الصفحة 69
السعدآبادي، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن داود بن القاسم، قال:

سمعت علي بن موسى الرضا عليهما السلام، يقول: من شبه الله بخلقه فهو مشرك، ومن وصفه بالمكان فهو كافر، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كاذب، ثم تلا هذه الآية: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون)(1).

26 - حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي، قال: حدثنا الهيثم بن عبد الله الرماني، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس في مسجد الكوفة، فقال:

الحمد لله الذي لا من شئ كان، ولا من شئ كون ما قد كان، مستشهد بحدوث الأشياء على أزليته(2) وبما وسمها به من العجز على قدرته، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه، لم يخل منه مكان فيدرك بأينية، ولا له شبه مثال فيوصف بكيفية(3) ولم يغب عن علمه شئ فيعلم بحيثية(4) مبائن لجميع ما أحدث في

____________

(1) النحل: 105.

(2) في البحار (المستشهد - الخ).

(3) في البحار باب جوامع التوحيد وفي نسخة (و) و (ب) و (د) (ولا له شبح مثال - الخ).

(4) (فيعلم) على صيغة المعلوم والمستتر فيه يرجع إلى الله تعالى ومفعوله محذوف، أي لم يغب عن علمه شئ فيعلمه بحيثية دون حيثية بل أحاط بكل شئ علما إحاطة تامة، أو المعنى لم يخرج عن علمه شئ حتى يعلم ذلك الشئ بصورته التي هي حيثية من حيثياته، وفي البحار (ولم يغب عن شئ فيعلم بحيثية) ويحتمل أن يكون على صيغة المجهول كالفعلين قبله، وفي نسخة (ط) و (ج) و (د). (بحيثية) بالإضافة إلى الضمير وكذا (بكيفيته) وفي نسخة (ن) و (ب) كذلك في (باينيته أيضا).


الصفحة 70
الصفات، وممتنع عن الادراك بما ابتدع من تصريف الذوات(1) وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرف الحالات، محرم على بوارع ثاقبات الفطن تحديده(2) و على عوامق ناقبات الفكر تكييفه، وعلى غوائص سابحات الفطر تصويرة(3) لا تحويه الأماكن لعظمته، ولا تذرعه المقادير لجلاله، ولا تقطعه المقائيس لكبريائه، ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه، وعن الأفهام أن تستغرقه(4) وعن الأذهان أن تمثله، قد يئست من استنباط الإحاطة به طوامح العقول، ونضبت عن الإشارة إليه بالاكتناه بحار العلوم، ورجعت بالصغر عن السمو إلى وصف قدرته لطائف الخصوم(5) واحد لا من عدد، ودائم لا بأمد، وقائم لا بعمد، ليس بجنس فتعادله الأجناس، ولا بشبح فتضارعه الأشباح، ولا كالأشياء فتقع عليه الصفات، قد ضلت العقول في أمواج

____________

(1) (بما) متعلق بالادراك أي يمتنع أن يدرك ذاته بما ابتدع من الذوات الممكنة المتغيرة المتصرفة لأن ذاته مبائنة لهذه الذوات والشئ لا يعرف بمبائنه.

(2) هذا من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الفطن الثاقبة البارعة، وكذا فيما بعده.

(3) في البحار (النظر)) مكان (الفطر)، وهو أنسب لأن الغوص من شؤون النظر الذي يغوص في بحار المبادي ويأخذ ما يناسب مطلوبه التصوري أو التصديقي وأما الفطرة فساكنة مطمئنة تنظر دائما بعينها إلى جناب قدس الرب تعالى وعينها عمياء عما سواه، وهذا هو الدين القيم الحنيف الذي أمر بإقامة الوجه له في الكتاب.

(4) في نسخة (ج) وحاشية نسخة (ط) (أن تستعرفه).

