قالوا: اللهم نعم.
قال: فأنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله - صلى الله عليهوآله - قال: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي لن تضلوا مااستمسكتم بهما ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض؟
قالوا: اللهم نعم.
قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد وقى رسول الله - صلى اللهعليه وآله - من المشركين بنفسه واضطجع في مضجعه (3) غيري؟
قالوا: اللهم لا.
قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد بارز عمرو بن عبد ودالعامري حيث دعاكم إلى البراز غيري؟
قالوا: اللهم لا.
قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد أنزل الله فيه آية التطهيرحيث يقول - عز وجل -: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهلالبيت ويطهركم تطهيرا) (4) غيري؟
قالوا: اللهم لا.
قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله - صلى الله عليه وآله -: أنت سيد العرب غيري؟
قالوا: اللهم لا.
____________
1 - المصدر: حيث.
2 - أ: دار.
3 - المصدر: بنفسه من المشركين فاضطجع مضطجعه.
4 - الأحزاب / 33.
قالوا: اللهم لا.
المبحث الرابع والعشرون: في الدعاء له:
روى الخوارزمي (1) عن عبد الله بن سلمة قال: سمعت عليا- عليه السلام - يقول: أتى إلي رسول الله - صلى الله عليه وآله - وأناشاك أقول: اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني وإن كان متأخرافعافني وإن كان بلاء فصبرني. فضربني برجله وقال: كيف قلت؟
فأعدت عليه القول.
فقال: اللهم اشفه. أو قال: عافه.
قال علي - عليه السلام -: فما اشتكيت وجعي ذلك.
وعن أم عطية (2): أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - بعثجيشا فيه علي بن أبي طالب - عليه السلام -. فسمعت النبي - صلى اللهعليه وآله - يدعو ورفع يده أو رفع يديه يقول: اللهم لا تمتني حتى ترينيوجه علي بن أبي طالب - عليه السلام -.
وعن عبد الله بن الحارث (3) عن علي - عليه السلام - قال:
وجعت وجعا شديدا فأتيت النبي - صلى الله عليه وآله - فأنامني فيمكانه وألقى علي طرف ثوبه ثم قام يصلى.
ثم قال: قم يا علي قد برئت لا بأس عليك. ما دعوت لنفسيبشئ إلا دعوت لك بمثله وما دعوت بشئ إلا استجيب لي أو قيل: قد
____________
1 - بل ابن المغازلي في مناقبه / 123، ح 161.
2 - نفس المصدر / 122، ح 160. ومثله باختصار في مناقب الخوارزمي / 30.
3 - نفس المصدر / 135، ح 178 ومثله في مناقب الخوارزمي / 61.
المبحث الخامس والعشرون: في التوعد على بغضه:
روى الخوارزمي (2) عن معمر عن الزهري عن عكرمة عنابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: إن الله- عز وجل - منع بني إسرائيل قطر السماء بسوء رأيهم في أنبيائهمواختلافهم في دينهم. وإنه آخذ هذه الأمة بالسنين ومانعهم قطر السماءببغضهم علي بن أبي طالب - عليه السلام -.
قال معمر (3): حدثني الزهري وقد حدثني في مرضة مرضهاولم أسمعه [ يحدث ] (4) عن عكرمة قبلها أحسبه ولا بعدها. فلما برئ (5) منمرضه ندم فقال لي: يا يماني (6) اكتم هذا الحديث واطوه دوني. فإنهؤلاء يعني: بني أمية لا يعذرون أحدا في تعريض (7) علي وذكره.
____________
1 - هنا زيادة في ش ود. وهي: اللهم صل عليهما.
2 - بل ابن المغازلي في مناقبه / 141، ح 186.
3 - نفس المصدر والحديث، ص 142.
4 - من المصدر.
5 - ش ود: أبرئ. المصدر: بل.
6 - ش ود: بأيماني.
7 - المصدر و ش: تقريظ. د، ج و أ: تفريط.
قال: حسبك يا هذا أنهم شركونا في لهاهم (1) فانحططنا فيأهوائهم.
وعن أنس (2) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: إنلله - عز وجل - (3) خلقا ليس من ولد آدم ولا من ولد إبليس يلعنون مبغضيعلي بن أبي طالب - عليه السلام -.
قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: هم القنابر ينادون في السحر على رؤوس الشجر: إلا لعنةالله على مبغضي علي بن أبي طالب. (بسم الله الرحمن الرحيم وسلامعلى عباده الذين اصطفى).
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري (4) قال: سمعت عليا - عليهالسلام - يقول: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وآله - ثلاث سنينقبل أن يصلي [ معه ] (5) أحد [ من الناس ] (6).
وسمعته يقول: إن مما عهد إلي رسول الله - صلى الله عليه وآله -أنه لا يحبني كافر ولا يبغضني مؤمن. أما والله ما كذبت ولا كذبت ولاضللت ولا ضل بي.
____________
1 - أ: دنياهم.
2 - نفس المصدر / 142، ح 187.
3 - هكذا في ج و أ. وفي سائر النسخ والمصدر: (إن الله تعالى خلق) بدل (إن لله- عز وجل -).
4 - نفس المصدر / 194، ح 230. وليس في المصدر: بسم الله الرحمن الرحيم وسلام على عبادهالذين اصطفى.
5 و 6 - ليس في م.
فخر علي - عليه السلام - ساجدا وقال: الحمد لله الذي من علي
____________
1 - نفس المصدر / 237، ح 285.
2 - هنا زيادة في المصدر. وهي: (وأنا منك ترثني وأرثك وأنت مني).
3 - ليس في المصدر.
4 - أ: تنقض.
ج (ظ) ينتقضوا.
5 - ج: لأن.
6 - هنا زيادة في المصدر. وهي: (وعلانيتك علانيتي).
7 - ج: (من بينك) بدل (بين يديك).
8 - المصدر و م: مخالط.
فقال له النبي - صلى الله عليه وآله -: لولا أنت يا علي ماعرف المؤمنون بعدي. لقد جعل الله - عز وجل - نسل كل نبي من صلبهوجعل نسلي من صلبك يا علي. فأنت أعز الخلق وأكرمهم علي وأعزهمعندي ومحبك أكرم من يرد علي [ الحوض ] (1) من أمتي.
المبحث السادس والعشرون: في قصة أصحاب الكهف ومحادثته مع اليهود:
روى أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي في كتابالعرائس (2) قال: لما تولى (3) عمر بن الخطاب الخلافة أتاه قوم من أحباراليهود فقالوا له: يا عمر أنت ولي الأمر بعد محمد وصاحبه وإنا نريد أننسألك عن خصال إن أخبرتنا بها علمنا أن الإسلام حق وأن محمدا كاننبيا وإن لم تخبرنا بها علمنا أن الإسلام باطل وأن محمدا لم يكن نبيا.
فقال عمر: سلوا عما بدا لكم.
قالوا: أخبرنا عن أقفال السماوات ما هي؟ وأخبرنا عن مفاتيحالسماوات ما هي؟ وأخبرنا عن قبر سار بصاحبه ما هو؟ وأخبرنا عمنأنذر قومه لا [ هو ] (4) من الجن ولا [ هو ] (5) من الإنس. وأخبرنا عن خمسةأشياء مشوا على الأرض ولم يخلقوا في الأرحام. وأخبرنا عما يقول الدراج
____________
1 - ليس في ش، د و أ.
2 - عرائس التيجان / 566 - 574.
3 - هكذا في م. وفي سائر النسخ والمصدر: ولى.
4 و 5 - من المصدر.
قال: فنكس عمر رأسه في الأرض ثم قال: لا عيب لعمر (1) أنيسأل عما لا يعلم [ أن يقول: لا أعلم ] (2).
فوثب اليهود وقالوا: نشهد أن محمدا لم يكن نبيا وأن الإسلامباطل.
فوثب سلمان الفارسي - رضي الله عنه - وقال لليهود: قفوا قليلا.
ثم توجه نحو علي بن أبي طالب - عليه السلام - حتى دخل عليه وقال:
يا أبا الحسن أغث الإسلام.
فقال: وما ذاك؟ فأخبره الخبر. فأقبل يرفل في بردة رسول الله- صلى الله عليه وآله -.
