وضع الاخبار في مقابل فضائل أهل البيت (عليهم السلام)
فهذه عدة أمثلة من الفضائل المشهورة للخلفاء أوردناها، اذاتأمّلتَ فيها تفهم أَنَّ هناك أيدي خيانة مدسوسة مخفيّة في التاريخ وضَعَتْ أخباراً كثيرة في فضائل بعض ومطاعن آخرين، بل إنك اذا تدبرت في الامثلة المتقدّمة تفهم أنّ الوضاعين كانوا إذا وجدوا أية جهة من جهات النقص في واحد من الخلفاء الثلاثة يكملونها ويملاونها بوضع أخبار مختلقة فيها، وإذا وجدوا فضيلةً لعليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) مرويّةً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إفتعلوا مثلها في غيره من الصحابة زوراً وبهتاناً على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
فإليك ماذكره ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه ونقله القندوزي عن الموفق بن أحمد الحنفي: وقد روي أن أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال لبعض أصحابه: يا فلان، ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا، وما لقي شيعتنا ومحبّونا من الناس ! إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبض وقد أخبر أنّا أولى الناس بالناس، فتمالات علينا قريش حتى أخرجت الامر عن معدنه، واحتجّت على الانصار بحقِّنا وحجّتنا، ثم تداولتها قريش واحداً بعد واحد، حتى رجعت إلينا فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا، ولم يزل صاحب الامر في صعود وكئود حتى قتل، فبويع الحسن ابنه وعوهد ثم غدر به وأُسلم، ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه و...
ثم لم نزل ـ أهل البيت ـ نُستذلّ ونُستضام ونُقصى ونُمتهن ونُحرم ونُقتل
وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن (عليه السلام)، فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الايدي والارجل على الظنّة، وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره.
ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين (عليه السلام).
ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة وأخذهم بكل ظنة وتهمة، حتى أنّ الرجل ليقال له: زنديق أو كافر، أحبّ إليه من أن يقال: شيعة علي.
وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ـ ولعلّه يكون ورعاً صدوقاً ـ يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة، من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها ولا كانت ولا وقعت، وهو يحسب أنها حقٌّ لكثرة من قد رواها ممن لم يُعْرف بكذب ولا بقلّة ورع.
واستمر ابن أبي الحديد قائلاً: روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب [ الاحداث ] قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر، يلعنون علياً ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشدّ الناس بلاءاً حينئذ أهل الكوفة، لكثرة من بها من شيعة عليٍّ (عليه السلام)، فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضمّ إليه البصرة،
وكتب معاوية إلى عماله في جميع الافاق: ألاّ يجيزوا لاحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة. وكتب إليهم: أن انظروا من قِبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فادنوا مجالسهم وقرِّبوهم وأكرموهم، واكتبوا لي بكل مايروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته، ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لِما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلاّ كتب اسمه وقرّبه وشفّعه، فلبثوا بذلك حيناً.
ثم كتب إلى عماله: إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فاذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الاولين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فان هذا أحبّ إلي وأقرّ لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشدّ إليهم من مناقب عثمان وفضله.
فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدَّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر
ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه. وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به واهدموا داره، فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة، حتى إن الرجل من شيعة على (عليه السلام) ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره، ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الايمان الغليظة ليكتمنّ عليه.
فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم في ذلك بليّة القراء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الاحاديث ليُحظوا بذلك عند ولاتهم ويقرّبوا مجالسهم و يصيبوا به الاموال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الاخبار والاحاديث إلى أيدى الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها، وهم يظنّون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تديّنوا بها.
فلم يزل الامر كذلك حتى مات الحسن بن علي (عليه السلام)، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلاّ وهو خائف على دمه أو طريد في الارض.
ثم تفاقم الامر بعد قتل الحسين (عليه السلام)، وولي عبد الملك بن مروان فاشتد
وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه ـ وهو من أكابر المحدّثين وأعلامهم ـ في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال: إنّ أكثر الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية، تقرّباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم.
وقال العلامة المعتزلي في موضع آخر من شرحه: قال شيخنا أبو جعفر الاسكافي:... والجائزة لمن روى الاخبار والاحاديث في فضل أبي بكر، وما كان من تأكيد بني أمية لذلك، وما ولده المحدثون طلباً لما في أيديهم ; فكانوا لا يألون جهداً ـ في طول ما ملكوا ـ أن يخملوا ذكر علي (عليه السلام)وولده، ويطفئوا نورهم ويكتموا فضائلهم ومناقبهم، ويحملوا على شتمهم وسبهم ولعنهم على المنابر، فلم يزل السيف يقطر من دمائهم، مع قلة عددهم وكثرة عدوهم، فكانوا بين قتيل وأسير و شريد وهارب ومستخف ذليل وخائف مترقب، حتى إن الفقيه والمحدث والقاضي والمتكلم لَيُتقدم إليه ويُتوعد بغاية الايعاد وأشد العقوبة ألاّ يذكروا شيئاً من فضائلهم ولا يرخصوا لاحد أن يطيف بهم،
وقال في موضع آخر: ذكر شيخنا أبو جعفر الاسكافي (رحمه الله) ; أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار في علي (عليه السلام)تقتضي الطعن فيه والبرائة منه، وجعل لهم على ذلك جُعْلاً يُرغب في مثله، فاختلقوا ما ارتضاه ; منهم أبوهريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير(1) .
ثم شرع العلامة المعتزلي في سرد أخبار هؤلاء المذكورين المختلقة في الطعن على علي (عليه السلام)، فمن أراد الوقوف على تلك الاخبار فليراجع شرحه على نهج البلاغة.
____________
1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4 / 63 ـ 73 و11 / 43 ـ 46 و13 / 219، ينابيع المودة / 439 ب: 75.
تسلك هذه الاُمّة سلوك اليهود والنصارى
ولكن مع ذلك كله، إن الحب الذي أدخله سيد قطب في قلبي بالنسبة إلى الجيل الاوّل لم يدعني بلا قلق واضطراب ; فكنت أقول في نفسي: لو لم يستطع خاتم الانبياء أن يربّي جيلاً مثالياً فمن يستطيع أن يفعل ذلك ؟!
