قال سلمان ثم أخذوني فوجئوا في عنقي حتى تركوه كالسلعة ثم أخذوا يدي فبايعت مكرها، ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين، وما من أحد من الأمة بايع مكرها غير علي وأربعتنا ولم يكن منا أشد قولا أحد من الزبير فإنه لما بايع قال: يا بن صهاك أما والله لولا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم علي ومعي سيفي لما أعرف من جبنك ولؤمك، ولكن وجدت طغاة تقوى بهم وتصول، فغضب عمر وقال: أتذكر صهاك.
فقال: وما يمنعني وقد كانت صهاك زانية؟ أو تنكر ذلك؟ أوليس كانت أمة لجدي عبد المطلب فزنى بها جدك نفيل فولدت أباك الخطاب فوهبها عبد المطلب لجدك بعد ما ولدته وإنه لعبد لجدي ولد زنا؟ فأصلح أبو بكر بينهما وكف كل واحد منهما عن صاحبه، قال سليم: فقلت لسلمان:
فبايعت أبا بكر ولم تقل شيئا؟ قال: بلى، قد قلت بعدما بايعت: تبا لكم سائر الدهر، لو تدرون ما صنعتم بأنفسكم، أصبتم وأخطأتم، أصبتم سنة من قبلكم من الفرقة والاختلاف وأخطأتم سنة نبيكم (صلى الله عليه وآله) حين أخرجتموها من معدنها وأهلها، فقال عمر: أما إذ قد بايعت يا سلمان فقل ما شئت وافعل ما بدا لك، وليقل صاحبك ما بدا له.
قال سلمان: قلت: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب أمته إلى يوم القيامة، ومثل عذابهم جميعا فقال له: قل ما شئت، أليس قد بايعت ولم يقر الله عينك بأن يلبسها صاحبك؟ فقال: أشهد أني قرأت في بعض كتب الله أنك باسمك وصفتك باب من أبواب جهنم فقال: قل ما شئت أليس قد عداها الله عن أهل البيت الذين اتخذتموهم أربابا فقلت: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ذلك، وسألته عن هذه الآية * (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) * فأخبرني بأنك أنت هو فقال لي عمر: اسكت، اسكت الله نامتك أيها العبد ابن اللخناء فقال لي علي: اسكت يا سلمان، فوالله لو لم يأمرني علي بالسكوت لخبرته بكل شئ نزل فيه وكل شئ سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه وفي صاحبه، فلما رآني عمر وقد سكت قال لي: إنك لمطيع مسلم، فلما بايع أبو ذر والمقداد ولم يقولا شيئا قال عمر: ألا كففت كما كف صاحباك، والله ما أنت بأشد حبا لأهل هذا البيت منهما، ولا أشد تعظيما لحقهم منهما وقد كفا كما ترى وقد بايعا
فقال عمر: آمين لعن الله من ظلمهم حقهم لا، والله ما لهم فيها من حق وما هم فيها وعرض الناس إلا سواء قال أبو ذر: لم خاصمت الأنصار بحقهم؟ وقال علي لعمر: يا بن صهاك فليس لنا فيها حق ولا هي لك ولا ابن آكلة الذبان فقال عمر: كف يا أبا الحسن إذ قد بايعت، فإن العامة رضوا بصاحبي ولم يرضوا بك فما ذنبي؟
فقال علي (عليه السلام): لكن الله ورسوله لم يرضيا إلا بي فأبشر أنت وصاحبك ومن تبعكما ووازركما بسخط الله وعذابه وخزيه، ويلك يا بن الخطاب لو ترى ماذا جنيت على نفسك وعلى صاحبك، فقال أبو بكر: يا عمر أما إذ بايع وأمنا شره وفتكه وغايلته فدعه يقول ما شاء فقال علي (عليه السلام): لست قائلا غير شئ واحد، أذكركم بالله أيها الأربعة لسلمان والزبير وأبي ذر والمقداد أسمعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن تابوتا من نار فيه اثنا عشر، ستة من الأولين وستة من الآخرين في قعر جهنم في جب في تابوت مقفل، على ذلك الجب صخرة فإذا أراد الله أن يسعر جهنم كشفت تلك الصخرة عن ذلك الجب، فاستعرت جهنم من وهج ذلك الجب ومن حره، قال علي (عليه السلام): فسألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنهم وأنتم شهود فقال رسول الله (عليه السلام): أما الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه، وفرعون الفراعنة، والذي حاج إبراهيم في ربه، ورجلان من بني إسرائيل بدلا كتابهم وغيرا سنتهم، أما أحدهما فهود اليهود والآخر فنصر النصارى، وعاقر الناقة، وقاتل يحيى بن زكريا والدجال في الآخرين وهؤلاء الأربعة أصحاب الكتاب وجبتهم وطاغوتهم الذي تعاهدوا عليه وتعاقدوا على عداوتك يا أخي، ويتظاهرون عليك بعدي، هذا وهذا حتى عدهم وسماهم قال: فقلنا صدقت نشهد أنه قد سمعنا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال عثمان: يا أبا الحسن أما عندك في حديث؟ فقال علي (عليه السلام): بلى لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يلعنك ثم لم يستغفر لك بعدما لعنك، فغضب عثمان ثم قال: ما لي وما لك لا تدعني على حال كنت على عهد النبي ولا بعده؟