فلما نظر عمر إليه وثب [ قائما ] (3) فاعتنقه وقال: يا أبا الحسن[ أنت ] (4) لكل [ ذي ] (5) معضلة وشديدة تدعى.
فقال علي - عليه السلام - لليهود: سلوا عما بدا لكم. فإن النبي- صلى الله عليه وآله - علمني ألف باب من العلم فتشعب لي من كلباب (6) ألف باب. فسألوه عنها.
فقال علي - عليه السلام - إن لي عليكم شريطة إذا أخبرتكم
____________
1 - المصدر: (لا عيب بعمر إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم و) بدل (لا عيب لعمر).
2 - ليس في المصدر.
3 - من المصدر.
4 - من المصدر.
5 - من م.
6 - هكذا في المصدر. وفي النسخ. (من كل باب ينشعب) بدل (فتشعب لي من كل باب).
فقالوا: لك ذلك (2).
[ فقال سلوا خصلة خصلة ] (3).
فقالوا: أخبرنا عن أقفال السماوات ما هي؟
فقال: أقفال السماوات الشرك بالله. لأن العبد والأمة إذا كانامشركين لم يرتفع لهما عمل.
قالوا: فأخبرنا عن مفاتيح السماوات (4) ما هي؟
فقال: مفاتيحها (5) شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبدهورسوله.
قال: فجعل بعضهم ينظر إلى بعض ويقولون: صدق الفتى.
قالوا: فأخبرنا عن قبر سار بصاحبه.
قال: ذلك الحوت إذ التقم يونس بن متي - عليه السلام - فسار بهفي البحار السبعة.
قالوا: فأخبرنا عمن أنذر قومه لا هو من الجن ولا من الإنس.
قال: تلك نملة سليمان إذ قالت (أيها النمل ادخلوا مساكنكملا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون) (6).
قالوا: فأخبرنا عن خمسة أشياء مشوا على وجه الأرض لم يخلقوا فيالأرحام.
____________
1 - ليس في المصدر.
2 - المصدر: (نعم) بدل (لك ذلك).
3 - من المصدر.
4 - هكذا في المصدر. وفي النسخ: هذه الأقفال.
5 - ليس في المصدر.
6 - النمل / 18.
قالوا: فأخبرنا عما يقول الدراج في صياحه.
قال: يقول: الرحمن على العرش استوى.
قالوا: فأخبرنا ما يقول الديك في صريخه؟
قال: يقول: اذكروا الله يا غافلين.
قالوا: فأخبرنا ما يقول الفرس في صهيله؟
قال: يقول: إذا مشى المؤمنون إلى الكافرين (1): اللهم انصر عبادكالمؤمنين على الكافرين.
قالوا: فأخبرنا ما يقول الحمار في نهيقه؟
قال: يلعن (2) العشار (3) وينهق في أعين الشياطين.
قالوا: فأخبرنا ما يقول الضفدع في نقيقه؟
قال: يقول: سبحان ربي المعبود المسبح في لجج البحار.
قالوا: فأخبرنا ما يقول القنبر في صفيره؟
قال: يقول: اللهم العن مبغضي محمد وآل محمد.
وكان اليهود ثلاثة نفر فقال اثنان منهم: نشهد أن لا إله إلا اللهوأن محمدا عبده ورسوله (4). ووثب الحبر الثالث فقال: يا علي لقد وقع فيقلوب أصحابي ما وقع في قلبي (5) من الإيمان والتصديق وبقيت (6) خصلة
____________
1 - المصدر: إلى الكافرين للجهاد.
2 - المصدر: يقول لعن الله.
3 - ش ود: العشارين.
4 - المصدر: (رسول الله) بدل (عبده ورسوله).
5 - ش، د و م: (وقع في قلبي مثل ما وقع في قلوب أصحابي) بدل (وقع في قلوب... قلبي).
6 - المصدر: قد بقي.
فقال: سل عما بدا لك.
فقال: أخبرني عن قوم في أول الزمان ماتوا ثلاث مائة وتسع سنينثم أحياهم الله ما كان قصتهم؟
قال علي - عليه السلام - يا يهودي هؤلاء أصحاب الكهفوقد أنزل الله - تبارك وتعالى - على نبينا قرآنا في صفتهم (1). فإن شئتقرأت عليك قصتهم.
