الصفحة 266

الله في ظلل من الغمام والملائكة) وقوله: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك) فإن ذلك حق كما قال الله عز وجل، و ليس له جيئة كجيئة الخلق، وقد أعلمتك أن رب شئ من كتاب الله تأويله على غير تنزيله ولا يشبه كلام البشر، وسأنبئك بطرف منه فتكتفي إن شاء الله، من ذلك قول إبراهيم عليه السلام: (إني ذاهب إلى ربي سيهدين)(1) فذهابه إلى ربه توجهه إليه عبادة واجتهادا وقربة إلى الله عز وجل، ألا ترى أن تأويله غير تنزيله، وقال (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد)(2) يعني السلاح وغير ذلك، وقوله: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) يخبر محمدا(3) صلى الله عليه وآله وسلم عن المشركين والمنافقين الذين لم يستجيبوا لله وللرسول، فقال: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) حيث لم يستجيبوا لله ولرسوله (أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك) يعني بذلك العذاب يأتيهم في دار الدنيا كما عذب القرون الأولى، فهذا خبر يخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنهم، ثم قال: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) يعني من قبل أن يجيئ هذه الآية، وهذه الآية طلوع الشمس من مغربها، وإنما يكتفي أولوا الألباب والحجى وأولوا النهى أن يعلموا أنه إذا انكشف الغطاء رأوا ما يوعدون، وقال: في آية أخرى: (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا)(4) يعني أرسل عليهم عذابا، وكذلك إتيانه بنيانهم قال الله عز وجل: (فأتى الله بنيانهم من القواعد)(5) فإتيانه بنيانهم من القواعد إرسال العذاب عليهم، وكذلك ما وصف من أمر الآخرة تبارك اسمه وتعالى علوا كبيرا أنه يجري أموره في ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة كما يجري أموره في الدنيا لا يغيب(6) ولا يأفل مع الآفلين، فاكتف بما وصفت لك من ذلك مما جال

____________

(1) الصافات: 99.

(2) الحديد: 25.

(3) أي يخبر الله بقوله هذا محمدا صلى الله عليه وآله عن المشركين - الخ.

(4) الحشر: 2.

(5) النحل: 26.

(6) في نسخة (و) و (ج) و (د) و (ب) (لا يلعب).


الصفحة 267
في صدرك مما وصف الله عز وجل في كتابه، ولا تجعل كلامه ككلام البشر، هو أعظم وأجل وأكرم وأعز تبارك وتعالى من أن يصفه الواصفون إلا بما وصف به نفسه في قوله عز وجل: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير)(1) قال: فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك، وحللت عني عقدة.

فقال عليه السلام: وأما قوله: (بل هم بلقاء ربهم كافرون) وذكر الله المؤمنين (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم)) وقوله لغيرهم: (إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه)(2) وقوله: (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) فأما قوله: (بل هم بلقاء ربهم كافرون) يعني البعث فسماه الله عز وجل لقاءه، وكذلك ذكر المؤمنين (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) يعني يوقنون أنهم يبعثون و يحشرون ويحاسبون ويجزون بالثواب والعقاب، فالظن ههنا اليقين خاصة، و كذلك قوله: (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) وقوله: (من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لآت) يعني: من كان يؤمن بأنه مبعوث فإن وعد الله لآت من الثواب والعقاب، فاللقاء ههنا ليس بالرؤية، واللقاء هو البعث، فافهم جميع ما في الكتاب من لقائه فإنه يعني بذلك البعث، وكذلك قوله: (تحيتهم يوم يلقونه سلام) يعني أنه لا يزول الإيمان عن قلوبهم يوم يبعثون، قال: فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك، فقد حللت عني عقدة.

فقال عليه السلام: وأما قوله: (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها) يعني أيقنوا أنهم داخلوها، وكذلك قوله: (إني ظننت أني ملاق حسابيه) يقول إني أيقنت أني أبعث فأحاسب، وكذلك قوله: (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين) وأما قوله للمنافقين: (وتظنون بالله الظنونا) فهذا الظن ظن شك وليس ظن يقين، والظن ظنان: ظن شك وظن يقين، فما كان من أمر معاد من الظن فهو ظن يقين، وما كان من أمر الدنيا فهو ظن شك فافهم ما فسرت لك، قال: فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك.

____________

(1) الشورى: 11.

