وصل إلينا العديد من الأسئلة من قِبل الأعزّة المؤمنين أيّدهم الله تعالى يسألون فيها عن النصّ على إمامة الأئمة المعصومين عليهم السلام، وحيث أنّ بحث الموضوع واستقصاء أدلّته غير متيسر لنا في الوقت الحاضر فقد قمنا بتبيين بعض الأفكار والإشارة إلى قسم من الروايات الصحيحة الواردة فيه، ثمّ أو كلنا الأمر إلى بعض تلامذتنا الأفاضل، فقام ـ مشكوراً ـ بكتابة هذه الرسالة وقد طالعتها فرأيتها ـ على اختصارها ـ وافية بالمطلوب.
أسال الله له وللمؤمنين أن يصونهم عن مضلاّت الفتن وأن يثبّتهم على الصراط المستقيم، إنّه الهادي والموفّق.
المقدمة
تُثار بين فترة وأُخرى أسئلة تتعرّض للمسلّمات العقائدية الموجودة لدى المسلمين وبالذات لدى الطائفة المحقة أتباع أهل البيت عليهم السلام، وتختلف دوافع تلك الأسئلة، فإن البعض بدافع التعرف والبحث عن الدليل يسأل عن تلك المواضيع، ويحتاج إلى إجابة شافية وافية سوف نضعها ـ بإذن الله بين يديه ـ. وربما كان هدف آخرين من طرح هذه الأسئلة هو التشكيك في تلك المسلّمات وإلقاء الشبهة في قلوب العوام من أتباع هذا المذهب..
ومن علامة هؤلاء أنهم لا يطرحون إشكالاتهم ومناقشاتهم على علماء الدين المتخصصين في العقائد والقادرين على إثباتها بالدليل القاطع، وإنما يقومون بنشر تلك الشبهات، والتشكيكات ما بين عامة الناس من الذين لم يطّلعوا ـ بشكل دقيق ـ على حدود تلك المسائل ولم يفحصوا في أدلتها، ولذا يجدون فيهم سوقاً رائجة وعملة نافقة.
وهؤلاء نحن لا نتحدث معهم في هذه الرسالة، ولا نوجه لهم هذه الكلمات، بل لا نرجو هدايتهم بعد أن اختاروا لأنفسهم هذا الطريق، طريق التشكيك (لَم يَكُن اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُم وَلاَلِيَهديهُم طَريقاً)(1)، وإنما يتوجه حديثنا إلى أهل الإنصاف (الَّذينَ يَستَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أحسَنَهُ)(2)، وإلى العامة من أبناء المذهب الحق الذين يترقبون الدليل الواضح للرد به على مزاعم المشككين وشبهات المنحرفين.. لمثل هؤلاء الذين ربما وردت أسئلة من قبل بعضهم وطلبوا الإجابة عليها فيما يرتبط بهذا الموضوع أي النص على إمامة
____________
(1) النساء / 168.
(2) الزمر / 18.
منهج الرسالة:
وسيكون منهجنا في هذه الرسالة أن نتعرض إلى ذكر بعض الروايات الصحيحة والصريحة التي تعين أسماء الأئمة عليهم السلام، مما يقطع الطريق على من يدعي عدم وجود النص عليهم أو على بعضهم، وسيثبت هذا أن المدعي لعدم وجود النص ـ لو سلمت نيته ـ فإنه ضعيف الإطلاع جداً على أخبار أهل البيت وغير بصير بأحاديثهم عليهم السلام. وسنلتزم أن يكون النص الذي نورده صحيحاً من غير شبهة أو مناقشة، وإلا فالنصوص الأُخرى كثيرة جداً. وهذه النصوص تنقسم كما سيأتي إلى ما هو نص على العنوان مثل أبناء الحسين، وما هو نص على قسم منهم مثل النصوص الواردة الناصة عليهم إلى الإمام الباقر عليه السلام، وأهمية هذه أن المشككين يدعون أنه لا نص بعد الحسين، والقسم الثالث ما هو نص عليهم جملة واحدة.
