الصفحة 174
متعلقة بالشخص نفسه أو بغيره، وأمير المؤمنين عليه السلام جمع الكل.

أما فضائله النفسانية المتعلقة به، كعلمه وزهده وكرمه(1) وحمله، فهي أشهر من أن تخفى، والمتعلقة بغيره كذلك، كظهور العلوم عنه واستفادة غيره منه، وكذا فضائله البدنية كالعبادة والشجاعة والصدقة، وأما الخارجية فكالنسب، ولم يلحقه أحد فيه، لقربه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتزويجه إياه بابنته سيدة النساء.

وقد روى أخطب خوارزم من كبار السنة، بإسناده عن جابر، قال: لما تزوج علي فاطمة، زوجه الله إياها من فوق سبع سماوات، وكان الخاطب جبرئيل، وكان ميكائيل وإسرافيل في سبعين ألفا من الملائكة شهودا، فأوحى الله تعالى إلى شجرة طوبى أن انثري ما فيك من الدر(2) والجواهر، ففعلت، وأوحى الله تعالى إلى الحور العين أن: " القطن "، فلقطن، فهن يتهادين بينهن إلى يوم القيامة(3). وأورد أخبارا كثيرة في ذلك.

وكان أولاده عليه السلام أشرف الناس بعد رسول الله وبعد أبيهم.

____________

(1) ليست في " ر ".

(2) في " ر ": الدرر.

(3) أخرج الخوارزمي في مناقبه عدة أحاديث بأسانيد وألفاظ مختلفة، في أن الله تعالى زوج أمير المؤمنين فاطمة عليهما السلام من السماء، وأن الملائكة قد زفت فاطمة عليها السلام، وأن شجرة طوبى نثرت ما فيها عليهما.

أخرج في " 337 / الحديث 358 عن ابن مسعود، وفي ص 340 / الحديث 360 عن علي بن الحسين عن أبيه، وفي ص 341 / الحديث 361 عن بلال بن حمامة، وفي: 342 / الحديث 362 عن ابن عباس، وفي نفس الصفحة، الحديث 363 عن علي عليه السلام، كما أخرج عدة أحاديث بهذا المضمون في " مقتل الحسين " 1: 64 - 65، وأخرج ابن المغازلي في المناقب: 343 - 344 / الحديثان 394 و 395 حديثين عن جابر قريبين من لفظ حديث المصنف، وفي 341 - 342 / الحديث 393 عن جابر بلفظ آخر، وفي صفحة 345 / الحديث 396 عن أنس.

وأخرج المحب الطبري في ذخائر العقبى: 32 حديثا عن أنس بلفظ قريب، ثم قال: أخرجه الملا في سيرته، وأخرج في: 32 عن عبد الله بن مسعود وقال: أخرجه الغساني. وفي: 31 - 32 حديثين عن علي عليه السلام، وقال بعد كل منهما: خرجه الإمام علي بن موسى الرضا في مسنده. وأخرج الكنجي الشافعي في كفاية الطالب: 299 - 303 عدة أحاديث بأسانيده عن جابر بن سمرة وابن مسعود وجعفر بن محمد الصادق عليه السلام.


الصفحة 175
وعن حذيفة بن اليمان، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخذا بيد الحسين بن علي عليهما السلام، وقال: أيها الناس، هذا الحسين بن علي، ألا فاعرفوه وفضلوه، فوالله لجده أكرم على الله من جد يوسف بن يعقوب عليهما السلام، هذا الحسين بن علي جده في الجنة، وجدته في الجنة، وأمه في الجنة، وأبوه في الجنة، وعمه في الجنة، وعمته في الجنة، وخاله في الجنة، وخالته في الجنة، وأخوه في الجنة، وهو في الجنة، ومحبوهم(1) في الجنة، ومحبو محبيهم في الجنة(2).

وعن حذيفة بن اليمان، قال: بت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة، فرأيت عنده شخصا، فقال لي: هل رأيت؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: هذا ملك لم ينزل إلي منذ بعثت، أتاني من الله فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة(3).

والأخبار في ذلك كثيرة. وكان محمد بن الحنفية فاضلا عالما حتى ادعى قوم فيه الإمامة.

