الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف أنبيائه وخاتم رسله محمد وعترته المنتجبين.
لا شك في أن علم الكلام من أمهات العلوم وأشرفها وذلك باعتبار موضوعه وما يبحث فيه من المسائل كمعرفة الخالق وصفاته الجلالية والجمالية والمعاد وسائر أصول الدين التي لا بد للإنسان أن يؤمن بها عن معرفة وإيقان وإذعان، ولا يجوز له التقليد فيها.
ولأهمية هذا العلم وعظمته وجلالة موضوعه وأبحاثه ألفت الكتب وصرفت فيه جهود أكابر العلماء وأساطين الفن. ويعتبر المحقق البارع الخواجة نصير الدين الطوسي قدس الله روحه الزكية من أول مروجي هذا العلم، حيث ألف كتاب تجريد الاعتقاد وهو كتاب دقيق متقن، ولهذا نرى أن مثل العلامة على الإطلاق - يعني الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي رضوان الله تعالى عليه صاحب العلوم العقلية والنقلية - قد أقدم على شرحه وتوضيح مرامه وسماه ب (كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد) ولله دره على شرحه، وحقا كما قيل (ولولا شرحه لما شرح هذا المتن). فعظمة هذا الكتاب تعرف من شخصية الماتن والشارح، وبما أنه من الكتب الدراسية في الحوزات العلمية ومحط أنظار أهل العلم والفضل
لذلك قام المحقق الكبير سماحة الأستاذ آية الله الشيخ حسن حسن زاده الآملي أدام الله أيام إفاضاته بجهود كثيرة وطاقات مشكورة، وبذل وقته الشريف في مقابلة الكتاب لنسخ خطية قيمة عزيزة الوجود، وعلق عليه بتعليقات أنيقة أزاح عنه التشويشات وأنار بقلمه المبهمات.
وبما أن المؤسسة رغبت - كعادتها - أن تقدم خدمة لطلبة العلم والحوزات العلمية في هذا المجال قامت بإعادة طبع هذا الكتاب بحلة جديدة وذلك بإدخال بعض التعديلات في تشكيلة الكتاب، فأدرجت التعليقات في ذيل الموارد المعلق عليها تسهيلا للمطالع وتسريعا للمراجع بعد أن كانت في الطبعات السابقة ملحقة بآخر الكتاب، مضافا إلى تدارك ما فات من الأغلاط المطبعية، فأضحى وبحمد الله متينا ونافعا، شاكرين للمحقق الأستاذ الآملي مساعيه المباركة، وسائلين الله له ولنا مزيدا من التوفيق في بث المعارف الإسلامية وإيصالها إلى النفوس التواقة للاستزادة منها والاستضاءة بنورها إنه خير موفق ومعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
المقدمة:
الحمد لمن لا نفاد لكلماته، والصلاة على من شرف الصلاة بالصلاة عليه وآله تراجم آياته.
وبعد، فمما هو مشهود ذوي البصائر والأبصار ولا يعتريه امتراء ولا إنكار أن كتاب (تجريد الاعتقاد) من مصنفات سلطان المحققين الخواجة نصير الدين الطوسي رضوان الله تعالى عليه أم الكتب الكلامية وإمامها، وقد احتوى أصول مسائلها على أجمل ترتيب وأحسن نظام لم يسبقه أحد قبله، ولم ينسج من جاء بعده على منواله بل كلهم عياله.
وأن (كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد) من مؤلفات العلامة على الإطلاق، أدل شرح عليه كما هو أول شرح عليه، وقد أنصف الفاضل الشارح القوشجي في قوله وأجاد: لولا كشف المراد لما فهمنا مراد تجريد الاعتقاد.
هذا الذي نقلنا عن القوشجي هو من مسموعاتنا، ولكن مؤلف الذريعة إلى تصانيف الشيعة قال في عنوان تجريد الكلام (ج 3 ص 352) ما هذا لفظه: وعليه حواش لا تحصى وشروح كثيرة، فأول الشروح شرح تلميذ المصنف آية الله العلامة الحلي المتوفى سنة 726 هـ - إلى أن قال رضوان الله تعالى عليه: - الثالث شرح الشيخ شمس الدين محمود بن عبد الرحمن أحمد العامي الأصفهاني المتوفى
وأقول: لنا نسختان من هذا الشرح للأصفهاني إحداهما كاملة وتاريخ كتابتها 890 هـ، والأخرى عادمة من أولها عدة أوراق وتاريخ كتابتها 816 هـ، وما وجدنا العبارة المذكورة في أوله ولعلها من كلام الشيخ شمس الدين محمد الإسفرايني البيهقي في شرحه عليه.
