الصفحة 488

24 - ذهبت الإمامية: إلى أن الإقالة ليست بيعا.

وقال مالك: هي بيع مطلقا.

وقال أبو حنيفة: إنه فسخ في حق المتعاقدين، بيع في حق غيرهما (1).

وقد خالفا قوله: " من أقال نادما في بيع أقاله الله نفسه يوم القيامة " (2).

وإقالة نفسه هي العفو والترك، فيكون إقالة البيع كذلك.

ولأنه لو كانت بيعا لوجب أن تكون إلى المتبايعين، من نقصان الثمن وزيادته، والتأجيل والتعجيل، وليس في الإقالة ذلك إجماعا.

ولأنه لو كانت بيعا لم تصح في السلم، لأن البيع فيه لا يجوز قبل القبض.

ولأن الاجماع واقع على أنه لو باع عبدين، فمات أحدهما صحت الإقالة، فلو كانت بيعا بطلت، لبطلان بيع الميت.

25 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لو خالف إنسان أهل السوق، بزيادة سعر أو نقصانه، لم يعترض له.

وقال مالك: تعين له: إما أن تبيع بسعر السوق، أو تنعزل (3).

وقد خالف المعقول، المنقول:

لأنه مالك، فله البيع كيف شاء.

وقال الله تعالى: " إلا أن تكون تجارة عن تراض بينكم " (4).

ونهى النبي صلى الله عليه وآله عن التسعير (5).

____________

(1) الهداية ج 3 ص 40 والموطأ ج 2 ص 145

(2) سنن ابن ماجة ج 2 ص 741 وسنن أبي داود ج 3 ص 274

(3) الموطأ ج 2 ص 170 والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 204

(4) النساء: 29

(5) سنن النسائي ج 7 ص 255 (ط بيروت) ومنتخب كنز العمال ج 2 ص 237 وسنن ابن ماجة ج 2 ص 742.


الصفحة 489

الفصل السابع: في الحجر وتوابعه

وفيه مسائل:

1 - ذهبت الإمامية: إلى أن استدامة القبض ليست شرطا في الرهن.

وقال أبو حنيفة: إنها شرط (1).. وقد خالف قوله صلى الله عليه وآله: " الرهن محلوب ومركوب " (2)، وليس ذلك للمرتهن إجماعا، فيكون للراهن.

2 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا جعل الرهن على يد عدل لم يكن له بيعه إلا بثمن المثل حالا، ويكون من نقد البلد إذا أطلق له الإذن.

وقال أبو حنيفة: يجوز له بيعه بأقل من ثمن مثله، وبالنسية حتى قال:

لو وكله في بيع ضيعة تساوي مائة ألف دينار، فباعها بدرهم نسية إلى ثلاثين سنة، كان جائزا (3).

وهو خلاف المعقول، والمنقول:

لأن العقل دل على قبح إضرار الغير.

والنقل دل عليه، وهو قوله صلى الله عليه وآله: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام (4).

3 - ذهبت الإمامية: إلى أن الرهن غير مضمون في يد المرتهن.

وقال أبو حنيفة: إنه مضمون (5).. وقد خالف قوله صلى الله عليه وآله:

" لا يغلق الراهن الرهن لصاحبه، له غنمه، وعليه غرمه " (6)، ومعنى

____________

(1) آيات الأحكام ج 1 ض 523 والهداية ج 4 ص 94 وفي بداية المجتهد ج 2 ص 231 رواه عن مالك أيضا.

(2) آيات الأحكام ج 1 ص 532 وسنن ابن ماجة ج 2 ص 816

(3) بداية المجتهد ج 2 ص 232، والهداية ج 4 ص 95 وذكره الفضل في المقام.

(4) رواه ابن الأثير في النهاية، وسنن ابن ماجة ج 2 ص 784، ومسند أحمد ج 5 ص 327

(5) بداية المجتهد ج 2 ص 232 والهداية ج 4 ص 93 و 97

(6) مسند الشافعي ص 389 وسنن ابن ماجة ج 2 ص 816، ومصابيح السنة ج 2 ص 8 ومنتخب كنز العمال ج 2 ص 487.


الصفحة 490
لا يغلق: أي لا يملكه المرتهن.