ثم سنتعرض إلى ذكر النصوص الواردة بشأن إمامة كل إمام بخصوصه، ونحن وإن كنا لا نحتاج إلى ذكرها، بل كان يكفينا ويكفي من يريد الدليلَ رواية صحيحة واحدة تذكرهم جملةً من غير حاجة إلى ذكر سائر الروايات سواء كانت بالعنوان أو لكل شخص،
____________
(1) ق / 37.
النصوص التي
تعيّن أسماء الأئمة المعصومين عليهم السلام
يوجد في مصادرنا الحديثية العديد من الروايات التي تنص على تحديد أسماء الأئمة المعصومين عليهم السلام، ولكن حيث أن بناءنا هو على الاختصار في هذه الرسالة، لذلك سنكتفي بذكر رواية صحيحة صريحة في كل باب (أو روايتين)، وفيها لمن أراد الدليل كفاية وغنى. وهذه الروايات تنقسم بحسب المدلول إلى أقسام:
القسم الأول
ما ورد من الروايات في تحديد أن الأئمة عليهم السلام
هم من (ولد الحسين عليه السلام)
وهذه الروايات ـ بهذا العنوان ـ تجيب على عدة أسئلة، فهي من جهة تجيب على نقطة هي مركز التسكيك عند المشككين المدعين عدم وجود نص على الأئمة بعد الإمام الحسين عليه السلام، بينما هذه الروايات تعتبر نصاً على العنوان أي أولاد الحسين، وأيضاً فهي تحدد نسب
فمن تلك الروايات:
(صحيحة) ما رواه الشيخ الكليني رحمه الله عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن إسحاق بن غالب عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام من كلام يذكر فيه الأئمة... إلى أن قال «فلم يزل الله يختارهم لخلقه من وُلد الحسين من عقب كل إمام، كلما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماماً وعلماً هادياً...» (1).
ومنها (صحيحة) ما رواه الشيخ الصدوق رحمه الله عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب والهيثم ابن مسروق النهدي، عن الحسن بن محبوب السراد عن علي بن
____________
(1) الكافي 1 / 203.
ويؤيدها مارواه في كمال الدين، عن أبيه عن سعد بن عبدالله عن يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن عبدالله بن مسكان عن أبان عن سلم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي قال: «دخلت على النبي صلّى الله عليه وآله، فإذا الحسين بن علي على فخذه وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ويقول: أنت سيد ابن سيد، أنت إمام ابن إمام أبو أئمة أنت حجة الله ابن حجته وأبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم» (2).
القسم الثاني
الروايات التي تنصّ على أسماء الأئمة عليهم السلام
بدءاً من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حتى الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
وهي متعددة نكتفي منها بروايتين:
____________
(1) كمال الدين / 328.
(2) كمال الدين: 1 / 262.
فلو سكت رسول الله فلم يبين من أهل بيته لادعاها آل فلان وآل
____________
(1) الكافي 1 / 286.
(2) السناء / 59.
____________
(1) الاحزاب / 33.
(2) الأنفال / 75، والأحزاب / 6.
وينبغي التوجه إلى نقطتين هامتين توضحهما هذه الرواية:
أولاهما:
أنها تجيب على سؤال ربما طرحه البعض وهو أنه لوكان الإمامة بتلك الأهمية فلماذا لم ينص القرآن عليها، ولِمَ لم يذكر القرآن اسم أمير المؤمنين والأئمة حتى يرتفع الشك والتردد بصورة قاطعة؟ ولا يضل الناس؟ والرواية تجيب بأنه كما نزل أصل وجوب الصلاة والزكاة والحج في القرآن، ولم يبين فيه تفاصيل الأحكمام، فكذلك الحال في الإمامة حيث نزل وجوب الطاعة للأئمة وأُولي الأمر، وأوكل تعيين أسمائهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وقد قام بذلك خير قيام.