ثم إن ما حدى المحقق الطوسي على تحرير تجريد الاعتقاد يعلم بما أبانه هو نفسه في فاتحة نقد المحصل حيث قال قدس سره العزيز:
فإن أساس العلوم الدينية علم أصول الدين الذي يحوم سائله حول اليقين ولا يتم بدونه الخوض في سائرها كأصول الفقه وفروعه، فإن الشروع في جميعها يحتاج إلى تقديم شروعه حتى لا يكون الخائض فيها وإن كان مقلدا لأصولها كبان على غير أساس، وإذا سئل عما هو عليه لم يقدر على إيراد حجة أو قياس.
وفي هذا الزمان لما انصرفت الهمم عن تحصيل الحق بالتحقيق، وزلت الأقدام عن سواء الطريق، بحيث لا يوجد راغب في العلوم ولا خاطب للفضيلة، وصارت الطباع كأنها مجبولة على الجهل والرذيلة، اللهم إلا بقية يرمون فيما يرومون رمية رام في ليلة ظلماء، ويخبطون فيما ينحون نحوه خبط عشواء، ولم تبق في الكتب التي يتداولونها من علم الأصول عيان ولا خبر، ولا من تمهيد القواعد الحقيقية عين ولا أثر، سوى كتاب المحصل الذي اسمه غير مطابق لمعناه، وبيانه غير موصل إلى دعواه، وهم يحسبون أنه في ذلك العلم كاف وعن أمراض الجهل والتقليد شاف. والحق أن فيه من الغث والسمين ما لا يحصى، والمعتمد عليه في إصابة اليقين بطائل لا يحظى، بل يجعل طالب الحق بنظره فيه كعطشان يصل إلى السراب، ويصير المتحير في الطرق المختلفة آيسا عن الظفر بالصواب، رأيت أن أكشف القناع عن وجوه أبكار مخدراته وأبين الخلل في مكامن شبهاته، وأدل على غثه وسمينه، وأبين ما يجب أن يبحث عنه من شكه ويقينه. وإن كان قد
فكلماته المنبئة عما جرى على الناس من الزيغ والالتباس حتى اعتنوا على غير المحصل وبنوا كبان على غير أساس، تدلك على أن التجريد حرر بعد النقد نسخا للمحصل لتحصيل الحق بالتحقيق وإزهاق الباطل بالحقيق ووزان التجريد إلى المحصل وزان شرحه على كتاب إشارات الشيخ إلى شرحه عليه، فقد قال في أوله بما فعله بشرحه عليه ما هذا لفظه: فهو بتلك المساعي لم يزده إلا قدحا، ولذلك سمى بعض الظرفاء شرحه جرحا.
والكتابان الكشف وشرح الخواجة على الإشارات قد تناولتهما أيادي أرباب العلوم العقلية في الأكناف، وتداولتهما ألسنة أصحاب التحصيل في الأطراف من زمن تأليفهما إلى الآن، وقد خلى أكثر من سبعة قرون، وهما سناما الكتب الدرسية من الكلامية والحكمة المشائية. ولم يأت أحد بعدهما مع طول العهد بتأليف يضاهيهما بل الكل يباهي بتعليمهما وتعلمهما، اللهم إلا بالتعليق الإيضاحي على طائفة من مسائلهما، أو الشرح التفصيلي عليهما.
ثم لا يعجبني أن أصف لك ما كابدته طول مدد مديدة في عمل هذا الكتاب القيم حتى استقام على هذا النهج القويم. فكأنك تظن بالنظرة الأولى أنه تأليف جديد عرضناه عليك، ولكنه (كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد) للعلمين الآيتين على الإطلاق المحقق الطوسي والعلامة الحلي رضوان الله تعالى عليهما، وقد قيض الله سبحانه لنا وأنفذ إنقاذه من دياجير تحريفات مظلمة مشوهة موحشة ينبئك عنها عرضه على ما طبع منه من قبل أي طبع كان.