ولكن عندما قرأت القرآن ووصلت إلى قصة بني إسرائيل وطلبهم من نبيهم الايات، ثم إرسال الله تعالى عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، ثم إغراقه فرعون وجنوده في اليم ونجاته لبني إسرائيل، ورغم جميع ما رأوه بأعينهم من تلك المعجزات، لما جاوز الله بهم البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، قالوا: يا موسى إجعل لنا إلها مثل آلهتهم، ولما ذهب نبيهم لميقات ربه شرعوا في عبادة العجل، ورجع وهم عاكفون عليها، ثم اختار موسى من بينهم سبعين رجلاً لميقات ربه كي يتوبوا إليه من ذلك العمل الشنيع، فقالوا ـ بدل أن يتضرعوا إلى الله ـ: يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة.
قلت في نفسي: لو كان حال بني إسرائيل وصلحائهم هكذا ـ وقد أراهم الله تلك المعجزات العجيبة ـ فَلِمَ لا يمكن أن يكون حال هذه الامة أيضاً كذلك ؟
وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو سلكوا جُحر ضبّ لسلكتموه»، قلنا: يا رسول الله، اليهود
أخرجه البخاري ومسلم وعبد الرزاق وابن عساكر و أحمد بن حنبل وابن حبان والبغوي وابن أبي عاصم والطيالسي عن أبي سعيد الخدري(1) .
وأخرج البخاري ومسلم وأحمد وابن أبي شيبة وابن أبي عاصم وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مثله، وفيه بعد قوله: «وذراعاً بذراع» قال: «وباعاً فباعاً حتى لو دخلوا جُحر ضبٍّ لدخلتموه»، قالوا: ومن هم يا رسول الله أهل الكتاب ؟ قال: «فمن ؟»(2) .
____________
1 ـ صحيح البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب لتتبعن سنن من..: 4 / 368 ح: 7320 وكتاب الانبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل: 2 / 492 ح: 3456، الفتح الرباني مع بلوغ الاماني: 1 / 197 ح: 23، صحيح مسلم كتاب العلم باب اتباع سنن اليهود والنصارى : 4 / 1631 ح: 2669 بثلاث طرق وفي طبع: 16 / 459 ـ 461 م: 2669، المصنف لعبد الرزاق: 11 / 369 ح: 20764، صحيح ابن حبان: 15 / 95 ح: 6703، مختصر تاريخ الدمشق: 7 / 210، مسند أحمد: 3 / 84 و 89 و 94، شرح السنة للبغوي كتاب الرقاق باب تغيير الناس وذهاب الصالحين: 8 / 281 ـ 282 ح: 4195، كتاب السنة لابن أبي عاصم: 1 / 37 ح: 74 و 75، مسند الطيالسي / 289 ح: 2178، جامع المسانيد والسنن: 33 / 276 ح: 588 و 589.
2 ـ الفتح الرباني مع بلوغ الاماني: 1 / 197 ح: 24، صحيح البخاري باب اتباع سنن اليهود والنصارى: 4 / 367 ح: 7319، المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 479 ح: 37365، كتاب السنة لابن أبي عاصم: 1 / 36 ح: 72، سنن ابن ماجه: 2 / 1322 ح: 3994، مسند أحمد : 2 / 327 و 450 و 511 و 527.
وفي الباب أخرج الشافعي وابن عساكر وابن أبي شيبة والترمذي والحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وأحمد والبغوي وابن قانع والطيالسي والطبراني عن شداد بن أوس، وأحمد بن حنبل والطبراني عن
____________
1 ـ سورة الاعراف: 138.
2 ـ الفتح الرباني مع بلوغ الاماني: 1 / 198 ـ 199 ح: 27، صحيح ابن حبان: 15 / 94 ح: 6702، المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 479 ح: 37364، مسند أبي يعلى: 3 / 30 ح: 1441، مسند أحمد: 5 / 218، سنن الترمذي الفتن باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم : 4 / 75 ح: 2187، مسند الطيالسي / 191 ح: 1346، المصنف لعبد الرزاق: 11 / 369 ح: 20763، المعجم الكبير: 3 / 243 ـ 245 ح: 3290 ـ 3294، كتاب السنة لابن أبي عاصم: 1 / 37 ح: 76، مسند الحميدي: 2 / 375 ح: 848، كنز العمال: 11 / 170 ح 31081، الدر المنثور: 3 / 533 حول الاية، معجم الصحابة: 1 / 172 م: 185.
____________
1 ـ الفتح الرباني: 1 / 198 ح: 25، مجمع الزوائد: 7 / 260 ـ 261، المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 479 ح: 37366 و 37368، المصنف لعبد الرزاق: 11 / 369 ح: 20765، كتاب السنة لابن أبي عاصم: 1 / 36 ح: 73، كنز العمال: 1 / 211 ح: 1059 و 1061 و 11 / 115 و 170 ح: 30837 و 31080 و 31082 و 31083، المستدرك: 1 / 129، سنن الترمذي كتاب الايمان باب ماجاء في افتراق هذه الامة: 4 / 291 ح: 2650، الدر المنثور : 3 / 534.
إخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في عدم نجاة أصحابه إلاّ مثل همل النعم
وقد صرح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مناسبات عديدة بأن أقواماً من أصحابه سيرتدّون ويذهبون إلى النار، وروى عنه أهل الحديث ذلك بطرق متعددة وألفاظ مختلفة.
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ( وَمَا مُحَمَّدٌ إلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفِئِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئَاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ )(1)
أخرج البخاري ومسلم بطرق كثيرة في صحيحيهما وأحمد في مسنده ومالك في الموطأ والبغوي وابن أبي عاصم وأبو يعلى وابن ماجه وأبو إسماعيل الهروي عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيُجْلَون عن الحوض، فأقول: يارب أصحابي ! فيقول: إنك لاعلم لك بما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى»(2) .
