قال: ودفن في بيت (2) رسول الله صلى الله عليه وآله وقد نهى الله تعالى دخوله في حياته بغير إذن وبعث إلى بيت أمير المؤمنين عليه السلام لما امتنع من البيعة فأضرم فيه النار وفيه فاطمة والحسن والحسين وجماعة من بني هاشم ورد عليه الحسنان لما بويع وندم على كشف بيت فاطمة عليها السلام.
أقول: هذه مطاعن أخر في أبي بكر وهو أنه دفن في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد نهى الله تعالى عن الدخول إليه بغير إذن النبي صلى الله عليه وآله حال حياته فكيف بعد موته، وبعث إلى بيت أمير المؤمنين عليه السلام لما امتنع من البيعة فأضرم فيه النار وفيه فاطمة والحسن والحسين وجماعة من بني هاشم وأخرجوا عليا عليه السلام كرها وكان معه الزبير في البيت فكسروا سيفه وأخرجوه من الدار (3) وضربت فاطمة عليها السلام فألقت جنينا اسمه محسن ولما بويع أبو بكر صعد المنبر فجاءه الحسنان عليهما السلام مع جماعة من بني هاشم وغيرهم وأنكروا عليه وقال له الحسن والحسين عليهما السلام: هذا مقام جدنا لست له أهلا، ولما حضرته الوفاة قال: ليتني تركت بيت فاطمة لم أكشفه، وهذا يدل على خطائه في ذلك (4).
قال: وأمر عمر برجم امرأة حامل وأخرى مجنونة فنهاه علي عليه السلام فقال: لولا
____________
(1) أي أمره ودله عليه لأن الإشارة إذا كانت صلتها على تفيد هذا المعنى.
واعلم أن مطاعن أبي بكر مذكورة أيضا في شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة فراجع الجزء السابع عشر من ذلك الشرح (ص 336 - 349 ج 2 من الطبع الحجري سنة 1304).
(2) المتن والشرح كلاهما موافقان لنسختي (م، ص) وهما أصح النسخ، وأولاهما أقدمها.
(3) كما في (م، ص) وفي (ش، ق، د، ز): فكسروا سيفه وأخرجوا من الدار من أخرجوا.
(4) بل على..
علي لهلك عمر.
أقول: هذا طعن على عمر يمتنع معه الإمامة له وهو أن عمر أتي إليه بامرأة قد زنت وهي حامل فأمر برجمها، فقال له علي عليه السلام: إن كان لك عليها سبيل فليس لك على حملها سبيل فأمسك، وقال: لولا علي لهلك عمر. وأتي إليه بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها، فقال له علي عليه السلام: إن القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق فأمسك، وقال: لولا علي لهلك عمر. ومن يخفى عليه هذه الأمور الظاهرة في الشريعة كيف يستحق الإمامة؟!
قال: وتشكك في موت النبي صلى الله عليه وسلم حتى تلا عليه أبو بكر (1): (إنك ميت وإنهم ميتون فقال: كأني لم أسمع هذه الآية.
أقول: هذا طعن آخر وهو أن عمر لم يكن حافظا للكتاب العزيز ولم يكن متدبرا لآياته فلا يستحق الإمامة، وذلك أنه قال عند موت النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما مات محمد حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم، فلما نبهه أبو بكر بقوله تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون) وبقوله (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم قال: كأني ما سمعت بهذه الآية وقد أيقنت بوفاته.
قال: وقال: كل أفقه (2) من عمر حتى المخدرات، لما منع من المغالاة في الصداق.
أقول: هذا طعن آخر وهو أن عمر قال يوما في خطبته: من غالى في صداق ابنته جعلته في بيت المال، فقالت له امرأة: كيف تمنعنا ما أحله الله لنا في كتابه بقوله: وآتيتم إحداهن قنطارا الآية، فقال عمر: كل أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت (3) ومن يشتبه عليه مثل هذا الحكم الظاهر لا يصلح للإمامة.
قال: وأعطى أزواج النبي صلى الله عليه وآله واقترض ومنع أهل البيت عليهم السلام من خمسهم.
____________
(1) وفي (ت): حتى علمه أبو بكر. وفي الشرح: فلما نبهه أبو بكر.
(2) المتن والشرح متطابقان للنسخ كلها.
(3) باتفاق النسخ كلها.
