احدهما: امامه بره شرعيه كامامه ابراهيم والائمه من بعده وامامه محمد والائمه الكرام من ذريته.
واخراهما: امامه فاجره وغير شرعيه كامامه فرعون وجنوده وامامه زعامه بطون قريش، وصور القرآن الكريم هذين النوعين من الامامه تصويرا دقيقا، وقياما بواجب البيان بين الرسول الكريم معالم هذين النوعين بيانا لا يحتمل التاويل، ولم يبلغنا ان احدا قد ذكر نوعا ثالثا للامامه.
ومن خلال دراساتنا فى البحوث السابقه ابرزنا مقومات الامامه الشرعيه وموهلات الامام الشرعى فمن توفرت فيه فهو الامام الشرعى البار.
والخلفاء اطلاقا لم تتوفر فيهم مقومات الامامه الشرعيه ولا موهلاتها، فقد وصلوا جميعا الى منصب الخلافه بالقوه والتغلب والقهر او بعهد من قوى متغلب قاهر، وقد تجاهلوا مع سبق الاصرار وجود الائمه الشرعيين من ذريه محمد وغصبوهم بالقوه والتغلب والقهر حقهم بالامامه وحكموا الامه بالعصا او بالتغلب والقهر ونكسوا مسيره الشرعيه كلها، فمن الطبيعى جدا ان تكون امامه الخلفاء غير شرعيه مع الاسف.
الفصل الخامس: تعريف الامامه
فى الفقرات السابقه من هذا البحث وبموضوعيه وتجرد غطيت بالكامل كل ما يتعلق بمفهوم الامامه، فما ان ينتهى القارىء من قراءه تلك الفقرات حتى يجد هذا المفهوم قد اخذ صوره واضحه ومالوفه بالذهن والقلب معا، ولو تركنا الامامه بدون تعريف لاغنتنا الفقرات السابقه عن هذا التعريف بعد ان وضحت الصوره، وابرزت المعنى جليا، ولكننا راينا لاسباب منهجيه، وطمعا بكمال فنيه الصوره ان نختم هذا الباب بتعريف الامامه.
ولابد من الاشاره بانه لا يوجد تعريف جامع مانع.
وسنعالج تعريفى الامامه الشرعيه وغير الشرعيه.
الامامه الشرعيه عهد اللّه الامامه هى عهد اللّه قطعا الى الجنس البشرى كله، والامام هو المكلف والموكل بحمل عهد اللّه والقيام باعبائه ومقتضياته.
1- قال تعالى مخاطبا ابراهيم: (انى جاعلك للناس اماما، قال ومن ذريتى قال لا ينال عهدى الظالمين) فاللّه سبحانه وتعالى وصف الامامه بانها عهده (لا ينال عهدى) واعلن بان امامه ابراهيم للجنس البشرى كله، فلا ينبغى ان يكون لهذا الجنس الا امام واحد، لتوحيد التدبير والتوجيه والتوجه، ومنعا للتصادم والتعارض، فلو كلف اثنان لكان احدهما الامام، وابرز مهام الامام والغايه من وجوده تتلخص: بهدايه الناس لامر اللّه (يهدون بامرنا) فالامام هو همزه الوصل بين المكلف (بكسر اللام) والمكلف (بفتح اللام) بين اللّه الخالق وبين المخلوقات، لان الامام استنادا لاعداد اللّه له وتاهيله هو الاعلم والافهم بالامر الالهى (يهدون لامرنا) وهو وحيد زمانه بهذا المجال، وهو يفهم الامر الالهى فهما قائما على الجزم واليقين، بينما غيره ربما فهم الامر الالهى، ولكن فهم هذا الغير قائم على الظن والتخمين.
2- قال الامام الرضا(ع) فى معرض حديثه عن الامامه: (الامام امين اللّه فى ارضه وخلقه، وحجته على عباده، وخليفته فى بلاده، والداعى الى اللّه، والذاب عن حريم اللّه، وقال ايضا: الامام واحد دهره، لا يدانيه احد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد له بدل ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب) (77).
3- وقال الرضا(ع): (الامامه منزله الانبياء وارث الاوصياء ان الامامه خلافه اللّه وخلافه رسوله ومقام امير المومنين وخلافه الحسن والحسين(ع).
ان الامام زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعز المومنين، الامام راس الاسلام النامى وفرعه السامى، بالامام تمام الصلاه والزكاه والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيىء والصدقات وامضاء الحدود والاحكام ومنع الثغور والاطراف، الامام يحلل حلال اللّه ويحرم حرامه، ويقيم حدود اللّه، ويذب عن دين اللّه ويدعو الى سبيل اللّه بالحكمه والموعظه الحسنه والحجه البالغه) (78).
4- وقال الامام الرضا(ع) ايضا: (الامام الامين الرفيق، والوالد الشفيق، والاخ الشقيق، وكالام البره بالولد الصغير) (79).
5- وقال ايضا: (ان العبد اذا اختاره اللّه لامور عباده شرح صدره لذلك واودع قلبه ينابيع الحكمه، واطلق على لسانه فلم يعى بعده بجواب، ولم يجد فيه غير صواب، فهو موفق مسدد مويد، قد آمن من الخطا والزلل، خصه بذلك ليكون ذلك حجه على خلقه، شاهدا على عباده.. والامام مطهر من الذنوب، ومبرء من العيوب، مخصوص بالعلم، موسوم بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين، وغيظ المنافقين وبوار الكافرين) (80).
6- وقال ايضا (الامام النار على اليفاع (ما ارتفع من الارض) الحار لمن اصطلى والدليل فى المهالك، من فارقه فهالك) (81).
7- الامامه هى الرئاسه العامه للمسلمين خاصه وللجنس البشرى عامه فى امور الدين والدنيا، ومعنى ذلك ان الامام هو الرئيس الاعلى للمسلمين خاصه ولابناء الجنس البشرى عامه (للناس) فى كل ما يتعلق بامور الدنيا والدين ورئاسته للمسلمين امر محسوس، اما رئاسته لغير المسلمين فسابقه لهدايتهم، لان مهمه الامام ان يخرج الناس جميعا من الظلمات الى النور، فالذين لم يهتدوا اسرى لدى طواغيت الكفر، ومهمه الامام ان يخلصهم من الاسر، وان يضمهم الى قطيع الرب جل وعلا.
8- الامامه هى مركز التدبير والتخطيط لانقاذ العالم من عبوديه الانسان للانسان الى عبوديه اللّه، ومن الخضوع لراى واجتهاد المتغلب الى الالتزام بامر اللّه، او تخليص البشر من جحيم حكم الطغاه الى جنه الحكم الالهى.
والامام هو المخطط والمدبر والقائد لعمليه الانقاذ والتخليص، وكل امام يبدا من حيث انتهى سلفه، انها عمليه متصله الحلقات ضمن خطه وبرنامج الهى واحد.
