الصفحة 197
بعينه»(1).

ونقول:

1 ـ لا ندري من أين استنبط هذه القاعدة التي نسبها إلى الشيعة، وفي أي كتاب من كتبهم ذكرت؟!.

2 ـ إن الصحيح عند الشيعة هو لزوم الرجوع في المختلفات إلى علي وآل بيته (عليه السلام) ليرفعوا الخلاف، ببيان الحق، الذي لا محيص عنه، فهم أحد الثقلين الذين أمرنا الرسول (صلى الله عليه وآله)، بالرجوع إليهم والأخذ منهم، والانتهاء إلى قولهم، وهم سفينة النجاة من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وهم أهل بيت النبوة (عليهم السلام) فهم أدرى من كل أحد بما في ذلك البيت.

3 ـ لا ندري لماذا اختص علي وأهل بيته (عليهم السلام) بهذا الحرمان من الرجوع إليهم، ولم ينل ذلك عمر وأهل بيته مثلا.

4 ـ أما قوله: صح عن علي (عليه السلام) أنها نسخت،

____________

(1) فتح الباري ج 9 ص 150 وأوجز المسالك ج 9 ص 404، وراجع فتح الملك المعبود ج 3 ص 227، وعون المعبود ج6 ص84، وفقه السنة ج 2 ص 42 و 43.


الصفحة 198
فسيأتي أنه لا يصح، بل الصحيح عكس ذلك، فقد صح عنه (عليه السلام) وعن أهل بيته (عيهم السلام) الاستمرار على القول بالحليّة. وكذا الحال بالنسبة لما نسبوه إلى الإمام الصادق (عليه السلام).

وقد تقدم النقل الصريح للحلّية عن أهل البيت (عليهم السلام)، وسيأتي المزيد من الكلام حول ذلك.

ومهما يكن من أمر، فإن نسبة هذه المقولة إلى الشيعة تذكرنا بقول علي (عليه السلام) عن بنت أبي حثمة حين أرسلت إليه لتمدح عمر بن الخطاب فور وفاته، فقد قال علي (عليه السلام) في هذه المناسبة: «أما والله ما قالت ولكن قولت»(1).

____________

(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 12 ص 5 عن الطبري.


الصفحة 199


الفصل الرابع
النسخ بالآيات.. ومناقشته





الصفحة 200

الصفحة 201

النسخ بالآيات:

إننا قبل أن نذكر الآيات التي ادعوا أنها ناسخة لآية المتعة، أو لتشريع هذا الزواج، ونبين فساد تلك الدعوى نحب أن نشير إلى أمر مثير للدهشة، والاستغراب، ألا وهو نسبتهم القول بنسخ هذا الزواج وتحريمه إلى أمثال علي (عليه السلام)، وابن عباس، وآخرين، ممن لا يشك من له أدنى اطلاع على مثل هذه الأمور بأنهم في طليعة من يقول ببقاء تشريع هذا الزواج، فلنلاحظ معاً ما يأتي من نصوص ومطالب.

بعض من نسب إليهم النسخ بالآيات:

لقد نسب القول بالحرمة والنسخ إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وأنه قال: «نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن المتعة، قال: إنما كانت لمن لم يجد، فلما أنزل الله النكاح، والطلاق، والعدّة، والميراث بين

الصفحة 202
الزوج والمرأة نسخت»(1).

وعن علي (عليه السلام) قال: «نسخ رمضان كل صوم، ونسخ المتعة الطلاق والعدة والميراث»(2).

ونسب القول: بأن آية المتعة نسخت بآية الطلاق، والميراث والعدة بالإضافة إلى علي (عليه السلام) إلى ابن مسعود وإلى سعيد بن المسيب، ورواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله)(3).

____________

(1) سنن الدارقطني ج 3 ص 260، وراجع الاستذكار ج 6 ص 297، والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 177، وتحريم نكاح المتعة ص 47 و 55 و 56، والاعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 203، وراجع: شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 48، والسنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 207، وكنز العمال ج 22 ص 99، وراجع التمهيد ج 9 ص 118.

(2) فتح الباري ج 9 ص 150.

