وكيف رأيتنا يوم النهروان، إذ لقيت المارقين وهم مستمسكون يومئذ بدين الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟ فقتلهم الله بأيدينا في صعيد واحد إلى النار لم يبق منهم عشرة ولم يقتلوا من المؤمنين عشرة.
ويلك يا بن قيس، هل رأيت لي لواء رد أو راية ردت؟ إياي تعير يا بن قيس؟ وأنا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع مواطنه ومشاهده والمتقدم إلى الشدائد بين يديه، لا أفر ولا أزول ولا أعيى ولا أنحاز ولا أمنح العدو دبري، لأنه لا ينبغي للنبي ولا للوصي إذا لبس لامته وقصد لعدوه أن يرجع أو ينثني حتى يقتل أو يفتح الله له.
لو وجدت أربعين رجلا مثل الأربعة!!
يا بن قيس، هل سمعت لي بفرار قط أو نبوة؟
يا بن قيس، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إني لو وجدت يوم بويع أخو تيم - الذي عيرتني بدخولي في بيعته - أربعين رجلا كلهم على مثل بصيرة الأربعة الذين قد وجدت لما كففت يدي ولناهضت القوم، ولكن لم أجد خامسا فأمسكت.
قال الأشعث: فمن الأربعة، يا أمير المؤمنين؟
قال عليه السلام: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير بن صفية قبل نكثه بيعتي، فإنه بايعني مرتين: أما بيعته الأولى التي وفى بها فإنه لما بويع أبو بكر أتاني أربعون رجلا من المهاجرين والأنصار فبايعوني وفيهم الزبير، فأمرتهم أن يصبحوا عند بابي محلقين رؤوسهم عليهم السلاح، فما وفى لي ولا صدقني منهم أحد غير أربعة: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير.
وأما بيعته الأخرى إياي، فإنه أتاني هو وصاحبه طلحة بعد ما قتل عثمان فبايعاني طائعين غير مكرهين، ثم رجعا عن دينهما مرتدين ناكثين مكابرين معاندين
يا بن قيس، والذي فلق الحبة وبرء النسمة، لو أن أولئك الأربعين الذين بايعوا وفوا لي وأصبحوا على بابي محلقين رؤوسهم قبل أن تجب لعتيق في عنقي بيعته لناهضته وحاكمته إلى الله عز وجل. ولو وجدت قبل بيعة عثمان أعوانا لناهضتهم وحاكمتهم إلى الله، فإن ابن عوف جعلها لعثمان واشترط عليه فيما بينه وبينه أن يردها عليه عند موته، وأما بعد بيعتي إياهم فليس إلى مجاهدتهم سبيل.
الشيعة، النواصب، المستضعفون
فقال الأشعث: والله لئن كان الأمر كما تقول لقد هلكت أمة محمد صلى الله عليه وآله غيرك وغير شيعتك.
فقال له علي عليه السلام: فإن الحق والله معي يا بن قيس كما أقول. وما هلك من الأمة إلا الناصبون والناكثون والمكابرون والجاحدون والمعاندون، فأما من تمسك بالتوحيد والإقرار بمحمد صلى الله عليه وآله والإسلام ولم يخرج من الملة ولم يظاهر علينا الظلمة ولم ينصب لنا العداوة وشك في الخلافة ولم يعرف أهلها وولاتها ولم يعرف لنا ولاية ولم ينصب لنا عداوة، فإن ذلك مسلم مستضعف يرجى له رحمة الله ويتخوف عليه ذنوبه.
قال أبان: قال سليم بن قيس: فلم يبق يومئذ من شيعة علي عليه السلام أحد إلا تهلل وجهه وفرح بمقالته، إذ شرح أمير المؤمنين عليه السلام الأمر وباح به وكشف الغطاء وترك التقية.
