الباب الأربعون
في قوله تعالى * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) *
الحديث الأول: علي بن إبراهيم في تفسيره قال: حدثني أبي عن صفوان بن يحيى عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " آخر فريضة أنزلها الله الولاية، ثم لم ينزل بعدها فريضة ثم أنزل * (اليوم أكملت لكم دينكم) * بكراع الغميم فأقامها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالجحفة فلم ينزل بعدها فريضة "(1).
الحديث الثاني: ابن بابويه قال: حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه) قال: حدثنا أبو أحمد القاسم بن محمد بن علي الهاروني قال: حدثني أبو حامد عمران بن موسى بن إبراهيم عن الحسن بن القاسم بن الرقام قال: حدثني القاسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم قال:
كنا في أيام الرضا (عليه السلام) بمرو فاجتمعنا في مسجد جامعها يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيدي (عليه السلام) فأعلمته بما خاض الناس في ذلك فتبسم (عليه السلام) وقال: " يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن أديانهم، إن الله عز وجل لم يقبض نبيه (صلى الله عليه وآله) حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شئ بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا، فقال عز وجل: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمرة (صلى الله عليه وآله) * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) * فأمر الإمامة من تمام الدين ولم يمض (عليه السلام) حتى بين لأمته معالم دينهم وأوضح لهم سبله وتركهم على قصد الحق، وأقام لهم عليا (عليه السلام) علما وإماما وما ترك شيئا تحتاج إليه الأمة إلا بينه فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله عز وجل ومن رد كتاب الله عز وجل فهو كافر ".
وروى هذا الحديث محمد بن يعقوب في الكافي عن أبي محمد القاسم بن أبي العلاء (رحمه الله) رفعه عن عبد العزيز بن مسلم قال: كنا مع الرضا (عليه السلام) وذكر الحديث وهو طويل ذكرناه بتمامه في الباب
____________
(1) تفسير القمي: 1 / 162.
الحديث الثالث: أبو علي الطبرسي في (مجمع البيان) في تفسير هذه الآية قال: حدثنا السيد العالم أبو الحمد مهدي بن نزار الحسني قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن عبد الله الحسكاني قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي قال: أخبرنا أبو بكر الجرجاني قال: أخبرنا أبو أحمد البصري قال:
حدثنا أحمد بن عمار بن خالد قال: حدثنا يحيى بن عبد العزيز الحماني قال: حدثنا قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما نزلت هذه الآية قال: " الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا رب برسالتي وولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) من بعدي، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله "(2).
الحديث الرابع: أبو علي الطبرسي: والمروي عن الإمامين عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنه لما أنزل الله بعد أن نصب النبي (صلى الله عليه وآله) عليا علما للأنام يوم غدير خم عند منصرفه من حجة الوداع قالا: " وهي آخر فريضة أنزلها الله تعالى لم ينزل بعدها فريضة "(3).
الحديث الخامس: الشيخ الطوسي في أماليه قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (رضي الله عنه) قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد قال: حدثنا أبي قال:
حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " أعطيت تسعا لم يعطها أحد قبلي سوى النبي (صلى الله عليه وآله) لقد فتحت لي السبل وعلمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب، ولقد نظرت إلى الملكوت بإذن ربي فما غاب عني ما كان قبلي ولا ما يأتي بعدي، فإن بولايتي أكمل الله لهذه الأمة دينهم، وأتم عليهم النعم ورضي لهم إسلامهم، إذ يقول يوم الولاية لمحمد (صلى الله عليه وآله): يا محمد أخبرهم إني أكملت لهم اليوم دينهم وأتممت عليهم النعمة ورضيت لهم إسلامهم كل ذلك من الله علي فله الحمد "(4).
الحديث السادس: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا أبو محمد الفضل بن محمد بن المسيب الشهراني بجرجان قال: حدثنا هارون بن عمرو بن عبد العزيز بن
____________
(1) الكافي: 1 / 198 ح 1.
(2) مجمع البيان: 3 / 274.
(3) مجمع البيان: 3 / 274.
(4) أمالي الطوسي: 205 / مجلس 8 / ح 1.
الحديث السابع: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا الحسين بن عبيد الله - يعني الغضائري - عن علي ابن محمد العلوي قال: حدثنا الحسين بن صالح عن شعيب الجوهري قال: حدثنا محمد ابن يعقوب الكليني عن علي بن محمد عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري عن الصادق جعفر ابن محمد (عليهما السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: حدثنا الحسن بن علي (عليه السلام): " إن الله عز وجل بمنه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه بل رحمة منه * (لا إله إلا هو يميز الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم) * ولتتسابقوا إلى رحمته ولتتفاضل منازلكم في جنته، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية وجعل لكم بابا لتفتحوا به أبواب الفرائض، ومفتاحا إلى سبيله.
