قلت: لا نسلم توقف الاضطرار إلى هذه الامور على الاضطرار إلى الصلاة التي تقع فيها، بل الظاهر أنه يكفي في صدق الاضطرار إليها كونها لا بد من فعلها مع وصف إرادة الصلاة في تلك الوقت لا مطلقا.
نظير ذلك: أنهم يعدون من أولي الاعذار من لا يتمكن من شرط الصلاة في أول الوقت مع العلم أو الظن بتمكنه منه فيما بعده، فإن تحقق الاضطرار ثبت الجواز الذي هو رفع المنع الثابت فيه حال عدم التقية، وهو المنع الغيري.
ومنها: ما رواه في أصول الكافي (4) بسنده عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: " التقية في كل شئ إلا في شرب المسكر والمسح على الخفين " (5).
دلت الرواية على ثبوت التقية ومشروعيتها في كل شئ ممنوع لولا التقية، إلا في الفعلين المذكورين، فاستثناء المسح على الخفين مع كون المنع فيه
____________
(1) في (ط): الترخص.
(2) في (ط) و (ك) اقتضاه، والمثبت هو الصحيح، للسياق.
(3) في (ط) و (ك): سوغه، والمثبت هو الصحيح، للسياق.
(4) كتاب الكافي في الحديث من أجل الكتب الاربعة المعتمد عليها، لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول عليهم السلام، وهو على ثلاثة أقسام: الاصول، والفروع، والروضة.
وهو تأليف ثقة الاسلام محمد بن يعقوب بن أبي اسحاق الكليني الرازي، ثقة عارف بالاخبار، توفي سنة 328 ببغداد.
خلاصة الاقوال: 135، الذريعة 17 / 245.
(5) الكافي 2 / 172 حديث 2 باب التقية، وفيه: عن أبي عمر الاعجمي قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: "..... والتقية في كل شئ إلا في النبيذ والمسح على الخفين ".
وفي معنى هذه الرواية روايات أخر واردة في هذا الباب:
مثل قوله عليه السلام: " ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا: المسح على الخفين، وشرب النبيذ، ومتعة الحج " (1).
فإن معناه ثبوت التقية فيما عدا الثلاث من الامور الممنوعة في الشريعة، و رفعها للمنع الثابت فيها بحالها من المنع النفسي والغيري كما تقدم.
ثم إن مخالفة ظاهر المستثنى في هذه الروايات لما أجمع عليه - من ثبوت التقية في المسح على الخفين وشرب النبيذ - لا يقدح فيما نحن بصدده.
لان ما ذكرنا في تقريب دلالتها على المطلب لا يتفاوت الحال فيه بين إبقاء الاستثناء على ظاهره أو حمله على بعض المحامل، مثل اختصاص الاستثناء بنفس الامام عليه السلام، كما يظهر من الرواية المذكورة، وتفسير الراوي في بعضها الآخر (2)، والتنبيه على عدم تحقق التقية فيها، لوجود المندوحة أو لموافقة بعض الصحابة أو التابعين على المنع من هذه الامور، إلى غير ذلك من المحامل الغير القادحة في استدلالنا المتقدم.
____________
(1) الكافي 3 / 32 حديث 1 باب مسح الخف، الفقيه 1 / 30 حديث 95، التهذيب 1 / 362 حديث 1093، الاستبصار 1 / 76 حديث 236.
(2) ففي الكافي والتهذيب والاستبصار: أن زرارة بن أعين قال بعد الحديث السابق: ولم يقل الواجب عليكم ألا تتقوا فيهن أحدا.
فإن الامر باتمام الصلاة على ما استطاع مع عدم الاضطرار إلى فعل الفريضة في ذلك الوقت معللا بأن التقية واسعة، يدل على جواز أداء الصلاة في سعة الوقت على جميع وجوه التقية، بل على جواز كل عمل على وجه التقية وإن لم يضطر إلى ذلك العمل، لتمكنه من تأخيره إلى وقت الامن.
