الصفحة 325

الحسن الصفار، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسين عليهم السلام قال: إن الله عز وجل خلق العرش أرباعا، لم يخلق قبله إلا ثلاثة أشياء: الهواء والقلم و

الصفحة 326
النور، ثم خلقه من أنوار مختلفة: فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة ونور أصفر اصفرت منه الصفرة، ونور أحمر احمرت منه الحمرة، ونور أبيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار(1) ثم جعله سبعين ألف طبق، غلظ كل طبق كأول العرش إلى أسفل السافلين(2) ليس من ذلك طبق إلا يسبح بحمد ربه ويقدسه بأصوات مختلفة وألسنة غير مشتبهة، ولو أذن للسان منها فأسمع شيئا مما تحته لهدم الجبال والمدائن والحصون ولخسف البحار ولأهلك ما دونه، له ثمانية أركان على كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله عز وجل، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولو حس شئ مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين(3) بينه وبين الاحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة ثم العلم(4) وليس وراء هذا مقال(5).

____________

(1) قيل في تلون هذه الأنوار بهذه الألوان: وجوه مر أحدها في ذيل الحديث الثالث عشر في الباب الثامن.

(2) بالجعل المركب فهو أصل لهذه الأطباق فتدبر.

(3) أي لو حس شئ من تلك الأطباق شيئا مما فوقه - الخ، كما لو أذن للسان من السنة تلك الأطباق فاسمع شيئا مما تحته لهدم - الخ، ونقل المجلسي - رحمه الله - هذا الحديث في الرابع عشر من البحار عن تفسير القمي والكشي وكتاب الاختصاص والتوحيد، وقال: لو أحس شئ مما فوقه لعل قوله مما فوقه مفعول أحس أي شيئا مما فوقه، وفي الاختصاص (ولو أحس شيئا مما فوقه) أي حاس أو كل من الملائكة الحاملين، وفي بعض النسخ (ولو أحس حس شئ منها)، وفي بعضها (ولو أحس حس شيئا)، وهو أظهر، انتهى (4) (بين) مع معادله خبر مقدم والجبروت مبتدء مؤخر، والضمير المجرور يرجع إلى ما يرجع إليه ضمير حس، وفي نسخة (ج) و (و) و (ه‍) (والعلم).

(5) أي لا يوصف ما فوق هذه الأمور بالقول، وفي نسخة (ب) و (د) (وليس بعد هذا مقال).


الصفحة 327

52 - باب معنى قول الله عز وجل:
(وسع كرسيه السماوات والأرض)(1)


1 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (وسع كرسيه السماوات والأرض) قال: علمه.

2 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: ((وسع كرسيه السماوات والأرض) فقال: السماوات والأرض وما بينهما في الكرسي، والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره.

3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن ربعي عن فضيل بن يسار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (وسع كرسيه السماوات والأرض) فقال: يا فضيل السماوات والأرض وكل شئ في الكرسي.

4 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (وسع كرسيه السماوات والأرض) السماوات و الأرض وسعن الكرسي، أم الكرسي وسع السماوات والأرض؟ فقال: بل الكرسي وسع السماوات والأرض والعرش(2) وكل شئ في الكرسي.

____________

(1) البقرة: 255.

(2) العرش إما بالنصب عطف على السماوات أو بالرفع معطوف عليه كل شئ، وعلى كلا التقديرين يدل الكلام على أن الكرسي أعظم من العرش، وفي كثير من الأخبار التي ذكر بعضها في هذا الكتاب (أن العرش أعظم من الكرسي) ويمكن الجمع بإرادة معنى للعرش في هذا الحديث وإرادة معنى آخر في تلك الأخبار، وقيل: العرش معطوف على الكرسي أي والعرش أيضا كالكرسي وسع السماوات والأرض.


