ما جرى بعيد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
ومن أهم ما وقع في قلبي من الشبهات والاسئلة: لماذا ترك الخلفاء والصحابة جنازة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بدون تشييع وتغسيل وتكفين وذهبوا إلى السقيفة فتنازعوا لاجل الامارة والرئاسة ؟ ولم يبق على جنازة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ عدّة نفر، على رأسهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) !!
أخرج ابن أبي شيبة عن عروة: أن أبابكر وعمر لم يشهدا دفن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كانا في الانصار فدفن قبل أن يرجعا(1) .
ولماذا لم يبايع أمير المؤمنين (عليه السلام) إلاّ بعد ستة أشهر وهو مكره عليها ؟ ولماذا كشفوا عن بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) حتى كان سبباً لندم الخليفة الاول وتأسفه عليه وهو في مرض موته يقول: وددت أني لم أكشف عن بيت فاطمة، وتركته ولو أُغلِق على حرب...(2)
____________
1 ـ المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 433 ح: 37035، كنز العمال: 5 / 652 ح: 14139، وراجع ما جرى في السقيفة ; تاريخ الطبري: 2 / 234 ـ 238 و241 ـ 246،العقد الفريد: 5 / 11 ـ 13، شرح نهج البلاغة: 6 / 5 ـ 45.
2 ـ شرح نهج البلاغة: 6 / 51، تاريخ الطبري: 2 / 353 أحداث سنة: 13، مروج الذهب: 2/301 ذكر خلافة أبي بكر، العقد الفريد: 5 / 21، لسان الميزان: 4 / 189، مسند فاطمة للسيوطي / 17 ـ 18 ح: 28 عن جماعة من المحدثين.
كما روي عن أبي سعيد الخدري وابن عباس: أنه لما نزلت هذه الاية: ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة و أعطاها فدك.
أخرجه البزار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري، و أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس كما قال السيوطي(1) .
ولماذا هَجرَتْهما حتى لم تأذن لهما أن يحضرا على جنازتها وأمرت أن تُدفن ليلاً ـ كما رواه البخاري ومسلم وغيرهما(2) ـ وهي بنت نبيهم التي قال لها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك»، وهذا الحديث مروي عن علي وفاطمة (عليهما السلام) ومسور بن مخرمة وأم سلمة.
قال المعلّق على المعجم الكبير: وفي هامش الاصل: هذا حديث صحيح الاسناد، وروي من طرق عن علي، رواه الحارث عن علي، وروي مرسلاً، وهذا الحديث أحسن شيء رأيته و أصح إسناد قرأته(3) .
____________
1 ـ الدر المنثور: 5 / 273 ـ 274 من تفسير آية: 26 من سورة الاسراء، المسند لابي يعلى: 2 / 334 و 534 ح: 1075 و 1409، مجمع الزوائد: 7/49.
2 ـ صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة خيبر: 3 / 142 ح: 4240 و 4241، صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): لا نورث الخ: 12 / 320 ـ 325 ح: 1759، العقد الفريد: 5 / 14، تاريخ أبي الفداء: 1 / 219، تاريخ الطبري: 2 / 236، شرح نهج البلاغة: 6 / 46.
3 ـ المعجم الكبير: 1 / 108 ح: 182 و22 / 401 ح: 1001، مجمع الزوائد: 9 / 203، ميزان الاعتدال: 2 / 492 م: 4560 و1 / 535 م: 2002، المناقب لابن المغازلي / 351 ـ 353 ح: 401، 402، أسد الغابة 5/522، الاصابة: 4 / 378، حلية الاولياء: 2 / 40، تهذيب التهذيب: 12 / 392م: 9005، المستدرك: 3 / 154،159 وصححه، مختصر تاريخ دمشق: 2 / 269، فرائد السمطين: 2 / 46، 67 ح: 378، 391، كنز العمال: 12 / 111 ح 34237 و 34238 عن الديلمي وأبي يعلى و الطبراني، علل الحديث للدارقطني: 3 / 103 س: 305، وعن الكامل لابن عدي: 1 / 2 / 137 ومعرفة الصحابة: 2 / 319 / 2، الذرية الطاهرة للدولابي / 167 ح: 226.
ولماذا أمرت باخفاء قبرها الشريف ؟ ولا يعلم بمحل دفنها إلى الان أحد، و هي سيدة نساء العالمين !!
____________
1 ـ صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة باب مناقب فاطمة (عليها السلام): 3/ 35 ح 3767، كنز العمال: 12 / 108 و 112 ح: 34222 و 34244.
كيفية بيعة علي (عليه السلام) لابي بكر
قال ابن قتيبة: وإن أبابكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لاحرقنها على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة ؟ فقال: وإن !
وفي العقد الفريد وتاريخ أبي الفداء: حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب، ليخرجوا من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: يابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا ؟ قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الامة.
ثم قال ابن قتيبة: فخرجوا فبايعوا إلاّ علياً، فإنه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها، فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقاً.
فأتى عمر أبابكر، فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟ فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له: اذهب فادع لي علياً، قال: فذهب إلى علي، فقال له: ما حاجتك ؟ فقال: يدعوك خليفة رسول الله، فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فرجع فأبلغ الرسالة، قال: فبكى أبوبكر طويلاً، فقال
وما ذكره ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه فبهذه الصورة: ثم دخل عمر فقال لعلي: قم فبايع، فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده وقال: قم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير، ثم أمسكهما خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقاً عنيفاً واجتمع الناس ينظرون، وامتلات شوارع المدينة بالرجال، ورأت فاطمة ما صنع عمر فصرخت وولولت واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن، فخرجت إلى باب حجرتها، ونادت: يا أبابكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟! والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله....
فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تعرفانه وتفعلان به ؟ قالا: نعم، فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: « رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني» ؟ قالا: نعم سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قالت: فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لاشكونكما إليه.
فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبوبكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: والله لادعون الله عليك في كل صلاة أصلّيها، ثم خرج باكياً فاجتمع إليه الناس، فقال لهم: يبيت كل رجل معانقاً حليلته مسروراً بأهله وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي.