ومنها: قوله عليه السلام في موثقة مسعدة بن صدقة وتفسير ما يتقى فيه: " أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على خلاف حكم الحق وفعله " (5).
فكل شئ يعمله المؤمن منهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلى فساد الدين فهو جائز، بناء على أن المراد بالجواز في كل شئ بالقياس إلى المنع المتحقق فيه لولا التقية، فيصدق على التكفير في الصلاة الذي يفعله المصلي في محل التقية أنه
____________
(1) هو: سماعة بن مهران بن عبد الرحمن الحضرمي، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام، ثقة ثقة، له كتاب يرويه عنه جماعة كثيرة توفي بالمدينة المنورة.
رجال النجاشي: 193.
(2) في المصدر: فخرج.
(3) في (ط) والكافي: من صلاة فريضة فقال.
(4) الكافي 3 / 380 حديث 7 باب الرجل يصلي وحده ثم يعيد....، التهذيب 3 / 51 حديث 177، الوسائل 5 / 458 حديث 2 من باب 56 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) الكافي 2 / 134 و 135 حديث 1 باب فيما يوجب الحق ممن انتحل....
ودعوى أن الداعي على التكفير ليس التقية، لامكان التحرز عن الخوف بترك الصلاة في هذا الجزء من الوقت، فلا يكون عمل التكفير لمكان التقية.
مدفوعة بنظير ما عرفت في الرواية الاولى (1): من أنه يصدق على المصلي أنه يكفر لمكان التقية وإن قدر على ترك الصلاة.
ومنها: قوله عليه السلام في رواية أبي الصباح (2): " ما صنعتم [ من ] (3) شئ أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة " (4).
فيدل على أن المتقي في سعة من الجزء والشرط المتروكين تقية، ولا يترتب عليه من جهتهما تكليف بالاعادة والقضاء، نظير قوله عليه السلام: " الناس في سعة ما لم يعلموا " بناء على شموله لما لم تعلم جزئيته أو شرطيته كما هو الحق.
الثاني: أنه لا ريب في تحقق التقية مع الخوف الشخصي: بأن يخاف على نفسه أو غيره من ترك التقية في خصوص ذلك العمل، ولا يبعد أن يكتفى بالخوف من بناؤه على ترك التقية في سائر أعماله أو بناء سائر الشيعة على تركها في العمل الخاص أو مطلق العمل النوعي في بلاد المخالفين، وإن لم يحصل للشخص بالخصوص خوف، وهو الذي يفهم من إطلاق أوامر التقية وما ورد من الاهتمام فيها.
____________
(1) راجع هامش (4) من الصفحة السابقة.
(2) هو: أبو الصباح الكناني، روى عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام، وروى عنه جماعة كثيرة من الرواة.
معجم رجال الحديث 21 / 189 و 191.
(3) في (ط) و (ك): في، المثبت من المصدر.
(4) الكافي 7 / 4420 حديث 15 باب ما لا يلزم من الايمان والنذور، التهذيب 8 / 286 حديث 1052.
نعم، في حديث أبي الحسن الرضا صلوات الله عليه معاتبا لبعض أصحابه الذين صحبهم: " إنكم تتقون حيث لا تجب التقية وتتركون حيث لابد من التقية " (3).
وليحمل على بعض ما لا ينافي القواعد.
الثالث: أنه لو خالف التقية في محل وجوبها فقد أطلق بعض بطلان العمل المتروك فيه.
والتحقيق: أن نفس ترك التقية في جزء العمل أو في شرطه أو في مانعه لا يوجب بنفسه إلا استحقاق العقاب على تركها، فإن لزم عن ذلك ما يوجب بمقتضى القواعد بطلان الفعل بطل، وإلا فلا.
فمن مواقع البطلان: السجود على التربة الحسينية مع اقتضاء التقية تركه، فإن السجود يقع منهيا عنه، فيفسد الصلاة.
