ومن العجب (1): قول قريش: إن الخلافة لا تكون إلا حيث كانت النبوة (2)، وإنما يستحقها بذلك، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قريش، ولم يعلمها (3) أحد [ من الأنصار ] في الحال، إن بني هاشم أولى منكم بها على هذه الحجة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) من بني هاشم، لكن صرفهم [ عن ] أن يحاجوهم بهذا اتفاق [ جميع ] من حضر السقيفة على صرف الأمر عن أهله ومنعه عن (4) مستحقه.
وقد روي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في كلام له أنفذه إلى معاوية: " فما راعني إلا والأنصار قد اجتمعت، فمضى إليهم أبو بكر فيمن تبعه من المهاجرين (5) فحاجهم بقرب قريش من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإن (6) كانت حجته عليهم بذلك ثابتة فقد كنت أنا [ إذا ] أحق بها من جماعتهم، لأني أقربهم منه وأمسهم به رحما، وإن لم يجب لي بذلك فالأنصار على حجتهم (7) " (8).
وروي عنه (عليه السلام) أنه قال:
فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم | فكيف بهذا والمشيرون غيب |
____________
(1) في " ش ": بل من العجب.
(2) في " ح ": إلا من حيث النبوة.
(3) في " ح ": ولم يقل لها.
(4) في " ش ": من.
(5) في " ش ": فيمن معه من الأنصار.
(6) في " ش ": قد.
(7) في " ش ": فالأنصار على دعواها لحجتهم.
(8) لم أجده بهذا اللفظ، نعم وجدت في نهج البلاغة: 387، كتاب رقم 28 قوله (عليه السلام):... ولما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله (صلى الله عليه وآله) فلجوا عليهم، فإن يكن الفلج به فالحق لنا دونكم، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم.
وانظر تاريخ الطبري: 3 / 218 وما بعدها.
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم | فغيرك أولى بالنبي وأقرب (1) |
وقيل (2): إنه قول [ قيس بن ] سعد [، وإنما تمثل به أمير المؤمنين (عليه السلام).
وقد أخذ الكميت (رحمه الله) هذا المعنى فقال:
فإن هي لم تصلح لخلق سواهم | فإن ذوي القربى أحق وأوجب (3) ] |
وحفظ عنه (عليه السلام) أنه قال في احتجاجهم أيضا لصحبته النبي (صلى الله عليه وآله) (4): " واعجباه!
أتكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالقرابة " (5)؟ ولسنا نرى على جميع الأمور أحدا هو أولى بها من المغضب (6) المهجور.
والعجب كله لقوم رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد ولى عمرو بن العاص وأسامة بن زيد على أبي بكر ثم يولونه على أمير المؤمنين (عليه السلام) والعباس (رضي الله عنه).
ومن عجيب أمرهم: دعواهم أن إمامة أبي بكر ثبتت عن إذن (7) من أهل الحل والعقد، وتأمل واختيار، هذا مع سماعهم قول عمر بن الخطاب: " كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين (8) شرها، فمن عاد إلى مثلها (9)
____________
(1) نهج البلاغة: 503. شرح نهج البلاغة: 18 / 437. بحار الأنوار: 29 / 609. ديوان الإمام علي (عليه السلام): 12.
(2) في " ش ": وروي.
(3) الروضة المختارة: 34. وفيه: لم تصلح لقوم... أحق وأقرب.
(4) في " ح ": بصحبته رسول الله (صلى الله عليه وآله).
(5) نهج البلاغة: 502، حكمة 190. وفيه: بالصحابة والقرابة.
(6) في " ش ": المغتصب.
(7) في " ش ": ارتياء.
(8) في " ش ": الناس.
(9) في " ح ": مثله.
