الفصل الثاني
أكاذيب وافتراءات على الشيعة الاِمامية
المبحث الاَول: مفتريات حول تحريف القرآن الكريم.
المبحث الثاني: البداء وعلم الله تعالى.
المبحث الاَول
مفتريات حول تحريف القرآن الكريم
كلمة موجزة عن كتب الحديث عند الفريقين
اِعلم ـ أخي المسلم ـ أنَّ كتب الحديث الاَساسية عند الشيعة هي أربعة كتب، أولها الكافي لثقة الاِسلام الكليني (ت 329 هـ)، ثم كتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق (ت 381 هـ) ثم الاستبصار والتهذيب وكلاهما للشيخ الطوسي (ت 460 هـ)، وقد سميت هذه الكتب بالاُصول الاَربعة.
والشيعة لا تنظر لاَيِّ منها على أنَّه أصحُّ كتاب بعد كتاب الله عز وجل، بخلاف ما يراه العامّة في صحيحي البخاري ومسلم كما يبدو من تتبع أقوالهم قديماً وحديثاً، ويكفي تسميتهم لها بـ (الصحاح) ! ناهيك عن غلوهم بالصحيحين.
فالذهبي مثلاً، والسرخسي، وابن تيمية، وابن الصلاح قد صرّحوا بأنّ ما في الصحيحين يفيد القطع، ذكر هذا الكشميري في فيض الباري على صحيح البخاري تحت عنوان: (القول الفصل في أنَّ خبر الصحيحين يفيد
ونجد ابن خلدون يصرح في تاريخه بأنَّ الاِجماع قد اتّصل في الاُمّة على تلقي الصحيحين بالقبول والعمل بما فيهما، ثم قال: «وفي الاِجماع أعظم حماية، وأعظم دفع» (2)يريد بهذا دفع أي قول بخلاف هذا باجماع العامّة !
وفي عمدة القاري (اتّفق علماء الشرق والغرب (يعني: علماء العامّة) على أنّه ليس بعد كتاب الله تعالى أصحّ من صحيحي البخاري ومسلم) (3)
ومن راجع مقدمة فتح الباري (4)، وعمدة القاري (5)، وإرشاد الساري(6)ٍ، ووفيات الاعيان (7)، وصحيح مسلم وكشف الظنون (9)ج سيجد فيها اتفاق علماء العامّة على ذلك، بل والاكثر من هذا أنّه اتفق مترجمو البخاري وشارحو كتابه على أنّه قال: أخرجت هذا الكتاب من مائتي ألف حديث صحيح وما تركته من الصحيح أكثر..!!
وفي مقابل هذا نجد الشيعة قديماً وحديثاً قد وقفوا موقفاً معتدلاً من
____________
(1) فيض الباري، للكشميري الديوبندي 1: 57.
(2) تاريخ ابن خلدون 1: 556 الفصل | 52.
(3) عمدة القاري شرح صحيح البخاري، للعيني 1: 5.
(4) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني: 381 من المقدمة.
(5) عمدة القاري شرح صحيح البخاري 1: 8 و 45.
(6) ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري، القسطلاني 1: 29.
(7) وفيات الاَعيان، لابن خلّكان 4: 208.
(8) صحيح مسلم بشرح النووي، النووي الشافعي 1: 19 من المقدمة.
(9) كشف الظنون، لحاجي خليفة 1: 641.
فقد بينوا موقفهم الصريح المتحرر من قيود التعصب إزاء روايات الكافي وغيره من كتبهم الحديثية، ولم يَغْلُ واحد منهم في أيٍّ منها ويُسَمِّها بغير اسمها، إذ لا يوجد في قاموس الشيعة كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه غير كتاب الله العزيز وكفى، ولم يدّع أحد بأنَّ أخبار الكافي تفيد القطع، ولا الاِجماع على صحة جميع ما فيه، اللّهم إلاّ إذا استثنينا ما ذهب إليه الاَخباريون كالاَسترابادي الذي رام أن يجعل أحاديث الكافي قطعيّة الصدور لما اعتمده من قرائن لا تنهض بذلك باتفاق من عاصره وتأخر عنه، ويكفي أنّه قد أنكر عليه هذا خاتمة
____________
(1) من لايحضره الفقيه 4: 151 | 523 ـ 524.