____________

(1) في " ش 1 " و " ش 2 ": محبهم.

(2) أخرجه الكنجي الشافعي في كفاية الطالب: 419 - 420 / الباب 7 بسنده عن ربيعة السعدي، ثم قال: هذا سند اجتمع فيه جماعة من أئمة الأمصار ومنهم ابن جرير الطبري، ذكره في كتابه، ومنهم إمام أهل الحديث ومحدث العراق ومؤرخها ابن ثابت الخطيب، ذكره في تاريخه، ومنهم محدث الشام وشيخ أهل النقل ابن عساكر الدمشقي، ذكره في تاريخه في الجزء الثالث والثلاثين بعد المائة.

وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ترجمة الإمام الحسين عليه السلام: 135 - 136 / الحديث 173 بسنده عن ربيعة السعدي في حديث مفصل.

وأخرج الخوارزمي في مناقبه: 284 / الحديث 279، وابن المغازلي في مناقبه: 143 / الحديث 188 حديثا طويلا عن الأعمش وردت فيه فقرات مقاربة للحديث أعلاه.

(3) أخرجه أحمد في مسنده 5: 391 - 392 / الحديثان 22818 و 22819 عن حذيفة. وفي أولهما:... ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأخرج الحديثين ابن عساكر في تاريخ دمشق / ترجمة الإمام الحسين عليه السلام: 50 - 51 / الحديثان 73 و 74 عن حذيفة.

وأخرجه الكنجي الشافعي في كفاية الطالب: 422، عن حذيفة كما في رواية أحمد الأولى.


الصفحة 176

الصفحة 177

الفصل الرابع

في إمامة باقي الأئمة الاثنا عشر: لنا في ذلك طرق.

أحدها:

النص، وقد تواترت به الشيعة في بلاد المتباعدة خلفا عن سلف من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال للحسين عليه السلام: هذا ابني إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة، تاسعهم قائمهم، اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا(1).

وقد روى ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي، اسمه كاسمي، وكنيته كنيتي، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، فذلك هو المهدي.

رواه ابن الجوزي الحنبلي عن أبي داود وصحيح الترمذي(2).

____________

(1) أخرج الخوارزمي في مقتل الحسين: 146 / الفصل 7 عن سلمان المحمدي، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا الحسين على فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه، ويقول: إنك سيد ابن سيد أبو سادة، إنك إمام ابن إمام أبو أئمة، إنك حجة ابن حجة أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم.

وأخرجه الحمويني في فرائد السمطين 2: 313 / الحديث 563، والقندوزي في ينابيع المودة 3: 291 / الحديث 8 و قال: أيضا أخرجه الحمويني وموفق بن أحمد الخوارزمي.

(2) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: 363 - 364 وقال: وهذا حديث مشهور، وأحاديث المهدي متواترة، وقد تناقلتها كتب الصحاح والمصادر المعتبرة، كصحيح البخاري وتاريخ البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود وسنن ابن ماجة وسنن الترمذي ومسند أحمد ومسند أبي يعلى الموصلي والمعاجم الثلاثة للطبراني ومصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق الصنعاني ومستدرك الحاكم وتاريخ بغداد ومجمع الزوائد للهيثمي، وعرف المهدي والدر المنثور للسيوطي وعشرات المصادر السنية الأخرى، ورد في معظمها التصريح باسم المهدي، وفي البعض الآخر نعته، وقد استقصى بعض الأعلام أحاديث المهدي في كتاب مسند أحمد لوحده فبلغت من الكثرة حدا طبعت معه في كتاب مستقل.


الصفحة 178

الثاني:

أنا قد بينا أنه يجب في كل زمان إمام معصوم، (وغير هؤلاء عليهم السلام إجماعا ليس بمعصوم)(1).

الثالث:

الفضائل التي اشتمل كل واحد منهم عليها، الموجبة لكونه إماما.

____________

(1) في " ر ": ولا معصوم غير هؤلاء عليهم السلام إجماعا.


الصفحة 179

الفصل الخامس

في أن من تقدمه لم يكن إماما، ويدل عليه وجوه:

الأول:

قول أبي بكر: إن لي شيطانا يعتريني، فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوموني(1).

