هل كان أبو بكر من أجود الناس ؟
2 ـ وكان مشهوراً بيننا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «ما نفعني مال أحد مثل ما نفعني مال أبي بكر»، وأنه كان من المنفقين كثيراً على النبي وغيره من المسلمين، وأنه أعتق كثيراً من الارقّاء المعذّبين في سبيل الله.
ولكن عندما ينظر المرء إلى وقائع التاريخ يشك في جميع تلك الادعاءات.
فمثلاً: إن المؤرخين يقولون: إن أبابكر لما خرج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الهجرة أخذ ماله معه، وهو خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف، وكان له غنم يرعاها مولى له باسم عامر بن فهيرة، ويريح عليهما إذا أمسى كي يحتلبا ويذبحا، وأنه اشترى راحلتين له وللنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بثمانمائة درهم(1) .
____________
1 ـ كنز العمال: 16 / 681 ـ 683 ح: 46317 و 46318 عن أحمد والطبراني، مجمع الزوائد: 6 / 59، الثقات لابن حبان: 1 / 117 ـ 120، السيرة النبوية لابن هشام: 2 / 485 و 487 و 488، دلائل النبوة: 2 / 475، سبل الهدى والرشاد: 3 / 239 ـ 240، تاريخ الطبري: 1 / 568 ـ 570.
قال ابن أبي الحديد: قال أبو جعفر (رحمه الله): إني لا أشك أن الباطل خان أبا عثمان والخطأ أقعده والخذلان أصاره إلى الحيرة، فما علم وعرف حتى قال ما قال، فزعم أن علياً قبل الهجرة لم يمتحن ولم يكابد المشاق، وأنه إنما قاسى مشاق التكليف ومحن الابتلاء منذ يوم بدر، ونسي الحصار في الشعب وما مني به منه، وأبوبكر وادع رافه يأكل ما يريد ويجلس مع من يحب، مخلّى سربه طيبة نفسه ساكناً قلبه، وعلي يقاسي الغمرات ويكابد الاهوال ويجوع ويظمأيتوقع القتل صباحاً مساء(1) .
لما نزل قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ) ، فلم يعمل بها غير علي (عليه السلام)، لا الصديق الجواد ! ولا غيره من الصحابة.
فقد ورد من طرق أهل السنة والجماعة بعدة طرق عن أبي أيوب
____________
1 ـ البداية والنهاية: 3 / 105 ـ 106، شرح نهج البلاغة: 13 / 256، سبل الهدى والرشاد: 2 / 377.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي على شرطهما في تلخيصه.
وأورده المتقي الهندي في كنزه عن سعيد بن منصور وابن راهويه وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه(2) .
والعجب من الذهبي كيف استطاع أن يعترف بصحة هذا الحديث !! ولم
____________
1 ـ سورة المجادلة: 12 ـ 13.
2 ـ المستدرك مع تلخيصه: 2 / 482، شواهد التنزيل للحسكاني: 2 / 311 ـ 324 ح: 949 ـ 966 حول الاية: 171، المناقب للخوارزمي / 276 ـ 277 ح: 261 ـ 263، المناقب لابن المغازلي / 325 ح: 372 و 373، الجامع لاحكام القرآن: 17 / 302، المصنف لابن أبي شيبة: 6 / 376 ح: 32116، سنن الترمذي: 5 / 196 ح: 3311، منتخب الكنز: 2 / 21، صحيح ابن حبان: 15 / 390 ـ 391 ح: 6941، البحر المحيط: 10 / 129، مفاتيح الغيب: 29 / 271 و 272، تذكرة الخواص / 26، كنز العمال: 2 / 521 ح: 4651 ـ 4652، جامع البيان: 14 / 20 ـ 21، كفاية الطالب / 117 ـ 118، ينابيع المودة / 100 ـ 101، فرائد السمطين: 1 / 357 ح: 283 و 284.
فلما رأيت هذه القصة قلت في نفسي: فلماذا يتصدق من له دينار واحد كل مرة بدرهم كي يتناجى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى نفدت دراهمه العشرة ؟ و لا يتصدق ذلك الرجل الغني الجواد والصحابي الملازم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى بدرهم واحد كي يذهب ويتناجى مع صديقه ؟!
وقد قالوا: إن أبا بكر أنفق جميع أمواله على النبي عدّة مرات، ومنها يوم المسير إلى معركة تبوك، وفيه جهز بأمواله مقداراً عظيماً من جيش الاسلام.
ولكن لو فكر المرء قليلاً يفهم بأن الرجل الجواد لا يستطيع أن يجمع ذلك المقدار من المال في حين أن هناك من المسلمين وخاصة أصحاب الصفة من كانوا في أمس الحاجة إلى انفاق أهل الجود والكرم عليهم.
____________
1 ـ تفسير القرآن العظيم: 4 / 349 ـ 350.
هل كان عمر من أعلم الناس ؟
3 ـ وكان مشهوراً بيننا: أن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وأنّ ملكاً ينطق على لسان عمر، وأنه لو وضع علم عمر في كفة ميزان وعلم أهل الارض في كفة لرجح علم عمر.
وقد أشار ابنه عبد الله إلى علمه قائلاً: تعلّم عمر سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما ختمها نحر جزوراً. وفي بعض الروايات: في بضع عشرة سنة.
واقتفى ابنه عبد الله أثره فتعلمها في ثماني سنين(1) .
وقد أشار الخليفة إلى علمه أيضاً ـ عندما خطَّأته امرأة فيما ذهب إليه من عدم جواز الغلاء في المهور ـ بقوله: كل الناس أفقه من عمر. وفي بعض الروايات: كل الناس أعلم من عمر. وفي بعضها بزيادة: حتى ربّات الحجال. قال ابن حجر العسقلاني: أخرجه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم وأحمد والدارمي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق وأبو نعيم والطبراني وإسحاق وأبو يعلى والدارقطني في العلل.
____________
1 ـ الدر المنثور: 1 / 54، تفسير القرطبي: 1 /40 و152، تاريخ الاسلام للذهبي عهد الخلفاء الراشدين: 1 / 267، شرح نهج البلاغة عن مالك: 12 / 66، سير أعلام النبلاء الخلفاء / 81، وعن سيرة عمر لابن الجوزي / 165.
وقال القرطبي: أخرجه أبو حاتم البستي في صحيح مسنده.
وأخذه ابن كثير الشامي عن أبي يعلى وقال: إسناده جيد قوي، وعن ابن المنذر والزبير بن بكار(1) .
وقد أصلح الامام أمير المؤمنين كثيراً من أخطائه، مما كان سبباً لان يصدر منه القول في عدة مرات: لو لا علي لهلك عمر، وقوله: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن، وقوله: اللهم لا تنزل بي شدة إلاّ وأبو الحسن إلى جنبي، وقوله: أبا حسن، لا أبقاني الله لشدة لست لها، ولا في بلد لست فيه، وقوله: يا ابن أبي طالب، فما زلت كاشفَ كلّ شبهة وموضح كل حكم، و قوله: لا أبقاني الله بعدك يا علي(2) .
