الصفحة 328
محمد (صلى الله عليه وآله)، واسم علي، والحسن، والحسين، والأئمة: وشيعتهم إلى يوم القيامة.

وإنا لنبارك عليهم كل يوم وليلة خمسا يعنون في وقت كل صلاة يمسحون رؤوسهم بأيديهم.

قال: ثم زادني ربي أربعين نوعا من أنواع النور لا تشبه تلك الأنوار الأول.

ثم عرج بي حتى انتهيت إلى السماء الرابعة فلم تقل الملائكة شيئا، وسمعت دويا كأنه في الصدور، فاجتمعت الملائكة ففتحت أبواب السماء وخرجت إلي شبه المعانيق فقال جبرائيل:

حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، فقالت الملائكة: صوتان مقرونان معروفان، فقال جبرائيل: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، فقالت الملائكة: هي لشيعته إلى يوم القيامة.

ثم اجتمعت الملائكة وقالوا: كيف تركت أخاك؟

قلت لهم: أوتعرفونه؟

قالوا: نعرفه وشيعته، وهم نور حول عرش الله، وإن في البيت المعمور رقا من نور فيه كتاب من نور فيه اسم محمد، وعلي، والحسن، والحسين، والأئمة، وشيعتهم إلى يوم القيامة، لا يزيد فيهم رجل ولا ينقص منهم رجل، وإنه لميثاقنا، وإنه ليقرأ علينا في كل يوم جمعة.

ثم قيل لي: ارفع رأسك يا محمد، فرفعت رأسي فإذا أطباق قد خرقت وحجب قد رفعت.

ثم قال لي: طأطئ رأسك، انظر ما ترى، فطأطأت رأسي فنظرت إلى بيت مثل بيتكم هذا، وحرم مثل حرم هذا البيت لو ألقيت شيئا من يدي لم يقع إلا عليه، فقيل لي: يا محمد ادن من صاد فاغسل مساجدك وطهرها وصل لربك، فدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) من صاد - وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن - فتلقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده اليمنى فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمنى.

ثم أوحى الله عز وجل إليه أن اغسل وجهك فإنك تنظر إلى عظمتي، ثم اغسل ذراعيك اليمنى واليسرى فإنك تلقى بيدك كلامي، ثم امسح رأسك بفضل ما بقي بيديك من الماء، ورجليك إلى كعبيك، فإني أبارك عليك وأوطئك موطئا لم يطأه أحد غيرك فهذا علة الأذان والوضوء.

ثم أوحى الله عز وجل إليه: يا محمد استقبل الحجر الأسود وكبرني على عدد حجبي، فمن أجل ذلك صار التكبير سبعا لأن الحجب سبع فافتتح انقطاع الحجب، فمن أجل ذلك صار الافتتاح سنة والحجب متطابقة، بينهن بحار النور، وذلك النور الذي أنزله الله على محمد، فمن ذلك صار الافتتاح ثلاث مرات، لافتتاح الحجب ثلاث مرات فصار التكبير سبعا، والافتتاح ثلاثا،

الصفحة 329
فلما فرغ من التكبير، والافتتاح، أوحى الله إليه: سم باسمي، فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أول السورة.

ثم أوحى الله إليه أن احمدني، فلما قال: الحمد لله رب العالمين، قال النبي في نفسه: شكرا فأوحى الله عز وجل، قطعت حمدي، فسم باسمي، فمن أجل ذلك جعل في الحمد الرحمن الرحيم مرتين، فلما بلغ ولا الضالين قال النبي (صلى الله عليه وآله): الحمد لله رب العالمين شكرا، فأوحى الله إليه أن قطعت ذكري، فسم باسمي، فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أول السورة.

