تقديم: صفاء الدين الصافي
المتعة حق انساني
الاسلام دين الحياة وحياة كريمة للانسانية، لم يترك مشروع هذا الدين امرا فيه سعادة الانسان إلا ونظمها بتشريع يضمن فيه حسن سلوك المخلوق، ولا ريب، فالخالق العادل لا يشرع الظلم ولا يقر امرا فيه انحطاط الانسان والانسانية، ولهذا ما كان تشريع زواج المتعة إلا تاكيداً للطف الخالق بخلقه، وكيف لا يكون كذلك وهو الذي خلقه والعالم بتكوينه النفسي والارادي وما هو مؤثر على نفسه وسلوكه، شرع الاسلام زواج المتعة لانه ينظر للعلاقة بين الذكر والانثى نظرة تكريم وتهذيب وسمو لا نظرة حيوانية مجردة، نظر الاسلام للجنس كعامل استقرار نفسي لطرفيه، باشباعه تصلح النفوس وتقوى على العبادة واعمار الارض واستمرار الخلق، ولعل قوله صلى الله عليه وآله وسلم في معرض تصوير العلاقة بين المرأة والرجل، (لا تجثوا على نساءكم كما تجثوا البهائم)، أبلغ مصداق لسحر هذه العلاقة إذ لم يجعلها بهيمة غريزية حيوانية مجردة بعيدة عن الاحاسيس والمشاعر
وتتجلى عظمة تشريع زواج المتعة في توافقه مع عصرنا الحالي، عصر تزاوج الحضارات واتساع الاتصالات، وسهولة المواصلات وانفتاح المجتمعات وتزايد المغريات والمؤثرات بطرق متعددة من الاختلاط الى الاعلام وثورته الستلايتية (الدش او الطبق) والانترنتية (الانترنت) التي نقلت للمجتمعات ثقافات وسلوكيات تحتاج في معالجتهما جميع الطرق الممكنة التي تحفظ لمجتمعاتنا الاسلامية الصمود وفق الاطار الاسلامي المنفتح المرن المعالج لجميع تطورات الحياة والصالح لكل زمان ومكان.
زواج المتعة وفق تشريعه الاسلامي المنضبط علاج ناجع وطبيعي وشافٍ لوباء الاثارة ومغريات الجنس باثارهما الجانبية هذا من جانب، ومن جانب آخر فهو حل رائع لللواتي تعداهُنَّ سن الزواج او اللواتي تركن ازواجهنَّ طلاقاً، أو وفاة وهن في سن الشباب في عصرٍ ليس من السهل الصمود فيه امام تحريك الاحاسيس وحاجة الانسان لاشباع هذه الغريزة بطريقة تحفظ له كرامته وتلبي حاجته، ثم هو حل لهؤلاء الشباب الذين يغتربون في اقطار العالم المليء بالمؤثرات المحركة للاحاسيس، وليس من المنطق ان نلزم الشباب خلاف طبائعهم التي اودعها الله فيهم، بل هو زواج لكل صاحب حاجة لمليء هذا الجانب من حياته.
والحقيقة أن زواج المتعة قد اعطى للاسلام مصداقيته في كونه رسالة سماوية تتعامل مع عواطف وحاجات الانسان تعاملاً واقعياً تعالج تعاليمها اموراً ابعد من زمان نزولها ويعكس صدقه في انه خاتمة الرسالات. فهذا الزواج اذن ركن اساسي من اركان الاسلام المعالجة لافرازات تطور الحياة التي لا يمكننا وقفها او الركون جانباً عن مسيرتها، فاذا كنا نقاومها باسلحة مختلفة فهذا احد تلك الاسلحة وهو سلاح يحقق الهدف ولا يبعد الانسان عن الارتباط بالله،
ان هذا الكتاب الذي بين ايديكم بحث علمي يعرض للدليل الشرعي الثابت المُثبِت لحليّة زواج المتعة وانها شرعت بنص القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتواتر روايات الصحابة وزواجهم بهذا النوع من الزواج في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واقرار كثير من الصحابة ايضاً من أنّهم تزوجوا متعةً بالنساء بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وانهم لم يسمعوا عنه ان القرآن قد حرمها او انه قد نهى عنها حتى انتقل الرفيق الأعلى.
ان هذا الكتاب يعرض للأدلة من كتبها المعتبرة عند كافة المسلمين بعيداً عن التشنج والطائفية والمذهبية وانما لتأكيد حقيقة شرعية اسلاميّة يجب ان لا تقف امامها الاعتبارات غير الشرعية والاهواء الشخصية، فالمشرع هو الله وهو اعرف من المخلوق وبما يصلح له، ولهذا لا ينبغي لنا ان نسمع لغير قول الحق ولا ان نتبع غير طريق الهدى طريق رسول الله الذي قال فيه تعالى:
وكما قال رسول الله:
«حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة».
اللهم احفظ مجتمعاتنا من الزلل والخطل ونوّر طريقنا بهدى الاسلام وتعاليمه واهدنا سواء السبيل والحمد لله رب العالمين.
صفاء الدين الصافي
مستشار قانوني
بيروت 6 ـ 9 ـ 97
قال تعالى:
(فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن)
وعن عمران بن الحصين أنه قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء، قال محمد «أي البخاري» يقال عمر رضي الله عنه.