وقال صلى الله عليه وآله: " الخراج بالضمان " (1)، وخراجه للراهن إجماعا.

4 - ذهبت الإمامية: إلى أن منفعة الرهن للراهن، مثل سكنى الدار، وخدمة العبد، وركوب الدابة، وزراعة الأرض، والثمرة، والصوف، والولد، واللبن.

وقال أبو حنيفة: منفعة الرهن المتصل لا يحصل للراهن ولا المرتهن، والنماء المنفصل يدخل في الرهن.

وقال مالك: يدخل الولد، ولا يدخل الثمرة، لأن الولد نسبة الأصل بخلاف الثمرة (2).

وقد خالفا في ذلك العقل، والنقل:

أما العقل: فإنه بمنع من تعطيل المنفع المباحة.

وأما النقل، فقوله صلى الله عليه وآله: " الرهن مركوب ومحلوب ".

وقوله صلى الله عليه وآله: " له غنمه وعليه غرمه ".

5 - ذهبت الإمامية: إلى سماع البينة على الاعسار.

وقال مالك: لا يجوز، وإن كان الشهود من أهل الخبرة (3).

وقد خالف مقتضى قوله تعالى: " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " (4)، وإنما يحكم بالاعسار بالشهادة كغيره من الحقوق.

____________

(1) سنن ابن ماجة ج 2 ص 754

(2) بداية المجتهد ج 2 ص 231 والفقه على المذاهب ج 2 ص 333، 335

(3) وقد أوضح ما ذهب إليه مالك، فضل بن روزبهان في ذيل هذه المسألة، وراجع أيضا:

أحكام القرآن ج 1 ض 475

(4) البقرة: 280.


الصفحة 491
6 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا ثبت إعساره حكم به الحاكم في الحال وأطلقه.

قال أبو حنيفة: يجبر شهرين (1).. وقد خالف قوله تعالى: " ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ".

7 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا ثبت إعساره وجب تخليته، ولا يجوز للغرماء ملازمته.

وقال أبو حنيفة: يجوز لهم ملازمته، فيمشون معه، ولا يمنعونه من التكسب، فإذا رجع إلى بيته، فإن أذن لهم الدخول معه دخلوا، وإن لم يأذن لهم منعوه من دخوله، وبيتوه خارجا معهم (2).

وقد خالف قوله تعالى: " وإن كان ذو عسرة، فنظرة إلى ميسرة "، وقول النبي صلى الله عليه وآله: " خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك " (3).

8 - ذهبت الإمامية: إلى أن الانبات دليل على البلوغ في حق المسلمين، والمشركين.

وقال أبو حنيفة: ليس دليلا فيهما.

وقال الشافعي: إنه دليل في المشركين خاصة (4).

وقد خالفا المعقول، والمنقول:

فإن سعد بن معاذ حكم في بني قريظة بقتل مقاتليهم، وسبي ذراريهم، وأمر بكشف مؤتزرهم، فمن أنبت فمن المقاتلة، ومن لم ينبت فمن الذراري، فصوبه النبي (5).

____________

(1) آيات الأحكام ج 1 ص 474 و 475 والهداية ج 3 ص 209 وبداية المجتهد ج 2 ص 246.

(2) آيات الأحكام ج 1 ص 474 و 475 والهداية ج 3 ص 209 وبداية المجتهد ج 2 ص 246.

(3) سنن ابن ماجة ج 2 ص 789 ومنتخب كنز العمال ج 2 ص 243 رواه عن عدة من الصحاح والسنن.

(4) تفسير الخازن ج 1 ص 346 وروح المعاني ج 4 ص 182 و 183.

(5) تفسير الخازن ج 1 ص 246 ومسند أحمد ج 4 ص 310 و 383 و ج 5 ص 311.


الصفحة 492
9 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا بلغ غير رشيد لم يدفع إليه ماله، وإن طعن في السن.

قال أبو حنيفة: إذا بلغ خمسا وعشرين سنة زال حجره على كل حال، ولو تصرف في ماله قبل بلوغ خمس وعشرين سنة، صح تصرفه بالبيع والشراء، والإقرار (1).

وقد خالف قوله تعالى: " فإن آنستم منهم رشدا، فادفعوا إليهم أموالهم " (2)، وقوله: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " (3).