ومن عجيب أمرهم: دعواهم أن الأمة اجتمعت على إمامة أبي بكر مع علمهم بقلة عدد العاقد (4) لها، وتأخر من تأخر عنها، وإنكار المنكرين لها، والخلف الواقع فيها في حال السقيفة وبعدها، فيقولون:
إن من خالف من الأنصار، وتأخر من بني هاشم الأخيار، مع وجوه الصحابة وأعيانهم، وبني حنيف بأسرهم، وما ظهر من إنكارهم أمارته (5)، وخلافهم كلهم شذاذ لا يخرقون الإجماع، [ ثم ينكرون أن يكون الإجماع ] حصل على حصار عثمان وخلعه (6)، وتكفيره وقتله، ولم يكن بالمدينة من أهلها ولا ممن كان بها من أهل مصر وغيرهم إلا محارب أو خاذل، ولم يحفظ في الإنكار عليهم قول لقائل. ويدعون أنه وعبيده المحاصرين معه في الدار ومروان ابن عمه قادحون في الإجماع. هذا، وقد رام قوم من بني أمية أن يصلوا عليه فلم يتمكنوا، وهموا أن يدفنوه في مقابر المسلمين، فلم يتركوا حتى مضوا [ به ] إلى
____________
(1) أنساب الأشراف: 2 / 264. تاريخ الطبري: 3 / 205. شرح نهج البلاغة: 2 / 275. نهج الحق:
264. تاريخ الخلفاء: 67.
(2) في " ح ": فشهدوا أنها.
(3) في " ح ": ادعوه من التهديد.
(4) في " ح ": عدد المعاقد.
(5) في " ش ": إمامته.
(6) في " ح ": وقلعه.
____________
(1) ذكر في مراصد الاطلاع: 1 / 405 أنه اشتراه عثمان. وذكر الطبري في تاريخه: 4 / 412 أن اليهود كانت تدفن فيه موتاهم.
(2) في " ح ": ليجزوا.
(3) في " ش ": ملقى.
(4) في " ح ": هذا.
(5) تاريخ الطبري: 4 / 412. الكامل في التاريخ: 3 / 180.
[ الفصل الخامس
في أغلاطهم في الإمام ]
فمن عجيب أمرهم: أنهم قصدوا إلى من رد إليه النبي (صلى الله عليه وآله) جيشا فلم يحسن أن يدبره ورجع منهزما [ فارا ] فيجعلونه إمام الأنام، ويردون إليه تدبير الجيوش العظام، ويصيرونه قبة (1) للإسلام، وسندا في الأمور الجسام، إن هذا لضد الصواب!
____________
(1) في " ح ": فتنة.
والقب: رئيس القوم وسيدهم، وقيل: هو الملك، وقيل: الخليفة، وقيل: هو الرأس الأكبر. (لسان العرب: 1 / 658 - قبب -).
الفصل السادس
في أغلاطهم (1) في علم الإمام
فمن عجيب أمرهم: [ قولهم: ] إن الإمام قدوة في الشريعة مع جواز جهله ببعضها، ولا يجيزون أن يكون [ قدوة ] فيها مع جهله بجميعها، وقولهم إنه يرجع في البعض الذي لا يعلمه إلى الأمة، ولا يجيزون أن يرجع في الكل إذا لم يعلمه إلى أحد من الأمة، ولسنا نجد فرقا بين حاجته إلى رعيته في بعض [ ما ] لا يعلمه، وبين حاجته إليهم في كل [ ما ] لا يعلمه.
بل من العجب: أن يكون الإمام محتاجا إلى من هو محتاج (2) إليه، مقتديا برعية يقتدون به، لأن هذا عند العقلاء من المناقضة القبيحة.
ومن عجيب أمرهم: أنهم يروون عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " ما ولت أمة قط أمرها رجلا (3) وفيهم [ من هو ] أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا (4)،
____________
(1) في " ش ": من غلطهم.
(2) في " ح ": يحتاج.
(3) في " ش ": جاهلا.
(4) السفال: الانحطاط والتدهور.
ويروون عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " من تولى شيئا من أمور المسلمين فولى رجلا شيئا من أمورهم وهو يعلم مكان رجل هو أعلم منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين " (3)، ثم إنهم يعلمون مع ذلك أن أبا بكر وعمر لم يوليا في أيامهما عليا (عليه السلام) [ شيئا ] مع معرفتهما بكمال علمه (4)، ويقدمان الجهال في الولايات عليه، ولا يستدلون بذلك على خيانتهما لله ولرسوله [ وللمؤمنين ]، ولا يكتفون به في العلم ببغضهما له (عليه السلام)، وليس يخفى على العاقل [ أنهما ] إن كانا رغبا عن ولايته فقد خانا الله ورسوله، وإن كان هو الراغب عن أن يتولى من قبلهما فكفى بذلك طعنا عليهما.