فقال له علي (عليه السلام): فأرغم الله أنفك، ثم قال له عثمان: والله لقد سمعت رسول الله يقول: إن الزبير يقتل مرتدا، قال سلمان: فقال علي (عليه السلام): إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير أربعة، إن الناس صاروا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمنزلة هارون ومن تبعه، ومنزلة العجل ومن تبعه فعلي في شبه هارون، وعتيق في شبه العجل، وعمر في شبه السامري، وسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ليجيئن قوم من أصحابي من أهل العلية والمكانة حتى ليمروا على الصراط فإذا رأيتهم ورأوني وعرفتهم
____________
(1) كتاب سليم بن قيس: 143 - 163، مع تفاوت بنقص وتغيير.
الباب الخامس والخمسون
في إخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) لبيعة أبي بكر مكرها ملببا
وإرادة حرق بيته (عليه السلام) وبيت فاطمة (عليها السلام) عند امتناعه من البيعة
وإرادة قتله (عليه السلام) إن امتنع من البيعة وامتناع الجماعة الذين معه (عليه السلام)
الأول: قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة وهو من علماء العامة المعتزلة قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة: فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي وضننت بهم عن الموت وأغضيت على القذى وشربت على الشجى، فصبرت على أخذ الكظم وعلى أمر من طعم العلقم، قال ابن أبي الحديد في الشرح: الكظم بفتح الظاء مخرج النفس والجمع أكظام وضننت بالكسر بخلت وأغضيت على كذا أغضضت عنه طرفي، والشجا ما يعترض في الحلق، ثم قال ابن أبي الحديد:
اختلفت الروايات في قصة السقيفة فالذي تقوله الشيعة وقد قال قوم من المحدثين بعضه ورووا كثيرا منه: إن عليا (عليه السلام) امتنع من البيعة حتى أخرج كرها، وإن الزبير بن العوام امتنع من البيعة وقال: لا أبايع إلا عليا وكذلك أبو سفيان بن حرب وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس والعباس بن عبد المطلب وجميع بني هاشم وقالوا: إن الزبير شهر سيفه فلما جاء عمر ومعه جماعة من الأنصار وغيرهم قال في جملة ما قال: خذوا سيف هذا فاضربوا به الحجر، ويقال: إنه أخذ السيف من يد الزبير فضرب به حجرا فكسره، فساقهم كلهم بين يديه إلى أبي بكر فحملهم على بيعته، ولم يتخلف إلا علي وحده فإنه اعتصم ببيت فاطمة فتحاموا إخراجه قسرا، وقامت فاطمة إلى باب البيت فأسمعت من جاء يطلبه، فتفرقوا وعلموا أنه مفرد لا يضر شيئا فتركوه وقيل: إنهم أخرجوه فيمن أخرج وحمل إلى أبي بكر، وقال: وقد روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري كثيرا من هذا، فأما حديث التحريق وما جرى مجراه من الأمور الفظيعة وقول من قال: إنهم أخذوا عليا (عليه السلام) يقاد بعمامته والناس حوله فأمر بعيد والشيعة تنفرد به على أن جماعة من أهل الحديث قد رووا نحوه وسنذكر ذلك.
وقال أبو جعفر: إن الأنصار لما فاتها ما طلبت من الخلافة قالت أو قال بعضها: لا نبايع إلا عليا
الثاني: قال ابن أبي الحديد: روى أحمد بن عبد العزيز قال: لما بويع لأبي بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي وهو في بيت فاطمة فيتشاورون ويتراجعون في أمرهم، فخرج عمر حتى دخل على فاطمة (عليها السلام) وقال: يا بنت رسول الله ما من أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك وما من أحد أحب إلينا منك بعد أبيك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم فلما خرج عمر جاءوها فقالت: تعلمون أن عمر جاءني وحلف لي بالله إن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم الله ليمضين ما حلف له فانصرفوا عنا راشدين، فلم يرجعوا إلى بيتها وذهبوا فبايعوا لأبي بكر(2).
