اللهم فكما كان من شأنك أن أنعمت علينا بالهداية إلى معرفتهم فليكن من شأنك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تبارك لنا في يومنا هذا الذي ذكرتنا فيه عهدك وميثاقك وأكملت ديننا وأتممت علينا نعمتك وجعلتنا من أهل الإجابة والإخلاص بوحدانيتك ومن أهل الإيمان والتصديق بولاية أوليائك والبراءة من أعدائك وأعداء أوليائك الجاحدين المكذبين بيوم الدين.
وأن لا تجعلنا من الغاوين ولا تلحقنا بالمكذبين بيوم الدين، واجعل لنا قدم صدق مع المتقين وتجعل لنا من المتقين إماما إلى يوم الدين، يوم يدعى كل أناس بإمامهم، واحشرنا في زمرة الهداة المهديين، وأحينا ما أحييتنا على الوفاء بعهدك وميثاقك المأخوذ منا وعلينا لك، واجعل
____________
(1) بتك: أي قطع.
(2) التكاثر: 8.
(3) الصافات: 24.
اللهم واجعل محيانا خير المحيا ومماتنا خير الممات ومنقلبنا خير المنقلب حتى توفانا وأنت عنا راض قد أوجبت لنا حلول جنتك برحمتك والمثوى في دارك والإنابة إلى دار المقامة من فضلك لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب. ربنا إنك أمرتنا بطاعة ولاة أمرك، وأمرتنا أن نكون مع الصادقين فقلت: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) *(1) وقلت: * (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) *(2) فسمعنا وأطعنا ربنا فثبت أقدامنا وتوفنا مسلمين مصدقين لأوليائك ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
اللهم إني أسألك بالحق الذي جعلته عندهم وبالذي فضلتهم على العالمين جميعا أن تبارك لنا في يومنا هذا الذي أكرمتنا فيه وأن تتم علينا نعمتك وتجعله عندنا مستقرا ولا تسلبناه أبدا ولا تجعله مستودعا فإنك قلت: * (فمستقر ومستودع) *(3) فاجعله مستقرا ولا تجعله مستودعا، وارزقنا نصر دينك مع ولي هاد منصور من أهل بيت نبيك، واجعلنا معه وتحت رايته شهداء صديقين في سبيلك وعلى نصرة دينك ". ثم تسأل بعدها حاجتك للآخرة والدنيا فإنها والله مقضية في هذا اليوم إن شاء الله تعالى(4).
قلت: على هذا نقتصر من روايات الخاصة، والروايات في قصة غدير خم لا تحصى من طريق الخاصة والعامة.
قال الشيخ الفاضل محمد بن علي بن شهرآشوب في فصل قصة غدير خم من كتابه، قال:
العلماء مطبقون على قبول هذا الخبر وإنما وقع الخلاف في تأويله [ وقد بلغ في الانتشار والاشتهار إلى حد لا يوازي به خبر من الأخبار وضوحا وبيانا وظهورا وعرفانا حتى لحق في المعرفة والبيان بالعلم بالحوادث الكبار والبلدان فلا يدفعه إلا جاحد ولا يرده إلا معاند وأي خبر من الأخبار جمع في روايته ومعرفة طرقه أكثر من ألف مجلد من تصانيف العامة والخاصة من المتقدمين والمتأخرين ](5) ذكره محمد بن إسحاق(6)، وأحمد البلاذري(7) ومسلم بن الحجاج(8)، وأبو نعيم
____________
(1) النساء: 59.
(2) التوبة: 119. ونص الآية: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) *.
(3) الأنعام: 98.
(4) التهذيب: 3 / 143 - 147.
(5) الجملة بين المعقوفتين غير موجودة في النسخة المطبوعة من المصدر.
(6) الحافظ محمد بن إسحاق المدني المتوفى 151 ر 152.
(7) الحافظ أحمد بن يحيى البلاذري المتوفى 279.
(8) الحافظ مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري صاحب الصحيح المتوفى 261.
____________
(1) الحافظ أحمد بن عبد الله أبو نعيم الإصبهاني المتوفى 430.
(2) الحافظ علي بن عمر بن أحمد الدارقطني المتوفى 385.
(3) الحافظ أحمد بن موسى بن مردويه الإصبهاني أبو بكر المتوفى 416.
(4) أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن أيوب البغدادي المتوفى 385.