(5) الباء بمعنى مع والى متعلق بالسمو، أي رجعت الخصوم اللطيفة الدقيقة مع الذل والحقارة عن التصعد إلى وصف قدرته، والمراد بالخصوم الأوهام وإنما أطلق الخصم على الوهم لأنه يخاصم وينازع العقل فيما هو خارج عن إدراكه فيشبهه في الإحكام بما هو في إدراكه، ويحتمل أن يكون المراد بها الأفكار القوية التي تنازع جنود الجهل وتفتح قلاع المجملات والمجهولات لسلطان النفس وهي مع ذلك ترجع من تلك المعركة مهانة ذليلة مقهورة.


الصفحة 71
تيار إدراكه، وتحيرت الأوهام عن إحاطة ذكر أزليته(1) وحصرت الأفهام عن استشعار وصف قدرته، وغرقت الأذهان في لجج أفلاك ملكوته(2) مقتدر بالآلاء(3) وممتنع بالكبرياء ومتملك على الأشياء(4) فلا دهر يخلقه(5) ولا وصف يحيط به، قد خضعت له ثوابت الصعاب في محل تخوم قرارها، وأذعنت له رواصن الأسباب في منتهى شواهق أقطارها(6) مستشهد بكلية الأجناس على ربوبيته(7) وبعجزها على قدرته، وبفطورها على قدمته، وبزوالها على بقائه، فلا لها محيص عن إدراكه إياها، ولا خروج من إحاطته بها، ولا احتجاب عن إحصائه لها(8) ولا امتناع من قدرته عليها، كفى بإتقان الصنع لها آية، وبمركب الطبع عليها دلالة(9) و بحدوث الفطر عليها قدمة(10) وبإحكام الصنعة لها عبرة، فلا إليه حد منسوب، و

____________

(1) في نسخة (و) و (د) و (ب) (وتخبطت الأوهام - الخ).

(2) الفلك من كل شئ مستداره ومعظمه.

(3) أي مقتدر على الآلاء، أو مقتدر على الخلق بالآلاء بأن يعطيهم إياها ويمنعهم إياها.

(4) في نسخة (د) و (و) وحاشية نسخة (ب) (ومستملك بالأشياء).

(5) من الأخلاق أي لا يبليه دهر.

(6) الظاهر أن المراد بثوابت الصعاب ما في الأرض من أصول الكائنات وبرواصن الأسباب ما في السماوات من علل الحادثات، وفي البحار وفي نسخة (ب) و (و) و (د) (رواتب الصعاب).

(7) أي بكل ضرب من ضروب الأشياء وكل قسم من أقسام الموجودات.

(8) في نسخة (د) وحاشية نسخة (ب) (ولا احتجار عن إحصائه لها) من الحجر بمعنى المنع.

(9) أي بالطبع المركب على الأجناس، أو مصدر ميمي بمعنى تركيب الطبع عليها.

(10) أي كفى بحدوث الايجاد على الأجناس أو حدوث التفطر والانعدام عليها دلالة.

على قدمته.


الصفحة 72
لا له مثل مضروب، ولا شئ عنه محجوب، تعالى عن ضرب الأمثال والصفات المخلوقة علوا كبيرا.

وأشهد أن لا إله إلا الله إيمانا بربوبيته، وخلافا على من أنكره، وأشهد أن محمد عبده ورسوله المقر في خير مستقر، المتناسخ من أكارم الأصلاب ومطهرات الأرحام(1) المخرج من أكرم المعادن محتدا، وأفضل المنابت منبتا، من أمنع ذروة، وأعز أرومة، من الشجرة التي صاغ الله منها أنبياءه(2) وانتجب منها أمناءه الطيبة العود، المعتدلة العمود، الباسقة الفروع، الناضرة الغصون، اليانعة الثمار الكريمة الحشا، في كرم غرست، وفي حرم أنبتت، وفيه تشعبت، وأثمرت، و عزت، وامتنعت، فسمت به(3) وشمخت حتى أكرمه الله عز وجل بالروح الأمين والنور المبين والكتاب المستبين، وسخر له البراق، وصافحته الملائكة، وأرعب به الأباليس، وهدم به الأصنام والآلهة المعبودة دونه، سنته الرشد، وسيرته العدل وحكمه الحق، صدع بما أمره ربه، وبلغ ما حمله، حتى أفصح بالتوحيد دعوته وأظهر في الخلق أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حتى خلصت له الوحدانية وصفت له الربوبية، وأظهر الله بالتوحيد حجته، وأعلى بالاسلام درجته، واختار الله عز وجل لنبيه ما عنده من الروح والدرجة والوسيلة، صلى الله عليه عدد ما صلى على أنبيائه المرسلين، وآله الطاهرين.