ثم أوحى الله عز وجل: اقرأ يا محمد نسبة ربك تبارك وتعالى *(قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد)*(1) ثم أمسك عنه الوحي فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كذلك الله، كذلك ربنا فلما قال ذلك أوحى الله إليه: اركع لربك يا محمد فركع، فأوحى الله تعالى وهو راكع قل: سبحان الله ربي العظيم، ففعل ذلك ثلاثا، ثم أوحى الله أن ارفع رأسك يا محمد، ففعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقام منتصبا فأوحى الله عز وجل إليه أن اسجد لربك يا محمد، فخر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ساجدا فأوحى الله عز وجل إليه قل: سبحان ربي الأعلى، ففعل (صلى الله عليه وآله) ذلك ثلاثا.

ثم أوحى الله أن استو جالسا يا محمد ففعل، فلما رفع رأسه من سجوده واستوى نظر إلى عظمته تجلت له، فخر ساجدا من تلقاء نفسه لا لأمر أمر به، فسبح أيضا ثلاثا فأوحى الله انتصب قائما، ففعل فلم يرما كان يرى من العظمة، فمن أجل ذلك صارت الصلاة ركعة وسجدتين.

ثم أوحى الله عز وجل إليه: اقرأ يا محمد: الحمد لله فقرأها مثل ما قرأ أولا ثم أوحى الله إليه اقرأ *(إنا أنزلناه)* فإنها نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة، وفعل في الركوع مثل ما فعل في المرة الأولى، ثم سجد سجدة واحدة، فلما رفع رأسه تجلت له العظمة فخر ساجدا من تلقاء نفسه لا لأمر أمر به فسبح أيضا، ثم أوحى الله إليه، ارفع رأسك يا محمد ثبتك ربك، ثم ذهب ليقوم قيل: يا محمد اجلس فجلس فأوحى الله: يا محمد [ إذا ما أنعمت عليك فسم باسمي، فألهم أن قال: بسم الله وبالله ولا إله إلا الله والأسماء الحسنى كلها لله. ثم أوحى الله إليه يا محمد ] صل على نفسك وعلى أهل بيتك، فقال (صلى الله عليه وآله): صلى الله علي وعلى أهل بيتي وقد فعل.

ثم التفت فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيين فقيل: يا محمد سلم عليهم، فقال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فأوحى الله إليه: أن السلام والتحية والرحمة والبركات أنت وذريتك.

____________

(1) الإخلاص: 3 - 4.


الصفحة 330
ثم أوحى الله إليه أن لا يلتفت يسارا، وأول آية سمعها بعد *(قل هو الله أحد)*(1) و *(إنا أنزلناه)*(2) آية أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، فمن أجل ذلك كان السلام واحدة تجاه القبلة، ومن أجل ذلك كان التكبير في السجود شكرا.

وقوله: سمع الله لمن حمده، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) سمع ضجة الملائكة بالتسبيح والتحميد والتهليل فمن أجل ذلك قال: سمع الله لمن حمده ومن أجل ذلك صارت الركعتان الأوليان كلما أحدث فيهما حدثا كان على صاحبهما إعادتهما، فهذا هو الفرض الأول في صلاة الزوال، يعني صلاة الظهر "(3).

وروى هذا الحديث ابن بابويه أيضا في كتاب العلل قال: حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رضي الله عنهما - قالا: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن عيس بن عبيد عن محمد بن أبي عمير ومحمد بن سنان عن الصباح المزني وسدير الصيرفي ومحمد بن النعمان مؤمن الطاق وعمر بن أذينة عن أبي عبد الله (عليه السلام).

ورواه محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبد الله قالا: حدثنا محمد بن الحسن بن أبي الخطاب ويعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن عبد الله بن جبلة عن الصباح المزني وسدير الصيرفي ومحمد بن النعمان الأحول وعمر بن أذينة عن أبي جعفر (عليه السلام)(4) أنهم حضروه وساق الحديث وفيه بعض التغيير اليسير(5).

____________

(1) الإخلاص: 1.

(2) القدر: 1.

(3) الكافي: 3 / 483، ح 1.

(4) في المصدر: أبي عبد الله (عليه السلام).