(3) راجع في ذلك كلاً أو بعضاً: الدر المنثور ج 2 ص 140، والمصنف للصنعاني ج 7 ص 501 وص 505، وراجع شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 48، وكنز العمال ج 16 ص 328 ط مؤسسة الرسالة، وسنن البيهقي ج 7 ص 207، وفتح الباري ج 9 ص 150، ونصب الراية ج 3 ص 180، وتحفة الأحوذي ج 4 ص 268 عن الدارقطني، والتمهيد ج 9 ص 118، وراجع: الاستذكار ج 16 ص 297، ومجمع الزوايد ج 4 ص 264، وراجع: الروض النضير شرح مسند زيد ج 4 ص 213، والأم ج 7 ص 174، والمغني ج 6 ص 644، والآثار لأبي يوسف ص 298، ومعرفة السنن والآثار ج 10 ص 141، والبناية في شرح الهداية ج 4 ص 100، والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، ونيل الأوطار ج 6 ص 274 عن أبي هريرة، وكذا في فقه السنة ج 2 ص 45 ورسالة تحريم نكاح المتعة ص 47 عن أبي هريرة..


الصفحة 203
ونسب إلى ابن عباس: ذلك أيضاً(1) وأنها منسوخة بآية العدة(2).

ونسب إلى ابن عباس: أن الآية الأولى من سورة الطلاق قد نسخت المتعة(3).

وعن عمر بن الخطاب: هدم المتعة: النكاح، والطلاق، والعدة، والميراث(4).

ونسب إلى زيد بن علي: القول بنسخها بآية العدة والميراث(5).

النسبة عشوائية:

ونحن نرى: أن نسبة القول بالنسخ إلى هؤلاء الأعلام قد جاءت على غير هدى، ولسوف يتضح أن نسبة ذلك إلى:

____________

(1) التفسير الكبير ج 10 ص 49، والسنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 205 و 206.

(2) أحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 178، والدر المنثور ج 2 ص 140، والتمهيد ج 9 ص 120.

(3) المرأة في القرآن والسنة ص 179 والتفسير الحديث ج 9 ص 53.

(4) لباب التأويل ج 1 ص 343 والمرأة في القرآن والسنة ص 180 والتفسير الحديث ج 9 ص 154.

(5) مسند زيد هامش ص 305.


الصفحة 204
علي (عليه السلام)، وابن عباس رحمه الله فضلاً عن النسبة إلى: سعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وابن مسعود. لا تصح..

وسيأتي في فصل: علي (عليه السلام) وابن عباس. وفصل: النصوص والآثار، وفصل: آراء ومذاهب، وفي سائر فصول القسم الثالث من هذا الكتاب، دلائل وشواهد كثيرة لا تدع مجالاً لأية شبهة في ذلك..

الآيات الناسخة بزعمهم:

تقدم أنهم ذكروا عدة آيات ادعوا أنها ناسخة لآية المتعة، أو فقل لتشريع زواج المتعة، بصورة عامة، والآيات هي التالية:

1 ـ قال النحاس عن ابن عباس: «إن آية المتعة قد نسخت بآية: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء..)»(1).

2 ـ وقال ابن أبي حاتم: «نسخها قوله تعالى: (محصنين غير

____________

(1) زاد المسير في علم التفسير ج 2 ص 54، والناسخ والمنسوخ للنحاس ج 2 ص 192، وفي هامشه عن أبي عبيد ج 1 ص 246 وعن الجصاص ج 2 ص 147 والسنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 207.


الصفحة 205
مسافحين)»(1).

3 ـ وروي: أنها نسخت بقولـه تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم..)(2).

4 ـ وقيل: بآية حفظ الفروج(3).

5 ـ وقيل: بقوله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم)(4).

6 ـ وقيل: بقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء..)(5).

7 ـ وقيل: بآيات تشريع النكاح، وقد تقدم نسبة ذلك إلى علي (عليه السلام) وغيره.

____________

(1) الدر المنثور ج 2 ص 140 (2) السنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 206 وعن الطبراني أيضاً.