ولم يبق أحد من القراء ممن كان يشك في الماضين ويكف عنهم ويدع البراءة منهم ورعا وتأثما إلا استيقن واستبصر وحسن رأيه وترك الشك يومئذ والوقوف. ولم يبق حوله ممن أبى بيعته إلا على وجه ما بويع عليه عثمان والماضون قبله إلا رئي ذلك في
قال أبان عن سليم: فما شهدت يوما قط على رؤوس العامة كان أقر لأعيننا من ذلك اليوم، لما كشف أمير المؤمنين عليه السلام للناس من الغطاء وأظهر فيه من الحق وشرح فيه من الأمر والعاقبة وألقى فيه من التقية، وكثرت الشيعة بعد ذلك المجلس من ذلك اليوم وتكلموا، وقد كانوا أقل أهل عسكره وسائر الناس يقاتلون معه على غير علم بمكانه من الله ورسوله، وصارت الشيعة بعد ذلك المجلس أجل الناس وأعظمهم.
شهادة أمير المؤمنين عليه السلام
وذلك بعد وقعة أهل النهروان وهو يأمر بالتهيئة والمسير إلى معاوية. ثم لم يلبث أن قتل صلوات الله عليه، قتله ابن ملجم لعنه الله غيلة وفتكا، وقد كان سيفه مسموما قد سمه قبل ذلك. وصلى الله على سيدنا أمير المؤمنين وسلم تسليما.
____________
(1). المراد أن عددا من الناس أبوا بيعة أمير المؤمنين عليه السلام إلا على وجه ما بويع أبو بكر وعمر وعثمان. وهؤلاء لما سمعوا هذه الخطبة والاحتجاج منه عليه السلام كرهوا مقالته ورئي أثر الكراهة في وجوههم. وفي (ج) هكذا: ولم يبق أحد ممن أبى بيعته على وجه الأرض ممن بايع عثمان، بلغه ذلك إلا ضاق صدره وكره مقالته.
(13)
بيت المال في عصر عمر
عن أبان، قال سليم: كتب أبو المختار بن أبي الصعق (1) إلى عمر بن الخطاب هذه الأبيات:
ألا أبلغ أمير المؤمنين رسالة | فأنت أمين الله في المال والأمر |
وأنت أمين الله فينا ومن يكن | أمينا لرب الناس يسلم له صدري |
فلا تدعن أهل الرساتيق والقرى | يخونون مال الله في الأدم الحمر |
وأرسل إلى النعمان وابن معقل | وأرسل إلى حزم وأرسل إلى بشر |
وأرسل إلى الحجاج واعلم حسابه | وذاك الذي في السوق مولى بني بدر |
ولا تنسين التابعين كليهما | وصهر بني غزوان في القوم ذا وفر |
وما عاصم فيها بصفر عيابه | ولا ابن غلاب من رماة بني نصر |
واستل ذاك المال دون ابن محرز | وقد كان منه في الرساتيق ذا وقر (2) |
فأرسل إليهم يصدقوك ويخبروا | أحاديث هذا المال من كان ذا فكر |
وقاسمهم أهلي فداؤك إنهم | سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر |
____________
(1). أبو المختار هو يزيد بن قيس بن يزيد.
(2). قوله: بصفر عيابه، الصفر بمعنى الخالي والعياب جمع العيبة بمعنى الزنبيل من الأدم. وقوله (ابن محرز) جاء في فتوح البلاذري: ابن محرش.
ولا تدعوني للشهادة إنني | أغيب ولكني أرى عجب الدهر |
أرى الخيل كالجدران والبيض كالدمى (1) | وخطية (2) في عدة النمل والقطر |
ومن ريطة (3) مطوية في قرابها | ومن طي أبراد مضاعفة صفر |
إذ التاجر الداري جاء بفأرة | من المسك راحت في مفارقهم تجري |
ننوب إذا نابوا ونغزو إذا غزوا | فإن لهم مالا وليس لنا وفر |
فقال ابن غلاب المصري (4):
ألا أبلغ أبا المختار إني أتيته | ولم أك ذا قربى لديه ولا صهر |
وما كان عندي من تراث ورثته | ولا صدقات من سبي ولا غدر |
ولكن دراك الركض في كل غارة | وصبري إذا ما الموت كان ورا السمر |
بسابغة يغشى اللبان فصولها (5) | أكفكفها عني بأبيض ذي وفر |
حكم عمر بمصادرة نصف أموال عماله
قال سليم: فأغرم عمر بن الخطاب تلك السنة جميع عماله أنصاف أموالهم لشعر
____________
(1). الدمى جمع الدمية وهي الصور المزينة فيها حمرة.