____________
1 ـ الكشاف: 1 / 491، الجامع لاحكام القرآن: 5 / 99 ـ 100، مفاتيح الغيب تفسير الاية 20 من سورة النساء: 10 / 13، الدر المنثور: 2 / 466، إرشاد الساري: 8 / 60، تفسير إبن كثير: 1 / 478، شرح نهج البلاغة: 1 / 182، أحكام القرآن لابن العربي: 1 / 469، تفسير آيات الاحكام لعلي سايس: 2 / 409، تفسير آيات الاحكام للصابوني 1 / 321، الكافي الشاف للعسقلاني: 1 / 491.
2 ـ راجع الاستيعاب بهامش الاصابة: 3 / 39، المناقب للخوارزمي / 81 و 96 ـ 97 ح: 65 و 97 ـ 98، فتح الملك العلي / 35، أُسد الغابة: 4 / 22 ـ 23، صفة الصفوة: 1 / 132، جواهر المطالب: 1 / 195 و 200، كنز العمال: 10 / 300 ح: 29509، الرياض النضرة: 3 / 166، المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم: 5 / 68، أنساب الاشراف: 2 / 351، ينابيع المودة / 70 و 75، فرائد السمطين: 1 / 344 و 346 و 349 ح: 266 و 267 و 269 ـ 274 و 275 و 276.
____________
1 ـ فضائل الخمسة: 2 / 273 ـ 300 باب رجوع عمر إلى علي، الغدير: 6 / 97.
اجتهادات عمر في مقابل النص
ولا بأس بأن نشير إلى بعض الموارد التي تكلّم الملك فيها على لسان عمر بن الخطاب:
فالملك الذي تكلم على لسان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ( وَإنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَر أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِسَاءَ فَلمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً )(1) ومثلها الاية الثالثة والاربعون من سورة النساء.
أخرج البخاري ومسلم وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي والنسائي والبيهقي، واللفظ للبخاري، عن عمران أنه قال: كنا في سفر مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)... إلى أن قال: فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس ـ وكان رجلاً جَلداً ـ فكبّر ورفع صوته بالتكبير، فما زال يكبّر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم، قال: «لا خير ولا يضير ارتحلوا»، فارتحل فسار غير بعيد ثم نزل فدعا بالوضوء، فتوضأ ونودي بالصلاة، فصلى بالناس، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، فقال: «ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم ؟» قال: أصابتني
____________
1 ـ سورة المائدة: 6.
وأما الملك الذي تكلّم على لسان الخليفة فقد قال بترك الصلاة في تلك الحال.
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما وابن الجارود وأحمد في المسند وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي في السنن وغيرهم عن عبد الرحمن ابن أبزي، واللفظ لمسلم: أن رجلاً أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء ؟ فقال: لا تصلّ، فقال عمّار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية، فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنما كان يكفيك أن تضرب بيدك الارض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك» فقال عمر: اتق الله يا عمار ! قال: إن شئت لم أحدِّث به، فقال عمر: نوليك ما توليت.
وفي رواية أخرى لمسلم: قال عمار: يا أمير المؤمنين إن شئت ـ لما جعل الله من حقك ـ لا أحدِّث به أحدا(2) .
____________
1 ـ صحيح البخاري كتاب التيمم باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه عن الماء: 1 / 128 ـ 129 ح: 344، مسند أحمد: 4 / 434، كنز العمال: 9 / 401 ـ 403 ح: 26689 ـ 26699 عن جماعة من المحدثين، سنن النسائي: 1 / 171.
2 ـ صحيح البخاري كتاب التيمم باب المتيمم هل ينفخ فيهما: 1 / 127 ـ 131 ح: 338 ـ 343، صحيح مسلم كتاب الحيض باب التيمم: 4 / 300 ـ 303 ح: 368، مسند أحمد: 4 / 264 ـ 265 و 319، سنن أبي داود: 1 / 87 ـ 88 ح: 321 ـ 324، سنن ابن ماجه: 1 / 188 ح: 569، سنن النسائي: 1 / 168 ـ 170، السنن الكبرى للبيهقي: 1 / 209، غوث المكدود: 1 / 129 ـ 130 ح: 125، مسند أبو يعلى 3 / 181 ـ 182 ح: 1606.
فهب أن الخليفة لم يكن عالماً بهاتين الايتين لعدم وجودهما في سورة البقرة التي تعلمها في اثنتي عشرة سنة، فلم لم يعمل بقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي رواه عمران في قصة سفرهم، وكان الخليفة معهم في تلك السفرة ؟!
وهب أن الخليفة نسي تلك القصة، أو لم يسمع قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك الرجل الجنب حينذاك، وأنه نسي ما جرى بينه وبين عمار بن ياسر وقول النبي لهما، فلم يزجر عمار ويهدّده وهو يذكّره قولَ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟؟!! أو أن الخليفة عازم على اجتهاده الاول على رغم الايات والاحاديث !!
فالملك الذي تكلم على لسان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ( الطَّلاَقُ مَرَّتَان فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان ) إلى أن قال عز وجل: (فَإنْ طَلَّقَهَاْ فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجَاً غَيْرَهُ )(1) .
روي عن ابن عباس أنه قال: طلّق ركانة زوجته ثلاثاً في مجلس واحد، فحزن عليها حزناً شديداً، فسأله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كيف طلقتها؟» قال ثلاثاً، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «في مجلس واحد ؟» قال: نعم، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «فإنما تملك واحدة، فارجعها إن شئت».
____________
1 ـ سورة البقرة: 229 ـ 230.
وقال القسطلاني: وفي حديث محمود بن لبيد عند النسائي بسند رجاله ثقات: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا، فقام (صلى الله عليه وآله وسلم) غضبان، ثم قال: «أيُلْعَبُ بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؟!» حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا نقتله؟(2) .
وأما الملك الذي تكلم على لسان عمر بن الخطاب فيقول بما يأتي:
قال السيوطي: أخرج عبد الرزاق ومسلم وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي عن ابن عباس أنه قال: كان الطلاق على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إنّ الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم !
____________
1 ـ اعلام الموقعين: 3 / 31 ـ 32، الدر المنثور: 1 / 667 ـ 668، الجامع لاحكام القرآن: 3 / 129 و 131 و 135 و 136، إرشاد الساري: 8 / 132 ـ 133.
2 ـ سنن النسائي: 6 / 142، الدر المنثور: 1 / 676، تفسير القرآن العظيم: 1 / 284، إرشاد الساري: 8 / 133 ـ 134، اعلام الموقعين: 3 / 35.
وأخرجه أحمد في المسند والبيهقي في السنن والحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين.
وأورده الذهبي في تلخيصه والقرطبي في تفسيره معترفين بصحته(1) .
فالملك الذي تكلم على لسان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ( إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالاَْنْصَابُ وَالاْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )(2)
وقد روي عن جابر بن عبد الله أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «ما أسكر كثيره فقليله حرام»، وقال الترمذي: وفي الباب عن سعد وعائشة وعبد الله بن عمرو وابن عمر وخوات بن جبير.