وثانيتهما:
أن قضية الإمامة ونصب الإمامة هي أمر إلهي لا يرتبط بقضية الوراثة، أو إرادة الإمام السابق في تعيين اللاحق، فإنه لا يستطيع ـ ولم يكن ليفعل ـ أن يغير مجراها عما هو عليه من النصب الإلهي. وفي هذه القضية كما أن أمير المؤمنين قد نصب نصباً إلهياً، فكذلك زين العابدين علي بن الحسين والباقر محمد بن علي عليهما السلام،
____________
(1) الكافي 1 / 286.
ويؤيدها ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد ابن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن أُذينة عن أبان عن سليم بن قيس قال: شهدت وصية أمير المؤمنين حين أوصى إلى ابنه الحسن وأشهد على وصيته الحسين ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ثم دفع إليه الكتاب والسلاح وقال لابنه الحسن: «يا بني أمرني رسول الله أن أُوصي إليك وأن أدفع إليك كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين، ثم أقبل على ابنه الحسين فقال: وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا. ثم أخذ بيد علي بن الحسين وقال: وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي واقرأه من رسول الله ومني السلام» (1).
القسم الثالث
ما نص على أسماء الأئمة عليهم السلام جمعياً
ومع هذعه الروايات التي سوف نذكر بعضها ينقطع عذر كل متعلل لصراحتها وقوتها، وما يحف بها، ففي الأُولى نلتقي مع أسماء الأئمة عليهم السلام في سجدة الشكر عقيب كل صلاة، حيث يشهد المصلي
____________
(1) الكافي1 / 297.
فمن هذه الروايات:
الصحيحة التي رواها الصدق بإسناده عن عبدالله بن جندب عن موسى بن جعفر عليه السلام أنه قال: تقول في سجدة الشكر: «اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنك أنت الله ربي والإسلام ومحمداً نبيي وعلياً والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة بن الحسن أئمتي بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرأ» (1).
والصحيحة الأُخرى التي رواها الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد البرقي عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: «أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ومعه الحسن بن علي وهو متكئ على يد سلمان فدخل المسجد الحرام فجلس، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس، فسلم على أمير المؤمنين، فرد عليه السلام فجلس، ثم
____________
(1) الوسائل 7 / 15.
____________
(1) الكافي 1/525.
الروايات التي
تنص على كل إمام بشخصه
بعد أن ذكرنا الروايات التي تذكر أسماء الأئمة الطاهرين، نعود ونذكر الروايات الخاصة التي تنص على كل إمام بشخصه، وهي قد تذكر الإمام باسمه وأُخرى بالقرينة والصفة، فإن بعض الروايات تعتمد على ذكر أمر، ذلك الأمر يلازم كونه إماماً كما سيأتي في وصية الإمام الباقر لابنه الصادق عليهما السلام أن يغسله ويجهزه ويكفنه، فإن هذا من النص عليه، لما ثبت عندنا من النصوص والإجماع على أن الإمام لا يتولى تجهيزه إلا إمام مثله عند حضوره، وقد لا ينتبه لمثل هذه الإشارات إلا من كان على مستوى من الإحاطة بتعابير الأئمة، كما نرى أن هشاماً بن الحكم عندما سمع من علي بن يقطين قول الكاظم أن علياً الرضا سيد ولده وأنه قد نحله كنيته، فقد استنتج هشام من ذلك أنه نص عليه بالإمامة من بعده، ومثل ان يعطيه السلاح والكتب، وهكذا ما يرافق إمامتهم من الكرامات مثلما حصل في قضية شهادة الحجر الأسود لعلي بن الحسين بالإمامة في مناقشة محمد بن الحنفية إياه، كما ورد في رواية صحيحة رواها الكليني في الكافي(1)،
____________
(1) الكافي 1 / 348.