(2). جمع الخطي وهو الرمح المنسوب إلى الخط وهو مرفأ بالبحرين.
(3). الريطة: كل ثوب يشبه الملحفة.
(4). ابن غلاب هو خالد بن الحرث من بني دهمان كان على بيت المال بإصبهان.
(5). السابغة كناية عن الدرع الواسعة، واللبان هو الصدر.
وكان من عماله الذين أغرموا أبو هريرة - وكان على البحرين - فأحصى ماله فبلغ أربعة وعشرون ألفا، فأغرمه اثني عشر ألفا.
علة العفو عن قنفذ من مصادرة أمواله
قال أبان: قال سليم: فلقيت عليا عليه السلام فسألته عما صنع عمر، فقال: هل تدري لم كف عن قنفذ ولم يغرمه شيئا؟ قلت: لا. قال: لأنه هو الذي ضرب فاطمة عليها السلام بالسوط حين جاءت لتحول بيني وبينهم، فماتت صلوات الله عليها وإن أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج.
____________
(1). ذكر البلاذري أسماء عدد من عمال عمر بن الخطاب، شاطرهم أموالهم حتى أخذ نعلا وترك نعلا وهم:
أبو بكرة نفيع بن الحرث بن كلدة الثقفي، نافع بن الحرث بن كلدة الثقفي، الحجاج بن عتيك الثقفي وكان على الفرات، جزء بن معاوية عم الأحنف كان على سرق، بشر بن المحتفز كان على جندي سابور، ابن غلاب خالد بن الحرث كان على بيت المال بإصبهان، عاصم بن قيس بن الصلت السلمي كان على مناذر، سمرة بن جندب كان على سوق الأهواز، النعمان بن عدي بن نضلة الكعبي كان على كور دجلة، مجاشع بن مسعود السلمي صهر بني غزوان كان على أرض البصرة وصدقاتها، شبل بن معبد البجلي ثم الأحمسي كان على قبض المغانم، أبو مريم بن محرش الحنفي كان على رامهرمز.
وهؤلاء ذكرهم أبو المختار في شعره الذي ورد في المتن مع اختلاف في ضبط بعض الأسماء. وكان أيضا من عماله الذين شاطرهم سعد بن أبي وقاص وكان على الكوفة، وأبو موسى الأشعري وكان على البصرة ، وعمرو بن العاص وكان على مصر، وعتبة بن أبي سفيان وكان على الطائف، وأبو هريرة وكان على البحرين، وخالد بن الوليد. راجع الغدير: ج 6 ص 277 - 271. إثبات الهداة: ج 2 ص 369 ح 218.
(14)
بدع واعتراضات أبي بكر وعمر في الدين
قال أبان عن سليم، قال: انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، ليس فيها إلا هاشمي غير سلمان وأبي ذر والمقداد ومحمد بن أبي بكر وعمر بن أبي سلمة وقيس بن سعد بن عبادة.
1
بدع أبي بكر وعمر
تغريم عمر لعماله
فقال العباس لعلي عليه السلام: ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذا كما أغرم جميع عماله؟
فنظر علي عليه السلام إلى من حوله ثم اغرورقت عيناه بالدموع، ثم قال: شكر له ضربة ضربها فاطمة عليها السلام بالسوط، فماتت وفي عضدها أثره كأنه الدملج.