ومن شأن الإمام تكميل الرعية، فكيف يطلب منهم الكمال؟!

الثاني:

قول عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة (وقى الله المسلمين شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه!)(2) وكونها فلتة يدل على أنها لم تنبع عن رأي صحيح، ثم سأل وقاية شرها، ثم أمر بقتل من يعود إلى مثلها، وكل ذلك يوجب الطعن فيه.

الثالث:

قصورهم في العلم، والالتجاء في أكثر الأحكام إلى علي عليه السلام(3).

____________

(1) مر تخريج مصادره أنفا.

(2) ما بين القوسين سقط من " ش 1 ". وقد مر تخريج كلامه سابقا.

(3) كتب التواريخ والحديث تضج بأحاديث رجوع الخلفاء إليه عليه السلام، وبأقوال مثل " لولا علي لهلك عمر "، وقد مرتب بعض هذه القضايا في بداية الكتاب.


الصفحة 180

الرابع:

الوقائع الصادرة عنهم، وقد تقدم أكثرها.

الخامس:

قوله تعالى: (لا ينال عهدي الظالمين)(1) أخبر بأن عهد الإمامة لا يصل إلى الظالم والكافر، لقوله تعالى: (والكافرون هم الظالمون)(2) ولا شك في أن الثلاثة كانوا كفارا يعبدون الأصنام إلى أن ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

السادس:

قول أبي بكر: أقيلوني فلست بخيركم!(3)، ولو كان إماما لم يجز له طلب الإقالة.

السابع:

قول أبي بكر عند موته: " ليتني كتب سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل للأنصار في هذا الأمر حق "(4). وهذا يدل على شكه في صحة بيعة نفسه، مع أنه الذي دفع الأنصار يوم السقيفة لما قالوا: " منا أمير ومنكم أمير " بما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " الأئمة من قريش ".

الثامن:

قوله في مرضه: " ليتني كنت تركت بيت فاطمة لم أكشفه، وليتني في ظلة بني ساعدة

____________

(1) البقرة: 124.

(2) البقرة: 254.

(3) أنظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 3: 171، والصواعق المحرقة: 11، ومسند أحمد 1: 14 / الحديث 81.

(4) تاريخ الطبري 4: 52، حوادث سنة 13، والإمامة والسياسة في عنوان " مرض أبي بكر ".


الصفحة 181
كنت ضربت على يد أحد الرجلين فكان هو الأمير وكنت الوزير(1) ". وهذا يدل على إقدامه على بيت فاطمة عليها السلام عند اجتماع أمير المؤمنين والزبير وغيرهما فيه، وعلى أنه كان يرى الفضل لغيره لا لنفسه.

التاسع:

أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جهز جيش أسامة وكرر الأمر بتنفيذه، وكان فيهم أبو بكر وعمر وعثمان، ولم ينفذ أمير المؤمنين عليه السلام لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد منعهم من التوثب على الخلافة بعده، فلم يقلبوا منه(2).

العاشر:

أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يول أبا بكر شيئا من الأعمال، وولى غيره.

الحادي عشر:

أنه صلى الله عليه وآله وسلم أنفذه لأداء سورة براءة، ثم أنفذ إليه عليا عليه السلام وأمره برده وأن يتولى هو ذلك(3)، ومن لا يصلح لأداء سورة أو بعضها، كيف يصلح للإمامة العامة المتضمنة لأداء الأحكام إلى جميع الأمة؟!

الثاني عشر:

قول عمر: أن محمدا لم يمت، وهو يدل على قلة علمه، وأمر برجم حامل، فنهاه

____________

(1) تاريخ الطبري 4: 52.

(2) طبقات ابن سعد 2: 190، وفيه: فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة، فيهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص... الخ.

(3) مرت الإشارة إلى ذلك مفصلا.


الصفحة 182
علي عليه السلام، فقال: " لولا علي لهلك عمر "، وغير ذلك من الأحكام التي غلط فيها وتلون فيها(1).