(5) المتكلم القاضي محمد بن الطيب بن محمد أبو بكر الباقلاني المتوفى 403.
(6) إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله الجويني النيسابوري المتوفى 478.
(7) أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري المتوفى 427 ر 37.
(8) عبد الملك بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الحافظ المفسر المتوفى 407.
(9) عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد بن منصور المروزي الفقيه المحدث المتوفى 617.
(10) الحافظ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي الكوفي المتوفى 235.
(11) الحافظ أبو الحسن علي بن الجعد بن عبيد الهاشمي الجوهري المحدث المتوفى 230.
(12) الحافظ شعبة بن الحجاج أبو بسطام الواسطي نزيل البصرة المتوفى 160.
(13) أحمد بن محمد بن عبيد الله (عبد الله) بن الحسن بن عياش الجوهري المتوفى 401.
(14) الظاهر هو أحمد بن محمد بن أحمد بن شعيب الشعبي الحنفي المتوفى 357.
(15) أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله القرشي المتوفى 124.
(16) أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن سالم التميمي البغدادي المتوفى 355.
(17) الحافظ محمد بن عبد الله بن محمد أبو عبد الله الحاكم الضبي المعروف بابن النيسابوري المتوفى 405.
(18) الحافظ أبو عبد الله عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني المتوفى 273.
(19) أبو عمر أحمد بن عبد ربه القرطبي المتوفى 328.
(20) شريك بن عبد الله أبو عبد الله النجعي الكوفي المتوفى 177.
(21) الحافظ أحمد بن علي الموصلي أبو يعلي صاحب المسند الكبير المتوفى 307.
(22) في المصدر: من أربعين طريقا.
(23) الحافظ عبيد الله بن محمد العكبري البطي الحنبلي المتوفى 387.
(24) في المصدر: وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقا في كتاب الولاية. وأبو العباس بن عقدة من مائة وخمس طرق، وأبو بكر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقا، وقد صنف..
ولقد رواه أبو العباس بن عقدة وقال صاحب الحديث (رحمه الله): سمعت أبا علي العطار الهمداني يقول: أروي هذا الحديث على مائتي وخمسين طريقا وقال: قال جدي شهر بن آشوب: سمعت أبا المعالي الجويني يتعجب ويقول: شاهدت مجلدا ببغداد في يدي صحاف فيه روايات هذا الخبر مكتوبا عليه المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله: " من كنت مولاه فعلي مولاه " ويتلوه في المجلدة التاسعة والعشرين..
أقول: قد ذكر جمع من العلماء الأفاضل أن معنى الولي والمولى معنى واحد وهو الأولى بالتصرف في أمور المسلمين الواجب عليهم طاعته في أوامره ونواهيه، وهو معنى الإمام والخليفة، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة يطول الكتاب بذكرها، وذكر رواة هذا الحديث يطول الكتاب بذكرهم اقتصرنا على هذا القدر، ومن أراد الوقوف على ذلك مما لا مزيد عليه فعليه بكتاب " الشافي " للسيد المرتضى علم الهدى(4) فإنه قد بلغ النهاية في ذلك، وعليه بكتاب الشيخ الفاضل يحيى بن الحسن المعروف بابن البطريق في كتاب " العمدة "(5) وعليه بكتاب " الطرايف "(6) للسيد الجليل أبي القاسم بن طاوس، وكتاب الشيخ محمد بن علي بن شهرآشوب(7) فإن في هذه الكتب بل في بعضها ما هو غنية للمصنف. والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق.
وقد ذكروا من رواة هذا الخبر أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير وساقوا ذكر الرواة من الصحابة وغيرهم.
انتهى القسم الأول من الجزء الأول ويليه القسم الثاني وأوله الباب الثامن عشر.
____________
(1) الحافظ أبو العباس بن عقدة المتوفى 333.
(2) الجملة بين المعقوفتين غير موجود في المصدر.
(3) مناقب آل أبي طالب: 3 / 25.
(4) السيد المرتضى ذو المجدين أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي النقيب المتوفى 436.
(5) الفقيه المتكلم شرف الإسلام شمس الدين يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد الأسدي الحلي الواسطي الربعي المتوفى 600.
(6) طبع في إيران عام 1302 هج بالقطع الوزيري في 176 صفحة.
(7) إشارة إلى كتاب " مناقب آل أبي طالب " يقع في أربعة أجزاء طبع بإيران مكررا.