أقول: وفي الباب عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وزيد بن أبي أوفى وعبد الله بن عباس وأنس بن مالك والواقد أيضاً، وروي عن كل منهم بطرق مختلفة
____________
1 ـ صحيح مسلم كتاب الطلاق باب الطلاق الثلاث: 10 / 325 ـ 328 ح: 147، إرشاد الساري:8 / 133، الدر المنثور: 1 / 668، اعلام الموقعين: 3 / 31 ـ 34، مسند أحمد: 1 / 314، سنن البيهقي: 7 / 336، المستدرك وتلخيصه: 2 / 196 كتاب الطلاق، تفسير القرطبي: 3 / 130، سنن النسائي: 6 / 145، سنن أبي داود: 2 / 261 ح: 2199 ـ 2200، أحكام القرآن للجصاص: 1 / 529.
2 ـ سورة المائدة: 90.
وأورده الهندي في عدّة مواضع من كنزه ناقلاً عن جماعة كبيرة من المحدثين منهم: البخاري وأحمد وابن ماجه والبغوي وأبوداود والنسائي وابن حبان والترمذي والبيهقي.
وأخرجه الدارمي في سننه وأبو يعلى في مسنده والحاكم النيسابوري في مستدركه والخطيب البغدادي في عدّة مواضع من تاريخه(1) .
وأما الملك الذي تكلم على لسان عمر بن الخطاب فيقول بحلّيته إذا كسر بالماء.
فمن مسند أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم: أن عمر بن الخطاب أُتِيَ بأعرابي قد سكر، فطلب له عذراً، فلما أعياه قال: فاحبسوه فإن صحا فاجلدوه، ودعا عمر بفضله و دعا بماء فصبه عليه فكسر ثم شرب وسقى جلساءه، ثم قال: هكذا فاكسروه بالماء إذا غلبكم شيطانه، قال: وكان يحب الشراب الشديد.
____________
1 ـ سنن الترمذي باب ما أسكر كثيره فقليله حرام: 3 / 343 ح: 1872 و 1873، كنز العمال: 5 / 342 ـ 344 ح: 13141 و 13148 و 13152 ـ 13155، المستدرك: 3 / 413، تاريخ بغداد: 3 / 327 م: 1433 و6 / 229 م: 3277 و8 / 437 م: 4544 و9 / 94 م: 4675 و/ 469 م: 5097 و12 / 251 م: 6698، سنن أبي داود: 3 / 327 و 329 ح: 3681 و 3687، سنن ابن ماجه كتاب الاشربة باب ما أسكر كثيره فقليله حرام: 2 / 1124 و 1125 ح: 3392 ـ 3394، البحر المحيط لابي حيان: 4 / 675، مجمع الزوائد: 5 / 57، كتاب الاثار للقاضي أبي يوسف / 228 ح: 1010، مسند أبي يعلى: 2 / 55 ح: 694 و 695 و 7 / 50 ح: 3966.
وأخرج النسائي عن أبي رافع: أن عمر بن الخطاب قال: إذا خشيتم من نبيذ شدته فاكسروه بالماء.
وبرره عبد الله بقوله: من قبل أن يشتد.
وعن سعيد بن المسيب يقول: تلقت ثقيف عمر بشراب، فدعا به، فلما قربه إلى فيه كرهه، فدعا به فكسره بالماء فقال: هكذا فافعلوا(2) .
قال أبو بكر الرازي: وروى إسرائيل عن أبي إسحاق عن الشعبي عن سعيد وعلقمة: أن أعرابياً شرب من شراب عمر فجلده عمر الحد، فقال الاعرابي: إنما شربت من شرابك، فدعا عمر شرابه فكسره بالماء، ثم شرب منه، وقال: من رابه من شرابه شيء فليكسره بالماء.
ورواه إبراهيم النخعي عن عمر نحوه، وقال فيه: إنه شرب منه بعد ما ضرب الاعرابي.
وقال في الصفحة السابقة: وقد تواترت عن جماعة من السلف شرب النبيذ الشديد: منهم عمر..(3)
قال ابن عبد ربه الاندلسي: قال الشعبي: شرب أعرابي من اداوة عمر
____________
1 ـ جامع مسانيد أبي حنيفة: 2 / 192 كتاب الاثار للقاضي أبي يوسف باب الاشربة / 226 ح : 998.
2 ـ سنن النسائي: 8 / 326، جامع المسانيد والسنن: 18 / 64 و 273 ح: 124 و 492.
3 ـ أحكام القرآن للجصاص: 2 / 651 و 652 وفي طبع: 463 و 464.
وروى الامام مالك: أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام، شكا إليه أهل الشام وباء الارض وثقلها، وقالوا: لا يصلحنا إلاّ هذا الشراب، فقال عمر: اشربوا هذا العسل، قال: لا يصلحنا العسل، فقال رجل من أهل الارض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئاً لا يسكر ؟ قال: نعم، فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث، فأتوا به عمر، فأدخل فيه عمر اصبعه ثم رفع يده، فتبعها يتمطط، فقال: هذا الطلاء، هذا مثل طلاء الابل. فأمرهم عمر أن يشربوه، فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها والله، فقال عمر: كلا والله، اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم، ولا أحرم عليهم شيئاً أحللته لهم.
ونقل الحافظ ابن حجر في [ المطالب العالية ] عن إسحاق رواية أخرى حول شراب أهل الشام وترخيص الخليفة لهم في شربه، وجاء فيها: فشرب منه وشرب أصحابه وقال: ما أطيب هذا ! فارزقوا المسلمين، فرزقوهم منه، فلبث ما شاء الله، ثم إن رجلاً خَدِرَ منه، فقام المسلمون فضربوه بنعالهم وقالوا: سكران ! فقال الرجل: لا تقتلوني، فوالله ما شربت إلاّ الذي رزقنا عمر...(2) .
وقال ابن حجر العسقلاني: أ خرج أبونعيم في الصحابة من طريق صدقة
____________
1 ـ العقد الفريد: 8 / 80 وفي طبع: 6 / 382.
2 ـ الموطأ كتاب الاشربة، جامع تحريم الخمر: 2 / 847 ح: 14، المطالب العالية: 2 / 107 ح : 1784.
وقال السيوطي: أخرج الحاكم وصححه عن أبي مسلم الخولاني، أنه حج فدخل على عائشة، فجعلت تسأله عن الشام وعن بردها، فجعل يخبرها، فقالت: كيف تصبرون على بردها ؟ قال: يا أم المؤمنين، إنهم يشربون شراباً لهم يقال له الطلاء، قالت: صدق الله وبلَّغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، سمعته يقول: «إن أناساً من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها».
وهذا الحديث مروي عن ابن عباس، ذكره الهيثمي في مجمعه وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. وأورده العلامة الهندي في كنزه من حديث أبي مالك الاشعري عن أحمد وأبي داود وابن حبان والطبراني والبيهقي(2) .
وعن عائشة قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أول ما يكفأ الاسلام ـ كما يكفأ الاناء ـ في شراب يقال له الطلاء».
أخرجه ابن عدي في الكامل، وأورده العسقلاني في المطالب العالية عن أحمد بن منيع وأبي يعلى.