27 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، قال: حدثنا محمد بن علي بن معن، قال: حدثنا محمد بن علي بن عاتكة، عن الحسين بن النضر الفهري، عن عمرو الأوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن جابر

____________

(1) المقر بصيغة المفعول من باب الأفعال، والمتناسخ بمعنى المنتقل.

(2) في إبراهيم عليه السلام، وفي الحديث (ما من نبي بعده إلا من صلبه) كما قال تعالى: (و.. لنا في ذريته النبوة والكتاب).

(3) الضمير المجرور إما يرجع إلى حرم فالباء للظرفية، ويحتمل التعدية أو إلى محمد صلى الله عليه وآله، فللسببية، والضمائر المؤنثة كلها راجعة إلى الشجرة.


الصفحة 73
ابن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة خطبها بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسبعة أيام، و ذلك حين فرغ من جمع القرآن فقال:

الحمد لله الذي أعجز الأوهام أن تنال إلا وجوده(1) وحجب العقول عن أن تتخيل ذاته في امتناعها من الشبه والشكل، بل هو الذي لم يتفاوت في ذاته، ولم يتبعض بتجزئة العدد في كماله، فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن، وتمكن منها لا على الممازجة، وعلمها لا بأداة - لا يكون العلم إلا بها -(2) وليس بينه وبين معلومه علم غيره، إن قيل كان فعلى تأويل أزلية الوجود، وإن قيل: لم يزل فعلى تأويل نفي العدم(3) فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه واتخذ إلها غيره علوا كبيرا.

ونحمده بالحمد الذي ارتضاه لخلقه، وأوجب قبوله على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، شهادتان ترفعان القول، وتضاعفان العمل، خف ميزان ترفعان منه، وثقل ميزان توضعان فيه، و بهما الفوز بالجنة والنجاة من النار، والجواز على الصراط، وبالشهادتين يدخلون الجنة، وبالصلاة ينالون الرحمة، فأكثروا من الصلاة على نبيكم وآله، إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.

أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم أعز من التقى، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا كنز أنفع من العلم، ولا عز أرفع من الحلم، ولا حسب أبلغ من الأدب، ولا نسب أوضع من الغضب، ولا

____________

(1) أي لا يدرك منه إلا أنه تعالى موجود وأما ذاته فلا، وفي البحار باب جوامع التوحيد عن تحف العقول: (أعدم الأوهام أن تنال إلى وجوده) أي إلى ذاته.

(2) هذه الجملة صفة لأداة والضمير المجرور بالباء يرجع إليها، أي علم الأشياء لا بأداة لا يكون علم المخلوق إلا بها.

(3) أي ليس كونه وبقاؤه مقرونين بالزمان على ما يفهم من كلمة كان ولم يزل.


الصفحة 74
جمال أزين من العقل، ولا سوء أسوء من الكذب، ولا حافظ أحفظ من الصمت، ولا لباس أجمل من العافية، ولا غائب أقرب من الموت.

أيها الناس إنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها، والليل والنهار مسرعان في هدم الأعمار، ولكل ذي رمق قوت، ولكل حبة آكل، و أنتم قوت الموت، وإن من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد، لن ينجو من الموت غني بماله ولا فقير لا قلاله.

أيها الناس من خاف ربه كف ظلمه، ومن لم يرع في كلامه أظهر هجره ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهم، ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غدا، هيهات هيهات، وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب، فما أقرب الراحة من التعب، والبؤس من النعيم، وما شر بشر بعده الجنة، وما خير بخير بعده النار، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية.

