4 ـ لم يقع في خيبر تمتع بالنساء:
وقال أبو عمر: «.. إن ذلك غلط، ولم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء»(2).
وقال ابن القيم: «.. قصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات، ولا استأذنوا في ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا نقله أحد في هذه الغزوة، ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة، لا قولاً ولا تحريماً»(3).
وقال أيضا: «.. وأيضاً، فإن خيبر لم يكن فيها مسلمات، وإنما كن يهوديات، وإباحة نساء أهل الكتاب لم يكن ثبت بعد،
____________
(1) التمهيد ج 9 ص 99.
(2) إرشاد الساري ج 6 ص 169 وشرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 46، والغدير ج 6 ص 226، وعن شر ح المواهب للزرقاني ج 2 ص 239، وسبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 268، وراجع: أوجز المسالك ج 9 ص 405.
(3) زاد المعاد ج 2 ص 143، وعنه في سبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 268 وفتح الباري ج 9 ص 147.
وقال ابن القيم أيضاً: «فلم تكن إباحة نساء أهل الكتاب ثابتة زمن خيبر ولا كان للمسلمين رغبة في الاستمتاع بنساء عدوهم قبل الفتح، وبعد الفتح استرق من استرق منهن، وصرن إماء للمسلمين..»(2).
وقال ابن كثير: «إن يوم خيبر لم يكن ثم نساء يتمتعون بهن، إذ قد حصل لهم الاستغناء بالسباء عن نكاح المتعة»(3).
ونقول:
إذا كان المسلمون قد استغنوا بالسبي عن نكاح المتعة في غزوة خيبر فإن غزوة تبوك كانت أبعد وأتعب، فلماذا لم تحلل لهم المتعة في تلك الغزوة كما حللت في خيبر وفي الفتح وغيرهما؟!
وقد أجاب البعض: «بأنه قد يكون هناك مشركات، لأن الأوس والخزرج كانوا يصاهرون اليهود، فلعل المسلمين
____________
(1) زاد المعاد ج 2 ص 183، وأوجز المسالك ج 9 ص 406 والمنتقى هوامش ج 2 ص 517 وفتح الباري ج 9 ص 147.
(2) المصدر السابق.
(3) البداية والنهاية ج 4 ص 193. وعن فتح الباري ج9 ص171.
وجواب ذلك:
أن الإسلام كان قد نهى عن الأخذ بعصم الكوافر، وعن نكاح المشركات حتى يؤمن، وهذه الآيـة هي في سورة البقرة، و قد نزلت قبل خيبر.
5 ـ المتعة كانت حلالاً بعد خيبر:
ولو صح حديث النسخ يوم خيبر للزم تكذيب جميع الروايات الواردة مما دل على حلية المتعة يوم خيبر، أي في عمرة القضاء، وحنين، وحجة الوداع، والفتح، وتبوك، وأوطاس، إذ لا معنى لتحليل أمر منسوخ إلا على تقدير تعدد النسخ وهو أمر غير مقبول.
ولو سلمنا أنه مقبول، فلا بد من إثباته بدليل قاطع.
6 ـ راوي النسخ رافض له:
والرواية المعتمدة للنسخ يوم خيبر هي تلك المنسوبة لأمير
____________
(1) سبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 268، وأوجز المسالك ج 9 ص 406، وفتح الباري ج 9 ص 149.
7 ـ تعارض الروايات:
ومن الواضح: أن روايات النسخ في الفتح، وتبوك، وسواهما كلها تعارض روايات النسخ يوم خيبر، وتسقطها عن صلاحية الاستدلال بها على وقوع النسخ.
8 ـ الرواية المذكورة لا تصلح للمعارضة:
وإذا راجعنا رواية النسخ يوم خيبر، فإننا نجدها ـ بسبب ما ذكرناه وغيره مما لم نذكره ـ كثيرة العلل والأسقام لا تقوى على معارضة شيء من الروايات الأخرى، فضلاً عن معارضتها
____________
(1) ستأتي المصادر الكثيرة لهذا النص في فصل: النصوص والآثار، فراجع على سبيل المثال: جامع البيان ج 5 ص 9.