قال: وقضى في الجد مائة قضية (1) وفضل في القسمة ومنع المتعتين.
أقول: هذه مطاعن أخر وهو أن عمر غير عارف بأحكام الشريعة (2) فقضى في الجد بمائة قضية وروي تسعين قضية، وهذا يدل على قلة معرفته بالأحكام الظاهرة. وأيضا فضل في القسمة والعطاء والواجب التسوية. وقال: (متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما) مع أن النبي صلى الله عليه وسلم تأسف على فوات المتعة ولو لم تكن أفضل من غيرها من أنواع الحج لما فعل النبي عليه السلام سلام ذلك، وجماعة كانوا قد ولدوا من المتعة في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعد وفاته ولو لم تكن سائغة لم يقع منهم ذلك.
قال: وحكم في الشورى بضد الصواب.
أقول: هذا طعن آخر وهو أن عمر خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهم حيث لم يفوض الأمر إلى اختيار الناس، وخالف أبا بكر حيث لم ينص على إمام بعده ثم
____________
(1) أي قضى في ميراث الجد بمائة حكم مختلفة فكان يتلون ولم يدر الصواب، والعبارة المذكورة قد حرفت في النسخ المطبوعة بل وفي غير واحدة من المخطوطة أيضا تحريفا فاحشا بهذه العبارة: وقضى في الحد بمائة قضيب، ثم على وزانها حرفت عبارات الشرح أيضا. ففي تلخيص الشافي: ومما طعنوا عليه أنه كان يتلون في الأحكام حتى روي أنه قضى في الجد سبعين قضية وروي مائة قضية (ص 438 ط 1). وكذا في شرح ابن أبي الحديد على النهج في مطاعنه قال: الطعن السابع أنه كان يتلون في الأحكام حتى روي أنه قضى في الجد بسبعين قضية وروي مائة قضية، ومطاعنه مذكورة في الجزء الثاني عشر من ذلك الشرح (ص 80 - 99 ج 2 من الطبع المذكور آنفا).
(2) كما في النسخ كلها إلا نسخة (ص) ففيها: وهو أنه لم يكن عارفا بأحكام الشريعة.
____________
(1) وفي شرح ابن أبي الحديد على النهج: لعلمه بأن عليا وعثمان لا يجتمعان، وأن عبد الرحمن لا يكاد يعدل بالأمر عن ختنه وابن عمه (الجزء الثاني عشر ص 92 ج 2 ط 1). وفي الشافي: لعلمه بأن عبد الرحمن لا يعدل بالأمر عن أخيه وابن عمه (ص 439 ط 1). وفي (م):
لا يعدل بها عن زوج أخته عثمان ابن عمه.
وفي أول كتاب عثمان من وقائع الأقاليم السبعة من ناسخ التواريخ.. أهل شورى از نزد عمر بيرون شدند هركس طريق سراى خويش گرفت، عباس بن عبد المطلب با علي عليه السلام مى رفت، پس علي باعباس فرمود: سوگند باخداى كه اينكار از ما بيرون شد، عباس گفت: از كجا گويى؟ فرمود: مگر ندانستى سخن عمر راكه گفت از آنسوى رويد كه عبد الرحمن مى رود؟ عبد الرحمن پسر عم عثمان است وبا أو سمت مصاهرت دارد چه أم كلثوم دختر عقبة ابن أبي معيط كه بشرط زنى در سراى عبد الرحمن است با عثمان از جانب مادر خواهر است، وأروى دختر كريز مادر عثمان ومادر أم كلثوم است، وبزيادت رسول خداى ميان عثمان وعبد الرحمن عقد مواخات بست لاجرم أو هرگز جانب عثمان را فرونگذارد ونگران أو باشد (ج 2 ط 1 ص 444 و 445).
وفي أسد الغابة: عثمان بن عفان بن أبي العاص، أمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وأم أروى: البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وآله. فما في (م) لا يستقيم لأن عبد الرحمن كان زوج أخت عثمان من قبل أمه لا بالعكس، وأما كون عثمان ختن عبد الرحمن فلأن الختن يطلق على كل من كان من قبل المرأة كما في صحاح الجوهري، فلا بأس بما في نسخة شرح النهج لابن أبي الحديد، وأما كونه أخاه فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهما.
قال: وخرق كتاب فاطمة عليها السلام.