ولولا محمد (صلى الله عليه وآله) والأوصياء من ولده (عليهم السلام) كنتم حيارى كالبهائم لا تعوفون فرضا من الفرائض، وهل تدخلون قرية إلا من بابها فلما من عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم (صلى الله عليه وآله) قال: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) * ففرض عليكم لأوليائه حقوقا وأمركم بأدائها إليهم * (ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم ويعرفكم بذلك البركة والنماء والثروة ليعلم من يطيعه منكم بالغيب) * ثم قال عز وجل: * (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربة فاعملوا أن من يبخل فإنما يبخل عن نفسه إن الله هو الغني وأنتم الفقراء إليه فاعلموا من بعد ما شئتم فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين) * سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
" خلقت من نور الله عز وجل، وخلق أهل بيتي من نوري، وخلق محبيهم من نورهم، وسائر الناس في النار "(2).
____________
(1) أمالي الطوسي: 518 / مجلس 18 / ح 41.
(2) أمالي الطوسي: 654 / مجلس 34 / ح 5.
" آخر فريضة أنزلها الله الولاية * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) * فلم ينزل من الفرائض شئ بعدها حتى قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ".
الحديث التاسع: العياشي بإسناده عن جعفر بن محمد الخزاعي عن أبيه قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " لما نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عرفات يوم الجمعة أتاه جبرائيل (عليه السلام) فقال له: يا محمد أن الله يقرؤك السلام ويقول لك: قل لأمتك: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) * (وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) * ولست أنزل عليكم بعد هذا فريضة قد أنزلت عليكم الصلاة والزكاة والصوم والحج وهي الخامسة ولست أقبل هذه الأربعة إلا بها "(1).
الحديث العاشر: العياشي بإسناده عن ابن أذينة قال: سمعت زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): " إن الفريضة كانت تنزل، ثم تنزل الفريضة الأخرى فكانت الولاية آخر الفرائض فأنزل الله * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) * فقال أبو جعفر (عليه السلام): " يقول الله: لا أنزل عليكم بعد هذه الفريضة فريضة "(2).
الحديث الحادي عشر: العياشي بإسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " تمام النعمة دخول الجنة "(3).
الحديث الثاني عشر: سليم بن قيس الهلالي ومن كتابه نسخت قال: صعد أمير المؤمنين (عليه السلام) المنبر في عسكره وجمع الناس وبحضرته [ من النواحي ] المهاجرون والأنصار فحمد الله وأثنى عليه وقال: " أيها الناس إن مناقبي أكثر من أن تحصى أو تعد ما أنزل الله في كتابه [ من ذلك ] وما قال في رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكتفي بها عن جميع مناقبي وفضلي، أتعلمون أن الله في كتابه الناطق، السابق إلى الإسلام - في غير آية من كتابه - على المسبوق وإنه لم يسبقني إلى الله ورسوله أحد من الأمة؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم الله سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن قوله: * (والسابقون السابقون أولئك المقربون) * فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنزلها الله عز وجل في الأنبياء وأوصيائهم، وأنا أفضل أنبياء الله ورسله وعلي أخي وصيي أفضل الأوصياء " فقام نحو من سبعين رجلا من أهل بدر كلهم من الأنصار وبقية من المهاجرين منهم، من الأنصار: منهم أبو الهيثم بن التيهان، وخالد بن زيد، وأبو أيوب الأنصاري،
____________
(1) تفسير العياشي: 1 / 293 ح 21.
(2) تفسير العياشي: 1 / 293 ح 22.
(3) تفسير العياشي: 1 / 293 ح 23.
قال: " فأنشدكم الله في قوله: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * وقال: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) *.
وقال: * (لا تتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) * فقال الناس: يا رسول الله أخاصة لبعض المؤمنين أم عامة لجميعهم؟ فأمر الله نبيه أن يعلمهم ولاة أمرهم، وأن يفسر لهم من الولاية ما فسرهم من صلواتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم، فنصبني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بغدير خم فقال: إن الله عز وجل أرسلني برسالة ضاق بها صدري، وظننت أن الناس يكذبوني وأوعدني لأبلغها أو ليعذبني، ثم نادى بأعلى صوته بعدما أمر أن ينادي الصلاة جامعة، فصلى بهم الظهر ثم قال: أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم [ ألا ] من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فقام إليه سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله ولاؤه ماذا؟ فقال ولاؤه كولايتي من كنت أولى به من نفسه [ فعلي أولى به من نفسه ] فأنزل الله عز وجل * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) *.