وما تقدم وما سيأتي خير شاهد على ما نقول.
9 ـ التشكيك في صيغة ومعنى الحديث:
ونجد الكثير من النصوص التي تشكك في صيغة حديث النسخ يوم خيبر، أو أنها تفسره بطريقة تبعده عن دائرة الاستدلال، وبعض هذه النصوص قد جاء على طريق الرواية، وبعضه تفسير أو اقتراح تفسير رواية.
ونحن نذكر هنا بعضاً من ذلك، فنقول:
أ ـ ورد في نص الحميدي: «أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر، ولا يعني نكاح المتعة»(1).
قال ابن عبد البر: «وعلى هذا أكثر الناس»(2).
ب ـ ولفظ البخاري برواية ابن عيينة عن الزهري: «نهى
____________
(1) مسند الحميدي ج 1 ص 22، وفتح الباري ج 9 ص 145، ونيل الأوطار ج 6 ص 273، وسنن البيهقي ج 7 ص 202، وفتح الباري ج 9 ص 133، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366، والبداية والنهاية ج 4 ص 194.
(2) فتح الباري ج 9 ص 145.
أي أن نهيه عن المتعة لم يحدد، ولم يذكر له وقتاً، بل هو يريد أن هذا التحريم قد وقع..
ج ـ وقال العسقلاني: «ليس يوم خيبر ظرفاً لمتعة النساء، لأنه لم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء»(2).
د ـ قال أبو عوانة في صحيحه: «.. سمعت أهل العلم يقولون: معنى حديث علي (عليه السلام) أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأما المتعة، فسكت عنها وإنما نهى عنها يوم الفتح»(3) أي ليكون النهي عن المتعة موقوفاً على وقته بدليله(4).
وقد بينه الربيع بن سبرة: أنه في حجة الوداع(5).
____________
(1) أوجز المسالك ج 9 ص 406.
(2) فتح الباري ج 9 ص 22، وراجع ص 123، وراجع سنن البيهقي ج 7 ص 202 ومسند الحميدي ج 1 ص 22 وشرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 46.
(3) راجع أوجز المسالك ج 9 ص 406، وفتح الباري ج 9 ص 145، ونيل الأوطار ج 6 ص 273، وراجع البداية والنهاية ج 4 ص 194، وسبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 268.
(4) التمهيد ج 9 ص 95.
(5) أوجز المسالك ج 9 ص 407.
ونقله البيهقي وغيره عن ابن عيينة، واحتمله هو أيضاً(2).
لكن قال القرطبي: «وهذا تأويل فيه بُعد»(3).
هـ ـ وذكر السهيلي أن ابن عيينة روى عن الزهري بلفظ: «نهى عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر، وعن المتعة بعد ذلك، أو في غير ذلك اليوم، انتهى»(4).
و ـ واقتصر بعضهم على رواية، بعض الحديث فقال: «حرم المتعة يوم خيبر، فجاء بالغلط البين»(5).
ز ـ أضف إلى ما تقدم: أن بعض نصوص الروايات التي ذكرت النهي عن الحمر الأهلية، وأكل لحوم السباع، لم تشر إلى
____________
(1) البداية والنهاية ج 3 ص 194، ونسب إلى المزي: أنه كان يميل إلى هذا التقرير، وراجع الاستذكار ج 16 ص 288 و 289.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 201 و 202، والمنتقى هوامش ج 2 ص 518، وشرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180، وأوجز المسالك ج 9 ص 406، وفتح الباري ج 9 ص 144 و 145 و 146 وراجع: سبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 268، وأوجز المسالك ج 9 ص 405 و 406، ونيل الأوطار ج 6 ص 273.
(3) التمهيد ج 9 ص 95.
(4) نيل الأوطار ج 6 ص 273.
(5) المنتقى هوامش ج 2 ص 518.
ح ـ قال ابن القيم أيضاً: «النهي يوم خيبر إنما كان عن الحمر الأهلية. وإنما قال علي (عليه السلام) لابن عباس:»نهى يوم خيبر عن متعة النساء، ونهى عن الحمر الأهلية«محتجاً عليه في المسألتين، فظن بعض الرواة: أن التقييد بيوم خيبر راجع إلى الفصلين، فرواه بالمعنى ثم أفرد بعضهم أحد الفصلين وقيده بيوم خيبر»(2).