ومن مواضع عدم البطلان: ترك التكفير في الصلاة، فإنه وإن حرم لا يوجب البطلان، لان وجوبه من جهة التقية لا يوجب كونه معتبرا في الصلاة لتبطل بتركه.
وتوهم أن الشارع أمر بالعمل على وجه التقية.
مدفوع بأن تعلق الامر بذلك العمل المقيد ليس من حيث كونه مقيدا بتلك الوجه، بل من حيث نفس الفعل الخارجي الذي هو قيد اعتباري للعمل
____________
(1) في (ط): سجية له.
(2) ونص الحديث كما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن الامام الصادق عليه السلام قال: " عليكم بالتقية، فإنه ليس منا من لم يجعلها شعاره.... " امالي الطوسي 1 / 299.
(3) الاحتجاج 2 / 441، باب احتجاج الامام الرضا عليه السلام.
وتوضيحه: أن المأمور به ليس هو الوضوء المشتمل على غسل الرجلين، بل نفس غسل الرجلين الواقع في الوضوء، وتقييد الوضوء باشتماله على غسل الرجلين مما لم يعتبره الشارع في مقام الامر، فهو نظير تحريم الصلاة المشتملة على محرم خارجي لا دخل له في الصلاة.
فإن قلت: إذا كان إيجاب الشئ للتقية لا يجعله معتبرا في العبادة حال التقية، لزم الحكم بصحة وضوء من ترك المسح على الخفين، لان المفروض أن الامر بمسح الخفين للتقية لا يجعله جزءا، فتركه لا يقدح في صحة الوضوء، مع أن الظاهر عدم الخلاف في بطلان الوضوء.
قلت: ليس الحكم بالبطلان من جهة ترك ما وجب بالتقية، بل لان المسح على الخفين متضمن لاصل المسح الواجب في الوضوء مع إلغاء قيد مماسة (1) الماسح للمسوح، كما في المسح على الجبيرة الكائنة في موضع الغسل أو المسح، وكما في المسح على الخفين لاجل البرد المانع من نزعها، فالتقية إنما أوجبت إلغاء قيد المباشرة، وأما صورة المسح ولو مع الحائل فواجبة واقعا لا من حيث التقية، فالاخلال بها يوجب بطلان الوضوء بنقض جزء منه.
ومما يدل على انحلال المسح إلى ما ذكرنا من الصورة وقيد المباشرة قول الامام عليه السلام لعبد الاعلى (2) مولى آل سام، سأله عن كيفية مسح من جعل على إصبعه مرارة: " أن هذا وشبهه يعرف من كتاب الله، وهو قوله تعالى (ما
____________
(1) في (ط): مماسية.
(2) هو عبد الاعلى مولى آل سام الكوفي، من أصحاب الامام الصادق عليه السلام، وقد اختلف علماؤنا في اعتباره وعدمه.
رجال الشيخ: 238، معجم رجال الحديث 9 / 2560.
فإن معرفة وجوب المسح على المرارة الحائلة بين الماسح والممسوح من آية نفي الحرج لا تستقيم إلا بأن يقال:
إن المسح الواجب في الوضوء ينحل إلى صورة المسح ومباشرة الماسح للممسوح، ولما سقط قيد المباشرة لنفي الحرج تعين المسح من دون مباشرة، وهو المسح على الحائل، وكذلك فيما نحن فيه سقط قيد المباشرة ولا تسقط صورة المسح عن الوجوب.
وكذلك الكلام في غسل الرجلين للتقية، فإن التقية إنما أوجبت سقوط الخصوصية المائزة بين الغسل والمسح، وأما ايصال الرطوبة إلى الممسوح فهو واجب لا من حيث التقية، فإذا أخل به المكلف فقد ترك جزءا من الوضوء، فبطلان الوضوء من حيث ترك ما وجب لا لاجل التقية، لا ترك ما وجب للتقية.