فقال سلمان: يا رسول الله هذه الآيات في علي خاصة؟ فقال: نعم فيه وفي أوصيائه إلى يوم القيامة، فقال سلمان: يا رسول الله سمهم لي؟ فقال: علي أخي ووزيري وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي وأحد عشر إماما [ من ولده أولهم ]: ابني الحسن وابني الحسين، ثم التسعة من ولده واحدا بعد واحد القرآن معهم وهم مع القرآن لا يفارقونه حتى يردوا علي الحوض ". فقام اثني عشر من البدريين فشهدوا أنا سمعنا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما قلت سواء لم تزد فيه، ولم تنقص منه [ حرفا ]، وقال بقية السبعين: قد سمعنا كما قلت ولم نحفظ منه كله " وهؤلاء الاثني عشر خيارنا وأفضلنا.
قال: " صدقتم ليس كل الناس يحفظ بعضهم أحفظ من بعض " فقام من الاثني عشر أربعة: أبو الهيثم بن التيهان وأبو أيوب الأنصاري وعمار وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، فقالوا: نشهد أنا قد حفظنا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومئذ [ وهو قائم ] وعلي قائم إلى جنبه: " يا أيها الناس إن الله أمرني أن أنصب لكم إمامكم ووصيي فيكم وخليفتي من أهل بيتي من بعدي، والذي فرض الله طاعته على المؤمنين في كتابه فأمركم فيه بولايته، فراجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم فأوعدني لأبلغها أو ليعاقبني.
يا أيها الناس قد أعلمتكم المهدي بعدي(1) ووليكم وإمامكم وهاديكم بعدي وهو أخي علي ابن أبي طالب، وهو فيكم بمنزلتي فيكم فقلدوه [ دينكم ] وأطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده جميع ما علمني الله وأمرني أن أعلمه إياه وأن أعلمكم أنه عنده فسألوه وتعلموا منه ومن أوصيائه ولا تعلموهم ولا تتخلفوا ولا تختلفوا عنهم فإنهم مع الحق والحق معهم لا يزايلونه ولا يزايلهم "(2).
الحديث الثالث عشر: الشيخ أحمد بن علي بن أبي منصور الطبرسي في كتاب (الاحتجاج) قال: حدثنا السيد العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرث الحسيني (رضي الله عنه) قال: أخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي قال: أخبرنا الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر - قدس الله روحه - قال: أخبرني جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري قال: أخبرنا أبو علي محمد بن همام قال: أخبرنا على السوري قال: أخبرنا أبو محمد العلوي من ولد الأفطس وكان من عباد الله الصالحين قال: حدثنا محمد بن موسى الهمداني قال: حدثنا محمد بن خالد الطيالسي قال: حدثنا سيف بن عميرة وصالح بن علقمة جميعا عن قيس بن سمعان عن علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال: " حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من المدينة، وقد بلغ جميع الشرائع قومه غير الحج والولاية " وساق شرح قصة غدير خم وخطبتها بطولها، وفي خطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) طول(3).
وروى هذا الحديث وقصة غدير خم والخطبة بطولها الشيخ الفاضل المتكلم أبو علي محمد ابن أحمد بن علي الفتال المعروف ب (ابن الفارسي) في (روضة الواعظين) عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: " حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من المدينة، وقد بلغ جميع الشرائع قومه ما خلا الحج والولاية " وساق الحديث والخطبة بطولها، وتقدم ذلك بتمامه في الباب السابع عشر في باب أحاديث غدير خم من
____________
(1) في المصدر: مفزعكم بعدي.
(2) كتاب سليم بن قيس: 297 - 298 وفيه تفاوت بسيط.
(3) الإحتجاج: 1 / 68.
اللهم إنك أنت أنزلت الإمامة لعلي وليك عند تبيين ذلك بتفضيلك إياه بما أكملت لعبادك من دينهم وأتممت عليهم نعمتك ورضيت لهم الإسلام دينا، فقلت * (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) * اللهم إني أشهدك أني قد بلغت "(1).