(2) من لايحضره الفقيه 2: 55 | 241.
(3) جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية: 19 و 20 و 21 و 22.
(4) جوابات المسائل الرسيّة: 331.
(5) جوابات المسائل الطرابلسيات الثالثة: 410 و 411 و 419.
(6) جوابات المسائل الطرابلسيات الثالثة، للشريف المرتضى: 211.
(7) جوابات المسائل التبّانيّات، للشريف المرتضى: 21.
هذا، والكليني قدس سره لم يصرّح بصحة أحاديث الكافي، كما صرّح البخاري بصحة جميع أحاديث كتابه، وتابعه على ذلك أهل العامّة حتى صرّحوا بإجماعهم عليه كما مرَّ.
أكاذيب حول كتاب الكافي بشأن شبهة التحريف
فإذا علمت هذا، فاعلم أنّه قد زعم بعضهم سكوت الشيعة المعاصرين عن أخطاء علمائهم السابقين، بل ومحاولة الدفاع عن تلك الاَخطاء التي توجب الكفر كروايات شبهة التحريف في كتاب الكافي للشيخ الكليني، متسائلاً: أهنالك مجال للشك في تكفير من يروي التحريف، والله تعالى يقول: (إنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وإنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (2)؟
رد هذه الاكاذيب ومعالجة تلك الشبهة
أقول: إنّ تدارك الخطأ ـ مالم يكن عن عَمْدٍ ـ في أيِّ كتاب من كتب التراث عند جميع المسلمين بشتى مذاهبهم لا يتم بتكفير مؤلفه، وإنّما يُكتفى في ذلك بالتنبيه على الخطأ لكي يُجتنب.
وأمّا لو كان ذلك الخطأ عن عَمْدٍ من مؤلفه، فالاَمر مختلف، كلٌ بحسب نوعية الخطأ وحجمه ومقدار تأثيره، وفي كل ذلك تفصيل.
فلو فُرِضَ أنَّ ذلك الخطأ مما يستلزم الردّة، وعَلِمَ صاحبُه بهذا وأصرَّ
____________
(1) مستدرك الوسائل، للعلاّمة النوري 3: 533، في الفائدة الرابعة من الخاتمة.
(2) الحجر 15: 9.
هل كان عن فطرة، حتى يقتل من دون استتابة ؟؛ لحديث: من بدّل دينه فاقتلوه.
أم عن ملة فيستتاب ؟ فإنْ تاب فهو، وإلاّ فالقتل بعد اليأس منه.
وعلى أية حال فإنَّ من يزعم نفي الشكّ في تكفير العلماء لمجرد فرض تحقق قولهم بشبهة تحريف القرآن الكريم، قد أثبت لنا جهله بما لا مزيد عليه، فهو لم يكن له سابق عهد لا بالقرآن الكريم، ولا بفقه المسلمين، ولا بكتب الحديث، ولا بسيرة أرباب المذاهب وعلماء الاِسلام في التعامل مع الفرض المذكور، فلا جرم عليه إذن فيما زعم، للاَصل المذكور، أعني: حديث رفع التسعة، ومنها (ما لايعلمون).
____________
(1) كتاب التوحيد، للصدوق: 353 | 24. والخصال 2: 417 | 9 باب التسعة. ومن لايحضره الفقيه 1: 36 | 132 باب 14. والوسائل 15: 369 | 20769 باب 65 من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
وقد صرّح فقهاء العامة ومفسروهم بان الاكراه إذا وقع على فروع الشريعة لا يؤاخذ المكره بشيء محتجين بحديث الرفع كابن العربي في أحكام القرآن 3: 1177 | 1182 وغيره.