(2) التوبة: 77.


الصفحة 268
فقال عليه السلام: وأما قوله تبارك وتعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا) فهو ميزان العدل يؤخذ به الخلائق يوم القيامة، يدين الله تبارك و تعالى الخلق بعضهم من بعض بالموازين.

وفي غير هذا الحديث الموازين هم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام(1).

وأما قوله عز وجل: (فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا) فإن ذلك خاصه.

وأما قوله: (فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: قال الله عز وجل: لقد حقت كرامتي - أو قال: مودتي - لمن يراقبني ويتحاب بجلالي(2) إن وجوههم يوم القيامة من نور على منابر من نور عليهم ثياب خضر، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: قوم ليسوا بأنبياء ولا شهداء، ولكنهم تحابوا بجلال الله ويدخلون الجنة بغير حساب، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم برحمته.

وأما قوله: فمن ثقلت موازينه وخفت موازينه فإنما يعني الحساب، توزن الحسنات والسيئات، والحسنات ثقل الميزان والسيئات خفة الميزان.

فقال عليه السلام: وأما قوله: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) وقوله: (الله يتوفى الأنفس حين موتها) وقوله: (توفته رسلنا وهم لا يفرطون) وقوله: (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) وقوله:

تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم) فإن الله تبارك وتعالى يدبر الأمور كيف يشاء، ويوكل من خلقه من يشاء بما يشاء. أما ملك الموت فإن الله يوكله بخاصة من يشاء من خلقه، ويوكل رسله من الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه، والملائكة الذين سماهم الله عز ذكره وكلهم بخاصة من يشاء من خلقه، إنه تبارك وتعالى يدبر الأمور كيف يشاء، وليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لكل الناس لأن منهم القوي والضعيف، ولأن منه ما يطاق حمله ومنه ما لا يطاق حمله إلا من يسهل الله له حمله وأعانه عليه من خاصة أوليائه، وإنما يكفيك أن تعلم

____________

(1) قوله: (وفي غير هذا الحديث) إلى هنا من كلام المصنف (2) الترديد من الراوي، أو كلمة أو للتخيير لوقوع الكلام من رسول الله صلى الله عليه وآله مرتين: مرة حقت كرامتي ومرة حقت مودتي.


الصفحة 269
أن الله هو المحيي المميت وأنه يتوفى الأنفس على يدي من يشاء من خلقه من ملائكته وغيرهم، قال: فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين ونفع الله المسلمين بك(1).

فقال علي عليه السلام للرجل: إن كنت قد شرح الله صدرك بما قد تبينت لك فأنت والذي فلق الحبة وبرأ النسمة من المؤمنين حقا، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين كيف لي أن أعلم بأني من المؤمنين حقا؟ قال عليه السلام: لا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وشهد له رسول الله صلى الله عليه وآله بالجنة أو شرح الله صدره ليعلم ما في الكتب التي أنزلها الله عز وجل على رسله وأنبيائه، قال: يا أمير المؤمنين ومن يطيق ذلك؟ قال: من شرح الله صدره ووفقه له، فعليك بالعمل لله في سر أمرك وعلانيتك فلا شئ يعدل العمل.

قال مصنف هذا الكتاب: الدليل على أن الصانع واحد لا أكثر من ذلك أنهما لو كانا اثنين لم يخل الأمر فيهما من أن يكون كل واحد منهما قادرا على منع صاحبه مما يريد أو غير قادر، فإن كان كذلك فقد جاز عليهما المنع ومن جاز عليه ذلك فمحدث كما أن المصنوع محدث، وإن لم يكونا قادرين لزمهما العجز و النقص وهما من دلالات الحدث، فصح أن القديم واحد.

ودليل آخر وهو أن كل واحد منهما لا يخلوا من أن يكون قادرا على أن يكتم الآخر شيئا، فإن كان كذلك فالذي جاز الكتمان عليه حادث، وإن لم يكن قادرا فهو عاجز والعاجز حادث لما بيناه، وهذا الكلام يحتج به في إبطال قديمين صفة كل واحد منهما صفة القديم الذي أثبتناه، فأما ما ذهب إليه ماني وابن ديصان من خرافاتهما في الامتزاج ودانت به المجوس من حماقاتها في أهرمن ففاسد بما يفسد به قدم الأجسام، ولدخولهما في تلك الجملة اقتصرت على هذا الكلام فيهما ولم أفرد كلا منهما بما يسأل عنه منه.