(3) ستأتي المصادر لذلك وراجع أحكام القرآن ج 3 ص 13، قال ابن عربي: قال قوم: هذه الآية دليل على تحريم نكاح المتعة.

(4) الناسخ والمنسوخ للنحاس ج 2 ص 192 والمصنف لعبد الرزاق الصنعاني ج 7 ص 505 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص 207.

(5) راجع: زواج المتعة حلال ص 86.


الصفحة 206
8 ـ وقيل: بآية العدة. وقد تقدمت مصادر ذلك أيضاً.

ولسوف نتحدث ـ إن شاء الله ـ عن مدى صحة هذه الأقوال فيما يأتي من مطالب..

اعترافهم بنزول القرآن بالمتعة:

ومن الواضح الجلي:

أن القول بنسخ آية المتعة يستبطن الاعتراف بأنها قد نزلت في خصوص زواج المتعة، مع أننا نجدهم يكابرون ويبالغون في إنكار أن تكون الآية قد نزلت بتحليل هذا الزواج، ويحاولون حصر القول بذلك بابن عباس، وأبي بن كعب، بسبب روايتهما قراءة الآية المذكورة بإضافة كلمة «إلى أجل مسمى».

وقد تنبه لهذا الأمر بعض متأخريهم فحاول التهرب من هذا الأمر، فقال حول النسخ بآية المعارج، والمؤمنون: «نحن نقول: إن آية النساء لا تدل على نكاح المتعة إطلاقاً. وعليه فلا نسخ في الآيتين بل كلتاهما محكمتان»(1).

____________

(1) نكاح المتعة للأهدل ص304.


الصفحة 207
ولكن ذلك لا ينفع فإن رواتهم، وأقوال متقدميهم تنفي أن يكون ذلك هو مقصودهم.

1 ـ آية حفظ الفروج:

إن عمدة ما استدلوا به لنسخ آية المتعة هو آية حفظ الفروج، والاستدلال بها شائع بين القائلين بالتحريم وهي قوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم، أو ما ملكت أيمانهم، فإنهم غير ملومين) (1).

وقد ذهب إلى ناسخيتها لآية المتعة جماعة من المتأخرين(2) ونقل ذلك عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، وعن ابن عباس، وعن عائشة أيضاً(3) من الصحابة.

____________

(1) سورة المؤمنون / الآية 5 و 6.

(2) راجع على سبيل المثال: مدارك التنزيل مطبوع بهامش لباب التأويل ج 3 ص 301 ولباب التأويل نفسه ج 1 ص 343.

(3) راجع: المصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 503، والسنن الكبرى ج 7 ص 206 و 207، والدر المنثور ج 5 ص 5، والاستذكار ج 6 ص 297، ومستدرك الحاكم ج 2 ص 393، وغاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول ج 2 ص 335، والغدير ج 6 ص 235، وليراجع: التسهيل ج 1 ص 137، والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، وعن ابن عباس في جواهر الأخبار والآثار ج 4 ص 22، وتفسير البحر المحيط ج 3 ص 397، وراجع مجلة الهلال المصرية عدد 13

=>


الصفحة 208
ونقل ذلك أيضاً عن زيد بن علي (1) والشافعي(2) فراجع أقوالهم في كتب الحديث والتاريخ المعدة لذلك.

كيفية الاستدلال بالآية:

ويوجهون الاستدلال بهذه الآية على ذلك، فيقولون: بأنه ليس للشيعة أن يقولوا: إن المتمتع بها مملوكة لبداهة بطلانه، أو زوجة، لانتفاء لوازم الزوجية، كالميراث، والعدة، والطلاق، والنفقة، والقسم، وانتفاء لوازم الزوجية يوجب انتفاء الملزوم، فإذا لم تكن زوجة، ولا ملك يمين كانت من العدوان المحرم بمقتضى الآية(3).