ثم قال عليه السلام: العجب مما أشربت قلوب هذه الأمة من حب هذا الرجل وصاحبه من قبله، والتسليم له في كل شئ أحدثه لئن كان عماله خونة وكان هذا المال في أيديهم خيانة ما كان حل له تركه، وكان له أن يأخذه كله فإنه فيئ المسلمين، فما له يأخذ نصفه ويترك نصفه؟ ولئن كانوا غير خونة فما حل له أن يأخذ أموالهم ولا شيئا منهم قليلا
أمير المؤمنين عليه السلام يتعجب من ميل الناس إلى البدع
ثم أقبل علي عليه السلام على القوم فقال: العجب لقوم يرون سنة نبيهم تتبدل وتتغير شيئا شيئا وبابا بابا ثم يرضون ولا ينكرون، بل يغضبون له ويعتبون على من عاب عليه وأنكره ثم يجيئ قوم بعدنا، فيتبعون بدعته وجوره وأحداثه ويتخذون أحداثه سنة ودينا يتقربون بها إلى الله في مثل:
نقل مقام إبراهيم عليه السلام إلى موضعه في الجاهلية
تحويله مقام إبراهيم عليه السلام من الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الموضع الذي كان فيه في الجاهلية الذي حوله منه رسول الله صلى الله عليه وآله. (1)
تغيير صاع رسول الله صلى الله عليه وآله ومده
وفي تغييره صاع رسول الله صلى الله عليه وآله ومده، وفيهما فريضة وسنة. فما كان زيادته إلا سوء لأن المساكين - في كفارة اليمين والظهار - بهما يعطون ما يجب من الزرع. وقد قال
____________
(1). روي في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 287 عن أبي عبد الله الحسين عليه السلام أنه قال: كان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام عند جدار البيت، فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم. فلما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة رده إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه السلام. فلم يزل هناك إلى أن ولي عمر بن الخطاب فسأل الناس: من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟ فقال رجل: أنا قد كنت أخذت مقداره بنسع فهو عندي فقال: تأتيني به. فأتاه به، فقاسه ثم رده إلى ذلك المكان!!
وذكر اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 149 أن ذلك كان في سنة 17.
غصب فدك
وقبضه وصاحبه فدك وهي في يد فاطمة عليها السلام مقبوضة قد أكلت غلتها على عهد النبي صلى الله عليه وآله. فسألها البينة على ما في يدها ولم يصدقها ولا صدق أم أيمن. وهو يعلم يقينا - كما نعلم - أنها في يدها. ولم يكن يحل له أن يسألها البينة على ما في يدها ولا أن يتهمها. ثم استحسن الناس ذلك وحمدوه وقالوا: (إنما حمله على ذلك الورع والفضل)!!
ثم حسن قبح فعلهما أن عدلا عنها فقالا: (نظن إن فاطمة لن تقول إلا حقا وإن عليا لم يشهد إلا بحق، ولو كانت مع أم أيمن امرأة أخرى أمضيناها لها). فحظيا بذلك عند الجهال وما هما ومن أمر هما أن يكونا حاكمين فيعطيان أو يمنعان؟ ولكن الأمة ابتلوا بهما فأدخلا أنفسهما فيما لا حق لهما فيه ولا علم لهما به. وقد قالت فاطمة عليها السلام لهما - حين أراد انتزاعها وهي في يدها -: (أليست في يدي وفيها وكيلي وقد أكلت غلتها ورسول الله صلى الله عليه وآله حي)؟
قالا: بلى. قالت: (فلم تسألني البينة على ما في يدي)؟ قالا: لأنها فيئ المسلمين، فإن قامت بينة وإلا لم نمضها!
قالت لهما - والناس حولهما يسمعون -: (أفتريدان أن تردا ما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وتحكما فينا خاصة بما لم تحكما في سائر المسلمين؟ أيها الناس، اسمعوا ما ركباها.
أرأيتما إن ادعيت ما في أيدي المسلمين من أموالهم، أتسألونني البينة أم تسألونهم)؟
قالا: بل نسألك.
____________
(1). أي لا يحول الناس بين عمر وفعله ذلك، بل رضوا به وقبلوه.
فغضب عمر وقال: إن هذا فيئ للمسلمين وأرضهم، وهي في يدي فاطمة تأكل غلتها، فإن أقامت بينة على ما ادعت أن رسول الله وهبها لها من بين المسلمين - وهي فيئهم وحقهم - نظرنا في ذلك!
فقالت: حسبي أنشدكم بالله أيها الناس، أما سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (إن ابنتي سيدة نساء أهل الجنة)؟ قالوا: اللهم نعم، قد سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله. قالت: أفسيدة نساء أهل الجنة تدعي الباطل وتأخذ ما ليس لها؟ أرأيتم لو أن أربعة شهدوا علي بفاحشة أو رجلان بسرقة أكنتم مصدقين علي؟ فأما أبو بكر فسكت، وأما عمر فقال: نعم، ونوقع عليك الحد!!