6 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه،

____________

(1) في نسخة (ب) و (د) (وأمتع الله المسلمين بك).


الصفحة 270
بنيسابور سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: سمعت الفضل بن شاذان يقول: سأل رجل من الثنوية أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، وأنا حاضر فقال له: إني أقول: إن صانع العالم اثنان، فما الدليل على أنه واحد؟ فقال: قولك: إنه اثنان دليل على أنه واحد لأنك لم تدع الثاني إلا بعد إثباتك الواحد، فالواحد مجمع عليه وأكثر من واحد مختلف فيه(1).

37 - باب الرد على الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة:
وما من إله إلا إله واحد


1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن حماد، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس بن عبد الرحمن، عن هشام بن الحكم، عن جاثليق من جثالقة النصارى يقال له: بريهة، قد مكث جاثليق النصرانية سبعين سنة(2) وكان يطلب الإسلام و يطلب من يحتج عليه ممن يقرء كتبه ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته، قال:

وعرف بذلك حتى اشتهر في النصارى والمسلمين واليهود والمجوس حتى افتخرت به النصارى وقالت: لو لم يكن في دين النصرانية إلا بريهة لأجزأنا، وكان طالبا

____________

(1) مراده عليه السلام أن على مدعي التعدد أن يأتي بالبرهان عليه ولا برهان له، فالواحد مقطوع، والزائد لا يصار إليه حتى يبرهن عليه، قال الله تعالى،: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه أنه لا يفلح الكافرون) (2) الجاثليق صاحب مرتبة من المراتب الدينية النصرانية، وبعدها مراتب أسماؤها:

مطران: أسقف، قسيس، شماس، وقبل الجاثليق مرتبة اسم صاحبها بطريق، والكلمات سريانية، وقوله: جاثليق النصرانية بالنصب حال من فاعل مكث أي مكث بريهة سبعين سنة حال كونه صاحب هذه المرتبة في النصرانية.


الصفحة 271
للحق والإسلام مع ذلك(1) وكانت معه امرأة تخدمه، طال مكثها معه، وكان يسر إليها ضعف النصرانية وضعف حجتها، قال: فعرفت ذلك منه، فضرب بريهة الأمر ظهرا لبطن وأقبل يسأل فرق المسلمين والمختلفين في الإسلام من أعلمكم؟ وأقبل يسأل عن أئمة المسلمين وعن صلحائهم وعلمائهم، وأهل الحجى منهم، وكان يستقرئ فرقة فرقة لا يجد عند القوم شيئا، وقال: لو كانت أئمتكم أئمة على الحق لكان عندكم بعض الحق، فوصفت له الشيعة، ووصف له هشام بن الحكم.

فقال يونس بن عبد الرحمن: فقال لي هشام: بينما أنا على دكاني على باب الكرخ جالس وعندي قوم يقرؤون علي القرآن فإذا أنا بفوج النصارى معه ما بين القسيسين إلى غيرهم نحو من مائة رجل عليهم السواد والبرانس، والجاثليق الأكبر فيهم بريهة حتى نزلوا حول دكاني(2) وجعل لبريهة كرسي يجلس عليه فقامت الأساقفة والرهابنة على عصيهم، وعلى رؤوسهم برانسهم، فقال بريهة: ما بقي من المسلمين أحد ممن يذكر بالعلم بالكلام إلا وقد ناظرته في النصرانية فما عندهم شئ وقد جئت أناظرك في الإسلام، قال: فضحك هشام فقال: يا بريهة إن كنت تريد مني آيات كآيات المسيح فليس أنا بالمسيح ولا مثله ولا أدانيه، ذاك روح طيبة خميصة(3) مرتفعة، آياته ظاهرة، وعلاماته قائمة، قال بريهة: فأعجبني الكلام والوصف.

قال هشام: إن أردت الحجاج فههنا، قال بريهة: نعم فإني أسألك ما نسبة نبيكم هذا من المسيح نسبة الأبدان؟ قال هشام: ابن عم جده (لأمه) لأنه من ولد إسحاق ومحمد من ولد إسماعيل، قال بريهة، وكيف تنسبه إلى أبيه؟(4) قال هشام: إن

____________

(1) في نسخة (ج) و (ط) (وكان طالبا للحقوق الإسلام مع ذلك).