____________
1 ـ آل عمران: 144.
2 ـ صحيح البخاري كتاب الرقاق باب الحوض: 4 / 206 ح: 6585 و 6586، صحيح مسلم كتاب الطهارة باب استحباب الغرة والتحجيل: 3 / 139 و 140 و 141 ح: 37 و 39 م: 247 و 249 و 15 / 69 ح: 38 م: 2302، كنز العمال: 14 / 417 و 418 ح: 39124 و 39128، مسند أحمد: 2 / 298 و 300 و 408 و 454 و 467، بلوغ الاماني: 1 / 195، النهاية في الفتن: 1 / 340 و 341 و 342، أضواء على السنة المحمدية / 355، السنة لابن أبي عاصم: 343: ح: 769، الموطأ كتاب الطهارة باب جامع الوضوء: 1 / 28 ـ 30 ح: 28، شرح السنة: 1 / 221 ـ 222 ح: 151، سنن ابن ماجه كتاب الزهد باب ذكر الحوض: 2 / 1439 ـ 1440 ح: 4306، مسند أبي يعلى: 11 / 387 ـ 388 ح: 6502، ذمّ الكلام وأهله: 5 / 24 ـ 27 ح: 1361، المسند الجامع: 20 / 685 ـ 686 ح: 17643.
وأخرج البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل والطبراني وابن أبي عاصم وأبو إسماعيل الانصاري والبيهقي عن سهل بن سعد، سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : «إنّي فرطكم على الحوض، من مرَّ عليَّ شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً، ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم»، قال أبو
____________
1 ـ كنز العمال: 14 / 417 و 419 و 433 ـ 434 ح: 39125 و 39131 و 39185، مسند أحمد: 5 / 388 و 393 و 400، السنة لابن أبي عاصم: 340 ح: 761، المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 455 ح: 37166 وذمّ الكلام وأهله: 5 / 37 ـ 38 ح: 1370، المصنف لعبد الرزاق: 11 / 369.
وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «بينا أنا قائم، فإذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم قال: هلم، قلت : أين ؟ قال: إلى النار والله، قلت وما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم قال: هلم، قلت: أين ؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدّوا بعدك على أعقابهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل هَمَل النعم).
قال الحافظ: قال الخطابي: الهَمَل ما لا يرعى ولا يستعمل، ويطلق على الضوالّ، والمعنى أنه لا يَرده منهم إلا القليل، لان الهمل في الابل قليل بالنسبة لغيره.
وقال في النهاية: الهمل ضوالّ الابل، واحدها هامل، أي أن الناجي منهم
____________
1 ـ صحيح البخاري كتاب الرقاق باب كيف الحوض: 4 / 206 ح: 6583 و 6584 وكتاب الفتن باب واتقوا فتنة لا تصيبن...: 4 / 312 ح: 7050 و7051، صحيح مسلم 15 / 59 ح : 26 م: 2290، مجمع الزوائد: 10 / 363، الوفا بأحوال المصطفى / 834 ح: 1585، أضواء على السنة / 355، الفتح الرحماني: 1 / 195 ح: 19، النهاية في الفتن والملاحم: 1 / 328، السنة لابن أبي عاصم: 345 ح: 774، شعب الايمان: 1 / 321 ح: 360، صحيح الجامع الصغير: 1 / 484 ـ 485 ح: 2468، ذمّ الكلام وأهله: 5 / 30 ـ 32 ح: 1363..
وأخرج البخاري ومسلم والطبراني عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّي على الحوض حتى أنظر من يرد عليّ منكم، وسيؤخذ ناس دوني فأقول: يارب مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك ؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم».
فكان ابن مليكة يقول: اللهمّ إنّا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا(2) .
وأخرج البخاري ومسلم وأحمد وأبو يعلى والبزّار وأبو إسماعيل الهروي وابن أبي عاصم والبيهقي عن عبد الله بن مسعود، قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن رجال منكم ثم ليخلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي ! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».
قال البخاري: تابعه عاصم عن أبي وائل، وقال حصين عن أبي وائل عن حذيفة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(3) .
____________
1 ـ صحيح البخاري كتاب الرقاق باب كيف الحوض: 4 / 206 ـ 207 ح: 6587، فتح الباري : 11 / 580، النهاية لابن الاثير 5: 274.
2 ـ صحيح البخاري كتاب الرقاق باب كيف الحوض: 4 / 207 ح: 6593 و كتاب الفتن باب قوله تعالى: (واتقوا فتنة...): 4 / 312 ح: 7048، صحيح مسلم: 15 / 61 م: 2293، أضواء على السنة / 355، كنز العمال: 14 / 419 ح: 39129، النهاية في الفتن والملاحم: 2 / 342، المعجم الكبير: 24 / 94 ح: 251.
3 ـ صحيح البخاري باب كيف الحوض: 4 / 205 ح: 6576 وكتاب الفتن الباب الاول: 4 / 312 ح: 7049، صحيح مسلم: 15 / 64 ـ 65 ح: 32 م: 2297 بأربعة أسانيد، الوفا باحوال المصطفى / 834 ـ 835 ح: 1586، كنز العمال: 14 / 418 ح: 39126، أضواء على السنة / 355، السنة لابن أبي عاصم: 340 و 341 ح: 761 و 763، مسند أبي يعلى: 9 / 102 و 126 ح: 5168 و 5199، مسند أحمد: 1 / 384 و 402 و 406 و 407 و 425 و 439 و 453 و 455، النهاية في الفتن والملاحم: 1 / 333 وذم الكلام وأهله: 5 / 38 ـ 41 ح: 1371.