9- قال الامام زين العابدين(ع) فى دعاء عفوى من ادعيته المباركه: (اللهم انك ايدت دينك فى كل اوان اقمته، علما لعبادك، ومنارا فى بلادك، بعد ان وصلت حبله بحبلك وجعلته الذريعه الى رضوانك، وافترضت طاعته، وحذرت معصيته، وامرت بامتثال اوامره، والانتهاء عند نهيه، والا يتقدمه متقدم، ولا يتاخر عنه متاخر..) (82).
10- قال الامام الصادق: (لو بقيت الارض بغير امام ساعه لساخت) (83).
قيل له كيف ينتفع الناس بالحجه الغائب المستور؟ فقال الصادق: كما ينتفعون بالشمس اذا سترها السحاب) (84).
وحقيقه فان الامام الشرعى يمثل امر اللّه ويهدى بامره وائمه الكفر يمثلون امر الشيطان ويهدون بامره، والثابت تاريخيا وعلى مستوى العالم كله ان الارض لم يتخلو قط فى اى زمان من ائمه الكفر!! فكيف يرتاح المقلدون الى فكره خلو الارض من امام شرعى يهدى لامر اللّه!
11- العالم البشرى كله (المسلمون وغيرهم) بمثابه جسد واحد متكامل، له راس، وله قلب نابض، الامام الشرعى محله الطبيعى فى راس هذا العالم ومن قلبه ليخطط ويدبر ويقود للتى هى اقوم وليهدى العالم لامر اللّه.
لكن قوى الشر المتغلبه التى لا تخلو الارض منها ايضا تامرت، وعن طريق القوه والتغلب والقهر ابعدت الامام عن محله الطبيعى (الراس والقلب) وحلت محله بالقوه والقهر وتولت عمليه التخطيط والتدبير والقياده وهى ليست موهله لهذه العمليه ولانها تجهل الامر الالهى او لا تعترف بوجوده وضعت آراءها الخاصه، واجتهاداتها لتكون قانونا بديلا للقانون الالهى، وفرضت قانونها بالقوه، بعد استبعادها للقانون الالهى وللامام الشرعى بالقوه ايضا.
12- الامام الشرعى هو ولى المومنين مجتمعين، وولى كل مومن ومومنه منفردين، وهو قائد المومنين، وسيد المسلمين، وهو خليفه رسول اللّه القائم مقامه فى امور الدين والدنيا، وهو نور الطاعه، وهو الهادى الى صراط اللّه المستقيم، وهو نقطه ارتكاز الامه كلها، وهو علم وجودها الشرعى، ورمز وحدتها على الحق، وهو المرجع الاعلى لها مجتمعه، ولكل فرد من افرادها، وهو امل ابناء الجنس البشرى كله.
تعريف الامامه الفاجره غير الشرعيه القرآن الكريم، وبيان النبى له اكدا واصرا على ان الامامه بالضروره تنحصر بنوعين لا ثالث لهما احداهما امامه بره وشرعيه، واخراهما امامه فاجره وغير شرعيه، وقد حرصنا فى البحوث السابقه على تناول النوعين تباعا لتكون صوره الامامه مكتمله بالذهن والقلب معا، وبعد ان عرضنا مجموعه من الصيغ والمفاهيم لتعريف الامامه البره الشرعيه، يغدو لزاما علينا منهجيا ان نعرف الامامه الفاجره وغير الشرعيه.
الجذور التاريخيه للامامه غير الشرعيه عموما استقراء واقع الرسالات السماويه، واستقراء التاريخ السياسى للمجموعات البشريه يبدو واضحا ان مفاهيم الامامه غير الشرعيه قد اختلطت بمفهوم الدوله او امتزجت بظاهره السلطه طوال التاريخ.
ويبدو واضحا ان الامامه غير الشرعيه، قد اثرت وجودها وموسساتها باشكال المفاهيم المرتبطه عضويا بالامامه الشرعيه ففكره وجود امام يكون بمثابه مرجع وهادى وقائد للجماعه يسوسهم وفق الاوامر والتوجيهات الالهيه هى فى اصلها وحقيقتها فكره دينيه الهيه من جميع الوجوه، اى ان اصلها ومنابعها من عند اللّه تعالى، وكون هذا الامام هو الافضل والاجدر مفهوم الهى ايضا واعطاء هذا الامام صلاحيات هائله لاداره الجماعه وهدايتهم لامر اللّه، واعتبار الامام هو صاحب الكلمه العليا، وتسليمه مفاتيح الاموال والنفوذ والقوه كلها مفاهيم الهيه ومن لوازم الامامه الشرعيه ومقتضياتها، فمن اللحظه التى هبط فيها آدم وحواء ولم يكن على الارض غيرهما كان آدم هو الامام والمرجع والقائد والهادى حيث اعده اللّه واهله لهذه المهام، ولم تختلف الصوره عندما رزق آدم بالبنين والبنات وتكاثر اولاده واحفاده وكونوا مجتمعا كبيرا، بل كانت هنالك حاله من التسليم بامامه آدم وقيادته ومرجعيته واهليته التامه لذلك، وانه صاحب الكلمه العليا فى امور الدنيا والدين.
وقبل ان ينتقل آدم الى جوار ربه، كان اللّه تعالى قد اعد وهيا للامامه ابنه هبه اللّه (شيث) فامر آدم ان يعهد له بالامامه وبعد فتره علم اخوه قابيل بالامر فجاء الى الامام وقال له: (قد علمت انك صاحب الامر، وان اباك قد اوصى اليك، واستودعك العلم، وان نطقت او اظهرت شيئا من ذلك الحقتك باخيك هابيل فوضع هبه اللّه يده على فيه وامسك، فلزمت الاوصياء التقيه والامساك الى ان يقوم قائم الحق، وامر هبه اللّه ولده وشيعته بالحضور عنده فى يوم من السنه.
وصار الملك والتدبير والامر والنهى لقابيل وهو الامام غير الشرعى الذى استولى على مقاليد الامور ومنصب الامامه بالقوه والتغلب، وهبه اللّه الامام الشرعى مغلوب على امره ومغمور مع انه صاحب الحق، وبقى على حاله حتى حضرته الوفاه فاوحى اللّه اليه ان يستودع التابوت والاسم الاعظم ابنه ريان.. (85)فكان قابيل اول قاتل من بنى البشر، واول متغلب وقاهر، حيث اقصى امام زمانه الشرعى عن الامامه بالقوه والقهر، واستولى عليها بالقوه والقهر، ومن هنا صارت عمليه اقصاء الامام الشرعى والاستيلاء على منصب الامامه بالقوه والتغلب والقهر سنه سنها القتله والجبابره والخارجون على الشرعيه الالهيه.
وسار عليها اولياوهم فى كل زمان.
والذى يعنينا من هذه الفقره وبالدرجه الاولى ان قابيل:
1- قد اقصى امامه الشرعى عن حقه بالامامه بالقوه والتغلب.
2- استولى على منصب الامامه بالقوه والتغلب وكثره الاتباع.
3- ساس المجتمع وفق آرائه الخاصه واجتهاداته الشخصيه ضاربا بعرض الحائط الامر الالهى، الذى يجهله ويتجاهله.