أقول: هذا طعن آخر وهو أن فاطمة عليها السلام لما طالت المنازعة بينها وبين أبي بكر رد أبو بكر عليها فدكا وكتب لها بذلك كتابا، فخرجت والكتاب في يدها فلقيها عمر فسألها عن شأنها فقصت قصتها، فأخذ منها الكتاب وخرقه فدعت عليه ودخل على أبي بكر وعاتبه على ذلك فاتفقا على منعها عن فدك.
قال: وولى عثمان من ظهر فسقه حتى أحدثوا في أمر المسلمين ما أحدثوا.
أقول: هذا طعن على عثمان وهو أنه ولى أمور المسلمين من ظهر منه الفسق والخيانة وقسم الولايات بين أقاربه، وقد كان عمر حذره وقال له: إذا وليت هذا الأمر فلا تسلط آل أبي معيط على رقاب المسلمين، وصدق عمر فيه في قوله أنه كلف بأقاربه واستعمل الوليد بن عقبة (1) حتى ظهر منه شرب الخمر وصلى بالناس وهو سكران. واستعمل سعيد بن العاص على الكوفة فظهر منه ما أخرجه به أهل الكوفة عنها. وولى عبد الله بن أبي سرح مصر حتى تظلم منه أهلها وكاتب ابن أبي سرح أن يستمر على ولايته سرا بخلاف ما كتب إليه جهرا وأمره بقتل محمد بن أبي بكر وولى معاوية الشام فأحدث من الفتن ما أحدث.
قال: وآثر أهله بالأموال.
أقول: هذا طعن آخر على عثمان هو أنه كان يؤثر أهل بيته وأقاربه بالأموال العظيمة من بيت مال المسلمين، فإنه دفع إلى أربعة نفر من قريش أربعمائة ألف
____________
(1) الوليد بن عقبة بالقاف ابن أبي معيط بالتصغير، وعتبة بالتاء محرفة وتقدم بيان التحريف في المقدمة عند ذكر نماذج التحريف في رقم ي.
ثم إن مطاعن عثمان مذكورة في الجزء الثالث من شرح ابن أبي الحديد على النهج (ص 129 - 142 ج 1 من الطبع المذكور). والمجلد الثاني من تكملة منهاج البراعة قد تصدى لعرض كثير منها مع ذكر مصادرها وإشارات تاريخية ودينية في ذلك.
قال: وحمى لنفسه.
أقول: هذا طعن آخر وهو أن عثمان حمى الحمي لنفسه عن المسلمين ومنعهم عنه، وذلك مناف للشرع لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الناس في الماء والكلاء والنار شرعا سواء.
قال: ووقع منه أشياء منكرة في حق الصحابة فضرب ابن مسعود حتى مات وأحرق مصحفه وضرب عمارا حتى أصابه فتق وضرب أبا ذر ونفاه إلى الربذة.
أقول: هذا طعن آخر وهو أن عثمان ارتكب من الصحابة ما لا يجوز وفعل بهم ما لا يحل، فضرب ابن مسعود حتى مات عند إحراقه المصاحف وأحرق مصحفه وأنكر عليه قراءته، وقد قال صلى الله عليه وآله: من أراد أن يقرأ القرآن غضا فليقرأ بقراءة ابن مسعود (2)، وكان ابن مسعود يطعن في عثمان ويكفره. وضرب عمار ابن ياسر حتى صار به فتق وكان يطعن في عثمان وكان يقول: قتلناه كافرا.
واستحضر أبا ذر من الشام لهوى معاوية وضربه ونفاه إلى الربذة مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مقربا لهؤلاء الصحابة وشاكرا لهم.
قال: وأسقط القود (3) عن ابن عمر والحد عن الوليد مع وجوبهما.
أقول: هذا طعن آخر وهو أن عثمان كان يترك الحدود ويعطلها ولا يقيمها لأجل هوى نفسه، ومثل هذا لا يصلح للإمامة فإنه لم يقتل عبد الله بن عمر لما قتل الهرمزان بعد إسلامه، ولما ولي أمير المؤمنين عليه السلام طلبه لإقامة القصاص عليه
____________
(1) كما في (م) وفي النسخ الأخرى: دفع إلى مروان ألف ألف لأجل فتح أفريقية.