ولما كان شهرة الكتاب وعظم شأنه وجلالة قدر ماتنه وشارحه المشتهرين في الآفاق قد أغنتنا عن الوصف والتعريف فإنما الحري بنا إراءة ما جرى على الكتاب وعمل فيه من جدد التصحيح بعون الهادي إلى الصواب، وهو ما يلي:
أولا: أن أستاذنا العلامة الشعراني قدس سره الشريف كان شديد الاعتناء
ولا أنسى إيصاءه لنا غير مرة في تضاعيف كلماته السامية في حضرته العالية بالعناية بذلك الكتاب المستطاب - أعني (كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد) - فقد اقتفينا أثره وأخذنا في سالف الزمان حين اشتغالنا في مدرسة المروي بطهران على واقفها التحية والرضوان، وقد مضى إلى الآن أكثر من خمس وعشرين سنة، في تدريسه وتصحيحه والتعليق عليه، فقد صححناه بقدر الإمكان وعلقنا عليه تعليقات وحواش من بدوه إلى ختمه، وقد استنسخها غير واحد من الفضلاء بعد الاطلاع عليها والإقبال إليها.
وثانيا: كلما مست الحاجة في آونة دروسنا أو أثناء تأليفاتنا الحكمية والكلامية بل الرياضية إليه فحصنا مطالب البحث على التحقيق وزدنا عليها إضافات مما يليق وتصحيحات بما هو جدير وحقيق.
وثالثا: قد حصلت لنا بتوفيق الله سبحانه مرة بعد أخرى عدة نسخ مخطوطة عتيقة وغير عتيقة من التجريد وشروحه من كشف المراد وشرح الإصبهاني وشرح القوشجي والشوارق وغيرها، فقد استفدنا منها لتصحيح الكتاب متنا وشرحا.
ولكن لم يكن الكتاب بعد خاليا من الأغلاط والتحريف. وأما النسخ المطبوعة منه فكلها غير صالحة للاعتماد، وقد طبع بعضها من بعض بالتقليد، إلا أن بعضها أقل أغلاطا من الآخر من حيث الأغلاط المطبعية وهو كما ترى.
ورابعا: قد بلغ التصحيح كماله وطلع كالبدر المنير جماله بما أقدمت مؤسسة النشر الإسلامي في دار العلم قم - زادها الله تعالى توفيقا في إحياء آثار الغابرين لنشر المعارف الإلهية - إلى طبع هذا السفر الكريم وإعادة نشره على الوجه الوجيه والنهج القويم، فقد بذلت جهدها لإنجازه وإنفاذه فهيأت عدة نسخ نفيسة عتيقة جدا من خزائنها القيمة من المكاتب العامة ثم فوضت ذلك الخطير إلى هذا الحقير فأصبح على وجه نرجو الله سبحانه أن يجعله مشكورا.
فتبين لنا أولا أن ما جرى في سالف الأيام على كشف المراد للطبعة الأولى ثم على منوالها تبعتها طبعات أخرى هو أن نسخة من التجريد كانت عباراتها الوجيزة قد قيدت بكلمات وجمل كأنهما مأخوذتان من كشف المراد للتبيين والإيضاح فظن بها أنها نسخة أصيلة فجعلوها متنا، فليس المتن في المطبوع من كشف المراد - أي طبع كان - متنا ناصعا، بل الدخيل فيه ليس بأقل من الأصيل حتى أن المتن الذي آثره الأستاذ العلامة الشعراني روحي فداه في شرحه عليه ففي مواضع منه كلام ودغدغة.
وثانيا: أن كشف المراد لما كان إلى الآن - وقد خلت من تأليفه قرون - كتابا متداولا للدراسة عند محصلي العلوم فكثرت عليه تعليقات للشرح والإيضاح إما بإيجاز وهو أكثر، وإما بإطناب وهو قليل، أدرج الحشو في الكشف فطبع الخليط مع الصريح. ومما يشهد بذلك أن كل نسخة لاحقة منه تحوي زوائد تخلو عنها سابقتها، على أن سياق العبارات وحده حاكم على الزيادات.
وثالثا: قد حرفوا كثيرا من الأقاويل عن فحاويها، وعرفوا بإزائها الأباطيل في مجاريها كأن الناظر يظن في تمادي المس أن الكتاب قد أصابه دس. كما أنك ترى عبارة الماتن في مطاعن الثاني هكذا: وقضى في الحد بمائة قضيب، والصواب: وقضى في الجد مائة قضية، أي قضى في ميراث الجد بمائة حكم مختلفة، يعني أنه كان يتلون في الأحكام.
وترى عبارة الشارح في المقام هكذا: أقول هذه مطاعن أخر وهو أن عمر لم يكن عارفا بأحكام الشريعة، فقضى في الحد بمائة قضيب، وروى تسعين قضيبا، وهو يدل على قلة معرفته بالأحكام الظاهرة.