ثم ذكر ابن قتيبة كيفية بيعته سلام الله عليه وأنه لم يبايعه إلاّ بعد وفاة
ومن أجل أن ابن قتيبة كان من قدماء أهل السنة رجحنا كلامه على من سواه فأوردناه بطوله. وإن كان ابن قتيبة استحق بسبب كتابه هذا أن يوصف من قِبَلِ ابن العربي بالصديق الجاهل. يعني أن صديقه العاقل هو الذي يكتم الحقائق المخالفة لمذهبه.
____________
1 ـ الامامة والسياسة لابن قتيبة: 1 / 30 ـ 32، العقد الفريد: 5 / 13، تاريخ أبي الفداء: 1/219، شرح نهج البلاغة: 6 / 48 ـ 49، وراجع رواية عائشة في صحيح البخاري، كتاب المغازي: 3 / 142 ح: 4240 ـ 4241، صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): لا نورث...: 12 / 320 ـ 325 ح: 1759، شرح نهج البلاغة: 6 / 11، تاريخ المدينة لابن شبة: 1 / 110.
الباب الذي أوجب الله على المسلمين الدخول منه
وكنت أفكر في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب».
وقد ورد هذا الحديث بهذا اللفظ عن كل من: علي (عليه السلام) وعبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر بطرق كثيرة، وقد اعترف المحدثون بصحة بعض الطرق الواردة عن الثلاثة الاُول.
وجاء في رواية جابر: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي: «هذا أمير البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله ـ يمد بها صوته ـ أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب».
وأخرجه الحاكم النيسابوري عن ابن عباس وجابر، وذكر صدر رواية جابر في موضع وذيلها في موضع آخر، واعترف بصحته.
وأخرجه ابن عدي عن ابن عباس وجابر بن عبد الله.
وأورده المتقي الهندي في عدة مواضع من كنزه ذاكراً اعتراف ابن جرير وابن معين والحاكم بصحته، ثم قال: قال الحافظ صلاح الدين العلائي: قد قال ببطلانه أيضاً الذهبي في الميزان وغيره، ولم يأتوا في ذلك بعلة قادحة سوى دعوى الوضع، دفعاً بالصدر.
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنا دار الحكمة وعلي بابها ـ أو أنا مدينة الحكمة وعلي بابها ـ ومن أراد فليأت الباب».
ثم استمر في مناقشة كلام الذهبي، فمن أراد فليراجع(1) .
____________
1 ـ حلية الاولياء: 1 / 63 ـ 64، سنن الترمذي: 5 / 402 ح: 3744، المستدرك: 3 / 126 ـ 127 و 129، مصابيح السنة: 2 / 451 ح: 2687 ب: 31 من كتاب الفتن، المناقب للخوارزمي / 83، 200 ح:69، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي 80 ـ 87 ح: 120 ـ 129، كنز العمال: 13 / 147 و 148 و 149 ح: 36462 و 36463 و 36464 و11 / 600 و 614 ح: 32889 و 32890 و 32978 و 32979، تذكرة الخواص لابن الجوزي / 52، تاريخ بغداد: 2 / 377 م: 4887 / 348 م: 2186 و7 / 173 م: 3613 و11 / 48 ـ 50 م: 5728 و 204 و 205 م: 5908، منتخب الكنز: 5 / 30، مناقب علي بن أبي طالب لابن أخي تبوك / 427 ح: 2، الرياض النضرة: 3 / 159، ذخائر العقبى / 141، فردوس الاخبار: 1 / 76 ح: 108 و 109 و 111، المعجم الكبير: 11 / 55 ح: 11061، مجمع الزوائد: 9 / 114، لسان الميزان: 2 / 123 م: 513 و1 / 197 م: 620، الفصول المهمة /36، الصواعق المحرقة / 122، ميزان الاعتدال: 1 / 109 و 110 م: 429، كلام المغربي المذكور في فتح الملك العلي / 98 ـ 99، المؤتلف والمختلف: 2 / 625، كفاية الطالب / 102 ـ 103 و 192 ـ 193، المنتظم في تاريخ الملوك والامم: 11 / 243 م: 1396، تاريخ دمشق: 42 / 226 و 378 ـ 383، فرائد السمطين: 1 / 98 ـ 99 ح: 67، 68، سبل الهدى والرشاد: 11 / 292، تهذيب الاثار، مسند علي بن أبي طالب: 4 / 104، 105، مناقب الاسد الغالب / 31، ينابيع المودة / 65 و 71 و 72 و 183، الكامل لابن عدي: 1 / 311 و 316 م: 27 و 32 و 3 / 201 م: 474 و6 / 302 م: 1336، مقتل الحسين/76، علل الحديث: 3 / 247 س: 386، تهذيب الكمال: 11 / 462 م: 4003 و13 / 303 م: 4673 وحكى فيه تصحيح ابن معين للحديث، الاستيعاب: 3 / 205 في ترجمة علي(عليه السلام)، الشريعة: 3 / 232.
قال السيوطي: أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والواحدي وابن مردويه وابن عساكر وابن البخاري عن بريدة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي: «إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي وحق لك أن تعي»، فنزلت هذه الاية: ( وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) .
وأخرجه الحسكاني بعدة طرق في شواهده.
وقريب من هذا ماروي عن أبي رافع و ابن عباس ووهب وبعض الطرق المروية عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
وفي رواية واردة عنه (عليه السلام): أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «يا علي إن الله أمرني أن
وقال الصالحي الشامي: وروى سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن مكحول، وسعيد بن منصور وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عنه عن علي، وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر وابن النجار عن بريدة، وأبو نعيم من طريق آخر عن علي في قوله تعالى: ( وَتَعِيَها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) .. ثم ذكر الحديث كما تقدم(1) .
والحديث المروي عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (عليه السلام): «يا علي أنت تبين لامتي ما اختلفوا فيه من بعدي»(2) .