28 - حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه، قال: حدثني أبي، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون وعنده علي بن موسى الرضا عليهما السلام، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك إن الأنبياء معصومون، قال: بلى، قال: فسأله عن آيات من القرآن، فكان فيما سأله أن قال له: فأخبرني عن قول الله عز وجل في إبراهيم (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي) فقال الرضا عليه السلام: إن إبراهيم عليه السلام وقع إلى ثلاثة أصناف: صنف يعبد الزهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشمس، وذلك حين خرج من السرب الذي أخفي فيه، فلما جن عليه الليل و رأى الزهرة قال: هذا ربي على الانكار والاستخبار، فلما أفل الكوكب قال:

(لا أحب الآفلين) لأن الأفول من صفات المحدث لا من صفات القديم، فلما رأى القمر بازغا قال: هذا ربي على الانكار والاستخبار، فلما أفل قال: (لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) فلما أصبح (ورأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر) من الزهرة والقمر على الإنكار والإستخبار لا على الإخبار

الصفحة 75
والإقرار، فلما أفلت قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس:

(يا قوم إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين) وإنما أراد إبراهيم بما قال أن يبين لهم بطلان دينهم، ويثبت عندهم أن العبادة لا تحق لما كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنما تحق العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض، وكان ما احتج به على قومه مما ألهمه الله عز وجل وآتاه كما قال الله عز وجل: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه)(1) فقال المأمون: لله درك يا ابن رسول الله. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام.

29 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن إبراهيم ابن الحكم بن ظهير، عن عبد الله بن جرير العبدي، عن أبي عبد الله عليه السلام، أنه كان يقول: الحمد لله الذي لا يحس، ولا يجس، ولا يمس، ولا يدرك بالحواس الخمس، ولا يقع عليه الوهم، ولا تصفه الألسن، وكل شئ حسته الحواس أو لمسته الأيدي فهو مخلوق، الحمد لله الذي كان إذ لم يكن شئ غيره، وكون الأشياء فكانت كما كونها، وعلم ما كان وما هو كائن.

30 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر، قال: سمعت أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام، وهو يكلم راهبا من النصارى، فقال له في بعض ما ناظره: إن الله تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يحد بيد أو رجل أو حركة أو سكون، أو يوصف بطول أو قصر، أو تبلغه.

الأوهام، أو تحيط به صفة العقول(2) أنزل مواعظه ووعده ووعيده، أمر بلا شفة

____________

(1) الأنعام: 83. والآيات قبل هذه الآية.

(2) في البحار وفي نسخة (ب) و (د) و (ج) و (و) (أو تحيط بصفته العقول).


الصفحة 76
ولا لسان، ولكن كما شاء أن يقول له كن فكان خبرا كما أراد في اللوح(1).

31 - حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن عبد الله ابن جعفر بن جامع الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من شبه الله بخلقه فهو مشرك، ومن أنكر قدرته فهو كافر.

32 - حدثنا أبي، وعبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار رحمهما الله، قالا:

حدثنا علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن محمد بن أبي عمير، قال:

دخلت على سيدي موسى بن جعفر عليهما السلام، فقلت له: يا ابن رسول الله علمني التوحيد فقال: يا أبا أحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تعالى ذكره في كتابه فتهلك، واعلم أن الله تعالى واحد، أحد، صمد، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا شريكا، وإنه الحي الذي لا يموت، والقادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا يغلب، والحليم الذي لا يعجل، والدائم الذي لا يبيد، والباقي الذي لا يفنى، والثابت الذي لا يزول، والغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي لا يذل، والعالم الذي لا يجهل، والعدل الذي لا يجور، والجواد الذي لا يبخل، و إنه لا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، ولا تحيط به الأقطار، ولا يحويه مكان، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا) وهو الأول الذي لا شئ قبله، والآخر الذي لا شئ بعده، وهو القديم وما سواه مخلوق محدث، تعالى