وحيث أننا قد ذكرنا في القسم الثاني من الروايات ما ينص على إمامة الأئمة من الإمام أمير المؤمنين إلى الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام، فسنتعرض هنا لذكر النصوص في إمامة الأئمة بدئاً من الإمام الصادق، وسنكتفي بنص واحد بالنسبة لكل إمام، وسنذكر نصوصاً متعددة لخاتم الأوصياء والأئمة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.
جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
فمن ما ورد من النص على إمامة جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، الرواية الصحيحة التي نقلها الكليني رحمه الله في الكافي عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبدالرحمن عن عبدالأعلى عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام: «إن أبي استودعني ما هناك فلما حضرته الوفاة قال: ادع لي شهوداً فدعوت له أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبدالله بن عمر، فقال: اكتب:
وهذا كما تقدم بضميمة ما دلت عليه النصوص، وقام عليه الإجماع أن الإمام عندنا لا يولّى تجهيزه إلا إمام مثله إذا كان حاضراً، وأن الوصية هي من علائم الإمامة ينتج ذلك على إمامة الصادق عليه السلام.
موسى بن جعفر عليه السلام
ومما ورد في النص على إمامة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، الصحيحة التي رواها في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي نجران عن صفوان الجمّال عن أبي عبدالله، قال له منصور بن حازم: بأبي أنت وأُمي إن الأنفس يغدا عليها ويراح فإذا كان ذلك
____________
(1) البقرة / 132.
(2) الكافي 1 / 307.
علي بن موسى الرضا عليه السلام
ومن النص على إمامة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، ما ورد في الصحيح عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن بن محبوب عن الحسين بن نعيم الصحاف قال: «كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد، فقال علي بن يقطين: كنت عند العبد الصالح جالساً فدخل عليه ابنه علي فقال لي: يا علي بن يقطين هذا علي سيد ولدي! أما إني قد نحلته كنيتي، فضرب هشام بن الحكم براحته جبهته ثم قال: ويحك! كيف قلت؟ فقال علي بن يقطين: سمعت والله منه كما قلت. فقال هشام: أخبرك أن الأمر فيه من بعده» (2).
فأنت عزيزي القارئ ترى هنا أن هشاماً بن الحكم لما كان متبحراً في العقائد، وعارفاً بإشارات الأئمة في ما يرتبط بموضوع الإمامة، والصفات التي لا بد من توفرها في الإمام، فإنه بمجرد أن سمع تلك الكلمات وضمها إلى الكبريات الموجودة في ذهنه المرتبطة بموضوع
____________
(1) الكافي 1 / 309.
(2) الكافي 1 / 311.
محمد بن علي الجواد عليه السلام
ومن النص على إمامة محمد بن علي الجواد عليه السلام، الصحيحة التي نقلها في الكافي أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن معمر بن خلاد، قال: سمعت الرضا عليه السلام، وذكر شيئاً فقال: «ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر أجلسته مجلسي وصيرته مكاني. وقال: إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة» (1).
علي بن محمد الهادي عليه السلام
ومن الروايات التي تنص على إمامة الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام، مارواه صحيحاً في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مهران قال: «لما خرج من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأُولى من خرجيته، قلت له عند خروجه: جعلت فداك إني أخاف عليك في هذا الوجه، فإلى من الأمر من بعدك؟ فكرّ إلي بوجهه ضاحكاً: ليس
____________
(1) الكافي 1 / 320.
الحسن بن علي العسكري عليه السلام
وقد وردت روايات مصرحة بإمامة الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام، منها مارواه في الكافي عن علي بن محمد عن محمد بن أحمد النهدي عن يحيى بن يسار القنبري، قال: «أوصى أبو الحسن إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي» (2).
الحجة بن الحسن العسكري صاحب الزمان
عجّل الله فرجه الشريف
وأما الروايات الواردة في إمامة الإمام الحجة بن الحسن العسكري صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف، وفي صفاته وعلامات ظهوره، وما يرتبط بخريطة تحركه بعد الظهور، وأنصاره،
____________
(1) الكافي 1 / 323.
(2) الكافي 1 / 325.