والحديث المروي عن أبي ذر أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «علي باب علمي ومبين
____________
1 ـ الدر المنثور: 8 / 267 حول آية: 12 من سورة الحاقة، حلية العلماء: 1 / 67، شواهد التنزيل: 2 / 363 ـ 377 ح: 1008 ـ 1027، مجمع الزوائد: 1 / 131، كنز العمال: 13 / 135 ـ 136 و 177 ح: 36426 و 36525، مختصر تاريخ دمشق: 20 / 250، المناقب للخوارزمي / 282 ح: 276 و 277، كفاية الطالب / 94 ـ 95، سبل الهدى والرشاد: 11 / 289، تاريخ دمشق: 42 / 361، فرائد السمطين: 1 / 200 ح: 156 ب:40، البحر الزخار: 6 /211 ح: 2252 و 9 / 324 ـ 325 ح: 3878، الشريعة للاجري: 3 / 259 ـ 260 ح: 1644.
2 ـ منتخب كنز العمال: 5 / 33، المستدرك: 3 / 122، تاريخ دمشق: 42 / 387، المناقب للخوارزمي / 329 ح: 346، كنز العمال: 11 / 615 ح: 32983.
وقول أمير المؤمنين (عليه السلام): علّمني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ألف باب من العلم، واستنبطت من كل باب ألف باب.
وفي رواية: كل باب يفتح ألف باب.
وفي رواية أخرى: فتشعب لي من كل باب ألف باب.
وفي رواية عن ابن عباس: علمه ألف ألف كلمة كل كلمة تفتح ألف كلمة .
ذكر فخر الدين الرازي هذا الحديث في تفسيره الكبير ثم قال: فإذا كان حال الولي هكذا فكيف حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(2) .
وقوله (عليه السلام): سلوني، فو الله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا أخبرتكم به. وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم بسهل أم بجبل...(3) .
____________
1 ـ كنز العمال: 11 / 614 ح: 32981.
2 ـ مفاتيح الغيب تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً) آية: 33 من سورة آل عمران: 8 / 23، فتح الملك العلي / 19، كنز العمال: 13 / 164 و 165 ح: 36420 و 36500، فرائد السمطين: 1 / 101 ح: 70، ينابيع المودة / 77 ـ 78 ب: 14.
3 ـ الاصابة في تمييز الصحابة: 4 / 467 م: 5704، الاستيعاب: 3 / 208 في ترجمة علي (عليه السلام)، فتح الملك العلي / 37 ـ 38، جواهر المطالب: 1 / 204، جامع المسانيد والسنن: 19 / 16، تاريخ دمشق: 42 / 397 ـ 400، أنساب الاشراف: 2 / 351، كفاية الطالب / 181، ينابيع المودة / 74 ب: 14، درر السمطين / 126.
وإذا قابلنا بين ماروى محدثو أهل السنة عنه وبين ما رووا عن غيره ممن لم يُسلِموا إلاّ في أواخر عهد الرسالة أمثال أبي هريرة، وجدنا فرقاً عظيماً.
فهذا محمد بن إسماعيل البخاري الذي نعدّ كتابه أصح الكتب بعد كتاب الله ! قد روى فيه عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)تسعة وعشرين حديثا، وروى عن أبي هريرة اربعمائة وستة وأربعين حديثا.
وذاك مسلم القشيري روى عن الامام (عليه السلام)ثمانية وستين حديثاً مع الاحاديث المتكررة عنه في صحيحه، وروى عن أبي هريرة ألفا وخمسين حديثاً كذلك(1) .
بل وصلتْ نتيجةُ عدم الاهتمام بهذا الشخص الذي أُمِرْنا باتباعه وأخذ العلم والدين منه إلى الجهل بمحل دفنه ومرقده المقدس.
____________
1 ـ هدى الساري مقدمة فتح الباري / 660 و661، الفهارس لصحيح مسلم بشرح النووي / 396 ـ 422 و500 و 501.
المبشرون بالجنة
ومما أثار الشبهة في ذهني: أنه قد وردت روايات صحيحة مستفيضة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بشارة بعض الصحابة بالجنة: كحمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة وأبي ذر الغفاري ومقداد بن الاسود وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم.
بل يوجد من بين هؤلاء من بلغوا إلى درجة من الاهمية حتى كان سبباً لان يوجب الله على نبيه أن يحبهم، كما روي عن بريدة بعدة طرق بعضها صحيحة وبعضها حسنة: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إن الله أمرني بحب أربعة وأخبرني أنّه يحبهم»، قيل يارسول الله سمهم لنا، قال: «علي منهم» ـ يقول ذلك ثلاثا ـ «وأبوذر والمقداد وسلمان، وأمرني بحبهم وأخبرني أنه يحبهم».
أخرجه أحمد وابنه عبد الله والقطيعي والترمذي وابن ماجه و أبو نعيم وابن عساكر وغيرهم، وأخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه(1) .
____________
1 ـ سنن الترمذي: 5 / 400 ح: 3739، المستدرك: 3 / 130، مسند أحمد: 5 / 351 و356، وابن ماجه في المقدمة: 1 / 53 ح 149، مناقب علي (عليه السلام)لابن المغازلي / 290 ـ 292 ح: 331 ـ 333 بثلاث طرق، وحلية الاولياء: 1 / 172 و 190، وكفاية الطالب / 82، 83، مختصر تاريخ دمشق: 10 / 40 و17 / 366 و 28 / 290، المناقب للخوارزمي / 74 و 69 ح: 42 و 54، الصواعق المحرقة / 122.
وعن البخاري في التاريخ، جامع المسانيد والسنن: 19 / 25، فرائد السمطين: 1 / 294 ح: 232 ب : 55، فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل: 2 / 648 و 689 و 691 ح: 1103 و1176 و 1181، ينابيع المودة / 183.
وقد روي في ذلك عن علي (عليه السلام)وحذيفة بن اليمان أيضا(1) .
ورغم كل ذلك لم يُروّجوها بين الناس، وعندما وجدوا رواية واحدة فيها بشارة بالجنة لعشرة أشخاص ـ وجلّهم من الذين كان مدحهم ينفع السلطة الحاكمة وسياستها ـ أذاعوها بين الناس وحفَّظوها صبيانهم ونساءهم، وحرروها في كتبهم العقائدية بأن المبشرين بالجنة كانوا عشرة نفر، فلم كل هذا ؟! مع أن الحديث ليس بصحيح، بل الظاهر أنه وضع في مقابل حديث (الطير) وحديث (أول داخل) الواردين في حق أميرالمؤمنين (عليه السلام).