ثم ما المقتضي للتخصيص بخمس وعشرين سنة؟.

10 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا بلغت المرأة رشيدة دفع إليها مالها، إن لم يكن لها زوج، وليس لزوجها - لو كان معها - اعتراض.

وقال مالك: إن لم يكن لها زوج لم يدفع إليها مالها، وإن كان لها زوج دفع إليها مالها، لكن لا يجوز لها أن تتصرف فيه إلا بإذن زوجها (4).

وقد خالف قوله تعالى: " فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ".

والعجب أنه أعطى السفيه، ومنع الرشيد..

11 - ذهبت الإمامية: إلى أن الصبي إذا بلغ رشيدا يدفع إليه ماله، ثم إن بذر وضيع في المعاصي حجر عليه.

وقال أبو حنيفة: لا يحجر عليه، وتصرفه نافذ في ماله (5).

وهو خلاف قوله تعالى: " فإن كان الذي عليه الحق سفيها، أو

____________

(1) التفسير الكبير ج 9 ص 189 وآيات الأحكام ج 1 ص 489

(2) البقرة: 282

(3) النساء: 5

(4) تفسير الخازن ج 1 ص 346

(5) الفقه على المذاهب ج 2 ص 369 وبداية المجتهد ج 2 ص 234 والهداية ج 3 ص 205 والتفسير الكبير ج 9 ص 189.


الصفحة 493
ضعيفا "، أي صغيرا أو كبيرا، " ولا يستطيع أن يمل هو " (1)، أي مغلوبا على عقله، وقوله تعالى: " لا تؤتوا السفهاء أموالكم "، وقال تعالى: " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " (2)، ذم المبذر، فوجب المنع منه، وإنما يمتنع بالمنع من التصرف.

وقال صلى الله عليه وآله: " اقبضوا على أيدي سفهائكم " (3).

12 - ذهبت الإمامية: إلى جواز الصلح على الاقرار والانكار، وقال الشافعي: لا يجوز على الانكار (4).

وقد خالف قوله تعالى: " والصلح خير " (5). وقوله صلى الله عليه وآله:

" الصلح جائز بين المسلمين " (6)، وهو عام فيهما.

13 - ذهبت الإمامية: إلى أن الحائط المشترك بين اثنين، ليس لأحدهما إدخال خشبة خفيفة فيها لا يضر فيه إلا بأذن صاحبه.

وقال مالك: يجوز (7). وهو مخالف قوله صلى الله عليه وآله: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه (8).

14 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يجب على الشريك إجابة شريكه إلى عمارة المشترك من حائط ودولاب، وغير ذلك.

وقال الشافعي، ومالك: يجب، ويجبر عليه (9). وقد خالفا العقل، والنقل:

____________

(1) البقرة: 282

(2) الإسراء: 27

(3) جامع الصغير ج 1 ص 92 كنوز الحقائق ج 1 ص 122.

(4) الأم للشافعي ج 3 ص 221 ومختصر المزني ص 106

(5) النساء: 128

(6) مختصر المزني، عن الشافعي ص 105 والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 221 وقال: رواه الترمذي، وأبو داود، والبخاري.

(7) الفقه على المذاهب ج 2 ص 71

(8) التفسير الكبير ج 10 ص 232

(9) الفقه على المذاهب ج 2 ص 69 و 70 وينابيع الأحكام.


الصفحة 494
فإن الإنسان لا يجب عليه عمارة ملكه، ولا ملك غيره، فبأي وجه تجب عليه العمارة.

وقال صلى الله عليه وآله: " الناس مسلطون على أموالهم ".

15 - ذهبت الإمامية: إلى أن الضمان ناقل الدين، وإن المضمون عنه برئ.

وقال الفقهاء الأربعة: لا يبرأ (1). وقد خالفوا قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي (ع)، لما ضمن الدرهمين عن الميت: " جزاك الله عن الإسلام خيرا، وفك رهانك كما فككت رهان أخيك (2)، فدل على انتقال الدين من ذمة الميت.

وقال لأبي قتادة، لما ضمن الدينارين: هما عليك، والميت منهما برئ. قال: نعم (3). فدل على ذمة المضمون عنه.

16 - ذهبت الإمامية: إلى أن ضمان المتبرع لا يرجع به.