وقد قال علم الهدى في الشافي (ص 256 ط 1) في عد مطاعن الثاني عن الكتاب المغني للقاضي عبد الجبار: قال صاحب الكتاب (يعني به القاضي المذكور في الكتاب المغني) وأحد ما نقموا عليه أنه كان يتلون في الأحكام حتى روي عنه أنه قضى في الجد بسبعين قضية، وروي مائة قضية.. الخ. وفي تلخيص الشافي لشيخ الطائفة (ص 438 ط 1) ومما طعنوا عليه أنه كان يتلون في الأحكام حتى روي أنه قضى في الجد سبعين قضية، وروي مائة قضية.. الخ. والمحقق الطوسي في إمامة التجريد ناظر إلى الشافي وتلخيصه كما يعلم بعرضه عليهما. وعلم الهدى وشيخ الطائفة من سلسلة مشايخه لأنه قرأ المنقول على والده محمد بن الحسن وهو تلميذ فضل الله الراوندي وهو تلميذ السيد المرتضى علم الهدى والشيخ الطوسي.
ورابعا: قد وجدنا من أساليب عبارات بعض النسخ سيما في فصول الإمامة منه أن الكاتب كان من العامة وكلما كان مثلا ذكر اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يكتب الكاتب بعده ذكر الصلوات على ما هو المتعارف بينهم، ثم رأينا نسخا أخرى كان ذكر الصلوات فيها بحيث اشتهر بين الإمامية أي صلى الله عليه وآله وسلم وهكذا الكلام في ذكر الوصي وسائر الأوصياء عليهم السلام وفي غير الوصي فتدبر.
إعلم أنا لم نكتف باقتفاء السيرة من جعل نسخة أصلا وإماما ونقل اختلافات النسخ الأخرى في ذيل الصفحات، وهذا الدأب وإن لم يكن فيه بأس ولكن رأينا الأحرى منه أنه كلما أقبل أمر الاختلاف أن يرد إلى مآخذه الأصيلة التي يعلم بها ما يحسم به مادة الاختلاف، لأن كل فن له اصطلاحات خاصة يجب مراعاتها، فمن زاغ عنها فقد أزاغ.
نماذج في ذلك:
والصواب: ويمكنه أن ينسبه إلى جميع الماهيات فيمكنه أن يلحظه باعتبار نفسه فيتصور عدم الذهن نفسه، وكذلك يمكنه أن يلحقه نفس العدم. (ص 101).
قوله (وكذلك يمكنه أن يلحقه نفس العدم) أي وكذلك يمكن الذهن أن يلحق العدم نفس العدم، فيكون يلحق من الإلحاق وكل واحد من العدم ونفس العدم منصوب على المفعولية.
ب: في المسألة الثالثة والأربعين من ذلك الفصل في أن الحكم بحاجة الممكن إلى المؤثر ضروري، كانت العبارة هكذا: وتقرير السؤال أن الممكن لو افتقر إلى المؤثر لكانت مؤثرية المؤثر لكونها وصفا محتاجا إلى الموصوف ممكنا محتاجا إلى المؤثر في ذلك إن كانت وصفا ثبوتيا في الذهن. (ص 114).
والصواب: وتقرير السؤال أن الممكن لو افتقر إلى المؤثر لكانت مؤثرية المؤثر في ذلك الأثر إن كانت وصفا ثبوتيا في ذلك.
والعبارة الباقية تعليقة أدرجت في الكتاب، ثم حرفت عبارة الكتاب كي يستقيم ربط بعضها مع بعض، كما أن السياق ينادي بذلك أيضا.
ج: في المسألة العاشرة من ثاني ذلك المقصد في أقسام الواحد، كانت العبارة عند قول الماتن والوحدة في الوصف العرضي.. الخ هكذا: أقول فإن الوصف العرضي. (ص 153).
والصواب: أقول الوحدة في الوصف العرضي والذاتي تتغاير أسماؤها بتغاير المضاف إليه فإن الوصف العرضي.
فقد أسقط من الكتاب سطر كامل.
د: في أول المسألة الثانية من ثاني المقصد الثاني، قد أدرجت تعليقة في
ه: وفي آخر تلك المسألة (ص 248) في طبقات الأرض كانت العبارة هكذا: الخامس في طبقاتها وهي ثلاث: طبقة هي أرض محضة وهي المركز وما يقاربه، وطبقة طينية، وطبقة مخلوطة بغيرها، بعضها منكشف هو البر، وبعضها أحاط به البحر.
والصواب: الخامس في طبقاتها وهي ثلاث: طبقة هي أرض محضة وهي المركز وما يقاربه، وطبقة طينية، وطبقة بعضها منكشف هو البر، وبعضها أحاط به البحر. كما في النسخ الأصلية المعتبرة الآتي ذكرها.