____________

<=

جمادى الأولى 1397 هـ أول مايو سنة 1977، والجامع الصحيح ج 3 ص 430، وجامع الأصول ج 12 ص 132، وفتح القدير ج 1 ص 455 عن الطبراني، والبيهقي عن ابن عباس وص 449 و 450 عن عائشة والقاسم بن محمد بن أبي بكر، والتمهيد ج 9 ص 116 عن القاسم بن محمد، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 225، والمنار في المختار ج 1 ص 461 عن ابن عباس وروح المعاني ج 5 ص 8 عن القاسم بن محمد.

(1) مسند زيد هامش ص 305.

(2) راجع: تفسير الخازن تفسير الآية 24 من سورة النساء.

(3) تفسير النيسابوري بهامش الطبري ج 5 ص 17، وجواهر الكلام ج 30 ص 149، وعن تفسير الآلوسي، والتفسير الكبير ج 1 ص 50، وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج 12 ص 106، وراجع أيضاً تحفة الأحوذي ج 4 ص 296 عن الطــيبي زاد قوله: «بل هي مستأجرة نفسها أياماًً معدودة» وراجع: فتح

=>


الصفحة 209
وزاد ابن قدامة، على لوازم الزوجية المنتفية: الظهار واللعان(1).

وزاد الرازي قوله: «.. ولثبت النسب، لقوله (صلى الله عليه وآله): «الولد للفراش» وبالاتفاق لا يثبت..»(2).

وقال الجصاص: «(فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) تقتضي تحريم نكاح المتعة، إذ ليست بزوجة ولا مملوكة يمين»(3).

وقال ابن عربي: «قال قوم: هذه الآية دليل على تحريم المتعة، لأن الله قد حرم الفرج إلا بالنكاح أو بملك اليمين: والمتمتعة ليست بزوجة».

وهذا يضعف، فإنا لو قلنا: «إن نكاح المتعة جائز فهي زوجة إلى أجل، يطلق عليها اسم الزوجة.

____________

<=

القدير ج 1 ص 450 وحاشية السندي على سنن ابن ماجة ج 1 ص 604 ط دار الجيل، وراجع: الاستذكار ج 16 ص 297، وأحكام الأسرة في الإسلام لشلبي ص 146 وفقه السنة ج 2 ص 38.

(1) المغني ج 7 ص 573.

(2) التفسير الكبير ج 10 ص 50 (3) أحكام القرآن للجصاص ج 5 ص 92.


الصفحة 210
وإن قلنا بالحق الذي أجمعت عليه الأمة من تحريم نكاح المتعة، لما كانت زوجة؛ فلم تدخل في الآية، وبقيت على حفظ الفرج فيها، وتحريمه من سببها»(1).

واستدل آخرون أيضاً بهذه الآية على تحريم نكاح المتعة، فراجع كلماتهم(2).

أما عائشة فكانت إذا سئلت عن المتعة قالت: بيني وبينكم كتاب الله، قال الله عز وجل: (والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) قالت: فمن ابتغى غير ما زوجه الله وما ملكه فقد عدا(3).

وعن ابن عباس قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه، وتصلح له شيئه، حتى إذا

____________

(1) أحكام القرآن لابن عربي ط دار المعرفة ج 3 ص 1311.

(2) فتح القدير ج 3 ص 474.

(3) التمهيد ج 9 ص 116 والسنن الكبرى ج 7 ص 206 والمبسوط للسرخسي ج 5 ص 152 وفتح القدير ج 1 ص 449 و 450. ومستدرك الحاكم ج2 ص305.


الصفحة 211
نزلت الآية إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، قال ابن عباس: فكل فرج سواهما حرام(1).

وبه قال: وحدثنا محمد، حدثنا أحمد بن أبي عبد الرحمن، عن الحسن بن محمد، عن الحكم بن ظهير، عن السدي، عن ابن عباس في قوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم) قال نساؤهم، وقوله: (أو ما ملكت أيمانهم) قال السراري، قوله: (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) الذين يعدون الحلال إلى الحرام، فأولئك هم العادون، قال: فلم يحل الله له إلا زوجة أو ملك يمين، والزوجة قد أنزل الله أحكامها وميراثها وعدتها(2).

ويقال: إن يحيى بن أكثم قد استدل على المأمون بما يقرب من هذا أيضاً حينما نادى المأمون بإباحة المتعة(3).