فقال اليهودي: ما أكثر ما سمعنا قرآنكم (2)! إن كنت عالما بهفأخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم واسم مدينتهم واسم ملكهم واسم كلبهمواسم جبلهم واسم كهفهم وقصتهم من أولها إلى آخرها.
فاحتبى [ علي ] (3) ببردة رسول الله - صلى الله عليه وآله - ثمقال: يا أخا اليهود (5) حدثني حبيبي محمد - صلى الله عليه وآله - أنهكان بأرض الروم مدينة يقال لها: أفسوس. ويقال: هي طرسوس.
[ واسمها في الجاهلية أفسوس. فلما جاء الإسلام سموها: طرطوس.
قال: ] (6) وكان لهم ملك صالح فمات ملكهم وانتشر أمرهمفسمع بهم ملك من ملوك فارس يقال له: دقيانوس. وكان جبارا كفارا (7).
____________
1 - المصدر: فيه قصتهم.
2 - المصدر: قراءتكم.
3 - من المصدر.
4 - ش ود و م: (فأجبني فصلى علي - عليه السلام - على محمد - صلى الله عليه وآله -) بدل(فأحبني... - صلى الله عليه وآله).
5 - المصدر: العرب.
6 - من المصدر.
7 - ش: كافرا.
فوثب اليهودي وقال: إن كنت عالما فصف لي ذلك القصرومجالسه.
فقال: يا أخا اليهود ابتنى قصرا [ من الرخام ] (1) طولهفرسخ في فرسخ من الرخام الممرد واتخذ فيه أربعة آلاف أسطوانة منالذهب وألف قنديل من الذهب لها سلاسل من اللجين تسرج في كلليلة بالأدهان الطيبة. واتخذ لشرقي المجلس مائتي (2) كوه ولغربيةكذلك. فكانت الشمس من حين تطلع إلى أن تغيب تدور في المجلس كيفما دارت. واتخذ فيه سريرا من الذهب طوله ثمانون ذراعا في عرضأربعين ذراعا مرصعا بالجواهر. ونصب على يمين السرير ثمانين كرسيا منالذهب فأجلس عليها بطارقته. واتخذ أيضا عن يساره ثمانين كرسيا منالذهب [ عن يساره ] (3) فأجلس عليها هراقلته [ وقضاته ] (4) ثم جلس علىالسرير ووضع التاج على رأسه.
فوثب اليهودي وقال: يا علي إن كنت عالما فأخبرني مم كانتاجه؟
قال: يا يهودي (5) كان تاجه من الذهب السبيك له سبعة (6)
____________
1 - من المصدر.
2 - المصدر: مائة وثمانين.
3 - من المصدر.
4 - ليس في المصدر.
5 - المصدر: فقال يا أخا اليهود.
6 - المصدر: تسعة.
فوثب اليهودي وقال: يا علي إن كنت عالما بهم (4) فأخبرني ماكان أسماء الثلاثة الذين عن يمينه والثلاثة الذين عن يساره؟
فقال - عليه السلام -: حدثني حبيبي رسول الله - صلى الله عليه وآله -إن الثلاثة الذين كانوا عن يمينه أسماؤهم تمليخا ومكسلميناومحسيمينا (5). وأما الثلاثة الذين كانوا عن يساره فمرطليوس وكشطوشوسادنيوس (6). وكان يستشيرهم في جميع أموره. وكان إذا جلس كل يومفي صحن داره واجتمع الناس عنده دخل من باب الدار ثلاثة غلمة فييد أحدهم جام من الذهب مملوء من المسك وفي يد الثاني جام من الفضة
____________
1 - هكذا في المصدر، وفي م: (ففرطهم بقراطق). وفي سائر النسخ: (ففرطقهم بفراطق). 2 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: (الغرند). وفي المصدر: ألقز.
3 - المصدر: اصطنع.
4 - المصدر: (صادقا) بدل (عالما بهم).
5 - المصدر: محسلمينا.
6 - هكذا في المصدر.
في ج: مرطوس وبسطونس وسادنوس.