وقال مالك، وأحمد: يرجع به عليه.. وخالفا في ذلك قوله صلى الله عليه وآله:

" والميت منهما برئ ".

ولو كان الدين باقيا لم يبق فائدة في الضمان عن الميت.

17 - ذهبت الإمامية: إلى جواز ضمان مال الجعالة بعد الفعل.

وقال الشافعي: لا يجوز (4). وقد خالف في ذلك قوله تعالى: " ولمن

____________

(1) الأم للشافعي ج 3 ص 229 و 230 وبداية المجتهد ج 2 ص 248 والفقه على المذاهب ج 3 ص 221 و 224 و 245 و 247

(2) مسند أحمد ج 5 ص 304 و 311 وفي أعلام الموقعين ج 2 ص 420 قال: رواه النسائي بإسناد صحيح.

(3) الفقه على المذاهب ج 3 ص 227 وص 247 وصححه فضل بن روزبهان في ذيل هذه المسألة.

(4) لأن الشافعي لا يرى الجعالة صحيحة في أحد قوليه، حتى قال بالضمان فيها، راجع:

بداية المجتهد ج 2 ص 196.


الصفحة 495
جاء به حمل بعير، وأنا به زعيم " (1).

وقوله صلى الله عليه وآله: " الزعيم غارم " (2) وهو عام.

18 - ذهبت الإمامية: إلى أن الموكل يطالب بثمن من باعه وكيله.

ومنع أبو حنيفة منه. وهو مخالف للمعقول، والمنقول:

لدلالة العقل على تسلط الإنسان على استخلاص ما يملكه من يد الغير.

وقال صلى الله عليه وآله: " الناس مسلطون على أموالهم " (3).

19 - ذهبت الإمامية: إلى أن إطلاق الوكالة بالبيع يقتضي البيع نقدا، بنقد البلد، بثمن المثبت.

وقال أبو حنيفة: لا يقتضي ذلك، بل للوكيل أن يبيع ما يساوي مائة ألف بدرهم واحد إلى ألف سنة (4).

وقد خالف في ذلك العقل، والنقل:

فإن الإنسان إنما يرضى على نقل ملكه بعوض، إذا كان العوض مساويا للملك.

وقال النبي صلى الله عليه وآله: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام (5).

20 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يصح إبراء الوكيل من دون إذن الموكل.

وقال أبو حنيفة: إنه يجوز (6).. وقد خالف العقل، والنقل:

____________

(1) يوسف: 72

(2) التفسير الكبير ج 18 ص 180 والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 228

(3) الفقه على المذاهب ج 3 ص 192

(4) بداية المجتهد ج 2 ص 254 وأوضحه الفضل في ذيل هذه المسألة، فراجع.

(5) وقد تقدم منا جملة من مصادره، فراجع إلى ص 489.

(6) وقال الفضل: وهذا يصح عند أبي حنيفة، فله الابراء، وليس هذا تصرفا في مال الغير بغير إذنه، فراجع، واضحك على استدلاله.


الصفحة 496
فإن الابراء تصرف في مال الغير بغير إذنه، فيكون قبيحا باطلا.

ولأن الابراء تابع للملك، وهو منفي عن الوكيل.

وقال الله تعالى: " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، إلا أن تكون تجارة عن تراض " (1).

21 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا وكله في شراء، فاشترى، وقع للموكل.

وقال أبو حنيفة: يقع للوكيل، ثم ينتقل إلى الموكل (2).

وقد خالف العقل، والنقل:

فإن العقل يقتضي استصحاب الملك حتى يزيله بسبب ناقل، فلو دخل في ملك الوكيل لافتقر إلى ناقل.

22 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا وكل مسلم ذميا في شراء الخمر، لم يصح الوكالة، فإن ابتاع الذمي له لم يصح البيع.

وقال أبو حنيفة: يصح التوكيل، ويصح البيع، وعنده أن المسلم لا يملك الخمر إذا تولى الشراء بنفسه، ولا يصح ذلك، ويملكه بشراء وكيله الذمي (3).

وقد خالف في ذلك النقل المتواتر من القرآن، والسنة:

قوله تعالى: " إنما الخمر " إلى أن قال: " رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " (4)، وهو مستلزم تحريم أنواع التصرفات.

