الباب الحادي والثلاثون
في قوله تعالى * (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة
فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) *(1)
الحديث الأول: إبراهيم بن محمد الجويني في كتاب (فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين) وهو من علماء العامة قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الفامي، أنبأنا القاضي أبو الحسين محمد بن عثمان النصيبي ببغداد نبأنا أبو بكر محمد بن الحسين البيهقي السبيعي بحلب حدثني الحسين بن إبراهيم الجصاص ابن حسين بن الحكم بن إسماعيل ابن أبان عن فضيل بن الزبير عن أبي داود السبيعي عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على علي ابن أبي طالب (عليه السلام) فقال: " يا أبا عبد الله ألا أنبئك بالحسنة التي من جاء بها أدخله الله الجنة والسيئة التي من جاءها أكبه الله في النار ولم يقبل معها عملا؟ " قلت: بلى قال: " الحسنة حبنا والسيئة بغضنا * (فله خير منها) * أي من هذه الحسنة أي فله من هذه الحسنة خير يوم القيامة، وهو الثواب والأمن " قال ابن عباس: * (فله خير منها) * أي يصل إليه الخير، وعن ابن عباس أيضا * (فله خير منها) * يعني الثواب لأن الطاعة فعل العبد، والثواب فعل الله تعالى وقيل: هو أن الله تعالى يقبل إيمانه وحسناته وقبول الله سبحانه خير من عمل العبد وقيل: * (فله خير منها) * أي رضوان الله تعالى قال الله تعالى: * (ورضوان من الله أكبر) * وقال محمد بن كعب وعبد الرحمن بن زيد * (فله خير منها) * أي الأضعاف أعطاه الله تعالى بالواحدة عشرا فصاعدا فهذا خير منها ولقد أحسن ابن كعب وابن زيد في تأويلهما، لأن للأضعاف خصائص، منها: أن العبد يسأل عن عمله ولا يسئل عن الأضعاف، ومنها أن للشيطان سبيلا إلى عمله ولا سبيل إلى الأضعاف، ولأنه لا يطمح للخصوم في الأضعاف، ولأن دار الحسنة دار الدنيا ودار الأضعاف الجنة، ولأن الحسنة على استحقاق العبد والتضعيف كما يليق بكرم الرب سبحانه(2).
الحديث الثاني: الحمويني هذا أخبرني أحمد بن إبراهيم بن عمر إجازة عن عبد الرحمن بن
____________
(1) النمل: 89 - 90.
(2) فرائد السمطين: 2 / 297 / باب 61 / ح 554.
الحديث الثالث: الحمويني هذا أخبرني شيخنا الإمام مجد الدين محمد بن يحيى بن الحسين أبو الحسن الكرخي إجازة أن لم يكن سماعا بقرائتي عليه قال: أنبأنا الرضي المؤيد بن محمد بن علي إجازة أنبأنا جدي لأمي محمد بن العباس العصاري أبو العباس سماعا عليه، أنبأنا القاضي أبو سعيد محمد بن سعيد الفرخزادي قال: أنبأنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال في تفسير قوله تعالى: * (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون) * قوله: * (من جاء) * أي: من وافى الله تعالى(2).
الحديث الرابع: والحبري يرفعه إلى أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على علي (عليه السلام) فقال: " يا أبا عبد الله ألا أنبئك بالحسنة التي من جاء بها أدخله الله الجنة وفعل به والسيئة التي من جاء بها أدخله الله النار ولم يقبل له معها عمل " قال: قلت: بلى يا أمير المؤمنين فقال: " الحسنة حبنا والسيئة بغضنا "(3).
الحديث الخامس: أبو نعيم الأصفهاني بإسناده عن أبي عبد الله الجدلي قال: قال علي (عليه السلام): " ما السيئة التي من جاء بها كبت وجوههم في النار فلم يقبل معها عمل ثم قرأ * (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) *؟ قال: يا عبد الله الحسنة حبنا والسيئة بغضنا "(4).
____________
(1) فرائد السمطين: 2 / 299 / باب 61 / ح 555.
(2) فرائد السمطين: 2 / 297 / باب 61 / ح 554.