قال الهيثمي: رواه أبو يعلى وفيه فرات بن سليمان، قال أحمد: ثقة. ذكره
____________
1 ـ الاصابة في تمييز الصحابة: 3 / 546 ـ 547 م: 8664 في ترجمة نافع بن كيسان.
2 ـ المستدرك: 4 / 147، الدر المنثور: 3 / 177 ـ 178، سنن أبي داود: 3 / 329 ح: 3688 و 3689، كنز العمال: 5 / 347 ح: 13166 و 13167، مجمع الزوائد: 5 / 57.
وأخرج الدارمي في سننه عنها، قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: « إن أول ما يكفأ ـ قال زيد: يعني الاسلام ـ كما يُكفأ الاناء» يعني الخمر، فقيل: كيف يا رسول الله ! وقد بين الله فيه مابيّن ؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): « يسمونها بغير اسمها فيستحلّونها»(1) .
فالملك الذي تكلم على لسان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ( فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاَثَةِ أَيَّام فِي الْحَجِّ وَسَبْعَة إذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )(2) .
وقد نقل أبو حيان عن ابن عباس وعطاء وجماعة في معنى هذا التمتع، قالوا: هو الرجل يقدم معتمراً من أفق في أشهر الحج فإذا قضى عمرته أقام حلالاً بمكة حتى ينشئ منها الحج من عامه ذلك، فيكون مستمتعاً بالاحلال إلى إحرامه بالحج(3) .
____________
1 ـ مجمع الزوائد: 5 / 56، الكامل لابن عدي: 7 / 137 م: 1571، المطالب العالية: 2 / 109 ح: 1794، سنن الدارمي: 2 / 114.
2 ـ سورة البقرة: 196.
3 ـ البحر المحيط: 2 / 263.
وأما الملك الذي تكلم على لسان عمر فقد نسخ هذا الحكم الذي كان في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعهد أبي بكر.
فقد أخرج مسلم وأبو عبيد الهروي وأحمد بن حنبل وأبو عوانة وابن ماجه و النسائي وأبو نعيم وابن حزم والبيهقي: أن أبا موسى الاشعري كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين عمر في النسك بعدك، حتى لقيه أبو موسى بعدُ، فسأله عن ذلك، فقال عمر: قد علمتُ أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد فعله هو وأصحابه، ولكن كرهتُ أن يظلوا بهن معرسين في الاراك ثم يروحون بالحج تقطر رؤوسهم.
وروي عنه حديث آخر قريب من هذا، أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي و البيهقي وأبو داود الطيالسي وابن حزم الاندلسي(1) .
____________
1 ـ صحيح البخاري كتاب العمرة باب متى يحل المعتمر: 1 / 543 ح: 1795، مسند أحمد: 1 / 49 ـ 50، سنن النسائي: 5 / 153، صحيح مسلم كتاب الحج باب في فسخ التحلل من الاحرام: 8 / 451 ـ 448 ح: 154 و 157 م: 1221 و 1222، سنن ابن ماجه: 2 / 992 ح : 2979، السنن الكبرى: 5 / 20، غريب الحديث لابي عبيد: 4 / 284 ح: 653، كنز العمال: 5 / 163 و 165 ح: 12475 و 12478، منتخب الكنز: 2 / 334 ـ 335، مسند أبي عوانة: 2 / 340 و 343 ح: 3355 و 3367، حجة الوداع لابن حزم / 396 و 399 ح: 443 و 449، المسند المستخرج على صحيح مسلم: 3 / 320 ـ 322 ح: 2832 ـ 2835.
أورده في الكنز عن كلّ من ابن جرير وابن عساكر والطحاوي وأبي صالح كاتب الليث.
وقال ابن القيّم: وفيما ثبت عن عمر: أنه قال: متعتان... وقال: المعلِّق على زاد المعاد: أخرجه الامام أحمد في مسنده من حديث جابر.
وهذا الخبر مرويٌّ عن كل من ابن عمر وجابر بن عبد الله وأبي قلابة، أخرجه أحمد وأبو عوانة في المسند والطحاوي في معاني الاثار وابن حزم في المحلّى.
وأخرج أبو عوانة ومسلم والبيهقي واللفظ للاول عن أبي نضرة، قلت لجابر بن عبد الله: إن ابن عباس يأمر بالمتعة وابن الزبير ينهى عنها، قال: فقال جابر: على يدي جرى الحديث، تمتعت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما ولي عمر بن الخطاب خطب الناس، فقال: إن القرآن القرآن ورسول الله الرسول، وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: إحداهما متعة الحج، فافصلوا بحجكم عن عمرتكم، والاُخرى متعة النساء، فلا اقدر على رجل تزوج إلى أجل إلاّ غيّبته في الحجارة(1) .
____________
1 ـ مسند أحمد: 1 / 52، سنن البيهقي كتاب النكاح باب نكاح المتعة: 7 / 206، كنز العمال: 16 / 519 ـ 521 ح: 45715 45722، أحكام القرآن للجصاص: 1 / 383 و 390 ـ 391 و2 / 210 وفي طبع: 1 / 342 و 345 و 2 / 184، مفاتيح الغيب: 10 / 50 و 52 ـ 53، شرح معاني الاثار باب مناسك الحج: 2 / 144 و 146 و 195 ح: 3671 و 3672 و 3686 و 3687 و 3904، المحلى: 7 / 60 ـ 61، الجامع لاحكام القرآن: 2 / 392، شرح نهج البلاغة: 1 / 182 و12 / 251 ـ 252، زاد المعاد: 3 / 399، بداية المجتهد: 1 / 269، صحيح مسلم كتاب الحج باب في المتعة بالحج والعمرة: 8 / 418 ـ 419 ح: 145 م: 1217، وفي طبع: 2 / 723 ـ 724 ح: 1217، مسند أبي عوانة: 2 / 338 ـ 339 ح: 3349 و 3352 ـ 3354.
وأخرج أبو عوانة في مسنده ومسلم في صحيحه من طريق حامد بن عمر البكراوي عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد الله، فأتاه آت، فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ؟ فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما.
وأخرج أبو عوانة عن جابر حديثا آخر في ذلك(1) .
وأخرج أبو نعيم عن خالد أنه قال: متعتان فعلناهما على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم نهانا عمر فلم نعدلهما(2) .
____________
1 ـ صحيح مسلم كتاب النكاح باب نكاح المتعة: 9 / 192 ح 17 من باب 3 م: 1405، مسند أبي عوانة: 2 / 345 ح: 3375 و 3376.
2 ـ المسند المستخرج على صحيح مسلم: 3 / 346 ح: 2890.
قال فخرالدين الرازي: يريد أنّ عمر نهى عنها.
وقال ابن كثير الشامي: قال البخاري: يقال إنه عمر. وهذا الذي قاله البخاري قد جاء مصرحاً به أن عمر كان ينهى الناس عن التمتع.
وقال القسطلاني: هو عمر بن الخطاب، لا عثمان بن عفان، لانّ عمر أول من نهى عنها، فكان مَنْ بعده تابعاً له في ذلك.
وأخرجه الاوزاعي وأحمد والدارمي والطحاوي وابن ماجه وابن حبان وابن حزم والطبراني والخطيب. وأخرجه مسلم بعشرة أسانيد في صحيحه وأبو عوانة وأبو نعيم بعدة أسانيد في مسنديهما(1) .