وقال صلى الله عليه وآله: إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه " (5).

____________

(1) النساء: 29

(2) الهداية ج 3 ص 101 وبداية المجتهد ج 2 ص 254

(3) الفقه على المذاهب ج 2 ص 224 و ج 3 ص 171 والهداية ج 2 ص 32 و 36

(4) المائدة: 90

(5) منتخب كنز العمال ج 2 ص 232 رواه عن أحمد وأبي داود، وسنن ابن ماجة ج 2 ص 112.


الصفحة 497
ولعن رسول الله صلى الله عليه وآله في الخمر عشرة، من جملتها البائع (1)، ولا فرق بين الوكيل والموكل.

23 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لو وكله في بيع فاسد لم يملك البيع الصحيح.

وقال أبو حنيفة: يملك الصحيح " (2).

وقد خالف في ذلك مقتضى العقل، والنقل:

فإن الوكالة إنما تضمنت الفاسد فالصحيح لم يوكله فيه، وكما لا يجوز أن يبيع مال الأجنبي، كذا ليس لهذا الوكيل بيع هذا المال لأنه أجنبي فيه.

حيث لم يتناوله عقد الوكالة.

وقال الله تعالى: " إلا أن تكون تجارة عن تراض " (3).

24 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يصح توكيل الصبي، فلو عقد عن غيره لم يقع.

وقال أبو حنيفة: يصح أن يكون وكيلا إذا كان يعقل ما تقول (4).

وقد خالف قوله صلى الله عليه وآله: " رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم " (5)، ورفع القلم يستلزم أن لا يكون لكلامه حكم.

25 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا قال له: عندي أكثر من مال فلان، ألزم بقدر مال فلان، وزيادة ما قال.

____________

(1) الدر المنثور ج 2 ص 322 وتفسير الخازن ج 1 ص 157 ومنتخب كنز العمال ج 2 ص 233

(2) أقول: كما ذكره الفضل من: أن أبا حنيفة لا يرى تفاوتا بين الصحيح والفاسد في ترتب الأثر، فيتكلف في مسألة الوكالة بما ذكره. (راجع الهداية ج 2 ص 36).

(3) النساء: 29

(4) الهداية ج 3 ص 100 والفقه على المذاهب ج 3 ص 168

(5) أنظر إلى ما سبق منا.


الصفحة 498
وقال الشافعي: لا يجب الزيادة (1).

وقد خالف قوله صلى الله عليه وآله: " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز " (2)، فقد أقر بالأكثر، فلا يقع لاغيا.

26 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا قال له: علي ألف درهم، وألف عبد، رجع في تفسير الألف إليه.

وقال أبو حنيفة: يرجع في تفسير الألف إليه، إن كان من المعطوف إليه، من غير المكيل والموزون، وإن كان منهما كان المعطوف تفسيرا، مثل الدرهم، فإنه يقتضي أن يكون الألف دراهم (3).

وقد خالف في ذلك استعمال العقل والعرف، واللغة، فإنهم عطفوا المخالف، والمماثل، ولم يفرقوا بين المكيل والموزون وغيرهما، فبأي وجه خالف هو بينهما؟.

27 - ذهبت الإمامية: إلى أنه يصح إقرار المريض للوارث.

وقال أبو حنيفة: ومالك: وأحمد: لا يصح (4).

وقد خالفوا قوله تعالى: " كونوا قوامين بالقسط، شهداء لله ولو على أنفسكم " (5)، فالشهادة على النفس: الاقرار، وهو عام.

وخالفوا المعقول أيضا، فإن الإنسان قد يستدين من وارثه، ولا مخلص لبراءة ذمته إلا بالإقرار، فلو لم يكن مسموعا لم يكن خلاص ذمته.

ولأن الأصل في الإسلام العدالة، وفي إخبار المسلم الصدق.

____________

(1) مجموعة أبي العباس ومستدرك الوسائل ج 3 ص 48 وبلفظ آخر في مسندا ج 3 ص 491 و ج 5 ص 256 و 262 و 265 و ج 6 ص 399.