ومن عجيب أمرهم: قولهم: إن علوم الشريعة [ معروفة و ] مفترقة في الأمة، وأنها قد أحاطت بها، وهي الملجأ والمفزع فيها مع ما يدعون من عصمتها، ويستعظمون قولنا: إن الإمام هو المحيط بها والعالم بجميعها، والملجأ والمفزع فيها [ إليه ]، وهو المسدد المعصوم دونها، ويظلون من قولنا متعجبين، ويقيمون
____________
(1) في " ش ": وهم.
(2) أخرجه في بحار الأنوار: 72 / 155 نقلا عن كتاب البرهان في النص الجلي على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) للشيخ أبي الحسن علي بن محمد العدوي الشمشاطي النحوي.
وأخرجه في مستدرك الوسائل: 11 / 30، ح 4 عن بحار الأنوار.
انظر ترجمة الشيخ أبي الحسن علي العدوي الشمشاطي في: رجال النجاشي: 263، رقم 689. أعيان الشيعة: 8 / 307. معجم المؤلفين: 7 / 203.
(3) المعجم الكبير للطبراني: 11 / 114، ح 11216. مجمع الزوائد: 5 / 211.
(4) في " ش ": علي.
وليس لله بمستنكر (3) | أن يجمع العالم في واحد (4) |
ومن العجب: أنهم مع إنكارهم [ كمال ] علم الإمام، واستبعادهم تميزه في ذلك عن الأنام، وقولهم: لم تجر العادة بمثل هذا في بشر مخلوق لا يوحى إليه، ويروون أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " خذوا ثلث دينكم عن عائشة، [ لا ] بل خذوا ثلثي دينكم عن عائشة، لا بل خذوا دينكم كله عن عائشة " (5)، فيا عجبا كيف ثبت لعائشة هذا الكمال الذي تميزت به عن الأنام، واستحال مثله في الإمام، الذي هو خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) (6) والحجة بعده على الخاص والعام!
بل من العجب (7): إنكارهم أن يكون خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أمته، والمنفذ بعده أحكام شريعته، حافظا لعلوم الشريعة، محيطا بأحكام الملة، مستغنيا في ذلك عن الرعية، ويدعون أن شيخهم الجاحظ على سخافته وخلاعته (8)، وقبيح فعله، ومشتهر فسقه، قد عرف كل علم، وصنف في كل فن من فرع وأصل،
____________
(1) سورة ص: 5.
(2) سورة ص: 8.
(3) في " ش ": بمستكبر.
(4) القائل هو أبو نؤاس، انظر ديوانه: 454.
(5) تأتي تخريجاته ص 132.
(6) في " ش ": خليفة النبي (صلى الله عليه وآله).
(7) في " ش ": ومن العجب العجيب.
(8) في " ح ": على سخافته وهزله، وجذاعته وصلاعته.
ومن عجيب أمرهم: أنهم يسمعون قول النبي (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام): " أنا مدينة العلم وعلي بابها " (5)، وقوله (صلى الله عليه وآله) [ فيه ]: " أقضاكم علي " (6)، وقوله [ فيه ]:
" علي مع الحق، والحق مع علي، اللهم أدر الحق [ مع علي ] حيثما دار " (7) ويقطع أعذارهم الإجماع [ على ] فقر الصحابة إليه [ بل وسؤالهم، لمن دونه، وهو ابن عباس الذي كان عمر يفتقر إليه ] في المسائل ويقول [ له ]: " غص يا غواص " (8) مع اعتراف ابن عباس (رحمه الله) بأنه أخذ عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، [ ومن قوله إذا ذكر عنده: ذاك حديث يأكل الأحاديث، ] ثم إنهم يدعون مع هذا كله أن أمير المؤمنين (عليه السلام) [ لم ] يعرف الحكم في عتق موالي صفية عمته حيث نازعه الزبير بن العوام ورافعه إلى عمر بن الخطاب، حتى عرفه عمر [ الصواب ]، وقال له: إن الزبير أحق [ منه ] بميراث من أعتقته صفية، فرجع إلى قوله، ورضي بحكمه،
____________
(1) في " ح ": وجدل.