الثالث عشر:

أبدع التراويح، مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا أيها الناس، إن الصلاة بالليل في شهر رمضان في النافلة جماعة بدعة، وصلاة الضحى بدعة، ألا فلا تجمعوا ليلا في شهر رمضان في النافلة، ولا تصلوا صلاة الضحى، فإن قليلا في سنة خير من كثير في بدعة، ألا وإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار، وخرج عمر في شهر رمضان ليلا فرأى المصابيح في المساجد، فقال: ما هذا؟ فقيل له: إن الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوع، فقال: " بدعة ونعمت البدعة "، فاعترف بأنها بدعة(2).

الرابع عشر:

أن عثمان فعل أمورا لا يجوز فعلها، حتى أنكر عليه المسلمون كافة، وأجمعوا على قتله أكثر من إجماعهم على إمامته وإمامة صاحبيه.

____________

(1) مرت الإشارة إلى ذلك مفصلا.

(2) أنظر الصراط المستقيم للعلامة البياضي 3: 26.


الصفحة 183

الفصل السادس

في نسخ حججهم على إمامة أبي احتجوا بوجوه:

الأول: الإجماع:

والجواب منع الإجماع، فإن جماعة من بني هاشم لم يوافقوا على ذلك، وجماعة من أكابر الصحابة، كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وحذيفة وسعد بن عبادة وزيد بن أرقم وأسامة بن زيد و (خالد بن سعيد بن العاص)(1)، حتى أن أباه أنكر ذلك وقال: من استخلف الناس؟ فقالوا: ابنك، فقال: وما فعل المستضعفان؟ إشارة إلى علي والعباس؟ فقالوا: اشتغلوا بتجهيز رسول الله، ورأوا أن ابنك أكبر الصحابة سنا، فقال: أنا أكبر منه!(2).

و (ك) بني حنيفة كافة، لم يحملوا الزكاة إليه حتى سماهم أهل الردة وقتلهم وسباهم، وأنكر عمر عليه ورد السبايا أيام خلافته(3).

وأيضا الإجماع ليس أصلا في الدلالة، بل لا بد أن يستند المجمعون إلى دليل على الحكم حتى يجمعوا(4) عليه، وإلا لكان خطأ، وذلك الدليل إما عقلي، وليس في العقل دلالة

____________

(1) في " ش 1 " و " ش 2 ": خالد بن سعد، وابن العباس.

(2) أنظر الإستيعاب 2: 256، في ترجمة أبي بكر، وشرح النهج 2: 184.

(3) مرت الإشارة إليه سابقا في الفتن التي ذكرها الشهرستاني في الملل والنحل، الفتنة السادسة.

(4) في " ر " يجتمعوا.


الصفحة 184
على إمامته، وإما نقلي، وعندهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مات عن غير وصية ولا نص على إمامته، والقرآن خال منه، فلو كان الإجماع متحققا، كان خطأ، فتنفي دلالته.

وأيضا الإجماع إما أن يعتبر فيه قول كل الأمة، ومعلوم أنه لم يحصل، بل ولا إجماع أهل المدينة أو بعضهم، وقد أجمع أكثر الناس على قتل عثمان.

وأيضا كل واحد من الأمة يجوز عليه الخطاء، فأي عاصم لهم عن الكذب عند الإجماع؟(1) وأيضا قد بينا ثبوت النص الدال على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، فلو أجمعوا على خلافه كان خطأ، لأن الإجماع الواقع على خلاف النص يكون خطأ عندهم.

الثاني:

ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر(2).

والجواب المنع من الرواية؟؟ من دلالتها على الإمامة، فإن الاقتداء بالفقهاء لا يستلزم كونهم أئمة.

وأيضا فإن أبا بكر وعمر اختلفا في كثير من الأحكام، فلا يمكن الاقتداء بهما.

وأيضا فإنه معارض بما رووه من قوله: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم "، مع إجماعهم على انتفاء إمامتهم.

الثالث:

ما ورد منه من الفضائل، كآية الغار(3)، وقوله تعالى: (وسيجنبها الأتقى)(4)، وقوله

____________

(1) في " ر ": الاجتماع.

(2) رواه صاحب الإستيعاب 2: 250.

(3) وهي الآية: 4 من سورة التوبة.

(4) الليل: 17.