____________

(1) ستأتي مصادر ذلك في الفصل التالي: النسخ بالأخبار، تحت عنوان: روايات نسخ المتعة، الحديث رقم 12.

(2) كتاب العلوم لأحمد بن قيس بن زيد ج 3 ص 13.

(3) وفيات الأعيان ج 2 ص 259 ط إيران، والسيرة الحلبية ج 3 ص 46.وبجيرمي على الخطيب ج 3 ص 336 و 337.


الصفحة 212

ونقول:

إن هذه الآية غير صالحة لنسخ آية المتعة أصلاً، وذلك لما يلي:

أولاً: لا يصح تقدم الناسخ:

إن آيتي حفظ الفروج الواردتين في سورتي المعارج والمؤمنون ـ مكيتان ـ متقدمتان.

وقد حكى الآلوسي الاتفاق على مكيتهما(1).

وآية المتعة مدنية، متأخرة، والمتقدم لا ينسخ المتأخر، بالبديهة و الاتفاق، بل الأمر على العكس، وهذا الإشكال آت في جميع الآيات الأخرى المدعى ناسخيتها لآية المتعة.

وقد يعترض على ذلك بأن قولهم: إن السورة الفلانية مكية، لا يعني أن جميع آياتها كذلك فلعل بعضها مدني.

والجواب: أن ذلك لا يرفع الإشكال، وذلك لما يلي:

أ ـ إن كلام الآلوسي ناظر إلى الآية، لا إلى السورة.

ب ـ حتى لو كانت آية الفروج مدنية فهي أسبق من آية

____________

(1) روح المعاني ج 5 ص 8، وراجع: جواهر الكلام ج 30 ص 147.


الصفحة 213
المتعة التي نزلت حسب دعواهم في فتح مكة، أو في عام أوطاس، حيث أحلت ثلاثة أيام فقط، أو في حجة الوداع، أو تبوك.

وهل يعقل أن تكون آية حفظ الفروج قد نزلت في خصوص هذه الأيام الثلاثة دون سواها؟.. وكيف يثبتون لنا ذلك، فإن التشريع ثابت وعلى مدعي النسخ إثبات مدعاه، وإحراز تأخر الناسخ بنحو قطعي، ولا يكفي مجرد الادعاء والاحتمال.

ثانياً: آية حفظ الفروج محكمة:

إن آيتي سورتي المعارج والمؤمنون، في قوله تعالى: (الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم إلخ..) هي من الآيات المحكمة التي لم تنسخ وهي مكية، فلو كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد رخص بالمتعة، وقلنا: إن المتمتع بها ليست زوجة، وقلنا إن هذه تحرم المتعة لكان الترخيص في خيبر نسخاً لآية حفظ الفروج!! فكيف مع تكرر النسخ، فإذا كان هناك يقين بأنها لم تنسخ فلا بد من القول، بأن المتمتع بها من جملة الزوجات(1).

____________

(1) راجع: تفسير الميزان ج 4 ص 304.


الصفحة 214
ولأجل هذا الإشكال بالذات نجد الآلوسي يعترف بعدم صحة الاستدلال بهذه الآية على تحريم المتعة لمن يعلم أنها أحلت بعد نزولها.

ثالثاً: أبو حيان وآية حفظ الفروج:

قال أبو حيان: «لا يظهر التحريم من هذه الآية(1) يعني آية حفظ الفروج».

رابعاً: المتمتع بها زوجة:

إن قولهم: إن المتمتع بها ليست زوجة، فلا تشملها آية الحفظ، غير صحيح وذلك للأمور التالية:

أ ـ قال ابن عربي: «وهذا يضعف، فإنا لو قلنا، إن نكاح المتعة جائز فهي زوجة إلى أجل يطلق عليها اسم الزوجة(2)».

ب ـ إن المتعة عقد نكاح شرعي صحيح، جاء به الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) والقرآن العظيم من الله عز وجل.

____________

(1) البحر المحيط ج 6 ص 397.

(2) أحكام القرآن ج 3 ص 1311.