____________
1 ـ مناقب علي بن أبي طالب لابن أخي تبوك / 436 ح: 21، سنن الترمذي: 5 / 438 ح: 3822، المستدرك مع تلخيصه وصححاه: 3 / 137، الصواعق المحرقة / 125، جامع المسانيد والسنن: 19 / 34 و 21 / 307 ح: 685، فرائد السمطين: 1 / 293 ح: 231 ب: 55، أنساب الاشراف: 2 / 364، ينابيع المودة / 126، مختصر تاريخ دمشق: 10 / 40 ـ 41.
أخرجه الحاكم، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً، ثم صحّت الرواية عن علي وأبي سعيد وسفينة....
وقال الذهبي: وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جداً قد افردتها بمصنّف، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل.
أقول: وهو مروي عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله ويعلى بن مرة وعمرو بن العاص أيضاً.
وقال ابن سمعانة سعيد بن زربي إنما حدث به عن ثابت عن أنس، وقد روى جماعة عن أنس منهم سعيد بن المسيب وعبد الملك بن عمير ومسلم الملائي وسليمان بن الحجاج الطائفي وابن أبي رجال المدني وأبو الهندي وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر ويغنم بن سالم بن قنبر وغيرهم. انتهى كلامه وأخرجه أبو نعيم الاصفهاني في الحلية، وقال: رواه الجم الغفير عن أنس .
وأخرجه الكنجي الشافعي بعدة طرق، ثم قال: وحديث أنس الذي صدرته في أول الباب أخرجه الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري عن ستة وثمانين رجلاً كلهم رووه عن أنس، وهذا ترتيبهم على حروف المعجم... ثم ذكر أسمائهم، فمن أراد فليراجع [ كفاية الطالب ] له.
ورواه ابن عساكر في تاريخه بطرق كثيرة، وابن عدي في الكامل. وأورده ابن الجوزي في تذكرته، ثم قال: قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: حديث الطائر صحيح، يلزم البخاري ومسلم اخراجه في صحيحيهما لان رجاله ثقات وهو من شرطهما(1) .
____________
1 ـ حلية الاولياء: 1 / 63 و6 / 339، المعجم الكبير: 7 / 82 ح: 6437 و1/ 253 ح: 730، المعجم الاوسط: 2 / 443 ح: 1765 و10 / 171 ـ 172 ح: 9368، السنن الكبرى للنسائي ذكر منزلة علي من الله عزوجل: 5 / 107 ح: 8398، مجمع الزوائد بعدة طرق: 9 / 125، 126 عن أبي يعلى والبزار من أحاديث أنس وعن الطبراني من أحاديث ابن عباس، كنز العمال: 13 / 166 ـ 168 ح: 36505 ـ 36508، المستدرك: 3 / 130 ـ 131، سنن الترمذي: 5 / 401 ح: 3742، مختصر تاريخ دمشق: 17 / 362 ـ 364 أسد الغابة: 4 / 30، ذخائر العقبى / 116 ـ 117، الرياض النضرة: ج 3 من مجلد 2 / 114 ـ 115 عن سفينة، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي / 156 ـ 175 ح: 189 ـ 212، فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل: 2 / 560 ح: 945 عن سفينة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، تذكرة الخواص / 44، الفصول المهمة / 37، مناقب علي لابن أخي تبوك / 435 ح: 18، تاريخ بغداد 3 / 171 م: 1215 و8 / 382 م: 4489 و9 / 369 م: 4944 و11 / 376 م: 6232، المناقب للخوارزمي / 77 و 107 ـ 108 و 115 ح: 60 و 114 و 113 و 125، كفاية الطالب / 125 ـ 134، سير أعلام النبلاء الخلفاء / 235، مشكاة المصابيح للتبريزي : 3 / 356 ح: 6094، تاريخ ابن عساكر: 42 / 245 ـ 258، فرائد السمطين: 1 / 209 ـ 215 ح: 165 ـ 167 ب: 42، ينابيع المودة / 56، جامع المسانيد والسنن: 19 / 42 و21 / 63 ح: 93 و22 / 513 ح: 1971، المطالب العالية: 4 / 61 ـ 62 ح: 3962 و 3964، البداية والنهاية: 7 / 387 ـ 390، المؤتلف والمختلف: 4 / 2234، مقتل الحسين / 79 ح: 32، الكامل لابن عدي: 3/280 م: 508، تذكرة الحفاظ: 3 / 10 م 962.
وأخرجه ابن عساكر ومحمد بن سليمان من طرق، والموفق بن أحمد والجويني عن أنس بن مالك(1) .
____________
1 ـ حلية الاولياء: 1 / 63، شرح نهج البلاغة: 9 / 169، مختصر تاريخ دمشق: 17 / 376، المناقب للخوارزمي / 85 ح: 75، كفاية الطالب / 184، تاريخ دمشق: 42 / 303 و 386، فرائد السمطين: 1 / 145 ح: 109 ب: 27، ينابيع المودة / 313، مناقب الامام أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان: 1 / 360 ـ 361 و 391 و 394 ح: 290 و 313 و 317.
وصية النبي الممنوعة
وفي تلك الاثناء حصلت على كتاب باسم: [ المراجعات ] وهو كتاب متضمن لاسئلة واحد من كبار علماء أهل السنة والجماعة وأجوبة العلامة شرف الدين من أعلام الشيعة حول مسألة الامامة، وقد تأثرت بتلك الاسئلة الدقيقة والاجوبة العميقة بشكل جدي.
فعندما وصلت إلى رزية يوم الخميس ورأيت إباء الخليفة الثاني ورفقائه من أن يستمعوا إلى وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنعهم من أن يسجّلها وهو على وشك الفراق والوداع لهذا العالم الفاني، مع أن تلك الوصية كانت في غاية الاهمية !! بل كانت وثيقة أمان لهذه الامة من الضلالة ومستمسك نجاة من الغواية، ومع ذلك احتالوا بكل وسعهم للتخلص من تلك الوصية، حتى ألجأوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى طردهم من المجلس.