صحيح البخاري، باب قوله تعالى: (وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) من كتاب التفسير من جزئه الثالث ص71.
الحمد لله وكفى ثم الصلاة على النبي المصطفى وعلى آله النجباء وصحبه الأصفياء، وبعد.
إن مسألة زواج المتعة من المسائل التي بحث فيها فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وأولوها العناية الكبرى بحثا وتمحيصا بين مثبت لهذا النوع من الزواج، وبين ناف له، بعد اتفاقهم علي مشروعيته في صدر الإسلام، وحيث إن دور هذه المسألة الخطيرة في صيانة عفة المجتمع وحفظه من الوقوع في مزالق الفساد، دور هام يجب أن لا يفعله المشرع وبخاصة ممن يحاول إصلاح المجتمع، لكي يعيش حياة سعيدة تحفظ فيها عفة المرأة من الانزلاق وراء الشهوات المحرمة.
والذي يبدو لمن تتبع هذه المسألة في مختلف مواضعها من كتب التشريع، سواء ما يتعلق منها
إنما شرع الزواج المؤقت لأن الزواج الدائم غير قادر في كل الحالات والظروف أن يفي باحتياجات البشر، وأن الاقتصار على الزواج الدائم يستلزم حرمان كثير من النساء أو الرجال ممارسة حقهم في الحياة الجنسية، لعدم قدرة البعض على تهيئة الظروف لمثل هذا الزواج، ولهذا فإما أن يكبت الرجل أو المرأة ما بداخلهما من غرائز وحب الالتقاء، مما يؤدي بهم الى نتائج وخيمة وآلام دائمة، أو أن ينزلقوا في المحرمات، وأن تنشىء المرأة علاقات غير شريفة قائمة على التستر بأوكار الليل وأجنحة الظلام وخوف العاقبة.
____________
(1) انظر محمد تقي الحكيم: الزواج المؤقت: 34 ـ 35.
ومن هنا فإن للزواج المؤقت (زواج المتعة)، بعد اعتراف الشريعة الإسلامية به، علاقة طيبة وطبيعية، يشعر فيها كل من المرأة والرجل بحكم كونها عقداً من العقود بكرامة الوفاء بالالتزام من الطرفين وفق الشروط التي شرعها المشرع في هذا العقد، ولهذا فهو من هذه الناحية كالزواج الدائم مع فارق واحد، وهو أن المرأة هنا تملك أن تحدد أمد العقد ابتداء ولا تملكه في الزواج الدائم، بل تظل تحت رحمة الزوج إن شاء طلقها، وإن شاء مد بها الى نهاية الحياة.
إن المرأة في الزواج المؤقت ليست سلعة تؤجر للمتعة، وإنما هي كالطرف الآخر في المعاملة تعطي من الالتزامات بمقدار ما تأخذ منه وربما تكون هي الرابحة أخيراً باكتشافها لأخلاق الزواج ومعاملته، وبرؤيتها له في مختلف حالاته ومباذله تستطيع تحديد موقفها منه فيما إذا كانت تقوى على تكوين علاقات دائمة معه بتحويل الزواج المؤقت الى زواج دائم تأمن معه من الاختلاف نتيجة عدم توافق الطباع (1). ولهذه
____________
(1) انظر المصدر السابق: ص23 ـ 24.
____________
(1) انظر أحمد الوائلي: من فقه الجنس: 11.
الشروط المعتبرة في زواج المتعة وأنها كالدائم
قبل أن نشير الى مشروعية الزواج المؤقت الثابت بنص القرآن الكريم والسنّة النبوية المتفق عليها، نذكر بعض الشروط المعتبرة في زواج المتعة، وأنها كالدائم باختصار:
1 ـ الايجاب والقبول باللفظ الدال على إنشاء المعنى المقصود والرضا به.
2 ـ القصد لمضمون المعنى وهو: متعت أو أنكحتُ أو زوجت.
3 ـ أن يكون الايجاب والقبول باللغة العربية مع الامكان.
4 ـ أن يكون الايجاب من طرف الزوجة والقبول من طرف الزوج مع تقدم الايجاب على القبول.
5 ـ ذكر المهر في العقد المتفق عليه بين الطرفين.
6 ـ ذكر الأجل المتفق عليه بين الطرفين في العقد طال أو قصر.
7 ـ ألا تكون المرأة مما يحرم نكاحها سواء الدائم أو المنقطع.
8 ـ تجب العدة فيها بعد انقضاء المدة (1)، وعدتها حيضتان إن كانت تحيض، وإن كانت في سن من تحيض ولا تحيض فعدتها خمسة وأربعون يوماً، وإن كانت حاملاً فعدتها أبعد الأجلين، وأما عدتها من وفاة الزوج فأربعة أشهر وعشرة أيام إن لم تكن حاملاً وإلا فبأبعد الأجلين كالزواج الدائم.
9 ـ لا يجوز الجمع بين الأختين في نكاح المتعة كالدائم بلا فرق (2).
10 ـ الأطفال الذين يولدون من الزواج المؤقت لا يختلفون في شيء من الحقوق عن الأطفال
____________
(1) تنقضي المدة بعد إكمالها، أو إذا وهبها الزوج المدة المتبقية قبل الاكمال.
(2) انظر السيد أمير محمد القزويني: المتعة بين الاباحة والحرمة.