(2) في " ش ": ومعانيه.
(3) في " ش ": مصنفاته.
(4) في " ح ": إن هذا لعظيم.
(5) الفصول المختارة: 135. المستدرك على الصحيحين: 3 / 126 - 127. بحار الأنوار: 10 / 445.
(6) الفصول المختارة: 135، الصراط المستقيم: 2 / 9 و 10. بحار الأنوار: 10 / 445.
(7) الفصول المختارة: 135. بحار الأنوار: 10 / 445.
(8) تنبيه الخواطر: 2 / 5. بحار الأنوار: 40 / 195.
" علي مع الحق، والحق مع علي، اللهم أدر الحق مع علي حيثما دار "، وهو القائل: " سلوني قبل أن تفقدوني، فإن بين ضلوعي علما جما " (1)، فكيف يهديه إلى الصواب عمر بن الخطاب، وعمر يقول بغير خلاف لما رده أمير المؤمنين (عليه السلام) عن مواضع ظهر منه فيها الأغلاط: " لولا علي لهلك عمر " (2)؟ وهل حكومة عمر
____________
(1) أمالي الصدوق: 422 - 425. الاختصاص: 235. بحار الأنوار: 10 / 117، ح 1.
(2) لقد قال الخليفة الثاني مثل هذا مرارا وفي مواقف كثيرة وبألفاظ شتى: اللهم إني أعوذ بك من عضيهة ليس لها علي عندي حاضرا، اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب، عجزت النساء أن تلد مثل علي بن أبي طالب، كل الناس أفقه منك يا عمر، لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها علي، لا عشت في أمة لست فيها يا أبا حسن، لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو حسن، لولا علي لهلك عمر، و...
انظر: طبقات ابن سعد: 2 / 339. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: 2 / 647، ح 1100.
أنساب الأشراف: 2 / 100، ح 29 و 30. المستدرك على الصحيحين: 1 / 457. الإستيعاب:
3 / 39. المقنع في الإمامة للسدابادي: 79. المناقب للخوارزمي: 81، ح 65. ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من تاريخ مدينة دمشق: 3 / 50 - 53، ح 1079 - 1082.
الفائق للزمخشري: 2 / 445. المناقب لابن شهرآشوب: 2 / 31. صفة الصفوة لابن الجوزي:
314. أسد الغابة: 4 / 22 - 23. مطالب السؤول: 82. تذكرة الخواص: 144. كفاية الطالب:
217. بناء المقالة الفاطمية: 194 و 202. كشف الغمة: 1 / 118. ذخائر العقبى: 82.
الرياض النضرة: 3 / 166. لسان العرب: 11 / 453. نهج الحق وكشف الصدق: 240 و 277 و 278 و 350. كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 377. المستجاد: 125. فرائد السمطين: 1 / 351. تهذيب التهذيب: 7 / 337. الإصابة: 2 / 509. الفصول المهمة: 35.
جواهر المطالب: 1 / 195 و 200. الصواعق المحرقة: 127. فيض القدير: 4 / 357.
بحار الأنوار: 30 / 678 و 679 و 690 و 40 / 148 و 149. مناقب أهل البيت (عليهم السلام) للشرواني:
193. نور الأبصار للشبلنجي: 88. ينابيع المودة: 1 / 227 و 2 / 172. الغدير 6 / 327 و 328.
إحقاق الحق: 8 / 25.