(2) وفي النسخ الأخرى غير (ص): فليقرأ بقراءة ابن أم عبد. وفي (ص): فليقرأ بقراءة ابن أم عبد يعني ابن مسعود.
(3) المتن والشرح موافقان للنسخ كلها إلا في (ش ز) ففيهما: لا تبطل حدود الله وأنا حاضر.
قال: وخذله الصحابة حتى قتل، وقال أمير المؤمنين عليه السلام: الله قتله ولم يدفن إلا بعد ثلاثة أيام (1) وعابوا غيبته عن بدر وأحد والبيعة.
أقول: هذه مطاعن أخر في عثمان وهو أن الصحابة خذلوه حتى قتل وقد كان يمكنهم الدفع عنه، فلولا علمهم باستحقاقه لذلك وإلا لما ساغ لهم التأخر (2) عن نصرته. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: الله قتله، وتركوه بعد القتل ثلاثة أيام ولم يدفنوه، وذلك يدل على شدة غيظهم عليه وأفراطهم في الحنق لما أصابهم من ضرره وظلمه وعابت الصحابة عليه غيبته عن بدر وأحد ولم يشهد بيعة الرضوان.
المسألة السابعة
في أن عليا عليه السلام أفضل من الصحابة
قال: وعلي عليه السلام أفضل لكثرة جهاده وعظم بلائه في وقائع النبي صلى الله عليه وسلم بأجمعها ولم يبلغ أحد درجته في غزاة بدر وأحد ويوم الأحزاب وخيبر وحنين وغيرها.
أقول: اختلف الناس هنا، فقال عمر وعثمان وابن عمر وأبو هريرة من الصحابة: إن أبا بكر أفضل من علي عليه السلام، وبه قال من التابعين الحسن البصري وعمرو بن عبيد وهو اختيار النظام وأبي عثمان الجاحظ. وقال الزبير وسلمان والمقداد وجابر بن عبد الله وعمار وأبو ذر وحذيفة من الصحابة: إن عليا عليه السلام
____________
(1) كما في (ص). والنسخ الأخرى كلها: بعد ثلاث وعابوا. وفي الإمامة والسياسة للدينوري:
ثم احتملوه على باب ليلا وانطلقوا مسرعين ويسمع من وقع رأسه على اللوح طق طق (ج 1 ص 45 ط مصر).
(2) باتفاق النسخ كلها، أي فلولا علمهم باستحقاقه لذلك من الخذلان والقتل لما خذلوه حتى قتل، وإلا لما ساغ لهم التأخر عن نصرته.
____________
(1) كذا في جميع النسخ إلا نسخة (م) وكذا في ابتداء شرح ابن أبي الحديد على النهج حيث قال: وقال البغداديون قاطبة قدماؤهم ومؤخروهم كأبي سهل بشر بن المعمر، وأبي موسى عيسى بن صبيح، وأبي عبد الله جعفر بن مبشر، وأبي جعفر الإسكافي، وأبي الحسين الخياط، وأبي القاسم عبد الله بن محمود البلخي وتلامذته: إن عليا عليه السلام أفضل من أبي بكر.. الخ (ص 3 ط 1 ج 1 الحجري).
وقال في انتهاء شرحه عليه عند قوله عليه السلام: يهلك في رجلان محب مطر وباهت مفتر، ما هذا لفظه (ص 491 ج 2 من الطبع الحجري): والحاصل أنا لم نجعل بينه عليه السلام وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا رتبة النبوة وأعطينا كل ما عدا ذلك من الفضل المشترك بينه وبينه - إلى أن قال - والقول بالتفضيل قول قديم قد قال به كثير من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة عمار والمقداد وأبو ذر وسلمان وجابر بن عبد الله وأبي بن كعب وحذيفة وبريدة وأبو أيوب وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وأبو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت وأبو الطفيل عامر بن واثلة والعباس بن عبد المطلب وبنوه وبنو هاشم كافة وبنو المطلب كافة، وكان من بني أمية قوم يقولون بذلك منهم خالد بن سعيد بن العاص ومنهم عمر بن عبد العزيز - إلى أن قال: - فأما من قال بتفضيله على الناس كافة من التابعين فخلق كثير كأويس القرني وزيد بن صوحان وصعصعة أخيه وجندب الخير وعبيدة السلماني وغيرهم ممن لا يحصى كثرة ولم تكن لفظة الشيعة تعرف في ذلك العصر إلا لمن قال بتفضيله ولم تكن مقالة الإمامية ومن نحا نحوها من الطاعنين في إمامة السلف مشهورة حينئذ على هذا النحو من الاشتهار فكان القائلون بالتفضيل هم المسمون الشيعة وجميع ما ورد من الآثار والأخبار في فضل الشيعة وأنهم موعودون بالجنة فهؤلاء هم المعينون به دون غيرهم. قال: ولذلك قال أصحابنا المعتزلة في كتبهم وتصانيفهم نحن الشيعة حقا فهذا القول هو أقرب إلى السلامة وأشبه بالحق من القول المقتسمين طرفي الافراط والتفريط إن شاء الله، إنتهى كلام ابن أبي الحديد.