____________

(1) قوله: (خبرا) بضم الخاء المعجمة وسكون الباء بمعنى العلم وهو بمعنى الفاعل حال من فاعل (شاء)، وفي نسخة (و) و (د) و (ب) بالجيم والباء الموحدة، أي شاء من دون خيرة للمخلوق فيما كان بمشيئته، وفي البحار باب نفي الجسم والصورة وفي نسخة (ج) بالخاء المعجمة والياء المثناة من تحت، وقوله: (كما أراد - الخ) أي ما حدث في الوجود بقوله كن كان كما أراد وأثبت في لوح التقدير أو لوح من الألواح السابقة عليه إلى أن ينتهي إلى عمله.


الصفحة 77
عن صفات المخلوقين علوا كبيرا.

33 - حدثنا أبو سعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر المعروف بأبي سعيد المعلم بنيسابور، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، قال: حدثنا علي ابن سلمة الليفي، قال: حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبد الله، عن عبد الله بن طلحة بن هجيم، قال: حدثنا أبو سنان الشيباني سعيد بن سنان، عن الضحاك، عن النزال ابن سبرة(1)، قال: جاء يهودي إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين متى كان ربنا؟ قال: فقال له علي عليه السلام: إنما يقال: متى كان لشئ لم يكن فكان وربنا تبارك وتعالى هو كائن بلا كينونة(2) كائن، كان بلا كيف يكون، كائن لم يزل بلا لم يزل، وبلا كيف يكون، كان لم يزل ليس له قبل، هو قبل القبل بلا قبل وبلا غاية ولا منتهى، غاية ولا غاية إليها(3) غاية انقطعت الغايات عنه، فهو غاية كل غاية.

34 - أخبرني أبو العباس الفضل بن الفضل بن العباس الكندي فيما أجازه لي بهمدان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، قال: حدثنا محمد بن سهل يعني العطار البغدادي لفظا من كتابه سنة خمس وثلاثمائة، قال: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي قال: حدثني عمارة بن زيد، قال: حدثني عبد الله بن العلاء(4) قال: حدثني

____________

(1) النسخ في ضبط أسماء رجال هذا الحديث وألقابهم وكناهم مختلفة كثيرا، وتركنا ذكر الاختلاف لقلة الجدوى فإنهم أو أكثرهم من العامة، والحديث مذكور بسند آخر في الباب الثامن والعشرين في موضعين.

(2) أي ربنا تبارك وتعالى كائن بحقيقة الكينونة بلا أن يكون له كينونة زائدة على ذاته (3) أي هو غاية كل شئ ولا غاية له ينتهي إليها، وحاصل كلامه عليه السلام أنه تعالى لا يتصف بمتى ولا بلوازمه من كونه ذا مبدء ومنتهى لأن ذلك ينافي الربوبية الكبرى بل الأشياء كلها حتى الزمان تبتدء منه وتنتهي إليه، هو الأول والآخر.

(4) في البحار باب جوامع التوحيد وفي نسخة (ب) و (و) و (ج) (عبيد الله بن العلاء).


الصفحة 78
صالح بن سبيع، عن عمرو بن محمد بن صعصعة بن صوحان(1) قال: حدثني أبي عن أبي المعتمر مسلم بن أوس، قال: حضرت مجلس علي عليه السلام في جامع الكوفة فقام إليه رجل مصفر اللون - كأنه من متهودة اليمن - فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك وانعته لنا كأنا نراه وننظر إليه، فسبح علي عليه السلام ربه وعظمه عز وجل وقال:

الحمد لله الذي هو أول بلا بدئ مما(2) ولا باطن فيما، ولا يزال مهما(3) ولا ممازج مع ما، ولا خيال وهما(4) ليس بشبح فيرى، ولا بجسم فيتجزأ، ولا بذي غاية فيتناهى، ولا بمحدث فيبصر، ولا بمستتر فيكشف، ولا بذي حجب فيحوى(5) كان ولا أماكن تحمله أكنافها، ولا حملة ترفعه بقوتها، ولا كان بعد أن لم يكن، بل حارث الأوهام أن تكيف المكيف للأشياء ومن لم يزل بلا مكان، ولا يزول باختلاف الأزمان، ولا ينقلب شأنا بعد شأن(6)، البعيد من حدس