عبارة الشيخ قدس سره في الشفاء كذلك: فيشبه لذلك أن تكون الأرض ثلاث طبقات: طبقة تميل إلى محوضة الأرضية، وتغشيها طبقة مختلطة من الأرضية والمائية وهو طين، وطبقة منكشفة عن الماء جفف وجهها الشمس وهو البر والجبل وما ليس بمنكشف فقد ساح عليه البحر. (ج 1 ص 227 ط 1).
وعبارة القاضي زادة الرومي في شرحه على الملخص في الهيأة للجغميني هكذا: وهي - يعني بها العناصر - تسع طبقات في المشهور عند الجمهور كالأفلاك:
طبقة الأرض الصرفة المحيطة بالمركز، ثم طبقة الطينية، ثم طبقة الأرض المخالطة التي تتكون فيها المعادن وكثير من النباتات والحيوانات، ثم طبقة الماء، ثم طبقة الهواء المجاور للأرض والماء.. الخ. (ص 18 من طبع الشيخ أحمد الشيرازي).
و: في المسألة الثالثة عشرة من رابع المقصد الثاني في أنواع الإحساس، كانت عبارة الماتن في البصر هكذا: ومنه البصر، وهي قوة مودعة في العصبتين المجوفتين اللتين تتلاقيان وتتفارقان إلى العينين بعد تلاقيهما بتلك، ويتعلق بالذات بالضوء واللون. (ص 292).
والصواب: ومنه البصر، ويتعلق بالذات بالضوء واللون.
ز: المسألة الثالثة من مسائل المضاف في أن الإضافة ليست ثابتة في الأعيان (ص 258)، يعلم ما فيها من وجوه التحريف بمقابلتها مع النسخ الرائجة المطبوعة ولمزيد الاستبصار والاطمئنان راجع الشفاء (ج 2 ص 108 ط 1).
ح: في المسألة السابعة من المقصد الثالث في نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم (ص 480)، ترى تحريفات كثيرة يطول بذكرها الكلام، فليعلم أن راعي الغنم هو أهبان بن أوس. وفي منتهى الأرب: أهبان كعثمان صحابي بوده است. وفي الخصائص الكبرى للسيوطي: أهبان بن أوس (ج 2 ص 268 من طبع مصر، و ج 2 ص 61 من طبع حيدرآباد) وفي أسد الغابة أيضا (ج 1 ص 161).
وكذلك العنسي بالعين المهملة المفتوحة والنون الساكنة، ففي الخصائص للسيوطي: الأسود العنسي (ج 2 ص 116 من طبع مصر) وكذلك العنسي من الأنساب للسمعاني.
ط: في المسألة السادسة من المقصد الخامس في مطاعن الأول (ص 507) عند قوله (ولقوله إن له شيطانا يعتريه) كانت عبارة الشارح العلامة هكذا: أقول هذا دليل آخر على عدم صلاحيته للإمامة وهو قوله (إن لي شيطانا يعتريني) وهذا يدل على اعتراض الشيطان له.. الخ.
والصواب: أقول هذا دليل آخر على عدم صلاحيته للإمامة وهو ما روي عنه أنه قال مختارا: وليتكم ولست بخيركم، فإن استقمت فاتبعوني، وإن اعوججت فقوموني، فإن لي شيطانا عند غضبي يعتريني، فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني لئلا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم. وهذا يدل على اعتراض الشيطان له.. الخ.
وهذه الزيادة موجودة في النسخ المخطوطة وإنما أسقطت من النسخ المطبوعة، ونحو هذا الدس على الكتاب كثير، وإنما التعرض بها ينجر إلى الإسهاب وراجع في ذلك تلخيص الشافي المذكور أيضا. (ص 415 ط 1).
