الباب الثامن والخمسون
في قول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها
ومن عاد إلى مثلها فاقتلوه
الأول: ذكر السيد الأجل السيد المرتضى (رضي الله عنه) في كتاب الشافي حديث الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش الهمداني عن سعيد بن جبير قال: ذكر أبو بكر وعمر عند عبد الله بن عمر فقال رجل: كانا والله شمسي هذه الأمة ونوريها، وساق الحديث إلى آخره(1) وهو الحديث الثالث من الباب السابق فيؤخذ تمامه من هناك إلى آخره حرفا حرفا.
الثاني: السيد المرتضى في الشافي قال: روى الهيثم بن عدي عن مجالد بن سعيد قال: غدوت يوما إلى الشعبي وأنا أريد أن أسأله عن شئ بلغني عن ابن مسعود وساق الحديث بتمامه(2) وهو في الباب السابق، وهو الحديث الرابع فيؤخذ تمامه من هناك.
____________
(1) الشافي: 4 / 126.
(2) الشافي: 4 / 128.
الباب التاسع والخمسون
في أمر خالد بقتل أمير المؤمنين (عليه السلام)
الأول: صاحب كتاب الصراط المستقيم رواه عن جماعة من العامة قال: لما بغض عبدة العجل هارون ومن معه سموهم رافضة فأجري ذلك الاسم على شيعة علي (عليه السلام) لمناسبته لهارون وشيعته وهموا بقتل هارون فكذلك العمران واطآ خالدا على قتل علي فبعثت أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر خادمها تقول له: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك وقال (عليه السلام): رحمها الله ومن يقتل الطوائف الثلاث قبل ذلك؟ فندم أبو بكر وأطال الجلوس ثم نهاه فرأى على السيف مع خالد، فقال له: أكنت فاعلا؟ قال خالد: إي والله، قال علي (عليه السلام): كذبت، أنت أجبن خلق الله، لست من ذلك، أما والله لولا ما سبق به القضاء لعلمت أي الفريقين شر مكانا وأضعف جندا ثم قال (عليه السلام): أفبعد قول النبي (صلى الله عليه وآله):
من كنت مولاه فعلي مولاه، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى؟
قال: نعم، فقبض على صدره فرغى كالبكر وانساغ في المسجد ببوله واجتمع الناس ليخلصوه فقال الأول: والله لو تمالأ عليه أهل الأرض لما استنقذوه ولكن نادوه: بحق صاحب القبر ففعلوا فخلى عنه وقال (عليه السلام): لو عزمت على ما هممت به لشققتك شقين، وفي نسخة شق الثوب روى ذلك الحسن بن صالح ووكيع وعباد عن أبي المقدام عن إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال سفيان وابن جبير ووكيع: وكان ذلك سيئة لم تتم، وأسند نحو ذلك العوفي إلى الصادق (عليه السلام) وأسند العوفي إلى خالد بن عبد الله القسري أنه قال على المنبر: لو كان في أبي تراب خيرا ما أمر أبو بكر بقتله، وهذا يدل على كون الخبر بذلك مستفيضا، ولولا وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لكان علي بالقبض على رؤوس أعدائه وضرب بعضها في بعض حتى ينشر دماغها مليا، وفي رواية أبي ذر أنه عصر حلقه بين الوسطى والسبابة حتى صاح صيحة منكرة، وفي رواية البلاذري: شاله بهما وضرب به الأرض فدق عصعصه فأحدث مكانه، وبقي يقول: هما والله أمراني، فقال عبد اللات لزفر: هذه مشورتك المنكوسة، وقال ابن حماد في ذلك:
تأمل بعقلك ما أزمعوا | وهموا عليه بأن يفعلوه |
بهذا فسل خالدا عنهم | على أي ما خطة وافقوه |
وقال الذي قال قبل السلام | حديثا رووه فلم ينكروه |
حديثا رواه ثقات الحديث | فما ضعفوه وما عللوه |
إلى ابن معاوية في الصحيح | وزكى الرواة الذي أسندوه(1) |
الثاني: ابن أبي الحديد في الشرح قال: وقد روى كثير من المحدثين أن عليا (عليه السلام) عقيب يوم السقيفة تظلم وتألم واستنجد واستصرخ حيث ساموه الحضور والبيعة، وأنه قال وهو يشير إلى القبر: يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، وأنه قال (عليه السلام): وا جعفراه ولا جعفر لي اليوم، وا حمزتاه ولا حمزة لي اليوم(2).