____________
1 ـ صحيح البخاري كتاب الحج باب التمتع: 1 / 484 ـ 485 ح: 1571 و كتاب التفسير باب من تمتع بالعمرة إلى الحج: 3 / 200 ح: 4518، صحيح مسلم باب جواز التمتع من كتاب الحج: 8 / 455 ـ 458 باب: 23 م: 1226، الدر المنثور: 1 / 520، الجامع لاحكام القرآن : 2 / 388، سنن الاوزاعي / 309 ح: 999، سنن الدارمي: 2 / 35، سنن النسائي: 5 / 155، زاد المعاد: 2 / 170، شرح معاني الاثار: 2 / 143 ـ 144 ح: 3669 ـ 3670، سنن ابن ماجه: 2 / 991 ح: 2978، مسند أحمد: 4 / 428 و 434، شرح نهج البلاغة: 12 / 253، مفاتيح الغيب: 10 / 53، تفسير القرآن العظيم: 1 / 240، إرشاد الساري 3/136، صحيح ابن حبان: 9 / 244 ح: 3937 و 3938، المعجم الكبير: 18 / 123 و 124 و 125 ح: 248 و 252 و 255، سنن البيهقي: 4 / 344 و5 / 14، 19 ـ 20، مسند أبي عوانة: 2/344 ـ 345 ح: 3370 ـ 3373، حجة الوداع لابن حزم / 401 ح: 453 و 454، المتفق والمفترق: 3 / 1710 ح: 1236 م: 1087، تحفة الاشراف للمزي: 2 / 345 ح: 10872، البداية والنهاية: 5 / 144، المسند المستخرج لابي نعيم: 3 / 327 ح: 2842 ـ 2850.
ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن علي وعثمان وجابر و سعد وأسماء بنت أبي بكر وابن عمر.
أخرجه أبو يعلى في موضعين من مسنده، وقال المحشي: إسناده صحيح(1) .
أخرج النسائي عن ابن عباس قال: سمعت عمر يقول: والله إني لانهاكم عن المتعة وإنها لفي كتاب الله، ولقد فعلتها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ يعني العمرة في
____________
1 ـ سنن الترمذي: 2 / 224 ح: 825، الجامع لاحكام القرآن: 2 / 388 عن الدارقطني، زاد المعاد: 2 / 170، مسند أحمد: 2 / 95، مسند أبي يعلى: 9 / 341 ـ 342 و 415 ح: 5451 و 5563، مسند أبي عوانة: 2 / 343 ح: 3366، حجة الوداع لابن حزم / 398 ـ 399 ح: 447 وح: 445 و 446، المتفق المفترق: 3 / 1710 ح: 1236.
أخرج مالك والشافعي وأحمد والدارمي وابن حبّان والترمذي وأبو داود والبخاري وأبو يعلى والنسائي والطبراني وابن حزم والدروقي والبيهقي وعن البزار والهيثم بن كليب في المسند وأبي عبيد في الناسخ والمنسوخ والفسوي في المعرفة وابن عبد البر في التمهيد والمزي في التهذيب: أنّ سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال الضحاك بن قيس: لا يصنع ذلك إلاّ من جهل أمر الله تعالى، فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي، فقال الضحاك: فإنّ عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك ! فقال سعد: قد صنعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصنعناها معه(2) .
وعن سعيد بن المسيب: أنّ عمر بن الخطاب نهى عن المتعة في أشهر الحج، وقال: فعلتها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أنهى عنها ; وذلك أن أحدكم
____________
1 ـ سنن النسائي: 5 / 153، البداية والنهاية: 5 / 146، كنز العمال: 5 / 164 ح: 12476.
2 ـ الموطأ ما جاء في التمتع: 1 / 344، السنن للشافعي: 2 / 132 ح: 486، مسند أحمد: 1 / 174، التاريخ الكبير للبخاري: 1 / 125 م: 373، سنن الترمذي كتاب الحج باب ماجاء في التمتع: 2 /224 ح: 824، سنن الدارمي: 2 / 35 ـ 36، صحيح ابن حبان: 9 / 234 و 246 ح: 3923 و 3939، البداية والنهاية: 5 / 145، سنن البيهقي: 5 / 17، الجامع لاحكام القرآن: 2 / 388، أحكام القرآن للجصاص: 1 / 390، مسند أبي يعلى: 2 / 130 ح: 805، سنن النسائي: 5 / 152 ـ 153، حجة الوداع لابن حزم / 402 ح: 455، معرفة السنن والاثار: 7 / 80 ـ 81 ح: 9364، مسند سعد بن أبي وقاص: 206 ح: 124.
أورده المتقي في كنزه واضعاً عليه رمز كل من أبي نعيم في الحلية وأحمد في المسند والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي. وفيه تأمّل.
وروى أبو حنيفة عن الاسود بن يزيد أنه قال: بينما أنا واقف مع عمر بن الخطاب بعرفة عشيّة عرفة فإذا هو برجل مرجّل شعره يفوح منه ريح الطيب، فقال له عمر: أمحرم أنت ؟ قال: نعم، فقال عمر: ما هيئتك بهيئة محرم، إنّما المحرم الاشعث الاغبر الاذفر، قال: إني قدمت معتمراً وكان معي أهلي، وانما أحرمت اليوم، فقال عمر عند ذلك: لا تتمتعوا في هذه الايام، فإني لو رخصت في المتعة لهم لعرسوا بهن في الاراك ثم راحوا بهن حجاجاً.
ثم قال ابن القيم ـ بعد أن ذكر هذا الخبر ـ: وهذا يبين أن هذا من عمر رأي رآه. وقال المحقق لكتابه: صحيح الاسناد ذكره ابن حزم في حجة الوداع، وبلفظ قريب وإسناد صحيح أخرجه أحمد في مسنده وأخرجه مسلم في الحج(1) .
____________
1 ـ كنز العمال: 5 / 164 ح: 12477، منتخب الكنز: 2 / 334 ـ 335، حلية الاولياء: 5 / 205، زاد المعاد: 2 / 183 ـ 184، حجة الوداع / 358 ح: 406.
ثم قال: وإني أنهاكم عنها وقد فعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفعلتها معه(1) .
وقد داوم عثمان بن عفان على سنة الخليفة الثاني في أيام خلافته، على رغم من مخالفة علي (عليه السلام) له.
أخرج البخاري ومسلم وأحمد والنسائي والبزار وأبو يعلى وأبو عوانة وأبو نعيم والطحاوي وابن حزم وأبو داود الطيالسي والحاكم والبيهقي، واللفظ لمسلم، عن سعيد بن المسيب قال: اجتمع علي وعثمان بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة و العمرة، فقال له علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تنهى عنه ؟! فقال عثمان: دعنا منك، فقال علي: لا أستطيع أن أدعك(2) .
____________
1 ـ حلية الاولياء: 5 / 205.