(2) في نسخة (و) و (د) (حتى بركوا حول دكاني).

(3) أي خالية منزهة من الرذائل النفسية والكدورات المادية.

(4) أي كيف تنسبه إلى إسحاق فسؤال استعباد، أو كيف تنسبه إلى الله الذي هو أبوه عندنا فسؤال جدال، والثاني أظهر.


الصفحة 272
أردت نسبه عندكم أخبرتك، وإن أردت نسبه عندنا أخبرتك، قال بريهة: أريد نسبه عندنا، وظننت أنه إذا نسبه نسبتنا أغلبه، قلت: فانسبه بالنسبة التي ننسبه بها، قال هشام: نعم، تقولون: إنه قديم من قديم(1) فأيهما الأب وأيهما الابن قال بريهة: الذي نزل إلى الأرض الابن، قال هشام: الذي نزل إلى الأرض الأب قال بريهة: الابن رسول الأب، قال هشام: إن الأب أحكم من الابن لأن الخلق خلق الأب، قال بريهة: إن الخلق خلق الأب وخلق الابن، قال هشام: ما منعهما أن ينزلا جميعا كما خلقا إذا اشتركا؟! قال بريهة: كيف يشتركان وهما شئ واحد إنما يفترقان بالاسم، قال هشام: إنما يجتمعان بالاسم، قال بريهة: جهل هذا الكلام، قال هشام: عرف هذا الكلام، قال بريهة: إن الابن متصل بالأب، قال هشام: إن الابن منفصل من الأب، قال بريهة: هذا خلاف ما يعقله الناس، قال هشام: إن كان ما يعقله الناس شاهدا لنا وعلينا فقد غلبتك لأن الأب كان ولم يكن الابن فتقول: هكذا يا بريهة؟ قال: ما أقول: هكذا، قال: فلم استشهدت قوما لا تقبل شهادتهم لنفسك، قال بريهة: إن الأب اسم والابن اسم يقدر به القديم(2) قال هشام: الاسمان قديمان كقدم الأب والابن؟ قال بريهة: لا ولكن الأسماء محدثة قال: فقد جعلت الأب ابنا والابن أبا، إن كان الابن أحدث هذه الأسماء دون الأب فهو الأب، وإن كان الأب أحدث هذه الأسماء دون الابن فهو الأب والابن أب وليس ههنا ابن(3) قال بريهة: إن الابن اسم للروح حين نزلت إلى الأرض،

____________

(1) هذا مذهب جمهور المسيحيين إلا آريوس كبير فرقة منهم فإنه يقول: إن المسيح كلمة الله وابنه على طريق الاتخاذ وهو حادث مخلوق قبل خلق العالم.

(2) أي يقدر القديم الذي هو الأب بسببه على الخلق، أو من التقدير أي يقدر الخلق بسببه، وفي نسخة (ج) (والابن اسم يقدره القديم)، وفي نسخة (و) (والاسم ابن بقدرة القديم).

(3) في البحار باب احتجاج الكاظم عليه السلام وفي النسخ الخطية عندي: (وإن كان الأب أحدث هذه الأسماء فهو الابن والابن أب وليس ههنا ابن).


الصفحة 273
قال هشام: فحين لم تنزل إلى الأرض فاسمها ما هو؟ قال بريهة: فاسمها ابن نزلت أو لم تنزل: قال هشام: فقبل النزول هذه الروح كلها واحدة واسمها اثنان، قال بريهة: هي كلها واحدة روح واحدة، قال: قد رضيت أن تجعل بعضها ابنا وبعضها أبا، قال بريهة: لا لأن اسم الأب واسم الابن واحد، قال هشام: فالابن أبو الأب، والأب أبو الابن، والابن واحد، قالت الأساقفة بلسانها لبريهة: ما مر بك مثل ذا قط تقوم، فتحير بريهة وذهب ليقوم فتعلق به هشام، قال: ما يمنعك من الإسلام؟

أفي قلبك حزازة؟ فقلها وإلا سألتك عن النصرانية مسألة واحدة تبيت عليها ليلك هذا فتصبح وليس لك همة غيري، قالت الأساقفة: لا ترد هذه المسألة لعلها تشككك قال بريهة: قلها يا أبا الحكم.