فقالت: كذبت ولؤمت، إلا أن تقر أنك لست على دين محمد صلى الله عليه وآله. إن الذي يجيز على سيدة نساء أهل الجنة شهادة أو يقيم عليها حدا لملعون كافر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله، لأن من (أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) لا تجوز عليهم شهادة لأنهم معصومون من كل سوء مطهرون من كل فاحشة. حدثني - يا عمر - من أهل هذه الآية، لو أن قوما شهدوا عليهم أو على أحد منهم بشرك أو كفر أو فاحشة كان المسلمون يتبرؤون منهم ويحدونهم؟ قال: نعم، وما هم وسائر الناس في ذلك إلا سواء!!
قالت: كذبت وكفرت، ما هم وسائر الناس في ذلك سواء لأن الله عصمهم ونزل عصمتهم وتطهيرهم وأذهب عنهم الرجس. فمن صدق عليهم فإنما يكذب الله ورسوله. فقال أبو بكر: أقسمت عليك - يا عمر - لما سكت!!
مؤامرة قتل أمير المؤمنين عليه السلام
فلما أن كان الليل أرسلا إلى خالد بن الوليد فقالا: إنا نريد أن نسر إليك أمرا
قال علي عليه السلام: فصلى خالد بن الوليد بجنبي متقلدا السيف. فقام أبو بكر في الصلاة وجعل يؤامر نفسه وندم وأسقط في يده (1) حتى كادت الشمس أن تطلع ثم قال - قبل أن يسلم -: (لا تفعل ما أمرتك) ثم سلم فقلت لخالد: وما ذاك؟ قال: كان قد أمرني - إذا سلم - أن أضرب عنقك قلت: أو كنت فاعلا؟ قال: إي وربي إذا لفعلت!
حبس الخمس
قال سليم: ثم أقبل عليه السلام على العباس وعلى من حوله، ثم قال: ألا تعجبون من حبسه وحبس صاحبه عنا سهم ذي القربى الذي فرضه الله لنا في القرآن؟ وقد علم الله أنهم سيظلموناه وينتزعونه منا، فقال: (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان). (2)
____________
(1). أسقط في يده أي تحير.
(2). سورة الأنفال: الآية 41. والعبارة في إرشاد القلوب هكذا: وأقبل عليه السلام على من كان حوله فقال: أوليس قد ظهر لكم رأى وحملهم علينا أهل البيت من كل جانب ووجه لا يألون به إبعاد ا وتقاصيا وأخذ حقوقنا؟ أليس العجب بحبسه وصاحبه عنا...
إلحاق بيت جعفر بالمسجد
والعجب لهدمه منزل أخي جعفر وإلحاقه في المسجد، ولم يعط بنيه من ثمنه قليلا ولا كثيرا. ثم لم يعب ذلك عليه الناس ولم يغيروه، فكأنما أخذ منزل رجل من الديلم. (1)
البدعة في غسل الجنابة
والعجب لجهله وجهل الأمة أنه كتب إلى جميع عماله: (أن الجنب إذا لم يجد الماء فليس له أن يصلي وليس له أن يتيمم بالصعيد حتى يجد الماء وإن لم يجده حتى يلقى الله) ثم قبل الناس ذلك ورضوا به، وقد علم وعلم الناس أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أمر عمارا وأمر أبا ذر أن يتيمما من الجنابة ويصليا، وشهدا به عنده وغيرهما (2) فلم يقبل ذلك ولم يرفع به رأسا.
البدعة في إرث الجد
والعجب لما خلطا قضايا مختلفة في الجد بغير علم تعسفا وجهلا وادعائهما ما لم يعلما جرأة على الله وقلة ورع.
____________
(1). (ب) و (د): ولم يعيروه فكأنما أخذ دار رجل من ترك أو كابل. روي في الغدير: ج 6 ص 262 عن طبقات ابن سعد: أنه لما كثر المسلمون في عهد عمر ضاق بهم المسجد فاشترى عمر ما حول المسجد من الدور إلا دور العباس بن عبد المطلب وحجرات أمهات المؤمنين.