مشروعية الزواج المؤقت من الكتاب والسنة
دلت الأدلة القطعية من الكتاب والسنَّة وإجماع المسلمين وأقوال أئمتهم على أن المتعة كانت مشروعة في صدر الإسلام ومباحة بنص القرآن، وأن كثيراً من الصحابة الكرام فعلوها في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمره وإذنه وترخيصه، كما فعلوها بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات، اختلفوا في نسخها، فمنهم من يقول إنها نسخت بالسنّة، مع أن السنة من أخبار الآحاد لا ينسخ الحكم الثابت بنص من القرآن، فكيف ينسخ ما هو ظني الصدور، وهو الخبر الواحد، لما هو قطعي الصدور، وهو القرآن الكريم، وتارة يقولون بأن آية المتعة نسخت بآية أخرى، وهذا الاختلاف دليل على عدم نسخها، وأنها ثابتة ومباحة الى يوم القيامة، كإباحة الزواج الدائم وملك اليمين،
ومما شنع على الشيعة في قولهم بإباحة المتعة ما جاء في كتاب «وجاء دور المجوس» للدكتور الغريب، وهو غريب قوله:
«وما دمنا في صدد الحديث عن أكاذيب الرافضة «أي الشيعة» فمن المناسب أن نشير الى كتاب اسمه «المتعة من متطلبات العصر».. زعم الكاتب أن حجة أهل السنّة في تحريم المتعة رفض الفاروق عمر بن الخطاب لها، ولم يتوقف عند هذه الفرية بل وجه سهامه المسمومة الى ثاني الخلفاء الراشدين، وأشرنا قبل صفحات أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي حرم المتعة» (1).
أقول: يظهر من صاحب هذا الكتاب أنه طعن حتي في صحاح أهل السنَّة، ووجه إليهم الأكاذيب، كما أنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إرجاع تحريم المتعة إليه صلى الله عليه وآله وسلم وقديما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من كذب
____________
(1) عبدالله محمد الغريب: وجاء دور المجوس: 135.
كتب أهل السنة المصرحة بحِليَّة المتعة
1 ـ صحيح البخاري ورويات إباحة المتعة:
وحسبك على إباحة المتعة ما أخرجه البخاري في صحيحه من كتاب التفسير في باب قوله تعالى: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، عن عمران بن الحصين أنه قال: «نزلت المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتي مات، قال رجل برأيه ما شاء قال محمد (يعني البخاري) يقال عمر» (1).
أقول: هذا ما أخرجه البخاري في صحيحه، وهو أصح الكتب بعد القرآن عند أهل السنّة، فقد نص بصريح العبارة التي لا تقبل التأويل على إباحة المتعة
____________
(1) صحيح البخاري: 3/71.
وأخرج البخاري أيضاً في باب قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم)، من كتاب التفسير عن اسماعيل عن قيس عن عبدالله ـ ابن مسعود ـ قال: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس معنا نساء، فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك فرخص لنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب، ثم قرأ عبدالله: (يا
أقول: وهذا الحديث أيضاً نص في أن متعة النساء من الطيبات، ولا شيء من الطيبات بحرام إلى يوم القيامة، ولهذا لا يصح القول بأن المتعة بعد إباحتها حرمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وعلى هذا فكل تأويل فيها غير مقبول ومردود، لأنه مناف لنصها، وعبدالله بن مسعود هو أحد القراء الأربعة الذين أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بتعلم القرآن منهم، فهو أعرف من الآخرين بمداليل الآيات ومفاهيمها، فهذا البخاري يحدثنا في صحيحه ص201 من جزئه الثاني في باب مناقب عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «استقرؤا القرآن من أربعة من عبدالله بن مسعود…».
2 ـ صحيح الإمام مسلم وإباحة المتعة، وأن الناهي عنها الخليفة عمر رضي الله عنه:
وأما إمام الحديث عند أهل السنّة الإمام مسلم، فقد أخرج في صحيحه في باب نكاح المتعة عن
____________
(1) نفس المصدر: 74.
وفي رواية أخرى كما في صحيح مسلم أيضاً عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبدالله، فأتاه آت فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم نهانها عمر فلم نعد لهما» (2). وأخرج الإمام مسلم أيضاً «.. كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهي عنها، قال: فذكر ذلك لجابر بن عبدالله، فقال: على يدي دار الحديث، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله،
____________
(1) صحيح مسلم: 4/130.
(2) نفس المصدر: 131.
وعن أبي موسى أنه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجلك رويدك ببعض فتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعد، حتى لقيه بعد، فسأله، فقال عمر: قد علمت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم» (3).
وفي صحيح مسلم أيضاً عن عطاء أنه قال: «قدم جابر بن عبدالله معتمراً، فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر» (4). وفي رواية جابر بن عبدالله قال: «كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام علي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر حتي
____________
(1) بمعني أقطعوا.
(2) نفس المصدر: 38.
(3) نفس المصدر: 45 ـ 46.
(4) نفس المصدر: 131.