الثالث: ابن أبي الحديد قال: وروى المبرد في الكامل صدر هذا الخبر عن عبد الرحمن بن عوف قال: دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي مات فيه فسلمت وسألت ما به فاستوى جالسا فقلت: أصبحت بحمد الله باريا فقال: أما إني على ما ترى لوجع وجعلتم لي معاشر المهاجرين شغلا من وجعي، وجعلت لكم عهدا مني من بعدي، واخترت لكم خيركم في نفسي فكلكم ورم لذلك أنفه رجاء أن يكون الأمر له ورأيتم الدنيا قد أقبلت، والله لنتخذن ستور الحرير ونضائد الديباج وتألمون ضجايع الصوف الأذربي، كان أحدكم على حسك السعدان والله لئن يقدم أحدكم فيضرب عنقه في حد خير له من أن يسبح في غمرة الدنيا، وإنكم غدا لأول ضال بالناس، وساق حديثه إلى أن قال: وقال أبو بكر: أما إني لا أساء إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني لم أفعلهن، وثلاث لم أفعلهن وودت أني فعلتهن وثلاث وددت أني لم أكن فعلتها فوددت، أني لم أكن كشفت عن بيت فاطمة وتركته ولو أغلق على حرب، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين عمر أو أبي عبيدة فكان أميرا وكنت وزيرا، ووددت أن إذا أتيت بالفجاء لم
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 20.
(2) شرح نهج البلاغة: 2 / 45.
الرابع: ابن أبي الحديد قال: قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبه قال:
حدثنا إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة وغضب علي والزبير، فدخلا بيت فاطمة معهما السلاح فجاء عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش وهما من بني عبد الأشهل فصاحت فاطمة فناشدتهما الله، فأخذوا سيفي علي والزبير وضربوا بهما الجدار حتى كسروهما ثم أخرجهما عمر يسوقهما حتى بايعا، ثم قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر إليهم وقال: إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها وخشيت الفتنة، وأيم الله ما حرصت عليها يوما قط ولو قلدت أمرا عظيما ما لي به طاقة ولا يدان ولوددت أني أقوى الناس عليه مكاني، وجعل يعتذر إليهم، فقبل المهاجرون عذره(2).
الخامس: ابن أبي الحديد قال أبو بكر: وحدثني أبو زيد عمر بن شبة قال: حدثنا أحمد بن معاوية قال: حدثني النضر بن شميل قال: حدثنا محمد بن عمرو عن سلمة بن عبد الرحمن قال:
لما جلس أبو بكر على المنبر كان علي (عليه السلام) والزبير وناس من بني هاشم في بيت فاطمة، فجاء عمر إليهم فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم. فخرج الزبير مصلتا سيفه فاعتنقه رجل من الأنصار وزياد بن لبيد فدق به فبدر السيف، فصاح أبو بكر وهو على المنبر اضرب به الحجر قال أبو عمر بن حماس فلقد رأيت الحجر فيه تلك الضربة وقالوا: هذه ضربة سيف الزبير ثم قال أبو بكر: دعوهم فسيأتي الله بهم قال فخرجوا إليه بعد ذلك فبايعوه(3).
السادس: ابن أبي الحديد قال: أبو بكر وقد روى في رواية أخرى أن سعد بن أبي وقاص كان
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 46.
(2) شرح نهج البلاغة: 2 / 50.
(3) شرح نهج البلاغة: 2 / 56.
السابع: ابن أبي الحديد قال أبو بكر: وحدثنا أبو زيد عن عمر بن شبة قال: أخبرنا أبو بكر الباهلي قال: حدثنا إسماعيل بن مجالد عن الشعبي قال سأل أبو بكر فقال: أين الزبير؟ فقيل: عند علي وقد تقلد سيفه فقال: قم يا عمر، قم يا خالد بن الوليد فانطلقا حتى تأتياني بهما، فدخل عمر وقام خالد على باب البيت من خارج فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ قال: نبايع عليا، فاخترطه عمر فضرب به حجرا فكسره ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه وقال: يا خالد دونكه فأمسكه ثم قال لعلي (عليه السلام): قم فبايع لأبي بكر فتلكأ فاحتبس فأخذ بيده وقال: قم، فأبى أن يقوم فحمله ودفعه كما دفع الزبير فأخرجه ورأت فاطمة ما صنع عمر بهما فقامت على باب الحجرة وقالت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله قال: فمشى إليها أبو بكر بعد ذلك فشفع بعمر وطلب إليها فرضيت عنه(2).