____________

(1) في نسخة (د) و (ب) (عن عمر بن محمد - الخ)، وفي نسخة (و) وحاشية نسخة (ط) (حدثني صالح بن سبيع بن عمرو بن محمد - الخ) ورجال هذا السند كلهم مجاهيل إلا البلوى وهو رجل ضعيف مطعون عليه، لكن لا ضير فيه لأن الاعتبار في أمثال هذه الأحاديث بالمتن، ولو كان سندها معتبرا ولم تكن متونها موافقة لما تواتر من مذهب أهل البيت (ع) أو مضمونها مخالف لما دل عليه العقل لم تكن حجة إلا عند الحشوية من أهل الحديث.

(2) أي بلا بدئ من شئ، وهو فعيل بمعنى المفعول أو الفاعل، وعلى الأول فهو مضمون ما في خطبه الأخرى: (لا من شئ كان) وعلى الثاني فهو مضمون قوله: (لا من شئ كون ما قد كان) والأول أظهر بل الظاهر.

(3) أي ولا يزول أبدا فإن يزال يأتي بمعنى يزول قليلا، ومهما لعموم الأزمان.

(4) الخيال بفتح الأول ما يتمثل في النوم واليقظة من صورة الشئ، أي ولا هو كالخيال يتصور ويتمثل في قوة الوهم.

(5) أي لا يستره حجب فيكون محويا في مكان وراء الحجب.

(6) لا ينافي هذا ما في الآية الشريفة من أنه كل يوم هو في شأن لأن هنا بمعنى الحال في نفسه وهناك بمعنى الأمر في خلقه، كما قال عليه السلام في صدر الحديث الأول: (إنه كل يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن).


الصفحة 79
القلوب(1) المتعالي عن الأشياء والضروب، والوتر، علام الغيوب، فمعاني الخلق عنه منفية، وسرائرهم عليه غير خفية، المعروف بغير كيفية، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، ولا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأفكار، ولا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، فكل ما قدره عقل أو عرف له مثل فهو محدود، وكيف يوصف بالأشباح، و ينعت بالألسن الفصاح؟ من لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو عنها بائن، ولم يخل منها فيقال أين، ولم يقرب منها بالالتزاق، ولم يبعد عنها بالافتراق، بل هو في الأشياء بلا كيفية، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وأبعد من الشبه من كل بعيد(2) لم يخلق الأشياء من أصول أزلية، ولا من أوائل كانت قبله بدية(3) بل خلق ما خلق، وأتقن خلقه، وصور ما صور، فأحسن صورته، فسبحان من توحد في علوه، فليس لشئ منه امتناع، ولا له بطاعة أحد من خلقه انتفاع، إجابته للداعين سريعة، والملائكة له في السماوات والأرض مطيعة، كلم موسى تكليما بلا جوارح وأدوات ولا شفة ولا لهوات(4) سبحانه و تعالى عن الصفات، فمن زعم أن إله الخلق محدود فقد جهل الخالق المعبود - و الخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة -.

35 - حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه.

____________

(1) في نسخة (ب) و (ج) (البعيد من حدث القلوب).

(2) في البحار وفي نسخة (ج) و (و) و (ب) (وأبعد من الشبهة - الخ).

(3) بدية أي مبتدئة، والمعنى لم يخلق الأشياء على مثال أشياء مبتدئة قبل خلق هذه الأشياء، بل فعله إبداع واختراع، والجملتان نظير قول الرضا عليه السلام في الحديث الخامس من الباب السادس: الحمد لله فاطر الأشياء - الخ، وفي نسخة (ط) و (ن) (أبدية) مكان بدية.

(4) جمع لهاة وهي اللحمة الصغيرة المشرفة على الحلق في أقصى الفم تسمى باللسان الصغير عندها مخرج الكاف والقاف.