وفي نسخة (م) وحدها: وهو اختيار البغداديين من المعتزلة كافة.
أقول: ومن المعتقدين بأن عليا أمير المؤمنين عليه السلام أفضل من أبي بكر وغيره، الشيخ العارف مجدود بن آدم السنائي الغزنوي حيث قال في قصيدته النونية في ذلك (ص 100 من الطبع الحجري من ديوانه):
كار عاقل نيست در دل مهر دلبر داشتن | جان نگين مهر مهرشاخ بي برداشتن |
تا دل عيسى مريم باشد اندربند تو | كي روا باشد دل اندر سم هر خر داشتن |
يوسف مصرى نشسته باتو در هر انجمن | زشت باشد چشم را در نقش آذر داشتن |
احمد مرسل نشسته كي روا دارد خرد | دل أسير سيرت بوجهل كافر داشتن |
بحر پر كشتى است ليكن جمله در گرداب خوف | بي سفينة نوح نتوان چشم معبر داشتن |
گرنجات دين ودل خواهى همى تا چند از أين | خويشتن چون دائره بي پا وبى سرداشتن |
من سلامت خانه نوح نبي بنمايمت | تاتوانى خويشتن را أيمن از شرداشتن |
شومدينه علم را درجوى پس دروى خرام | تا كي آخر خويشتن چون حلقه بردر داشتن |
چون همى دانى كه شهر علم را حيدر دراست | خوب نبود جز كه حيدرمير ومهتر داشتن |
كي رواباشد به ناموس وحيل درراه دين | ديو را برمسند قاضى أكبر داشتن |
من چه گويم توچه دانى مختصر عقلي بود | قدرخاك افزون تر از گوگرد احمر داشتن |
از تو خود چون مى پسندد عقل نابيناى تو | پارگين را قابل تسنيم وكوثر داشتن |
مرمرا باورنكو نايد زروى اعتقاد | حق زهرا بردن ودين پيمبر داشتن |
آن كه اورا برسر حيدر همى خوانى أمير | كافرم گرمى تواند كفش قنبر داشتن |
تا سليمان وارباشد حيدراندر صدر ملك | زشت باشد ديورا برتارك أفسر داشتن |
خضر فرخ پى دليلي را ميان بسته چوكلك | جاهلي باشد ستور لنگ رهبر داشتن |
چون درخت دين بباغ شرع هم حيدر نشاند | باغبانى زشت باشد جز كه حيدر داشتن |
از گذشت مصطفى مجتبى جز مرتضى | عالم دين را نيارد كس معمر داشتن |
هشت بستانرا كجا هرگز توانى يافتن | جز به حب حيدر وشبير وشبر داشتن |
گر همى مؤمن شمارى خويشتن را بايدت | مهر زر جعفري بردين جعفر داشتن |
إلى آخر أبيات القصيدة وهي كثيرة وفي ديوانه مسطورة، وسبب انشائه هذه القصيدة هو أن السلطان سنجر بعد وفاة أبيه ملكشاه كتب اليه وطلب منه معرفة الدين الحق الإلهي فأنشأها وأرسلها اليه وقال فيها مخاطبا له:
از پس سلطان ملكشه چون نمى دارى روا | تاج وتخت پادشاهى جزكه سنجر داشتن |
از پس سلطان دين پس چون روادارى همى | جزعلى وعترتش محراب ومنبر داشتن |
وراجع في ذلك المجلس السادس من مجالس المؤمنين للقاضي السعيد نور الله الشهيد نور الله نفسه ورمسه (ص 294 ط الحجري).