قال هشام: أفرأيتك الابن يعلم ما عند الأب؟ قال: نعم، قال: أفرأيتك الأب يعلم كل ما عند الابن؟ قال: نعم، قال: أفرأيتك تخبر عن الابن أيقدر على حمل كل ما يقدر عليه الأب؟ قال: نعم، قال: أفرأيتك تخبر عن الأب أيقدر على كل ما يقدر عليه الابن؟ قال: نعم، قال هشام: فكيف يكون واحد منهما ابن صاحبه وهما متساويان وكيف يظلم كل واحد منهما صاحبه؟ قال بريهة: ليس منهما ظلم، قال هشام: من الحق بينهما أن يكون الابن أب الأب والأب ابن الابن، بت عليها يا بريهة، وافترق النصارى وهم يتمنون أن لا يكونوا رأوا هشاما ولا أصحابه.

قال: فرجع بريهة مغتما مهتما حتى صار إلى منزله فقالت امرأته التي تخدمه:

ما لي أراك مهتما مغتما. فحكى لها الكلام الذي كان بينه وبين هشام، فقالت لبريهة: ويحك أتريد أن تكون على حق أو على باطل؟! فقال بريهة: بل على الحق، فقالت له: أينما وجدت الحق فمل إليه، وإياك واللجاجة فإن اللجاجة شك والشك شؤم وأهله في النار، قال: فصوب قولها وعزم على الغدو على هشام.

قال: فغدا عليه وليس معه أحد من أصحابه، فقال: يا هشام ألك من تصدر عن رأيه وترجع إلى قوله وتدين بطاعته؟ قال هشام: نعم يا بريهة، قال: وما

الصفحة 274
صفته؟ قال هشام: في نسبه أو في دينه؟ قال: فيهما جميعا صفة نسبه وصفة دينه، قال هشام: أما النسب خير الأنساب(1): رأس العرب وصفوة قريش وفاضل بني هاشم كل من نازعه في نسبه وجده أفضل منه لأن قريشا أفضل العرب وبني هاشم أفضل قريش، وأفضل بني هاشم خاصهم ودينهم وسيدهم، وكذلك ولد السيد أفضل من ولد غيره وهذا من ولد السيد، قال: فصف دينه، قال هشام: شرائعه أو صفة بدنه وطهارته؟ قال: صفة بدنه وطهارته، قال هشام: معصوم فلا يعصي، و سخي فلا يبخل، شجاع فلا يجبن، وما استودع من العلم فلا يجهل، حافظ للدين قائم بما فرض عليه، من عترة الأنبياء، وجامع علم الأنبياء، يحلم عند الغضب، وينصف عند الظلم، ويعين عند الرضا، وينصف من الولي والعدو، ولا يسأل شططا في عدوه(2) ولا يمنع إفادة وليه، يعمل بالكتاب ويحدث بالأعجوبات، من أهل الطهارات، يحكي قول الأئمة الأصفياء، لم تنقض له حجة، ولم يجهل مسألة، يفتي في كل سنة، ويجلو كل مدلهمة.

قال بريهة: وصفت المسيح في صفاته وأثبته بحججه وآياته، إلا أن الشخص بائن عن شخصه والوصف قائم بوصفه، فإن يصدق الوصف نؤمن بالشخص، قال هشام:

إن تؤمن ترشد وإن تتبع الحق لا تؤنب.

ثم قال هشام: يا بريهة ما من حجة أقامها الله على أول خلقه إلا أقامها على وسط خلقه وآخر خلقه فلا تبطل الحجج، ولا تذهب الملل، ولا تذهب السنن. قال بريهة: ما أشبه هذا بالحق وأقربه من الصدق، وهذه صفة الحكماء يقيمون من الحجة ما ينفون به الشبهة، قال هشام: نعم، فارتحلا حتى أتيا المدينة والمرأة معهما وهما يريدان أبا عبد الله عليه السلام فلقيا موسى بن جعفر عليهما السلام، فحكى له هشام

____________

(1) هكذا في النسخ، والقاعدة تقتضي الفاء على مدخول (أما).

(2) قوله: (ولا يسأل، على صيغة المعلوم أو المجهول، وفي النسخ الخطية: (ولا يسأله شططا في عدوه) أي لا يسأله أحد أو الولي، وفي البحار: (ولا يسألك - الخ) وفي ذيل البحار: (ولا نسأله - الخ) وفيه أيضا: (ولا يسلك شططا في عدوه) والأخير أصح.