إعلم أن هذا الكتاب الكريم - أعني كشف المراد - مع عظم شأنه في الكلام
وأنت ترى مؤلف الشرح القديم العامي الإصبهاني يصف التجريد أولا ثم يعزى المحقق الطوسي إلى العدول عن سمت الاستقامة في مباحث الإمامة، وهذا ما أتى به في أول كتابه بألفاظه: وقد صنف فيه - يعني في علم أصول الدين - مصنفات شريفة ومختصرات لطيفة من جملتها المختصر الموسوم بالتجريد المنسوب إلى المولى الأمام المحقق العلامة النحرير المدقق الحبر الفاخر والبحر الزاخر، المكمل علوم الأولين أفضل المتقدمين والمتأخرين سلطان الحكماء المتألهين نصير الملة والحق والدين مطاع الملوك والسلاطين محمد الطوسي كساه الله جلابيب رضوانه وأسكنه أعلى غرف جنانه، وهو صغير الحجم غزير العلم. يحتوي من الرقائق الأصولية على أسناها، وينطوي من الحقائق العلمية على أجلاها، يشتمل على بدائع شريفة وغرائب لطيفة، لكن لغاية الإيجاز نازل منزلة الألغاز فأشار إلى من طاعته فرض بأن أشرح له شرحا أحرر معاقده وأقرر قواعده وأشير إلى أجوبة ما أورد فيه من الشبهات خصوصا على مباحث الإمامة، فإنه قد عدل فيها عن سمت الاستقامة وسميته بتسديد العقائد في شرح تجريد القواعد. إنتهى ما أردنا من نقل كلامه ملخصا.
ثم إن الكتاب بشهادة جميع نسخه والتذكرة الرجالية موسوم بتجريد الاعتقاد، فما ترى من تسمية شرحه بتسديد العقائد في شرح تجريد القواعد، وما أوجب العدول عن الاعتقاد بالقواعد فاحدس أن تحذلق فئة نكراء واقتفاء أغمار عمياء دار فيما أشرنا إليه من الإنساء. ولكن الله متم نوره ويهدي من يشاء. نعم قد نقل في الذريعة (ج 3 ص 354) أنه سماه: تسديد القواعد في شرح تجريد
ي: عبارة الشارح العلامة في مطاعن الثالث حيث يقول: واستعمل الوليد بن عقبة حتى ظهر منه شرب الخمر وصلى بالناس وهو سكران (ص 515) قد حرفت في بعض النسخ بالوليد بن عتبة. والوليد بن عقبة - بالقاف - هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط بالتصغير وهو ممن أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه من أهل النار، فراجع مروج الذهب للمسعودي (ج 2 ص 343 ط مصر) وهو الذي ولاه عثمان أمور المسلمين. وأما الوليد بن عتبة - بالتاء - فهو الوليد بن عتبة بن ربيعة قتله أمير المؤمنين علي عليه السلام في غزاة بدر، فراجع سيرة ابن كثير (ج 2 ص 413 ط مصر).
يا: في عبارات الشارح العلامة في إخبار أمير المؤمنين عليه السلام بالغيب كإخباره بقتل ذي الثدية (ص 531) تحريفات عجيبة تعلم بمقابلة هذه النسخة مع ما طبع من قبل، أي طبع كان، وراجع في ذلك مروج الذهب للمسعودي (ج 2 ص 417 ط مصر) أو مآخذ أخرى أصيلة.
يب: عبارات الشارح العلامة في خبر الطائر والمنزلة والغدير (ص 535) محرفة جدا يعلم بالمقابلة، وهكذا في مواضع أخرى كثيرة ينجر التعرض بها إلى الإسهاب والخروج عن مقدمة الكتاب، وغرضنا كما قلنا أولا هو إراءة نماذج فيما جرى على ذلك الكتاب المستطاب.
نسخ الكتاب:
وأما النسخ التي هي أصول مصادر تصحيح الكتاب ومآخذه فهي ما يلي:
1 - نسخة فريدة مصورة من أصلها المحفوظ في خزانة مكتبة المجلس بطهران، وهذه النسخة النفيسة القيمة هي أقدم الأصول المعتبرة التي آثرناها واعتمدنا عليها في تصحيح كشف المراد، وقد نال عدة مواضع منها صرف الدهر فكتبت ثانيا، منها صحيفة آخر الكتاب حيث نمقت كرة أخرى وتنتهي بهذه
2 - نسخة عتيقة فريدة من تجريد الاعتقاد فقط، وهي أقدم نسخة رأيناها من تجريد الاعتقاد حتى تفوه بأنها من خط المحقق الطوسي قدس سره لما كتب في آخرها هكذا: خط خواجة نصير. ولكن النسخة قوبلت وصححت بعد الكتابة ثانيا وبلغ تصحيحها ومقابلتها إلى قريب من النصف ولم يتم، وتوجد في نصفه الثاني أغلاط وأسقاط أيضا، فحصل لنا القطع بأنها ليست من خطه ولكنها كالأولى باقية من عهد تأليفها أو قريبة العهد منه، وهي ومتن الأولى متطابقتان إلا نادرا، ولذا كانت النسخة في تصحيح المتن عونا جدا بل الحق أن تصحيح تجريد الاعتقاد بتلك النسخة بلغ كماله. والأسف أنها - مع كونها كاملة - فاقدة للتاريخ، وقد بقي أثر من خط في آخر الصفحة بعد تمام النسخة قد محي أكثره وكأنما أصابه ماء وكتب في جانبه الأيمن هذه العبارة: (خط خواجة نصير) فلا يبعد أن تكون هذه العبارة - أعني خط خواجة نصير - ناظرة إليه وقد أمضاه كما كان من سيرة السلف، أو الخط الآخر من هذه النسخة وهو خط الخواجة قدس سره أمضاه بذلك كما هو
وكيف كان فالنسخة مصورة من أصلها المحفوظ في مكتبة المجلس بطهران.