أقول: هذا ما أخرجه إمام الحديث عند أهل السنَّة في صحيحه، من أن المتعة من الأمور التي وردت فيها النصوص الصريحة على إباحتها، وأن الصحابة فعلوها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وشطر من حياة عمر حتي نهاهم عمر رضي الله عنه في شأن ابن حريث، وأنها كانت من الطيبات، ولا يعقل أن يحرم الله سبحانه علي عباده ما أحله لهم من الطيبات، أو يمنع رحمته عنهم، ومن حيث إنه قد ثبت أن نكاح المتعة من الطيبات، وإنها رحمة من الله رحم بها عباده، علمنا أنها حلال الى يوم القيامة بمقتضى تلك النصوص الصريحة الدالة على إباحتها وعدم تحريمها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم… (ءالله أذن لكم أم على الله تفترون).
3 ـ مسند الإمام أحمد، ومآثر الأناقة للقلقشندي وإباحة المتعة:
روى الإمام أحمد إمام المذهب في مسنده عن
____________
(1) نفس المصدر: 131.
وهذه الرواية نص صريح على عدم نزول آية او وجود رواية تدل من قريب أو بعيد على نسخ أو تحريم زواج المتعة، وما قيل في تحريمها لا يصار إليه لمخالفته لصريح القرآن الكريم والسنَّة الصحيحة، ويؤيد ذلك ماجاء ايضاً عن الإمام أحمد عن أبي النضر أنه قال:
«قلت لجابر بن عبدالله إن ابن الزبير رضي الله عنه ينهى عن المتعة وابن عباس يأمر بها، قال: فقال لي: على يدي جرى الحديث، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال عفان: ومع أبي بكر، فلما ولي عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال: إن القرآن هو القرآن، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الرسول، وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إحداهما متعة الحج والأخرى
____________
(1) الإمام أحمد: المسند: 4/436.
وعن عبدالملك عن عطاء عن جابر بن عبدالله قال: «كنا نتمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما حتي نهانا عمر رضي الله عنه أخيراً يعني النساء» (2).
يقول القلقشندي في أوليات الخليفة عمر رضي الله عنه: «وهو أول من حرم المتعة بالنساء، وهي أن تنكح المرأة على شيء إلى أجل، وكانت مباحة قبل ذلك» (3). وهذا يدل دلالة واضحة عل أن زواج المتعة حتى خلافة عمر بن الخطاب كانت مباحة، فتحريمها تقول على الله سبحانه.
4 ـ التفسير الكبير للفخر الرازي وإباحة المتعة:
وحسبك على إباحة المتعة ما أخرجه الفخر الرازي في تفسير آية المتعة عن عمران بن الحصين أنه قال: «نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم ينزل
____________
(1) نفس المصدر: 1/52.
(2) نفس المصدر: 3/304.
(3) القلقشندي: مآثر الاناقة: 3/338.
يقول الفخر الرازي: «والقول الثاني: أن المراد بهذه الآية ـ آية المتعة ـ حكم المتعة، وهي عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين فيجامعها، واتفقوا على أنها كانت مباحة في ابتداء الإسلام، روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم مكة في عمرته تزين نساء مكة، فشكا أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم طول العزوبة، فقال: استمتعوا من هذه النساء، واختلفوا في أنها هل نسخت أم لا؟…» (3) وهذا الاختلاف دليل
____________
(1) الفخر الرازي: التفسير الكبير: 101/49، 50.
(2) نفس المصدر: 50.
(3) نفس المصدر: 49.
«روى عمر رضي الله عنه أنه قال في خطبته: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، ذكر هذا الكلام في مجمع الصحابة وما أنكر عليه أحد» (1). ولهذا روي «أن أبي بن كعب كان يقرأ: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى، فآتوهن أجورهن. وهذا أيضاً هو قراءة ابن عباس،
____________
(1) نفس المصدر: 50.
يقول الفخر الرازي أيضاً: «الحجة الثانية على جواز نكاح المتعة، أن الأمة مجمعة على أن نكاح المتعة كان حاجزاً في الإسلام، ولا خلاف بين أحد من الأمة فيه، إنما الخلاف في طريان الناسخ، فنقول: لو كان الناسخ موجوداً لكان ذلك الناسخ إما أن يكون معلوما بالتواتر، أو بالآحاد، فإن كان معلوماً بالتواتر، كان علي بن أبي طالب وعبدالله بن عباس وعمران بن الحصين، منكرين لما عرف ثبوته بالتواتر من دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك يوجب تكفيرهم، وهو باطل قطعاً، وإن كان ثابتاً بالآحاد فهذا ايضاً باطل، لأنه لما كان ثبوت إباحة المتعة معلوماً بالاجماع والتواتر، كان ثبوته معلوماً قطعاً، فلو نسخناه بخبر الواحد لزم جعل المظنون رافعاً للمقطوع، وإنه باطل، قالوا: ومما يدل أيضاً على بطلان القول بهذا النسخ ان بعض الروايات تقول: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر
____________
(1) نفس المصدر: 51.
الحجة الثالثة كما ذكرها الفخر الرازي في تفسيره الكبير: «ما روي أن عمر رضي الله عنه قال على المنبر: متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
____________
(1) نفس المصدر: 52 ـ 53.
أقول: وبعد كل هذا، يحاول الفخر الرازي، أن يثبت بأن المتعة وإن كانت مباحة في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أنها نسخت بعد ذلك، وهذه المحاولة لا تنهض دليلاً أمام النصوص الصريحة التي رواها
____________
(1) نفس المصدر: 52 ـ 53.