(2). روى العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 83 عن صحيح مسلم: أن رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء؟ فقال عمر: لا تصل. فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت. فقال النبي صلى الله عليه وآله: إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك؟ فقال عمر: إتق الله يا عمار قال: إن شئت لم أحدث به.
عتق أمهات الأولاد
وعتقه أمهات الأولاد (3) فأخذ الناس بقوله وتركوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله.
القضاء الباطل في ثلاثة أشخاص
وما صنع بنصر بن الحجاج وبجعدة من سليم وبابن وبرة. (4)
____________
(1). أي من الميراث.
(2). روى العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 117 عن سنن البيهقي عن عبيدة قال: حفظت عن عمر مائة قضية في الجد قال: وقال (عمر): إني قد قضيت في الجد قضايا مختلفة كلها آلو فيه عن الحق، ولئن عشت إن شاء الله إلى الصيف لأقضين فيها بقضية تقضي به المرأة وهي على ذيلها ثم إن أبا بكر أيضا حكم في الجد بقضايا مختلفة (راجع الغدير: ج 7 ص 120)، ولذلك جاء بضمير التثنية في هذا المورد.
(3). قوله " عثقه أمهات الأولاد " إشارة إلى بدعة عمر حيث حكم بأن كل أمة حبلى تعتق إذا وضعت حملها.
(4). إشارة إلى تغريب نصر بن الحجاج أبي ذويب من المدينة من غير ذنب. روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 286: بينا عمر يطوف في بعض سكك المدينة إذ سمع امرأة تهتف من خدرها:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها | أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج |
إلى آخر الأبيات. فقال: لا أرى معي رجلا تهتف به العواتق في خدورهن. علي بنصر بن الحجاج. فأتي به وإذا هو أحسن الناس وجها وعينا وشعرا. فأمر بشعره فجز، فخرجت له وجنتان كأنهما قمر، فأمره أن يعتم، فاعتم ففتن النساء بعينيه فقال: عمر: لا والله، لا تساكنني بأرض أنا بها فقال: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: هو ما أقول لك فسيره إلى البصرة. هذا وقد فعل مثل ذلك لك بابن عم لنصر بن الحجاج. راجع طبقات ابن سعد: ج 3 ص 385.
وقوله (بجعدة من سليم)، في النسخ (بجعدة بن سليم)، والصحيح ما أوردناه. روى ابن سعد في طبقاته: ج 3 ص 285: أن بريدا قدم على عمر فنثر كنانته فبدرت صحيفة فأخذها فقرأها فإذا فيها:
ألا أبلغ أبا حفص رسولا | فدى لك من أخي ثقة إزاري |
قلائصنا - هداك الله - إنا | شغلنا عنكم زمن الحصار |
فما قلص وجدن معقلات | قفا سلع بمختلف البحار |
قلائص من بني سعد بن بكر | وأسلم أو جهينة أو غفار |
يعقلهن جعدة من سليم | معيدا يبتغي سقط العذار |
فقال (عمر): ادعوا لي جعدة من سليم. قال: فدعوا به، فجلد مائة معقولا، ونهاه أن يدخل على امرأة مغيبة. وأما قوله (بابن وبرة)، فلم أظفر على مصدر يذكر قصته.
ثم إن الأشكال في فعل عمر في الموردين من جهة أنه حكم بما لم يثبت مقتضيه، فمجرد حسن الوجه في نصر بن الحجاج لا يقتضي نفيه عن البلد ومجرد تلك الأبيات الدالة على أن الرجل كانت تفتن النساء إليه بفعاله مع عدم ثبوته بالبينة لا يوجب حد الرجل ولا تعزيره.
البدعة في الطلاق
وأعجب من ذلك أن أبا كنف العبدي أتاه فقال: (إني طلقت امرأتي وأنا غائب فوصل إليها الطلاق. ثم راجعتها وهي في عدتها وكتبت إليها فلم يصل الكتاب إليها حتى تزوجت). فكتب له: (إن كان هذا الذي تزوجها قد دخل بها فهي امرأته، وإن كان لم يدخل بها فهي امرأتك)!!