____________
1 ـ صحيح البخاري كتاب الانبياء باب قوله: (واتخذ الله إبراهيم خليلاً): 2 / 459 ح: 3349 وباب قوله: (واذكر في الكتاب مريم اذ انتبذت من أهلها): 2 / 490 ح: 3447 وكتاب التفسير باب (وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم): 3 / 226 ـ 227 ح : 4625 وباب (كما بدأنا أول خلق نعيده): 3 / 261 ح: 4740 وباب (إن تعذبهم فانهم عبادك): 3 / 226 ـ 227 ح: 4626 وكتاب الرقاق باب الحشر: 4 / 196 ح: 6526، صحيح مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها باب فناء الدنيا وبيان الحشر: 18 / 199 ـ 200 ح: 2860، سنن النسائي: 4 / 117، مسند أحمد بن حنبل: 1 / 235 و 253، مجمع الزوائد: 10 / 364، تفسير ابن كثير: 2 / 124 ـ 125، السنة لابن أبي عاصم: 345 ح: 773، الدر المنثور: 3 / 239 ـ 240، أضواء على السنة / 354، مسند أبي يعلى: 4 / 452 ح: 2578، المستدرك: 2 / 447، ذمّ الكلام واهله: 5 / 32 ـ 35 ح: 1364 ـ 1366.
وأخرج البزار وأبو يعلى عن أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لاصحابه: «لاعرفنكم ترجعون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض».
وفي لفظ أحمد عن جرير بن عبد الله: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): « استنصت الناس» ثم قال عند ذلك: «لاعرفن ـ بعدما أرى ـ ترجعون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض».(2)
____________
1 ـ صحيح البخاري كتاب الرقاق: 4 / 206 ح: 6582، صحيح مسلم: 16 / 70 ح: 40 م: 2304 وكتاب الصلاة، باب حجة من قال البسملة...: 4 / 355 ـ 356 ح: 400، مسند أحمد: 3 / 102 و 281، كنز العمال: 14 / 418 ـ 419 ح: 39127 و 39131، سنن النسائي باب قرائة بسم الله...: 2 / 133 و 134 كتاب السنة: 341 ح: 764، مسند أبي يعلى: 7 / 34 ـ 35 و 40 ح: 3942 و 3951، المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 455 ح: 37167 وذمّ الكلام وأهله: 7 / 41 ـ 43 ح: 1372.
2 ـ جامع المسانيد والسنن: 22 / 503 ح: 1947، مجمع الزوائد عنهما: 7 / 296، مسند أحمد: 4 / 366، وعن كشف الاستار (3351).
وأخرج أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى والطبراني والبزّار والذهبي وعن ابن طهمان عن أم سلمة أنها قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن من أصحاب من لا يراني بعد أن أفارقه».
فخرج عبد الرحمان بن عوف فلقي عمر، فأخبره بالذي قالت أم سلمة، فدخل عليها عمر، فقال: بالله أمنهم أنا ؟ فقالت: لا، ولا أبرئ أحداً بعدك.
أورده الهيثمي بثلاثة ألفاظ في مجمعه، ففي موضع عزاه لاحمد وأبي يعلى والطبراني في الكبير، وفي آخر عزاه لاحمد وأبي يعلى، وفي ثالث وقال: رواه
____________
1 ـ صحيح مسلم: 15 / 62 ـ 63 ح: 29 م: 2295، مسند أحمد: 6 / 297، الفتح الرباني: 1 / 196 ح: 22، المعجم الكبير: 23 / 297 و 413 ـ 414 ح: 661 ـ 662 و 996 ـ 997، المعجم الاوسط: 9 / 326 ح: 8709، كنز العمال: 14 / 419 و 436 ح: 39130 و 39193، النهاية في الفتن والملاحم: 344، المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 455 ح: 37168، ذم الكلام وأهله: 5 / 28 ـ 29 ح: 1362.
وأخرج ابن عساكر والطبراني والبزار وأبو إسماعيل الانصاري وعن يعقوب بن سفيان عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لالفينَّ ما نوزعت أحداً منكم عند الحوض فأقول: هذا من أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ؟!».
قال الهيثمي: رواه الطبراني في الاوسط والبزَّار ورجالهما ثقات. وقال في موضع آخر: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح(2) .
وأخرج مسلم وأحمد عن عائشة تقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ـ وهو بين ظهراني أصحابه ـ: «إني على الحوض أنتظر من يرد عليّ منكم، فو الله ليقتطعن دوني رجال فلاقولن: أي ربي، مني ومن أمتي ! فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم»(3) .
____________
1 ـ مسند أحمد: 6 / 290 و 307 و 317، مسند ابن راهويه: 4 / 140 ح: 1913، مسند أبى يعلى: 12 / 436 ح: 7003، مجمع الزوائد: 1 / 112 و 9 / 72، سير أعلام النبلاء: 1 / 82، وعن ابن طهمان في مشيخته (143)، والاستيعاب: 6 / 79 و 80.
2 ـ مجمع الزوائد: 9 / 367 و10 / 365، كنز العمال: 13 / 94 ح: 3621 و 36322 و 14 / 435 ح: 39190، ذمّ الكلام وأهله: 5 / 35 ـ 36 ح: 1367.
3 ـ صحيح مسلم: 15 / 61 ـ 62 ح: 28 م: 2294، كنز العمال: 14 / 419 ح: 39129، الفتح الرباني: 1 / 196 ح: 21، مسند أحمد: 6 / 121، النهاية في الفتن والملاحم: 1 / 343، صحيح الجامع الصغير: 1 / 484 ح: 2467.
وجاء في لفظ لاحمد والحاكم وصحّحه مع الذهبي: «ولكنكم أحدثتم بعدي ورجعتم ـ أو ارتددتم ـ على أعقابكم القهقرى»(1) .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي عاصم وأبو إسماعيل عن أبي بكرة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ليرِدَنّ عليّ الحوض رجال ممن صحبني ورآني، فإذا رُفِعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني، فلاقولن: أصيحابي أصيحابي !! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ؟!»(2) .
____________
1 ـ صحيح البخاري كتاب الرقاق باب الحوض: 4 / 206 ح: 6584 وكتاب الفتن باب واتقوا فتنة لا تصيبن الخ...: 4 / 312 ح: 7051، مسند أحمد: 3 / 18 و 28 و 39 و 62، الفتح الرباني: 1 / 195 ح: 19، صحيح مسلم: 15 / 60 م: 2291، مجمع الزوائد: 10 / 364، كنز العمال: 14 / 434 ح: 39186، مسند أبي يعلى 7 / 434 ح: 4455، المستدرك: 4 / 74 ـ 75، جامع الاحاديث للسيوطي: 8 / 500 ـ 501 ح: 30291 ـ 30293.