الصفحة 328
5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا الحسين ابن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، قال:

سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (وسع كرسيه السماوات والأرض) السماوات والأرض وسعن الكرسي، أم الكرسي وسع السماوات والأرض؟ فقال:

إن كل شئ في الكرسي(1).

53 - باب فطرة الله عز وجل الخلق على التوحيد


1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن العلاء بن فضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن قول الله عز وجل: (فطرة الله التي فطر الناس عليها)(2) قال: التوحيد.

2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم،

____________

(1) قال العلامة المجلسي - رحمه الله - في الرابع عشر من البحار: لعل سؤال زرارة لاستعلام أن في قرآن أهل البيت كرسيه مرفوع أو منصوب وإلا فعلى تقدير العلم بالرفع لا يحسن هذا السؤال لا سيما من مثل زرارة، ويروى عن الشيخ البهائي - رحمه الله - أنه قال: سألت عن ذلك والدي فأجاب - رحمه الله - بأن بناء السؤال على قراءة (وسع) بضم الواو وسكون السين مصدرا مضافا وعلى هذا يتجه السؤال، وإني تصفحت كتب التجويد فما ظفرت على هذه القراءة إلا هذه الأيام رأيت كتابا في هذا العلم مكتوبا بالخط الكوفي وكانت هذه القراءة فيه وكانت النسخة بخط مصنفه، إنتهى، أقول: على هذه القراءة (فوسع كرسيه) مبتدء والسماوات والأرض خبره، أي سعة كرسيه وظرفية تأثيره السماوات والأرض، لا أن يكون أحدهما فاعل وسع والآخر مفعوله حتى يحتاج إلى تقدير الخبر، فعدم اتجاه السؤال باق على هذا التقدير، فتأمل.

(2) الروم: 30.


الصفحة 329
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت: (فطرة الله التي فطر الناس عليها)؟ قال: التوحيد.

3 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) ما تلك الفطرة؟ قال: هي الإسلام، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد فقال: (ألست بربكم) وفيه المؤمن والكافر(1).

4 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، ويعقوب بن يزيد، عن ابن فضال، عن بكير عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) قال: فطرهم على التوحيد.

5 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل (فطرة الله التي فطر الناس عليها) قال: فطرهم على التوحيد.

6 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) قال: فطرهم جميعا على التوحيد.

7 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن حسان الواسطي، عن الحسن بن يونس، عن عبد الرحمن بن كثير مولى أبي جعفر، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل:

(فطرة الله التي فطر الناس عليها) قال: التوحيد ومحمد رسول الله وعلي

____________

(1) الضمير يرجع إلى الميثاق، وفي البحار: (وفيهم المؤمن والكافر) أي بحسب علمه تعالى أن بعضهم يؤمن في دار التكليف وبعضهم يكفر، لا أنهم في الميثاق كانوا كذلك بالفعل لأن الآية والأخبار تدل على أن كلهم أقروا هناك بالتوحيد وشرائطه بفطرتهم.


الصفحة 330
أمير المؤمنين(1).

8 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن ابن مسكان، عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:

أصلحك الله، قول الله عز وجل في كتابه: (فطرة الله التي فطر الناس عليها)؟ قال:

فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفته أنه ربهم، قلت: وخاطبوه؟ قال: فطأطأ رأسه، ثم قال: لولا ذلك لم يعلموا من ربهم ولا من رازقهم(2).

9 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ويعقوب بن يزيد جميعا، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: (حنفاء لله غير مشركين به)(3) وعن الحنيفية، فقال: هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها لا تبديل لخلق الله، وقال: فطرهم الله على المعرفة، قال زرارة: وسألته عن قول الله عز وجل:

(وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم - الآية) قال: أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر، فعرفهم وأراهم صنعه، ولولا ذلك لم يعرف أحد

____________

(1) الاقرار بالرسالة والولاية من شروط التوحيد للحديث الثالث والعشرين من الباب الأول ولأن الفطرة تطلب أن تدور الاعتقادات والحركات على مدار التوحيد وذلك لا يتم إلا بهما، وفي نسخة (ط) (وعلى ولي الله أمير المؤمنين).