(2) الأم للشافعي ج 3 ص 237 و 238

(3) قال فضل بن روزبهان: ما رواه عن أبي حنيفة صحيح. وراجع: الهداية ج 3 ص 133

(4) الهداية ج 3 ص 138 وقال الفضل: هذا الاقرار يصح عند الشافعي، ولا يصح عندهم.

(5) النساء: 135.


الصفحة 499
28 - ذهبت الإمامية: إلى أن العبد لا يقبل إقراره بما يوجب الحد ولا القصاص.

وخالف فيه الفقهاء الأربعة (1).. وقد خالفوا في ذلك العقل، والنقل:

فإن إقرار العاقل إنما يقبل في حق نفسه، لا في حق غيره.

وقال صلى الله عليه وآله: " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز " (2) وهو يدل بمفهومه على أن إقرارهم على غيرهم غير جائز، وهذا إقرار العبد إنما هو في حق المولى.

29 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا قال يوم السبت: لفلان علي درهم، ثم قال يوم الأحد: لفلان علي درهم. لزمه درهم واحد.

وقال أبو حنيفة: يلزمه اثنان (3). وهو خلاف المعقول، من أصالة البراءة.

والمتعارف والمتداول بين الناس من تكرر الاقرار بالشئ الواحد.

وعدم تكليف المقر به جمع الشهود في مجلس واحد.

الفصل الثامن: في الوديعة وتوابعها

وفيه مسائل:

1 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا أودع الودعي الوديعة من غير عذر، كان ضامنا.

وقال مالك: إن أودع زوجته لم يضمن، وإن أودع غيرها ضمن.

____________

(1) الأم ج 3 ص 229 والهداية ج 3 ص 132

(2) ورواه الفضل في المقام، واستند إليه فيما قال:

(3) أنظر كتاب: الهداية ج 3 ص 132 وكتاب الفضل في ذيل هذه المسألة.


الصفحة 500
وقال أبو حنيفة: إن أودعها عند من يعوله لم يضمن، وإن أودعها عند غيره ضمن (1).

وقد خالفا قوله تعالى: " يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " (2).

وقال النبي صلى الله عليه وآله: أد الأمانة إلى من ائتمنك (3).

2 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا استودع حيوانا وجب عليه سقيه وعلفه، ورجع به إلى المالك.

وقال أبو حنيفة: لا يجب العلف ولا السقي (4)، وقد خالف قوله تعالى: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها "..

وقوله: " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " (5).

3 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا خلط الوديعة بماله خلطا لا يتميز، ضمن.

وقال مالك: إن خلطها بأدون ضمن، وبالمثل لا يضمن (6).

وقد خالف في ذلك النصوص الدالة على الضمان مع التعدي، وهو هنا متعد قطعا.

4 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا أنفق الدراهم والدنانير المودعة عنده، ثم رد عوضها مكانها لم يزل الضمان.

وقال أبو حنيفة: يزول (7).. وقد خالف النصوص الدالة على الضمان، والاستصحاب.

____________

(1) بداية المجتهد ج 2 ص 261 والفقه على المذاهب ج 3 ص 253 و 259 والهداية ج 3 ص 158

(2) النساء: 58

(3) التاج الجامع للأصول ج 2 ص 224 وقال: رواه أبو داود، والترمذي.

(4) الهداية ج 3 ص 134 وأوضحه الفضل في ذيل هذه المسألة، فراجع.

(5) التفسير الكبير ج 10 ص 140 والهداية ج 4 ص 10

(6) الفقه على المذاهب ج 3 ص 255 و 258 والهداية ج 3 ص 158

(7) الفقه على المذاهب ج 3 ص 255 و 258 والهداية ج 3 ص 158.


الصفحة 501
ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا تعدى في الوديعة، وأخرجها من الحرز، وانتفع بها، ثم ردها إلى الحرز لم يزل الضمان، وكذا العارية المضمونة مع التعدي.

وقال أبو حنيفة: يبرأ (1).. وقد تقدم بيان الغلط.

6 - ذهبت الإمامية: إلى أن الجناية على حمار القاضي كالجناية على حمار الشوكي.

وقال مالك: إذا قطع ذنب حمار القاضي ضمن كمال قيمته، وإذا قطع ذنب حمار الشوكي، ضمن الأرش (2).