في أ: وساونوس.
في م: مرطونس وكسطويس وساديوفس.
في ش ود: مرطونس وكسطونس وسادنوس.
والله العالم.
فمكث الملك في ملكه ثلاثين سنة من غير أن يصيبه صداع ولاوجع ولا حمى ولا لعاب ولا بزاق ولا مخاط. فلما رأى ذلك من نفسه عتىوطغى وتجبر واستعصى وادعى الربوبية من دون الله ودعا إليها وجوه قومه.
فكل من أجابه أعطاه وحباه وكساه وخلع عليه ومن لم [ يجبه و ] (2) يتابعهقتله. فاستجابوا بأجمعهم فأقام في ملكه زمانا يعبدونه من دون الله.
فبينا هو ذات يوم جالس في عيد له على سريره والتاج على رأسهإذ أتاه بعض بطارقته فأخبره أن عساكر الفرس قد غشيته يريدون قتاله.
فاغتم لذلك غما شديدا حتى سقط التاج عن رأسه وسقط هو عن سريره.
فنظر إلى ذلك أحد الفتية الثلاثة الذين كانوا يمينه وكان غلاماعاقلا يقال له: تمليخا فتفكر وتذكر نفسه وقال: لو كان دقيانوس هذاإلها كما يزعم لما حزن ولما كان ينام ولما كان يبول ويتغوط وليستهذه الأفعال من صفات الإله.
وكانت الفتية الستة يكونون كل يوم عند أحدهم وكان ذلك اليومنوبة تمليخا. فاجتمعوا عنده وأكلوا وشربوا ولم يأكل تمليخا ولم يشرب.
فقالوا له: يا تمليخا لم لا تأكل ولا تشرب؟
فقال: يا إخوتي قد وقع في قلبي شئ منعني عن الطعام والشراب
____________
1 - هكذا في المصدر. وفي النسخ: (فيحمل ما في الجام) بدل (فينشف ما فيه).
2 - من المصدر.
فقال: أطلت فكري في هذه السماء فقلت: من رفعها سقفامحفوظا بلا علاقة فوقها ولا دعامة من تحتها ومن أجرى فيها شمسهاوقمرها ومن زينها بالنجوم؟ ثم أطلت فكري في هذه الأرض؟ فقلت:
من سطحها على ظهر اليم الزاخر ومن حبسها وربطها بالجبال الرواسيلئلا تميد؟ ثم أطلت فكري في نفسي فقلت: من أخرجني صبيا (1) منبطن أمي ومن غذاني ورباني؟ أن لها صانعا ومدبرا سوى دقيانوسالملك.
فانكبت الفتية على رجليه يقبلونهما وقالوا: يا تمليخا لقد وقع فيقلوبنا ما وقع في قلبك فأشر علينا.
فقال: يا إخوتي ما أجد لي ولكم حيلة إلا الهرب من هذا الجبارإلى ملك السماوات [ والأرض ] (2).
فقالوا: الرأي ما رأيت.
فوثب تمليخا فباع تمرا [ من حائط له ] (3) بثلاثة دراهم وصرها فيرداءه وركبوا خيولهم وخرجوا. فلما صاروا إلى ثلاثة أميال من المدينة قاللهم تمليخا: يا إخوتنا ذهب عنا (4) ملك الدنيا وزال عنا أمره فانزلوا عنخيولكم وامشوا على أرجلكم لعل الله - تعالى - أن يجعل لكم من أمركمفرجا ومخرجا.
فنزلوا عن خيولهم ومشوا على أرجلهم سبعة فراسخ حتى صارت
____________
1 - المصدر و ج (ظ): ض (جنينا). وهي ليس في م.
2 - من المصدر.
3 - ليس من المصدر.
4 - هكذا في المصدر وفي النسخ: (قال لهم يا إخوتاه وذهب) بدل (قال... عقا).
فقال: عندي ما تحبون ولكني أرى وجوهكم وجوه الملوك وماأظنكم إلا هرابا فأخبروني بقصتكم.
فقالوا: يا هذا إنا دخلنا في دين لا يحل لنا الكذب أفينجيناالصدق؟
قال: نعم فأخبروه بقصتهم.