قال ابن أبي الحديد في الشرح قال: قرأت في كتاب صنفه أبو حيان التوحيدي في تقريظ الجاحظ قال: نقلت من خط الصولي: قال الجاحظ: إن العباس بن عبد المطلب أوصى علي بن أبي طالب (عليه السلام) في علته التي مات فيها، وساق الكلام بطوله(3) إلى أن قال: واعلم أن كل دم أراقه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسيف علي (عليه السلام) وبسيف غيره فإن العرب بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) عصبت تلك الدماء بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وحده، لأنه لم يكن في رهطه من يستحق في شرعهم وسنتهم وعادتهم أن يعصب به تلك الدماء إلا وحده، وهذه عادة العرب إذا قتل منهم قتيل طالبت بتلك الدماء القاتل، فإن مات أو تعذر عليها مطالبته طالبت بها أمثل الناس به من أهله، ومن نظر في أيام العرب ووقايعها ومقاتلها عرف ما ذكرناه(4).
ثم قال ابن أبي الحديد: وسألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد (رحمه الله) فقلت: إني لأعجب من علي (عليه السلام) كيف يبقى تلك المدة الطويلة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكيف ما اغتيل وفتك به في جوف منزله مع تلظي الأكباد عليه؟ فقال: لولا أنه أرغم أنفه بالتراب ووضع خده في حضيض الأرض لقتل، ولكن أخمل نفسه واشتغل بالعبادة والصلاة والنظر في القرآن وخرج عن ذلك الزي الأول وذلك الشعار، ونسي السيف وصار كالفاتك يتوب ويصير سائحا في الأرض أو راهبا في الجبال، ولما أطاع القوم الذين ولوا الأمر وصار أذل من الحذاء تركوه وسكتوا عنه، ولم تكن العرب لتقدم عليه إلا بمواطاة من متولي الأمر وباطن في السر منه، فلما لم يكن لولاة الأمر باعث وداع إلى قتله وقع الإمساك عنه، ولولا ذلك لقتل ثم الأجل بعد معقل حصين، فقلت: أحق ما يقال في حديث خالد؟
____________
(1) الصراط المستقيم: 1 / 323.
(2) شرح نهج البلاغة: 11 / 111.
(3) شرح نهج البلاغة: 13 / 297.
(4) شرح نهج البلاغة: 13 / 300.
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 13 / 301.
الباب الستون
في أمر خالد بقتل أمير المؤمنين (عليه السلام)
الأول: علي بن إبراهيم في تفسيره قال: حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما بويع لأبي بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجاءت فاطمة إلى أبي بكر فقالت: يا أبا بكر منعتني ميراثي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر منه فقال: هاتي على ذلك شهودا فجاءت بأم أيمن فقالت: لا أشهد حتى احتج يا أبا بكر عليك بما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: أنشدتك الله يا أبا بكر ألست تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن أم أيمن امرأة من أهل الجنة؟ قال: بلى، قالت: فأشهد أن الله أوحى إلى رسوله * (وآت ذا القربى حقه والمسكين) * فجعل فدك لفاطمة بأمر الله، وجاء علي (عليه السلام) فشهد بمثل ذلك فكتب لها كتابا برد فدك ودفعه إليها، فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال أبو بكر: إن فاطمة ادعت وشهدت لها أم أيمن وعلي (عليه السلام)، فكتبت لها بفدك، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فمزقه فقال: هذا فئ للمسلمين وقال أوس بن الحدثان وعائشة وحفصة يشهدون على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة وإن عليا (عليه السلام) زوجها يجر إلى نفسه، وأم أيمن فهي امرأة صالحة لو كان معها غيرها لنظرنا فيه.