(5) علل الشرايع: 2 / 312، باب 1، ح 1.


الصفحة 331

الباب السابع والعشرون والمائة

في قضاء علي (عليه السلام) دين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعداته وعجز أبي بكر

من طريق العامة وفيه ثلاثة أحاديث


الأول: محمد بن علي الحكيم الترمذي من أعيان علماء العامة قال: في كتابه المسمى ب (بفتح المبين في كشف حق اليقين) في شرح دوحة المعارف قال: روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " لكل نبي وصي ووارث، وإن عليا وصيي ووارثي "، رواه صاحب الفردوس(1) عن أنس بن مالك قلنا لسلمان أن سل النبي (صلى الله عليه وآله) من وصيه.

فسأله فقال: " يا سلمان وصيي ووارثي من يقضي ديني وينجز وعدي علي بن أبي طالب ".

رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده(2) وقال (صلى الله عليه وآله): علي مني وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي "، رواه صاحب بحر المعارف (قدس سره).

وروي أن أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - قد أدى سبعين ألفا من دينه وكان أكثره من الموعود، كذا في كتاب الأوصال.

وروي عن الصادق (عليه السلام) وبعض من تصدى لجمع مناقبه (رضي الله عنه) أنه قال: " كان علي (رضي الله عنه) يأمر مناديا ينادي في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا من كان له دين أو عدة فليأت عليا يقضي دينه وينجز وعده "، فأقبل الناس من كل ناحية إلى علي (رضي الله عنه) فيقضيهم في كل ما يدعونه من غير بينة ولا يمين، وينجز جميع عدته، فأقبل الناس أفواجا فقال أبو بكر لعمر: أرى الناس أفواجا يقبلون على علي، يقضيهم ديون رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وينجز وعده من غير بينة ولا يمين، فليت شعري من أين له هذا المال وقد منعناه فدك، والخمس، والفئ؟!

فقال عمر: أنت أكثر منه مالا فناد مثل ما نادى، فأمر أبو بكر مناديا ينادي، ألا من كان له عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) دين أو عدة فليأت أبا بكر ليقضي دينه وينجز وعده، فأقبل جابر بن عبد الله الأنصاري وجرير بن عبد الله البجلي فذكر له دينا وعدة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقضاهما من غير بينة

____________

(1) الفردوس: 3 / 336، ح 5009.

(2) السلسلة الصحيحة: 3 / 631 ح 1980.


الصفحة 332
ولا يمين.

فأقبل أعرابي إلى المدينة حتى انتهى إلى منادي أبي بكر ينادي: ألا من كان له عند رسول الله دين أو عدة فليأت أبا بكر خليفة رسول الله ليقضي دينه وعدته.

فأقبل الأعرابي إلى أبي بكر فسلم عليه وقال له: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعدني بمائتي ناقة حمر سود الحدق بأزمتها وأداتها، فنظر أبو بكر إلى عمر وأصحابه فقال عمر: يا أعرابي ما هذه النوق على هذه الصفة توجد في الدنيا.

فقال الأعرابي: يا عجبا، أيعدني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعدة لا توجد؟

فقالوا: هذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) أخو نبي الله يدعو الناس إلى قضاء دينه وإنجاز وعده فسر إليه، فمضى الأعرابي إلى علي (رضي الله عنه) وذكر له فقال علي (رضي الله عنه): " إذا كان غدا فأعد لك ذلك إن شاء الله تعالى "، فانصرف الأعرابي وهو يقول: هذا والله أخو رسول الله حقا، هذا والله قاضي دين رسول الله حقا، والمنجز لعداته حقا، وأتصل الخبر إلى أبي بكر وعمر والمهاجرين والأنصار فعجبوا من قول أمير المؤمنين (رضي الله عنه)، فلما أصبح الأعرابي أقبل نحو علي (رضي الله عنه) فبعث ابنه الحسن (رضي الله عنه) فقال: " أخرج مع الأعرابي إلى وادي الصبرة، وادي الجن فناد: معاشر الجن، أنا الحسن بن علي وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يأمركم أن تنجزوا عدة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهذا الأعرابي وهي مائتا ناقة حمر سود الحدق بأزمتها وأداتها "(1).