ثم إن لهذا المتمسك بذيل ولاية الوصي مذهبا آخر تفرد به وهو أنه لا يقول بذلك التفضيل أبدا ولا يتفوه به قط، وذلك لأن التفضيل شرطه مشاركة الطرفين في صفات الفضيلة وتجانسهما في جميع المقايسات إلا أن أحدهما في تلك الصفات أفضل من الآخر كما ينبئك عن هذه الدقيقة قوله علت كلمته: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض (البقرة 254) وقوله: ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض (الإسراء 22) ونحوهما من آيات أخرى، فحيث إن التشارك والتجانس شرط في المقايسة فلا يقاس الخط بالنقطة، ولا السطح بالخط، ولا الجسم بالسطح، ولا النور بالظلمة، ولا العلم بالجهل، ولا الحق بالباطل، ولا المعصوم بغير المعصوم. ولست أدري أي مشاركة بين الوصي أمير المؤمنين علي عليه السلام وبين الثلاثة في العصمة التي اختص هو بها دون غيره من الصحابة؟! وأي مجانسة بينه وبينها في الفضائل القرآنية والحقائق العقلية الملكوتية وقد كان عليه السلام بين الصحابة المعقول بين المحسوس، وعدل النبي إلا درجة النبوة، وما سبقه الأولون إلا بفضل النبوة ولا يدركه الآخرون. وأين الذرة من المجرة، والحصباء من الشعرى، ونار الحباحب من نور البيضاء حتى يتفوه بذلك التفضيل؟! أرأيت هل تجوز التفوه بتفضيل رسول الله صلى الله عليه وآله على أبي بكر بأن تقول: كان هو أفضل من أبي بكر كما تجوز القول بأنه عليه السلام أفضل الأنبياء والمرسلين. وإنما منزلة الذي كان عدله إلا بفضل النبوة، هي هكذا بلا دغدغة ولا مراء. فشرط المناسبة في المقايسة يوجب مقايسته عليه السلام مع سائر الأنبياء وقاطبة الأوصياء والأولياء الكاملين لا مع آحاد الرعية وغاغة الناس، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وآخى بين الصحابة وقرن كل شخص إلى مماثله في الشرف والفضيلة وآخاه عليه السلام من دون الصحابة. وأنه صلى الله عليه وسلم قال: من أحب أن ينظر إلى آدم في علمه، والى نوح في تقواه، والى إبراهيم في حلمه، والى موسى في هيبته، والى عيسى في عبادته فلينظر إلى علي بن أبي طالب، رواه البيهقي عن النبي صلى الله عليه وآله فالوصي عليه السلام كان مساويا للأنبياء المتقدمين.
____________
(1) ولكن الرواية جاءت في السيرة لابن كثير هكذا.. فحمى عند ذلك عتبة بن ربيعة، وأراد أن يظهر شجاعته، فبرز بين أخيه شيبة وابنه الوليد، فلما توسطوا بين الصفين دعوا إلى البراز - إلى أن قال: - فقال النبي صلى الله عليه وآله: (قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي) - إلى قوله: - فبارز عبيدة - وكان أسن القوم - عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد بن عتبة، فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين، كلاهما أثبت صاحبه، وكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فدففا عليه، واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابهما (ج 2 ص 413 ط مصر).
والغرض من النقل أن قاتل شيبة بن ربيعة كان حمزة عليه السلام لا أمير المؤمنين علي عليه السلام فإنه كان قاتل ابن أخيه الوليد بن عتبة.
ومنها في غزاة أحد جمع له الرسول صلى الله عليه وآله بين اللواء والراية وكانت راية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة وكان يسمى كبش الكتيبة فقتله علي عليه السلام فأخذ الراية غيره فقتله عليه السلام ولم يزل يقتل واحدا بعد واحد حتى قتل تسعة نفر فانهزم المشركون واشتغل المسلمون بالغنائم فحمل خالد بن الوليد بأصحابه (2) على النبي صلى الله عليه وسلم فضربوه بالسيوف والرماح والحجر حتى غشي عليه فانهزم الناس
____________
(1) كما في (ص) وحدها وهو الصواب والنسخ الأخرى عارية عن الوصف أعني المقتولين.