5 ـ روايات الطبري في تفسيره وإباحة المتعة:
روى الطبري في تفسيره عن محمد بن الحسين قال: «ثنا أسباط عن السدي، فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى … فهذه المتعة» وعن مجاهد: «فما استمتعتم به منهن، قال: يعني نكاح المتعة» ويقول الطبري: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن عيسى، قال: ثنا نصير بن أبي الأشعث قال: ثنا حبيب بن ثابت عن أبيه قال: أعطاني ابن عباس مصحفاً، فقال هذا على قراءة أبيّ، قال أبو بكر، قال يحيى قرأت المصحف عند نصير فيه: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى» (2). وعن أبي نضرة قال: سألت ابن عباس عن متعة النساء، قال: أما تقرأ سورة النساء،
____________
(1) نفس المصدر: 53.
(2) ابن جرير الطبري: جامع البيان ط2: 5/9.
وفي رواية شعبة عن الحكم قال: سألته عن هذه الآية، والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم، الى هذا الموضع، فما استمتعتم به منهن أمنسوخة هي، قال: لا، قال الحكم، وقال علي رضي الله عنه لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زني إلا شقي» (2). وعن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن» (3). وهذه القراءة التي كان يقرأ بها سعيد بن جبير وهو من التابعين لدليل واضح على عدم تحريمها.
وأما قول الطبري: «وأما ما روي عن أبي بن كعب وابن عباس من قراءتهما: فما استمتعتم به منهن
____________
(1) نفس المصدر: 9.
(2) نفس المصدر: 9 ـ 10.
(3) نفس المصدر: 9 ـ 10.
الأول: إن وجود الزيادة ـ وهي إلى أجل مسمى ـ في آية المتعة ليس من أجزاء الآية، بل هي من قبيل الشرح والبيان والتفسير لمعنى الآية، وهذا يدل دلالة قاطعة على إباحة زواج المتعة، وأنها غير منسوخة ولا محرمة.
الثاني: أما قراءة أبيّ بن كعب وابن عباس، وكذلك عبدالله بن مسعود، كما تقدم، فهي المنظور لها دون غيرها من القراءات، وذلك بمقتضى ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأخذ عن هؤلاء، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخص أبي بن كعب بالقراءة، كما جاء في الصحاح، وعلى هذا يقال: إما أن تكون هذه الزيادة من جملة الآية، أو أنها من قبيل الشرح والبيان، فإن قيل بالأول، يلزمه أن يكون أبيّ بن كعب وابن عباس حبر الأمة،
____________
(1) نفس المصدر: 10.
6 ـ روايات النيسابوري في تفسيره في إباحة المتعة:
يقول النيسابوري في تفسيره غرائب القرآن بهامش جامع البيان: «اتفقوا على أنها ـ أي المتعة ـ كانت مباحة في أول الإسلام، ثم السواد الأعظم من الأمة على أنها صارت منسوخة، وذهب الباقون ومنهم الشيعة الى أنها ثابتة كما كانت، ويروى هذا عن ابن عباس وعمران بن الحصين، قال عمارة: سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح، قال: لا سفاح ولا نكاح، قلت فما هي، قال: هي متعة كما يقال..» (1).
أقول: لا أدري، أيوجد في الشريعة المقدسة،
____________
(1) النيسابوري: تفسير غرائب القرآن: 5/16، 17.
ولا يجوز إدخاله في وطىء الشبهة، لأن هذا النوع من الوطىء لا يكون إلا إذا اعتقد الزوج بأن هذه المرأة زوجته، ثم وطأها، فتبين أنها أجنبية، وهذا بخلاف زواج المتعة المتوقف على الإيجاب والقبول ورضا الطرفين.
ومن أغرب ما يروى عن ابن عباس في المتعة، قال: «إن الناس لما ذكروا الأشعار في فتيا ابن عباس في المتعة، قال: قاتلهم الله إني ما أفتيت بإباحتها على الإطلاق، لكني قلت إنها تحل للمضطر كما تحل الميتة والدم ولحم الخنزير» (1).
____________
(1) نفس المصدر: 17.
أقول: إن من ينظر الى هذه الرواية وإسنادها إلى ابن عباس حبر الأمة، يأخذه العجب من هذه الفتيا، أيجوز لابن عباس أن يفتي بجواز الزنا في حال الضرورة، كما يجوز أكل الميتة ولحم الخنزير للمضطر؟ أو أن فتوى ابن عباس بإباحتها، لأنها مباحة في أصل الشريعة كالزواج الدائم وملك اليمين، فبماذا يجيب الحاكم العادل، أيباح الزنا للمضطر؟ مع أن الزاني لا يزني إلا وهو مضطر إليه، فينتفي حينئذ الزنا من الشريعة الإسلامية.
ومما يدل على إباحة المتعة وعدم نسخها كما يروي النيسابوري أيضاً، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على التناقض الحاصل في أقوال هؤلاء، وعدم تحرزهم من مخالفة الشريعة، فهو يروي عن «عمران ابن الحصين فإنه قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله ولم ينزل بعدها آية تنسخها وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتمتعنا معه، ومات ولم ينهنا، ثم قال رجل برأيه ما شاء يريد أن عمر نهى عنها» (1). ولهذا كان أبي بن
____________
(1) نفس المصدر: 17.