الصفحة 215
ج ـ لقد ورد على لسان الصحابة، والتابعين التعبير عن المتعة بأنها: نكاح، وزواج، وعن المتمتع بها بأنها زوجة في اكثر من مورد، وأكثر من مناسبة، وفي رواية سبرة: «فتزوجتها»(1).

وفي لفظ عبد الرزاق: «فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) على المنبر يقول: من كان تزوج امرأة إلى أجل: فليعطها إلخ..»(2).

وأمثال ذلك كثير ويتضح ذلك بمراجعة فصل: النصوص والآثار.

د ـ إن نفس آية المتعة تدل على ثبوت الزوجية، لاقتران جملة: (فما استمتعتم إلخ..) بجملة: (محصنين غير مسافحين).

هـ ـ قال النحاس في الناسخ والمنسوخ: «.. وإنما المتعة أن تقول: أتزوجك يوماً، وما أشبهه»(3).

و ـ وقال الزمخشري:

____________

(1) راجع: سنن ابن ماجة، الحديث رقم 1962.

(2) المصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 504.

(3) الناسخ والمنسوخ ج 2ص 193.


الصفحة 216
«.. فإن قلت: هل فيه دليل على تحريم المتعة؟ قلت: لا، لأن المنكوحة نكاح المتعة من جملة الأزواج إذا صح النكاح»(1).

ولا أظن إثبات هذا الأمر يحتاج إلى أكثر من مراجعة أقوال النبي (صلى الله عليه وآله) والصحابة، والتابعين، وفيما ذكرناه كفاية.

خامساً: الوجه هو التخصيص لا النسخ:

إن آية حفظ الفروج، وسائر الآيات التي ادعي ناسخيتها لحكم آية المتعة.. كلها متقدمة، وهي عامة، وآية المتعة متأخرة، وهي خاصة.. فالمتعّين ليس النسخ بل لا بد من تخصيص تلك العمومات المتقدمة بهذا الخاص المتأخر..

ونظير ذلك تخصيص آية حفظ الفروج بأمة الغير، التي أذن في وطيها: فإنها ليست زوجة، ولا ملك يمين.. وقد أفتى بجواز هذا الإذن والتحليل كل من ابن عباس، وطاووس، وقال الثاني: هي أحل من الطعام.

بل ربما يظهر من بعض النصوص الصحيحة السند: أن

____________

(1) الكشاف ط بيروت ج 3 ص 177.


الصفحة 217
ذلك كان شائعاً ومعروفاً جداً في زمن التابعين، فراجع ما قاله عطاء لابن جريج في خصوص ذلك(1).

سادساً: انتفاء لوازم الزوجية:

قد ذكروا في مقام الاستدلال على نسخ آية المتعة بآية حفظ الفروج انتفاء لوازم النكاح في المنقطع(2).

وبمثل ذلك استدلوا أيضاً لناسخية آية الطلاق والميراث إلخ.. لآية المتعة ـ أيضاً ـ فإذا انتفت لوازم الزوجية، كان سفاحاً.. وهذا كلام غريب منهم، وعجيب، وذلك للأمور التالية:

أ ـ متى ثبت لهؤلاء: أن لوازم النكاح الدائم، لا بد أن تكون هي بعينها لوازم النكاح المنقطع، بحيث إذا ثبت للدائم بعض الأحكام، فلا بد من ثبوتها بعينها للمنقطع؟‍.

ب ـ هل مجرد جعل حكم أوأثر في مورد، يكون نسخاً

____________

(1) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج 7 ص 216، فإنه قد نقل ذلك عن طاووس، وابن عباس، كما أنه قد نقل كلام عطاء أيضاً..

(2) وذكروا بعض الروايات حول ناسخية الطلاق، والميراث، والعدة، والنكاح، والصداق عن علي (عليه السلام) وغيره، فراجع سنن البيهقي ج 7 ص 207، وراجع الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، والمصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 505، وفتح الباري ج 9 ص 146 و 149 و 150.


الصفحة 218
ورفعاً للحكم الثابت في ذلك المورد؟‍.