وحاصل القصة: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اشتدّ مرضه في يوم الخميس قبل وفاته بأيام، وكان أصحابه حوله جالسين، فأراد أن يكتب لهم وصيته الاخيرة لئلا يختلف المسلمون ولا يضل أحد منهم بعدها، فأمرهم باحضار الدواة والكتف
ومع الاسف فقد نجح القوم في خطتهم وصاروا سبباً لحرمان الامة من تلك الوصية المقدسة.
ولا شك أن هذه كانت أفجع مصيبة في تاريخ الامة الاسلامية.
وإليك تفصيل ما ورد حول القصة من الاخبار:
أخرج البخاري وأبو عوانة وأبو إسماعيل الانصاري بعدة أسانيد ومسلم وأحمد بن حنبل وعبد الرزاق وابن حبان والنسائي وابن سعد والبيهقي وغيرهم عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس: قال: لما حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ـ قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده»، فقال عمر: إن النبي قد غلب عليه الوجع
وأورده التبريزي في مشكاته والذهبي في أعلام النبلاء وابن كثير الشامي في تاريخه وابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه ثم قال: اتفق المحدثون كافة على روايته، وذكره ابن حزم الظاهري بالمعنى في سيرته، ونقله سعيد حوى في أساسه(1) .
____________
1 ـ صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض: قوموا عني4 / 29 ح: 5669 ـ وكتاب المغازي باب مرض النبي ووفاته: 3 / 182 ح: 4432 ـ وكتاب الاعتصام بالسنة باب كراهية الاختلاف: 4 / 375 ح: 7366، صحيح مسلم كتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه: 3 / 1019 ح: 22 من مسلسل: 1637، وبشرح النووي: 11/102، مسند أحمد بن حنبل 1 / 324 ـ 325 و 336، المصنف لعبد الرزاق بدأ مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): 5 / 438 ح: 9757، صحيح ابن حبان كتاب التاريخ ذكر إرادة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) كتابة الكتاب لامته لئلاّ يضلوا بعده: 14 / 562 ح: 6597، السنن الكبرى للنسائي كتاب الطب باب قول المريض قوموا عني: 4 / 360 ح: 7516 ـ وباب 11 من كتاب العلم: 3 / 433 ح: 5852، مشكاة المصابيح كتاب الفضائل الفصل الثالث: 3 / 322 ح: 5966، مرقاة المفاتيح: 5 / 497، الطبقات الكبرى لابن سعد: 1 / 518، دلائل النبوة: 7 / 183، سير أعلام النبلاء: 2 / 458، البداية والنهاية: 5 / 247، شرح نهج البلاغة 6 / 51، جوامع السيرة النبوية لابن حزم / 209، أضواء على السنة / 55، السيرة الحلبية: 3 / 344، خاتم النبيين: 2 / 989، الوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي / 794، مسند أبي عوانة كتاب الوصايا: 3 / 476 ح: 5757 و 5758 و 5759، الاساس في السنة، السيرة النبوية: 2 / 1039، ذم الكلام وأهله: 2 / 10 ـ 12 ح: 124.
____________
1 ـ صحيح البخاري كتاب الجزية والموادعة باب اخراج اليهود من جزيرة العرب: 2 / 410 ح : 3168، صحيح مسلم كتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه: 3 / 1018 وفي طبع آخر: 11 / 99 ح: 1637، مسند أحمد: 1 / 222، دلائل النبوة باب ما جاء في همه بأن يكتب لاصحابه كتاباً: 7 / 181، سير أعلام النبلاء: 2 / 458، سبل الهدى والرشاد الباب الثاني عشر في إرادته (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكتب لاصحابه كتاباً فاختلفوا فلم يكتب: 12 / 247، السنن الكبرى للبيهقي : 9 / 207، مشكاة المصابيح: 3 / 322 ح: 5966، مرقاة المفاتيح: 5 / 498، مسند أبي عوانة: 3 / 477 ح: 5760 و 5761، جامع المسانيد والسنن: 30 / 264 ح: 516، الاساس في السنة: 2 / 1039، المعجم الكبير: 12 / 55 ـ 56 ح: 12507، ذم الكلام وأهله: 2 / 13 ـ 14 ح: 125.
فقال ابن الاثير: أي هل تغير كلامه واختلط لاجل مابه من المرض ؟ وهذا أحسن ما يقال فيه، ولا يجعل إخباراً فيكون من الفحش أو الهذيان، والقائل عمر، ولا يظن به ذلك.
وقال القاري ـ بعد أن ذكر كلام ابن الاثير المذكور ـ: قال الخطابي: ولا يجوز أن يحمل قول عمر على أنه توهم الغلط على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو ظن به غير ذلك مما لا يليق بحاله، لكنه لما رأى ما غلب عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) من الوجع وقرب الوفاة مع ما غشيه من الكرب، خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيه، فيجد المنافقون بذلك سبيلاً إلى الكلام في الدين، وقد كان أصحابه يراجعونه في بعض الامور قبل أن يجزم فيها بتحتم، كما راجعوه يوم الحديبية في الخلاف وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش..
وذكر النووي كلام الخطابي في شرحه، ونقل العسقلاني شيئاً منه في الفتح(1) .
____________
1 ـ النهاية لابن الاثير: 5 / 246، مرقاة المفاتيح: 5 / 498 ـ 499، شرح صحيح مسلم: 11 / 100، فتح الباري: 1 / 279 حول ح: 114.
فأرادوا بهذه المحاولة أن يخففوا من شناعة المقابلة، ولكن لم يساعدهم ما جاء في ذيل الخبر والالفاظ الاخرى، مثل: (هجر رسول الله) كما جاء في لفظ آخر للبخاري، و (ان رسول الله يهجر) كما جاء في لفظ مسلم وأحمد وابن جرير، وغير ذلك.