الحديث الرابع عشر: ابن بابويه في أماليه قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال:
حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن خلف بن حماد الأسدي عن أبي الحسن العبدي عن الأعمش عن عباية بن ربعي عن عبد الله بن عباس قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أسري به إلى السماء انتهى إلى نهر يقال له: (النور) وهو قول الله عز وجل: * (وجعل الظلمات والنور) * فلما انتهى به إلى ذلك النهر قال له جبرائيل: يا محمد أعبر على بركة الله قد نور الله لك بصرك، ومد لك أمامك، فإن هذا نهر لم يعبره أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل غير أن لي في كل يوم اغتماسة فيه، ثم أخرج منها فأنفض أجنحتي، فليس من قطرة تقطر من أجنحتي إلا خلق الله تبارك وتعالى منها ملكا مقربا له عشرون ألف وجه وأربعون ألف لسان يلفظ كل لسان بلغة لا يفقهها الآخر، فعبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى انتهى إلى الحجب والحجب خمسمائة حجاب من الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمسمائة عام.
ثم قال: تقدم يا محمد فقال لجبرائيل: ولم لا تكون معي؟ قال: ليس لي أن أجوز هذا المكان فتقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما شاء الله أن يتقدم حتى سمع ما قال الرب تبارك وتعالى، فقال تبارك وتعالى:
أنا المحمود وأنت محمد شققت اسمك من اسمي، فمن وصلك وصلته ومن قطعك تبكته، أنزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إياك، وأني لم أبعث نبيا إلا جعلت له وزيرا وأنك رسولي وأن عليا وزيرك فهبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكره أن يحدث الناس بشئ كراهة أن يتهموه، لأنهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية حتى مضى لذلك ستة أيام، فأنزل الله تبارك وتعالى * (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك) * فاحتمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك حتى كان يوم الثامن فأنزل الله تبارك وتعالى عليه
____________
(1) روضة الواعظين: 89 - 94.
ثم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلا فرجلا من أصحابه حتى سلموا عليه بأمرة المؤمنين، ثم قال: يا بلال ناد في الناس أن لا يبقى غدا أحد إلا عليل إلا خرج إلى غدير خم " فلما كان من الغد خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) بجماعة أصحابه فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " أيها الناس إن الله تبارك وتعالى أرسلني إليكم برسالة وأني ضقت بها ذرعا مخافة أن تتهموني وتكذبوني حتى أنزل الله علي وعيدا بعد وعيد فكان تكذيبكم إياي أيسر علي من عقوبة الله إياي، إن الله تبارك وتعالى أسرى بي واسمعني، وقال: يا محمد أنا المحمود وأنت محمد شققت اسمك من اسمي فمن وصلك وصلته ومن قطعك تبكته أنزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إياك، وأني لم أبعث نبيا إلا جعلت له وزيرا، وأنك رسولي وأن عليا وزيرك ".
ثم أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيد علي بن أبي طالب فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما ولم تريا قبل ذلك ثم قال: " أيها الناس إن الله تبارك وتعالى مولاي وأنا مولى المؤمنين، فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله " فقال الشكاك والمنافقون والذين في قلوبهم مرض وزيغ: نبرأ إلى الله من مقالة ليس بحتم ولا نرضى أن يكون علي وزيره، هذه منه عصبية، فقال سلمان والمقداد وأبو ذر وعمار بن ياسر: والله ما برحنا العرصة حتى نزلت هذه الآية * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) * فكرر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك ثلاثا ثم قال: " إن كمال الدين وتمام النعمة ورضا الرب بإرسالي إليكم بالولاية بعدي لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) "(1).
الحديث الخامس عشر: ابن بابويه قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي قال:
حدثنا فرات بن إبراهيم بن فرات قال: حدثنا محمد بن ظهير قال: حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم:
" أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب (عليه السلام)
____________
(1) أمالي الصدوق: 435 / مجلس 56 / ح 10.
معاشر الناس من أحب عليا أحببته ومن أبغض عليا أبغضته ومن وصل عليا وصلته ومن قطع عليا قطعته ومن جفا عليا جفوته ومن والى عليا واليته ومن عادى عليا عاديته، معاشر الناس أنا مدينة الحكمة وعلي ابن أبي طالب (عليه السلام) بابها، ولن تؤتى المدينة إلا من قبل الباب، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض عليا معاشر الناس والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية ما نصبت عليا علما لأمتي في الأرض حتى نوه الله باسمه في سماواته، وأوجب ولايته على جميع ملائكته "(1).
____________
(1) أمالي الصدوق: 187 / مجلس 26 / ح 8.