2 ـ مسند أحمد: 5 / 48، 50، الفتح الرباني: 1 / 195 ح: 18، كتاب السنة: 342 ح: 765 و 766، المصنف لابن أبي شيبة: 6 / 310 ـ 311 ح: 31664، ذم الكلام وأهله: 5 / 36 ـ 37 ح: 1369.
وروي في ذلك عن عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وأبي الدرداء وزيد بن خالد(2) .
وأخرج البخاري عن علاء بن المسيّب عن أبيه، قال: لقيت البراء بن عازب، قلت له: طوبى لك صحبت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده(3) .
قال الواقدي: وكان طلحة بن عبد الله وابن عباس وجابر بن عبد الله يقولون: صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على قتلى أُحُد وقال: «أنا على هؤلاء شهيد»، فقال أبو بكر: يا رسول الله أ ليس إخواننا أسلموا كما أسلمنا، وجاهدوا كما جاهدنا ؟ قال: «بلى، ولكن هؤلاء لم يأكلوا من أجورهم شيئاً، ولا أدري ما تحدثون بعدي»، فبكى أبو بكر، وقال: إنّا لكائنون بعدك ؟! ورواه الامام مالك في الموطأ.(4)
____________
1 ـ الفتن لنعيم بن حماد: 1 / 94 ح: 222.
2 ـ كتاب السنة: 342 ـ 343 و 344 ح: 771، كنز العمال: 14 / 427 و 421 ح: 39166 و 39137، مجمع الزوائد: 10 / 364، البحر الزخار: 1 / 314 ح: 204.
3 ـ صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الحديبية: 3 / 130 ح: 4170.
4 ـ الموطأ كتاب الجهاد باب الشهداء في سبيل الله: 2 / 461 ـ 462 ح: 32، المغازي: 1/310.
فيتعجب المرء ـ عند سماع هذا الكلام ـ من صنيع هذين الامامين ومن تأسفهما على رواية هذا الحديث ! فتأسفهما في الواقع ليس على نقل الحديث فحسب، بل مآل هذا التأسف هو التأسف على إخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) به ; لانّ الحديث ثبت عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بطرق مستفيضة صحيحة بل متواترة، كما لاحظت.
وكان على هذين الامامين التأسّف على وقوع هذه الحادثة فيما بين الصحابة، لا على إخبار النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بها، ولا على تدوينها في كتبهم الحديثية.
فندمُ مالك وتأسّفُ الشافعي ـ لو صحت الحكاية ـ دليل على أن صون مكانة الصحابة أهم لهما من حماية دين الله ووقاية سنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لان الجدال عن الذين يختانون أنفسهم والخصام للخائنين يكون سبباً لتشويش الاسلام وتغطية الباطل، فإننا نأخذ جميع مبادئ ديننا من هؤلاء الصحابة، فإذا لم نستطع أن نميّز المحقّ من المبطل فسنكون متمسّكين بروايات جماعة من الذين أنبأ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بارتدادهم من بعده ومقتدين بسنتهم بحسبان أنها من
____________
1 ـ فتح الملك العلي / 91 ـ 92.
وجود المنافقين قبل موت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
ما ذكرنا من النصوص كانت متعرضة لحال الصحابة بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم). وأمّا حالهم في حياته، فلا شبهة في وجود منافقين كثيرين فيما بين أصحابه، ولا عِلْمَ لجميع الصحابة بهؤلاء المنافقين، بل قال الله تبارك وتعالى: ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَْ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ )(1) .
قال فخر الدين الرازي: والمعنى أنهم تمردوا في حرفة النفاق فصاروا فيها أستاذين، وبلغوا إلى حيث لا تعلم أنت نفاقهم مع قوة خاطرك وصفاء حدسك و نفسك.
ونقل أبو حيان الاندلسي في البحر قريباً من كلامه عن الزمخشري(2) .
ولا يخفى أنّه إذا كان حال المنافقين مجهولاً بهذا الشكل في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فسيكون مجهولاً ومخفياً على التابعين بطريق أولى، وهم يحسبونهم من الصحابة وأهل السبق والفضل عليهم، ويروون عنهم الاخبار
____________
1 ـ سورة التوبة: 101.
2 ـ مفاتيح الغيب: 16 / 173، البحر المحيط: 5 / 496.
وما روي عن علي (عليه السلام) وجابر بن عبد الله أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «لولاك ياعلي ما عُرف المؤمنون من بعدي»(1) .
وقد قال أصحاب السير والتاريخ: أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما خرج إلى معركة أحد في ألف نفر من أصحابه انفصل منهم من المنافقين ثلاثمائة نفر، ورجعوا إلى المدينة بقيادة عبد الله بن أبي بن سلول.
ونقل ابن كثير الشامي عن البيهقي: أن المشهور عن الزهري أنهم بقوا في أربعمائة مقاتل، ثم قال: كذلك رواه يعقوب بن سفيان عن أصبغ عن ابن وهب عن يونس عن الزهري(2) .
هذا مضافاً إلى وجود مرضى القلوب والسمّاعين للمنافقين فيما بين أصحابه، و قد نطق بذلك القرآن العظيم في عدّة مواضع، قال الله عز وجل:
____________
1 ـ جواهر المطالب: 1 / 251، الرياض النضرة: 2 / 173، المناقب لابن المغازلي / 70، 238 ح: 101 و 285، كنز العمال: 13/ 152 ح: 36477.
2 ـ الكامل في التاريخ: 1 / 549، البداية والنهاية: 4 / 15، تاريخ الطبري: 2/ 60، السيرة النبوية لابن هشام: 3 / 68، المغازي للواقدي: 1 / 219.
وقال: ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْم آخَرِينَ )(2) .