7 ـ الدر المنثور للسيوطي وروايات الإباحة:
وفي الدر المنثور في التفسير بالمأثور عن ابن عباس قال: «كانت المتعة في أول الإسلام، وكانوا يقرأون هذه الآية: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى، الآية، فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى أنه يفرغ من حاجته لتحفظ
____________
(1) نفس المصدر: 18.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه من طرق عن أبي نضرة قال: قرأت على ابن عباس: فما استمتعتم به منهن… قال ابن عباس: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى، فقلت: ما نقرؤها كذلك، فقال ابن عباس: والله لأنزلها الله كذلك. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سعيد بن جبير قال في قراءة أبيّ بن كعب: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى. أخرج عبدالرزاق عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرؤها فما استمتعتم به منهن إلى أجل… وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد… قال يعني نكاح المتعة» (2).
«وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم … ورخص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبدالله ـ بن مسعود ـ يأيها الذين آمنوا لا
____________
(1) السيوطي: الدر المنثور: 8/140.
(2) نفس المصدر: 140.
أقول: إذا كانت المتعة من الطيبات التي أحلها الله سبحانه للمؤمنين بنص القرآن، ولا شيء من الطيبات بحرام، فتثبت استمرارية إباحتها بالقياس المنطقي التالي:
زواج المتعة من الطيبات
ولا شيء من الطيبات بحرام
فالنتيجة: لا شيء من زواج المتعة بحرام.
فدليل الصغرى والكبرى قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) والمتعة حلال بنص الآية: (فما استمتعتم به منهن…) فتثبت حلية زواج المتعة، وعدم تحريمها، وهذا القياس من الشكل الأول الذي تكون الصغرى فيه موجبة مع كلية الكبرى، ولهذا تكون النتيجة صحيحة.
والغريب من السيوطي أن ينسب التحريم الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد إباحتها بآية الميراث تارة، وبآية الطلاق
____________
(1) نفس المصدر: 140.
ومما يدل على تناقض السيوطي قوله: «وأخرج عبدالرزاق وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن الحكم، أنه سئل عن هذه الآية أمنسوخة، قال: لا، قال علي: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنا إلا شقي» (4) وأنت ترى أن الإمام علياً لم يقل لولا نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المتعة، ولهذا يحاول بعض الرواة أن يسند القول بالتحريم الى الإمام عليه السلام، مع
____________
(1) المصدر السابق: 140.
(2) السيوطي: تاريخ الخلفاء: 136 ـ 137.
(3) السيوطي: الدر المنثور: 8/141.
(4) المصدر نفسه: 141.
والذي يدل على نهي عمر بن الخطاب عن المتعة ما أخرجه السيوطي أيضاً في تفسيره عن نافع أن ابن عمر سئل عن المتعة، فقال: حرام، فقيل له، إن ابن عباس يفتي بها، قال: فهلا ترمرم بها في زمان عمر» (1).
وأخرج عبدالرزاق وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس قال: يرحم الله عمر، ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة محمد، ولولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي، قال: وهي التي في سورة النساء، فما استمتعتم به منهن إلى كذا وكذا… وأخبره أنه سمع ابن عباس يراها أنها حلال» (2).
أقول: يظهر من هذه الرواية وغيرها، أن المتعة كانت رحمة من الله لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وليس من المعقول أن ينهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الرحمة، ورحمة
____________
(1) المصدر السابق: 141.
(2) المصدر نفسه: 141.
8 ـ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي وإباحة المتعة:
يقول القرطبي في تفسيره: «وقال الجمهور: المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام. وقرأ ابن عباس وأبي وابن جبير «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن»، ثم نهى عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال سعيد بن المسيب: «نسختها آية الميراث، إذ كانت المتعة لاميراث فيها…(1)». «وروى عطاء عن ابن عباس قال: ما كانت المتعة إلا رحمة من الله تعالى رحم بها عباده، ولولا نهي عمر عنها ما زنا إلا شقي» (2). والملتفت إلى هاتين الروايتين يرى التناقض واضحاً لا يحتاج الى دليل، فكيف يقال بأنها رحمة من الله، ولولا تحريم عمر لها لما زنى إلا
____________
(1) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 5/130.
(2) نفس المصدر: 130.