ونقول: إننا نسجل هنا:
أولاً:
قول السهيلي: إن المراد: أنه (صلى الله عليه وآله) قد حرم الحمر الأهلية يوم خيبر لكنه نهى عن المتعة بعد ذلك، لا يمكن قبوله.. فإننا لا نجد مبرراً للحديث عن خصوص المتعة دون سائر الأحكام الشرعية التي جاء بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك.. أو قبله..
ثانياً:
قد روى ابن حبان ومسلم هذا الحديث بصورة تمنع من إرادة هذا المعنى وغيره مما ذكروه، فقد روي عن عمر بن
____________
(1) راجع: كتاب التمهيد ج 9 ص 94 و 101 (2) تعليقات الفقي على بلوغ المرام ص 207، وراجع البداية والنهاية ج 4 ص 194، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 336 و 337.
وروي هذا الحديث، عن مالك بإسناده إلى علي (عليه السلام) فقال فيه: «نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر لم يزد على ذلك»(2).
10 ـ دعوى تكرر النسخ لا يصح:
وقد تقدم أن النووي(3) وغيره قد ادعوا أن المتعة قد نسخت أكثر من مرة، ورفضوا توجيه المازري والقاضي: أن ما جرى بعد خيبر إنما كان لتأكيد التحريم..
وإنما رفضوا هذا التوجيه، لأن روايات الصحاح صريحة في تجدد الإباحة يوم الفتح أيضاً.
____________
(1) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج 6 ص 176 و 177، وراجع: ص 175 وصحيح مسلم ج 4 ص 134 و 135 بعدة طرق..
(2) راجع: التمهيد ج 10 ص97.
(3) شرح صحيح مسلم للنووي ج 9 ص 193.
كما أن ابن كثير قال عن روايات النسخ في خيبر وفي الفتح: «فيلزم النسخ مرتين وهو بعيد»(2).
11 ـ إحراز تقدم المنسوخ:
ثم إنه لم يحرز تقدم آية المتعة على صدور التحريم في خيبر، ليمكن القول بالنسخ، فلعل روايات التحريم هي المتقدمة، وتكون آية المتعة هي الناسخة للتحريم في هذه الروايات لو صحت.
12 ـ مشكلة احتجاج علي (عليه السلام) على ابن عباس:
ولو سلم «.. فلا يتم احتجاج علي (عليه السلام) إلا إذا وقع النهي أخيراً، لتقوم به الحجة على ابن عباس».
____________
(1) زاد المعاد ج 4 ص 194 وفقه السنة ج 2 ص 39.
(2) البداية والنهاية ج 4 ص 194، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366.
وزاد البعض قوله: «ويمكن أن علياً (عليه السلام) عرف بالرخصة يوم الفتح ولكن فهم توقيت الترخيص، وهو أيام شدة الحاجة مع الضرورة. وبعد مضي ذلك فهي باقية على أصل التحريم المتقدم، فتقوم له الحجة على ابن عباس».
قال هذا بعد اعترافه أنه «لا تقوم لعلي (عليه السلام) الحجة على ابن عباس إلا إذا وقع النهي أخيراً»(2).
ونقول:
إذا كان لم تبلغه الرخصة بعد ذلك فلماذا يقول لابن عباس:
«إنك امرؤ تائه»؟! ولماذا يفرض عليه، ألا يحتمل أن يكون (صلى الله عليه وآله) قد عاد فرخص في هذا الأمر، وألم يكن من الأجدر أن يستفهم أولاً، إن كان (صلى الله عليه وآله) قد رخص فيها أم لا؟!.
____________
(1) راجع: فتح الباري ج9 ص145 و147، وسبل السلام شرح بلوغ المرام ج3 ص268.
(2) سبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 268.
13 ـ لماذا لم يرو الحديث سوى علي (عليه السلام)؟!