قال اليعقوبي في تاريخه (ص 33 ج 22 ط النجف) في نقل وقعة بدر العظمى: وأقبلت قريش مستعدة لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدتهم ألف رجل، وقيل: تسعمائة وخمسون، إنتهى.
وفي السيرة النبوية لابن هشام (ص 706 ج 1 ط مصر): جميع من شهد بدرا من المسلمين ثلاث مائة رجل وأربعة عشر رجلا - إلى أن قال (ص 714): - إن قتلى بدر من المشركين كانوا سبعين رجلا، والأسرى كذلك، وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب. وفي كتاب الله تبارك وتعالى: أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها يقوله لأصحاب أحد - وكان من استشهد منهم سبعين رجلا - يقول: قد أصبتم يوم بدر مثلي من استشهد منكم يوم أحد، سبعين قتيلا وسبعين أسيرا، وأنشدني أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك:
فأقام بالعطن المعطن منهم | سبعون، عتبة منهم والأسود |
يعني قتلى بدر، إنتهى باختصار.
والغرض من النقل أن الصحيح هو ما اخترناه من (ص)، وعبارة النسخ الخالية عن الوصف المذكور لا توافق الواقع.
(2) وفي (م ص): وأصحابه.
ومنها يوم الأحزاب وقد بالغ في قتل المشركين وقتل عمرو بن عبد ود وكان بطل المشركين ودعا إلى البراز مرارا فامتنع عنه المسلمون وعلي عليه السلام يروم مبارزته والنبي صلى الله عليه وسلم يمنعه من ذلك لينظر صنع المسلمين، فلما رأى امتناعهم أذن له وعممه بعمامته ودعا له، قال حذيفة: لما دعا عمرو إلى المبارزة أحجم المسلمون عنه كافة ما خلا عليا عليه السلام فإنه برز إليه فقتله الله على يديه والذي نفس حذيفة بيده لعمله في ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة وكان الفتح في ذلك اليوم على يدي علي عليه السلام، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
لضربة علي خير من عبادة الثقلين.
ومنها في غزاة خيبر واشتهار جهاده فيها غير خفي وفتح الله تعالى على يديه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حصر حصنهم بضعة عشر يوما وكانت الراية بيد علي عليه السلام فأصابه رمد فسلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الراية إلى أبي بكر مع جماعة فرجعوا منهزمين خائفين فدفعها الغد إلى عمر ففعل مثل ذلك فقال عليه السلام: لأسلمن الراية غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، كرار غير فرار لا يرجع حتى يفتح على يده، فلما أصبح قال: إئتوني بعلي، فقيل: به رمد، فتفل في عينه (1) ودفع الراية إليه فقتل مرحبا فانهزم أصحابه وغلقوا الأبواب ففتح علي عليه السلام الباب واقتلعه وجعله جسرا على الخندق وعبروا وظفروا، فلما انصرفوا أخذه بيمينه ودحاه أذرعا وكان يغلقه عشرون وعجز المسلمون عن نقله حتى نقله سبعون رجلا وقال عليه السلام: (والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية ولكن قلعته بقوة ربانية).
ومنها في غزاة حنين وقد سار النبي صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف فارس من المسلمين فتعجب أبو بكر من كثرتهم وقال: لن نغلب اليوم من قلة (2) فانهزموا
____________
(1) كما في (ش م ز د) وفي (ق ص): في عينيه.
(2) كما في أول باب غزاة حنين من سادس البحار ط 1: إن بعضهم حين رأى المسلمين لن نغلب اليوم من قلة. وكذا في (م ص ز د) وفي (ش) وحدها: لن نغلب القوم من قلة.
قال: ولأنه أعلم (2) لقوة حدسه وملازمته للرسول صلى الله عليه وآله ورجعت الصحابة إليه في أكثر الوقائع بعد غلطهم، وقال النبي صلى الله عليه وآله: أقضاكم علي، واستند الفضلاء في جميع العلوم إليه وأخبر هو عليه السلام بذلك.
أقول: هذا هو الوجه الثاني في بيان أن عليا عليه السلام أفضل من غيره، وهو أنه عليه السلام أعلم من غيره فيكون أفضل، أما المقدمة الأولى فيدل عليها وجوه:
الأول: أنه عليه السلام كان شديد الذكاء في غاية قوة الحدس، ونشأ في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ملازما له مستفيدا منه والرسول صلى الله عليه وسلم كان أكمل الناس وأفضلهم، ومع حصول القبول التام والمؤثر الكامل يكون الفعل أقوى وأتم وبالخصوص وقد مارس المعارف الإلهية من صغره، وقد قيل: إن العلم في الصغر كالنقش في الحجر وهذا برهان لمي.