فخرجت فاطمة (عليها السلام) من عندهما باكية حزينة، فلما كان بعد هذا جاء علي (عليه السلام) إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار فقال: يا أبا بكر لم منعت فاطمة من ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال أبو بكر: هذا فئ للمسلمين فإن أقامت شهودا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعله لها وإلا فلا حق لها فيه فقال أمير المؤمنين: يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال: لا، قال: فإن كان في يد المسلمين شئ يملكونه ادعيت أنا فيه، من تسأل البينة؟ قال: إياك كنت أسأل البينة قال: فما بال فاطمة سألتها البينة على ما في يدها وقد ملكته في حياة رسول الله وبعده ولم تسأل المسلمين البينة على ما ادعوها شهودا كما سألتني عما
فدمدم الناس وبكى بعضهم فقال: صدق والله علي، ورجع علي إلى منزله قال: ودخلت فاطمة المسجد وطافت بقبر أبيها عليه وآله السلام وهي تبكي وتقول:
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها | واختل قومك فاشهدهم ولا تغب |
قد كان قبلك أنباء وهنبثة | لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب |
قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا | فغاب عنا وكل الخير محتجب |
[ وكنت بدرا ونورا يستضاء به | عليك تنزل من ذي العزة الكتب |
فقمصتنا رجال واستخف بنا | إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتضب ] |
فكل أهل له قربى ومنزلة | عند الإله على الأدنين يقترب |
أبدت رجال لنا فحوى صدورهم | لما مضيت وحالت دونك الكثب |
فقد رزينا بما لم يرزه أحد | من البرية لا عجم ولا عرب |
فقد رزينا به محضا خليقته | صافي الضرائب والأعراق والنسب |
فأنت خير عباد الله كلهم | وأصدق الناس حين الصدق والكذب |
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت | منا العيون همال وهي تنسكب |
سيعلم المتولي ظلم خامتنا | يوم القيامة أنى سوف ينقلب |
قال: فرجع أبو بكر إلى منزله وبعث إلى عمر فدعاه ثم قال: ما رأيت مجلس علي منا اليوم، والله لئن قعد بنا مقعدا مثله ليفسدن أمرنا، فما الرأي؟ قال عمر: الرأي أن تأمر بقتله قال: فمن يقتله؟ قال:
خالد بن الوليد فبعث إلى خالد فأتاهما فقالا: نريد أن نحملك على أمر عظيم قال: إحملاني على ما
فقال علي (عليه السلام): قولي لها: إن الله يحيل بينهم وبيني وبين ما يريدون، ثم قام قائما وتهيأ للصلاة وحضر المسجد وصلى علي خلف أبي بكر وخالد بن الوليد إلى جنبه معه السيف، فلما جلس أبو بكر للتشهد ندم على ما قال وخاف الفتنة وشدة علي (عليه السلام) وبأسه، فلم يزل متفكرا لا يجسر أن يسلم حتى ظن الناس أنه قد سها ثم التفت إلى خالد فقال: يا خالد لا تفعل ما أمرتك به السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا خالد ما الذي أمرك به؟ قال: أمرني بضرب عنقك، قال: أوكنت فاعلا؟ قال: إي والله فلولا أنه قال: لا تفعل لقتلتك بعد التسليم قال: فأخذه علي فضرب به الأرض واجتمع الناس عليه فقال عمر: قتله ورب الكعبة فقال الناس: يا أبا الحسن الله الله بحق صاحب هذا القبر فخلى عنه قال: فالتفت إلى عمر وأخذ بتلابيبه وقال: يا بن صهاك لولا عهد من رسول الله وكتاب من الله سبق لعلمت أينا أضعف ناصرا وأقل عددا ثم دخل منزله(1).