الصفحة 275
الحكاية، فلما فرغ قال موسى بن جعفر عليهما السلام،: يا بريهة كيف علمك بكتابك؟

قال: أنا به عالم، قال: كيف ثقتك بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي فيه(1) قال:

فابتدأ موسى بن جعفر عليهما السلام، بقراءة الإنجيل، قال بريهة: والمسيح لقد كان يقرء هكذا وما قرأ هذه القراءة إلا المسيح، ثم قال بريهة: إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك، قال: فآمن وحسن إيمانه وآمنت المرأة وحسن إيمانها.

قال: فدخل هشام وبريهة والمرأة على أبي عبد الله عليه السلام، وحكى هشام الحكاية والكلام الذي جرى بين موسى عليه السلام وبريهة، فقال أبو عبد الله عليه السلام:

(ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم)(2) فقال بريهة: جعلت فداك أنى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟ قال: هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها ونقولها كما قالوها، إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شئ فيقول: لا أدري فلزم بريهة أبا عبد الله عليه السلام حتى مات أبو عبد الله عليه السلام، ثم لزم موسى بن جعفر عليهما السلام، حتى مات في زمانه فغسله بيده وكفنه بيده ولحده بيده، وقال: هذا حواري من حواريي المسيح يعرف حق الله عليه، قال: فتمنى أكثر أصحابه أن يكونوا مثله.

38 - باب ذكر عظمة الله جل جلاله(3)


1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم وغيره، عن خلف بن حماد، عن الحسين بن زيد الهاشمي(4) عن أبي عبد الله

____________

(1) أي في تأويله، وفي البحار وفي نسخة (ج) (بعلمي به).

(2) آل عمران: 34.

(3) في الأخبار المذكورة في هذا الباب استعارات وكنايات وإشارات إلى حقائق بعيدة عن إدراكنا بألفاظ موضوعة للمعاني المحسوسة لنا،، ولكل منها شرح لا مجال ههنا.

(4) في نسخة (و) و (د) (عن الحسن بن زيد الهاشمي) ورواه الكليني في روضة الكافي عن الحسين بن زيد الهاشمي وهو الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام.


الصفحة 276
عليه السلام، قال: جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وبناته وكانت تبيع منهن العطر فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وهي عندهن، فقال لها: إذا أتيتنا طابت بيوتنا، فقالت: بيوتك بريحك أطيب يا رسول الله، قال: إذا بعت فأحسني ولا تغشي فإنه أتقى وأبقى للمال، فقالت: ما جئت بشئ من بيعي، وإنما جئتك أسألك عن عظمة الله، فقال: جل جلال الله، سأحدثك عن بعض ذلك.

قال: ثم قال: إن هذه الأرض بمن فيها ومن عليها عند التي تحتها كحلقة في فلاة قي(1) وهاتان ومن فيهما ومن عليهما عند التي تحتها كحلقة في فلاة قي والثالثة حتى انتهى إلى السابعة، ثم تلا هذه الآية (خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن)(2) والسبع ومن فيهن ومن عليهن على ظهر الديك كحلقة في فلاة قي، والديك له جناحان جناح بالمشرق وجناح بالمغرب ورجلاه في التخوم، والسبع والديك بمن فيه ومن عليه على الصخرة كحلقة في فلاة قي، والسبع والديك والصخرة بمن فيها ومن عليها على ظهر الحوت كحلقة في فلاه قي، والسبع و الديك والصخرة والحوت عند البحر المظلم كحلقة في فلاة قي، والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم عند الهواء كحلقة في فلاة قي، والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء عند الثرى كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية (له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى)(3) ثم انقطع الخبر(4). والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء والثرى بمن فيه ومن عليه عند السماء كحلقة في فلاة قي، وهذا والسماء الدنيا ومن فيها و من عليها عند التي فوقها كحلقة في فلاة قي، وهذا وهاتان السماءان عند الثالثة كحلقة في فلاة قي، وهذه الثالثة ومن فيهن ومن عليهن عند الرابعة كحلقة

____________

(1) القي - بكسر الأول وعينه واو -: القفز من الأرض.

(2) الطلاق: 12.

(3) طه: 6.

(4) أي انقطع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله لزينب العطارة إلى هنا، والتتميم من الصادق عليه السلام. أو انقطع خبر ما دون السماء ثم أخذ في خبر السماء.