الثامن: ابن أبي الحديد قال أبو بكر وأخبرنا أبو زيد قال: حدثنا عبد العزيز بن الخطاب قال:
حدثنا علي بن هاشم مرفوعا إلى عاصم بن عمر وابن قتادة قال: لقي علي (عليه السلام) عمر فقال له علي:
أنشدك الله هل استخلفك رسول الله؟ قال: لا، فقال: كيف تصنع أنت وصاحبك؟ قال: أما صاحبي فقد مضى لسبيله وأما أنا فسأخلعها من عنقي إلى عنقك فقال: جذع الله أنف من ينقذك منها، لا ولكن جعلني علما فإذا قمت فمن خالفني ضل(3).
التاسع: ابن أبي الحديد قال أبو بكر: وحدثني أبو زيد قال: حدثني محمد بن عباد قال: حدثني أخي سعيد بن عباد عن الليث بن سعد عن رجاله عن أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) أنه قال: ليتني لم أكشف بيت فاطمة ولو أعلن على الحرب(4).
العاشر: ابن أبي الحديد قال أبو بكر وذكر ابن شهاب أن ثابت بن قيس بن شماس أخي بني الحارث من الخزرج كان مع الجماعة الذين دخلوا بيت فاطمة قال: وروى سعد بن إبراهيم أن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر ذلك اليوم وأن محمد بن سلمة كان معهم وأنه هو الذي كسر سيف
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 56.
(2) شرح نهج البلاغة: 6 / 48.
(3) شرح نهج البلاغة: 2 / 58.
(4) شرح نهج البلاغة: 6 / 51.
الحادي عشر: ابن أبي الحديد قال أبو بكر: وحدثني أبو زيد عمر بن شبه عن رجاله قال: جاء عمر إلى بيت فاطمة (عليها السلام) في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن عليكم البيت، فخرج إليه الزبير مصلتا بالسيف فاعتنقه زياد بن لبيد الأنصاري ورجل آخر فبدر السيف من يده فضرب به عمر الحجر فكسره ثم أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقا عنيفا حتى بايعوا أبا بكر(2).
الثاني عشر: ابن أبي الحديد قال أبو زيد: وروى النضر بن شميل قال: حمل سيف الزبير لما بدر من يده إلى أبي بكر وهو على المنبر يخطب فقال: اضربوا به الحجر قال أبو عمرو بن حماس: ولقد رأيت الحجر وفيه تلك الضربة والناس يقولون: هذا أثر ضربة سيف الزبير(3).
الثالث عشر: ابن أبي الحديد قال أبو بكر: وأخبرني أبو بكر الباهلي عن إسماعيل بن مجالد عن الشعبي قال: قال أبو بكر: يا عمر أين خالد بن الوليد؟ فقال: ها هو ذا قال: انطلقا إليهما يعني عليا والزبير فآتياني بهما، فانطلقا فدخل عمرو ووقف خالد على الباب من خارج فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ قال: أعددته لأبايع عليا قال: وكان في البيت ناس كثير منهم المقداد بن عمرو وجمهور الهاشميين، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه فأخرجه وقال: يا خالد دونك هذا، فأمسكه خالد وكان خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس أرسلهم أبو بكر ردءا لهما، ثم دخل عمر فقال لعلي: قم فبايع فتلكأ واحتبس فأخذ بيده وقال: قم فأبى أن يقوم فحمله ودفعه كما دفع الزبير حتى أمسكه خالد وساقهما عمر سوقا عنيفا، واجتمع الناس ينظرون وامتلأت شوارع المدينة بالرجال، ورأت فاطمة ما صنع عمر فصرخت وولولت واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن، فخرجت إلى باب حجرتها ونادت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله قال: فلما بايع علي والزبير وهدأت تلك الفورة مشى إليها أبو بكر بعد ذلك فشفع لعمر وطلب إليها فرضيت عنه(4).
الرابع عشر: ابن أبي الحديد قال: فأما البخاري ومسلم في الصحيحين من كيفية المبايعة لأبي بكر فهو بهذا اللفظ الذي أورده عليك والإسناد إلى عائشة أن فاطمة (عليها السلام) والعباس أتيا أبا بكر
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 51.