وأخرج البخاري في الصحيح وابن سعد في الطبقات وابن جرير في التاريخ بسندين والنسائي في السنن وأبو يعلى في المسند والبيهقي في الدلائل، وأورده الزيلعي في نصب الراية وابن كثير الشامي وابن الاثير الجزري في تاريخيهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس !! اشتد برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعه، فقال: «ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً»، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي نزاع، فقالوا: ما شأنه أهجر ؟! استفهموه، فذهبوا يردون عليه، فقال: «دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه...».
وأخرجه أبو داود في سننه، إلاّ أن الحمية المذهبية غلبت عليه فلم يستطع أن يذكر صدر الحديث فبتره(2) .
____________
1 ـ النجم: 3 ـ 4.
2 ـ صحيح البخاري كتاب المغازي باب مرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووفاته: 3 / 181 ح: 4431، الطبقات الكبرى ذكر الكتاب الذي أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكتب: 1 / 517، تاريخ الطبري: 2 / 228، دلائل النبوة: 7 / 181، البداية والنهاية: 5 / 247، الكامل في التاريخ ذكر أحداث سنة: 11 ذكر مرض الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) 2 / 7، سنن أبي داود الخراج والامارة باب إخراج اليهود من جزيرة العرب: 3 / 165 ح: 3029، السنن الكبرى للنسائي باب 11 من كتاب العلم: 3 / 434 ح: 5854.
وأخرج أيضاً عن عبيد الله عن ابن عباس، قال: لما اشتد بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعه قال: «ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده» قال عمر: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غلبه الوجع وعندنا كتاب الله، حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط. قال: «قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع»، فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و بين كتابه(1) .
وأخرج مسلم في صحيحه وأحمد وأبو عوانة في مسنديهما والطبري في تاريخه وابن سعد في طبقاته وأبو نعيم في حليته، وأورده ابن كثير في جامعه
____________
1 ـ صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير باب جوائز الوفد: 2 / 373 ح: 3053، وكتاب العلم باب كتابة العلم: 1 / 57 ح: 114، مسند أبي يعلى: 4/ 298 ح: 2409، نصب الراية كتاب السير ـ الجزية: 3 / 455.
وقال الغزالي: ولما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال قبل وفاته: «إيتوني بدواة وبياض لازيل عنكم إشكال الامر، وأذكر لكم من المستحق لها بعدي»، قال عمر: دعوا الرجل فإنه ليهجر.
وما نقله ابن الجوزي عن الغزالي كان بهذا الشكل: ولما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال قبل وفاته بيسير: «إيتوني بدواة وبياض لاكتب لكم كتاباً لا تختلفوا فيه بعدي»، فقال عمر: دعوا الرجل فإنه ليهجر(2) .
وأخرج أحمد بن حنبل عن طاووس عن ابن عباس، أنه قال: لما حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إيتوني بكتف أكتب لكم فيه كتاباً لا يختلف منكم
____________
1 ـ مسند أحمد 1 / 355، صحيح مسلم كتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس عنده شيء: 3 / 1018، وفي طبع: 11 / 101، تاريخ الطبري: 2/ 229، الطبقات الكبرى: 1 / 517، مسند أبي عوانة: 3 / 477 ـ 478 ح: 5762 و 5763، جامع المسانيد والسنن: 30 / 272 ـ 273 ح: 536، حلية الاولياء: 5 / 25.
2 ـ تذكرة الخواص الباب الرابع في ذكر خلافته: / 62، وفي طبع آخر / 65، سر العالمين وكشف ما في الدارين للغزالي باب في المقالة الرابعة / 21، أضواء على السنة المحمدية / 55.
قال في هامش جامع المسانيد: تفرد به أحمد في مسنده وإسناده صحيح(1) .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس أنه قال: دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله)بكتف فقال: «إيتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تختلفوا بعدي أبدا»، فأخذ من عنده من الناس في لغط، فقالت إمرأة ممن حضر: ويحكم عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليكم، فقال بعض القوم: اسكتي فإنّه لا عقل لك، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنتم لا أحلام لكم»(2) .
أخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ائتوني بكتف ودواة أكتب لكم كتاباً لا يختلف فيه رجلان»، قال: فأبطأوا بالكتف والدواة، فقبضه الله(3) .
أخرج ابن سعد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: اشتكى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الخميس، فجعل ـ يعني ابن عباس ـ يبكي ويقول: يوم الخميس وما يوم الخميس !! اشتدّ بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعه، فقال: «إئتوني بدواة و
____________
1 ـ مسند أحمد بن حنبل: 1 / 293، جامع المسانيد والسنن: 30 / 584 ح: 1197.
2 ـ المعجم الكبير: 11 / 30 ح: 10961، مجمع الزوائد: 4 / 214 ـ 215، سبل الهدى والرشاد: 12 / 248.
3 ـ المعجم الكبير: 11 / 30 ح: 10962.
أخرج الطبراني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما كان يوم الخميس وما يوم الخميس ؟! ثم بكى، فقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إئتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً» فقالوا: يهجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم سكتوا وسكت، قالوا: يا رسول الله ألا نأتيك بعد ؟ قال: «بعد ما ؟!»(2) .
إن رواية الطبراني هذه قد أوردها ابن كثير الشامي في جامعه بهذا اللفظ، وإذا راجعت النسخة المطبوعة في دار إحياء التراث العربي من المعجم الكبير ستصادف فيه إسقاط قوله: فقالوا: يهجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم سكتوا وسكت.
لعل هؤلاء يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ولا يشعرون بأن خدمة الاسلام لا تكون بكتمان الحقائق، فبدل أن يسعى هؤلاء الاعزاء لاجل كشف القناع الذي طرح على الاسلام المحمدي في عصر بني أمية، وبدل أن يفكروا في سبب التباس الحق بالباطل، تراهم يتبعون ما ألفوا عليه أسلافهم، ويكتمون ما انفلت من أيديهم، مع أنهم في عصر ليس فيه الخوف من أسيافهم
____________
1 ـ الطبقات الكبرى: 1 / 517.