(2) إشارة إلى أن الفطرة أصل العلم فالاستدلال لا ينفع ما لم تكن الفطرة باقية بحالها فالكافر إنما يكفر لكدورة فطرته بتقليد الآباء والتعصب لما عند جمعه من الرسوم والعقائد والعادات والاشتغال بالماديات والتغافل ثم الغفلة عن فحص الحق وطريقه، ولهذا ورد في الحديث (كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه وينصرانه) ومع ذلك أصل الفطرة باقية لا تزول لأنها عجين الذات، وتظهر نوريته بعض الأحيان على القلب وتدعو إلى الحق ببعض التنبيهات الفطرية، (إن لله في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها) ولذلك لا يقبل عذرهم بأن آباءهم كانوا كافرين أو أنهم كانوا غافلين، قال تعالى: (وإذ أخذ ربك - إلى قوله - المبطلون).

(3) الحج: 31.


الصفحة 331
ربه، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل مولود يولد على الفطرة. يعني على المعرفة بأن الله عز وجل خالقه، فذلك قوله: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله)(1).

10 - حدثنا أبو أحمد القاسم بن محمد بن أحمد السراج الهمداني، قال: حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم السرنديبي، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن هارون الرشيد بحلب، قال: حدثنا محمد بن آدم بن أبي إياس(2) قال:

حدثنا ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا تضربوا أطفالكم على بكائهم فإن بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلا الله، وأربعة أشهر الصلاة على النبي وآله، وأربعة أشهر الدعاء لوالديه.(3)

54 - باب البداء(4)


1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى،

____________

(1) لقمان: 25، والزمر: 38.

(2) في نسخة (و) وحاشية نسخة (ه‍) محمد بن آدم بن أبي اتاس، وفي نسخة (د) و (ب) (محمد بن أكرم بن أبي أياس).

(3) الحديث الرابع من الباب الرابع المتحد مع الحديث السابع من الباب العاشر يناسب هذا الباب ويبينه بعض البيان.

(4) البداء في أصل اللغة بمعنى الظهور، وقد اكتسب في الاستعمال اختصاصا في ظهور رأى جديد في أمر، ولذلك لم يذكر في اللفظ فاعل الفعل، يقال: بدا لي في كذا أي بدا لي فيه رأي جديد خلاف ما كان من قبل، ولازم ذلك عدم الاستمرار على ما كان عليه سابقا من فعل أو تكليف للغير أو قصد لشئ، ولا يستلزم هذا الظهور وعدم الاستمرار الجهل بشئ أو الندامة عما كان عليه أولا، بل هو أعم لأن ظهور الرأي الجديد قد يكون عن العلم الحادث بعد الجهل بخصوصيات ما كان عليه أو ما انتقل إليه وقد يكون لتغير المصالح والمفاسد والشروط والقيود والموانع فيهما، نعم إن الغالب فينا هو الأول فيتبادر عند الاستعمال الجهل والندامة، وإما بحسب مفهوم اللفظ فلا، فإسناد البداء إلى الله تعالى صحيح من دون احتياج إلى التوجيه، ومعناه في حقه تعالى عدم الاستمرار والابقاء لشئ في التكوين أو التشريع بإثبات ما لم يكن ومحو ما كان، ولا ريب أن محو شئ أو إثباته يدور مدار علته التامة ومباديه في الملكوت بأن يثبت بعض أسبابه وشرائطه أو يمحي أو يثبت بعض موانعه أو يمحي، وذلك إلى مشيته وإرادته التابعة لعلمه فإنه تعالى كل يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن ويمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب، ولكل أجل كتاب، وهذا مما لا ارتياب فيه ولا إشكال، ومن استشكل فيه من الإسلاميين أو غيرهم فإنما هو لسوء الفهم وفقد الدرك.