(2) شرح نهج البلاغة: 6 / 48.
(3) شرح نهج البلاغة: 6 / 48.
(4) شرح نهج البلاغة: 6 / 48.
قال: لا ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي، فلما رأى ذلك ضرع إلى مصالحة أبي بكر فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا تأتنا معك بأحد وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدته فقال عمر: لا تأتهم وحدك فقال أبو بكر: والله لآتينهم وحدي وما عسى أن يصنعوا بي فانطلق أبو بكر حتى دخل على علي وقد جمع بني هاشم عنده، فقام علي فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه لم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكر إنكارا لفضلك ولا نفاسة لخبر ساقه الله إليك ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا فاستبددتم به علينا، ثم ذكر قرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحقه، فلم يزل علي (عليه السلام) يذكر ذلك حتى بكى أبو بكر، فلما صمت علي تشهد أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد فوالله لقرابة رسول الله أحب إلي أن أصلها من قرابتي، إني والله ما آلوكم في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم إلا الخير ولكني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا نورث ما تركناه صدقة وإنما يأكل آل محمد في هذا المال، إني والله لا أذكر أمرا صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا صنعته إن شاء الله.
قال علي: موعدك العشية للبيعة فلما صلى أبو بكر الظهر أقبل على الناس ثم عذر عليا ببعض ما اعتذر به، ثم قام علي فخطب فعظم من حق أبي بكر وذكر فضيلته وسابقته، ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه فأقبل الناس إلى علي وقالوا: أصبت وأحسنت، وكان علي قريبا إلى الناس حين قارب الأمر المعروف(1).
الخامس عشر: ابن أبي الحديد قال أبو بكر: وحدثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد قال:
حدثنا أحمد بن الحكم قال: حدثنا عبد الله بن وهب عن الليث بن سعد قال: تخلف علي عن بيعة أبي بكر فأخرج ملببا يمضي به ركضا وهو يقول: معاشر المسلمين علام تضرب عنق رجل من المسلمين لم يتخلف لخلاف وإنما تخلف لحاجة، فما مر بمجلس من المجالس إلا يقال له: انطلق
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 46.
السادس عشر: ابن أبي الحديد قال: قال أبو بكر: وحدثنا يعقوب عن رجاله قال: لما بويع أبو بكر تخلف علي فلم يبايع فقيل لأبي بكر: إنه كره إمارتك فبعث إليه أكرهت إمارتي؟ قال: لا، ولكن القرآن خشيت أن يزاد فيه، أو قال: كان يزاد فيه فحلفت أن لا أرتدي برداء حتى أجمعه اللهم إلا إلى صلاة الجمعة فقال أبو بكر: لقد أحسنت قال: فكتبه علي (عليه السلام) كما أنزل بناسخه ومنسوخه(2).
السابع عشر: ابن أبي الحديد قال: ومن كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية جوابا وهو من محاسن الكتب:
أما بعد فقد أتاني كتابك، اصطفى الله تعالى محمدا (صلى الله عليه وآله) لدينه وتأييده إياه بمن أيده من أصحابه، فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله تعالى عندنا ونعمته علينا في نبينا، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر، وداعي مسدده إلى النضال، وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله وإن نقص لم يلحقك ثلمه، وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس، وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم؟ هيهات لقد حن قدح ليس منها، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها إلا تربع أيها الإنسان على ظلعك أو تعرف قصور ذرعك وتتأخر حيث أخرك القدر، فما عليك غلبة المغلوب ولا ظفر الظافر، وإنك لذهاب في التيه، رواغ عن القصد.
ألا ترى غير مخبر لك ولكن بنعمة الله أحدث أن قوما استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين ولكل فضل حق، إذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء وخصه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه؟ أو لا ترى أن قوما قطعت أيديهم في سبيل الله ولكل فضل حتى إذا فعل بواحد ما فعل بواحدهم قيل الطيار في الجنة وذو الجناحين؟ ولولا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين ولا تمجها آذان السامعين، فدع عنك من مالت به الرمية، فإنا صنائع ربنا والناس بعد صنائع لنا لم ينفعنا قديم عزنا ولا عادي طولنا على قومك إن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الأكفاء ولستم هناك وأنى لا يكون ذلك كذلك، ومنا النبي ومنكم المكذب ومنا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف ومنا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار، ومنا خير نساء العالمين ومنكم حمالة الحطب في كثير مما لنا وعليكم، فإسلامنا ما قد سمع وجاهليتنا لا تدفع وكتاب الله مجمع لنا ما شذ عنا وهو قوله: * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * وقوله تعالى: * (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) *
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 45.