ومما يؤيد ما ذكرنا ما ذكره غير واحد من الاصحاب: من أنه لو دار الامر بين المسح على الخفين وغسل الرجلين قدم الثاني، لان فيه إيصال الماء، بخلاف الاول، فلو كان نفس الفعل المشتمل على القيد - والمقيد إنما وجب تقية - لم يعقل ترجيح شرعي بين فعلين ثبت وجوبهما بأمر واحد، وهو الامر بالتقية، لان نسبة هذا الامر إلى الفردين نسبة واحدة، إلا أن يكون ما ذكروه فرقا اعتباريا منشؤه ملاحظة الاسباب العقلية.
لكن يبقى على ما ذكرنا في غسل الرجلين أنه لو لم يتمكن المكلف من المسح تعين عليه الغسل الخفيف، ولا يحضرني من أفتى به، لكن لا بأس باعتباره، كما في عكسه المجمع عليه، وهو تعين المسح عند تعذر الغسل، ويمكن
____________
(1) الحج 22 / 78.
(2) الكافي 3 / 33 حديث 4 باب الجبائر والقروح والجراحات، التهذيب 1 / 363 حديث 1097.
ولو قلنا بعدم الحكم المذكور فلا بأس بالتزام عدم بطلان الوضوء فيما إذا ترك غسل الرجلين الواجب للتقية، لما عرفت من أن أوامر التقية لم تجعله جزءا، بل الظاهر أنه لو نوى به الجزئية بطل الوضوء، لان التقية لم توجب نية الجزئية، وإنما أوجب العمل الخارجي بصورة الجزء.
____________
(1) انظر هامش (2) من الصفحة السابقة.
المقام الرابع:
في ترتب آثار الصحة على العمل الصادر تقية لا من حيث الاعادة والقضاء، سواء كان العمل من العبادات كالوضوء من جهة رفع الحدث، أم من المعاملات كالعقود والايقاعات الواقعة على وجه التقية.
فنقول: إن مقتضى القاعدة عدم ترتب (1) الآثار، لما عرفت غير مرة من أن أوامر التقية لا تدل على أزيد من وجوب التحرز عن الضرر، وأما الآثار المترتبة على العمل الواقعي فلا.
نعم، لو دل دليل في العبادات على الاذن من امتثالها على وجه التقية، فقد عرفت أنه يستلزم سقوط الاتيان به ثانيا بذلك العمل.
وأما الآثار الاخر - كرفع الحدث في الوضوء بحيث لا يحتاج المتوضئ تقية إلى وضوء آخر بعد رفع التقية بالنسبة إلى ذلك العمل الذي توضأ له - فإن كان ترتبه متفرعا على ترتب الامتثال بذلك العمل حكم بترتبه، وهو واضح، أما لو لم يتفرع عليه احتاج إلى دليل آخر.
ويتفرع على ذلك ما يمكن أن يدعى أن رفع الوضوء للحدث السابق عليه من الآثار امتثال الامر به، بناء على أن الامر بالوضوء ليس إلا لرفع الحدث، وأما وضوء دائم الحدث فكونه مبيحا لا رافعا من جهة دوام الحدث، لا من جهة قصور الوضوء عن التأثير.
وربما يتوهم أن ما تقدم من الاخبار الواردة في أن كل ما يعمل للتقية فهو جائز وأن كل شئ يضطر إليه للتقية فهو جائز، يدل على ترتب الآثار مطلقا، بناء على أن معنى الجواز والمنع في كل شئ بحسبه.
فكما أن الجواز والمنع في الافعال المستقلة في الحكم كشرب النبيذ ونحوه
____________
(1) في (ط) ترتيب.
وهذا توهم مدفوع بما لا يخفى على المتأمل.
ثم لا بأس بذكر بعض الاخبار الواردة مما اشتمل (1) على بعض الفوائد.