فأكب الراعي على أرجلهم يقبلها ويقول: قد وقع في قلبي ماوقع في قلوبكم فقفوا لي ههنا حتى أرد هذه الأغنام إلى أربابها وأعودإليكم. فوقفوا له فردها وأقبل يسعى يتبعه كلب له.
فوثب اليهودي [ قائما ] (2) فقال: يا علي [ إن كنت عالمافأخبرني ] (3) ما كان لون الكلب وما اسمه؟
قال: يا أخا اليهود حدثني حبيبي محمد - صلى الله عليه وآله -إن لون الكلب كان أبلق بسواد وإن اسم الكلب كان قطمير.
فلما نظر الفتية إلى الكلب قال بعضهم لبعض: إنا نخاف أنيفضحنا هذا الكلب بنباحه فألحوا عليه ضربا (4) بالحجارة. فلما نظر الكلبأنهم قد ألحوا عليه بالطرد (5) أقعى على ذنبه (6) وتمطى وقال بلسان طلقذلق: يا قوم تطردوني فإني (7) أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
____________
1 - من المصدر.
2 و 3 - من المصدر.
4 - هكذا ي م. وفي سائر النسخ والمصدر: طردا.
5 - المصدر: بالحجارة والطرد.
6 - هكذا في م. وفي سائر النسخ والمصدر: رجليه.
7 - المصدر: لم تطردونني وأنا.
فوثب اليهودي وقال: يا علي ما اسم ذلك الجبل [ وما اسمالكهف؟ ] (1).
فقال: يا أخا اليهود اسم الجبل نيكلوس (2) واسم الكهفالوصيد. وإذا بفناء الكهف أشجار مثمرة وعين غزيره فأكلوا من الثماروشربوا من الماء. وجنهم الليل فآووا إلى الكهف وربض الكلب علىباب الكهف ومد يديه عليه. وأمر الله - تعالى - ملك الموت بقبضأرواحهم ووكل الله - تعالى - بكل رجل منهم ملكين يقلبانه من ذاتاليمين إلى ذات الشمال ومن ذات الشمال إلى ذات اليمين. وأوحى الله- تعالى - إلى الشمس فكانت تزاور عن كهفهم ذات اليمين إذا طلعتوإذا غربت تقرضهم ذات الشمال.
فلما رجع الملك (3) دقيانوس من عيده سأل عن الفتية فقيل له:
إنهم اتخذوا إلها غيرك وخرجوا هربا (4) منك. فركب في ثمانين ألففارس وجعل يقص (5) آثارهم حتى صعد الجبل وشارف الكهف فنظر إليهممضطجعين فظن أنهم نيام فقال لأصحابه: أردت أن أعاقبهم بشئ ماعاقبتهم بأكثر مما عاقبوا به أنفسهم فائتوني بالبنائين. [ فأتى بهم ] (6)
____________
1 - من المصدر.
2 - المصدر: نا جلوس.
م: ننكلوس.
3 - هكذا في المصدر. وفي النسخ: الكافر.
4 - المصدر: هاربين.
5 - المصدر: يقفوا. ش، د و م: يعدوا.
6 - من المصدر.
فمكثوا ثلاثمائة وتسع سنين فنفخ الله فيهم الروح وهبوا من رقدتهم كما بزغت الشمس.
فقال بعضهم لبعض: لقد غفلنا هذه الليلةعن عبادة الله قوموا بنا إلى الماء. فقاموا (2) فإذا العين قد غارتوالأشجار قد جفت. فقال بعضهم لبعض: إنا أمرنا هذا لفي عجبمثل هذه العين قد غارت في ليلة واحدة ومثل هذه الأشجار قد جفت فيليلة واحدة. فألقى الله عليهم الجوع فقالوا: أيكم يذهب بورقكم هذه إلىالمدينة فيأتينا بطعام منها ولينظر إلا يكون من الطعام الذي يعجن بشحمالخنزير؟ [ فذلك قوله - تعالى -: (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينةفلينظر أيها أزكى طعاما) (3) أي: أحل وأجود وأطيب ] (4).