في النص عليه صلوات الله عليه: ما رواه الصدوق عن محمد بن علي بن ماجيلويه عن محمد بن يحيى العطار عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري عن معاوية بن حكيم ومحمد بن أيوب بن نوح ومحمد عثمان العمري قالوا: «عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي ونحن في منزله وكنا أربعين رجلاً فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا. قالوا فخرجنا من عنده فما مضت إلا أيام قلائل حتى مضى أبو محمد عليه السلام» (1).
في أن الإيمان بالأئمة كل لا يتجزأ وأن الاعتراف بهم من دون الإمام الحجة لا يساوي شيئاً وهو كإنكار أمير المؤمنين عليه السلام: ما نقله في كفاية الأثر عن الحسن بن علي عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار عن سعد بن عبدالله عن موسى بن جعفر البغدادي قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام يقول: «كأني بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف مني ألا إن المقر بالأئمة بعد رسول الله المنكر لولدي كمن أقر بجميع الأنبياء والرسل ثم أنكر نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنّ طاعة آخرنا كطاعة أوّلنا، والمنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا، أما إن لولدي غيبة
____________
(1) كمال الدين 2 / 435.
وروى الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبدالله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبدالله عليه السلام أنّه قال في قول الله عز وجل (يَومَ يَأتِى بَعضُ آيات رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفساً إيمَانُها لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ)(2) فقال عليه السلام: «الآيات هم الأئمة والآية المنتظرة القائم (عجل الله فرجه) فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه عليه السلام» (3).
وفي أنه أشبه الناس برسول الله، وله اسمه وكنيته: ما رواه الصدوق في كمال الدين عن أبيه ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسى المتوكل، عن سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر الحميري، ومحمد بن يحيى العطار جميعاً، عن أحمد بن محمد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم وأحمد بن أبي عبدالله البرقي ومحمد بن الحسين بن ابي الخطاب جميعاً، عن أبي علي الحسن بن محبوب السراد عن داود بن الحصين عن أبي بصير عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام عن آبائه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المهدي من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس خلقاً وخُلقاً تكون له غيبة وحيرة حتى تضل الخلق عن أديانهم فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت
____________
(1) كمال الدين ص291.
(2) الأنعام / 158.
(3) كمال الدين 2 / 336.
في أن من الابتلاء للخلق في زمان غيبته أن يشك البعض في ولادته: ما رواه الشيخ الصدوق في كمال الدين عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار عن سعد بن عبدالله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عثمان بن عيسى الكلابي عن خالد بن نجيح عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: «إن للقائم غيبة قبل أن يقوم. قلت له: ولم؟ قال: يخاف وأومأ بيده إلى بطنه، ثم قال: يا زرارة هو المنتظر وهو الذي يشك الناس في ولادته منهم من يقول هو حمل ومنهم من يقول هو غائب، ومنهم من يقول ما ولد ومنهم من يقول ولد قبل وفاة أبيه بسنتين، غير أن الله تبارك وتعالى يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون» (2).
وما ورد من النص على أنه قد ولد، وأنه عجل الله فرجه يحضر موسم الحج فيعاين الخلق، وقد رآه ـ من جملة من رآه ـ نائبه الخاص (في الغيبة الصغرى) محمد بن عثمان العمري في الموسم متعلقاً بأستار الكعبة. وأهمية مثل هذا النص أنه يؤكد ليس فقط ولادته بل اتصاله بالخلق، وذلك أن قضية المهدي عجل الله فرجه قضية اتفاقية بين المسلمين جميعاً لما ورد من النصوص المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله، ولكن الخلاف بينهم هو في أنّه سيولد في آخر
____________
(1) كمال الدين 1 / 287.
(2) كمال الدين ص1 / 342.