منها: ما عن الاحتجاج (2) بسنده عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في بعض احتجاجه على بعض، وفيه: " وآمرك أن تستعمل التقية في دينك، فإن الله عز وجل يقول: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة) (3) وقد أذنت لك في تفضيل أعدائنا إن ألجأك الخوف إليه، وفي إظهار البراءة إن [ حملك الوجل ] (4) عليه، وفي ترك الصلوات المكتوبات إن خشيت على حشاشتك الآفات والعاهات، [ فإن تفضيلك ] (5) أعدائنا عند خوفك لا ينفعهم ولا يضرنا، وإن إظهار براءتك عند تقيتك لا يقدح فينا (6)، [ ولئن تبرأت منا ] (7) ساعة بلسانك وأنت موال لنا
____________
(1) أي: البعض من الاخبار.
(2) الاحتجاج على أهل اللجاج، فيه احتجاجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم والائمة عليهم السلام وبعض الصحابة وبعض العلماء.
وهو تأليف أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، عالم فاضل محدث ثقة، توفي في أوائل القرن السادس.
لؤلؤة البحرين: 341، الذريعة 1 / 281.
(3) آل عمران 3 / 28.
(4) في (ط) و (ك): حمل الرجل، والمثبت من المصدر.
(5) في (ط) و (ك): وتفضيلك، والمثبت من المصدر.
(6) في المصدر: ولا ينقصنا.
(7) في (ط) و (ك): ولا تبرأ منا، والمثبت من المصدر.
وفيها دلالة على أرجحية اختيار البراءة على العمل، بل تأكد وجوبه.
لكن في أخبار كثيرة، بل عن المفيد في الارشاد (9): أنه قد استفاض عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: " ستعرضون من بعدي على سبي فسبوني،
____________
(1) في (ط) و (ك): لتتقي، والمثبت من المصدر.
(2) في المصدر: وتصون من عرف بذلك وعرفت به من أوليائنا.
(3) في المصدر: واخواننا من بعد ذلك بشهور وسنين إلى أن يفرج الله تلك الكربة وتزول به تلك الغمة.
(4) في (ط) و (ك): في الدين، ولم يرد لفظ " في " في المصدر.
(5) في المصدر: شائط.
(6) في المصدر: لنعمتك ونعمهم.
(7) زيادة من المصدر.
(8) الاحتجاج 1 / 239، باب احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام.
(9) كتاب الارشاد في معرفة حجج الله على العباد، فيه تواريخ الائمة الطاهرين الاثني عشر عليهم السلام، والنصوص عليهم، ومعجزاتهم، وطرف من أخبارهم، من ولادتهم ووفياتهم، ومدة أعمارهم، وعدة من خواص أصحابهم.
وهو تأليف أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، المعروف بالشيخ المفيد، عالم عامل جليل القدر، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية وغيرها، توفي في بغداد سنة 413 ه وقيل: 414 ه.
رجال النجاشي: 399، الذريعة 1 / 509.
وظاهرها حرمة التقية فيها كالدماء، ويمكن حملها على أن المراد الاستمالة والترغيب إلى الرجوع حقيقة عن التشيع إلى النصب.
مضافا إلى أن المروي في بعض الروايات أن النهي من التبري مكذوب على أمير المؤمنين وأنه لم ينه عنه.
ففي موثقة مسعدة بن صدقة: قلت لابي عبد الله عليه السلام: إن الناس يروون أن عليا عليه السلام قال على منبر الكوفة: أيها الناس إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني، ثم تدعون إلى البراءة فلا تبرؤا مني، فقال عليه السلام: " ما أكثر ما يكذب الناس على علي عليه السلام، ثم قال: إنما قال: ستدعون إلى سبي فسبوني، ثم تدعون إلى البراءة مني وإني لعلى دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يقل لا تبرؤا مني " فقال له السائل: أرأيت إن اختار القتل دون البراءة؟ فقال: " والله ما ذاك عليه ولا له، إلا ما مضى عليه عمار بن ياسر (2) حيث أكرهه أهل مكة وقلبه مطمئن بالايمان، فانزل الله تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) (3) فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندها: يا عمار إن عادوا فعد " (4).