يا ضربةً من تقيٍّ ما أراد بهاالا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
في حين نرى من يدافع عنه من الطرف الآخر وينقل عن العجلي وغيره توثيقه(1)!!!
فاين ذهب الاِنصاف يا ترى ؟! وما عدا مما بدا ؟! ومَنِ السّاكت على الباطل والمدافع عنه منا ؟
ما بال عينك لا ترى أقذائهاوترى الخفيّ من القذى بجفوني
مناقشة أصل الشبهة واثبات تهافت حججهم
هذا، وأمّا إذا عدنا إلى أصل الشّبهة فإنّا لا نجد ما يدلّ عليها في كتاب الكافي على نحو يقطع به على ترسّخ مقولة التحريف عند الكليني، ويشهد لذلك أنّ المستدلين على أن مذهب ثقة الاِسلام هو التحريف قد
____________
(1) مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 432.
الحجة الاُولى: رواية الكليني لروايات التحريف
زعم مثيروا هذه الشبهة أنّ الكليني روى روايات في هذا المعنى ولم يتعرض لقدحها.
مناقشة الحجة الاُولى:
اعلم ان جواب حجتهم الاُولى يكون من الكافي نفسه، مع التنبيه بأنا لا نسلّم بأنَّ الكليني قدس سره روى صريحا في هذا المعنى إلاّ في رواية واحدة (اشتبه النسّاخ فيها) ذكرها في باب أطلق عليه اسم (النوادر)، وأما ما عداها فلا دليل على أنه مسوق في دائرة التحريف، وإليك التفصيل:
أما الرواية التي شُنَّع بها على الكافي والشيعة أيضاً
فهي ما ورد في باب النوادر من اُصول الكافي 2: 463 | 28 بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: إنَّ القرآن الذي جاء به جبرئيل عليه السلام إلى محمّد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية.
وبغض النظر عن مناقشة سند الرواية، فإنّها لم تخرج إلاّ من طريق واحد وفي الكافي فقط دون جميع كتب الحديث الشيعية، فهي إذن من أخبار الآحاد. كما أنها مخرّجة في باب النوادر، والنادر هو الشاذ الذي لا عمل عليه، وقد ورد تصريح الاِمام الصادق عليه السلام وفي الكافي نفسه بترك الشاذ الذي ليس بمشهور، والاَخذ بالمجمع عليه؛ لاَن المجمع عليه لا ريب فيه (1)ظ.. وهذا يعني أنَّ الكليني؛ كان على بيّنة تامة من شذوذ تلك
____________
(1) اُصول الكافي 1: 68 | 10 باب اختلاف الحديث.
فاذا ضُمّ هذا إلى ما تقدم من عدم وجود القائل بقطعية صدور أخبار الكافي، وعدم تصريح الكليني ولا شهادته بصحة جميع ما في كتابه، مع ما ذكره من قواعد تمييز الخبر الصحيح من غيره في باب كامل من أبواب أصول الكافي، ذكر فيه اثني عشر حديثاً بمعرفة تلك القواعد (1)، وأولاها الاَخذ بما وافق شواهد الكتاب العزيز، والسُنّة الثابتة. عُلِمَ حقيقة موقف الكليني من أخبار الآحاد النّادرة الشّاذة التي لم تعتضد بقرينة عقلية أو نقلية مع مخالفتها لاجماع الشيعة الاِمامية على نفي التحريف عن ساحة القرآن الكريم نفياً باتاً كما هو صريح كلام الشيخ الصدوق (ت 381 هـ)، والشيخ المفيد (ت 413 هـ)، والسيد المرتضى (ت436هـ)، والشيخ الطوسي (ت 460 هـ)، وغيرهم الكثير من أعلام الطائفة وشيوخها كما استقرأه العلاّمة السيّد عليّ الميلاني في كتابه (التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف) (2).
ولكن قد يقال: بأنه إذا كان رأي الكليني كما ذكرتم إزاء هذا الخبر فلماذا رواه اذن ؟! وهل هنالك من فائدة في رواية خبر مكذوب مثلاً؟!