فقال تمليخا: يا إخوتي لا يأتيكم بالطعام غيري. ولكن أيهاالراعي ادفع إلي ثيابك وخذ ثيابي.
فلبس ثياب الراعي ومضي. فكان يمر بمواضع لا يعرفها [ وطريقينكرها ] (5) حتى أتى باب المدينة فإذا عليه علم أخضر مكتوب: لاإله إلا الله عيسى رسول (6) الله. فطفق الفتى ينظر ويمسح عينيه ويقول:
أراني نائما.
فلما طال علية ذلك دخل المدينة فمر بأقوام يقرأون الإنجيل
____________
1 - هكذا في المصدر. وفي النسخ: فردم.
2 - المصدر: (العين) بدل (الماء فقاموا).
3 - الكهف / 19.
4 و 5 - من المصدر.
6 - المصدر: روح.
يا خباز ما اسم مدينتكم هذه؟
قال: أفسوس.
قال: ما اسم ملككم.
قال: عبد الرحمن.
قال تمليخا: إن كنت صادقا فإن أمري عجيب ادفع إلي بهذهالدراهم طعاما. وكانت دراهم الزمان الأول ثقالا كبارا فتعجب الخبازمن تلك الدراهم.
فوثب اليهودي وقال: يا علي إن كنت عالما فأخبرني كم كانوزن درهم منها؟
فقال: يا أخا اليهود حدثني حبيبي رسول الله - صلى الله عليهوآله - أن كل درهم منها عشرة دراهم وثلثا درهم.
فقال له الخباز: يا هذا إنك أصبت كنزا فاعطني بعضه وإلاذهبت بك إلى الملك.
فقال تمليخا: ما أصبت كنزا إنما هذا من ثمن تمر بعته بثلاثةدراهم منذ ثلاثة أيام وقد خرجت من هذه المدينة وهم يعبدون دقيانوسالملك.
فغضب الخباز وقال: ألا ترضى إن أصبت كنزا أن تعطينيبعضه حتى تذكر رجلا جبارا كان يدعي الربوبية قد مات منذ ثلاثمائةوتسع سنين وتسخر بي. ثم أمسكه واجتمع (1) الناس.
ثم إنهم أتوا به إلى الملك وكان عاقلا عادلا فقال لهم: ما قصةهذا الفتى؟
____________
1 - هكذا في المصدر. وفي النسخ: (فجمع) بدل (ثم أمسكه واجتمع).
فقال له الملك: لا تخف فإن نبينا عيسى أمرنا أن لا نأخذ منالكنوز إلا خمسها فادفع إلي خمس هذا الكنز وامض سالما.
فقال: أيها الملك تثبت في أمري ما أصبت كنزا وإنما أنا منأهل هذه المدينة.
فقال له: أنت من أهلها؟
قال: نعم.
قال: أتعرف منها أحدا؟
قال: نعم.
قال فسم لنا. فسمى له نحوا من ألف رجل فلم يعرفوا منهارجلا واحدا.
فقالوا: يا هذا ما نعرف هذه الأسماء وليست هي من أسماءزماننا ولكن هل لك في هذه المدينة دار؟
فقال: نعم أيها الملك فابعث معي أحدا.
فبعث الملك معه فذهب والناس معه (1) حتى أتى بهم إلى أرفعدار في المدينة.
فقال: هذه داري. وقرع الباب فخرج إليهم شيخ هرم قداسترخى حاجباه على عينيه من الكبر فزعا مذعورا.
فقال: أيها الناس ما لكم؟
فقال رسول الملك: إن هذا الغلام يزعم أن هذه الدار داره.
فغضب الشيخ والتفت إلى تمليخا [ وتبينه ] (2) وقال: ما اسمك؟
____________
1 - المصدر: (فبعث معه الملك جماعة) بدل (فبعث... معه).
2 - من المصدر.
قال: أعده علي فأعاده عليه.
فانكب الشيخ على يديه ورجليه يقبلهما وقال: هذا جديورب الكعبة. وهو أحد الفتية الذين هربوا من دقيانوس الملك الجبار إلىجبار السماوات والأرض ولقد كان عيسى - عليه السلام - أخبرنابقصتهم وأنهم سيحيون.