الفصل السابع
في أغلاطهم في العصمة
فمن عجيب أمرهم: أنهم ينكرون عصمة الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) عن سائر الأنام، ويقولون: إن هذه العصمة إن كانت منهم جاز أن تقع في غيرهم فيساويهم في منزلتهم، وإن كانت من الله سبحانه فقد جبرهم واضطرهم ولم يستحقوا ثوابا على عصمتهم، وهم مع ذلك معترفون بأن النبي (صلى الله عليه وآله) معصوم في التأدية والتبليغ، ومعصوم عما سوى ذلك من جميع كبائر الذنوب في حال نبوته وقبلها، وأنها عصمة اختيار يستحق عليها الجزاء، ولا يساويه أحد من أمته فيها!
ومن عجيب أمرهم: إنكارهم لعصمة الأئمة وقولهم إنها لا تقتضي الاختيار!
ومن العجب: قولهم: إن العصمة ثابتة لجميع الأمة، منتفية عن كل واحد منها، مع علمهم بأن آحادهم جماعتها، وأنها إذا كانت مؤمنة بأجمعها كان الإيمان حاصلا لآحادها، ولو كفر جميعها لكان الكفر حاصلا مع كل واحد منها، وقد قال أحد المعتزلة يوما وقد سمع هذا الكلام فرق بين العصمة وما ذكرت من الكفر والإيمان، وذلك أن ما ثبت لكل واحد منها فهو ثابت لجماعتها، وليس كلما ثبت لجماعتها ثابت لكل واحد منها، فلذلك إذا آمن آحادها كان جميعها مؤمنين،
فقلت له: ما رأيت أعجب من أمرك وانصرافك عن مقتضى قضيتك إذا كان ما ثبت لكل واحد من الأمة ثابتا لجميعها فقد ثبت عندي وعندك الحكم على كل واحد منها بجواز الخطأ والنسيان وتعمد الغلط في الأفعال والأقوال، فاحكم بثبوت ذلك لجميعها وأسقط ما ادعيت من عصمتها، فلم يدر ما يقول بعد هذا.
ومن عجيب أمرهم، وطريف رأيهم: قولهم: إن الأمة معصومة، وقولها حجة، وهي مفتقرة مع ذلك إلى إمام، وإمامها غير معصوم، ولا قوله حجة، وليس هو مفتقر إلى إمام، وهذا من أعجب الأقوال!
ومن عجيب المناقضة: أن يكون لها إمام ولا يكون ارتفاع العصمة عن الإمام موجبا أن يكون له إمام، ولا يكون أيضا غناية عن الإمام يقتضي تميزه بالعصمة عن الأنام، إنهم جعلوا حجتهم في عصمة الأمة وفي أن إجماعها صواب وحجة خبرا نسبوه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو أنه: " لا تجتمع أمتي على ضلالة " (1) وهذا الخبر لا يمكنهم على أصلهم أن يدعوا فيه التواتر إذا كان غير موجب لسامعيه على الضرورة بصحته، فهو لا محالة من أخبار الآحاد، فهم إذا قد جعلوا دليل الدعوى بأن الأمة لا تجتمع على ] (2) ضلال قول بعضها، والحجة على عصمتها شهادة واحد (3) منها، ولم يعلموا أن الخلاف في قول جميعها يتضمن الخلاف في قول
____________
(1) الدرر المنتثرة: 143، ح 459. الأسرار المرفوعة: 52، ح 163. كشف الخفاء: 2 / 470، ح 2999.
(2) ما بين المعقوفين سقط من " ش ".
(3) في " ش ": واحدة.
____________
(1) في " ش ": والتخطئة لسائرها فيه التخطئة لواحدها.
(2) في " ح ": أصله.
(3) في " ح ": على نفسه.
(4) زاد في " ش ": على المقدم.
ومن العجب العجيب: امتناعهم من إمامة من علموه فاسقا وتجويزهم أن يكون في باطنه كافرا (1)، فلئن كان الفسق مانعا من تقديم الفاسق ليكونن تجويز الكفر مانعا من [ تقديم من ] هو عليه جائز، لأن الكفر يشتمل على الفسق (2) وغيره، ومن لم يفهم هذا فهو مريض الذهن، عار من المعرفة (3).
____________
(1) في " ش ": من علموه فاسقا إمامة من يجوز أن يكون في باطنه كافرا.
(2) في " ش ": الفسوق.
(3) في " ش ": فهو خال من الفطنة.