وهل عدم جعل بعض الآثار لحكمٍ في مورد، يكون دليلاً على انتفاء الحكم نفسه، أو دليلاً على رفعه ونسخه؟‍. مع العلم بأن النسخ شيء، وعدم جعل الحكم أو اللازم، أو الأثر، شيء آخر، ولا ربط لأحدهما بالآخر..

ج ـ لماذا لم يمنع انتفاء هذه اللوازم المدعاة من تشريع أصل المتعة في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ مع أن آية المتعة، وتشريع هذا الزواج، قد كان بعد نزول آية الطلاق وغيرها من الآيات المثبتة لبعض تلكم اللوازم.

د ـ إن القول بأن هذه الأمور لوازم غير منفكة عن الزوجية غير صحيح إذ قد توجد الزوجية حتى الدائمة، ولا توجد اللوازم المذكورة(1)، فلا يصح إذن ما رتبوه على ذلك، من قولهم: إن الآيات المثبتة لهذه اللوازم ناسخة لآية (فما استمتعتم..) الخ.. أو ناسخة للمتعة.. ونوضح ذلك ضمن العناوين التالية:

____________

(1) راجع: كنز العرفان ص 166 وجواهر الكلام ج 30 ص 149 و 144.


الصفحة 219

أ ـ القسم والليلة:

أما بالنسبة للقسم والليلة فهما يسقطان في السفر، مع بقاء صدق الزوجية..

وكذا لا قسم للصغيرة، ولا للمجنونة، ولا للناشز مع صدق الزوجية أيضاً.

ب ـ النفقة:

أما النفقة، فإنه لا نفقة للناشز، مع أنها زوجة قطعاً.

وأما بالنسبة للإرث، فسيأتي الحديث عنه.

ج ـ ثبوت النسب:

وأما بالنسبة لقول الرازي: إن النسب لا يثبت بالمتعة فهو محض تجنّ، لا واقع له.

وقال السيد المرتضى: «إن الولد يلحق بعقد المتعة، من ظن خلاف ذلك علينا، فقد أساء بنا الظن»(1).

____________

(1) الانتصار ص 115.


الصفحة 220
وقد تقدم بعض ما يشير إلى ذلك فلا نعيد.

قال ابن إدريس: «يلحق الولد بالزوج، ويلزمه الاعتراف به، ويجب عليه إلحاقه به»(1). وكذا قال آخرون(2).

لكن ذكر البعض أن لأهل السنة قولين فيما يرتبط بإلحاق الولد بأبيه حين تشريع المتعة في أول الإسلام.

الأول: وهو الأقرب أنه يلحق بالمستمتع.

وبعد التحريم أيضاً هناك اختلاف بين علماء السنة، فقيل: إنه يلحق به، وقيل: لا، وقيل: يحدّ المستمتع، وقيل: لا يجري عليه الحدّ.. كذا عن القرطبي.

أما عند فقهاء الإمامية: فلا خلاف في إلحاقه بأبيه لأنه نكاح مشروع ومباح(3).

أضف إلى جميع ما تقدم: أنه لو كان ولد المتعة لا يلحق بأبيه عند هؤلاء فلا بد أن نسألهم عن ابن الزبير ابن من يكون..

____________

(1) السرائر ص 624.

(2) الروضة البهية ج 5 ص 288 وقال: هو مروي والرواية في الوسائل كتاب النكاح، أبواب المتعة، باب 33، وتهذيب الأحكام ج2 ص191، والاستبصار ج3 ص152 و 149.

(3) نكاح المتعة حرام في الإسلام ص 8 و 9.


الصفحة 221
فإنه وكذلك آخرون من ابناء الصحابة قد ولدوا في المتعة حسبما سيأتي..

د ـ الظهار واللعان:

وأما بالنسبة للظهار واللعان والإيلاء، فقد قال ابن إدريس: يصح الظهار منها عند بعض أصحابنا، وكذلك اللعان عند السيد(1).

وقال السيد المرتضى: «والظهار أيضاً يقع بالمستمتع بها وكذلك اللعان»(2).

وقال البعض عن اللعان عند أهل السنة: «واللعان لا يقع بين الحر والأمة عند كثير منهم»(3).