الصفحة 277
في فلاة قي، حتى انتهى إلى السابعة، وهذه السبع ومن فيهن ومن عليهن عند البحر المكفوف عن أهل الأرض كحلقة في فلاة قي، والسبع والبحر المكفوف عند جبال البرد كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية (وينزل من السماء من جبال فيها من برد)(1) وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد عند حجب النور كحلقة في فلاة قي، وهي سبعون ألف حجاب يذهب نورها بالأبصار، وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والحجب عند الهواء الذي تحار فيه القلوب كحلقة في فلاة قي، والسبع والبحر المكفوف وجبال البرد والحجب والهواء في الكرسي كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية: (وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم)(2) وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والحجب والهواء والكرسي عند العرش كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية (الرحمن على العرش استوى)(3) ما تحمله الأملاك إلا يقول لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله عز وجل: (أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد)(4) قال: يا جابر تأويل ذلك أن الله عز وجل إذا أفنى هذا الخلق وهذا العالم وسكن أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار جدد الله عالما غير هذا العالم وجدد خلقا من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحدونه، وخلق لهم أرضا غير هذه الأرض تحملهم، وسماء غير هذه السماء تظلهم، لعلك ترى أن الله إنما خلق هذا العالم الواحد، وترى أن الله لم يخلق بشرا غيركم، بلى والله لقد خلق الله ألف ألف عالم، وألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميين.

3 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا

____________

(1) النور: 43.

(2) البقرة: 255.

(3) طه: 5.

(4) ق: 15.


الصفحة 278
قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، عن تميم بن بهلول، عن نصر بن مزاحم المنقري، عن عمرو بن سعد(1)، عن أبي مخنف لوط بن يحيى، عن أبي منصور، عن زيد بن وهب، قال: سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن قدرة الله تعالى جلت عظمته، فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن لله تبارك وتعالى ملائكة لو أن ملكا منهم هبط إلى الأرض ما وسعته لعظم خلقه وكثرة أجنحته، ومنهم من لو كلفت الجن والإنس أن يصفوه ما وصفوه لبعد ما بين مفاصله وحسن تركيب صورته، وكيف يوصف من ملائكته من سبعمائة عام ما بين منكبيه وشحمة أذنيه، ومنهم من يسد الأفق بجناح من أجنحته دون عظم بدنه، ومنهم من السماوات إلى حجزته، ومنهم من قدمه على غير قرار في جو الهواء الأسفل و الأرضون إلى ركبتيه، ومنهم من لو ألقي في نقرة إبهامه جميع المياه لوسعتها، و منهم من لو ألقيت السفن في دموع عينيه لجرت دهر الداهرين، فتبارك الله أحسن الخالقين.

وسئل عليه السلام عن الحجب، فقال: أول الحجب سبعة، غلظ كل حجاب مسيرة خمسمائة عام، بين كل حجا بين منها مسيرة خمسمائة عام، والحجاب الثالث(2) سبعون حجابا، بين كل حجا بين منها مسيرة خمسمائة عام، وطول خمسمائة عام، حجبة كل حجاب منها سبعون ألف ملك، قوة كل ملك منهم قوة الثقلين، منها ظلمة، ومنها نور، ومنها نار، ومنها دخان، ومنها سحاب، ومنها برق، ومنها مطر، ومنها رعد، ومنها ضوء، ومنها رمل، ومنها جبل، ومنها عجاج، و منها ماء، ومنها أنهار، وهي حجب مختلفة، غلظ كل حجاب مسيرة سبعين ألف عام ثم سرادقات الجلال، وهي سبعون سرادقا، في كل سرادق سبعون ألف ملك، بين كل سرادق وسرادق مسيرة خمسمائة عام، ثم سرادق العز، ثم سرادق الكبرياء ثم سرادق العظمة، ثم سرادق القدس، ثم سرادق الجبروت، ثم سرادق الفجر

____________

(1) كذا في النسخ ويحتمل كونه تصحيف (عمرو بن سعيد) وهو المدائني.

(2) هكذا في النسخ إلا في نسخه (و) ففيه: (والحجاب الثاني - الخ)).


الصفحة 279
ثم النور الأبيض، ثم سرادق الوحدانية وهو مسيرة سبعين ألف عام في سبعين ألف عام، ثم الحجاب الأعلى، وانقضى كلامه عليه السلام وسكت، فقال له عمر: لا بقيت ليوم لا أراك فيه يا أبا الحسن.