الصفحة 80
قال: حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري بالبصرة، قال:

أخبرنا محمد بن زكريا الجوهري الغلابي البصري، قال: حدثنا العباس بن بكار الضبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي عن عكرمة، قال: بينما ابن عباس يحدث الناس إذ قام إليه نافع بن الأزرق، فقال: يا ابن عباس تفتي في النملة والقملة، صف لنا إلهك الذي تعبده، فأطرق ابن عباس إعظاما لله عز وجل، وكان الحسين ابن علي عليهما السلام جالسا ناحية، فقال: إلي يا ابن الأزرق، فقال: لست إياك أسأل: فقال ابن العباس: يا ابن الأزرق إنه من أهل بيت النبوة، وهم ورثة العلم فأقبل نافع بن الأزرق نحو الحسين، فقال له الحسين: يا نافع إن من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في الارتماس، مائلا عن المنهاج، ظاعنا في الاعوجاج ضالا عن السبيل، قائلا غير الجميل، يا ابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه وأعرفه بما عرف به نفسه، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، فهو قريب غير ملتصق، وبعيد غير متقص، يوحد، ولا يبعض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال.

36 - حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن أبي عمير، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

من شبه الله بخلقه فهو مشرك، إن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شئ وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه(1).

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: الدليل على أن الله سبحانه لا يشبه شيئا من خلقه من جهة من الجهات أنه لا جهة لشئ من أفعاله إلا محدثة، ولا جهة محدثة إلا وهي تدل على حدوث من هي له، فلو كان الله جل ثناؤه يشبه شيئا منها لدلت على حدوثه من حيث دلت على حدوث من هي له(2) إذ المتماثلان في العقول

____________

(1) في نسخة (ب) (فهو يخالفه).

(2) أي لو كان يشبه شيئا من أفعاله لكان له جهة محدثة ولدلت تلك الجهة على حدوثه كما دلت على حدوث من هي له.


الصفحة 81
يقتضيان حكما واحدا من حيث تماثلا منها(1) وقد قام الدليل على أن الله عز وجل قديم، ومحال أن يكون قديما من جهة وحادثا من أخرى. ومن الدليل على أن الله تبارك وتعالى قديم أنه لو كان حادثا لوجب أن يكون له محدث، لأن الفعل لا يكون إلا بفاعل، ولكان القول في محدثه كالقول فيه، وفي هذا وجود حادث قبل حادث لا إلى أول، وهذا محال، فصح أنه لا بد من صانع قديم، وإذا كان ذلك كذلك فالذي يوجب قدم ذلك الصانع ويدل عليه يوجب قدم صانعنا ويدل عليه(2). 37 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله وعلي بن عبد الله الوراق، قالا: حدثنا محمد بن هارون الصوفي، قال: حدثنا أبو تراب عبيد الله ابن موسى الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فلما بصر بي قال لي: مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا، قال:

فقلت له: يا ابن رسول الله إني أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضيا أثبت عليه حتى ألقى الله عز وجل: فقال: هات يا أبا القاسم، فقلت: إني أقول:

إن الله تبارك وتعالى واحد، ليس كمثله شئ، خارج عن الحدين حد الإبطال و حد التشبيه، وإنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسم الأجسام، ومصور الصور، وخالق الأعراض والجواهر، ورب كل شئ ومالكه وجاعله ومحدثه، وإن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبي بعده إلى يوم القيامة وأقول: إن الإمام والخليفة وولي الأمر من بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي، فقال

____________

(1) أي من جهة من الجهات.

(2) أي يوجب أن يكون صانعنا القديم الذي كلامنا فيه ذلك الصانع القديم الذي اضطر العقل إلى إثباته.