وحرف (ت) علامة لها، أي تجريد الاعتقاد. والنسخة مكتوبة بخط واحد على كمالها، ومزدانة بتعليقات موجزة مفيدة عليها.
3 - نسخة مصورة من أصلها المصون في المكتبة المركزية بطهران تحت رقم 1865، تاريخ كتابتها 851 هـ. ق وهي نسخة كاملة مصححة مقروة مزدانة بعلامة القراءة من البدء إلى الختم بهذه العبارة: (بلغت قراءة أبقاه الله تعالى) إلا أن رسم خطها ليس بحسن بل نازل ردئ جدا وإنما يمكن قراءة أكثر مواضعها بالعرض على نسخ أخرى وتتم النسخة بما كتبه كاتبها هكذا: وفرغ من كماله أضعف العباد وأحوجهم إلى رحمة الله محمد بن علي بن ناصر العينعاني عفا الله عنه وعمن نظر فيه ودعا له بالمغفرة ولسائر المؤمنين، وذلك في سلخ شهر رمضان المعظم من شهور سنة 851، إحدى وخمسين وثمانمائة هجرية نبوية على هاجرها أفضل الصلاة والسلام، أيها الناظرون في رسم خطي أعذروني.. الخ. والنسخة مكتوبة بخط واحد، مصونة على هيئتها الأولى من غير عروض عارض عليها. وجعلنا حرف (ص) علامة لها تدل على صحتها. وهذه النسخة الكريمة القيمة تطابق الأوليين متنا وشرحا وقلما يوجد اختلاف.
4 - نسخة مصورة من أصلها المحفوظ في خزانة مكتبة آية الله المرعشي دامت بركاته الوافرة في دار العلم قم صينت في حصن واليها ووليها بقية الله قائم آل محمد أرواحنا فداه تحت رقم 727، وهذه الصحيفة الثمينة مزدانة من بدئها إلى ختمها بعلامة القراءة بهذه العبارة (بلغت قراءة أبقاه الله) وفي موضع (أعز الله
ومن محاسن هذه النسخة أن كل كلمة كررت في العبارة كتبت فوق الثانية منها لفظة (صح) حتى لا تتوهم أن الثانية زائدة، مثلا في آخر المسألة الثالثة من أول الكتاب يقول الشارح العلامة: وتقرير الجواب أن نقول الوجود قائم بالماهية من حيث هي هي لا باعتبار كونها موجودة ولا باعتبار كونها معدومة، فمكتوبة فوق كلمة (هي) الثانية لفظة (صح). ونظائره في الكتاب كثيرة، وهذه السيرة الحسنة كانت جارية معمولا بها بين علمائنا السلف في قراءة الروايات وصحف الأدعية المأثورة عن وسائط الفيض الإلهي صلوات الله عليهم، حيث إن كل كلمة كانت قراءتها مروية على وجهين كانوا يعربونها مشكولة على الوجهين ثم يكتبون فوقها لفظة (معا) تدل على رواية القراءتين معا، كما لا يخفى على العارف بها.
لكن الأسف أن النسخة قد ناولتها أيادي الآفات فسقطت منها مواضع كثيرة ثم كتبت وكملت ثانيا لا تضاهي الأول بوجه، وأواسطها ساقطة تنتهي إلى خمسين صفحة من تلك النسخة وبقيت كما كانت على حالها ولم تكمل بعد.