فيتسائل المرء في نفسه: أين ذهب هؤلاء الجمّ الغفير من أهل النفاق بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ هل آمن جميعهم بعد موت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ أو هل انقطع النفاق بانقطاع الوحي ؟ أم هل كان موت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سبباً لايمانهم وعدالتهم ؟!
بل في بعض الايات إشعار بخلاف ذلك، كما في قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ )(3) .
____________
1 ـ سورة الاحزاب: 12.
2 ـ سورة المائدة: 41.
3 ـ سورة آل عمران: 144.
مواقف الصحابة أمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
هذا، مع أن الذين نحسبهم من أهل الفضل والاخلاص من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قد تمرّدوا على أمره وأبوا عن امتثاله واجتهدوا أمام نصوصه في كثير من المقامات، فإليك بعض الامثلة، منها:
قد تقدّم صدر الحديث الذي أخرجه عبد الرزاق والبخاري وأحمد بن حنبل وغيرهم في قصة صلح الحديبية، فإليك ما بقي منها:
فلمّا فرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الكتاب الذي كتب يومئذ في الصلح، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لاصحابه: «قوموا فانحروا ثم احلقوا»، قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أمّ سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحبّ ذلك ؟ أخرج ثم لا تكلّم أحداً منهم حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلّم أحداً منهم بشيء، حتى فعل ذلك: نحر بدنة ودعا حالقه فحلق رأسه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غماً».
وجاء في بعض الروايات أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «عجباً يا أم سلمة إني قلت للناس: انحروا واحلقوا وحلّوا مراراً فلم يجبني أحد من الناس إلى ذلك، وهم
فلما وقفتُ على هذه القصة الاليمة سالت الدموع من العين وغشى الحزن والكمد على قلبي، وتعجبت كثيراً من صنيع الصحابة ومن قلّة انقيادهم لامر نبيّهم وهو خاتم الانبياء صلوات الله عليه، ومن وسيع صبره وتحمله لتلك الالام الكبيرة.
أخرج الشافعي وأحمد والاوزاعي والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والحميدي وابن حبان: وابن ماجه والطحاوي والطبراني وابن حزم وغيرهم عن جابر بن عبد الله: أنّه حجَّ مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عام ساق معه الهدي ـ وقد أهلّوا بالحج مفردا ـ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أحِلُّوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة وقصِّروا وأقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهلّوا بالحج واجعلوا التي قدّمتم متعة» ـ أي عمرة التمتع ـ قالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمّينا الحج ؟! قال: «افعلوا ما آمركم به، فإني لولا أني سقت الهدي لفعلتُ مثل الذي أمرتكم به، ولكن لا يحل مني حرام
____________
1 ـ صحيح البخاري كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد: 1 / 282 ـ 283 ح:2731 ـ 2732، صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب صلح الحديبية (34): 12 / 382 م: 1785، مسند أحمد: 4 / 330 ـ 331، المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 383، 387 ـ 389 ح: 36829 و 36844، دلائل النبوة للبيهقي: 4 / 106 ـ 107، سبل الهدى والرشاد: 5 / 56، المغازي للواقدي: 1 / 613، السيرة الحلبية: 3 / 23، كنز العمال: 10 / 488 ـ 496 ح: 30154، المصنف لعبد الرزاق: 5 / 330 ـ 342 ح: 9720، الكامل في التاريخ: 1/ 586، البداية والنهاية: 4 / 200.
وجاء في أكثر روايات هؤلاء: أن سراقة بن مالك قام فقال: يا رسول الله، هي لنا أو للابد ؟ فقال: «لا، بل للابد».
وجاء في بعض ما رواه البخاري ومسلم وأبو عوانة وأحمد والطبراني وغيرهم عن جابر بن عبد الله وابن عباس وسراقة بن مالك: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة».
بل وجاء في رواية عمر نفسه الذي نهى عن هذه المتعة في زمن خلافته، كما روى عنه البخاري في عدة مواضع من صحيحه، وأحمد والطحاوي وابن حزم وأبو داود وابن ماجة والبزّار والدارقطني والبيهقي واللفظ له: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «أتاني جبريل (عليه السلام) وأنا بالعقيق، فقال: صلِّ في الواد المبارك ركعتين، وقل عمرة في حجة، فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة».
وجاء في بعض ما رواه البخاري ومسلم والبيهقي وغيرهم عن ابن عباس، أنه قال: كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الارض، يقولون: إذا برأ الدبر وعفا الاثر وانسلخ صفر حلّت العمرة لمن اعتمر، وكانوا يسمّون المحرم صفراً، فقدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه لصبح الرابعة مهلِّين بالحجّ، فأمرهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يارسول الله أي الحل ؟! قال: «الحلّ كلُّه» يعني يحلّون من كل شيء.
وجاء في بعض ما رواه مسلم وأبوعوانة وغيرهما عن جابر، أنه قال: أهللنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحجّ، فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحلّ ونجعلها
وفي لفظ الطبراني عنه أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «أتتهموني وأنا أمين أهل السماء وأهل الارض».
وجاء في عدّة روايات أخرجها البخاري ومسلم وأحمد وأبو عوانة وأبو داود و الطحاوي وابن حبان والحميدي وابن ماجه وابن سعد والطبراني وغيرهم: أنّ بعضهم قال: ننطلق إلى منى وذَكَرُ أحدِنا يقطر منياً.
قال القرطبي: والقائل عمر وابن مسعود أو أحدهما(1) .