وقد خالف المعقول، والمنقول:

قال الله تعالى: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " (3)، " وجزاء سيئة سيئة مثلها " (4).

ولأن القيم تختلف باختلاف الأعيان، لا باختلاف الملاك.

7 - ذهبت الإمامية: إلى أن المنافع تضمن بالغصب، كزراعة الأرض، وسكنى الدار.

____________

(1) الهداية ج 3 ص 158 و 160 و 163 وبداية المجتهد ج 2 ص 265

(2) قال صاحب كتاب " الينابيع "، في كتاب الغصب منه: ومذهبه (أي مذهب مالك) في قطع ذنب حمار القاضي تمام القيمة، لأن فيه وهنا في الدين، ولأنه أتلف عليه غرضه، لأنه لا يركبه غالبا، إنتهى.

أقول: ما ذكره من الوهن في الدين، وهتك حرمة القاضي إنما يوجب العقوبة الزائدة لو كان القاطع قاصدا للوهن والهتك، وإذا لم يكن شئ من ذلك، بأن وقع الحمار في مزرعته ونحو ذلك، فلا، وأما إتلاف غرض الركوب من ذلك الحمار بخصوصه، فسهل جدا إذ لا يبقى القاضي بمجرد ذلك راجلا في مدة عمره، لإمكان تحصيل غرض الركوب ببيع ذاك وشراء غيره.

(3) البقرة: 194

(4) الشورى: 40.


الصفحة 502
وقال أبو حنيفة: لا يضمن، فإن غصب أرضا فزرعها بيده فلا أجرة عليه، فإن نقصت الأرض فالأرش، وإلا فلا. وقال أيضا: لو أجرها الغاصب ملك الأجرة دون المالك (1).

وقد خالف العقل، والنقل:

فإن العقل قاض بقبح التصرف في مال الغير، وعدم إباحته فيجب العوض.

وقال تعالى: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم "، " وجزاء سيئة سيئة مثلها ".

8 - ذهبت الإمامية: إلى أن المقبوض بالبيع الفاسد لا يملك بالعقد ولا بالقبض.

وقال أبو حنيفة: يملك بالقبض (2)، وقد خالف العقل، والنقل:

فإن الفاسد وجوده في السببية كالعدم.

وقال الله تعالى: " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ".

9 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا غصب جارية حاملا ضمن الولد، كالأم.

وقال أبو حنيفة: لا يضمن الولد بل الأم خاصة (3).

وقد خالف العقل، والنقل:

____________

(1) الهداية ج 4 ص 10 و 14 و 16 وبداية المجتهد ج 2 ص 269 ولنعم ما قاله ابن حزم، في كتابه الفقه: من أن ما ذهب إليه أبو حنيفة في هذه المسألة من عجائب الدنيا، لأن الغاصب إذا حال بين صاحبه، وبين عين ماله، حال بينه وبين منافعه، فضمنها، ولزمه أداء ما منعه في حقه بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله: أن يعطي كل ذي حق حقه، وكراء متاعه من حقه، ففرض على مانعه إعطاء حقه.

(2) الفقه على المذاهب الأربعة ج 2 ص 224، والهداية ج 2 ص 31

(3) الهداية ج 3 ص 14.


الصفحة 503
فإن العقل قاض بوجوب العوض عن الظلم.

وقال تعالى: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ".

وقال صلى الله عليه وآله: على اليد ما أخذت حتى تؤدي.

10 - ذهبت الإمامية: إلى أن السارق يجب عليه القطع والغرم.

وقال أبو حنيفة: لا يجتمعان، بل يجب أحدهما، فإن غرم لم يقطع، وإن قطع لم يغرم (1).

وقد خالف العقل، والنقل:

قال الله تعالى: " السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " (2).

وقال النبي صلى الله عليه وآله: على اليد ما أخذت حتى تؤدي.

11 - ذهبت الإمامية: إلى إمكان غصب العقار ويضمن.

وقال أبو حنيفة: لا يتحقق، ولا يضمن (3).. وقد خالف العقل، والنقل:

قال تعالى: " فمن اعتدى عليكم، فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " والعقل دل على وجوب الانتصاف، والتحقيق يمكن بالاستيلاء، ومنع المالك منه كغيره.