الصفحة 82
عليه السلام: ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده، قال: فقلت:

وكيف ذاك يا مولاي؟ قال: لأنه لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، قال: فقلت: أقررت، وأقول إن وليهم ولي الله، وعدوهم عدو الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، و أقول: إن المعراج حق، والمسألة في القبر حق، وإن الجنة حق، وإن النار حق، والصراط حق، والميزان حق، وإن الساعة آتية لا ريب فيها، وإن الله يبعث من في القبور، وأقول: إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال علي بن محمد عليهما السلام: يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه، ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

3 - باب معنى الواحد والتوحيد والموحد


1 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد ابن محمد بن عيسى، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الثاني عليهما السلام، ما معنى الواحد؟ فقال: المجتمع عليه بجميع الألسن بالوحدانية(1).

____________

(1) هذا الحديث رواه الكليني رحمه الله في باب معاني الأسماء من الكافي، ورواه المجلسي رحمه الله في البحار في باب التوحيد ونفي الشريك عن المحاسن والاحتجاج وفيه بلفظ (الأحد) كلهم عن أبي هاشم الجعفري، والسؤال ليس عن المفهوم لأن السائل عارف به ولا عن الحقيقة الشرعية إذ ليس له حقيقة شرعية وراء ما عند العرف، بل عن معنى الواحد في حق الله تعالى أنه بأي معنى يطلق عليه تعالى، فأجاب عليه السلام أنه يطلق عليه بالمعنى الذي اجتمع الناس كلهم بلسان فطرتهم عليه، وذلك المعنى أنه تعالى لا شبيه له ولا شريك له في الألوهية وصنع الأشياء كما أشار إليه بالاستشهاد بقوله تعالى (ولئن سئلتهم - الآية) كما في الخبر الآتي، وصرح به بعد ذكر الآية بقوله: (بعد ذلك له شريك وصاحبه)؟! استفهاما إنكاريا كما في البحار عن الاحتجاج، ولا يخفى أن الحديث هنا وما في الكافي والمحاسن والاحتجاج واحد إلا أن الرواة غيروه بالتقطيع والنقل بالمعنى، أو أبو هاشم نفسه فعل ذلك عند نقله للرواة المتعددين، فلذلك ترى لفظ الحديث فيها مختلفا.


الصفحة 83
2 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنهما، قالا: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن محمد، ومحمد بن الحسن جميعا، عن سهل بن زياد، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام ما معنى الواحد؟ قال: الذي اجتماع الألسن عليه بالتوحيد، كما قال الله عز وجل: (ولئن سئلتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله)(1).

3 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن سعيد بن يحيى البزوري، قال: حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، قال:

حدثنا أبي، عن المعافي بن عمران، عن إسرائيل، عن المقدام بن شريح بن هانئ، عن أبيه، قال: إن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير - المؤمنين أتقول: إن الله واحد؟ قال: فحمل الناس عليه، قالوا: يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: دعوه، فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم، ثم قال: يا أعرابي إن القول في أن الله واحد على أربعة أقسام: فوجهان منها لا يجوزان على الله عز وجل، و وجهان يثبتان فيه، فأما اللذان لا يجوزان عليه، فقول القائل: واحد يقصد به باب الأعداد، فهذا ما لا يجوز، لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، أما ترى أنه كفر من قال: ثالث ثلاثة. وقول القائل: هو واحد من الناس، يريد به النوع من الجنس، فبهذا ما لا يجوز عليه لأنه تشبيه، وجل ربنا عن ذلك و تعالى(2). وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء

____________

(1) العنكبوت: 61، ولقمان: 25، والزمر: 38، والزخرف: 9.

(2) الجنس في اللغة يأتي بمعنى التشابه والتماثل، وقوله عليه السلام: (يريد به النوع من الجنس) أي يريد القائل بالواحد هكذا الوحدة النوعية التي تنتزع من الأفراد المتجانسة المتماثلة كأفراد الإنسان مثلا، والفرق بين القسمين اللذين لا يجوز أن عليه تعالى أن الأول يثبت له وقوعا أو إمكانا فردا آخر مثله في الألوهية أو صفة غيرها وإن لم يكن مجانسا له في حقيقته والثاني يثبت له فردا آخر من حقيقته، فالمنفي أولا الوحدة العددية وثانيا النوعية.