وإنما الكلام فيما أخبر الله تعالى أو أحد الأنبياء والأوصياء عن وقوعه محدودا بحدود و موقوتا بأوقات ولم يقع بعد كذلك ثم أخبر عنه مخالفا لما حد ووقت أو يظهر مخالفا له من دون إخبار كمواعدة موسى على نبينا وآله وعليه السلام وذبح إسماعيل على نبينا وآله وعليه السلام وقوله تعالى: (فتول عنهم فما أنت بملوم). وإخبار عيسى على نبينا وآله وعليه السلام بموت عروس ليلة عرسها ولم تمت وإخبار نبي من أنبياء بني إسرائيل بموت ملك ولم يمت وغير ذلك مما هو مذكور في مواضعه.

وأحق ما قيل في الجواب ما ذكر في كلمات أئمتنا صلوات الله عليهم أن من الأمور أمورا موقوفة عند الله تعالى يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء وعلم ذلك كله عنده تعالى ويقع علم تلك الأمور عند مدبرات الأمور من الملائكة وغيرهم فيخبرون عنها مع جهلهم بالتوقف أو سكوتهم عنه مع العلم كما سكت عنه الله تعالى كما هو الشأن في أئمتنا صلوات الله عليهم بعقيدتي لأن علمهم فوق البداء لأنهم معادن علمه وإن كان ظاهر بعض الأخبار على خلاف ذلك، فيقال عند ذلك: بد الله تعالى في ذلك الأمر لأن الله تعالى غير الأمر عما أخبر به أولا بالارسال، وإن شئت فقل إنه تعالى أو غيره أخبر عن الأمر بحسب علته الناقصة مع العلم بعلته التامة و وقوعها أو عدم وقوعها.

ثم إن اختصاص العلم الكامل بالأمور بنفسه وبصفوة خلقه ووقوع العلم الناقص عند العاملين في ملكوته وبعض خلقة من لوازم كبريائه وسلطانه كما هو الشأن عند السلطان مع عمال حكومته، ولذلك ما عبد الله وما عظم بمثل البداء لأن المعتقد بالبداء معتقد كمال كبريائه وعظمته، وإلى هذا أشار الإمام عليه السلام على ما روي في تفسير القمي في قوله تعالى:

(وقالت اليهود يد الله - الخ) قال: قالوا: قد فرغ الله من الأمر لا يحدث الله غير ما قدره في التقدير الأول فرد الله عليهم فقال: (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) أي يقدم و يؤخر ويزيد وينقص وله البداء والمشيئة، انتهى. نفي عليه السلام بيانه هذا اتحاد ما في التقدير مع ما يقع، وإليه أشير أيضا في قولهم عليهم السلام: (إن لله عز وجل علمين علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء وعلما علمه ملائكته ورسله).


الصفحة 332
عن الحجال، عن أبي إسحاق ثعلبة، عن زرارة، عن أحدهما يعني أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام قال: ما عبد الله عز وجل بشئ مثل البداء.


الصفحة 333
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أيوب بن نوح، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما عظم الله عز وجل بمثل البداء.

3 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما بعث الله عز وجل نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال: الاقرار بالعبودية، وخلع الأنداد، وأن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء.

4 - وبهذا الإسناد، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري وغيرهما، عن أبي عبد الله عليه السلام في هذه الآية (يمحوا الله ما يشاء ويثبت)(1) قال: فقال: وهل يمحو الله إلا ما كان وهل يثبت إلا ما لم يكن؟!.

5 - حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن مرازم بن حكيم، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله عز وجل بخمس: بالبداء والمشية و السجود والعبودية والطاعة.

6 - حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، عن علي بن إبراهيم بن هاشم،

____________

(1) الرعد: 39: أي يمحو الله ما يشاء مما ثبت في كتاب التقدير عند عمال الملكوت ويثبت مكانه أمرا آخر (وعنده أم الكتاب) التي إليها يرجع أمر الكتاب في المحو والاثبات.