2 ـ المعجم الكبير: 11 / 352 ح: 12261، جامع المسانيد والسنن: 30 / 281 ح: 550.
أخرج ابن سعد عن عكرمة عن ابن عباس: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في مرضه الذي مات فيه: «إئتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً»، فقال عمر بن الخطاب: من لفلانة وفلانة مدائن الروم ؟ إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس بميت حتى نفتتحها، ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو اسرائيل موسى !! فقالت زينب زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ألا تسمعون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعهد إليكم ؟ فلغطوا، فقال: «قوموا»، فلما قاموا قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مكانه(1) .
وقد استعمل عمر هذه السياسة في يوم وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبيل حادثة السقيفة أيضاً.
وأخرج البلاذري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس ! إشتد فيه وجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وبكى ابن عباس طويلاً ـ ثم قال: فلما اشتد وجعه قال: «إئتوني بالدواة والكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلّون معه بعدي أبدا»، فقالوا: أتراه يهجر، وتكلّموا ولغطوا، فغم ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأضجره، وقال: «إليكم عني»، ولم يكتب شيئاً(2) .
وأخرج الحميدي والبغوي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس يقول: يوم
____________
1 ـ الطبقات الكبرى: 1 / 518.
2 ـ أنساب الاشراف ـ أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين بدئ: 2 / 236.
وأخرج الطبراني في الاوسط عن عمر بن الخطاب، قال: لما مرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «ادعوا لي بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعدي أبداً»، فكرهنا ذلك أشد الكراهة، ثم قال: «ادعوا لي بصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده أبداً»، فقال النسوة من وراء الستر: ألا يسمعون ما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟! فقلت: إنكن صواحبات يوسف، إذا مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عصرتن أعينكن، وإذا صح ركبتن عنقه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «دعوهن فانهن خير منكم»(2) .
وأخرج ابن سعد عن عمر بن الخطاب أنه قال: كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبيننا وبين النساء حجاب، فقال رسول الله: «اغسلوني بسبع قرب وآتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبدا»، فقال النسوة: ائتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحاجته، قال عمر: فقلت: اسكتن فإنكن صواحبه، إذا
____________
1 ـ المسند للحميدي: 1 / 241 ح: 526، شرح السنة كتاب السيرالجهاد باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب: 6 / 409 ـ 410 ح: 2755.
2 ـ المعجم الاوسط: 6 / 162 ح: 5334، مجمع الزوائد: 9 / 34، مجمع البحرين: 1 / 379 ب: 34 ح: 1225.
وأخرج أحمد بن حنبل عن جابر بن عبد الله: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلون بعده، فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها(2) .
وأخرج ابن سعد عن جابر بن عبد الله الانصاري، قال: لما كان في مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي تُوفيَ فيه دعا بصحيفة ليكتب فيها لامّته كتاباً لا يَضِلون ولا يُضلون، قال: فكان في البيت لغط وكلام، وتكلم عمر بن الخطاب، قال: فرفضه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(3) .
وأخرج أبو يعلى الموصلي وأبو إسماعيل الهروي عن جابر بن عبد الله، قال: دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بصحيفة عند موته يكتب فيها كتاباً لامّته، قال: «لا يَضِلون ولا يُضلون»، فكان في البيت لغط، فتكلم عمر بن الخطاب، فرفضه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأخرج أبو يعلى عنه أيضا أنه قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً، لا يَضِلون بعده وَلا يُضلون، وكان في البيت لغط
____________
1 ـ الطبقات الكبرى: 1 / 518 باب ذكر الكتاب الذي أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكتب لامته، كنز العمال: 7 / 243 ح: 18771، الكامل لابن عدي: 3 / 108 بهامشه.
2 ـ مسند أحمد: 3 / 346، مجمع الزوائد: 9 / 33، موسوعة السنة: 3 / 346 من مجلد: 22 من مسند أحمد.
3 ـ الطبقات الكبرى: 1 / 518.
قال الهيثمي ـ بعد أن أوردهما في مجمعه ـ: ورجال الجميع رجال الصحيح. وقال الصالحي الشامي: روى أبويعلى بسند صحيح عن جابر، ثم ذكر روايتيه(1) .
وأخرج البلاذري عن جابر: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا بصحيفة، أراد أن يكتب فيها كتاباً لامّته، فكان في البيت لغط، فرفضها(2) .
وعن عائشة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إئتوني بدواة وكتف لاكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده أبداً» وقد أغمي عليه من شدة المرض، حتى قال أحد الحاضرين: إن الرجل ليهجر، وبعد أن أفاق قال القوم: ألا نأتيك بدواة وكتف ؟ فرفض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلاً: «أبعد الذي قلتم ؟! لكن أوصيكم بأهل بيتي خيراً»، ولما قرب أجله أوصى علياً بجميع وصاياه، ثم فاضت نفسه الطاهرة في حجره(3) .
فالسيدة عائشة سعت في روايتها لان تبرر تلك المقابلة النكراء من الخليفة ورفقائه أمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد غاب عنها أن المغمى عليه لا يستطيع أن يتكلّم حتى يهذي ويهجر.
____________
1 ـ مسند أبي يعلى: 3 / 393 و394 ح: 1869 ـ 1871، مجمع الزوائد: 4 / 214 و: 9 / 33، سبل الهدى والرشاد: 12 / 247 و 248، ذم الكلام وأهله: 2 / 14 ح: 126.
2 ـ أنساب الاشراف: 2 / 236.
3 ـ عن موفق بن أحمد، ولم أعثر على مأخذه.
نعم كان كل ذلك باجتهاد سائغ في مقابل النص عند ابن تيمية وإمامه، وإن صار سبباً لافتراق الامة وضلالة الملايين من أهل الملة وقتل مئات الالاف، ومع كل ذلك رفع الله المؤاخذة به !!
وهذا عجيب جداً، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «إئتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده ولا يختلف منكم اثنان ولا يظلمكم أحد»، والخليفة يمنع من ذلك، وابن تيمية يسوغ له مع مشاهدته لِمَا جاء على المسلمين وما وقع فيه الاسلام بسبب المنع من تلك الوصية.