____________
1 ـ صحيح البخاري: 1 / 474 ح: 1534 وباب التمتع والقران والافراد بالحج: 1 / 483 ـ 484 ح: 1564 و 1568 وباب نقض الحائض المناسك كلها: 1 / 506 ح: 1651 وباب عمرة التنعم: 1 / 540 ح: 1785 و2 / 157 ح: 2337 وكتاب الشركة باب الاشتراك في الهدي: 2 / 208 ح: 2505 و 2506 وكتاب المغازي باب بعث علي بن أبي طالب وخالد إلى اليمن: 3 / 163 ح: 4352 و 4354 و4 / 370 ح: 7343 وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب نهي النبي على التحريم: 4 / 375 ح: 7367 وباب التمني باب لو استقبلت من أمري...: 4 / 349 ـ 350 ح: 7230، صحيح مسلم باب بيان وجوه الاحرام: 8 / 412 ـ 417 ح: 141 و 143 و 144 من باب 17 م: 1216، مسند أحمد: 1 / 253 و3 / 292 و 293 و 305 و 317 و 366 و 388، سنن أبي داود باب افراد الحج: 2 / 155 و 156 ح: 1787 و 1788 و 1789، سنن البيهقي باب من اختار الافراد: 5 / 3 ـ 6 و 13 و 18 ـ 19 و 23 ـ 24 و 4 / 338 و 345 و 346 و 352 و 356، زاد المعاد فصل في إحلال من لم يكن ساق الهدي: 2 / 156 ـ 165 و 187 و 188، صحيح ابن حبان: 9 / 100 ـ 101 و 227 و 232 و 234 و 235 و 250 ـ 257 ح: 3791 و 3919 و 3921 و 3924 و 3953 و 3944، مسند الحميدي: 2 / 541 ح: 1293، سنن ابن ماجه كتاب المناسك باب فسخ الحج: 2 / 991 ـ 993 ح: 2977 و 2983، المعجم الكبير: 7 / 107 ـ 109 و 119 ـ 128 و 130 ـ 131 و 136 ح: 6513 ـ 6515 و 6562 ـ 6587 و 6594 ـ 6597 و 6604، بذل المساعي / 83 ـ 84 ح: 80، سنن الاوزاعي / 308 ـ 309 ح: 996 و 997، مسند أبي عوانة: 2 / 333 ـ 335 و 341 ح: 3327 و 3328 و 3335 و 3360، شرح معاني الاثار: 2 / 146 و 190 ـ 192 ح: 3684 و 3877 و 3882 و 3884، مسند الامام الشافعي / 366، السنن للشافعي: 2 / 93 و 104 ـ 109 و 128 ح: 451 و 463 ـ 465 و 481، الجامع لاحكام القرآن: 2 / 393 و 394 ـ 395، الدر المنثور: 1 / 521 ـ 522، المحلّى: 7 / 55 ـ 56، كنز العمال: 5 / 43 ـ 45 و 46 ح: 11973 ـ 11975 و 11983 ـ 11984 و 11989 ـ 11992، مجمع الزوائد: 3 / 235 ـ 237، شرح السنة للبغوي: 4 / 172 ـ 272 ح: 1878، حجة الوداع لابن حزم / 159 و 160 و 335 و 403 و 409 ـ 410 ح: 70 و 72 و 73 و 360 و 459 و 470 و 472، سنن أبي داود: 2 / 159 ح: 1800 و 1801، معرفة السنن والاثار: 7 / 68 و 70 و 76 ح: 9315 و 9323 و 9344، الطبقات الكبرى لابن سعد: 1 / 478 وفي طبع: 2 / 134، نصب الراية: 3 / 100 ـ 107 و 113 ـ 123، البداية والنهاية: 5 / 131 و 134 و 146، البحر الزخار: 1 / 312 ـ 313 ح: 201 و 202، العلل للدارقطني: 2 / 88 س: 131، المسند المستخرج على صحيح مسلم: 3 / 341 ـ 349 ح: 2872 ـ 2895 وراجع باب: 393 و 395 منه.
نعم، هذا هو الاجتهاد ! الاجتهاد في مقابل النصّ، ولا بأس به على مذهب ابن حجر الهيتمي وابن تيمية الحراني وابن كثير الشامي وأمثالهم !!.
وأخرج أحمد بن حنبل وأبو يعلى وابن ماجه وابن حزم عن البراء بن
وأورده الهيثمي في مجمعه عن أبي يعلى وقال: رجاله رجال الصحيح(1) .
وأخرج مسلم وأبو عوانة وابن حبان وابن خزيمة وأبو داود الطيالسي والبيهقي عن عائشة أنها قالت: قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لاربع مضين من ذي الحجة أو خمس، فدخل عليّ وهو غضبان، فقلت: من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار، قال: «أو ما شعرت أنّي أمرت الناس بأمر فإذا هم يتردّدون ». وزاد الطيالسي: قال الحكم: كأنهم خشب مسنّدة(2) .
____________
1 ـ مسند أحمد: 4 / 286، سنن ابن ماجه، باب فسخ الحج: 2 / 993 ح: 2982، مجمع الزوائد باب فسخ الحج الى العمرة: 3 / 233، زاد المعاد: 2 / 160، مسند أبي يعلى: 3 / 233 ـ 234 ح: 1672، المحلى لابن حزم: 7 / 55 ـ 56، حجة الوداع له أيضاً / 163 ح: 80.
2 ـ صحيح ابن حبان: 9 / 248 ح 6 3941، صحيح مسلم باب وجوه الاحرام: 8 / 405 ح: 130 من باب 17، صحيح ابن خزيمة: 4 / 165 ـ 166 ح: 2606، سنن البيهقي باب من اختار التمتع: 5 / 19، عن مسند الطيالسي: 216 ح: 1540، مسند أبي عوانة: 2 / 342 ح : 3363 و 3364.
1 ـ عائشة.
2 ـ وحفصة أُمَّا المؤمنين.
3 ـ وعلي بن أبي طالب.
4 ـ وفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
5 ـ وأسماء بنت أبي بكر الصدّيق.
6 ـ وجابر بن عبد الله.
7 ـ وأبو سعيد الخدري.
8 ـ والبراء بن عازب.
9 ـ وعبد الله بن عمر.
10 ـ وأنس بن مالك.
11 ـ وأبوموسى الاشعري.
12 ـ وعبد الله بن عباس.
13 ـ وسبرة بن معبد الجهني.
14 ـ وسراقة بن مالك المدلجي.
ونحن نشير إلى هذه الاحاديث... ثم شرع ابن القيّم في سرد الاحاديث في ذلك، فمن أراد فليراجع كتابه: [زاد المعاد](1) .