(3) ينابيع المودة: 1 / 291، وتفسير الحبري: 68.
(4) بحار الأنوار: 24 / 42 ذيل ح 3، وشواهد التنزيل: 1 / 552.
الباب الثاني والثلاثون
في قوله تعالى * (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة
فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) *
الحديث الأول: محمد بن يعقوب عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن محمد بن وارمة ومحمد بن عبد الله عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): " دخل أبو عبد الله الجدلي على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: يا أبا عبد الله ألا أخبرك بقول الله عز وجل: * (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) *؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين جعلت فداك فقال:
الحسنة معرفة الولاية وحبنا أهل البيت والسيئة إنكار الولاية وبغضنا أهل البيت "(1).
الحديث الثاني: ابن يعقوب عن علي بن محمد عن علي بن العباس عن علي بن حماد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل: * (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) * قال: " من تولى الأوصياء من آل محمد واتبع آثارهم فذاك يزيده ولاية من مضى من النبيين والمؤمنين الأولين حتى تصل ولايتهم إلى آدم (عليه السلام) وهو قول الله عز وجل: * (من جاء بالحسنة فله خير منها...) * يدخله الجنة وهو قول الله عز وجل: * (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم) * يقول أجر المودة الذي لم أسألكم غيره فهو لكم تهتدون به وتنجون من عذاب يوم القيامة "(2).
الحديث الثالث: علي بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن مسلمة قال: حدثنا يحيى بن زكريا اللؤلؤي عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قوله: * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) * قال: " هي للمسلمين عامة والحسنة الولاية فمن عمل من حسنة كتبت له عشر فإن لم تكن ولاية رفع عنه بما عمل من حسنة في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق "(3).
الحديث الرابع: الشيخ الطوسي في أماليه قال: أخبرنا جماعة عن أبي الفضل قال: أخبرنا أبو عروبة الحسين بن محمد بن أبي معشر الحراني إجازة قال: حدثنا إسماعيل بن موسى بن بنت
____________
(1) الكافي: 1 / 185 ح 14.
(2) الكافي: 8 / 389 ح 574.
(3) تفسير القمي: 2 / 131.
قلت: بلى يا أمير المؤمنين.
قال: " الحسنة حبنا والسيئة بغضنا "(1).
الحديث الخامس: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا محمد بن محمد - يعني المفيد - قال: أخبرني أبو غالب أحمد بن محمد الزراري قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن عمار بن موسى الساباطي قال:
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أبا أمية يوسف بن ثابت حدث عنك أنك قلت: " لا يضر مع الإيمان عمل ولا ينفع من الكفر عمل " فقال: " إنه لم يسألني أبو أمية عن تفسيرها إنما عنيت بهذا أنه من عرف الإمام (عليه السلام) من آل محمد وتولاه ثم عمل لنفسه بما شاء من عمل الخير قبل منه ذلك وضوعف له أضعافا كثيرة، فانتفع بأعمال الخير مع المعرفة فهذا ما عنيت بذلك وكذلك لا يقبل الله من العباد الأعمال الصالحة التي يعملونها إذا تولوا الإمام الجائر الذي ليس من الله تعالى " فقال له عبد الله ابن أبي يعفور أليس الله تعالى قال: * (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون) * فكيف لا ينفع العمل الصالح من تولى أئمة الجور؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): " وهل تدري ما الحسنة التي عناها الله تعالى في هذه الآية هي والله معرفة الإمام وطاعته وقد قال الله عز وجل:
* (ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) * وإنما أراد السيئة إنكار الإمام هو الذي من الله تعالى " ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): " من جاء يوم القيامة بولاية إمام جائر ليس من الله وجاء منكرا لحقنا جاحدا لولايتنا أكبه الله تعالى يوم القيامة في النار "(2).
الحديث السادس: محمد بن العباس قال: حدثنا المنذر بن محمد عن أبيه عن الحسين بن سعيد عن أبيه عن أبان بن تغلب عن فضيل بن الذمي عن أبي الجارود عن أبي داود السبيعي عن أبي عبد الله الجدلي قال: قال لي أمير المؤمنين (عليه السلام): " يا أبا عبد الله هل تدري ما الحسنة التي من جاء بها فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار "؟ قلت: لا قال: " الحسنة مودتنا أهل البيت والسيئة عداوتنا أهل البيت "(3).