ومما ينبغي أن يشار إليه في المقام أن سائر النسخ في المسألة الأولى من ثاني المقصد الثاني في البحث عن الأجسام الفلكية تحوز زيادة، وهذه النسخة خالية عنها، وليس الخلو بإصابة آفة أو إزالة مزيل بل النسخة من أصلها هكذا. ولا يبعد أن كانت الزيادة حاشية أدرجت في الشرح وزادت في النسخ الأخرى، وكم لها من نظير في هذا الكتاب، ولكن لما كانت النسخة بذلك الخلو متفردة لم نسقطها وأبقيناها على وزان سائر النسخ. وعبارة هذه النسخة في المقام هي هكذا:
أقول: هذا حكم آخر للأفلاك، وهو أنها غير متصفة بالكيفيات الفعلية - أعني الحرارة والبرودة وما ينسب إليهما - ولا الكيفيات الانفعالية - أعني الرطوبة واليبوسة وما ينسب إليهما - وغير متصفة بلوازمها - أعني الثقل والخفة - قال شفافة. أقول: استدلوا على شفافية الأفلاك بوجهين.. الخ. وأما العبارات الباقية كما تراها في الكتاب فتلك النسخة عارية عنها.
واعلم أن هذه النسخ الأربع هي الأصول الأولية لنا في تصحيح الكتاب.
وكل واحدة منها وإن كانت لا تخلو من أسقاط وأغلاط لكنها معا تعطي نسخة كاملة منقحة غاية التنقيح ألا وهي هذه الطبعة التي بين يديك.
5 - نسخة مصورة من أصلها المحفوظ في مكتبة المجلس بطهران أيضا تحت رقم 530 / 14310 مكتوبة بعدة خطوط قديمة وحديثة تدل على أنها قد تداولتها أيادي الآفات، على أن ما صينت منها عارية عن إجازة القراءة ونحوها، والظاهر أن تاريخ كتابتها من القرن السابع أو الثامن. وفي ظهر صحيفته الأولى مكتوبة تارة هكذا: في نوبة المفتقر إلى الله الواحد عبده إبراهيم بن راشد بن يوسف بن محمد سنة خمس وخمسين وتسعمائة.
وأخرى هكذا: من عواري الزمان عند العبد المذنب الجاني حيدر علي بن عزيز الله المجلسي الأصفهاني. ثم مختوم بخاتمه ونقشه: عبده حيدر علي. وجعلنا حرف (د) علامة لها.
6 - نسخة مصورة من أصلها المحفوظ في الشعبة الإلهية من جامعة المشهد الرضوي عليه السلام تحت رقم 452. والنسخة كاملة مكتوبة بخط واحد، مزدانة بتعليقات، وتاريخ كتابتها 1089 هـ. ق. وآخرها مكتوبة هكذا: وقع الفراغ من تحرير هذا الكتاب في أواخر شهر محرم الحرام سنة سبعين وسبعمائة 770 على يد أضعف عباد الله علي بن الحسن. كذا في نسخة كتبت هذه النسخة منها.
والنسخة أيضا عارية عن إجازة القراءة ونحوها، إلا أن في آخرها مكتوبة في هامشها الوحشي: بلغ قبالا. وصورة رسم هذه الجملة - أعني بلغ قبالا - تضاهي رسم خط الكتاب، بل الكاتب واحد ولا دغدغة فيه. والنسخة متفردة بحسن الخط.
7 - نسخة مصورة من أصلها المصون في المكتبة المركزية بطهران تحت رقم 1869، وتاريخ كتابتها 1093 هـ. ق. والنسخة مكتوبة بخط واحد وعليها تعليقات. ويتم آخرها بما حرره الكاتب بقوله هكذا: وقد وفق الله سبحانه وتعالى العبد الحقير الجاني علي بن أحمد بن سليمان البلادي البحراني لنفسه ولمن شاء الله من بعده في مدة آخرها اليوم الثاني والعشرين في شهر جمادى الآخر من السنة الثالثة والتسعين وألف وصلعم.
والنسخة عارية أيضا عن إجازة القراءة ونحوها. وحرف (ز) علامة لها.
إعلم أن هذه النسخ الثلاث وإن لم تكن في رتبة الأربع الأولى ولكنها كانت كالمتممة في تصحيح الكتاب واستفدنا منها كثيرا.
ثم تلي النسخ المذكورة عدة نسخ أخرى مخطوطة مما يتعلق بالراقم، من تجريد الاعتقاد وكشف المراد وشرح الإصبهاني المعروف بالشرح القديم والمسمى بتسديد العقائد في شرح تجريد القواعد وشرح القوشجي المعروف بالشرح الجديد وشرح اللاهيجي المسمى بشوارق الإلهام، وقد راجعناها في مواضع اللزوم، وهكذا كثير من الكتب الحكمية والكلامية كالشفاء والأسفار والمواقف وشرح المقاصد وغيرها مما استفدنا منها في مواضع الحاجة لتصحيح الكتاب.