4- ولان المجتمع قد عاصر آدم اثناء امامته، وعرفوا صلاحياته واختصاصاته الواسعه، ولان قابيل اصبح هو خليفه ابيه والقائم مقامه وامام المجتمع فقد الحق بمنصب الامامه التى استولى عليها بالقوه كافه الصلاحيات والاختصاصات التى كانت لابيه الامام من قبله.
بمعنى ان امام غير شرعى، وغير معد وموهل الهيا للامامه صار يتمتع على سبيل الالحاق بكافه الصلاحيات والاختصاصات التى كان يتمتع بها الامام الشرعى.
وهكذا تحول الغاصب الى وحش حقيقى يملك ما لا يحصى من المخالب والانياب.
وقفه عند الصلاحيات والاختصاصات عندما يختار اللّه سبحانه وتعالى رجلا للامامه فانه تعالى يعده ويوهله للامامه فيجعله الاعلم والافهم والاتقى والافضل ويعصمه تماما من الزلل، او بتعبير ادق يجعله اوحد زمانه لكل فضل، واعطاء الصلاحيات والاختصاصات الهائله لمن كانت هذه حاله لا يشكل خطرا، لان من يمارس هذه الصلاحيات والاختصاصات رجل منزه ومعصوم ومعد وموهل الهيا لممارستها.
لكن الكارثه تحل حقيقه بالناس، بحاضرهم ومستقبلهم عندما يتم اقصاء الامام الشرعى عن منصبه، ويتم الاستيلاء على هذا المنصب بالقوه والتغلب والقهر وعندما يصبح هذا المتغلب القاهر هو الامام الفعلى ويدعى ان له الحق بممارسه كافه صلاحيات واختصاصات الامام الشرعى لانه القائم مقامه!!! فحال الامام المتغلب كحال من يملك ادوات الجراحه الطبيه، ويمارس جراحه العين والقلب والدماغ مع انه لا يعرف الطب اطلاقا ولا يملك من علمه الا ادوات ولوازم الجراحه التى وجدها تحت تصرفه!! او كحال طفل اعطيته قنبله ليلهو بها.
الامام غير الشرعى:
الامام غير الشرعى على الغالب رجل منافق، طموح ومغامر، وحسود خرج من الشرعيه الالهيه مع سبق الاصرار، وكره الترتيبات الالهيه المتعلقه بالامامه الشرعيه، فدبر بليل مع اوليائه، وجمع القوه الكافيه، وكشر عن انيابه ثم اقصى الامام الشرعى عن منصب الامامه واستولى على هذا المنصب بالقوه والتغلب والقهر، وتجاهل المنظومه الحقوقيه الالهيه لانه يجهلها او يتجاهلها واحل محلها آراءه الخاصه واجتهاداته الشخصيه، وقبض على مفاتيح اموال ونفوذ وقوه الدوله واخرجها عن مصارفها الشرعيه وسخرها لتثبيت قواعد ملكه، واستمرار حكمه ونهجه، وعندما ترنو منيته يعهد خلافته لاحد اوليائه ممن يشاركونه عقيدته الفاسده، وتستمر عمليه العهد، حتى ياتى قاهر جديد، فيسلك نهج الذين سبقوه مع اختلاف الديكور.
وتنفخ وسائل الاعلام التى يملكها الغالب، وتتولى تحريف الكلم عن مواضعه، وتزيين الباطل واظهاره بمظهر الحق وخداع العامه والتلبيس عليهم والتدليس.
القوه والتغلب والسمه البارزه القوه والتغلب هما الطريق الوحيد للوصول الى منصب الامامه الفاجره او غير الشرعيه فى كل المجتمعات التى لا تدين بالاسلام حتى صارت هذه الطريقه هى السمه البارزه التى تميز زعامه الكفر ومجتمع الكفر، ولم تختلف الامور حتى عندما توسعت مدارك الجنس البشرى وولت الدكتاتوريات الفرديه والجماعيه، وحفلت المجتمعات بافكار الديمقراطيه وحقوق الانسان، اذ بقيت جرثومه القوه والتغلب عالقه بالنفوس والاذهان، ولكن وسائل ابرازها قد اختلفت.
وربما تاثرا بالمجتمعات الجاهليه والكافره انتشرت تقليعه القوه والتغلب فى المجتمع الاسلامى قبيل وفاه النبى، فصارت القوه والتغلب بعد وفاته هما ايضا الطريق الوحيد للوصول الى منصب الامامه، فما من خليفه اسلامى قط الا وقد وصل الى منصب الخلافه عن طريق القوه والتغلب او بعهد من قوى متغلب.
وهى سمه بارزه تميز الخلافه التاريخيه عن منصب الامامه الشرعيه.
بمعنى ان شريعه الغاب على المستوى السياسى هى التى تحكم الوصول الى منصب الامامه غير الشرعيه وانتقالها، بغض النظر عن الاعداد والكفاءه والاهليه والجداره، فتلك امور ثانويه بمقاييس القوه والتغلب والقهر.
بينما الامامه الشرعيه تنبثق عن الشرعيه والمشروعيه الالهيه وهى ثمره اختيار الهى للمعد الموهل الذى تتوافر فيه موهلات الامامه بحيث تجعله هذه الموهلات هو الاوحد فى زمانه بكل فضل، وهو الاعلم والافهم بالمنظومه الالهيه المعده لتكون القانون النافذ فى المجتمع.
الباب الثانى
اختيار الامام وتوليته وتنصيبه
الفصل الاول: الامامه الشرعيه
محمد رسول اللّه هو الامام الاعظم بعد ان بينا معنى الامامه والامام فى اللغه والدين والتاريخ لا يمارى احد من الناس فى ان رسول اللّه محمد(ص) كان الامام الاعظم فقد جمع اللّه له النبوه والرساله والامامه، فقد كان هو الرئيس الاعلى لكافه المسلمين فى كافه الشوون الدينيه والدنيويه معا، فقد قاد الدعوه الى اللّه وعندما تمخضت الدعوه عن دوله راس تلك الدوله وقادها، وكان هو المرجع العام للمسلمين فى كل الامور، وكانت بيده مفاتيح اموال ونفوذ وقوه الدوله الايمانيه الفنيه، يصرفها على الوجوه الشرعيه ويتبع ما يوحى اليه.
وكان هو الولى والمولى الشرعى لكل مومن ومومنه على انفراد ولكافه المسلمين والمومنين مجتمعين، وكان هو السيد فلا سيد فوقه، وهو القائد، وهو الامير، وهو صاحب الكلمه العليا فى الامه الاسلاميه كلها وتلك هى اختصاصات الامامه وصلاحياتها وعنوان وجودها، تلك حقائق لا يقوى على انكار اولئك الذين عطلوا عقولهم واتبعوا التقليد وشغفوا بالتماس الاعذار للخارجين على الشرعيه الالهيه طوال التاريخ.
موهلات الامام الاعظم لا يمارى احد من المسلمين بان رسول اللّه كان هو الاعلم والافهم بالدين، والاقرب والاتقى، والافضل، والاصلح لقياده الامه الاسلاميه خاصه، وقياده العالم الانسانى عامه، يتبع ما اوحى اليه ينطق بالحق والصواب، ولا ينطق عن الهوى، كان الابعد نظرا والارحم، لقد اعده اللّه تعالى واهله، حتى الاول بكل فضل، او بتعبير ادق حتى صار اوحد زمانه، فلا يوجد فى زمانه على الاقل من يدانيه او يساويه علما وتقوى وفهما وفضلا وصلاحا ورحمه او يقترب من وحدانيته الانسانيه الجامعه لكل معانى الفضل والخير والفخر.
وقفه مع المتشككين وتساول هل يشك احد من قاده التاريخ السياسى الاسلامى، او من علمائهم بان محمدا رسول اللّه كان هو الامام الاعظم؟ وهل يشك احد منهم باى موهل من موهلات النبى التى ذكرناها؟ فان استمروا بالشك فقد فارقوا دينهم، وان دخلوا فى اليقين فقد آن لهم ان ينزعوا عن سوء عملهم بتزيين الباطل وتبرير الخروج على الشرعيه الالهيه، او التماس الاعذار للخارجين عليها.
والاستمرار بتضليل العامه وتعليلهم بالامانى الجوفاء!!
من الذى اختار محمدا للنبوه والرساله والامامه؟ اللّه جل وعلا هو الذى اعده محمدا واهله واختاره من بين الناس جميعا ليكون النبى والرسول للناس جميعا والامام، واللّه تبارك وتعالى هو عينه الذى اختار ابراهيم للنبوه والرساله والامامه وهو بنفسه الذى اختار الائمه من ذريه ابراهيم من بعده وجعلهم ائمه يهدون بامر اللّه (وجعلناهم ائمه يهدون بامرنا) «الانبياء/73) تلك حقائق سلمت بها الامه تسليما ولا يجادل بها احد لانها من ابجديات الدين والمنطق.
واللّه سبحانه وتعالى هو الذى اختار الائمه من آل محمد واعدهم واهلهم للامامه من بعد النبى.
هنا يجن جنون قاده التاريخ، ويجن جنون اوليائهم من بعدهم الذين يغضبون لغضب الخلفاء ويرضون لرضاهم.
فليس لدى الخلفاء ما يمنع من ان يجمع اللّه تعالى النبوه والامامه والحكمه لابراهيم وآل ابراهيم.
لكنه ليس من العدل ان يكون النبى من بنى هاشم، وان يكون الائمه من بعده من بنى هاشم!! وليس من العدل ان تحرم بطون قريش من هذين الشرفيين وان ينال الهاشميون الشرفيين معا (86)!!.
ويرون انه ما كان للّه ان يولى عليا بن ابى طالب الامامه من بعد النبى وقد قتل سادات بطون قريش على الكفر والقلوب تغلى بالضغائن عليه فالذين اسلموا فى ما بعد من ابناء البطون يرفضون ان يكون امامهم هو قاتل الاباء والاجداد (87).
الخلفاء الاول كانت لديهم اسبابهم القبليه الخاصه لرفض الامر الالهى الذى يعطى الامامه من بعد محمد لال محمد، لان الخلفاء الاول كانوا يعتقدون ان اللّه اعظم واجل من ان يخص الهاشميين بالنبوه والامامه معا وان يحرم بقيه البطون، واعطاء الامامه لال محمد من بعد محمد هو من عند محمد شخصيا ومحمد بشر يتكلم فى الغضب والرضا ولا ينبغى ان يحمل كلامه كله على محمل الجد (88)!! وجاء فزيع علماء الدوله التاريخيه ليبرروا فعل الخلفاء، وليخترعوا اسبابا ما خطرت ببال الخلفاء يقضى بضروره صرف الامر عن آل محمد، وبصواب فصل الخلفاء، وقد تمادوا بذلك فزعموا ان ائمه آل محمد لا وجود لهم الا فى اذهان آل محمد واذهان شيعتهم الذين يناصرونهم وهى شيعه ضاله، اما الذين يناصرون الخلفاء ويتشيعون لهم فهم اهل السنه والجماله وهم الشيعه المهتدين والفرقه الناجيه!
الائمه والشورى والانتخاب واهل الحل والعقد اللّه سبحانه وتعالى هو الذى اختار ابراهيم للامامه، واختار الائمه من بعده وجعلهم ائمه، وهو الذى اختار محمدا للامامه واختار الائمه الاثنى عشر من ذريته، بعد ان اعدهم وهياهم للامامه بحيث صار كل واحد منهم اوحد زمانه.
لم يعين الائمه عن طريق الشورى، ولم يصلوا الى منصب الامامه بالانتخاب، ولم يكن لاهل الحل والعقد اى دور فى اختيارهم وتوليتهم، فاللّه تعالى هو الذى اختارهم واهلهم واعدهم وجعلهم ائمه.
لماذا حصر اللّه تعالى صلاحيه اختيار الائمه بنفسه؟ لان الامام يجب بالضروره ان يكون اوحد زمانه بحيث يكون هو الاعلم والافهم بالدين، وهو الاتقى والاقرب للّه تعالى، وهو الافضل والاصلح والانسب، وهو المرجع الموثوق المحصن ضد الزلل والخطا، وهو الارحم والاشفق بالعباد، وهو الاول بكل فضل بحيث لا يسبقه سابق ولا يتقدم عليه متقدم، لان هذا الامام رجل العالم كله، فلو اجتمع الجنس البشرى كله وهذا مستحيل، واستعمل اقصى ما وصل اليه العقل البشرى لما توصل لمعرفه المتصف بهذه الصفات معرفه قائمه على الجزم واليقين، لذلك فان اشراك العالم او الامه باختيار الامام المتصف بهذه الصفات هو من قبيل العبث واللغو، ان عمليه الاختيار الالهى للامام هى عمليه فنيه من جميع الوجوه وتقريبا للذهن نقول انها اختصاص.
الطبيب يجرى عمليه للقلب، بحضور الملك والوزراء والفلاحين وارباب الصناعات والمهن وعلى مسمع ومراى من افراد الامه كلها حيث نقلت وقائع العمليه بالتلفزيون والاذاعه!!
والسوال الذى يطرح نفسه لماذا يحتكر الطبيب شرف وفخر انجاز العمليه الجراحيه دون ان يشرك معه عليه القوم وخاصتهم، عسانا ان نكون بهذا المثل قربنا الصوره للذهن، مع ان الذى يختار ليس الطبيب انماهو اللّه الذى لا يسال عما يفعل وهم يسالون واذا قضى اللّه ورسوله امرا ما كان للناس الخيره، لان الخيره فى ما اختاره اللّه.
موقف الناس من امامه رسول اللّه محمد(ص) قياده الدعوه الى اللّه احيط النبى الكريم علما باختيار اللّه تعالى له نبيا ورسولا واماما، وبدا نور الوحى الالهى ينساب فى وتين قلب الرسول، حاملا كليات وتفاصيل الخطه الالهيه لانقاذ الجنس البشرى مبتداه بالعرب، وكلف رسول اللّه بقياده الدعوه وبالدعوه الى اللّه سرا وبصوره انفراديه، واستمر منهجه السرى ثلاث سنين اهتدى على يديه قرابه اربعين رجلا وامراه (89) ثم تلقى رسول اللّه امرا بالجهر، فجمع الهاشميين رهطه الاقربين، فاطلعهم على كليات دعوته، وطلب نصرتهم، فاعلنت الاكثريه الساحقه من بنى هاشم وقوفها الى جانب النبى، حتى ان عمه ابا طالب قال له باسم هذه الاكثريه: (يا ابن اخى اذا اردت ان تدعو الى ربك فاعلمنا حتى نخرج معك بالسلاح) (90)، وفى هذا الاجتماع اعلن النبى استمرار الدعوه، حتى بعد وفاته، حيث عين عليا بن ابى طالب، وزيرا له وخليفه ووصيا واماما من بعده، وبعد ان انفض الاجتماع، ذهب النبى ومن والاه الى البيت الحرام وصعد الصفا ونادى على كل بطون قريش ولما اجتمعوا حوله اعلن النبوه والرساله ودعاهم الى اللّه (91)، وبعد ذلك قاد الرسول اتباعه بمظاهره سلميه مخترقا بهم شوارع مكه وسككها، وهكذا صارت انباء النبوه والرساله والامامه وولايه العهد معروفه عند سكان مكه، واقام الرسول بالابطح متابعا نشر الدعوه واعلانها (92).
الحزبان ما ان انتهى النبى من تعميم انباء النبوه والرساله والامامه وولايه العهد على سكان مكه حتى ظهر على الساحه الوجود الواقعى: لحزبين، يمثلان عقيدتين متناقضتين، وقيادتين متعارضتين بغض النظر عن كثره الحزب وقلته.
1- الحزب الاول: وهو الحزب الاسلامى الذى يدعو الى عقيده التوحيد ويقوده محمد النبى والرسول والامام، ويتكون اعضاوه من:
ا- اغلبيه الهاشميين الساحقه وعلى راسهم عميد البيت الهاشمى رسميا عبد مناف بن عبد المطلب وهو واقعيا وبجداره سيد قريش وحكيمها.
ب- الذين دخلوا فى الاسلام من ابناء البطون والموالى والاحابيش وقد آمن اعضاء هذا الحزب باللّه ربا وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا واماما، بالرضى لا بالاكراه، وعن طريق الكلمه الطيبه، والحجه البالغه، والاقناع، فلم يرو احد قط ان رسول اللّه قد اكره رجلا او امراه على القبول بولايته او امامته، فكان القبول بامامه النبى وولايته هو ثمره اقناع واقتناع، وهذا هو الفارق الدقيق بين الامامه الشرعيه القائمه على الرضى والاقتناع والاقناع وبين الامامه غير الشرعيه القائمه على الاكراه والرعب والتغلب والقهر.
وهذا الحزب هو حزب الاقليه، وهو بمثابه جزيره صغيره وسط محيط الكفر والشرك.
وما يميز اعضاء هذا الحزب عن غيرهم عمليا هو قبولهم بولايه النبى وامامته، فلو قال احد الاعضاء انه يومن باللّه ربا، ويومن بالقرآن، ويومن بان محمدا رسولا، ولكنه لا يقبل بولايه الرسول او بامامته فان هذا القائل كافر، لان العبره تكمن بالقبول بولايه الرسول وامامته.
ورسول اللّه لم يطلب من الفريق (ب) اكثر من تعميق قناعاتهم ومتابعه الوحى، والصمود على اسلامهم، وجعل الهاشميين الفريق (ب) فريق مواجهه وحمايه له.
تلك حقيقه لا يجادل بها الا جاهل، فالهاشميون تولوا المواجهه وحمايه النبى، وهم الذين تعرضوا للحصار واكلوا ورق الشجر من الجوع، وخوفا منهم احجمت بطون قريش عن قتل النبى، ولما افلست ورات ان قتل النبى هو الطريق الوحيد امامها اختارت فتيه من كل البطون ليشتركوا فى قتل النبى، حتى يضع دمه بين القبائل ولا يقوى الهاشميون على المطالبه بدمه حسب تعبيرها.
هذا قبل الهجره، ولم تختلف الصوره كثيرا بعد الهجره.
فابو بكر وعمر ابرز المسلمين تاريخيا بعد النبى، ولكن لم يثبت قط ان احد هذين الرجلين قد قتل او جرح او اسر مشركا، ولم يجدا غضاضه بالفرار اذا حمى الوطيس.
كما حدث فى احد.
2- الحزب الثانى: وهو حزب الكفر والشرك حيث يتبنى عقيده الشرك ويدافع عنها ويقول: الحزب مجلس رئاسه يتكون من زعماء بطون قريش ال24 بقياده ابو جهل وابو سفيان وبموت ابى جهل استقرت قياده هذا الحزب لابى سفيان واولاده وزعماء البطن الاموى.
ويتكون هذا الحزب من ابناء بطون قريش ال24 ومواليهم واحابيشهم، او بتعبير ادق من سكان مكه جميعا عدا الهاشميين والقله التى اسلمت مع محمد.
وتدعم هذا الحزب وتتعاطف معه كافه القبائل العربيه، لان لبطون قريش مكانه خاصه عند العرب، فهم حماه البيت وسدنته وله فضل متواصل على قوافل الحجيج بحيث يمكنك القول ان العرب كانت تمدد مواقفها السياسيه على ضوء موقف زعامه البطون فى مكه، الم تر كيف سلمت جيوب المقاومه العربيه للاسلام بعد استسلام زعامه بطون قريش.
ويميز اعضاء هذا الحزب عن غيرهم كراهيتهم لمحمد ولال محمد وللبطن الهاشمى، وعدم قبولهم بولايه النبى وامامته، وتبعا لذلك كرهوا الدين الذى جاء به محمد.
المواجهه بين الحزبين ان موضوع المواجهه بين رسول اللّه وآله بحث طويل، حتى اننى الفت كتابا عن هذه المواجهه لكن الذى يعنينا هنا ينصب على اعطاء صوره وجيزه عن المواجهه بين محمد الامام الشرعى، وبين زعماء بطون قريش الائمه غير الشرعيين.
ملخص موقف الامام الشرعى محمد رسول اللّه يريد ان يحدث تغييرا سلميا يوظفه لمصلحه البشريه، وذلك بتبديل عقيده الشرك التى تتنافى مع الفطره والعقل بعقيده الاسلام المتفقه مع الفطره والعقل، لتحل الاوامر الالهيه، محل الاجتهادات والاراء الشخصيه التى تستند على الهوى، وبوصفه الرجل الموهل للامامه، والاعلم بالعقيده يريد بالضروره ان يقود عمليه التبديل والتغيير بالرضى والاقناع والاقتناع وبالكلمه الطيبه المجرده.
يبنى مجتمعا انسانا مثاليا وجديدا تكون الاوامر الالهيه هى القانون النافذ فيه، وتكون قيادته هى الاصلح والاعلم والافضل حيث تتعاون الامه الجديده مع القياده لتكون المثل الاعلى الحى المتحرك للمجتمعات البشريه، ليسهل تبليغ وهدايه الناس جميعا لامر اللّه، وقلب محمد مفتوح فعنوان الدعوه النبويه التوحيد والاهتداء لامر اللّه والقبول بولايه محمد وامامته، لا لان محمد عاشق للسلطه ولكن لان اللّه قد اختاره لذلك، ولانه الاعلم والافهم بالعقيده والاقرب للّه والافضل بشهاده اللّه وكفى باللّه شهيدا.
ومطلب محمد ينصب على ان تخلى زعامه الشرك فى مكه بينه وبين السكان، وان تتوقف عن ممارسه ضغوطها على الناس، وان تتركهم ليختاروا الدين الجديد، عن قناعه وبالرضا او يبقوا على دينهم برضا وقناعه وان تتوقف زعامه البطون عن ممارسه ضغوطها الادبيه على العرب لتصدهم عن دين اللّه، وعن ممارسه اعلامها الفاسد الموجه لنشر الاكاذيب، وتحريف الكلم عن مواضعه، وتزيين الباطل وتشويه الحقائق استغفالا للعامه، وطمعا بالتضليل والتدليس والتلبيس.
لذلك فان النبى ماض قدما فى دعوته، ولن يتوقف حتى يظهره او يموت دون هذه الدعوه.
ملخص موقف ائمه الكفر ائمه الكفر فى مكه او زعامه بطون قريش تدرك ان عقيده الشرك فاسده، ويتعذر الدفاع عنها، وتدرك سوء الاوضاع العامه فى مكه وفى بلاد العرب، وتدرك حاجه الناس للتغيير، ولكنها لا تملك البديل، وهى تعلم علم اليقين ان محمدا بن عبداللّه صادق ولا يكذب وحكيم، وموهل للقياده والرئاسه، فقد كانوا يسمونه الامين وقد خلص البطون بحكمته من مذبحه عندما اختلفوا على رفع الحجر الاسود، ووضعه فى موضعه (93)، لكن ائمه الكفر او زعامه البطون محكومه بمجموعه من الثوابت الغير قابله للمناقشه اهمها:
1- الصيغه السياسيه الجاهليه القائمه على مبدا توازن القوى وانقسام مناصب الشرف بين البطون، والعقيده الجديده تنسف الصيغه من اساسها وتخص الهاشميين بالقياده والمرجعيه العامه.
2- زعماء البطون وصلوا الى مرتبه الزعامه بجهد جهيد مع ما يلحق بهذه المرتبه من امتيازات، ومن المستحيل ان تتخلى زعامه البطون عن مكتسباتها وان تسلم هذه المكتسبات الى رجل مغمور كمحمد بن عبداللّه.
3- ان محمد بن عبداللّه رجل هاشمى وبطون قريش ترفض رفضا قاطعا ان يكون الدين عن طريق هاشمى، وترفض اصلا النبوه الهاشميه، ولا تقبلها باى شكل من الاشكال.
4- ومع ان هذا السبب دعائى اكثر منه اقناعيا الا ان الدين القديم دين الشرك هو تركه الاباء والاجداد، ومن البر والوفاء لهم التمسك بمعتقداتهم.
لهذه الاسباب مجتمعه ومنفرده اجمعت بطون قريش ال24 على رفض: 1- دين الاسلام.
2- نبوه بنى هاشم.
3- قياده النبى وامامته.
4- فكره التغيير الاجتماعى.
وصممت جميع بطون قريش على مقاومه محمد والنبوه الهاشميه والدين الجديد الذى جاء عن طريق هاشمى بكل السبل والاساليب.
حتى لو اضطرها ذلك لقتل محمد بن عبداللّه ومحاصره الهاشميين والدخول بحرب مسلحه معهم كوسائل واساليب احتياطيه، وكان اكثر البطون اندفاعا لمعاداه النبى البطن الاموى بقياده ابى سفيان وبنيه وبنى عمومته وبطن بنى مخزوم بقياده ابى جهل والوليد بن المغيره والد خالد بن الوليد والعاص بن وائل والد عمرو بن العاص.
هذا لا يعنى ان بقيه البطون كبنى تيم وبنى عدى لم تكن مندفعه فى مد العداء ضد النبى لقد اندفعت كل البطون ال24 لكن اندفاع البطنين الاموى والمخزومى بعداوه النبى وآله كان ظاهرا وملموسا ومشهورا، ومعروفا لدى العامه والخاصه.
وسائل المواجهه وسائل الامام الشرعى محمد رسول اللّه:لقد اعلن محمد رسول اللّه بوضوح تام ان بطون قريش لو وضعت الشمس فى يمينه والقمر فى يساره لن يتراجع عن دعوته الى اللّه، وسيمضى هذه الدعوه قدما حتى يظهره اللّه او يموت دون ذلك، وهو يعلن بالعشى والابكار انه رجل سلم وسلام، يكره العنف والارهاب والقهر، وانه لن يكره احدا على الدخول فى دينه، وانه سلاحه الوحيد هو الكلم الطيب المستند الى الحكمه والموعظه الحسنه والحجه البالغه، واستنفار الطاقات الفكريه والروحيه فى الانسان اى انسان بغض النظر عن لونه او عرقه او مكانته الاجتماعيه، فاذا اقتنع هذا الانسان او ذلك بدعوته صار مسلما واحد اتباع النبى واحد رعايا الامام محمد يتبعه بولايه الدين، ولا تثريب على ائمه الكفر ولا لوم لو بقوا على دينهم، انما يقع عليهم اللوم والتثريب عندما يستعملون نفوذهم النابع من مكانتهم كائمه للكفر فيعدون عن سبيل اللّه وعن صحوه العقل ويعيقون مسيره التغيير العادله.
لذلك انصب جهد النبى على متابعه الدعوه وقيادتها وعرض نفسه ودعوته على التجمعات والافراد، خاصه وفود الحجيج التى كانت تفد بصوره دائمه الى مكه حاجه ومعتمره، وكانت حجه النبى متكامله ومنطقيه مدعومه بكلام اللّه المعجز، مما يجعلها نقطه استقطاب لو رفعت ضغوطات البطون او وجدت الحريات الفرديه للاختيار.
ان منهج الرسول متحضر، وكفى به فخرا انه المنهج الربانى بالدعوه.
وسائل ائمه الكفر امامه الكفر قائمه بطبيعتها على الرعب والارهاب والتغلب والقهر، ومعاديه للمنطق والعقل والفطره وخارجه بوضوح صارخ عن اطار الشرعيه والمشروعيه الالهيه، لا تحترم اراده التغيير، ولا يعنيها رفع المعاناه عن الناس، تفتقر الى بعد النظر معنيه بدنياها ومصالحها وحبها للسيطره والتحكم، لقد تجاهلت ادراكها لواقع يتطلب التغيير، ومعرفتها بالعقيده الفاسده التى يدين بها مجتمع الشرك، وتجاهلت حكمه محمد بن عبداللّه وصدقه، واهليته للقياده، وصممت نهائيا على رفض الدعوه ومقاومتها وسخرت نفوذها وقوتها ومالها ومكانتها عند العرب للصد عن سبيل اللّه، وتفشيل واحباط النبوه الهاشميه، ومارست مع العلم وسبق الاصرار الكذب والخداع والتضليل والتدليس والارهاب والقهر وقطيعه الرحم لتنال من محمد ودعوته ورهطه الهاشمى، واشاعت وسائل اعلامها الفاجره بان محمدا كاذب، وساحر، ومجنون، وكاهن، وشاعر وهى تعلم ان ما حملته وسائل اعلامها عن النبى مجرد اكاذيب، مثلما اشاعت وسائل اعلامها ان القرآن الذى جاء به محمد ما هو الا اساطير الاولين، وما هو الا اقاويل كهنه ونفثات ساحر، وانه ليس كلام اللّه كما يدعى محمد، مع انها لتعلم علم اليقين انه ليس بالسحر، ولا بالشعر، ولا بالكهانه.
وتقليلا لمكانه النبى وعظمه القرآن خصصت فرقه من فجارها مهمتها الاستهزاء بالنبى والسخريه منه ومن كتاب اللّه ومن ابرز رجالات هذه الفرقه الوليد بن المغيره والد خالد بن الوليد والعاص بن وائل والد عمرو بن العاص، وعقبه بن ابى معيط والد الوليد بن عقبه، والحكم بن العاص جد ملوك بنى اميه ووالد مروان بانى المملكه الامويه وعم عثمان الخليفه الثالث فى ما بعد (94).
وخصصت فرقه حاولت جذب الناس عن النبى بتحديثها عن اخبار الامم السابقه كما فعل النضر بن الحرث الذى كان يحدث قريش عن ملوك فارس.
هذا على صعيد الاعلام.
ثم عذبت المستضعفين من الذين اسلموا اذ ثارت كل قبيله بمن اسلم من افرادها فعذبوهم وسجنوهم وارادوا فتنتهم عن دينهم كما فعلوا ببلال، وبالمسلمه زنيره التى عميت من التعذيب، وبالمسلمه لطيفه التى عذبها عمر بن الخطاب حتى مل، والخباب بن الارت وياسر وعمار واخوه عبداللّه وسميه ام عمار (95).
ولم تتوقف محاولاتهم لعزل النبى وقتله (96).
وعندما اكتشفت جديه بنى هاشم فى حمايه النبى اجمعت بطون قريش ال24 على محاصره بنى هاشم فى شعب ابى طالب، لا تبيعهم ولا تشترى منهم لا تنكحهم ولا تنكح منهم وبالفعل حاصروا الهاشميين ثلاث سنين حتى اضطر الهاشميون ان ياكلوا ورق الشجر من الجوع ومع هذا رفض تسليم النبى، او ان يخلو بينه وبين بطون قريش لتقتله (97).
وقررت بطون قريش ان تحاصر من يريد الهجره، لتمنعه منها، كما فعلت مع المهاجره الاولى الى الحبشه، وكما فعلت يوم حاولت منع الرسول من الهجره الى يثرب، وحاولت ان تطرد المهاجرين من مهاجرهم كما فعلت يوم ارسلت عمرو بن العاص وعماره بن الوليد الى ملك الحبشه محاوله منها لرد المسلمين الى مكه (98).
الصمود المذهل لا تثريب على اى رسول او امام لو احبط واستسلم امام المقاومه الضاربه التى ابدتها بطون قريش ال24 مجتمعه له ولدينه، ولا تثريب على البطن الهاشمى لو انه سلم محمدا او خلى بينه وبين بطون قريش امام ارهاب عجيب وحصار وضغط متواصل دام 13 عاما او 15 عاما، وكان قدر محمد وقدر الهاشميين ان يعيشوا مع الارهابيين فى بلده واحده!!
لكن محمدا موهل الهيا للصمود والتحدى، اما الهاشميون فقد اهلوا لحمايه نبى واحتضان دعوه.
اليسوا هم شرعا خير بطون البشر قاطبه لقد صمد محمد وصمد الهاشميون فى وجه المقاومه والحصار والارهاب طوال 13 عاما فى ظروف ما كان لغيرهم فيها ان يصمد معشار هذه الفتره امام موجه العداء العاتبه.
تقدير الموقف وقرار الهجره ادرك الرسول الامام ان بقاءه فى مكه امر لا طائل تحته ولا فائده ترتجى منه، وبهذه الظروف فانه لن يومن من قومه الا من قد آمن، وان الكلمه المجرده قد ادت دورها كاملا، وان زعامه بطون قريش لن تفهم غير لغه القوه او الكلمه المسلحه بالقوه.
اثناء استعراض الرسول لقوافل الحجيج اجتمع مع سته من اهل يثرب وعرض عليهم دعوته، فامنوا بها، ووعدوه بنشرها فى يثرب، وفى السنه التاليه رجع من هولاء خمسه ومعهم سبعه آخرين، وارسل معهم الرسول مصعب بن عمير، وفى السنه الثالثه جاء مصعب ومعه 73 رجلا وامراتان، ولما فرغوا من اداء مناسكهم اجتمعوا مع الرسول وبايعوه واحدا واحدا على الطاعه وعلى ان يحموه وذريته كما يحمون نساءهم واولادهم.
وبهذا الوقت بالذات وصلت الدعوه فى مكه الى طريق مسدود فكان قرار الهجره هو الطريق الاوحد، وهو المنهج الاقوم، لقد عثر النبى على الاقليم المناسب والمقر الدائم له وهو يثرب.
خاصه وان اموره منظمه فيها، واتباعه لهم الكلمه العليا فى يثرب، وقد طلبوا منه ان يهاجر اليهم، وان يتولى الامور فيقود الدعوه والدوله معا واذن اللّه لنبيه بالهجره المباركه، وبالرغم من التكتم الشديد الا ان شائعات الوفاق بين محمد وبين اهل يثرب، وقرار بالنبى بالهجره انتشرت على نطاق واسع فى مكه ويثرب معا.
هجره الامام ونجاته وقيام الدوله اذا استطاعت زعامه بطون قريش ان تحاصر الدعوه محليا فقد فشلت بمحاصره الدعوه ووقف نشاطها خارج مكه، وما يجرى فى يثرب البرهان الساطع على ذلك.
اذا استطاع محمد ان ينشر دعوته رغم القيود والارهاب، فكيف تكون الحال عندما يتحرر ويصبح سيد يثرب وحاكمها المطاع!! هذا ما وصلت اليه زعامه بطون قريش من تحليلها للموقف، لذلك قررت ان تقتل محمدا، ولكنها تريده قتلا بلا ويلات وبلا ثارات، ولا حل برايها سوى ان تشترك كل بطون قريش وقبائلها فى قتله فيضيع دمه بين البطون والقبائل ولا يقوى الهاشميون والمطلبيون على المطالبه بدمه وقد ارتاحوا لهذه الحل، واختاروا من كل قبيله رجلا، حتى اذا دخل محمد بيته ليله الهجره، احاطوا بالبيت احاطه السوار بالمعصم لينتظروا خروجه مهاجرا ثم ينقضوا عليه، ويضربوه ضربه رجل واحد، حتى اذا وقف النجم وقفه الحيران -كما يقول شاعرهم- ولم يخرج محمد بدات الشكوك تساورهم، وكم دهشوا عندما راوا عليا بن ابى طالب نائما فى فراش محمد، ليفديه بنفسه، وان محمدا قد خرج دون ان يروه، فجن جنونهم، واحاطوا زعامه البطون علما بما حدث فاستنفرت خيلها ورجلها، وخصصت الجوائز لمن يقبض على محمد حيا او ميتا قبل وصوله الى يثرب.
وفى الجانب الاخر كان محمدا يشق طريقه الى يثرب عاصمه الدوله الجديده، منشرح الصدر واثقا من حفظ اللّه تعالى له (99).
مطمئنا بنور الوحى (نجوت من القوم الظالمين، وما ان وصل الى اطراف يثرب حتى وجد كل سكانها وقد خرجوا عفويا وانبهارا وبدون اكراه ليستقبلوا الامام محمدا استقبال الفاتحين، وبدات الايدى تصافحه وتبايعه نبيا ورئيسا واماما للمسلمين، ورئيسا لغير المسلمين باستفتاء عفوى بدءا من عبداللّه بن ابى -زعيم المنافقين- ومرورا بزعامه الاوس والخزرج وزعماء المهاجرين وعامه الانصار والمهاجرين، وكافه اتباع الديانات الاخرى المتواجدين فى يثرب وما حولها.
وصارت الهجره عنوان الايمان، ورمز الولايه، وتتابعت نداءات النبى الى كافه المسلمين بضروره الهجره، ومن لم يهاجر فليس لمحمد من ولايته شيى.
مقومات دوله النبى واركانها مجرد وصول النبى الى يثرب شرع بابراز مقومات الدوله الايمانيه التى تمخضت عن الدعوه الاسلاميه وجاءت كثمره كبرى من ثمراتها.
الركن الاول: الولايه او الامامه او القياده محمد رسول اللّه(ص) بالضروره هو الامام وراس السلطه وهو القائد وهو المرجع، فقد اختاره اللّه نبيا ورسولا وعينه وليا واماما وجعل طاعته والقبول بشرعيه امامته وقيادته جزءا لا يتجزء من دين الاسلام، ولانه هو المكلف ببيان القرآن وهو الاعلم والافهم بالدين، والاتقى والافضل، او لانه اوحد زمانه فمن الطبيعى جدا ان يكون هو الامام او القائد، او المرجع الاعلى، ومن الطبيعى ان يتولى الامام توزيع الادوار، وان يستعين بمن يراه لتحقيق الغايه من ظاهرتى الامامه والسلطه.
الركن الثانى: الشعب او الامه تكون شعب الدوله الجديده من سكان يثرب وما حولها وهم بضروره الواقع اربعه اصناف:
1- المسلمون الذين هاجروا من مكه الى المدينه (المهاجرون).
2- المسلمون الذين آمنوا من اهل يثرب ومهدوا لقبول النبى واعدوا المجتمع اليثربى وهياوه لتقبل وقبول امامه النبى وهم (الانصار).
3- المسلمون الذين تظاهروا موالاه النبى رغبه او رهبه وابطنوا الكفر والكراهيه لمحمد ولال محمد ولمن والاهم وهم (المنافقون).
4- اصحاب المصالح الذين كرهوا امامه محمد وكرهوا قيادته وكرهوا دينه ولكن حرصا على مصالحهم، وحتى لا يسبحوا بمواجهه التيار العام تظاهروا بقبولهم لقياده محمد وامامته وهم اليهود.
5- عناصر مشركه اخفت شركها، وامام حاله الانبهار بقدوم محمد لم تجد مفرا من التظاهر بموالاته وقبول امامته وهم فى الواقع فرقه من المنافقين.
الركن الثالث: الرضى والاقتناع كان القبول بامامه الرسول محمد وولايته ثمره رضى واقتناع الشعب او الامه، وهذا ما يميز الامامه البره الشرعيه عن الامامه الفاجره وغير الشرعيه، فالامامه البره الشرعيه تتسلم القياده برضى المحكومين واقتناعهم، اما الامامه الفاجره فتتسلم القياده وتصل اليها عن طريق القوه والتغلب والقهر وتجبر الشعب والامه على التظاهر بالرضى والاقتناع بقيادتها الجبريه.
1- فكافه المسلمين الذين هاجروا من مكه الى المدينه (اقليم الدوله) آمنوا بمحمد كنبى وكرسول، واعطوه المقاده وقبلوا به وليا واماما، وعاهدوه على الطاعه، كل ذلك بمحض اختيارهم وعن قناعه تامه، وبدون اكراه، ولا ضغط ولا ارهاب، وعقلا يستحيل تصديق ايه ادعاءات مناقضه اذ كيف يستطيع رجل اعزل ومطارد ومحاصر من قبل ائمه الكفر كمحمد(ص) ان يجبر الناس بالقوه والارهاب على الايمان بنبوته ورسالته وامامته، وان يحملهم على ترك وطنهم واموالهم وذرياتهم والسير على اقدامهم مئات الاميال للالتحاق به فى موطنه وقاعده دولته الجديده ليضعوا انفسهم تحت تصرفه!!! فليس فى الدنيا كلها عاقل يمكنه ان يشكك برضى واقتناع المهاجرين بامامه محمد وولايته.
2- وكافه المسلمين الصادقين من اهل يثرب آمنوا بمحمد
كنبى وكرسول وقبلوا به اماما ووليا لهم وعاهدوه على
الطاعه
وعلى حمايته وحمايه ذريته تماما كما يحمون انفسهم
واموالهم وذراريهم بمعنى ان محمدا لم تكن له قوه
عندما
عاهدهم، والا فكيف يطلب منهم ان يحموه!! ومن كانت
هذه
حالته فكيف يتسنى له ممارسه القوه والقهر للوصول
الى
منصب الامامه وممارسه اختصاصاتها وصلاحياتها!! ومن
جهه
ثانيه فان اكثر الصادقين من الانصار قد آمنوا بمحمد
نبيا
ورسولا ورضوا به وليا واماما قبل ان يروه وساروا
على اقدامهم
مئات الاميال ليعلنوا له ذلك، وليبايعوه على ذلك،
وهذا كله
يوكد ان امامه النبى وولايته على الصادقين من
الانصار كافه
ثمره رضى تام واقتناع موكد بشرعيه امامه النبى محمد
وولايته، وحال الانصار تماما كحال المهاجرين
الاولين.