____________
(1) أمالي الطوسي: 493 / مجلس 17 / ح 49.
(2) أمالي الطوسي: 417 / مجلس 14 / ح 87.
(3) بحار الأنوار: 24 / 41 ح 2.
الحديث الثامن: محمد بن العباس قال: حدثنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن عمار الساباطي قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله عبد الله بن أبي يعفور عن قول الله عز وجل: * (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون) * فقال: " وهل تدري ما الحسنة؟ إنما الحسنة معرفة الإمام وطاعته وطاعته من طاعة الله "(2).
الحديث التاسع: محمد بن العباس بالإسناد المذكور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " الحسنة ولاية أمير المؤمنين " محمد بن العباس قال: حدثنا علي بن عبد الله عن إبراهيم بن محمد عن إسماعيل ابن بشار عن علي جعفر الحضري عن جابر الجعفي أنه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل * (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار) * قال: " الحسنة ولاية علي والسيئة عداوته وبغضه "(3).
الحديث العاشر: أحمد بن محمد بن خالد البرقي في كتاب (المحاسن) عن أبن فضال عن عاصم بن حميد عن فضيل الرسان عن أبي داود عن أبي عبد الله قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " يا أبا عبد الله ألا أحدثك بالحسنة التي من جاء بها أمن من فزع يوم القيامة وبالسيئة التي من جاء بها أكبه الله على وجهه في النار؟ قلت: بلى قال: " الحسنة حبنا والسيئة بغضنا "(4).
الحديث الحادي عشر: أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في (مجمع البيان) قال: حدثنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسني قال: حدثنا الحاكم أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد قال: حدثنا عبد العزيز بن أحمد بن يحيى بن أحمد قال: حدثني عبد الرحمن بن الفضل قال: حدثني جعفر بن الحسين قال: حدثني محمد بن زيد بن علي عن أبيه قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام): يقول " دخل أبو عبد الله الجدلي على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: يا أبا عبد الله ألا أخبرك بقول الله عز وجل * (من جاء بالحسنة) *... إلى
____________
(1) بحار الأنوار: 24 / 42 ح 3.
(2) بحار الأنوار: 24 / 42 ح 4.
(3) بحار الأنوار: 24 / 42 ح 5.
(4) المحاسن: 1 / 150 ح 69.
الحديث الثاني عشر: الطبرسي أيضا قال: حدثنا السيد أبو الحمد قال: حدثنا الحاكم أبو القاسم قال: خبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد الحميري قال حدثنا جدي أحمد بن إسحاق الحميري قال: حدثنا جعفر بن سهل قال: حدثنا أبو زرعة عثمان بن عبد الله القرشي قال: حدثنا أبو لهيعة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يا علي لو أن أمتي صاموا حتى صاروا كالأوتار، وصلوا حتى صاروا كالحنايا ثم أبغضوك لأكبهم الله على مناخرهم في النار "(2).
الحديث الثالث عشر: علي بن إبراهيم قال: حدثني أبي عن بن أبي عمير عن منصور بن يونس عن عمرو بن أبي شيبة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: " ابتداء منه إن الله إذا بدا له أن يبين خلقه ويجمعهم لما لا بد منه أمر منادي ينادي فتجتمع الإنس والجن في أسرع من طرفة عين ثم أذن لسماء الدنيا فتنزل وكان من وراء الناس وأذن للسماء الثانية فتنزل وهي ضعف التي تليها، فإذا رآها أهل سماء الدنيا قالوا: جاء ربنا قالوا لا وهو آت يعني أمره حتى تنزل كل سماء تكون كل واحدة منها من وراء الأخرى وهي ضعف التي تليها ثم ينزل أمر الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور ثم يأمر الله مناديا * (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) * " قال: وبكى (عليه السلام) حتى إذا سكت قال: قلت: جعلني الله فداك يا أبا جعفر وأين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وشيعته قال أبو جعفر (عليه السلام): " رسول الله وعلي (عليهما السلام) وشيعته على كثبان(3) من المسك الأذفر على منابر من نور يحزن الناس ولا يحزنون ويفزع الناس ولا يفزعون ثم تلا هذه الآية: * (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون) * فالحسنة ولاية علي (عليه السلام) ثم قال: * (لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون) * "(4).