الصفحة 185
تعالى: (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد)(1) والداعي هو أبو بكر، وكان أنيس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العريش يوم بدر، وأنفق على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتقدم في الصلاة.

والجواب:

أنه لا فضيلة له في الغار: لجواز أن يستصحبه حذرا منه لئلا يظهر أمره.

وأيضا فإن الآية تدل على نقصه: لقوله: (لا تحزن)، فإنه يدل على خوره وقلة صبره وعدم يقينه بالله تعالى وعدم رضاه (لسماواته للنبي)(2) صلى الله عليه وآله وسلم وبقضاء الله وقدره، لأن الحزن إن كان طاعة استحال أن ينهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه، وإن كان معصية، كان ما ادعوه فضيلة رذيلة.

وأيضا فإن القرآن حيث ذكر إنزال السكينة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، شرك معه المؤمنين، إلا في هذا الموضع(3)، ولا نقص أعظم منه(4).

وأما قوله تعالى: (وسيجنبها الأتقى الذي...)(5)، فإن المراد به أن أبا الدحداح حيث اشترى نخلة شخص لأجل جاره، وقد عرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم على صاحب النخل نخلة في الجنة

____________

(1) الفتح: 16.

(2) ما بين القوسين في " ر " فقط.

(3) قال تعالى: (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) التوبة: 26، وقال تعالى: (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) " الفتح: 26 ".

(4) واحتج علماء الشيعة أيضا بأن لفظ الصاحب في آية (إذ يقول لصاحبه) لا ينطوي على فضيلة ما فقد استعمل القرآن لفظ صاحب في الكافر، قال تعالى: (قال له صاحبه أكفرت بالذي خلقك من تراب) (الكهف: 37)، بل استعملها في غير العاقل أيضا، لقوله تعالى: (ولا تكن كصاحب الحوت) " القلم:

48 ".

(5) الليل: 17.


الصفحة 186
فأبى، فسمع أبو الدحداح فاشتراها (ببستان له)(1) ووهبها للجار، فجعل له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بستانا عوضها في الجنة(2).

وأما قوله تعالى: (سيقول لك المخلفون)(3) فإنه أراد الذين تخلفوا عن الحديبية، والتمس هؤلاء أن يخرجوا إلى غنيمة خيبر، فمنعهم الله بقوله: (قل لن تتبعونا)(4)... الآية، لأنه تعالى جعل غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية، ثم قال (قل للمؤمنين من الأعراب ستدعون)(5) يريد أنه سندعوكم فيما بعد إلى قتال قوم أولي بأس شديد، وقد دعاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى غزوات كثيرة، كمؤتة وحنين وتبوك وغيرها، وكان الداعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(6).

وأيضا جاز أن يكون عليا عليه السلام، حيث قتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وكان رجوعهم إلى طاعته إسلاما لقوله: " يا علي حربك حربي "(7) وحرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفر.

____________

(1) ما بين القوسين ليس في " ر ".

(2) أسباب النزول للواحدي: 299 - 300 ذيل الآية، وأخرج السيوطي في الدر المنثور 6: 257 ذيل الآية ولم يذكر اسم أبي الدحداح.

(3) الفتح: 11.

(4) الفتح: 15.

(5) الفتح: 16.

(17) تفسير الدر المنثور 6: 62، أخرج عدة أحاديث عن عبد بن حميد عن جويبر، وعن عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن مجاهد، وعن عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة.

وقد أعقبتها آية (بل ظننتم أن لين ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا) الفتح: 12.

(7) ينابيع المودة 1: 171 / 172 / الباب 7 - الحديث 19 مفصلا، وأخرج ابن المغازلي في المناقب: 63 - 64 / الحديث 90 عن أبي هريرة، قال: أبصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فقال: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم، وأخرج الكنجي الشافعي في الكفاية: 330 / الباب 73 عن زيد بن أرقم: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين، أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم.

وقال هكذا رواه الترمذي في جامعه كما أخرجناه سواء، وأخرج في ص 331 عن زيد بن أرقم بطريق آخر بنفس اللفظ، وأخرج في نفس الصفحة عن أبي هريرة، قال: نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم.