وكتب له ذلك وأنا شاهد، فلم يشاورني ولم يسألني، يرى استغناءه بعلمه عني، فأردت أن أنهاه، ثم قلت: (ما أبالي أن يفضحه الله). ثم لم يعبه الناس بل استحسنوه واتخذوه سنة وقبلوه منه ورأوه صوابا وذلك قضاء لو قضى به مجنون نحيف سخيف لما زاد.
إسقاط أجزاء الأذان
ثم تركه من الأذان (حي على خير العمل)، فاتخذوه سنة وتابعوه على ذلك. (1)
____________
(1). روى العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 213 عن الطبري عن عمر أنه قال: ثلاث كن على عهد رسول الله أنا محرمهن ومعاقب عليهن: متعة الحج ومتعة النساء وحي على خير العمل في الأذان.
وروي في إثبات الهداة: ج 2 ص 371 ح 232: أن عمر ترك " حي على خير العمل " وقال: خففت أن يتكل الناس عليها ويدع غيرها. وقد روت العامة أن النبي صلى الله عليه وآله قد أمر بها.
البدعة في حكم المفقود زوجها
وقضيته في المفقود وأن (أجل امرأته أربع سنين، ثم تتزوج، فإن جاء زوجها خير بين امرأته وبين الصداق). (1) فاستحسنه الناس واتخذوه سنة وقبلوه منه جهلا وقلة علم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه.
بدعه في الأعاجم
وإخراجه من المدينة كل أعجمي. (2)
وإرساله إلى عماله بالبصرة بحبل طوله خمسة أشبار وقوله: (من أخذتموه من الأعاجم فبلغ طول هذا الحبل فاضربوا عنقه)!
ورده سبايا تستر وهن حبالى!!
وإرساله بحبل في صبيان سرقوا بالبصرة وقوله: (من بلغ طول هذا الحبل فاقطعوه)!(3)
وأعجب من ذلك أن كذابا رجم بكذابة فقبلها وقبلها الجهال فزعموا أن الملك ينطق على لسانه ويلقنه!(4)
وإعتاقه سبايا أهل اليمن. (5)
____________
(1). أورد العلامة الأميني في الغدير: ج 8 ص 200 ما رواه مالك أن عمر قال: (أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو، فإنها تنتظر أربع سنين. ثم تنتظر أربعة أشهر وعشرا ثم تحل). وأنه إن جاء زوجها وقد تزوجت خير بين امرأته وبين صداقها، فإن اختار الصداق كان على زوجها الآخر، وإن اختار امرأته اعتدت حتى تحل، ثم ترجع إلى زوجها الأول وكان لها من زوجها الآخر مهرها بما استحل من فرجها!
(2). ذكر المسعودي في مروج الذهب: ج 2 ص 320: أن عمر كان لا يترك أحدا من العجم يدخل المدينة.
(3). أورد العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 171 عن ابن أبي مليكة: أن عمر كتب في غلام من أهل العراق سرق، فكتب: أن اشبروه، فإن وجدتموه ستة أشبار فاقطعوه. فشبر فوجد ستة أشبار تنقص أنملة فترك!
(4). قوله (رجم بكذابة) أي ألقى كلاما كاذبا رجما بالغيب وهو ادعائه (أن الملك ينطق على لسان عمر).
راجع عن هذه المنقبة المختلقة لعمر: الغدير: ج 6 ص 331، وراجع الحديث 10 من هذا الكتاب.
(5). روى الفضل بن شاذان في (الإيضاح) ص 463: أن عمر أعتق سبايا اليمن وهن حبالى من المسلمين وفرق بينهن وبين من اشتراهن.
وروى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 108: أن أبا بكر أرق سبي اليمن وبيعوا، فوطئت الفروج. فلما استخلف الثاني أعتق ذلك السبي وقال: لا أملك على عربي فأعتقهن وهن حبالى، وفرق بينهن وبين من اشتراهن. فمضين إلى بلادهن ومعهن أولاد أيضا منهن وذلك أن أبا موسى ادعى أنه أعطاهن عهدا وحلف على ذلك فردهم عمر إلى أرضهم حبالى!!