الحديث الرابع عشر: علي بن إبراهيم في تفسيره في معنى الحسنة: قال: " والله ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) "(5).
____________
(1) مجمع البيان: 7 / 410.
(2) مجمع البيان: 7 / 410.
(3) وهو التل من الرمل.
(4) تفسير القمي: 2 / 77.
(5) تفسير القمي: 2 / 131.
الباب الثالث والثلاثون
في قوله تعالى * (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) *(1)
الحديث الأول: علي بن الجعد عن شعبة عن حماد بن سلمة عن أنس قال النبي (صلى الله عليه وآله): " إن الله خلق آدم من طين كيف يشاء " ثم قال * (ويختار) * أن اختارني وأهل بيتي على جميع الخلق فانتجبنا فجعلني الرسول وجعل علي بن أبي طالب الوصي " ثم قال: " ما كان لهم الخيرة يعني ما جعلت للعباد أن يختاروا ولكني أختار من أشاء فأنا وأهل بيتي صفوة الله وخيرته من خلقه ثم قال: * (سبحان الله) * يعني تنزيها لله عما يشركون به كفار مكة "(2).
الحديث الثاني: الحافظ محمد بن مؤمن الشيرازي في كتابه المستخرج من تفاسير الاثني عشر وهو من مشايخ أهل السنة في تفسير قوله تعالى: * (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) * يرفعه إلى أنس بن مالك قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن هذه الآية فقال: " إن الله خلق آدم من الطين كيف يشاء ويختار وإن الله تعالى اختارني وأهل بيتي على جميع الخلق فانتجبنا فجعلني الرسول وجعل علي بن أبي طالب الوصي، ثم قال * (ما كان لهم الخيرة) * يعني ما جعلت للعباد أن يختاروا ولكني أختار من أشاء فأنا وأهل بيتي صفوته وخيرته من خلقه ثم قال سبحان الله يعني تنزها لله عما يشركون به كفار مكة ثم قال: * (وربك) * يعني يا محمد * (يعلم ما تكن صدورهم) * من بغض المنافقين لك ولأهل بيتك وما يعلنون بألسنتهم من الحب لك ولأهل بيتك "(3).
____________
(1) القصص: 68.
(2) مناقب آل أبي طالب: 1 / 220.
(3) مناقب آل أبي طالب: 1 / 220، وبحار الأنوار: 32 / 47 ذيل ح 152.
الباب الرابع والثلاثون
في قوله تعالى * (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) *
محمد بن يعقوب عن أبي القاسم (رضي الله عنه) رفعه عن عبد العزيز بن مسلم وروى ابن بابويه في كتاب (معاني الأخبار) قال أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه) قال: حدثنا أبو أحمد القاسم بن أحمد بن محمد بن علي الهاروني قال: حدثنا أبو حامد عمران بن موسى بن إبراهيم عن الحسن بن القاسم الزمام قال: حدثني القاسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم واللفظ لمحمد بن يعقوب قال كنا مع الرضا (عليه السلام) بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة. وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيدي (عليه السلام) فأعلمته خوض الناس في ذلك فتبسم (عليه السلام) ثم قال: " يا عبد العزيز جهلوا القوم وخدعوا عن أديانهم إن الله عز وجل لم يقبض نبيه (صلى الله عليه وآله) حتى أكمل لهم الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شئ بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج الناس إليه كملا وقال عز وجل: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره (صلى الله عليه وآله) * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) * فأمر الإمامة من تمام الدين ولم يمض رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى بين لأمته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق وأقام لهم عليا (عليه السلام) علما وإماما وما ترك شيئا تحتاج إليه الأمة إلا بينة فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله، ومن رد كتاب الله فهو كافر.