يقول القرطبي: «واختلف العلماء كم مرة أبيحت ونسخت، ففي صحيح مسلم عن عبدالله قال: كنا نغزو… فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، قال أبو حاتم البستي في صحيحه، قولهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم «ألا نستخصي» دليل على أن المتعة كانت محظورة قبل أن أبيح لهم الاستمتاع، ولو لم تكن محظورة لم يكن لسؤالهم عن هذا المعنى، ثم رخص لهم في الغزو أن ينكحوا المرأة بالثوب إلى أجل ثم نهى عنها عام خيبر، ثم أذن فيها عام الفتح، ثم حرمها بعد ثلاث، فهي محرمة الى يوم القيامة. وقال ابن العربي: واما متعة النساء فهي من غرائب الشريعة، لأنها أبيحت في صدر الإسلام، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت في غزوة أوطاس، وليس لها أخت في الشريعة إلا مسألة القبلة، لأن النسخ طرأ عليها مرتين ثم استقرت بعد ذلك، وقال غيره ممن جمع طرق الأحاديث فيها: إنها تقتضي التحليل والتحريم سبع مرات… يقول القرطبي: وهذه الطرق
أقول: يستفاد من هذا الكلام أمور:
الأول: إباحة زواج المتعة بنصوص لا تقبل التأويل، كتاباً وسنّة بإجماع المسلمين، وأن المتعة لم تكن معروفة قبل ذلك وإنما شرعت في الإسلام، وأنها كانت رحمة من الله رحم بها عباده، وأما قول أبي حاتم: «إن المتعة كانت محظورة قبل أن أبيح لهم الاستمتاع، ولو لم تكن محظورة لم يكن لسؤالهم عن هذا معنى» فهو قول باطل وبلا دليل، فإن مجرد السؤال في قولهم «ألا نستخصي» ليس فيه دليل على أن المتعة كانت موجودة، ولكنها محظورة، ولو سلمنا وجودها قبل الإسلام، فهل هي من جملة الأنكحة المتعارفة عندهم؟ أم أنها كانت سفاحاً، فعلى الأول، فهي نكاح صحيح أقره الإسلام وأباحه للمسلمين، ولهذا قال أبو عمر: «لم يختلف العلماء من السلف والخلف ان المتعة نكاح إلى أجل…» وقال ابن عطية: «وكانت المتعة أن يتزوج الرجل المرأة بشاهدين
____________
(1) المصدر نفسه: 130 ـ 131.
الثاني: إباحة المتعة، ثم تحريمها، ثم إباحتها، ثم تحريمها مرات متعددة، فتارة أباحها لهم صلى الله عليه وآله وسلم في الغزو، ثم نهى عنها عام خيبر، ثم أباحها عام الفتح، ثم حرمت، كل هذا الاختلاف يدل على عدم تحريمها، لأن إباحتها لهم لا تخلو، إما أن تكون المتعة من الطيبات التي أحلها الله سبحانه ورحم بها عباده، فلا يصح النهي عنها. وإن كانت من الخبائث والفواحش، فكيف يبيح النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمؤمنين الفواحش، والله يقول في محكم كتابه: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم) (2). ولهذا روي عن الإمام مالك فيما لو فعلها أحد: «لا يرجم، لأن نكاح المتعة ليس بحرام، ولكن لأصل آخر لعلمائنا غريب انفردوا به دون سائر العلماء وهو أن ما
____________
(1) المصدر السابق: 132.
(2) سورة الأعراف: آية 33.
الثالث: تكرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إباحة المتعة وتحريمها، يوجب العبث في الشريعة الإسلامية وعدم استقرار الأحكام الشرعية، مع أن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة فإذا كانت المتعة حلالاً وقد أباحها النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلزمه استمرار هذه الإباحة، وذلك للشك في تحريمها فيرجع إلى أصل إباحتها.
الرابع: وأما دعوى الإجماع وانعقاده على تحريمها فدعوى باطلة، لمخالفة جمع من الصحابة لهذا الاجماع، يقول أبوبكر الطرسوسي: «ولم يرخص في نكاح المتعة إلا عمران بن الحصين وابن عباس، وبعض الصحابة وطائفة من آل البيت».. وقال أبو عمر: «أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن كلهم يرون المتعة حلالاً وعلى مذهب ابن عباس» (2). ولأجل ذلك بطل الاجماع المدعى على الحرمة، خصوصاً وأنه لا إجماع في مقابل النص، وقد ورد
____________
(1) القرطبي: نفس المصدر: ص133.
(2) نفس المصدر: ص133.
9 ـ تفسير البغوي وإباحة المتعة:
يقول البغوي في تفسير قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن …) وقال آخرون: هو نكاح المتعة، وهو أن تنكح امرأة الى مدة.. وكان ذلك مباحاً في ابتداء الإسلام». ويقول ايضاً: «وكان ابن عباس رضي الله عنه يذهب الى أن الآية محكمة، وترخص في نكاح المتعة. روي عن أبي نضرة قال: سألت ابن عباس رضي الله عنه عن المتعة فقال: أما تقرأ في سورة النساء (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى)؟ قلت: لا أقرأها هكذا، قال ابن عباس: هكذا أنزل الله، ثلاث مرات..». قال الربيع ابن سليمان: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: لا أعلم في الإسلام شيئاً حرم ثم أحل ثم حرم غير المتعة» (1).
10 ـ تفسير الخازن:
وأما الخازن فيقول في تفسيره: «وقال قوم المراد
____________
(1) تفسير البغوي: 1/414.
11 ـ تفسير ابن كثير:
يقول ابن كثير في تفسير آية المتعة: «وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة، ولا شك أنه كان مشروعاً فى ابتداء الإسلام، ثم نسخ بعد ذلك" وقد ذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى أنه أبيح ثم نسخ، ثم أبيح ثم نسخ مرتين، وقال آخرون: أكثر من
____________
(1) تفسير الخازن: 1/266.
(2) المصدر نفسه: 366.
أقول: إما قوله: «وقد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة» يبطله استمرارية إباحتها بنص قراءة ابن عباس وأبيّ بن كعب وسعيد بن جبير والسدي من ذكرهم للأجل في قولهم «إلى أجل مسمى».
وأما قول ابن كثير: «والعمدة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر» (2)، فهو تشبث بالطحلب،
____________
(1) تفسير ابن كثير: 2/44.