فقد روى الشيخ الصدوق في الفقيه بسند صحيح عن عبدالله بن جعفر الحميري أنه قال: سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه، فقلت له: رأيت صاحب هذا الأمر؟ قال: «نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام، وهو يقول: اللهم أنجزلي ما وعدتني. قال محمد بن عثمان رضي الله عنه وأرضاه: ورأيته صلوات الله عليه متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: اللهمّ انتقم لي من أعدائك» (1).
____________
(1) الفقيه 2 / 306.
الخاتمة
وفي الختام ينبغي ذكر ملاحظة هامة وهي:
أن الوضع العام الذي عاش فيه الأئمة عليهم السلام خصوصاً بعد شهادة الإمام الحسين كان وضعاً ضاغطاً وعصيباً، وقد حاول فيه الظالمون بكل جهدهم أن (يُطفِئُوا نُورَ الله بِأفواهِهِم) فكانوا يتربصون بالأئمة الدوائر ويبغونهم الغوائل للقضاء عليهم.
وهؤلاء الظالمون ـ في العهدين الأموي والعباسي وإن لم يكونوا يقدمون على قتلهم جهراً وعلانية، إلا أنهم كانوا يحاولون ذلك غيلة، وشاهد ذلك ما نجده من إقدامهم، على دس اسم للأئمة عليهم السلام. وهذه الظروف والأوضاع غير خافية على المتتبع لأحوالهم، والعارف بتأريخهم، ويكفي لمعرفة ذلك، النظر إلى كيفية نص الإمام الصادق عليه السلام على إمامة الكاظم في وصيته له حيث كان العباسيون ينتظرون أن يعيّن بنحو صريح الإمام بعده ليقتلوه، فكان أن أوصى لخمسة، فضيع عليهم هذه الفرصة، ثم ما جرى على مولانا الكاظم عليه السلام من سجنه ثم قتله، وأيضاً ما جرى من التضييق
وهكذا ما عاشه الشيعة الكرام من ظروف القمع والتقية، بحيث كانوا لا يسلمون على عقائدهم في وقت كان يسلم فيه الكفار في بلاد الإسلام على ما كانوا عليه من ضلالة، ولا يسلم شيعة أهل البيت بما عندهم من الهدى. فكان الكشف في هذه الظروف عن أسماء الأئمة المعصومين خصوصاً من كان منهم في الفترات اللاحقة، وتناقل النصوص المصرّحة بإمامتهم بين الرواة أمراً في غاية الخطورة على الإمام وعلى شخص الناقل أيضاً.
ولكنهم مع ذلك قد حفظوا لنا ـ جزاهم الله خير الجزاء ـ تلك النصوص وتناقلوها فيما بينهم بالرغم مما كان يكتنفها من المشاكل والضغوط حتى أوصلوها لنا، بحيث تمت بواسطتها الحجة على من أنكر، والاحتجاج بها والاستناد عليها لمن آمن. ولهذا فقد أصبحت هذه القضية من المسلمات العقائدية لدى شيعة أهل البيت، والمتواترة إجمالاً، بحيث أنهم عرفوا حتى عند أعدائهم بتوليهم لهؤلاء الأئمة الطاهرين، وميزوا بأنهم (الاثنا عشرية) في إشارة إلى اعتقادهم بإمامة الأئمة الإثني عشر. وصار الأمر عند الشيعة بحيث أن من كان لا يؤمن بأحدهم أو جعل غيره مكانه لا يعد من هذه الطائفة المحقة.
بل إنه ـ كما ذكرنا سابقاً ـ ارتبط ذكر أسمائهم عليهم السلام بالصلاة وسجدة الشكر كما في صحيحة بن جندب عن الإمام موسى بن
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبّتنا على ولايتهم في الدنيا، فلاننجرف في تيارات الفتن والشكوك التي تنبّأ بها أئمتنا عليهم السلام وبالذات في زمان الغيبة، حيث يرتاب المبطلون ويثبت المؤمنون، وأن ينفعنا بشفاعتهم في الآخرة إنّه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، اللهم ما عرّفتنا من الحق فحمّلناه وما قصرنا عنه فبلّغناه، برحمتك يا أرحم الراحمين.