هل تعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم إن الإمامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال: * (إني جاعلك للناس إماما) * فقال الخليل (عليه السلام) سرورا بها: * (ومن ذريتي) *؟ قال الله تبارك وتعالى: * (لا ينال عهدي الظالمين) * فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة فصارت في الصفوة ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها الله في ذريته أهل
فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها الله عز وجل النبي (صلى الله عليه وآله) فقال جل وتعالى * (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) * فكانت له خاصة فقلدها رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) بأمر الله عز وجل على رسم ما فرضها الله فصارت في ذريته الأوصياء الذين أتاهم الله العلم والإيمان بقوله جل وعلا: * (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث) * فهي في ولد علي (عليه السلام) خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد (صلى الله عليه وآله) فمن أين يختار هؤلاء الجهال الإمامة.
إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء إن الإمامة خلافة الله وخلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومقام أمير المؤمنين (عليه السلام) وميراث الحسن والحسين (عليهما السلام)، لقوله عز وجل * (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان) * إن الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين، إن الإمامة أس الإسلام النامي وفرعه السامي بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفئ والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف والإمام يحل حلال الله ويحرم حرام الله ويقيم حدود الله ويذب عن دين الله ويدعوا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة بالحجة البالغة والإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار، والإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجى، والبلدان القفار ولجج البحار، والإمام الماء العذب على الظماء والدال على الهدى المنجي من الردئ، الإمام النار على اليفاع(1) الحار لمن اسطلى والدليل في المهالك من فارقه فهالك.
الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل والشمس المضيئة والسماء الظليلة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة الإمام الأنيس الرفيق والوالد الشفيق والأخ الشقيق والأم البرة بالولد الصغير ومفزع العباد في الداعية الناد، الإمام أمين الله في خلقه وحجته على عباده وخليفته في بلاده والداعي إلى الله والذاب عن حرم الله، والإمام المطهر من الذنوب المبرأ من العيوب المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم نظام الدين وعز المسلمين وغيظ المنافقين وبوار
____________
(1) في الحديث: " الإمام النار كلما اليفاع " أي يضئ القريب والبعيد " للحار لمن اصطلى " أي لمن أراد الانتفاع، واليفاع ما ارتفع من الأرض، واليفاع ما ارتفع من كل شئ مجمع البحرين (هامش المخطوط).
لا وكيف وأنى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين فأين الاختيار من هذا؟! وأين العقول عن هذا؟! وأين يوجد مثل هذا أظنوا أن ذلك يوجد في غير آل محمد (صلى الله عليه وآله) كذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الأباطيل فارتقوا مرتقا صعبا دحضا تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم راموا إقامة الإمام بعقول جائرة بائرة ناقصة وآراء مضلة فلم يزدادوا منه إلا بعدا قاتلهم الله أنى يؤفكون ولقد راموا صعبا وقالوا إفكا وضلوا ضلالا بعيدا ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة * (وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين) * ورغبوا عن إختيار الله واختيار رسوله إلى اختيارهم والقرآن يناديهم * (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون) *.
وقال عز وجل: * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم وقال ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون أم لكم إيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون سلهم أيهم بذلك زعيم أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين) *.
وقال عز وجل: * (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها أم طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون أم قالوا سمعنا وهم لا يسمعون إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون أم قالوا سمعنا وعصينا بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) * فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل وداع لا ينكل معدن القدس والطهارة والنسك والنزاهة والعلم والعبادة مخصوص بدعوة الرسول (صلى الله عليه وآله) ونسل الطاهرة البتول لا مغمز فيه في نسب ولا يدانيه ذو حسب في النسب من قريش والذروة من هاشم والعترة من الرسول (صلى الله عليه وآله) والرضا من الله جل وعز شرف الأشراف والفرع من عبد مناف نامي العلم كامل
* (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) * وقوله في طالوت: * (إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) * وقال لنبيه (صلى الله عليه وآله) * (أنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) * وقال في الأئمة من أهل بيت نبيه وعترته وذريته صلوات الله عليهم: * (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آيتنا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا) *.