الصفحة 334
عن الريان بن الصلت، قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: ما بعث الله نبيا قط إلا بتحريم الخمر، وأن يقر له بالبداء.

7 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن مالك الجهني قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لو يعلم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه.

8 - وبهذا الإسناد، عن يونس، عن منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام هل يكون اليوم شئ لم يكن في علم الله تعالى بالأمس؟ قال: لا، من قال هذا فأخزاه الله، قلت: أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم الله؟! قال:

بلى قبل أن يخلق الخلق.

9 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن معلى بن محمد، قال: سئل العالم عليه السلام كيف علم الله؟ قال: علم، وشاء، وأراد، وقدر، وقضى، وأبدى(1) فأمضى ما قضى، وقضى ما قدر، وقدر ما أراد، فبعلمه كانت المشية، وبمشيته كانت الإرادة، وبإرادته كان التقدير، وبتقديره كان القضاء، وبفضائه كان الامضاء، فالعلم متقدم المشية(2) والمشية ثانية، والإرادة ثالثة، والتقدير واقع على القضاء بالامضاء، فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء وفيما أراد لتقدير الأشياء، فإذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء، فالعلم بالمعلوم قبل كونه، والمشية في المنشأ قبل عينه، والإرادة في المراد قبل قيامه، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا وقياما(3)، والقضاء بالامضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام(4) المدركات بالحواس من ذي لون وريح ووزن وكيل وما دب ودرج من إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك

____________

(1) في الكافي والبحار: (أمضى) مكان (أبدى) وهو الأصح، وإن كان المآل واحدا، (2) في الكافي (على المشيئة).

(3) في الكافي (عيانا ووقتا).

(4) في نسخة (د) و (ن) (من المعقولات ذوات الأجسام).


الصفحة 335
مما يدرك بالحواس، فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء، والله يفعل ما يشاء، وبالعلم علم الأشياء قبل كونها، وبالمشية عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها(1) وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها و صفاتها وحدودها، وبالتقدير قدر أوقاتها(2) وعرف أولها وآخرها، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلهم عليها، وبالإمضاء شرح عللها(3) وأبان أمرها، وذلك التقدير العزيز العليم.

قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب أعانه الله على طاعته: ليس البداء كما يظنه جهال الناس بأنه بداء ندامة تعالى الله عن ذلك، ولكن يجب علينا أن نقر لله عز وجل بأن له البداء، معناه أن له أن يبدأ(4) بشئ من خلقه فيخلقه قبل شئ(5) ثم يعدم ذلك الشئ ويبدأ بخلق غيره، أو يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله أو ينهى عن شئ ثم يأمر بمثل ما نهى عنه، وذلك مثل نسخ الشرايع وتحويل القبلة وعدة المتوفى عنها زوجها، ولا يأمر الله عباده بأمر في وقت ما إلا وهو يعلم أن الصلاح لهم في ذلك الوقت في أن يأمرهم بذلك، ويعلم أن في وقت آخر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم، فمن أقر لله عز وجل بأن له أن يفعل ما يشاء ويعدم ما يشاء ويخلق مكانه ما يشاء، ويقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء، ويأمر بما شاء كيف شاء فقد أقر بالبداء، وما عظم الله عز وجل بشئ أفضل من الاقرار بأن له الخلق والأمر، والتقديم، والتأخير، وإثبات ما لم يكن ومحو ما قد كان، والبداء هو رد على اليهود لأنهم قالوا: إن الله قد فرغ من الأمر فقلنا:

____________

(1) قوله: (أنشأها) على بناء الماضي عطف على عرف، وفي أكثر النسخ على بناء المصدر فمع ما بعده مبتدء وخبر.

(2) في نسخة (ب) و (ج) و (و) و (ه‍) (قدر أقواتها).