ففعل الحسن فما أتم كلامه حتى أقبلت القطارات من الوادي بأزمتها، وكان قد خرج مع الحسن إبراهيم بن معاد وعبد الرحمن بن عوف والمقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وعدة من المهاجرين والأنصار، فانصرفوا وتحدثوا بما شاهدوا، وهذا من عجائب الكرامات، والله تعالى أعلم(2).

الثاني: موفق بن أحمد قال: روى عمر بن خالد قال: حدثني زيد بن علي وهو آخذ بشعره قال:

حدثنا علي بن الحسين وهو آخذ بشعره قال: حدثنا الحسين بن علي وهو آخذ بشعره قال:

" حدثني الحسن بن علي وهو آخذ بشعره قال: حدثني علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو آخذ بشعره قال: حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو آخذ بشعره قال: يا علي من آذى شعرة منك فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله لعنه الله ملء السماوات وملء الأرض "(3).

____________

(1) في الثاقب: وأثقالها.

(2) الهداية الكبرى للخصيبي بتفاوت: 153 - 154 ط. مؤسسة البلاغ، والثاقب في المناقب لابن حمزة: 133.

(3) المناقب: 328 / ح 344.


الصفحة 333
الثالث: ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إن الله عز وجل زوجك فاطمة وجعل صداقها الأرض، فمن مشى عليها مبغضا لك مشى حراما "(1).

حدثنا أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك قالا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يا علي أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي، يا علي أنت تغسل جثتي وتؤدي ديني وتواريني في حفرتي وتفي بذمتي، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة "(2).

وهذا الباب واسع الذيل مضت فيه الأحاديث من طريق الخاصة والعامة فليؤخذ من هناك.

____________

(1) المناقب: 328 / ح 345.

(2) المناقب: 329 / ح 346.


الصفحة 334

الباب الثامن والعشرون والمائة

في قضاء دين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعداته

من طريق الخاصة وفيه ثلاثة أحاديث


الأول: ابن حمزة عن علي بن الحسين عن أبيه (عليه السلام) قال: " كان علي (عليه السلام) ينادي: من كان له عند رسول الله عدة أو دين فليأتني، وكان كل من أتاه يطلب دينا أو عدة يرفع مصلاه فيجد ذلك تحته فيدفعه إليه.

فقال الثاني للأول: ذهب هذا بشرف الدنيا من دوننا فقال: فما الحيلة؟

فقال: لعلك لو ناديت كما نادى هو كنت تجد ذلك كما يجد هو، وإذا كان إنما تقضي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنادى أبو بكر كذلك فعرف أمير المؤمنين (عليه السلام) الحال فقال: أما إنه سيندم على ما فعل، فلما كان من الغد أتاه أعرابي وهو جالس في جماعة من المهاجرين والأنصار فقال: أيكم وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأشاروا إلى أبي بكر فقال: أنت وصي رسول الله وخليفته؟

قال: نعم، فما تشاء؟

قال: فهلم الثمانين الناقة التي ضمن لي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: ما هذه النوق؟

قال: ضمن لي ثمانين ناقة حمراء كحل العيون، فقال لعمر: كيف نصنع الآن؟

قال: إن الأعراب: جهال، فاسأله: ألك شهود بما تقوله؟ فطلبهم منه قال: ومثلي يطلب الشهود منه على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما يضمنه لي؟ والله ما أنت بوصي رسول الله ولا خليفته، فقام سلمان فقال: يا أعرابي اتبعني حتى أدلك على وصي رسول الله.