2 ـ صحيح البخاري كتاب الحج باب التمتع: 1 / 483 و 484 ح: 1563 و 1569، صحيح مسلم كتاب الحج باب جواز التمتع: 8 / 451 و 452 ح 158 و 159 من باب 23 م: 1223، مسند الطيالسي: 1 / 16 المستدرك: 1 / 472، السنن الكبرى للبيهقي: 5 / 22 و 4 / 352، كنز العمال: 5 / 166 و 167 و 168 ح: 12483 و 12486 و 12488، الدر المنثور: 1 / 521، شرح معاني الاثار: 2 / 140 ح: 3654، سنن النسائي: 5 / 148 و 152، المسند لابي يعلى: 1 / 284 و 341 ـ 342 ح: 342 و 434، البحرالزخار: 1 / 345 ـ 347 ح: 226 ـ 228 و 2 / 156، 160 ح: 521 و 527، تاريخ المدينة لابن شبة: 3 / 1043، مسند أبي عوانة: 2 / 338 ح: 3351، حجة الوداع / 358 و 400 ـ 401 ح: 407 و450 ـ 452، أحكام القرآن للجصاص: 1 / 390، البداية والنهاية: 5 / 144 ـ 146، سنن الدارمي: 2 / 45 ـ 49 و 69 ـ 70، مسند أحمد: 1 / 57 و 60 و 136، المسند المستخرج على صحيح مسلم: 3 / 322 ح: 2836 ـ 2837.
فقد أخرج ابن حبان والطبراني وأبو نعيم ومسلم، واللفظ له، عن مطرف قال: بعث إلي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه، فقال: إني كنت محدّثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك بها بعدي، فإن عشت فاكتم عنّي وإن متّ فحدّث بها إن شئت، إنّه قد سلم علي، واعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينهى عنه نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال رجل برأيه ما شاء.
قال المعلق على صحيح ابن حبان: إسناده صحيح، رجاله ثقات(1) .
ويتعجب المرء حين يرى خوفهم من إظهار الحقيقة وهم في صدر الاسلام، وعلة ذلك معلومة.
إن نهي عمر بن الخطاب عن متعة الحج واعترافه بأنها كانت في كتاب الله عز وجل وفعلهاالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصحابته، كان من أشهر القضايا في التاريخ، وقد روى أصحاب السنن والمسانيد أخباراً كثيرة حول المسألة، وأورد البخاري
____________
1 ـ صحيح ابن حبان: 9 / 244 ح: 3937، المعجم الكبير: 18 / 125 ح: 255، صحيح مسلم كتاب الحج باب 23: 8 / 456 ح: 168 م: 1226، المسند المستخرج: 3 / 325 ـ 326 ح: 2845 ـ 2849.
فهذه بعض الموارد التي جاء الملك الذي يتكلم على لسان عمر وقلبه بخلاف ما نزل به جبرائيل على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقلبه، أوردناها في هذه الموجزة، ويستطيع القارئ أن يقف في ثنايا كتب الحديث والتاريخ على عشرات الموارد مما خالف فيه الخليفة وغيره الكتاب والسنة، ومع الاسف ترك بعض الفقهاء النصوص وأفتوا بآراء هؤلاء، بذريعة أن الخليفة كان من الملهمين، و رووا في ذلك حديثاً عن أبي هريرة، فتمسكوا بذلك الالهام الوهمي
____________
1 ـ راجع ـ إضافة الى ماتقدم وما سيأتي ـ إلى: صحيح البخاري: 1 / 482 ـ 485 ح: 1561 ـ 1572، صحيح مسلم باب 17 ـ 19 باب وجوه الاحرام باب حجة النبي: 8 / 385 ـ 427م : 1211 ـ 1218، وباب 30 / 473 م: 1238 وباب 24 و27 و28 و31 و32 و 33 و34 مسند أحمد: 1 / 49 ـ 50 و4 / 428 و 434، مسند الطيالسي: 2 / 70 ح: 516، سنن ابن ماجه: 2 / 991 و 992 ح: 2976، 2979، سنن الدارمي: 2 / 35 و 46 ـ 47، سنن البيهقي: 4 / 344 و5 / 20 ـ 21 و7 / 206، حلية الاولياء: 5 / 205، كنز العمال: 5 / 167 ـ 168 ح: 12487 و16 / 519 ـ 521 ح: 45715 ـ 45725، الدر المنثور: 1 / 518 ـ 522، وفيات الاعيان لابن خلكان: 2 / 359، سنن الترمذي: 2 / 224 ح 823 ـ 825، مجمع الزوائد: 3 / 236، زاد المعاد: 2 / 178 ـ 179، البداية والنهاية: 5 / 138 ـ 158.
ومن أراد الاطلاع على أكثر من ذلك فعليه بما ألفه العلامة الكبير السيد شرف الدين في كتابه: [ النص والاجتهاد ] وما حرره المحقق الشهير الشيخ الاميني في سفره القيم: [ الغدير ] من المجلد السادس.
هل كان عثمان من أهل الحلم والحياء ؟
4 ـ وكان الخليفة الثالث عثمان بن عفان مشهوراً بيننا بالرأفة والحلم و الحياء، ولكن عندما فحصت في كتب التاريخ وجدت خلاف ذلك.
قال البلاذري: لما بلغ عثمان موت أبي ذر بالربذة قال: (رحمه الله)، فقال عمار بن ياسر: نعم، فرحمه الله من كل أنفسنا، فقال عثمان لعمار: يا عاضّ إير أبيه أتراني ندمت على تسييره، وأمر فدفع في قفاه، وقال: إلحق بمكانه، فلما تهيأ للخروج، جاءت بنو مخزوم إلى علي فسألوه أن يكلم عثمان فيه، فقال له علي: يا عثمان اتق الله فإنك سيَّرت رجلاً صالحا من المسلمين فهلك في تسييرك، ثم انت الان تريد أن تنفي نظيره ! وجرى بينهما كلام حتى قال عثمان لعلي: أنت أحق بالنفي منه، فقال علي: رم ذلك إن شئت، واجتمع المهاجرون إلى عثمان فقالوا: إن كنت كلما كلمك رجل سيرته ونفيته، فان هذا شيء لا يسوغ، فكفّ عن عمار(1) .
وذكر اليعقوبي: أن عمار بن ياسر صلى على المقداد ودفنه ولم يأذن بذلك عثمان، بوصية من المقداد، فاشتد غضب عثمان على عمار وقال: ويلي على ابن السوداء، أما لقد كنت به عليماً(2) .
____________
1 ـ أنساب الاشراف: 6 / 169، تاريخ اليعقوبي: 2 / 173 مع تفاوت.
2 ـ تاريخ اليعقوبي: 2 / 171.
إذا نظر المرء إلى هذه القضايا يرى أن الحياء والرأفة يترشح منها، ويتعجب من الخليفة الحليم الحيي كيف يخرج من فيه تلك الكلمات البذيئة لاول شهيدة قُتِلت تحت التعذيب في سبيل الله !!
وجاء في بعض الروايات: أنه قام بنفسه فوطأ بطن عمار ومذاكيره حتى أصابه الفتق وأغمي عليه أربع صلوات، فقضاها بعد الافاقة، واتخذ لنفسه تباناً تحت ثيابه، وهو أول من لبس التبان لاجل الفتق.