فأنهى (2) ذلك إلى الملك فركب الملك وحضرهم. فلما رأى تمليخانزل عن فرسه وحمل تمليخا على عاتقه. وجعل الناس يقبلون يديهورجليه ويقولون له: تمليخا ما فعل أصحابك؟ فأخبرهم أنهم فيالكهف.
وكانت المدينة قد وليها رجلان رجل (3) مسلم ورجل (4)نصراني. فركبا في أصحابهما [ وأخذا تمليخا ] (5) فلما صاروا قريبا منالكهف قال لهم تمليخا: يا قوم إني أخاف أن يحسوا بوقع حوافر [ الخيلو ] (6) الدواب وصلصلة اللجم والسلاح فيظنوا دقيانوس قد غشيهمفيموتوا جميعا قفوا قليلا حتى أدخل عليهم فأخبرهم.
فوقف الناس ودخل عليهم تمليخا. فوثب إليه الفتية فاعتنقوهوقالوا: الحمد لله الذي نجاك من دقيانوس.
فقال دعوني منكم ومن دقيانوس كم لبثتم؟
قالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم.
قال: بل لبثتم ثلاثمائة وتسع سنين وقد مات دقيانوس وانقرض
____________
1 - المصدر: فلسطين.
2 - هكذا في المصدر. وفي النسخ: فألقى.
3 و 4 - المصدر: ملك.
5 و 6 - من المصدر.
فقالوا: يا تمليخا تريد أن تصيرنا فتنة للعالمين.
قال: فما تريدون؟
قالوا ارفع يديك ونرفع أيدينا فرفعوا أيديهم وقالوا: اللهم بحق ماأريتنا من العجائب في أنفسنا إلا قبضت أرواحنا ولم يطلع علينا أحد.
فأمر الله ملك الموت بقبض أرواحهم وطمس الله باب الكهف.
فأقبل الملكان يطوفان حول الكهف سبعة أيام فلا يجدان له بابا ولا منفداولا مسلكا فأيقنا حينئذ بلطف صنع الله الكريم وأن حالهم كانت عبرةأراهم الله إياها. فقال المسلم: على ديني ماتوا أنا أبني على باب الكهفمسجدا وقال النصراني: بل على ديني ماتوا فإنا أبني ديرا فاقتتلالملكان فغلب المسلم النصراني فبني على [ باب ] (1) الكهف مسجدا.
[ فذلك قوله - تعالى -: (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهممسجدا) (2). وذلك ] (3) يا يهودي ما كان من قصتهم.
ثم قال - عليه السلام -: سألتك بالله يا يهودي أيوافق هذا مافي توراتكم؟
فقال اليهودي: ما زدت حرفا ولا نقصت حرفا يا أبا الحسن. لاتسمني يهوديا فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (4) وأنكعالم (5) هذه الأمة.
المبحث السابع والعشرون: في صعوده كتف النبي - صلى الله عليه وآله:
____________
1 - من المصدر.
2 - الكهف / 21.
3 - المصدر: عبده ورسوله.
4 - المصدر: أعلم.
قال: بلى يا رسول الله.
قال: أحملك فتناوله.
قال: بل أنا أحملك يا رسول الله.
فقال - صلى الله عليه وآله - لو أن ربيعة ومضر جهدوا أن يحملوامني بضعة وأنا حي لما قدروا ولكن قف يا علي. فضرب رسول الله- صلى الله عليه وآله - بيده على ساقي علي - عليه السلام - فوقالقربوس ثم اقتلعه من الأرض بيده فرفعه حتى تبين بياض إبطيه ثمقال: ما ترى يا علي؟
قال: أرى أن الله - عز وجل - قد شرفني بك حتى أني لو أردتأن أمس السماء لمسستها.
فقال له: تناول الصنم يا علي. فتناوله علي - عليه السلام -فرمى به. ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وآله - من تحت علي - عليهالسلام - وترك رجليه فسقط على الأرض فضحك.
فقال له: ما أضحكك يا علي؟
فقال: سقطت من أعلى الكعبة فما أصابني شئ.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: وكيف يصيبك شئ
____________
1 - بل ابن المغازلي في مناقبه / 202، ح 240.
2 - المصدر: بأعلى.