فتبعه الأعرابي حتى انتهى إلى علي (عليه السلام) فقال: أنت وصي رسول الله؟

قال: نعم، فما تشاء؟

قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمن لي ثمانين ناقة حمراء كحل العيون فهاتها، فقال له علي (عليه السلام):

أسلمت أنت وأهل بيتك؟

فانكب الأعرابي على يديه يقبلهما وهو يقول: أشهد أنك وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخليفته، فبهذا وقع الشرط بيني وبينه وقد أسلمنا جميعا.


الصفحة 335
فقال علي (عليه السلام): يا حسن انطلق أنت وسلمان وهذا الأعرابي إلى وادي فلان فناد: يا صالح، فإذا أجابك فقل: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقرأ عليك السلام ويقول لك: هلم الثمانين الناقة التي ضمنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهذا الأعرابي.

قال سلمان: فمضينا إلى الوادي فنادى الحسن، فأجابه لبيك يا بن رسول الله، فأدى إليه رسالة أمير المؤمنين (عليه السلام).

فقال: السمع والطاعة، فلم نلبث أن خرج إلينا زمام ناقة من الأرض، فأخذ الحسن زمامها فناوله الأعرابي وقال: خذ، فجعلت النوق تخرج حتى كملت الثمانون على الصفة "(1).

الثاني: صاحب كتاب ثاقب المناقب قال: حدثني شيخي أبو جعفر محمد بن الحسين [ ابن جعفر ] الشوهاني في داره بمشهد الرضا (عليه السلام) بإسناده إلى عطاء عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: قدم أبو الصمصام العبسي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأناخ ناقته على باب المسجد ودخل وسلم وأحسن التسليم ثم قال: أيكم الفتى الغوي الذي يزعم أنه نبي، فوثب إليه سلمان الفارسي (رضي الله عنه) فقال: يا أخا العرب، أما ترى صاحب الوجه الأقمر والجبين الأزهر والحوض والشفاعة والتواضع والسكينة والمسألة والإجابة والسيف والقضيب والتكبير والتهليل والاقسام والقضية والأحكام الحنيفة والنور والشرف والعلو والرفعة والسخاء والشجاعة والنجدة والصلاة المفروضة والزكاة المكتوبة والحج والإحرام وزمزم والمقام والمشعر الحرام واليوم المشهود والمقام المحمود والحوض المورود والشفاعة الكبرى، ذلك مولانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال الأعرابي: إن كنت نبيا فقل متى تقوم الساعة؟ ومتى يجئ المطر؟ وأي شئ في باطن ناقتي؟ وأي شئ أكتسب غدا؟ ومتى أموت؟

فبقي (صلى الله عليه وآله) ساكتا لا ينطق بشئ فهبط الأمين جبرائيل فقال: " يا محمد اقرأ: *(إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير)*(2) ".

قال الأعرابي: مد يدك، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأقر أنك رسول الله فأي شئ لي عندك إن أتيتك بأهلي وبني عمي مسلمين.

فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): " لك عندي ثمانون ناقة، حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز ".

ثم التفت النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقال: " اكتب يا أبا الحسن: بسم الله الرحمن

____________

(1) بحار الأنوار: 41 / 192، ح 4.

(2) لقمان: 34.


الصفحة 336
الرحيم، أقر محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وأشهد على نفسه في صحة عقله وبدنه وجواز أمره أن لأبي الصمصام عليه وعنده وفي ذمته ثمانين ناقة، حمر الظهور بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز " وأشهد عليه جميع أصحابه، وخرج أبو الصمصام إلى أهله، فقبض النبي (صلى الله عليه وآله)، فقدم أبو الصمصام وقد أسلم بنو العبس كلهم فقال أبو الصمصام: ما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

قالوا: قبض.