الصفحة 187
وأما كونه أنيسه في العريش يوم بدر فلا فضل فيه، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أنسه بالله تعالى مغنيا له عن كل أنيس، لكن لما عرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أمره لأبي بكر بالقتال يؤدي إلى فساد الحال، حيث هرب عدة مرات في غزواته(1). فأيما أفضل القاعد عن القتال أو المجاهد بنفسه وماله في سبيل الله؟(2).

وأما إنفاقه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكذب، لأنه لم يكن ذا مال، فإن أباه كان فقيرا في الغاية، وكان ينادي على مائدة عبد الله بن جدعان بمد في كل يوم يقتات به. فلو كان أبو بكر غنيا لكفى أباه.

وكان أبو بكر في الجاهلية معلما للصبيان، وفي الإسلام كان خياطا.

ولما ولي أمر المسلمين منعه الناس من الخياطة، فقال: إني أحتاج إلى القوت! فجعلوا له في كل يوم ثلاثة دراهم من بيت المال، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قبل الهجرة غنيا بمال خديجة، ولم يحتج إلى الحرب وتجهيز الجيوش، وبعد الهجرة لم يكن لأبي بكر شئ البتة (على حال

____________

(1) قال العلامة الأميني في الغدير 7: 200 بعد ذكر فرار أبي بكر وعمر يوم خيبر وذكر من أخرجه، ويعرب عن فرارهما يوم ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما فرا: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه ليس بفرار، وفي لفظ: كرار غير فرار... وقال ابن أبي الحديد المعتزلي فيما يعزى إليه من القصيدة العلوية:


وما أنس لا أنس الذين تقدماوفرهما والفر قد علما حوب
وللراية العظمى وقد ذهبا بهاملابس ذل فوقها وجلابيب

إلى أن يقول:


عذرتكما إن الحمام لمبغضوإن بقاء النفس للنفس محبوب
ليكره طعم الموت والموت طالبفكيف يلذ الموت والموت مطلوب؟

ثم تحدث عن حديث العريش مفصلا وأورد كلمة للإسكافي في رد الجاحظ.

(2) قال تعالى: (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) وقال تعالى: (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة).


الصفحة 188
من الأحوال)(1).

ثم لو أنفق لوجب أن ينزل فيه قرآن كما نزل في علي عليه السلام (هل أتى)، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أشرف من الذين تصدق عليهم أمير المؤمنين عليه السلام، والمال الذي يدعون إنفاقه كان أكثر، فحيث لم ينزل شئ دل على كذب النقل.

وأما تقدمه في الصلاة فخطأ، لأن بلالا لما أذن بالصلاة أمرت عائشة أن يقدم أبو بكر، فلما أفاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع التكبير، فقال: من يصلي بالناس؟ فقالوا أبو بكر، فقال: أخرجوني!

فخرج بين علي عليه السلام والعباس، فنحاه عن القبلة وعزله عن الصلاة وتولى هو الصلاة.

فهذا حال أدلة هؤلاء، فلينظر العاقل بعين الإنصاف ويقصد طلب الحق دون اتباع الهوى، ويترك تقليد الآباء والأجداد، فقد نهى الله تعالى في كتابه عن ذلك، ولا تلهيه الدنيا عن إيصال الحق إلى مستحقه، ولا يمنع المستحق عن حقه فهذا آخر ما أردنا إثباته في هذه المقدمة والله الموفق للصواب.

فرغت من تسويده في جمادى الأولى من سنة تسع وسبعمائة بناحية خراسان، وكتب حسن بن يوسف المطهر مصنف الكتاب، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

____________

(1) ما بين القوسين ليس في " ر ". أورد ابن عبد البر في الإستيعاب 2: 254 في ترجمة أبي بكر قال: لما بويع لأبي بكر جاء أبو سفيان بن حرب إلى علي، فقال: غلبكم على هذا الأمر أرذل بيت في قريش. وفي لسان العرب 5: 198 رذل: الرذل والرذيل والأرذل: الدون من الناس، وقيل: الدون في منظره وحالاته... وقوله عز وجل:

(واتبعك الأرذلون) قاله قوم نوح له. قال الرجاج: نسبوهم إلى الحياكة والحجامة.