(3) في نسخة (و) (شرع عللها).

(4) لا يتوهم من هذا أنه أخذ البداء مهموزا فليتأمل في ذيل كلامه.

(5) في نسخة (ب) و (د) (أن يبدأ بشئ فيجعله قبل شئ).


الصفحة 336
إن الله كل يوم في شأن، يحيى ويميت ويرزق ويفعل ما يشاء، والبداء ليس من ندامة، و هو ظهور أمر، يقول العرب: بدا لي شخص في طريقي أي ظهر، قال الله عز وجل:

(وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون)(1) أي ظهر لهم، ومتى ظهر لله تعالى ذكره من عبد صلة لرحمه زاد في عمره، ومتى ظهر له منه قطيعة لرحمه نقص من عمره، ومتى ظهر له من عبد إتيان الزنا نقص من رزقه وعمره، ومتى ظهر له منه التعفف عن الزنا زاد في رزقه وعمره.

10 - ومن ذلك قول الصادق عليه السلام: ما بدا لله بداء كما بدا له في إسماعيل ابني، يقول: ما ظهر لله أمر كما ظهر له في إسماعيل ابني إذ اخترمه قبلي ليعلم بذلك أنه ليس بإمام بعدي.

11 - وقد روي لي من طريق أبي الحسين الأسدي رضي الله عنه في ذلك شئ غريب، وهو أنه روى أن الصادق عليه السلام قال: ما بدا لله بداء كما بدا له في إسماعيل أبي إذا أمر أباه إبراهيم بذبحه ثم فداه بذبح عظيم، وفي الحديث على الوجهين جميعا عندي نظر، إلا أني أوردته لمعنى لفظ البداء والله الموفق للصواب(2)

55 - باب المشيئة والإرادة


1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن أبيه عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

المشية محدثة(3).

____________

(1) الزمر: 47.

(2) لا إشكال في الروايتين، وهو من القسم الثالث من البداء على ما ذكرنا فراجع.

(3) تقدم هذا الحديث بعينه في الباب الحادي عشر من الكتاب، ومشيئة الله تعالى تارة تؤخذ باعتبار تعلقها بأفعاله تعالى فهي عند الحكماء وأكثر المتكلمين قديمة من صفات الذات وعند أئمتنا صلوات الله عليهم وبعض المتكلمين كالمفيد (ره) حادثة من صفات الفعل على ما يظهر من أحاديث جمة في هذا الكتاب في هذا الباب والباب الحادي عشر والباب السادس والستين وغير هذا الكتاب، وقد أوردت البحث فيها مستوفيا في تعليقتي على شرح التجريد.

وأخرى تؤخذ باعتبار تعلقها بأفعال العباد فهي من مباحث الجبر والتفويض والقدر والقضاء، ويأتي الكلام فيها في خلال الأحاديث.


الصفحة 337
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن جعفر بن محمد بن عبد الله، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، قال: قيل لعلي عليه السلام: إن رجلا يتكلم في المشية فقال: ادعه لي، قال: فدعي له، فقال: يا عبد الله خلقك الله لما شاء أو لما شئت؟!

قال: لما شاء، قال: فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت؟! قال: إذا شاء: قال: فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت؟! قال: إذا شاء، قال: فيدخلك حيث شاء أو حيث شئت؟! قال:

حيث شاء، قال: فقال علي عليه السلام له: لو قلت غير هذا لضربت الذي فيه عيناك(1).

3 - وبهذا الإسناد قال: دخل على أبي عبد الله عليه السلام أو أبي جعفر عليه السلام رجل من أتباع بني أمية فخفنا عليه، فقلنا له: لو تواريت وقلنا ليس هو ههنا، قال:

بل ائذنوا له فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن الله عز وجل عند لسان كل قائل و يد كل باسط، فهذا القائل لا يستطيع أن يقول إلا ما شاء الله، وهذا الباسط لا يستطيع أن يبسط يده إلا بما شاء الله، فدخل عليه فسأله عن أشياء وآمن بها وذهب.