(2) شرح نهج البلاغة: 6 / 40.
الثامن عشر: ابن أبي الحديد قال: قال المسعودي: وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشعب وجمعه الحطب ليحرقهم ويقول: إنما أراد بذلك أن لا تنشر الكلمة ولا يختلف المسلمون وأن يدخلوا في الطاعة فتكون الكلمة واحدة كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لما تأخروا عن بيعة أبي بكر فإنه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار(2).
التاسع عشر: ابن أبي الحديد قال: روي عن جعفر بن محمد وغيره أن عمر ضرب فاطمة بالسوط وضرب الزبير بالسيف، وأن عمر قصد منزلها وفيه علي الزبير والمقداد وجماعة ممن تخلف عن أبي بكر وهم مجتمعون هناك فقال لها: ما أحد بعد أبيك أحب إلينا منك وأيم الله لئن اجتمع هؤلاء النفر عندك لنحرقن عليهم، فمنعت القوم من الاجتماع(3).
العشرون: ابن أبي الحديد قال بعد نقله هذه الأخبار: واعلم أن الآثار والأخبار في هذا الباب كثيرة جدا ومن تأملها وأنصف علم أنه لم يكن هناك نص صريح مقطوع به لا تختلجه الشكوك ولا تتطرق إليه الاحتمالات كما تزعم الإمامية فإنهم يقولون: إن الرسول (صلى الله عليه وآله) نص على أمير المؤمنين (عليه السلام) نصا صريحا جليا ليس بنص يوم الغدير ولا خبر المنزلة ولا ما شابهها من الأخبار الواردة من طرق العامة وغيرها، بل نص عليه بالخلافة وبإمرة المؤمنين، وأمر المسلمين أن يسلموا عليه بذلك فسلموا عليه بها وصرح لهم في كثير من المقامات بأنه خليفته عليهم من بعده وأمرهم بالسمع والطاعة له ولا ريب، أن المنصف إذا سمع ما جرى لهم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعلم قطعا أنه لم يكن هذا النص ولكن سبق إلى النفوس والعقول أنه قد كان هناك تعريض وتلويح وكناية وقول غير فصيح وحكم غير مبتوت، ولعله (صلى الله عليه وآله) كان يصده عن التصريح بذلك أمر يعلمه ومصلحة
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 15 / 181 - 183.
(2) شرح نهج البلاغة: 20 / 147.
(3) شرح نهج البلاغة: 16 / 271.
ولتنظر صحيفة الغدر التي اجتمعوا عليها وأنهم أرادوا أن ينفروا ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة، فكله لا أصل له عند أصحابنا ولا يثبته أحد منهم ولا رواه أحد ولا نعرفه وإنما هو شئ تنفرد الشيعة بنقله(1).
أقول: العجب كل العجب من ابن أبي الحديد في إنكاره النص الصريح الذي لا يحتمل التأويل من النص الذي رواه وغيره من رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنه (عليه السلام) الإمام والخليفة والوصي والوزير، بل إن أنصف المنصف ولم يخادع الله تعالى ولم يخادع نفسه ولم يقلد الرجال بل يتبع البرهان المنير والحق المستبين والصراط المستقيم ليقي نفسه من نار الجحيم على أن ابن أبي الحديد قال في موضع آخر من الشرح: الظاهر عندي صحة ما رواه المرتضى في الشافي والشيعة، لا كل ما يزعمونه بل كان بعض ذلك، وحق لأبي بكر أن يندم ويتأسف على ذلك يعني على كشف بيت فاطمة (عليها السلام)(2).
وأنا أذكر بعض ما ذكره السيد المرتضى في الشافي الذي صححه ابن أبي الحديد وحق لابن أبي الحديد أن يصحح ما نقله السيد المرتضى في الشافي لأنه (رضي الله عنه) لم يذكر من الروايات والأخبار في ذلك إلا ما هو حجة على المخالفين مسلم عندهم، ولهذا رواه من طريق العامة كالبلاذري وغيره، وأنا أذكر ما ذكره السيد المرتضى في الشافي داخلا في روايات العامة.
الحادي والعشرون: قال السيد المرتضى (رضي الله عنه) في الشافي: روى إبراهيم بن سعيد الثقفي قال:
حدثنا أحمد بن عمرو البجلي قال: حدثنا أحمد بن حبيب العاملي عن أبي عبد الله جعفر بن
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 59.
(2) شرح نهج البلاغة: 17 / 168.