____________
(1) اُصول الكافي 1: 55 | 1 ـ 12.
(2) وقد سبق وان أصدر مركزنا كتاباً بعنوان (سلامة القرآن من التحريف) وفيه جملة وافية لمن أراد الوقوف على معرفة أدلة الشيعة الاِمامية على نفي التحريف عن القرآن الكريم واثبات سلامته بأدلة شتى من القرآن الكريم والسُنّة المتواترة وسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أهل البيت عليهم السلام والاجماع والعقل والتاريخ.
ومما يدلّ على ذلك هو نقل علماء الشيعة، وبعض العامّة لهذه الرواية بالذات عن الكافي سنداً ومتناً وبلفظ (سبعة آلاف آية).
وهذا صريح بوقوع الاختلاف في نسخ الكافي بخصوص هذا المورد وفي تلك العبارة بالذات، ومع اختلاف نسخ الكافي بخصوص المورد المذكور يسقط الاحتجاج بما هو مخالف لمبنى الكليني؛ في ترك الشاذ النادر الذي ليس بمشهور والاخذ بالمجمع عليه كما مرّ بتصريح الكليني نفسه.
وأما من نقل العدد (سبعة آلاف آية) عن الكافي فهم:
1 ـ المحقق الفيض الكاشاني (ت 1041 هـ) (1).
2 ـ موسى جار الله التركستاني (ت 1369 هـ) (2).
3 ـ عبد الله بن عليّ القصيمي الوهابي (3).
____________
(1) صيانة القرآن من التحريف، لمحمّد هادي معرفة: 223.
(2) الوشيعة في نقد عقائد الشيعة: 23.
(3) الصراع بين الاِسلام والوثنية: 71.
5 ـ الدكتور الوهابي أحمد محمّد أحمد جلي (2).
6 ـ إحسان إلهي ظهير (3).
وإذا تقرر هذا لاستحالة اتفاق هؤلاء ـ وهم من أقطار شتى ـ على شيء لصالح الكافي وفيهم من هو رافع عقيرته للتشنيع على مؤلفه ومذهبه، فأعلم أنَّ ظاهر العدد (سبعة آلاف آية) ليس مسوقاً لغرض الاِحصاء المنطبق مع عدد الآي، بل جاء ذلك من باب إطلاق العدد التّام المتناسب مع الواقع بعد حذف الكسور أو تتميمها كما هي العادة والمتعارف في الاستعمال من باب التسامح بعدم تعلق الغرض بذكر الكسر الناقص أو الزائد، إذ المعلوم أن عدد آيات القرآن الكريم لا يبلغ السبعة آلآف آية وإنّما هو (6236) آية (4).
وهذا نظير ما اشتهر في الرواية من أن الاِمام زين العابدين عليه السلام لم يزل باكياً بعد شهادة أبيه الحسين عليه السلام أربعين سنة، مع أنّ الاِمام زين العابدين عليه السلام لم يعش بعد واقعة كربلاء أكثر من خمس وثلاثين سنة بالاتفاق.
وهذا بخلاف مالو أريد التصريح بالعدد المطابق للواقع كما في روايات
____________
(1) الاِمام الصادق: 323.
(2) دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين: 228.
(3) الشيعة والقرآن: 31.
(4) هذا بحسب ما أحصيناه من آيات المصحف الشريف.
نظائر رواية الكافي في كتب العامّة
أخرج السجستاني عن يحيى بن آدم أنّه قال عن أسباع القرآن: إنَّ السُّبعَ الاَوْل (547) آية، والسبع الثاني (590) آية، والسبع الثالث (651) آية، والسبع الرابع (953) آية، والسبع الخامس (868) آية، والسبع السادس (986) آية، والسبع الآخِر (1624) آية.
قال في المصاحف بعد أن أخرج ذلك عن يحيى بن آدم: «فجميع آي القرآن ستة آلآف آية ومائتا آية وتسع وعشرون، في الجملة نقصان ثلاثون آية خطأ في الحساب» (1).