الثاني: سليم بن قيس الهلالي في كتابه قال عن أمير المؤمنين قال: العجب كل العجب مما أشربت قلوب هذه الأمة من حب هذا الرجس وصاحبه - يعني عمر وأبا بكر - من قبله والتسليم له في كل شئ، وساق الحديث بذكر بدعهما إلى أن قال: وقبض هو وصاحبه فدك وهي بيد فاطمة مقبوضة ووكلت عليها على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسألها البينة على ما في يدها ولم يصدقها وشهدت أم أيمن لها بذلك ولم يصدقها أيضا وهو يعلم يقينا أن ذلك في يدها، ولم يكن له أن يسألها البينة على ما في يدها ولا يتهمها، ثم استحسن الناس ذلك ولم يكرهوه وقالوا: إنما حمله على ذلك الورع ثم عدلا عنها فقالا بالظن: إن فاطمة (عليها السلام) لم تقل إلا حقا وإن عليا وأم أيمن لم يشهدا إلا بحق، فلو كان مع أم أيمن امرأة أخرى أمضينا لها، فحظيا بذلك عند الجهال، وما هما، ومن أمرهما أن يكونا حاكمين فيعطيان ويمنعان؟ ولكن الأمة ابتلوا بهما فأدخلا أنفسهما فيما لا يحل لهما ولا حق لهما ولا علم لهما، وقد قالت لهما حين أرادا أن ينزعا فدك منها: ألست قد وكلت عليها ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حي قالا: بلى، قلت: فلم تسألاها البينة على ما في يدها؟ قالا: لأنها فئ للمسلمين، فإن أقامت البينة وإلا لم نمضها لها فقلت لهما، والناس حولهما يسمعون: أتريدان أن
____________
(1) تفسير القمي: 2 / 154 - 159.
قالوا: اللهم نعم قد سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: سيدة نساء أهل الجنة تدعي باطلا وتأخذ ما ليس لها؟ أرأيتم لو أن أربعة شهود شهدوا عليها بالفاحشة أو شهد رجلان بسرقة كنتم مصدقين عليها؟ فأما أبو بكر فسكت، وأما عمر فقال: نعتبر إذا ونوقع عليها الحد فقالت: كذبت والله وأثمت إلا أن تقر أنك لست على دين محمد (صلى الله عليه وآله)، إن الذي يجيز على سيدة نساء أهل الجنة شهادة ويقيم عليها حدا لملعون كافر بما أنزل الله على محمد (صلى الله عليه وآله)، إن من أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا لا تجوز عليهم شهادة، لأنهم معصومون من كل سوء، مطهرون من كل فاحشة، حدثني يا عمر عن أهل هذه الآية، لو أن قوما شهدوا عليهم أو على أحدهم بشرك أو كفر أو فاحشة كان المسلمون يتبرؤون منهم ويحدونهم قال: نعم، ما هم وسائر الناس إلا سواء، فقال له علي: كذبت، ما هم وسائر الناس سواء لأن الله عز وجل أنزل عصمتهم وطهرهم وأذهب عنهم الرجس، فمن صدق عليهم فإنما يكذب على الله وعلى رسوله فقال أبو بكر: أقسمت عليك يا أبا الحسن لما سكت، فلما كان الليل أرسلا إلى خالد بن الوليد لعنه الله فقالا له: نريد أن نحملك على أمر ونسر إليك فقال: احملاني على ما شئتما فإني طوع أيديكما.
فقالا: نريد أن نحملك على أمر عظيم قال: احملاني على ما شئتما ولو قتل علي بن أبي طالب، قالا: هو ذاك، قال خالد: متى أقتله؟
قال أبو بكر: إذا حضر المسجد فقم بجنبه في الغداة فصل إلى جنبه فإذا سلمت فاضرب عنقه، قال علي (عليه السلام): فصلى خالد إلى جنبي متقلدا السيف، فندم أبو بكر وهو في الصلاة وأسقط في يده وجعل يوأمر نفسه حتى كادت الشمس أن تطلع، فقال أبو بكر قبل أن يسلم: يا خالد لا تفعل ما أمرتك به، ثم سلم أبو بكر فقلت لخالد: وما ذلك؟ فقال خالد: كان أمرني إذا سلم أن أضرب عنقك، فقلت لخالد: أكنت فاعلا؟ قال: إي وربي إذا لفعلت(1).
____________
(1) كتاب سليم بن قيس: 225 - 228، مع تفاوت واضح بينه وبين المطبوع.