____________
1 ـ زاد المعاد: 2 / 156 ـ 165.
وقال أبوبكر الرازي في الاحكام: وقد وردت آثار متواترة في أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه في حجة الوداع بفسخ الحج(2) .
قال الله تبارك وتعالى: ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوَاً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمَاً قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ )(3)
أخرج البخاري ومسلم وسعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن خزيمة والدارقطني وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والواحدي والبيهقي في سننه من طرق عن جابر بن عبد الله، واللفظ للبخاري، قال: أقبلت عير يوم الجمعة ونحن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فثار الناس إلاّ اثنى عشر رجلاً، فأنزل الله: ( وَإِذَا رَأوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوَاً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمَاً ) .
وفي لفظ أبي يعلى عن جابر: بينما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب يوم الجمعة، فقدمت
____________
1 ـ حجة الوداع لابن حزم / 344.
2 ـ أحكام القرآن للجصاص: 1 / 398.
3 ـ سورة الجمعة: 11.
وفي لفظ ابن مردويه عن ابن عباس: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لو خرجوا كلّهم لاضطرم المسجد عليهم نارا».
والقصة معروفة مروية عن جماعة من الصحابة والتابعين، وعاتبهم الله على ذلك العمل في كتابه الكريم.
وعن البيهقي: أن ذلك الموقف صدر منهم ثلاث مرات، ويؤيده أنه جاء في رواية لابن عباس وغيره: أن الباقين في المسجد كانوا اثنى عشر رجلاً، وفي رواية أخرى له: أن الباقين كانوا ثمانية رجال، وفي رواية ثالثة له: أن الباقين كانوا سبعة رجال(1) .
إن هذا لشيءٌ عجيب جدّاً، فإذا كان حال الجيل المثالي هكذا، وهم في خير القرون ـ على حد تعبير أهل السنة والجماعة ـ فكيف يكون حال أهل
____________
1 ـ صحيح البخاري الجمعة: 1 / 296 ح: 936 والبيوع: 2 / 76 و 78 ح: 2058 و 2064 والتفسير: 3 / 309 ح: 4899، صحيح مسلم الجمعة: 2 / 494 ح: 863 ب: 11، صحيح ابن خزيمة: 3 / 174 ح: 1852، سنن الدارقطني: 2 / 4 ـ 5 ح: 1567 و 1568، السنن الكبرى للبيهقي باب الخطبة قائمة: 3 / 197، الدر المنثور: 8 / 165 ـ 167، الجامع لاحكام القرآن: 18 / 109 ـ 111، جامع البيان: 14 / 103 ـ 105، تفسير القرآن العظيم: 4 / 392، مسند أبي يعلى: 3 / 405 ـ 406 و 468 ـ 469 ح: 1888 و 1979، وعن الترمذي في التفسير برقم 3308، والواحدي في أسباب النزول برقم 319 و 320.
خلاصة القصة: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هيّأ سريّة لغزو الروم وأَمَّر عليها أسامة ابن زيد ـ وهو لم يبلغ العشرين من عمره ـ وعبّأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه السرية وجوهَ المهاجرين والانصار، وفيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص، فَعقَد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لواء أسامة بيده الشريفة، ثم قال: «اغز باسم الله وفي سبيل الله وقاتِلْ من كفر بالله»، فخرج وعسكر بالجرف، ثم تثاقلوا هناك فلم يبرحوا، وطعن قوم منهم في تأمير أسامة وأكثروا في ذلك، حتى غضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فخرج معصّب الرأس مدّثراً بقطيفته محموماً ألماً، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أيها الناس، ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة، لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، وأيم الله إن كان لخليقاً بالامارة وأن ابنه من بعده لخليق بها»، وحضَّهم على المبادرة والتعجيل وهم يتثاقلون.
ثم ثقل في مرضه، فجعل يقول: «انفذوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة»، يكرر ذلك وهم متثاقلون، حتى قال ـ كما في بعض الروايات ـ: «لعن الله من تخلف عن جيش أسامة».
ثم أمر (صلى الله عليه وآله وسلم) أسامة بالسير قائلاً له: «اغد على بركة الله تعالى»، وفي يوم البعدي إذا بأسامة قد رجع ومعه عمر وأبو عبيدة، من دون أن يسيروا حيث أمرهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فانتهوا إليه وهو يجود بنفسه، فتوفّي صلوات الله وسلامه
إذا تفكر المرء في ما تقدّم من تركهم لجنازة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعدم حضورهم عند دفنه، كأن لا علاقة بينه وبينهم، يفهم أن حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما كان فيه من الوجع والالم لم يكن مهمّاً لهؤلاء، فتثاقلهم وعدم امتثالهم لامره لم يكن لاجل ذلك، بل كان لاجل ما هو أهمّ لديهم من جميع ذلك، فذهبوا إلى السقيفة وتنازعوا حوله، ألا وهو الامارة والرئاسة !!
( وَمَاْ كَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إذَاْ قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاًَ مُبِيناً )(2) .
____________
1 ـ تاريخ اليعقوبي: 2 / 93، مختصر تاريخ دمشق: 4 / 248 و 250 و 9 / 128 ـ 129، تاريخ ابن الاثير: 2 / 5، تاريخ الطبري: 2 / 224 ـ 225، المغازي للواقدي: / 1117 ـ 1120، كنز العمال: 10 / 570 ـ 578 ح: 30264 ـ 30267، شرح نهج البلاغة: 1 / 159 ـ 160 و6 / 52، السيرة الحلبية: 3 / 207، سيرة زيني دحلان بهامشه: 2 / 339، أنساب الاشراف: 2 / 114 ـ 115، منتخب الكنز: 4 / 180، 183، أسد الغابة: 1 / 66، المصنف لابن أبي شيبة 6 / 395 ح: 32295، الطبقات الكبرى: 1 / 480 ـ 481 و 521 ـ 522، المنتظم في التاريخ: 4 / 16.
2 ـ سورة الاحزاب: 36.