وروي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 196 عن تقريب المعارف والخصال: أن عمر قال عند موته: أتوب إلى الله من ثلاث: من ردي (عتقي) سبايا اليمن و....
2
معصية أبي بكر وعمر للرسول صلى الله عليه وآله واعتراضاتهما عليه!!(1)
وتخلفه وصاحبه عن جيش أسامة بن زيد مع تسليمهما عليه بالأمرة. (2)
ثم أعجب من ذلك أنه قد علم الله وعلمه الناس أنه الذي صد رسول الله صلى الله عليه وآله عن الكتف الذي دعاه به. ثم لم يضره ذلك عندهم ولم ينقصه. (3)
وإنه صاحب صفية حين قال لها ما قال. فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قال ما قال. (4)
____________
(1). قد أورد في إثبات الهداة: ج 2 ص 325 موارد كثيرة من اعتراضات عمر على رسول الله صلى الله عليه وآله.
(2). روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 245 بطرق كثيرة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة. فدعا أسامة بن زيد وولاه الجيش وأعطاه الراية ولعن المتخلف عن جيش أسامة وكان ممن نص على أسمائهم أبو بكر وعمر. فرجعا ودخلا المدينة ليلة وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله. وتهيئوا لغصب الخلافة وما في سقيفة بني ساعدة. وقال صلى الله عليه وآله في تلك الليلة: (دخل المدينة الليلة شر عظيم).
(3). راجع عن قصة الكتف: الحديث 11 و 49.
(4). روى العلامة المجلسي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 200 ب 19 ح 3 عن أبي جعفر عليه السلام: إن صفية بنت عبد المطلب مات ابن لها فأقبلت فقال لها عمر: غطي قرطك فإن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله لا تنفعك شيئا فقالت له: هل رأيت لي قرطا يا بن اللخناء؟ ثم دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته بذلك فبكت.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس، فقال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع... وجاء مثله في مجمع الزوائد: ج 8 ص 216.
وأمر النبي صلى الله عليه وآله أبا بكر ينادي في الناس: (إنه من لقي الله موحدا لا يشرك به شيئا دخل الجنة)، فرده عمر وأطاعه أبو بكر (2) وعصى رسول الله صلى الله عليه وآله فلم تنفذ أمره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك ما قال.
فمساويه ومساوي صاحبه أكثر من أن تحصى أو تعد، ثم لم ينقصهم ذلك عند الجهال والعامة، وهما أحب إليهم من آبائهم وأمهاتهم وأنفسهم، ويبغضون لهما ما لا يبغضون لرسول الله صلى الله عليه وآله. (3)
____________
(1). أورد العلامة الأميني في الغدير: ج 7 ص 216 عن أبي سعيد الخدري: أن أبا بكر جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إني مررت بوادي كذا وكذا فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: إذهب إليه فاقتله. قال: فذهب إليه أبو بكر، فلما رآه على تلك الحالة كره أن يقتله، فجاء إلى رسول الله. فقال النبي صلى الله عليه وآله لعمر: إذهب إليه فاقتله. قال: فذهب عمر فرآه على تلك الحالة التي رآه أبو بكر، فكره أن يقتله. فرجع فقال: يا رسول الله، إني رأيته متخشعا فكرهت أن أقتله. فقال: يا علي، إذهب فاقتله. فذهب علي عليه السلام فلم يره. فرجع فقال: يا رسول الله، إني لم أره. فقال النبي صلى الله عليه وآله: (إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه، فاقتلوهم، هم شر البرية). وروي مثله في البحار: ج 8 طبع قديم ص 229 و 270.
(2). أي رد عمر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وأطاع أبو بكر قول عمر. روى ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج 3 ص 108 أن أبا هريرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: إذهب فمن لقيته وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة. فخرجت فكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هذا؟... فضرب عمر في صدري فخررت لأستي وقال: إرجع إلى رسول الله فأجهشت بالبكاء راجعا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما بالك؟ فأخبرته، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا عمر، فقال: ما حملك يا عمر على فعلت؟
(3). زاد في إرشاد القلوب: ويتورعون ذكرهما بسوء ما لا يتورعون عن ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله.