امامه على بن ابى طالب
كان على بن ابى طالب يعلم علم اليقين انه مقبل على قياده دوله امويه من جميع الوجوه، وان الامويين كافه ضده، وكان يعلم ان ابناء بطون قريش ال22 ما قدموا عليا الا ليعلق الجرس، وليذكر الامويين بانهم قد خرجوا على التحالف الذى اوجده ابو بكر وعمر، فاذا علق الامام على الجرس، فان ابناء البطون القريشيه ال22 سينفضون من حوله ويتحالفون مع الامويين من جديد وضده، وانه لن يبقى معه الا الانصار، والمخلصون من الصحابه، اما الطلقاء والمنافقون، وابناء البطون والمرتزقه من الاعراب ففى اللحظه الحاسمه سيلتحقون بالمعسكر الاموى.
وفى احسن الظروف فان الامام على سيقود دوله كل حكام اقاليمها وولايتها واركانها من بنى اميه، فاما ان يكون العوبه بايديهم ليسيرون كما يشاء، او يدخل فى مواجهه رهيبه معهم، وغير معروفه النتائج.
انه امام هول حقيقى، فاما ان يقول انه لا يريد الخلافه والامامه، فيتداعى الجهد الذى بذله لاقامه الحجه على القوم، ويسجل عليه بانه قد احجم عن مواجهه الهول وانقاذ القيم الاسلاميه، واما ان يواجه الاخطبوط الاموى الرهيب الذى انشب اظفاره فى الامه والدوله، ووطد امره خلال الفتره الواقعه بين وفاه النبى ومقتل عثمان، بينما كان على خلال هذه الفتره محاصرا من جميع الوجوه.
وامام الحاح القوم، قبل على، وبايعه القوم الذين بايعوا ابا بكر وعمر وبطريقه ابى بكر وعمر، ونجح الامام نجاحا ساحقا فى ظروف ما كان بامكان غيره ان ينجح فيها، ودانت له البلاد، وانقاد له العباد الا معاويه بن ابى سفيان، وبنو اميه، وعائشه ام المومنين وطلحه والزبير، وتمكن الامام من هزيمه ام المومنين، ومن قمع فتنه طلحه والزبير، وبقى فى حاله مواجهه دمويه مع معاويه ومع الامويين، لقد اعد عمر بن الخطاب معاويه لهذه المواجهه، واطلق يده فى بلاد الشام يجمع ما يشاء، ويتصرف كيف ما يشاء بغير رقيب ولا حسيب، ليستعد للمواجهه مع على بن ابى طالب قاتل اخيه وجده وخاله وابن خاله واحدى عشر رجلا من بنى عمومته، وليستعد للانتقام من على ومن ذريته وذريه النبى، وعلى الرغم من استعدادات معاويه الطويله، الا ان الامام اوشك ان يسحقه ويهزمه لو اطيع!
واكتشف ابناء البطون ال22، والمرتزقه من الاعراب والمنافقين، ان الامام سينتصر على الامويين، وبعد انتصاره وبوقت يطول او يقصر، سيحطم التحالف بين البطون ال22 الذى بناه عمر وابو بكر، وستعود الولايه والامامه لمحمد ولاهل بيت محمد، يومها تضيع جهود هذا التحالف هباء!! بهذا الوقت بالذات، اعلن معاويه بالسر والعلانيه انه على استعداد لاعاده التحالف الذى كان قائما ايام ابى بكر وعمر ولاعاده التوازن الذى اختل فى زمن عثمان لصالح الامويين، وبدا ابناء البطون بنفث سمومهم، وتثبيط الهمم فى معسكر الامام، وبدات المزايده عليه، واخذوا يخالفون اوامره وتوجيهاته، ويجادلونه بالواضحات، وتبعهم المنافقون والمرتزقه من الاعراب، وفتح معاويه خزائن امواله التى جمعها خلال عهد ولايته الطويل، واشهر سلاح المال الجبار فى تلك الايام، بنفس الوقت الذى سير فيه كتائبه الارهابيه تقتل، وتحرق، وتنهب، وتبطش، بدون رحمه بكل من كان فى طاعه على، ولم يجد معاويه وقادته حرجا من قتل الاطفال، والنساء، والشيوخ، وحرق البيوت على من فيها وهم احياء، كان معاويه يقاتل ليثار من على ومن ذريه النبى الذين قتلوا احبابه فى بدر، وكان يقاتل ليكون ملكا (518) وفجع قلب الامام من فضائح معاويه، واستنهض الهمم، ولكنها لم تتحرك (519).
ومع هذا لم يستسلم الامام انما قرر الانتقام من معاويه، فدعا للجهاد ووزع الرايات، وقال اننى معسكر فى يومى هذا، فمن اراد الرواح الى الجنه فليخرج.
بهذا الوقت بالذات كان التخطيط للموامره على قتل الامام قد اكتمل، وبينما كان الامام داخلا للمسجد لاداء صلاه الفجر فى صبيحه احدى ايام شهر المبارك انقض عليه اشقاها عبد الرحمن بن ملجم فضربه بغدر وسقط الامام على الارض، الامام الذى لم يسقط قط، وعالج الموت ثلاثا، ثم هوى النسر من السماء، وخر الفرقد الذى ملا الاسماع والابصار والقلوب طوال حياته المباركه.
وعاش ابن هند اسعد لحظات حياته، ولو تمكن وامه لشقوا صدر الامام ولاكلوا كبده ومثلوا به كما فعلوا بحمزه عم النبى(ص)!
كان فتره حكم الامام -بالرغم من الفتن التى فجرها اعداء اللّه- فرصه ذهبيه ليكشف الامام ابعاد الموامره التى حاكتها بطون قريش ال23 ضده وضد اهل بيت النبوه وضد الاسلام.
مثلما كانت فرصه ليعلم الناس حقيقه الامام وقدراته المميزه، وعرف الناس طبيعه الحكم الاسلامى، وطبيعه العدل الاسلامى، وطبيعه العلاقه بين الامام والمواطنين.
امامه الحسن بن على وولايته تمت بيعه الامام الحسن رسميا، وصار اماما للامه ووليا وقائدا لها، وعليه ان يتابع المواجهه مع اعداء اللّه من حيث انتهى ابوه، وما ان انتهت مراسم العزاء حتى اخذ الامام يستعد للمواجهه، كان الامام الحسن يعرف حقيقه الجبهه الداخليه المهزوزه، ويعرف طبيعه معسكره المزعزع، وكان على علم بحقيقه الاوضاع الداخليه، وبموقف ابناء بطون قريش ال22 وموقف المنافقين والمرتزقه من الاعراب، وباساليب معاويه القذره وحملاته الارهابيه المجنونه، وبالافاعيل العجيبه لسلاح المال الذى استغله معاويه ابشع استغلال، وبانصراف الناس الى دين معاويه، وبتصميم معاويه على اباده كل المخلصين لدين اللّه واذلالهم.
لكن الحسن ابن ابيه ومن المحال ان يستسلم امام هذه الاوضاع ان يعذر ويبذل كل طاقته، لذلك استدعى قريبه عبيداللّه بن العباس، الذى فجعه معاويه بطفليه، واعطاه رايته وامره ان يستقبل جيش معاويه، فان اصيب فالامير من بعده قيس بن سعد، وان اصيب فالامير من بعده سعد بن قيس (520).. وسار جيش الامام، واشهر معاويه سلاح المال، وبعث رسله الى عبيداللّه وما زال يمنيه حتى خان عبيداللّه امامه، والتحق ومعه نصف الجيش بمعاويه.
وسمع الامام، وبعث رجلا من بنى اسد على راس ما امكن جمعه من المقاتلين، وخان القائد الجديد امامه، والتحق ىىىىبمعاويه بعد ان رشاه.
لقد ادرك الامام ان الاستمرار بالمواجهه المسلحه بمثل هذه الظروف المفجعه انتحار حقيقى، واباده لما تبقى من المومنين الصادقين، ومعاويه يبحث عن الملك والذهب والثار من اهل بيت محمد، واغلى غاياته اباده المومنين.
لذلك صمم الامام على انقاذ ما يمكن انقاذه، وعلى موادعه معاويه، فلامه الناس فقال الامام: (واللّه لو قاتلت معاويه لاخذوا بعنقى حتى يدفعونى اليه مسلما، واللّه لئن اسالمه وانا عزيز احب الى من ان يقتلنى وانا اسير، او يمن على فتكون سبه على بنى هاشم) (521).
وقال لقوم لاموه (انى خشيت ان يجتث المسلمون من الارض فاردت ان يكون للّه داع) (522)، وقال ايضا: (لم افعل ما فعلت الا بقيا عليكم) (523).
وحقيقه، فان معاويه على استعداد ان يحارب حتى يبيد كل المسلمين، او يقبض على الملك، وليس فى معسكر الامام من هو على استعداد للحرب الا القليل.
وجرت مفاوضات، ووضع الامام الحسن شروطا، وقبلها معاويه واعطى على ذلك عهد اللّه، وقدم معاويه الى الكوفه، ولما انقاد له الناس نكث بعهد اللّه، واعلن: (ان كل وعد وعدته احدا منكم فهو تحت قدمى هاتين «او قدمى هذه») (524).
خلافه معاويه بن ابى سفيان اصبح معاويه بن ابى سفيان رسميا وليا للمسلمين وخليفه لرسول رب العالمين وموهله الوحيد انه الغالب، مع انه هو وابوه من ائمه الكفر كما عليه بعض المفسرين لقوله تعالى: (وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلوا ائمه الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون) «التوبه/12» (525).
واخرج نصر بن مزاحم المنقرى فى وقعه صفين: ان رسول اللّه لعن ابا سفيان ومعاويه ويزيد.
ويوم احد لعن ابا سفيان، وفى كل صلاه كان رسول اللّه يلعن فلانا وفلانا وفلانا وقد اخرجه السيوطى والترمذى وابن جرير وابن ابى حاتم.. والى حقيقه لعن رسول اللّه لمعاويه اشار محمد بن ابى بكر برسالته التى ارسلها لمعاويه بقوله: (وانت اللعين ابن اللعين..) (526).
ومعاويه راس قوم هم الاشد بغضا للّه ولرسوله ولاهل بيته كما وثقنا فى الصفحات السابقه من هذا الكتاب.
المراسيم الملكيه بعد ان استتب امر معاويه، وصار ملكا (خليفه) على المسلمين، يحكم بما يريد، فرعن الرجل حقيقه، وفعل ما لم يفعله فرعون بشعبه، فنقض كل عهوده التى اعطاها للحسن بن على، واصدر سلسله من المراسيم الملكيه الظالمه، ووزعها على كل عماله، وجاء فيها:
1- (برات الذمه ممن روى شيئا من فضل ابى تراب واهل بيت النبوه).
فلو ان مسلما قد روى انه قد سمع رسول اللّه يقول: من كنت مولاه فهذا على مولاه، فيعنى ذلك ان مثل هذا المسلم مهدور الدم ومن حق اى شخص من شيعه معاويه ان يقتله!
2- (من قامت عليه البينه انه يحب عليا واهل بيت النبوه، فامحوه من الديوان واسقطوا عطاءه ورزقه).
3- (من اتهمتموه بموالاه عليا واهل بيت النبوه، فنكلوا به، واهدموا داره).
4- (لا تحيزوا لاحد من شيعه على واهل بيته شهاده)!
5- (لا تتركوا خبرا يرويه احد من المسلمين فى ابى تراب الا وتاتونى بمناقض له فى الصحابه)! (527).
6- وسن معاويه سنه لعن امير المومنين على بن ابى طالب واهل بيت النبوه على المنابر وفى كل صلاه، وطلب من ولاته على الاقاليم تنفيذ ذلك (528).
7- ولم يجد معاويه غضاضه ولا حرج من ان يقتل كل من امتنع عن سب معاويه كائنا من كان، كما فعل مع حجر بن عدى الصحابى الجليل، وسته من اصحابه، حيث قتلهم صبرا بمرج عذراء بتهمه انهم على دين على، وكما فعل مع الصحابى عمرو بن الحمق الذى ابلت العباده وجهه (529).
8- وبعد ان قلم اظافر خصومه، ونكل بهم اعد العده للقضاء على سبط النبى الحسن بن على حتى لا يبقى شوكه فى حلق ابنه وينازعه بالخلافه، واخذ يرتب خططه لقتل الحسن بن على وهو يعلم انه سيد شباب اهل الجنه وريحانه النبى من الامه قال ابن سعد فى (الطبقات الكبرى): (سمه معاويه)، وقال الواقدى: (كان معاويه قد تلطف لبعض خدمه ان يسقيه سما) (530).
وقال المسعودى (531): (ان معاويه وراء سم الحسن)، وقال ابو الفرج الاصفهانى (532): (سمه معاويه).
وقال المدائنى مثل ذلك (533).
وقال ابن عبد البر فى الاستيعاب (534): سم الحسن بتدسيس من معاويه، ولما بلغ معاويه موت الحسن، اظهر الفرح، وسجد، وسجد من معه (535).
وقال ابن عبد ربه (536): (ان معاويه لما بلغه خبر موت الحسن خر ساجدا).
قال ظافر القاسمى فى كتابه الخلافه فى الشريعه والتاريخ (حصل معاويه على البيعه بالتقتيل والتدمير والتحريق وشتمه اصحاب رسول اللّه واستغل اموال المسلمين التى جمعها طوال عشرين عاما بولايته على الشام، ليوطد سلطانه بعد ان اخرج اموال المسلمين عن مصارفها الشرعيه، ورتب عطاء اسمه رزق البيعه، يعطى للجند عند تعيين خليفه جديد) (537).
خلافه يزيد بن معاويه بعد ان مرغ معاويه كبرياء الامه وكرامتها، وقد احس ان منيته قد دنت، اخذ يعد العده ليجعل الخلافه وراثيه فى نسله مبتدئه بابنه يزيد بن معاويه المعروف بفجوره وعهره، فحصل على موافقه ام المومنين عائشه (538).
ثم حصل له على بيعه اهل الشام واهل العراق، وذهب الى المدينه واعلن بان غايته من استخلافه لابنه يزيد ان يجنب المسلمين الاختلاف، ولانه يكره ان يترك امه محمد كالضان لا راعى لها، ولان ابنه اولى من ابناء الناس وهكذا صار يزيد بن معاويه خليفه لرسول اللّه بعهد من ابيه الخليفه المتقلب، ومعاويه على فراش الموت، اوصى ابنه يزيد بان يرسل مسلم بن عقبه الى المدينه اذا ثار اهلها، وثار اهل المدينه فعلا، وارسل يزيد مسلم بن عقبه فاباد كامل البدريين، وقتل من المهاجرين والانصار سبعمائه، وقتل عشره آلاف من العرب والموالى بيوم واحد يوم المرو سنه 63ه/682م، واخذ البيعه من الناس على انهم خول وعبيد، يتصرف بهم امير المومنين يزيد بن معاويه كما يتصرف المالك فى عبيده واقنانه، وختم ايدى واعناق الصحابه امعانا باذلالهم، وحبل جيشه الف عذراء ولدت من غير زوج، وقد اجمع المورخون على هذه الحقائق (539)، ثم سار الى مكه فهدم الكعبه نفسها! تلك حقيقه لا يقوى على انكارها الا جاهل ومجنون!!
تلك هى بعض افاعيل خليفه رسول يزيد بن معاويه.
وكلما مات سيد قام سيد، والملك من بعد ابى ليلى لمن غلب!
التغلب والقهر بمواجهه الترتيبات الالهيه الاشاعه الساقطه بموازين العقل والمنطق زعم قاده التاريخ وشيعتهم ان رسول اللّه قد انتقل الى جوار ربه، ولم يجمع القرآن الكريم وهو حجته الكبرى، ودون ان يبين للناس من هو الخليفه من بعده، او ان يحدد طريقه تنصيب وتعيين هذا الخليفه! وهذا الزعم قد تحول الى اشاعه روجتها وسائل اعلام قاده التاريخ، وحشتها فى الاذهان قسرا، وحافظت الخاصه والعامه على هذه الاشاعه التى صارت جزءا من تراثها وممتلكاتها.
مع ان هذه الاشاعه ساقطه علميا بموازين العقل والمنطق، ولانها تتنافى مع كمال الدين وتمام النعمه الالهيه، فهل يعقل ان يبين الرسول للناس كيف يتبولون ولا يبين لهم من هو الخليفه من بعده؟ ويترك الامه التى احبها فريسه للخلاف والاختلاف على الرئاسه من بعده؟!
ثم ليدلنى قاده التاريخ وشيعتهم على خليفه واحد قد مات ميته طبيعيه دون ان يعين من يخلفه! فاذا اصروا على القول بان الرسول قد انتقل الى جوار ربه وترك امته هملا لا راعى لها على حد تعبير عائشه ام المومنين، فلماذا لم يقتدوا برسول اللّه ويتركوا الامه كما تركها الرسول؟! وان تراجعوا عن قولهم بالتخليه وقالوا: ان الرسول قد عين الولى من بعده فى غدير خم، وان الناس قد بايعوه وقدموا له التهانى بالاماره، فلماذا خالفوا رسول اللّه واهملوا الترتيبات الالهيه ونصبوا غيره؟!! فاين يفر قاده التاريخ واشياعهم، لقد سقطوا فى دائره الادانه الالهيه!! ان امرهم لا يعنينى وحسابهم على اللّه، وما يعنينى هو كيف تنهض هذه الامه، وكيف تعود للترتيبات الالهيه، حتى يستقيم امر الفرد والاسره والجماعه والامه والدوله معا فى ظل هذه الترتيبات الالهيه الحكيمه؟.
الشرعيه والترتيبات الالهيه طوال عهد النبوه المبارك وفى مرحلتى الدعوه والدوله يوكد الرسول: ان الولى والخليفه، والامام، والقائد، والسيد من بعده هو على بن ابى طالب، حيث ان اللّه اختاره واعده واهله لذلك فصار بموازين العلم الالهى هو الاعلم، والافهم بالدين، والاصلح، والافضل، والاتقى.
وبتعبير ادق اعد ليكون اوحد زمانه بعد وفاه النبى، وطوال عهد النبوه، والرسول يوكد ان رئاسه الامه الاسلاميه محصوره باثنى عشر اماما من اهل بيت النبوه يتتابعون على قيادتها.
وقد وثقنا ذلك فى الصفحات السابقه.
وعندما رجع الرسول من حجه الوداع جمع الناس فى غدير خم، وسالهم ان كانوا ما زالوا يعتقدون ان الرسول مولاهم ووليهم فاجابته الجموع بلسان واحد، انت مولانا وولينا، فقال الرسول: انه بعد عودته سيمرض وسيموت من مرضه واحب ان يلقى اليهم القول معذره فاعلن لهم ان عليا بن ابى طالب هو مولى وولى من كان الرسول مولاه ووليه، فولايه على بن ابى طالب كولايه الرسول، وولايه الرسول كولايه اللّه وهكذا ربط الرسول ربطا محكما بين هذه الولايات الثلاث، فمن يرفض ولايه على فقد رفض ولايه رسول اللّه، ومن يرفض ولايه رسول اللّه فقد رفض ولايه اللّه، ومن رفض ولايه اللّه فهو كافر رغما عن انفه، وسيكبه اللّه فى النار على وجهه شاءت الجموع ام ابت.
وفهمت الجماهير المجتمعه فى غدير خم هذا الربط المحكم وتقدمت من الامام مهنئه بالولايه والاماره، وكان من جمله المهنئين ابو بكر وعمر وابو عبيده وعبد الرحمن بن عوف واركان حزب عمر.
ولم يكتف الرسول بهذا الربط المحكم عندما اعلن وفى نفس الموقف بان القرآن ثقل وركن بعده، وان اهل بيت النبوه ثقل آخر، وان الهدايه من بعده لا تطلب ولا تدرك الا بالتمسك بالثقلين، ومن المستحيل على الامه ان تتجنب الغلاله الا بالتمسك بالثقلين معا.
فالقرآن بمثابه القانون النافذ، وعميد اهل بيت النبوه فى كل زمان بمثابه الامام او القائد او المرجع او الجهه المعده لفهم القرآن فهما قائما على الجزم واليقين.
وهكذا وكما ربط الرسول ولايه على بولايته، وربط ولايته بالولايه للّه، ربط القرآن باهل بيت النبوه، وربط اهل البيت بالقرآن.
واكد الرسول استحاله ادراك الهدى الا بالاثنين، واستحاله تجنب الضلاله الا بالاثنين معا، وهكذا حسم الرسول نهائيا وبوضوح تام مشكلتى او ظاهرتى القياده والقانون الى يوم الدين!
وقد جاء فى القرآن الكريم ان اللّه خص آل ابراهيم بالنبوه والملك والكتاب والحكمه ولم يندهش احد من هذا الفضل الالهى، وقد صرح الرسول انه افضل من ابراهيم.
لو ان الجميع قد قبلوا بالترتيبات الالهيه التى اعلنها الرسول فى غدير خم لاشترك الجميع فى تشيع جثمان النبى الطاهر، وواراه الجميع فى ضريحه المقدس، وتقدم الجميع من على بن ابى طالب بعد ذلك فبايعوه ليكون امامهم ووليهم لان ولايته كولايه الرسول، عندئذ يحكم الامام على بين الناس بكتاب اللّه الذى يفهمه فهما يقينا، ويسعد الناس فى ظلال الحكم الالهى، حتى اذا ما انتقل الامام الى جوار ربه شيعته الامه مجتمعه، ثم بعد ذلك بايعت الامام الحسن الذى اعده اللّه للقياده بعد ابيه، ثم الامام الحسين، وهكذا، فالامه تعرف ائمتها وقادتها الى يوم القيامه، عندئذ تستقر موسسه الحكم فى الاسلام، وتصبح مثلا اعلى ويستقطب نظامها العالم كله، وينقطع دابر التنافس على الخلافه والرئاسه ويشعر الجميع بالرضا لان الامام هو ابن نبى الجميع وهو المعبر، والمهيا الهيا ليكون الاعلم، والافهم بالدين، والافضل والاصلح، والاتقى اى انه وحيد زمانه المميز الذى ينفذ الحكم الالهى بدون زلل ولا خطا!! ثم ان الجميع يبايعونه ويعاهدونه على التعاون معه لتنفيذ الاحكام الالهيه.
فتحكم الرعيه نفسها بنفسها، ويحكمها الاعلم والافضل والاتقى والاصلح بعلم اللّه لا بعلمها، فتخرج من دائره الظن والتخمين الى دائره الجزم واليقين، فلا مفاجات ىىىىولا غموض، ولا ظلم ولا عسف فالحكم الالهى، هو الحاكم والحكم معا.
وبوقت يطول او يقصر، تتكون الدوله العالميه التى تنظم تحت جوانحها الاسره البشريه كلها، حيث تقدم لها العدل والانصاف والمساواه والحريه، ويختفى التنازع على الرئاسه الى الابد بعد ان يتذوق الجنس البشرى طعم حكم الامام النموذج، وعدله وانصافه.
لعمر وابناء بطون قريش راى آخر عمر بن الخطاب وابناء بطون قريش ال23 يعرفون الترتيبات الالهيه معرفه تامه، فقد حضروا اجتماع الغدير، وقدموا التهانى للامام، ولكن عمر بن الخطاب وابناء بطون قريش ال23 انفوا من اتباع الترتيبات الالهيه التى اعلنها الرسول فى غدير خم، وانفوا من القبول بولايه على بن ابى طالب واهل بيت النبوه لا لسبب الا لانهم من بنى هاشم، وعمر بن الخطاب وابناء بطون قريش ال23 يرون انه ليس من المنطق ولا من العدل ان يجمع الهاشميون النبوه والخلافه معا، وان يحرم بطون قريش من هذين الشرفين معا، والاصوب والاوفق على حد تعبير عمر ان يختص الهاشميون بالنبوه لا يشاركهم فيها احد من البطون، وان تختص البطون بالخلافه لا يشاركهم فيها هاشمى قط.
لذلك قرر عمر بن الخطاب واركان حزبه من ابناء بطون قريش ال23 ان يلغوا بالقوه كافه الترتيبات الالهيه التى اعلنها رسول اللّه فى غدير خم، مستعيضين عنها بترتيبهم الجديد! وتكون واقعيا حزب جديد يضم ابناء البطون ال23، والمرتزقه من الاعراب والمنافقين.
كان الجامع المشترك لهم جميعا كراهيتهم لولايه على واهل بيت النبوه.
وعندما اراد الرسول ان يكتب توجيهاته النهائيه، جمع عمر بن الخطاب اركان حزبه، وحالوا بين الرسول وبين كتابه ما اراد، وقالوا له وجها لوجه: (انت تهجر، ولا حاجه لنا بوصيتك ولا بكتابك، والقرآن يكفينا)، واغتنموا فرصه انشغال على بن ابى طالب واهل بيت النبوه بتجهيز الرسول وتكفينه ودفنه فنصبوا خليفه، وفرضوه بالقوه على الناس، وواجهوا الامام الشرعى والترتيبات الالهيه بامر واقع لا طاقه على دفعه.
وهكذا ابتدعت نظريه القوه والتغلب، والبست بالقوه والاكراه الزى الاسلامى، فقد تجاهل عمر واركان حزبه بطون قريش ال23 الشرعيه الالهيه، ونصبوا بالقوه وبكثره التابع اماما او خليفه ليشغل منصب الامامه الشرعيه، بعد اقصاء الامام الشرعى بالقوه وبعد غصب منصب الامامه واقصاء الامام الشرعى عن منصبه، صار الذين بايعوا الامام او الخليفه الناصب بمثابه جيش له، يدافعون عنه، ويوطدون له بالقوه والترغيب والترهيب.
ولا يجدون حرجا ولا غضاضه باستعمال ايه وسيله تحقق غايتهم، فبنفس اليوم الذى مات فيه الرسول جمع عمر بن الخطاب الحطب وهم باحراق بيت فاطمه بنت رسول اللّه على من فيه وهم احياء، وفيه الامام الشرعى، وسبطا الرسول وابنه الرسول وقد وثقنا ذلك، وفى يوم وفاه الرسول هددوا الامام على بالقتل ان لم يبايع، وبعد يومين من وفاه الرسول صادروا تركه الرسول وحرموا ورثته من هذه التركه، وصادروا منح الرسول التى اعطاها لهم، وحرموا اهل بيت النبوه من نصيبهم بالخمس المقرر لهم بايه محكمه، وبعد عده ايام من وفاه الرسول سربت وسائل اعلام الدوله التى يملكها الخليفه الغالب ان رسول اللّه قد قال لزوجته عائشه ابنه الخليفه ان عليا بن ابى طالب من اهل النار ويموت على غير دينى، بمعنى ان الخليفه الذى يستولى على منصب الامامه الشرعيه بالقوه والتغلب يهون عليه فعل اى شىء يضمن غصبه لمنصب الامامه.
فاذا استقرت سلطه الخليفه الذى نال منصب الخلافه بالقوه والتغلب والقهر يصبح منصب الخلافه جزء من ممتلكات الخليفه يتصرف به على الوجه الذى يراه، فيعهد بالخلافه من بعده لصديقه كما فعل ابو بكر عندما عهد بالخلافه لعمر، وكما فعل عمر عند عهده عمليا بالخلافه لصديقه عثمان، او لابنه كما فعل معاويه عندما عهد بالخلافه ليزيد، وكما ىىىىفعل مروان بن الحكم عندما عهد بالخلافه لابنه عبد الملك بن مروان، وطوال التاريخ السياسى الاسلامى والخلافه ملك لمن غلب، او لمن عهد اليه الغالب وقد اعتبر هذا الاسلوب شرعيا ومقبولا يقول عضد الدين الابجى فى كتابه (المواقف) المقصد الثالث: (ان الامامه تثبت بنص من الامام).
وقال قاضى القضاه الماوردى: (ان الخلافه تثبت بالقهر والغلبه، ولا تفتقر الى العقد، فمن غلب بالسيف حتى صار خليفه، وسمى امير المومنين، فلا يحل لاحد يومن باللّه واليوم الاخر ان يبيت ولا يراه اماما برا كان هذا الغالب او فاجرا فهو امير المومنين)!! وقال فى الامام يخرج عليه من يطلب الملك فيكون مع هذا قوم ومع هذا قوم تكون الجمعه مع من غلب، والدليل على ذلك ان عبداللّه بن عمر بن الخطاب قال يوم الحره: (نحن مع من غلب) (540)، ومن الطبيعى ان هذا الخليفه الغالب يتمتع بحق تعيين خليفته من بعده لانه ينظر للناس حال حياته ويتبع ذلك ان ينظر لهم بعد وفاته، ويقيم لهم من يتولى امورهم كما بين ذلك ابن خلدون فى مقدمته (541)!
وقد قام تاريخ الخلافه على هذا الاساس، فاذا اخذنا بعين الاعتبار شائعه ان رسول اللّه قد خلى على الناس امرهم نجد ان فعل الخلفاء هو السند الشرعى الوحيد فى هذه الناحيه، وسند الاجماع ما هو الا للتقويه والدعم، فمن يجرو على مخالفه الغالب!؟ وهل يتحقق الاجماع بالاكراه؟! ثم اين هى الاحكام الشرعيه؟!
والحقيقه الثانيه هو ان الخليفه القائم هو المختص وحده بتعيين الذى يليه، وانه لا خيار امام الامه، فاما ان توافق على قرار الغالب فتبايع من عهد عليه، او تعارض وتقع الفتنه، والموافقه اسلم!
وانت تلاحظ ان هذه القواعد كلها وضعيه من جميع الوجوه، بمعنى ان الحكام قد وضعوها من تلقاء انفسهم ولا علاقه للّه ولا لرسوله بما فعله الحكام المتغلبون (542) فنظام الخلافه التاريخى قام اصلا على فكره التغلب والقهر وعلى عهد من متغلب قاهر! فابو بكر لم يصبح خليفه لانه صحابى، او لانه صهر الرسول او... الخ، انما اصبح خليفه لان المتغلبين، وعلى راسهم عمر بن الخطاب نصبوه خليفه، وعمر لم يصبح خليفه لانه صحابى او لانه صهر الرسول او لايه مزايا فيه، انما اصبح خليفه لان الخليفه السابق قد عهد اليه، وهذه حال عثمان، ومعاويه لم ينل الخلافه لمميزات فيه، فهو طليق وابن طليق، وركن من الاحزاب وابن قائد الاحزاب، انما اصبح خليفه بالقوه والقهر، وصار ابنه يزيد خليفه بعهد منه، وصار حفيده معاويه خليفه بعهد من ابيه.
ولما برز مروان بن الحكم واستولى على منصب الخلافه بالقوه والتغلب والقهر، اخرج الخلافه من آل ابى سفيان، وبدات دوره العهد فى ذريه الحكم بن العاص.
حتى غلبهم العباسيون.
والعباسيون لم تول لهم الخلافه لانهم اولاد عم الرسول انما حصلوا عليها بالقوه والتغلب والقهر، وانتقلت من خليفه الى خليفه بالعهد حتى زال الحكم العباسى.
والعثمانيون لم ياخذوا الخلافه لانه لا فرق بين عربى وعجمى، انما اخذوها بالقوه والتغلب والقهر، وتداولوها فى ما بينهم عن طريق العهد.
تلك هى النتائج المفجعه لتجاهل الشرعيه والترتيبات الالهيه، وهى ثمره مره ومنطقيه لتجاهل الائمه الشرعيين الذين اختارهم واعلنهم رسوله لقياده الامه، وامامتها.
هذا هو جذر البلاء واساس الخلاف والاختلاف، وسبب الفتن التى اكتوت الامه بنارها.
الامامتان وجدتا معا طوال التاريخ الامامه الواحده منذ اللحظه التى تكونت فيها الاسره البشريه الاولى على الارض، وبدات عمليه التناسل والتكاثر، وجدت فكره او موسسه الامامه، وكانت تعنى القوامه والولايه والقياده والمرجعيه، فكان آدم (عليه السلام) هو الولى وهو القيم، وهو القائد، وهو المرجع لاسرته ولمجتمعه الصغير، او بتعبير ادق هو امامه لانه المثل الاعلى، وقد اختار اللّه سبحانه وتعالى آدم لهذه المهمه، واعده، واهله لها، وجعله الاعلم، والافهم، والافضل، والاقرب الى اللّه سبحانه وتعالى، وطلب منه ان يقوم بامر اللّه فى هذا المجتمع الصغير، ويهدى بهدى اللّه، ويسوس افراد مجتمعه وفق الاوامر الالهيه، ويرشدهم الى الخير، والى ما يسعدهم فى الدارين.
وقد التصقت المجموعه البشريه الاولى بامامها وتبنت مواقفه، واقتنعت بانه الاعلم، والافهم، والافضل وانه معد وموهل الهيا للقياده والمرجعيه، فتجانست تلك المجموعه واصبح لها راى واحد، وتوجه واحد، والتزمت بخطوط عريضه وتفصيليه واحده، وبقيت المجموعه البشريه الاولى امه واحده لها امام واحد، حتى قتل قابيل هابيل، اخاه فبدات الشرور، تعمل وتسرع عمليه التاكل فى المجتمع البشرى الاول، واوحى اللّه الى آدم انه متوفيه، وانه تعالى قد اختار ابنه (شيث) ليقوم بالامامه، وبامر اللّه من بعده، وانه تعالى قد اعد واهل (شيث) للامامه والولايه من بعد ابيه، وطلب من آدم ان يسلمه الصحف، ويوحى اليه، ويستودعه العلم.
قيام الامامتين معا بعد موت (آدم) ووصيته وعهده الى (شيث) بدا الشر يتململ فى المجتمع الانسانى، وبدات الثوره على الشرعيه الالهيه، لان (قابيل) القاتل يعتقد انه اولى من (شيث) بالامامه والولايه والوصايه من بعد ابيه، وان (شيث) ليس هو الافضل وليس هو الاعلم، وان مصلحه المجتمع البشرى تقضى بان يكون (قابيل) هو الامام من بعد ابيه، فجر (قابيل) ذريته، وجمع اسباب القوه، واستولى على منصب الامامه بالقوه والتغلب والقهر، وصار اماما فاجرا، واخذ يسوس الناس بامره لا بامر اللّه بعد ان خلع شيث الامام الشرعى المعين من اللّه، وهدد اخاه (شيث) بضروره التزام الصمت، وبغير ذلك فسيقتله كما قتل اخاه (هابيل) من قبل.
ونظرا لقله شيعه (شيث)، ولكراهيته لسفك الدماء، ولالتزامه بالاساليب الشرعيه.
وليبقى رمزا للخير، ومرجعا لاهل الخير، وليطلع الناس بهدوء على حقيقه ما جرى، اضطر شيث للموادعه.
ومن ذلك التاريخ نشات الامامتان ووجدتا معا.
1- امامه شرعيه يقودها امام شرعى اختاره اللّه، واعلنه رسوله، واعده اللّه واهله ليكون الاعلم، والافهم بامر اللّه، والافضل والاقرب للّه.
2- امامه غير شرعيه فاجره، جاءت عن طريق القوه والتغلب والقهر الموهل الوحيد لامامها الفاجر هو القوه والتغلب.
وضع الامامتين من الناحيه الواقعيه 1- الامامه الشرعيه: ان الامامه الشرعيه مجرده بالقوه من كافه سلطاتها وصلاحياتها، ومحدده الاقامه ومغموره، تتجاهلها كل وسائل الاعلام، ولا تستطيع هذه الامامه ان تمارس دورها وصلاحياتها الا فى حدود معينه وبمنتهى السريه والحذر حتى لا تثير حفيظه الامام الفاجر القوى المتغلب، وهى تعيش اجتماعيا فى عزله، واقتصاديا فى كفاف، ومع هذا فانها تمارس دور القياده والمرجعيه والتوجيه لاعوانها القله، وتبصر الناس بالحقيقه وما جرى وبامر اللّه ما وجدت الى ذلك سبيلا، وتوحى للناس ان ما يعيشونه مجرد واقع منقطع عن الشرعيه.
وهذه الامامه الشرعيه مقتنعه انه بوقت قد يطول او يقصر، ستتمكن من تقويم الانحراف الحاصل فى المجتمع، واقناع الناس بالصواب، وبالاوامر الالهيه وقدرتها على سياسه المجتمع وهدايته للاقوم، فاذا اقتنعت الاكثريه الساحقه من المجتمع بالحقيقه وبالاوامر الالهيه، واقتنعت بقدرتها على سياسه المجتمع، عندئذ ستتخلى الاكثريه عن الامام الفاجر من تلقاء نفسه، وتلتف حول الامام الشرعى، عندئذ يسقط الامام الفاجر من تلقاء نفسه، وتتلاشى الامامه الفاجره، لتحل محلها الامامه الشرعيه فيخرج الناس من عهود التغلب والقهر، ويدخلون فى عهد الشرعيه الالهيه والسعاده المتوازنه بين الدارين.
2- الامامه الفاجره وغير الشرعيه: بالوقت الذى تكون فيه الامامه الشرعيه، معزوله ومغموره اجتماعيا، ومحدده الاقامه، ومهدده تعيش على الكفاف فان الامامه الفاجره وغير الشرعيه تكون هى المالكه الفعليه لمال المجتمع، ونفوذه، وقوته، وسلطته وهى المسيطره على وسائل الاعلام.
والمال والنفوذ، والقوه، والسلطه بوسائل رهيبه، واسلحه فتاكه تستعملها الامامه الفاجره، لتاليف القلوب من حولها، بالعطاء، واستقطاب الناس وصدهم عن السبيل القويم، وتصغير منزله الامام الشرعى وتجاهله عن الاقتضاء، وتسوغ قتله اذا ارادت تحت شعار انه مفارق للجماعه، شاق لعصا الطاعه.
والاهم من ذلك اننا امام دوله حقيقيه تامر فتطاع، وتفرض طاعتها بالتغلب والقهر، ويبقى الامام الفاجر على راس دولته متمتعا بالجاه والنفوذ ما دام غالبا وقاهرا.
انتقال منصب الامامه فى الامامتين البره والفاجره
1- الامامه الشرعيه: لا تخلوا الارض دائما من امام شرعى يقوم بامر اللّه، ويبقى قائما بالامر حتى تدنو منيته فيعهد بالامامه الى من يليه ممن اختاره اللّه وبينه رسوله، وهكذا اذ بالضروره يجب ان يكون هنالك امام شرعى يقوم بامر اللّه ويرمز الى وجود الخير، وفكره المثل العليا، او الامر والهدى الالهى.
2- الامامه غير الشرعيه: الامام الفاجر وغير الشرعى هو الغالب الذى يحصل على منصب الامامه بالقوه والتغلب والقهر، ويبقى اماما فاجرا ما دام غالبا، فاذا ادركته المنيه -وهو ما زال غالبا- يعهد بالامر الى ابنه، او اخيه، او صديقه، او احد المخلصين من اعوانه، وتستمر دوره العهد حتى يظهر على المسرح متغلب جديد، فيحصل على الامامه والولايه بالقوه والتغلب والقهر، وينطبق عليه ما ينطبق على الذين سبقوه من حيث دوره العهد.
الائمه الاثنى عشر ما اسلفنا كان خلاصه وجيزه لما جرى لمنصب الامامه طوال التاريخ البشرى الطويل، فلما جاء رسول اللّه، ارسى قواعد موسسه الامامه، فبين انه خاتم النبيين، فلا نبى بعده، وان الاسلام هو دين اللّه فلا دين سواه، وان مستقبل الجنس البشرى يتوقف على منصب الامامه او الولايه، لان الامام او الولى هو القائم مقام النبى وهو المودى عنه.
لذلك بين الرسول ان الائمه من بعده اثنا عشر اماما اولهم على بن ابى طالب وآخرهم محمد بن الحسن المهدى، وكلهم من ذريه النبى.
وكان المفترض بالامه الاسلاميه ان تتعظ.
بما جرى للامم السابقه، وان تتجنب اخطاء تلك الامم، وان تستفيد من تجاربها، الا انها -مع الاسف الشديد- لم تفعل ذلك، فوقعت بنفس الاخطاء التى وقعت بها الامم السابقه، وحلت عرى دينها عروه مبتدئه بعروه الحكم.
اذ غصبت منصب الامامه والولايه من صاحبها الشرعى، والنبى على فراش الموت، ونقضت وبالقوه والتغلب والقهر عروه الحكم الالهى، وهددت الامام الشرعى بالقتل، تماما كما فعل قابيل واولاده بشيث، وشرعت بحرق بيت فاطمه بنت محمد على من فيه وهم احياء، ثم جردت اهل بيت النبوه من كافه حقوقهم، فحرمتهم من تركه النبى بعد ان صادرت تلك التركه، وحرمتهم من المنح التى اعطاها لهم النبى حال حياته، وحرمتهم من حقهم بالخمس الوارد بايه محكمه، وحرمتهم من كافه حقوقهم السياسيه، فحرمت عليهم تولى الولايات والوظائف العامه، وجعلتهم سوقه يطمع فيهم الضعيف، ويتعزر عليهم الذليل.
كما قال الامام على، وتمالات عليهم بطون قريش، والمنافقون، والمرتزقه من الاعراب، ما لهم من ذنب الا ان اللّه اختارهم للامامه والولايه، وطهرهم من الرجس، وجعل ولايتهم كولايه الرسول، وولايه الرسول كولايه اللّه، واعتبرهم اللّه تعالى ثقلا، والقرآن ثقلا آخر، وبين ان الامه لن تهتدى الا اذا تمسكت بالثقلين، ولن تتجنب الضلاله الا بالتمسك بهذين الثقلين معا، فوجد عليهم القوم، وحسدوهم وساموهم سوءا...
ومع هذا لم يستسلم الائمه الكرام، انما قاموا بامر اللّه طوال التاريخ السياسى الاسلامى، فما وجد خليفه قاهر وغالب، الا وقد وجد فى زمانه امام شرعى يهدى بامر اللّه، ومر الائمه الكرام بالظروف الموذيه التى مر بها انبياء اللّه من قبل، وتعرض الائمه للاذى، والمهانه والقتل، فالتحق بالرفيق الاعلى احد عشر اماما منهم، وبقى صاحب الزمان (عجل اللّه فرجه).
الائمه ينعمون فى رضوان اللّه لم يخسروا لانهم قد قاموا بامر اللّه ما وسعهم الجهد حتى اختار اللّه لهم ما عنده، لكن الامه كانت هى الخاسر الوحيد طوال التاريخ، لقد عضها الظلم بانيابه، ودفعت اعلى الضرائب، وما زالت تدفع، وحرمت من نعيم الحكم الالهى، ومن جلال امامه الائمه الكرام.
وبوقت يطول او يقصر ستدرك الامه انها لن تهتدى الا اذا تمسكت بالثقلين معا كتاب اللّه كقانون نافذ واهل بيت النبوه عترته كامامه او قياده ومرجعيه، وانه من المستحيل ان تتجنب الضلاله الا بالتمسك بهذين الثقلين معا.
هذه هى خلاصه الدين كما اجملها النبى يوم غدير خم
بعد
رجوعه من حجه الوداع، وبنفس الخطبه التى اعلن فيها
امامه
على بن ابى طالب وولايته من بعد النبى!! ورسول اللّه
لا ينطق
عن الهوى (ان اتبع الا ما يوحى الى) «الانعام/50،
يونس/15،
الاحقاف/9» لقد تم تشخيص الداء، ووصف اللّه ورسوله
لكم
الدواء!! فاستمروا بمعاناتكم ان شئتم، او تناولوا
دواءكم، وانتم
احرار! والحمد للّه اولا وآخرا.