أقول: العدد ليس كما ذكره، إذ حاصل مجموع الآيات في هذه الاَسباع هو (6219) آية، ومع إضافة الثلاثين آية إلى هذا العدد يكون الناتج: (6249) آية، وأما مع إضافة الثلاثين إلى العدد الذي ذكره السجستاني سيكون المجموع (6259) آية، هذا في صورة فرض التحريف في العدد الاَول سهواً من الناسخ، ولا يخفى أنَّ تلك الاَعداد برمتها لا تنطبق مع الواقع على الرغم من إرادة الانطباق بدليل ذكر الكسور. والموجود في المصحف الشريف بحسب النسخة المطبوعة بمجمع الملك فهد بن عبد العزيز بالمدينة المنورة لسنة (1414 هـ) هو: (6236) آية. ولا شك ان هذا الفارق له أثره؛ لان المراد من إحصائهم لآيات القرآن الكريم بحسب الاَسباع ليس هو العدد النسبي المقارب لآيات المصحف، وإنّما أرادوا
____________
(1) المصاحف، للسجستاني: 134.
على أن مشكلة إحصاء العامّة لِمَا في القرآن الكريم من سور أو آيات لم تقف عند هذا الحد كما سيتضح من رواياتهم:
فعن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: «كانت سورة الاَحزاب تُقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مائتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاَّ ما هو الآن» (1)ل.
وعن زر بن حبيش قال: «قال لي أبيُّ بن كعب: كم تقدّرون سورة الاَحزاب؟ قلت: إمّا ثلاثاً وسبعين آية، أو أربعاً وسبعين آية. قال: إنْ كانت لتقارن سورة البقرة، أوْلهيَ أطول منها» !!
قال ابن حزم في المحلّى عن إسناد هذه الرواية: «هذا إسناد صحيح لا مغمز فيه» (2)اًن !!
وإذا ما علمت أنّ في سورة البقرة (286) آية، وفي الاَحزاب (73) آية فإنّه سيكون المقدار الناقص من آياتها بموجب هذه الرواية (صحيحة الاسناد !!) هو (213) آية أو أكثر من ذلك «أو لهي أطول منها» أمّا مقداره في قول عائشة فهو (127) آية، بينما نجد ابن حبّان في صحيحه يروي عن أبيُّ بن كعب بأن سورة الاَحزاب توازي سورة النور (3)، وسورة النور (64) آية.
____________
(1) الدر المنثور، للسيوطي 5: 180. والاتقان في علوم القرآن، للسيوطي 3: 82.
(2) المحلّى، لابن حزم 11: 234 مسألة 2204. والاتقان 3: 82. ومعالم التنزيل 1: 136. وفواتح الرحموت 2: 73.
(3) البرهان في علوم القرآن، للزركشي 2: 41 ـ 42.
على أنّ ما قدمناه أهون بكثير من إحصاء عمر بن الخطاب لحروف القرآن الكريم كما في رواية الطبراني، وقد شهد على ذلك السيوطي في الاِتقان، وإليك نص ما نسبه إلى عمر من أنَّه قال:
«القرآن ألف ألف حرف، من قرأه صابراً محتسباً كان له بكل حرف زوجة من الحور العين» (2).
وهنا لابدّ من وقفة قصيرة فنقول:
إنّ المنقول في احصاء حروف القرآن هو:
عن ابن مسعود: (322670) حرفاً.
وعن ابن عباس قولان:
أحدهما: (323621) حرفاً.
والآخر: (323670) حرفاً.
وعن مجاهد: (320621) حرفاً.
____________
(1) صحيح مسلم 2: 726 | 1050. والبرهان في علوم القرآن 1: 43. والدر المنثور 8: 587.
(2) الاتقان في علوم القرآن: 242 ـ 243 نقله عن الطبراني.
وعن عبد العزيز بن عبدالله: (321200) حرفاً.
وعن غير هؤلاء (321000) حرفاً.
وكلّ هذه الاستقراءات ذكرها الفقيه أبو الليث نصر بن محمّد السمرقندي الحنفي في كتابه بستان العارفين (1).