وإن العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده شرح لذلك صدره وأودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم إلهاما، فلم يع بعده بجواب ولا يحير فيه عن صواب فهو معصوم مؤيد موفق مسدد قد أمن الخطأ والزلل والعثار، ويخصه بذلك ليكون حجته على عباده وشاهده على خلقه * (وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) * فهل يقدرون على مثل هذا؟ فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه بعدوا وبيت الله من الحق * (ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) * وفي كتاب الله الهدى والشفاء فنبذوه واتبعوا أهواءهم فذمهم الله ومقتهم وأنفسهم فقال جل وتعالى: * (فمن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * وقال:
* (فتعسا لهم وأضل أعمالهم) * وقال: * (كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) * وصلى الله على النبي وآله وسلم تسليما كثيرا "(1).
____________
(1) الكافي: 1 / 198 ح 1، معاني الأخبار: 96 - 101 / 2.
الباب الخامس والثلاثون
في قوله تعالى * (وأني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) *(1)
أبو نعيم الإصفهاني صاحب (حلية الأبرار) بإسناده إلى عون بن أبي جحيفة عن أبيه في قوله تعالى: * (وأني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) * عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: " إلى ولايتنا "(2).
الباب السادس والثلاثون
في قوله تعالى * (وأني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) *
الحديث الأول: محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال جميعا عن أبي جميلة عن خالد بن عمار عن سدير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) وهو داخل وأنا خارج وأخذ بيدي ثم استقبل البيت فقال: " يا سدير إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا وهو قول الله تعالى: * (وأني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) * ثم أومأ بيده إلى صدره إلى ولايتنا " ثم قال: " يا سدير فأريك الصادين عن دين الله " ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان وهم حلق في المسجد فقال: " هؤلاء الصادون عن دين الله تعالى بلا هدى من الله ولا كتاب مبين إن هؤلاء الأخابث لو جلسوا في بيوتهم فجال الناس فلم يجدوا أحدا يخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يأتونا فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) "(3).
الحديث الثاني: محمد بن الحسن الصفار في كتاب (بصائر الدرجات) عن محمد بن عيسى عن
____________
(1) طه: 82.
(2) بحار الأنوار: 32 / 166 ح 151.
(3) الكافي: 1 / 393 ح 3.
الحديث الثالث: ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الله عن أبيه عن محمد بن خالد قال: حدثنا سهل بن زياد الفارسي قال: حدثنا محمد بن منصور عن عبد الله بن جعفر عن محمد ابن الفيض بن المختار عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن أبيه عن جده (عليه السلام) قال:
" خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم وهو راكب، وخرج علي (عليه السلام) وهو يمشي، فقال له: يا أبا الحسن أما أن تركب وإما أن تنصرف " وذكر الحديث إلى أن قال فيه: " والله يا علي ما خلقت إلا لتعبد ربك وليشرف بك معالم الدين ويصلح بك دارس السبيل ولقد ضل من ضل عنك ولن يهتدي إلى الله عز وجل من لم يهتد إليك وإلى ولايتك وهو قول ربي عز وجل: * (وأني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) * يعني إلى ولايتك "(2).
الحديث الرابع: علي بن إبراهيم في تفسيره قال: حدثنا أحمد بن علي بن محمد قال: حدثنا الحسن بن عبيد الله عن السندي بن محمد عن أبان عن الحارث بن يحيى عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: * (وأني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) * " ألا ترى كيف اشترط ولم تنفعه التوبة والإيمان والعمل الصالح حتى اهتدى والله لو جهد أن يعمل بعمل ما قبل منه حتى يهتدي " قال:
قلت: إلى من جعلني الله فداك؟
قال: " إلينا "(3).
الحديث الخامس: محمد بن العباس قال: حدثنا علي بن عباس البلخي قال: حدثنا عباد بن يعقوب عن علي بن هاشم عن جابر بن الحر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى:
* (وأني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) * قال: " إلى ولايتنا "(4).
الحديث السادس: محمد بن العباس قال: حدثنا الحسين بن عامر عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن المنخل عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل: * (وأني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) * قال: " إلى ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) "(5).
____________
(1) بصائر الدرجات: 78 / 6.
(2) أمالي الصدوق: 583 / 803.
(3) تفسير القمي: 2 / 61.
(4) بحار الأنوار: 24 / 148 ح 26.
(5) بحار الأنوار: 24 / 148 ح 27.