4 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن مروان ابن مسلم، عن ثابت بن أبي صفية، عن سعد الخفاف، عن الأصبغ بن نباته، قال:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: يا داود تريد وأريد ولا يكون إلا ما أريد، فإن أسلمت لما أريد أعطيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد.

5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد

____________

(1) كأن الرجل كان على اعتقاد المعتزلة فنبهه عليه السلام بأن الأمور ليست مفوضة إليك، أو على اعتقاد اليهود القائلين بأن الله قد فرغ من الأمر.


الصفحة 338
ابن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن سليمان بن جعفر الجعفري قال: قال الرضا عليه السلام: المشية والإرادة من صفات الأفعال، فمن زعم أن الله تعالى لم يزل مريدا شائيا فليس بموحد.

6 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، قالا:

حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قلت له: إن أصحابنا بعضهم يقولون بالجبر وبعضهم بالاستطاعة، فقال لي: أكتب قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبقوتي أديت إلي فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي، جعلتك سميعا بصيرا قويا، ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وذلك أنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني، وذلك أني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون، قد نظمت لك كل شئ تريد(1).

7 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير، عن العرزمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان لعلي عليه السلام غلام اسمه قنبر وكان يحب عليا عليه السلام حبا شديدا. فإذا خرج علي عليه السلام خرج على أثره بالسيف، فرآه ذات ليلة فقال: يا قنبر ما لك؟

قال: جئت لأمشي خلفك، فإن الناس كما تراهم يا أمير المؤمنين فخفت عليك، قال: ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الأرض؟! قال: لا، بل من

____________

(1) مفاد الحديث: إني قد نظمت وأعددت لك كل شئ يقتضيه بقاؤك وتحتاج إليه في التكوين والتشريع وشئت أن تكون تعمل بمشيتك التي أعطيتها ما في اختيارك من الأمور حتى تستحق مني الكرامة والزلفى ودوام الخلود في جنة الخلد فإني لم أصنع بك إلا جميلا منا مني عليك ورحمة، فما أصابك من حسنة فمني لأنها بالجميل الذي صنعته بك فأنا أولى بها وغير مسؤول عنها إذ لا سؤال عن الجميل، فإن ارتكبت معصيتي فإنما ارتكبت بالجميل الذي صنعته بك من المشيئة والنعمة والقوة وغيرها فالسيئة منك فأنت أولى بها فأنت مسؤول عنها.


الصفحة 339
أهل الأرض، قال: إن أهل الأرض لا يستطيعون لي شيئا إلا بإذن الله عز وجل من السماء، فارجع، فرجع.

8 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن موسى بن عمر(1) عن ابن سنان، عن أبي سعيد القماط، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: خلق الله المشية قبل الأشياء، ثم خلق الأشياء بالمشية(2).

9 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن درست بن أبي منصور، عن فضيل بن يسار، قال: سمعت أبا - عبد الله عليه السلام يقول: شاء وأراد ولم يحب ولم يرض، شاء أن لا يكون شئ إلا بعلمه وأراد مثل ذلك، ولم يحب أن يقال له: (ثالث ثلاثة) ولم يرض لعباده الكفر(3).

____________

(1) في نسخة (د) و (ه‍) (عن موسى بن عمران).

(2) ذكر هذا الحديث في آخر الباب الحادي عشر بسند آخر مع تغاير في المتن.