(2) المصدر السابق: 245.
إلى هنا انتهينا من عرض الروايات المروية في
1 ـ جامع الأصول لابن الأثير.
2 ـ تيسير الوصول لابن الديبع: 4/262.
3 ـ زاد المعاد لابن القيم: 1/219، 444.
4 ـ فتح الباري لابن حجر: 9/141.
5 ـ كنز العمال للمتقي الهندي: 8/292، 293، 294.
6 ـ مالك في الموطأ: 2/30.
7 ـ الشافعي في كتاب الأم: 7/219.
8 ـ البيهقي في السنن الكبرى: 5/21، 7/206.
9 ـ تفسير الثعلبي.
10 ـ تفسير أبي حيان: 3/218.
11 ـ أحكام القرآن للجصاص: 1/342 ـ 345،
12 ـ النهاية لابن الأثير: 2/249.
13 ـ الفائق للزمخشري: 1/331.
14 ـ لسان العرب لابن منظور: 19/166.
15 ـ تاج العروس: 10/200.
موقف الخليفة الثاني من زواج المتعة
إن المتتبع للروايات التي وردت في كتب أهل السنّة المشار إليها يقطع بأن موقف الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب كان موقفاً معاكساً لمشروعية المتعة، فجميع تلك الروايات تنص على أن المحرم لها هو الخليفة نفسه وذلك في قوله المشهور: «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما». وهذه شهادة صريحة منه رضي الله عنه على إباحتها وأن الناهي عنها باعترافه هو نفسه، مع شهادة كثير من الصحابة والتابعين بذلك، ومن هنا كان موقف الشيعة من زواج المتعة مخالفاً أهل السنَّة، فالشيعة ـ إستناداً على آية المتعة وما ورد من نصوص على إباحتها ـ تمسكوا بالآية والأخبار الناصة على حليتها وإباحتها.
النظرة الاجتماعية لزواج المتعة
لا شك أن الإسلام هو الطبيب الاجتماعي الكبير الذي أنزله الله تعالى لعلاج مشكلات الإنسان في شتى جوانب حياته، وإشباع جميع غرائزه إشباعاً كاملاً ولما كانت غريزة الجنس إحدى هذه الغرائز بل أشدها خطراً على المجتمع، عمد الشارع المقدس إلى إشباعها بتشريعه النكاح، وجعل له أبعاداً وشروطاً لا يجوز أن يتخطاها حفاظاً على صيانة المجتمع من التحلل والوقوع في مهاوي الفساد، ولهذا اباح له من الزواج الدائم مثنى وثلاث ورباع إشباعاً لتلك الغريزة المختلفة في طباع أفراد الإنسان شدة وضعفاً، فرب رجل لا يكتفي بواحدة وهو قادر على التزويج بأكثر وقد لا يقدر بعضهم على أن يقوم بما يجب عليه من الإنفاق لأكثر من واحدة مع حاجته الملحة إلى ثانية وثالثة، فأما أن يقع في المحرم عن طريق غير مشروع، وإما أن يكون
____________
(1) انظر الكاظمي القزويني المتعة بين الاباحة والحرمة.
ويقول أيضاً: «أما النظر من الوجهة الأخلاقية
____________
(1) انظر آل كاشف الغطاء: أصل الشيعة: 112 ـ 113.
وبالختام أرجو من الأخوة المسلمين لا سيما من يريد الحقيقة والمحافظة على شريعة الله من أن تمسها يد التغيير والتبديل أن يتركوا التعصب وينظروا بعين
____________
(1) المصدر السابق: 112 ـ 113.
تم استنساخه في العاشر من محرم الحرام سنة 1415 هـ الموافق 2/6/1994م على يد مؤلفه الدكتور السيد علاء الدين نجل العلامة الكبير آية الله المغفور له السيد أمير محمد الكاظمى القزويني
صدر للمؤلف
1 ـ الفكر التربوي عند الشيعة الإمامية.
2 ـ الشيعة الإمامية ونشأة العلوم الإسلامية.
3 ـ الثقلان كتاب الله وأهل البيت في السنَّة النبوية.
4 ـ مع الدكتور موسي الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح.
5 ـ زواج المتعة في كتب أهل السنَّة.
وقريباً سوف يصدر كتاب عقائد الشيعة الإمامية وأهل السنَّة والجماعة ـ بإذن الله.
المصادر والمراجع
1 ـ صحيح البخاري.
2 ـ صحيح مسلم.
3 ـ مسند الإمام أحمد.
4 ـ مآثر الإناقة للقلقشندي.
5 ـ تفسير الفخر الرازي.
6 ـ جامع البيان لابن جرير الطبري.
7 ـ تفسير غرائب القرآن للنيسابوري.
8 ـ الدر المنثور للسيوطي.
9 ـ تاريخ الخلفاء للسيوطي.
10 ـ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
11 ـ تفسير البغوي.
12 ـ تفسير الخازن.
13 ـ تفسير ابن كثير.
14 ـ المتعة بين الإباحة والحرمة للسيد الكاظمي القزويني.
15 ـ أصل الشيعة وأصولها للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء.
16 ـ الزواج المؤقت للسيد محمد تقي الدين.
17 ـ من فقه الجنس للدكتور أحمد الوائلي.
18 ـ وجاء دور المجوس لعبدالله محمد الغريب.