4 - حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الأسواري، قال: حدثنا مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي، قال: أخبرنا عدي بن أحمد بن عبد الباقي أبو - عمير بأذنة(1) قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن البراء، قال: حدثنا عبد المنعم ابن إدريس، قال: حدثنا أبي، عن وهب، عن ابن العباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إن الله تبارك وتعالى ديكا رجلاه في تخوم الأرض السابعة السفلى، ورأسه عند العرش، ثاني عنقه تحت العرش، وملك من ملائكة الله عز وجل خلقه الله تبارك و تعالى ورجلاه في تخوم الأرض السابعة السفلى مضى مصعدا فيها مد الأرضين حتى خرج منها إلى أفق السماء، ثم مضى مصعدا حتى انتهى قرنه إلى العرش، وهو يقول: سبحانك ربي، وإن لذلك الديك جناحين إذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب، فإذا كان في آخر الليل نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح يقول:

سبحان الله الملك القدوس سبحان الكبير المتعال القدوس، لا إله إلا هو الحي القيوم فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض كلها وخففت بأجنحتها وأخذت في الصراخ، فإذا سكن ذلك الديك في السماء سكنت الديكة في الأرض، فإذا كان في بعض السحر نشر جناحيه فجاوز المشرق والمغرب وخفق بهما وصرخ بالتسبيح سبحان الله العظيم سبحان الله العزيز القهار سبحان الله ذي العرش المجيد سبحان الله رب العرش

____________

(1) أذنة بالألف والذال والنون المفتوحات آخرها الهاء، أو بكسر الذال، قال السكوني: بحذاء توز جبل شرقي يقال له الغمر ثم يمضي الماضي فيقع في جبل شرقي أيضا يقال له أذنة، وقال نصر: أذنة خيال من أخيلة حمى فيد بينه وبين فيد نحو عشرين ميلا، و أذنة أيضا بلاد من الثغور قرب المصيصة مشهور، كذا في مراصد الاطلاع، وتوز وفيد منزلان متدانيان في طريق مكة من الكوفة.


الصفحة 280
الرفيع(1) فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض، فإذا هاج هاجت الديكة في الأرض تجاوبه بالتسبيح والتقديس لله عز وجل، ولذلك الديك ريش أبيض كأشد بياض ما رأيته قط، وله زغب أخضر تحت ريشه الأبيض كأشد خضرة ما رأيتها قط فما زلت مشتاقا إلى أن أنظر إلى ريش ذلك الديك.

5 - وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: إن لله تبارك وتعالى ملكا من الملائكة نصف جسده الأعلى نار ونصفه الأسفل ثلج، فلا النار تذيب الثلج، ولا الثلج يطفئ النار، وهو قائم ينادي بصوت له رفيع: سبحان الله الذي كف حر هذه النار فلا تذيب هذا الثلج، وكف برد هذا الثلج فلا يطفئ حر هذه النار، اللهم يا مؤلفا بين الثلج والنار ألف بين قلوب عبادك المؤمنين على طاعتك.

6 - وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: إن لله تبارك وتعالى ملائكة ليس شئ من أطباق أجسادهم إلا وهو يسبح الله عز وجل ويحمده من ناحية(2) بأصوات مختلفة، لا يرفعون رؤوسهم إلى السماء ولا يخفضونها إلى أقدامهم من البكاء والخشية لله عز وجل.

7 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن إسماعيل بن مسلم، قال: حدثنا أبو نعيم البلخي، عن مقاتل بن حيان، عن عبد الرحمن بن أبي ذر، عن أبي ذر الغفاري رحمة الله عليه، قال: كنت آخذا بيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نتماشى جميعا، فما زلنا ننظر إلى الشمس حتى غابت، فقلت:

يا رسول الله أين تغيب، قال: في السماء ثم ترفع من سماء إلى سماء حتى ترفع إلى السماء السابعة العليا حتى تكون تحت العرش، فتخر ساجدة فتسجد معها الملائكة الموكلون بها، ثم تقول: يا رب من أين تأمرني أن أطلع أمن مغربي أم من مطلعي؟ فذلك قوله تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز

____________

(1) النسخ في هذه الأذكار مختلفة يسيرا غير ضائر.

(2) في نسخة (ج) (من ناحيته).