بيد أنّ المنقول عن أكثر القراء هو: (323671) حرفاً.
ولكنّ الاحصاء الكومبيوتري يشير إلى أن عدد حروف القرآن الكريم يساوي (330733) حرفاً، ومنه يعلم عدم مطابقة استقراءات العامّة باجمعها لواقع حروف القرآن الكريم.
وقد مرَّ عن عمر بأنَّ حروف القرآن مليون حرف. ومع مقارنة هذا العدد مع أي عدد آخر مما ذكرنا يكون الناقص من حروف القرآن الكريم ـبموجب هذه الرواية العاميّة الخبيثة ـ يزيد على ضعفي القرآن الكريم.
هذا ما علمته عن رواية الكافي في باب النوادر، والغرض منها حقيقة وواقعاً يختلف اختلافاً كلياً بالقياس إلى ما سمعته من الاستقراءات الباطلة بأجمعها.
____________
(1) بستان العارفين، مطبوع بذيل كتاب تنبيه الغافلين في الموعظة بأحاديث سيد الانبياء والمرسلين، وكلاهما لاَبي الليث الفقيه السمرقندي الحنفي: 457 الباب 149.
(2) الكهف 18: 5.
عودة إلى بعض روايات الكافي
هذا وأمّا ما قيل في حجتهم الاُولى بزعمهم أنّ في الكافي روايات كثيرة بهذا المعنى (أي التحريف)، فهو قول باطل؛ لاَنّ جميع الروايات الاُخرى لا دلالة فيها على المدّعى، ولكنها لم تفهم دلالتها كما ينبغي، فهي إمّا بخصوص اختلاف القراءة القرآنية، او زيادة توضيحية، أو تأويل النص أو تفسيره كما بيّن كلّ في محله بدراسة نقدية تفصيلية لجميع تلك الروايات ومناقشتها سنداً ودلالة (1). وإليك بعضها:
1 ـ روى الكليني بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قرأ رجل على أمير المؤمنين عليه السلام (فَإنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ ولَكِنَّ الظَّالِمينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ)(2)فقال: بلى والله لقد كذبوه أشدّ التكذيب، ولكنها مخففة (لايُكْذِبُونَكَ): لا يأتون بباطل يكذبون به حقك (3).
وقد بين الطبرسي في مجمع البيان أنّ قراءة التخفيف هي قراءة نافع، والكسائي، والاَعشى عن أبي بكر، وأنها قراءة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، وهو المروي عن الصادق عليه السلام، أمّا الباقون فقد قرأوا بفتح الكاف مع التشديد (4)ى. ونظير هذه الرواية في الكافي رواي (ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم) (5)بـ (ذو عدل منكم) (6)وغيرها، ولا يخفى ان هذا
____________
(1) تفصيل ذلك في دفاع عن الكافي، للسيد ثامر العميدي 2: 333 ـ 440.
(2) الاَنعام 6: 33.
(3) روضة الكافي 8: 200 | 241.
(4) مجمع البيان 4: 367.
(5) المائدة 5: 95.
(6) روضة الكافي 8: 205 | 247.
2 ـ وعن أبي جعفر عليه السلام انه قرأ (ولَوْ أنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُون بِهِ (في عليّ) لَكَانَ خَيْراً لَّهُم) (2)، وقد وردت روايات اُخَر فيها التصريح باسم الاِمام عليّ عليه السلام إمّا في وسط الآي، أو في موضع آخَر منها ماروي عن أبي عبد الله عليه السلام: (هَذَا صِرَاطٌ (عليّ) مُستَقِيمٌ) (3).