وجاء في لفظ ابن قتيبة: فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه
____________
1 ـ أنساب الاشراف: 6 / 161 ـ 162 وفي هامشه: المتكأ: البظراء،المفضاة، والتي لاتمسك البول. عن القاموس.
وروى اليعقوبي والبلاذري واللفظ له: أن ابن مسعود قدم المدينة ـ وعثمان يخطب على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ فلما رآه قال: ألا إنه قدمت عليكم دويبة سوء من تمشي على طعامه يقي ويُسلح... ثم أمر عثمان به فأخرج من المسجد إخراجاً عنيفاً... واحتمله يحموم غلام عثمان ورجلاه تختلفان على عنقه حتى ضرب به الارض فدق ضلعه.
وفي بعض الروايات: فكسر ضلعاً من أضلاعه.
وفي تاريخ اليعقوبي: فأمر به عثمان فَجُرَّ برجله حتى كسر له ضلعان. وفي بعض الروايات: ثم أمر بإحراق مصحفه وجعل منزله حبسه، وحبس عطائه أربع سنين(2) .
وكان ذنبه لدى الخليفة هو عدم تسليمه إياه مصحفه بسبب إحراق الخليفة لجميع المصاحف وجمع الناس على مصحف زيد بن ثابت، وشكواه من جنايات ابن عمه في الكوفة، واعتراضه على أعماله وتوزيعه أموال المسلمين بين أقربائه.
وذكر محب الطبري أن عثمان قال: إن عبد الرحمان بن عوف منافق، فحلف ابن عوف أن لايكلمه ما عاش ومات على هجرته(3) .
____________
1 ـ أنساب الاشراف: 6 / 163، الرياض النضرة: 2 / 87، الامامة والسياسة: 1 / 51.
2 ـ أنساب الاشراف: 6 / 147، تاريخ اليعقوبي: 2 / 170 قوله: يسلح: أي يخرج برازه.
3 ـ الرياض النضرة، ج: 3 من مجلد: 2 / 85.
نعم، كان عثمان رؤوفاً بقرابته وحليماً على أعمالهم ووصولاً لهم ; حيث أنه وهب خمس أرمينيا لابن عمه مروان بن الحكم، وأقطعه فدكاً، وكان نحلة للزهراء (عليها السلام)، نحلها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر من الله: ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) ، فانتزعها الخليفتان الاولان ولم يرجعاها إليها على رغم إصرارها واحتجاجها عليهما، مما كان سبباً لغضبها عليهما وهجرانها إياهما حتى لحقت بالرفيق الاعلى، وكانت قد أمرت باخفاء قبرها الشريف كي لا يأتيا عليه، فصار قبرها مخفيّاً إلى يومنا هذا صلوات الله وسلامه عليها، وقد تقدم شيء من الكلام على ذلك.
ولم يستح الخليفة من أولادها سلام الله عليها حتى أقطع نحلتهم نصب أعينهم لاعدى أعدائهم(1) .
وأعطى مروان أيضاً مائة ألف من بيت المال، وصفق مروان على الخمس بخمسمائة ألف فوضعها عنه عثمان، وأعطاه خمس الغزو الثاني لافريقيا. ونقل ابن كثير الشامي في تاريخه عن الواقدي: أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح صالح في غزوه لافريقيا على ألفي ألف دينار وعشرين ألف دينار، فأطلقها كلّها عثمان في يوم واحد لال الحكم، ويقال: لال مروان. وفي تاريخ الطبري
____________
1 ـ سنن البيهقي: 6 / 301، المعارف لابن قتيبة / 195، تاريخ أبي الفداء: 1 / 236.
وفي الكامل لابن الاثير وتاريخ ابن خلدون وسير أعلام النبلاء وتاريخ الاسلام للذهبي: على ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار.
وفي أنساب الاشراف: مائة ألف أو مائتي ألف دينار.
وأعطى أباه الحكم ثلاثمائة ألف درهم، وهو الذي سيّره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسبب عداوته لله ولرسوله وإهانته لساحته المقدسة، ولم يردّه أبو بكر وعمر واسترجعه الخليفة الرؤوف.
وما تصدّق به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على المسلمين في سوق المدينة، أقطعها عثمان الحارث بن الحكم، ووهبه إبل الصدقة وأنكحه ابنته عائشة وأعطاه مائة ألف من بيت المال، وقال البلاذري: ثلاث مائة ألف.
وأعطى عبد الله بن سعد بن أبي سرح خمس الخمس من الغزوة الاولى لافريقية، وهو الذي أسلم وهاجر وكان يكتب الوحي للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم ارتد مشركا، وصار إلى قريش، فقال لهم: إني كنت أصرف محمداً حيث أريد، كان يملي علي (عزيز حكيم) فأقول: أو (عليم حكيم)، فيقول: نعم كل صواب، فلما كان يوم الفتح أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقتله ولو وجد تحت أستار الكعبة، فغيبه عثمان، ثم أتى به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستأمن له فصمت....
وزوج ابنته من عبد الله بن خالد بن أسيد وأمر له بستمائة ألف درهم، وكتب إلى عبد الله بن عامر أن يدفعها إليه من بيت مال البصرة.
وأجاز مائة ألف لمحمد بن أبي حذيفة، وأعطى أبا سفيان مائتي ألف، وأعطى ربيعة بن الحارث مائة ألف درهم، وأعطى سعيد بن العاص مائة ألف
قال اليعقوبي: حدّث أبو إسحاق عن عبد الرحمان بن يسار، قال: رأيت عامل صدقات المسلمين على سوق المدينة إذا أمسى أتاه عثمان فقال له: إدفعها إلى الحكم بن أبي العاص، وكان عثمان إذا أجاز أحداً من أهل بيته بجائزة جعلها فرضاً من بيت المال.
وأتاه أبو موسى بأموال جليلة من العراق فقسّمها كلّها في بني أمية، وحمى بقيع المدينة، ومنع الناس منه، وزاد في الحمى أضعاف البقيع، وحمى سوق المدينة في بعض مايباع ويشترى، فقالوا: لا يشتري منه أحد النوى حتى يشتري وكيله ما يحتاج إليه عثمان لعلف إبله، وحمى البحر من أن تخرج فيه سفينة إلاّ في تجارته، وأقطع أصحابه إقطاعات كثيرة من بلاد الاسلام مما لم يكن له فعله.
وكان يقول: إنّ أبابكر وعمر تركا من هذا المال ما كان لهما، وإني آخذه فأصل به ذوي رحمي.
وحبُّه لبني أمية وصل إلى درجة أن قال: لو أنّ بيدي مفاتيح الجنة لاعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم، أخرجه ابن عساكر وأورده الذهبي في أعلام النبلاء(1) .