وعندما وقفت على هذه القصة الاليمة ـ بل المصيبة العظيمة ـ فهمت أن في التاريخ حوادث مخفية عنا ووقائع مستورة، وتعجبت من صنيع الخليفة ونسبته تلك الكلمات الشنيعة إلى الرسول الاكرم الذي لا ينطق عن الهوى، ومن كيفية جرأته على ساحة الرسالة وناموس الوحي، ومنعه من كتابة الوصية الضامنة لحماية الامة من الضلالة.
وأعجب من ذلك مخالفة الخليفة لكتاب الله في قوله: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) ، وقوله: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْض أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَْ تَشْعُرُونَ ) ، وقوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ
____________
1 ـ منهاج السنة: 3 / 134 ـ 136.
وأعجب من الجميع دفاعات من قبل بعض علماء أهل السنة والجماعة عن الخليفة لحفظ شخصيته ووقاية مكانته من غير مبالاة بما تنتهي إليه نتيجة تلك الدفاعات من الاهانة والاحتقار بساحة الرسالة المقدسة، بل عدّ بعضهم ذلك الموقف من مناقب الخليفة وفضائله، غافلين عن أن هذه المنقبة المزعومة كانت في مقابل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما نطق به من الوحي، فلم يلتفتوا إلى ما يؤول إليه موقفه (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا عُدَّ الموقف المقابل فضيلة !
قال ابن حجر العسقلاني: وقد عُدَّ هذا من موافقة عمر.
وقال النووي: وأما كلام عمر فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره، لانه خشي أن يكتب (صلى الله عليه وآله وسلم) أموراً ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها، لانها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها، فقال عمر: حسبنا كتاب الله(2) .
فأنت ترى أن النووي قد لاحظ دقة نظر عمر وفقهه !! ولم يلاحظ أن
____________
1 ـ سورة الحشر: 7، وسورة الحجرات: 2، وسورة القتال: 33.
2 ـ فتح الباري: 1 / 278، شرح صحيح مسلم: 11 / 99.
والنووي يسوغ للخليفة مخالفة النص ومعارضته أمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يرى استحقاق العقوبة على ذلك، بل يعده من فضائله، فإذا كان ذلك جائزاً له فلماذا لا يجوز لغيره ؟ وإذا لم يكن جائزاً لغيره فبأي دليل يسوّغونه له ؟! هل أن النص باق على نصيته إذا خالفه غير الخليفة فإذا خالفه عمر يتبدل بغير النص، لانه إن كان في الامة محدَّث فهو عمر.. ؟! لا هذا ولا ذاك، بل ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) ، و ( لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ) ، ولا يخرج من فيه إلاّ الحق.
لماذا منع الخليفة من كتابة الوصية ؟
ثم فكرت مدة طويلة في سبب إباء الخليفة من إجهار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بوصيته وتسجيلها وممانعته من استماع الناس إليها، فلم أقف على علة شرعية مجوزة للخليفة كي يرتكب ذلك العمل الخطير.
فلما رأيت ما قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في عرفات من حديث الثقلين: «يا أيها الناس إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي»(1) .
وما قال في غدير خم من حديث الولاية: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الاخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(2) .
وما قال للانصار في الحديث المروي عن الامام الحسن (عليه السلام) وأنس أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «ادعوا لي سيد العرب» ـ يعني علي بن أبي طالب ـ فقالت
____________
1 ـ سنن الترمذي: 5 / 433 ح: 3811، كنز العمال: 1 / 172 ح: 872.
2 ـ سنن الترمذي: 5 / 434 ح: 3813، مسند أحمد: 3 / 14 و 17 و 26 و 59، المستدرك: 3 / 109 و 148، الخصائص للنسائي / 30.
وفي رواية زيد بن أرقم قال: كنا جلوساً بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: « ألا أدلكم على ما إذا استرشدتموه لن تضلّوا ولن تهلكوا ؟»قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «هو هذا» ـ وأشار إلى علي بن أبي طالب ـ ثم قال: «واخوه ووازروه واصدقوه وانصحوه، فإن جبريل أخبرني بما قلت لكم».
وما جاء في شرح ابن أبي الحديد من حديث زيد بن أرقم فبهذه الصورة: «ألا أدلكم على ما إن تساءلتم عليه لم تهلكوا ؟ إنّ وليكم الله وإمامكم علي بن أبي طالب فناصحوه وصدقوه، فإن جبريل أخبرني بذلك».
وقد روي عن جابر وابن عباس أيضاً، إلاّ أن حديثهما مروي مثل حديث عائشة بشكل مختصر.(1)
____________
1 ـ حلية الاولياء: 1 / 63، شرح نهج البلاغة: 3 / 98 و9 / 170، الرياض النضرة: 2 / 137، كنز العمال من حديث الامام الحسن وأنس: 11 / 619 ح: 33007 و 33006 و13 / 143 و 145 ح: 36448 و 36456، ذخائر العقبى / 129 عن الفضائلي والخجندي، جواهر المطالب: 1 / 105 عن القضاعي والخجندي، مجمع الزوائد: 9 / 131 ـ 132، كفاية الطالب للكنجي وصححه / 182، فرائد السمطين: 1 / 196 ـ 197 ح: 154 ب: 40، ينابيع المودة / 248 ـ 249 و 313، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي / 245 ح: 292، تاريخ بغداد: 11 / 89 ـ 90 م: 5776، تاريخ دمشق: 42 / 304 ـ 306، المستدرك: 3 / 124، مختصر تاريخ دمشق: 17 / 376، الشريعة للاجري: 3 / 254 ح: 1637.
ثم قال ابن أبي الحديد بعد ذكر هذه المحاورة: ذكر هذا الخبر أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب [ تاريخ بغداد ] في كتابه مسندا.
وهذا غريب جداً، فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «لا تضلوا بعده أبداً، ولا يختلف بعدي اثنان» والخليفة يقول: «لا تجتمع عليه قريش، صددته خوفاً من الفتنة» !!
____________
1 ـ شرح نهج البلاغة: 12 / 20 ـ 21 و78 ـ 79.