12 - ذهبت الإمامية: إلى أن الغاصب إذا صبغ الثوب كان له أجر صبغه، وعليه أرش نقص الثوب.

وقال أبو حنيفة: إن صبغ الأبيض بغير السواد تخير المالك بين دفع

____________

(1) بداية المجتهد ج 2 ص 377 والتفسير الكبير ج 11 ص 226

(2) المائدة: 40

(3) الهداية ج 4 ص 10 وبداية المجتهد ج 3 ص 265.


الصفحة 504
الثوب إليه، ومطالبته بقيمته أبيض، وبين أخذ ثوبه ودفع قيمة صبغه إليه، وإن كان قد صبغه بالسواد تخير المالك بين دفع الثوب، ومطالبته بقيمته أبيض، وأخذ الثوب مصبوغا ولا شئ عليه (1).

وقد خالف العقل، والنقل:

فإن العقل قاض بوجوب المقاصة، وإنما يتم بما قلناه، لا بدفع الثوب وإلزامه بقيمته.

وكذا النقل، لأن النبي صلى الله عليه وآله: " الناس مسلطون على أموالهم " فكان للغاصب أخذ صبغه، وللمالك أخذ ثوبه.

والعقل مانع من أخذ كل واحد منهما مال صاحبه.

ثم أي فرق بين السواد، وغيره من الألوان؟.

13 - ذهبت الإمامية: إلى أن الغاصب لا يملك الغصب بتغيير الصفة.

وقال أبو حنيفة: إذا غيرها تغييرا أزال به الاسم والمنفعة المقصودة بفعله ملكها، فلو دخل لص دار رجل فوجد فيها دابة، وطعاما، ورحى، فطحن ذلك الطعام على تلك الرحى، بتلك الدابة ملك الدقيق.

وكان للسارق دفع المالك عن الطحن، وقتاله عليه... فإن قتل اللص المالك فهو هدر، وإن قتل المالك اللص ضمنه (2).

وهو خلاف العقل، والنقل: قال تعالى: " لا تأكلوا أموالكم بينكم

____________

(1) الهداية ج 4 ص 13 و 14

(2) الهداية ج 4 ص 11 وذكره الفضل في المقام، وحاول توجيهه، ويكفي في شناعته ما قاله ابن حزم في كتابه.

وقال ابن رشد، في بداية المجتهد ج 2 ص 271: وقال أبو حنيفة، والثوري: لا يضمن قيمته على كل حال، وعمدة من لم ير الضمان القياس على من قصد رجلا فأراد قتله، فدافع المقصود عن نفسه، فقتل في المدافعة القاصد المتعدي: إنه ليس عليه قود.


الصفحة 505
بالباطل "، وقال صلى الله عليه وآله: على اليد ما أخذت حتى تؤدي، وقال صلى الله عليه وآله:

لا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفس منه (1).

14 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا غصب خشبة، فبنى عليها وجب عليه ردها على مالكها، وإن افتقر إلى تخريب ما بناه على جداره.

وقال أبو حنيفة: إن كان قد بنى عليها خاصة ردها، وإن كان البناء مع طرفها، ولا يمكنه ردها إلا رفع هذا لم يلزم الرد (2).

وقد خالف المنقول، والمعقول على ما تقدم.

وقال صلى الله عليه وآله: " ولا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا، ولا لاعبا، من أخذ عينا فليردها " (3).

15 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا حل دابة، أو فتح قفص الطائر، فذهب عقيب ذلك ضمن.

وقال أبو حنيفة: لا يضمن (4).. وقد خالف العقل، والنقل:

لأنه ذهب بسببه، فهو متعد.

وقال الله تعالى: " فمن اعتدى عليكم، فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ".

16 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا جنى الغاصب على الغصب الذي فيه الربا، مثل سبك الدراهم، وبل الطعام، وجب عليه رده على المالك، وأرشه.

وقال أبو حنيفة: يتخير المالك بين رده على الغاصب، والمطالبة

____________

(1) رواه فخر الدين الرازي في التفسير الكبير ج 10 ص 232

(2) الهداية ج 4 ص 13

(3) منتخب كنز العمال ج 4 ص 90 ورواه عن أبي داود، وأحمد، وابن ماجة.

(4) بداية المجتهد ج 2 ص 265 و 271.