____________
1 ـ تاريخ الطبري: 2 / 598 ـ 599 و 650 ـ 652 و 683، أنساب الاشراف: 6 / 133 و 134 و 136 و 137 و 140 و 149 و 151 و 166 و 173، تاريخ اليعقوبي: 2 / 164 و 165 و 166 و 168 و 170، الامامة والسياسة: 1 / 50 و 51، تاريخ أبي الفداء: 1 / 233 و 236، المعارف لابن قتيبة / 194 ـ 195، العقد الفريد ذكر ما نقم الناس على عثمان: 5 / 55 ـ 59 وفي طبع آخر: 4 / 286 ـ 289، تارخ المدينة لابن شبة: 3 / 1022 و 1023، تاريخ الاسلام للذهبي الخلفاء / 319 ـ 321، الكامل لابن الاثير: 2 / 237، البداية والنهاية: 7/170، أُسد الغابة: 3 / 173، الطبقات الكبرى: 2 / 95، مروج الذهب: 2 / 334 ـ 343، الاستيعاب: 3 / 50 ـ 51، مختصر تاريخ الدمشق: 16 / 174 و 175، سير أعلام النبلاء الخلفاء الراشدون / 172 ـ 173، 186، تاريخ ابن خلدون: 2 / 574، تاريخ الاسلام للدكتور حسن إبراهيم: 1 / 354 ـ 357، الرياض النضرة في مناقب العشرة ذكر مانقم على عثمان مفصلاً: ج: 3 من مجلد 2 / 82 ـ 88، المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 327.
والامثلة كثيرة في سيرة عثمان على هذه التوسعات، فقد منح الزبير ذات يوم ستمائة ألف ومنح طلحة مائتي ألف ونفل مروان بن الحكم خمس خراج
وغير المال كانت الولايات تغدق على الولاة من قرابة عثمان، وفيهم معاوية الذي وسع عليه في الملك فضم إليه فلسطين وحمص، وجمع له قيادة الاجناد الاربعة ومهد له بعد ذلك أن يطلب الملك في خلافة علي، وقد جمع المال والاجناد. و فيهم الحكم بن العاص طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي آواه عثمان وجعل ابنه مروان بن الحكم وزيره المتصرِّف، وفيهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخوه من الرضاعة...(1) .
قال ابن حجر العسقلاني: إنّ أمراء الامصار كانوا من أقاربه، كان بالشام كلِّها معاوية، وبالبصرة سعيد بن العاص، وبمصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح، و بخراسان عبد الله بن عامر(2) .
وأما ثروة الخليفة فقد ذكر ابن سعد والمسعودي ونقل الذهبي عن الواقدي: أنَّ عثمان يوم قتل كان له عند خازنه من المال خمسون ومائة ألف دينار وألف ألف درهم، أو ثلاثون ألف ألف درهم كما ذكره الذهبي، وقيمة
____________
1 ـ العدالة الاجتماعية في الاسلام / 159.
2 ـ الاصابة في تمييز الصحابة: 4 / 379 م: 5464.
وقال ابن قتيبة: تطاول الخليفة في البنيان حتى عدوا سبع دور بناها في المدينة(1) .
فهذه الاعمال كانت سبباً لنقمة الصحابة وغضبهم على الخليفة وسبّه ولعنه.
فقد ذكر ابن عبد ربه الاندلسي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: إن أناساً كانوا عند فسطاط عائشة وأنا معهم بمكة فمرّ بنا عثمان، فما بقي أحد من القوم إلاّ لعنه، غيري(2) .
وهذه الاعمال كانت سبباً لنقمة المسلمين على الخليفة حتى انجرّ إلى قتله وطرحه على المزبلة إلى ثلاثة أيام والمنع من تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقابر اليهود، وقيل: صلى عليه مروان أو جبير بن مطعم عند الدفن فإليك شيئاً يسيراً مما روي حول ذلك:
أخرج ابن جرير وابن الجوزي عن أبي بشر العابدي: أن عثمان نبذ ثلاثة أيام لا يدفن، ثم إنّ حكيم بن حزام وجبير بن مطعم كَلَّما عليّاً في دفنه وطلبا إليه أن يأذن لاهله في ذلك، فأذن لهم عليّ، فلما سُمع بذلك قعدوا له في الطريق
____________
1 ـ مروج الذهب: 2 / 332، الطبقات الكبرى: 2 / 95 وفي طبع: 3 / 53، الامامة والسياسة: 1 / 50، سير أعلام النبلاء، الخلفاء الراشدون / 210.
2 ـ العقد الفريد كتاب الخلفاء مانقم الناس على عثمان: 4 / 286 ـ 287.
وأخرج ابن عبد البر وابن عساكر ونقل محب الطبري عن القلعي عن عبد الملك بن ماجشون عن مالك، قال: لما قتل عثمان ألقي على المزبلة ثلاثة أيام، فلما كان من الليل أتاه اثنا عشر رجلاً.. فاحتملوه، فلما صاروا به إلى المقبرة ليدفنوه ناداهم قوم من بني مازن: والله لئن دفنتموه هنا لنخبرنّ الناس غداً، فاحتملوه، وكان على باب وإنّ رأسه على الباب ليقول: طق طق، حتى صاروا به إلى (حش كوكب)، فاحتفروا له، وكانت عائشة بنت عثمان معها مصباح في جرة، فلمّا أخرجوه ليدفنوه صاحت، فقال لها ابن الزبير: والله لئن لم تسكتي لاضربن الذي فيه عيناك، قال: فسكتت، فدفن.
وفي الرياض: فقال لها الزبير: والله لئن...
وأخرجه الطبراني عن مالك بلفظ أتم منه أورده الهيثمي في مجمعه وقال: رجاله ثقات، وأخرجه أبو نعيم وابن عساكر عنه باختصار(2) .
____________
1 ـ تاريخ الطبري: 2 / 687، المنتظم في التاريخ لابن الجوزي: 5/ 58.
2 ـ الاستيعاب: 3 / 161 م: 1797، مختصر تاريخ دمشق: 16 / 272، الرياض النضرة في مناقب العشرة ج: 3 من مجلد: 2 / 74، الامامة والسياسة: 1 / 64 ـ 65، السيرة الحلبية، باب الهجرة الى المدينة: 2/76، مجمع الزوائد: 9 / 95، كنز العمال: 13 / 85 ح: 36298.
وأخرج ابن عبد البر ونقل محب الطبري عن القلعي عن عروة أنه قال: أرادوا أن يصلّوا على عثمان، فمنعوا، فقال رجل من قريش ـ أبو جهم بن حذيفة ـ: دعوه وقد صلى الله عزوجل عليه، أو: دعوه فقد صلى عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وروى ابن قتيبة قريباً من ذلك عن عبد الرحمان بن أزهر(2) .
وروى ابن جرير: فلما وُضِعَ ليُصلّى عليه جاء نفرٌ من الانصار يمنعونهم الصلاة عليه، ومنعوهم أن يدفن بالبقيع، فقالوا: لا والله لا يدفن في مقابر المسلمين أبدا، فدفنوه في (حش كوكب)(3) .
____________
1 ـ تاريخ المدينة: 4 / 1239.
2 ـ الاستيعاب: 3 / 161 ـ 162، الرياض النضرة ج: 3 من مجلد 2 / 74، الامامة والسياسة: 1 / 64.
3 ـ تاريخ الطبري: 2 / 688، معجم البلدان: 2 / 302 م: 3747، الامامة و السياسة: 1 / 65، تاريخ اليعقوبي: 2 / 176، تاريخ المدينة: 4/1240.
____________
1 ـ مختصر تاريخ دمشق: 16 / 270.