وهذه الزيادات لا شك ولا شبهة في كونها زيادات توضيحية لا أنها من أصل المصحف الشريف، والدليل على ذلك ما رواه الكليني نفسه من طريقين عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (أطِيعُوا اللهَ وأطِيعُوا الرَّسُول واُوِلي الاَمْرِ مِنكُم) (4)فقال عليه السلام: نزلت في عليٍّ بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام (فقلت له: إنّ الناس يقولون: فماله لم يسمِّ عليّا وأهل بيته عليهم السلام في كتاب الله عز وجل ؟ فقال عليه السلام: قولوا لهم: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي فسر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهماً درهمٌ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ هو الذي فسر ذلك لهم ـ ونزل الحج فلم يقل لهم: طوفوا اسبوعاً
____________
(1) اُنظر مفترياتهم في الشيعة وتحريف القرآن، لمحمّد مال الله: 62. والشيعة والقرآن، لاحسان إلهي ظهير: رقم 291 و 298.
(2) النساء 4: 66. والرواية في اُصول الكافي 1: 345 | 28.
(3) الحجر 15: 41. والرواية في أُصول الكافي 1: 351 | 63.
(4) النساء 4: 59.
ولو كانت تلك الزيادات من أصل المصحف في نظر أهل البيت عليهم السلام لكان الجواب بها أولى من حوالة السائل على ما فسرته السُنّة المطهّرة كما لا يخفى.
3 ـ وعن الاِمام الصادق عليه السلام قال: كان عليّ بن الحسين عليه السلام يقول: (إنَّا أنزَلنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ (صدق الله عزّ وجل انزل الله القرآن في ليلة القدر) وَمَآ أدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا ادري، قال الله عز وجل) لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألفِ شَهرٍ) ليس فيها ليلة القدر (2).
أقول: إنَّ وضوح هذه الزيادات لا يخفى على أحد أنها زيادات ليست من أصل المصحف في عقيدة الكليني وقد ورد نظيرها من الزيادات التوضيحية في صحيحي البخاري ومسلم، من ذلك ما أخرجاه عن ابن عباس، أنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم إذا اُنزِل جبريل بالوحي وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه، فيشتد عليه، وكان يعرف منه فأنزل الله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعجَلَ بِهِ (أخذه) إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ (ان علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه فتقرأه) فَإذَا قَرَأنَاهُ
____________
(1) أُصول الكافي 1: 226 | 1.
(2) أُصول الكافي 1: 193 | 4.
على أنّ السيوطي أخرج في الدر المنثور عن عبدالرزاق، وعبد بن حميد وابن جرير، ومحمّد بن نصر، وابن المنذر؛ عن قتادة في قوله تعالى: (لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألفِ شَهْرٍ) قال: خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر (2)يپ. وأخيراً، فإنّ الكليني نفسه قد أورد سورة القدر كاملة من غير هذه الاِيضاحات بتلاوة الاِمام الصادق عليه السلام (3).
وما يقال عن غير ما ذكرنا هو عين ما يقال هنا فلا حاجة إلى التطويل.
الحجة الثانية: احتجاجهم بعناوين أبواب الكافي
فقد احتجوا بما عنونه الكليني في اُصول الكافي من الاَبواب، ويقصدون بذلك (باب أنّه لم يجمع القرآن كله إلاّ الاَئمة عليهم السلام)، بتقريب أنّ مذاهب العلماء تعلم غالباً من عناوين أبواب كتبهم.
وهذا هو ما تمسك به مثيرو هذه الشبهة حول كتاب الكافي كإحسان إلهي ظهير، ومن سبقه، أو من جاء بعده (4)، ولا حجة ثالثة لهم على مايزعمون فيما استقصيناه وتتبعناه.
____________
(1) القيامة 75: 16 ـ 18. وصحيح مسلم 1: 330 | 147 ـ 148 باب الاستماع إلى القراءة. وصحيح البخاري 6: 240 باب الترتيل في القراءة.
(2) الدر المنثور 8: 568 ـ 569.
(3) روضة الكافي 8: 222 | 280.
(4) الشيعة والقرآن: 73. ورجال الشيعة في الميزان: 167. والشيعة وتحريف القرآن: 64.
ودراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين: 227 وغيرها الكثير من كتب الوهابية وما ذكرناه فهو
نموذج منها.