(3) الباء في قوله: (بعلمه) ليست للسببية بل لمطلق التعلق والالصاق، ومفاد الكلام أنه تعالى شاء كل كائن تعلق به علمه فكما لا يعزب عن علمه شئ لا يعزب عن مشيته شئ، ومع ذلك لم يحب بعض ما شاء ولم يرض به فنهى عنه كالشرك والظلم وغيرهما من قبائح العقائد و الأعمال كما رضى أمورا فأمر بها، والحديث نظير ما رواه المجلسي رحمه الله في البحار في باب القضاء والقدر والمشيئة عن محاسن البرقي عن النضر عن هشام وعبيد بن زرارة عن حمران قال: (كنت أنا والطيار جالسين فجاء أبو بصير فأفرجنا له فجلس بيني وبين الطيار فقال:

في أي شئ أنتم؟ فقلنا: كنا في الإرادة والمشيئة والمحبة، فقال أبو بصير: قلت لأبي عبد - الله عليه السلام: شاء لهم الكفر وأراده؟ فقال: نعم، قلت: فأحب ذلك ورضيه؟ فقال: لا، قلت:

شاء وأراد ما لم يحب ولم يرض؟! قال: هكذا خرج إلينا).

أقول: هذا الحديث مروي في باب المشيئة والإرادة من الكافي بتغاير في السند والمتن وهو نظير ما في الحديث الثامن عشر من باب الثاني من قول أبي الحسن عليه السلام: (إن لله مشيتين وإرادتين - الخ) ثم إن كلامه عليه السلام لا يستلزم الجبر كما توهم لأن تعلق مشيئة وإرادته تعالى بأفعال غيره لا ينافي اختيارهم كما يتبين من هذا الباب وبعض الأبواب الآتية، وأمثال هذا الحديث عنهم عليهم السلام لنفي التفويض لا لإثبات الجبر.


الصفحة 340
10 - حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الإصبهاني الأسواري، قال:

حدثنا مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي، قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن القاسم بن عبد الرحمن العتكي، قال: حدثنا محمد أشرس، قال: حدثنا بشر بن الحكيم، و إبراهيم بن نصر السورياني(1) قالا: حدثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة، قال:

حدثنا غياث بن المجيب(2) عن الحسن البصري، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله، قال: سبق العلم، وجف القلم(3) وتم القضاء بتحقيق الكتاب وتصديق الرسالة والسعادة من الله والشقاوة من الله عز وجل(4) قال عبد الله بن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يروي حديثه عن الله عز وجل قال: قال عز وجل: يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي وبعصمتي وعفوي وعافيتي أديت إلي فرائضي، فأنا أولى بإحسانك منك(5) وأنت أولى بذنبك مني، فالخير مني إليك بما أوليت بداء(6) والشر مني إليك بما جنيت جزاء، وبسوء ظنك

____________

(1) في نسخة (ج) وفي البحار باب نفي الظلم والجور: (وإبراهيم بن أبي نصر) وفي نسخة (ه‍) و (و) (السورياني) وفي (ب) و (د) و (ج) ((السرياني) والأخير تصحيف.

(2) في نسخة (و) وحاشية نسخة (ن) (عتاب بن المجيب).

(3) جفاف القلم كناية عن إتمام الكتابة فإن الله تعالى كتب في كتاب التقدير الأول ما يجري على الخلق كلا، لا يزيد عليه ولا ينقص منه شئ، ونفس البداء مما كتب فيه بخلاف التقدير المتأخر الذي يجري بأيدي عمال الملكوت فإن البداء يقع عليه.

(4) أي وبالسعادة من الله عطفا على تحقيق الكتاب، وبيان القضاء بالسعادة و الشقاوة يأتي في الحديث الثالث عشر وفي الباب الثامن والخمسين.

(5) كذا.

(6) بالرفع خبر للخير، وكذا الجملة التالية، أي الخير الواصل مني إليك مبتدء من دون استحقاقك لأن مبادي الخير الذي تستحقه بعملك أيضا مني، والشر الواصل جزاء متفرع على جنايتك، وفي البحار باب نفي الظلم والجور، وفي نسخة (ب) بالنصب، وهو على التميز والخبر مقدر، (واصل) أو ما بمعناه، وأوليته معروفا أي صنعته إليه.