الثاني: أن الصحابة كانت تشتبه الأحكام عليهم وربما أفتى بعضهم بالغلط وكانوا يراجعونه في ذلك، ولم ينقل أنه عليه السلام راجع أحدا منهم في شئ البتة، وذلك يدل على أنه أفضل من الجماعة فإنه نقل عن أبي بكر أن بعض اليهود لقيه
____________
(1) كما في (م) والنسخ الأخرى كلها: وكانت الفضيلة بأجمعها في ذلك.
(2) المتن مطابق للنسخ كلها إلا أن العبارة في (م) جاءت: (وشدة ملازمته للنبي) مكان (شدة ملازمته للرسول).
الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يستحلون محرما، وأمره برده واستتابته فإن تاب فاجلده وإلا فأقتله، فتاب ولم يدر عمر كم يحده (2) فأمره عليه السلام بحده ثمانين.
وأمر عمر برجم مجنونة زنت فرده عليه السلام بقوله: رفع القلم عن المجنون حتى يفيق، فقال: لولا علي لهلك عمر. وولدت امرأة لستة أشهر فأمر عمر برجمها، فقال له عليه السلام: إن أقل الحمل ستة أشهر بقوله تعالى: (وفصاله في عامين) وقوله تعالى:
(وحمله وفصاله ثلاثون شهرا و) أمر عمر برجم حامل فقال له علي عليه السلام: إن كان لك سبيل عليها فليس لك على ما في بطنها سبيل، فامتنع، وغير ذلك من الوقائع الشهيرة (3).
الثالث: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حقه: أقضاكم علي، والقضاء يستلزم العلم فيكون أفضل منهم.
الرابع: استناد العلماء بأسرهم إليه، فإن النحو مستند إليه وكذا أصول المعارف الإلهية وعلم الأصول (4) فإن أبا الحسن الأشعري تلميذ أبي علي الجبائي من
____________
(1) وفي (م) فقط: عن أشياء كثيرة.
(2) كما في النسخ كلها، وأما ما في المطبوعة من زيادة (وقال عليه السلام) بعد (واستتابته) فيشبه أن تكون تعليقة أدرجت في الكتاب.
(3) كما في (م ص) وفي غيرهما: من الوقائع الكثيرة.
(4) وفي (ص) وحدها: وكذا أصول الفقه وعلم أصول المعارف الإلهية.
الخامس: أنه عليه السلام أخبر بذلك في عدة مواضع كقوله: سلوني (2) عن طرق السماء فإني أعرف بها من طرق الأرض، وقال: والله لو كسرت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم.
وذلك يدل على كمال معرفته بجميع هذه الشرائع، وبالجملة فلم ينقل عن أحد من الصحابة ولا عن غيرهم ما نقل عنه من أصول العلم.
قال: ولقوله تعالى: (وأنفسنا)
أقول: هذا هو الوجه الثالث الدال على أنه عليه السلام أفضل من غيره، وهو قوله تعالى: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم)، واتفق المفسرون كافة على أن الأبناء إشارة إلى الحسن والحسين عليهما السلام والنساء إشارة إلى فاطمة عليها السلام والأنفس إشارة إلى علي عليه السلام، ولا يمكن أن يقال: إن نفسيهما واحدة فلم يبق المراد من ذلك إلا المساوي (3) ولا شك في أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الناس فمساويه كذلك أيضا.
قال: ولكثرة سخائه على غيره.
أقول: هذا وجه رابع يدل على أن عليا عليه السلام أفضل من غيره وهو أنه كان أسخى الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنه جاد بقوته وقوت عياله وبات طاويا هو وإياهم ثلاثة أيام (4) حتى أنزل الله تعالى في حقهم (ويطعمون الطعام على
____________
(1) وفي (م) مع بعد عنهم.
(2) كما في (ش). والنسخ الأخرى كلها: اسألوني. وفي (ق) كتبت فوق اسألوني، لفظة بخطه.
(3) وفي (م) وحدها: إلا التساوي.
(4) كذا في جميع النسخ بالاتفاق.