قال: فمن الوصي بعده؟

قالوا: ما خلف نبينا أحدا، فقال: فمن الخليفة من بعده؟

قالوا: أبو بكر، فدخل أبو الصمصام المسجد، فقال: يا خليفة رسول الله إن لي على رسول الله دينا ثمانين ناقة حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز، فقال أبو بكر: يا أخا العرب سألت ما فوق العقل، والله ما خلف فينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا صفراء ولا بيضاء، خلف فينا بغلته الذلول ودرعه الفاضلة فأخذها علي بن أبي طالب، وخلف فينا فدكا فأخذناها نحن بحق ونبينا محمد لا يورث، فصاح سلمان الفارسي: كردي ونكردي، وحق أمير بردي يا أبا بكر (باز كذار إين كار بكسي كه حق أوست)، فقال: رد العمل إلى أهله، ثم مد يده إلى أبي الصمصام فأقامه إلى منزل علي بن أبي طالب وهو يتوضأ وضوء الصلاة فقرع سلمان الباب فنادى علي (عليه السلام): " أدخل أنت وأبو الصمصام العبسي ".

فقال أبو الصمصام: أعجوبة ورب الكعبة، من هذا الذي سماني ولم يعرفني؟

فقال سلمان: الفارسي (رضي الله عنه): هذا وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذا الذي قال له الرسول (صلى الله عليه وآله): " أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب ".

هذا الذي قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): " علي خير البشر، فمن رضي فقد شكر، ومن أبى فقد كفر ".

هذا الذي قال الله تعالى فيه: *(وجعلنا لهم لسان صدق عليا)*(1).

هذا الذي قال الله تعالى: *(أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون)*(2).

وهذا الذي قال الله عز وجل فيه: *(أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون)*(3).

____________

(1) مريم: 50.

(2) السجدة: 18.

(3) التوبة: 19.


الصفحة 337
هذا الذي قال الله تعالى فيه: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)*(1).

هذا الذي قال الله تعالى فيه: *(فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم)*(2) الآية.

هذا الذي قال الله تعالى فيه: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)*(3).

هذا الذي قال الله عز وجل: *(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)*(4).

أدخل يا أبا الصمصام وسلم عليه فدخل وسلم عليه، ثم قال: إن لي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثمانين ناقة حمر الظهور بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز، فقال (عليه السلام):

" أمعك حجة "؟

قال: نعم، ودفع الوثيقة فقال (عليه السلام): " ناد يا سلمان في الناس: ألا من أراد أن ينظر إلى قضاء دين رسول الله (صلى الله عليه وآله) فليخرج إلى خارج المدينة " فلما كان بالغد خرج الناس، وقال المنافقون: كيف يقضي الدين وليس معه شئ غدا فيفتضح، من أين له ثمانون ناقة حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز، فلما كان الغد اجتمع الناس وخرج علي (عليه السلام) في أهله ومحبيه وجماعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأسر إلى الحسن سرا لم يدر أحد ما هو، ثم قال:

" يا أبا الصمصام، امض مع ابني الحسن إلى كثيب الرمل " فمضى [ الحسن (عليه السلام) ] ومعه أبو الصمصام، وصلى ركعتين عند الكثيب، وكلم الأرض بكلمات لا يدرى ما هي، وضرب الكثيب بقضيب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فانفجر الكثيب عن صخرة ململمة مكتوب عليها سطران:

الأول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعلى الآخر: لا إله إلا الله علي ولي الله، فضرب الحسن تلك الصخرة بالقضيب فانفجرت عن خطام ناقة فقال الحسن (عليه السلام): " قد يا أبا الصمصام " فقاد فخرج منها ثمانون ناقة حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز، ورجع إلى علي (عليه السلام)، فقال: " استوفيت حقك يا أبا الصمصام "؟

فقال: نعم.

فقال: سلم الوثيقة فسلمها إليه فخرقها، فقال: " هكذا أخبرني ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أن الله عز وجل خلق هذه النوق في هذه الصخرة قبل أن يخلق ناقة صالح بألفي عام " ثم قال المنافقون:

____________

(1) المائدة: 67.

(2) آل عمران: 61.

(3) الأحزاب: 33.