كما: «إن أبا حنيفة يشترط في اللعان أن يكون الزوجان جميعاً غير كافرين ولا عبدين»(4).

____________

(1) السرائر ج 2 ص 624 ط مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ـ إيران.

(2) الانتصار ص 115.

(3) أصل الشيعة وأصولها ص 166 ط دار البحار ـ بيروت.

(4) الانتصار ص 115.


الصفحة 222
ويقول الشيخ محمد حسن النجفي: «وعدم اللعان والظهار والإيلاء فلاشتراطها بالدوام، لا الزوجية.

ولو فرض ما يدل على وقوعها بالزوجة وجب تخصيصها بالدائمة جمعاً بينه وبين ما دل على عدم لحوقها بالمتعة»(1).

رواية ابن عباس:

بالنسبة لرواية ابن عباس التي ذكرت: أن المتعة كانت حلالاً في أول الإسلام، إلى أن نزلت آية حفظ الفروج، كان الرجل يقدم البلدة إلخ..

نقول:

1 ـ قد تقدم أن ابن عباس قد استمر على القول بالتحليل إلى آواخر أيام حياته، ومساجلته مع ابن الزبير في هذا الأمر وتهديد ابن الزبير له بالرجم أشهر من أن تذكر.

وقد صرح أن آية المتعة محكمة غير منسوخة.

كما أن أتباعه من أهل مكة وغيرها قد تابعوه على هذا

____________

(1) جواهر الكلام ج 30 ص 149.


الصفحة 223
الرأي، واستمروا عليه عشرات السنين بعد وفاته.

وقد صرح بأنه لم يرجع عنها كثيرون حسبما قدمناه.

2 ـ قال الآلوسي: «لا أدري ما عنى بأول الإسلام إن عنى ما كان في مكة قبل الهجرة أفاد الخبر أنها كانت تفعل قبل.. إلى أن نزلت الآية. فإن كان نزولها قبل الهجرة لا إشكال في الاستدلال بها على الحرمة، لو لم يكن بعد نزولها إباحة، لكنه قد كان ذلك.

وإن عنى ما كان بعد الهجرة، أو أولها، وأنها كانت مباحة إذ ذاك إلى أن نزلت الآية كان ذلك قولاً بنزول الآية بعد الهجرة، وهو خلاف ما روي عنه من أن السورة مكية»(1).

1 ـ آية حفظ الفروج تحرم المتعة:

وقد ادعى بعض القائلين بتحريم المتعة: أن آيتي حفظ الفروج محكمتان.. لأن آية (فما استمتعتم به منهن) يراد بها النكاح الدائم.

____________

(1) روح المعاني ج 5 ص 10 ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.


الصفحة 224
وحديث عائشة يدل على أنها ترى تحريم المتعة بآية حفظ الفروج، لا لكونها ناسخة لآية المتعة، وإلا لصرحت بالنسخ. ولأنها لم تكن لتجهل تقدم نزول آية حفظ الفروج على آية المتعة، وأن المتقدم لا ينسخ المتأخر.

وقد استحسن أبو محمد القيسي هذا الكلام من عائشة لأن المتعة ليست بملك يمين، ولا هي نكاح صحيح.. فتدل آية حفظ الفروج على تحريمها لأنها حصرت الحلال في هذين الأمرين.. والمتعة ـ حتى على كلامهم ـ لا تسمى عقد نكاح أبداً.

أما المتعة فكانت بإباحة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم نهى عنها، فيكون من نسخ السنة بالسنة(1).

ونقول:

أولاً:

إذا كانت آية حفظ الفروج تدل على التحريم على النحو الذي ذكروه، وكانت مكية فإنها تمنع من إباحة النبي (صلى الله عليه وآله) للمتعة في المدينة أيضاً، إذ إن المتعة ليست ـ على زعمهم ـ ملك يمين، ولا هي نكاح صحيح.. وإذا كان الحلال منحصراً من أول الإسلام بهذين الأمرين.. وكانت

____________

(1) راجع: تحريم المتعة للقيسي ص 133 و134 بتصرف وتلخيص.