____________
(1) الارشاد: 169، وفيه: ".... فإن عرض عليكم البراءة مني فلا تبرؤا مني، فإني ولدت على الاسلام، فمن عرض عليه البراءة مني فليمدد عنقه، فمن تبرأ مني فلا دنيا له ولا آخرة ".
(2) قال المير داماد: هو أبو اليقظان، سماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالطيب ابن الطيب، شهد بدرا ولم يشهدها ابن من المؤمنين غيره، وشهد احدا والمشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم والجمل وصفين مع أمير المؤمنين عليه السلام، وقتل بصفين شهيدا، ودفن هناك سنة 37 ه وهو ابن 93.
تعليقة اختيار معرفة الرجال - المطبوعة بهامشه - 1 / 126.
(3) النحل 16 / 106.
(4) الكافي 2 / 173 حديث 10 باب التقية.
[ وفي رواية عبد الله بن عطاء قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: رجلان من أهل الكوفة اخذا، فقيل لهما: ابرءا من أمير المؤمنين ] (5)، فتبرأ واحد منهما وأبى الآخر، فخلي سبيل الذي تبرأ وقتل الآخر، فقال عليه السلام: " أما الذي تبرأ فرجل فقيه في دينه، وأما الذي لم يتبرأ فرجل تعجل إلى الجنة " (6).
وعن كتاب الكشي (7) بسنده إلى يوسف بن عمران الميثمي (8) قال:
____________
(1) هو محمد بن مروان الكلبي، يروي عن أبي عبد الله عليه السلام، ويروي عنه جميل بن صالح وجميل بن دراج والحكم بن مسكين وغيرهم.
جامع الرواة: 190.
(2) هو ميثم بن يحيى التمار الكوفي الاسدي بالولاء، من خواص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، وهو أول من الجم في الاسلام، كان عبدا لامرأة من بني أسد فاشتراه أمير المؤمنين عليه السلام وأعتقه، حبسه عبيد الله بن زياد لصلته بأمير المؤمنين عليه السلام، ثم أمر به فصلب على خشبة، فجعل يحدث بفضائل بني هاشم، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، فقال: الجموه، فاستشهد سنة 60 بعد قطع يديه ورجليه بأمر ابن مرجانة كما أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام.
الذريعة 4 / 317، اعلام الزركلي 7 / 336.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ط) و (ك) وأثبتناه من المصدر.
(4) الكافي 2 / 174 حديث 15 باب التقية، النحل 16 / 106.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ط) و (ك) وأثبتناه من المصدر.
(6) الكافي 2 / 175 حديث 21 باب التقية.
(7) كتاب الكشي اسمه: معرفة الناقلين عن الائمة الصادقين عليهم السلام، وكانت فيه أغلاط كثيرة فهذبه الشيخ الطوسي وسماه اختيار معرفة الرجال.
وهو لابي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي، ثقة عينا، صحب العياشي وأخذ عنه وتخرج عليه.
رجال النجاشي: 372، الذريعة 1 / 365، 21 / 261.
(8) هو يوسف بن عمران الميثمي، روى عن ميثم النهرواني وروى عنه علي بن محمد.
=>
____________
<=
اختيار معرفة الرجال 1 / 295 حديث 139، معجم رجال الحديث 20 / 174.
(1) في (ك) و (ط): الهرواني، والمثبت هو الصحيح.
(2) هو عبيد الله بن زياد بن أبيه بن مرجانة، ولد بالبصرة وكان مع والده لما مات بالعراق، ولاه معاوية خراسان ثم البصرة، ولما هلك معاوية أقره يزيد على امارته، ثم أمره على عسكره لقتال الامام الحسين عليه السلام، فكانت الفاجعة العظمى بشهادة الامام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه رضوان الله عليهم على يد عبيد الله بن زياد، وهلك ابن زياد على يد إبراهيم الاشتر في خازر من أرض الموصل.
اعلام الزركلي 4 / 193 بتصرف.
(3) اختيار معرفة الرجال 1 / 295 حديث 139، وفيه بدل لفظ روضتي: درجتي.