(4) المائدة: 55.


الصفحة 338
هذا من سحر علي قليل(1).

الثالث: صاحب ثاقب المناقب قال: وروي هذا الخبر على وجه آخر وهو ما روى أبو محمد الإدريسي، عن حمزة بن داود الديلمي، عن يعقوب بن يزيد الأنباري، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حبيب الأحول، عن أبي حمزة الثمالي، عن شهر بن حوشب عن ابن عباس قال: لما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) وجلس أبو بكر نادى في الناس ألا من كان له على رسول الله عدة أو دين فليأت أبا بكر، وليأت معه شاهداه، ونادى علي بذلك على الإطلاق من غير طلب شاهدين فجاء أعرابي فسلم متقلدا سيفه متنكبا كنانته وفرسه لا يرى منه إلا حافره، وساق الحديث، ولم يذكر الاسم والقبيلة وكان ما وعده مائة ناقة حمر بأزمتها وأثقالها، موقرة ذهبا وفضة بعبيدها، فلما ذهب سلمان بالأعرابي إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له حين بصر به: " مرحبا بطالب عدة والده من رسول الله (صلى الله عليه وآله) "، فقال: ما وعد أبي يا أبا الحسن؟

قال: " إن أباك قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: أنا رجل مطاع في قومي إن دعوتهم أجابوك وإني ضعيف الحال، فما تجعل لي إن دعوتهم إلى الإسلام فأسلموا "؟

فقال (عليه السلام): " من أمر الدنيا أم من أمر الآخرة؟

قال: وما عليك أن تجمعهما لي يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد جمعهما الله لأناس كثيرة؟

فتبسم النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: أجمع لك خير الدنيا والآخرة، فأما في الآخرة فأنت رفيقي في الجنة، وأما في الدنيا فما تريد؟

قال: مائة ناقة حمر بأزمتها وعبيدها موقرة ذهبا وفضة، ثم قال: وإن دعوتهم فأجابوني وقضي علي الموت ولم ألقك فتدفع ذلك إلى ولدي.

قال: نعم، على أني لا أراك ولا تراني في دار الدنيا بعد يومي هذا وسيجيبك قومك، فإذا حضرتك الوفاة فليصر ولدك إلى وليي من بعدي ووصيي، وقد مضى أبوك ودعا قومه فأجابوه وأمرك بالمصير إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو إلى وصيه وها أنا وصيه ومنجز وعده ".

فقال الأعرابي: صدقت يا أبا الحسن، ثم كتب له على خرقة بيضاء وناولها الحسن وقال: " يا أبا محمد سر بهذا الرجل إلى وادي العقيق، وسلم على أهله واقذف الخرقة وانتظر ساعة حتى ترى ما يفعل، فإن دفع إليك شئ فادفعه إلى الرجل " ومضيا بالكتاب.

قال ابن عباس: فسرت من حيث لم يرني أحد، فلما أشرف الحسن على الوادي نادى بأعلى

____________

(1) الثاقب في المناقب: 127 / ح 4.


الصفحة 339
صوته: " السلام عليكم أيها السكان البررة الأتقياء، أنا ابن وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنا الحسن بن علي سبط رسول الله وابن رسول الله ورسوله إليكم " وقد قذف الخرقة في الوادي فسمعت من الوادي صوتا: لبيك لبيك يا سبط رسول الله وابن البتول وابن سيد الأوصياء، سمعنا وأطعنا، انتظر ليدفع إليك، فبينا أنا كذلك إذ ظهر غلام لم أدر من أين ظهر وبيده زمام ناقة حمراء تتبعها ستة، فلم يزل يخرج غلام بعد غلام، في يد كل غلام قطار حتى عددت مائة ناقة حمراء بأزمتها وأحمالها فقال الحسن (عليه السلام): " خذ بزمام نوقك وعبيدك ومالك وامض بها يرحمك الله "(1).

____________

(1) الثاقب في المناقب: 133، ح 5.