قد ذكر الواقدي أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر بخيبر منادياً فنادى: إن رسول الله ينهاكم عن الحمر الإنسية وعن متعة النساء(1) وفي بعض المصادر أن منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد نادى يوم خيبر: ألا إن الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) ينهاكم عن المتعة، كما قيل، فكيف يقع ذلك ـ لو صح ـ ثم لا ينقل ذلك سوى علي (عليه السلام)؟!! وهو مما تتوفر الدواعي على نقله.. ولماذا كتمه علي (عليه السلام) عن كل أحد إلا عن ولده محمد، ثم كتمه محمد عن كل أحد سوى ولديه عبد الله والحسن؟!.
14 ـ يلزم نسخ الكتاب بخبر الواحد:
وأخيراً.. فإن حديث النسخ يوم خيبر، لا يعدو كونه خبر واحد، ولا يصح نسخ الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد، كما هو معلوم.
____________
(1) المغازي للواقدي ج2 ص661.
15 ـ حديث الحسن ينفي حديث خيبر:
ولو فرضنا ـ محالاً ـ إمكان الجمع بين رواية النسخ يوم خيبر وبين سائر الروايات، فكيف يمكن أن نوفق بين حديث خيبر وبين ما روي عن الحسن: أنه قال: «ما حلت قط، إلا في عمرة القضاء ثلاثة أيام، ما حلت قبلها ولا بعدها»(1).
حنين تصحيف خيبر:
وقد ادعى البعض: أن كلمة حنين هي تصحيف كلمة خيبر: «وقال: أخرجه النسائي، والدارقطني، ونبه على أنه وهم»(2).
زاد الشوكاني: «وعلى فرض عدم التصحيف فيمكن أن يراد ما وقع في غزوة أوطاس، لكونها هي وحنين واحدة»(3).
____________
(1) تقدمت مصادر هذا الحديث.
(2) سبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 268 وراجع: أوجز المسالك ج 9 ص 405 ونيل الأوطار ج6 ص272 و273 وراجع أيضاً: الهداية في شرح البداية ج6 ص510.
(3) نيل الأوطار ج 6 ص 273.
ونقول:
1 ـ إن من الواضح: أنها محض تخرصات لم يدل عليها دليل، ولا يؤيدها شاهد..
2 ـ إن دعوى أن كلمة حنين هي تصحيف كلمة خيبر ليست بأولى من دعوى أن كلمة خيبر هي تصحيف كلمة حنين..
3 ـ إن دعوى الشوكاني باتحاد حنين وأوطاس، ليست بأولى من دعوى اختلافهما، بل دعوى الاختلاف هي الأظهر بملاحظة التصريح باسم هذه وتلك.
تحريم المتعة في خيبر كان موقتاً:
قد ادعى بعضهم: أن تحريم المتعة الذي حصل في خيبر لم يكن تحريم تأبيد. ولو أن التحريم يوم خيبر كان للتأبيد لم
____________
(1) تحريم المتعة ص 168 عن فتح الباري ج9 ص74.
ونقول:
أولاً:
إن قولهم هذا يسقط ما رووه عن علي (عليه السلام) من أنه قد اعترض على ابن عباس بأنه امرؤ تائه، فإن النبي (صلى الله عليه وآله) قد نهى عن المتعة يوم خيبر. لأن الاعتراض منه (عليه السلام) إنما يصح دليلاً لهم، لو كان النهي في خيبر للتأبيد، أما إذا كان موقتاً فلابن عباس أن يعترض عليه، بأنه استدلال لا يصح، لأنه كان نهياً تدبيرياً موقتاً، وقد عاد الناس إلى العمل بهذا الزواج، بعد أن انتهى وقت التحريم.
ثانياً:
إن حديث التحريم يوم خيبر ـ لو صح ـ فهو إنما كان مجرد نهي تدبيري لهم عن التزوج بنساء سوف يتركونهن بعد قليل، فلا معنى للزواج بهن ثم تركهن، مع احتمال أن يحدث حمل عند بعضهن فلا يعرف الأب بأن له ابناً، ولا الأم تقدر على الاتصال بأب وليدها لتعرّفه عليه، وتصله به.
ولو أنهم كانوا قد تزوجوا بهن زواجاً دائما، وفي نيتهم الفراق بالطلاق أمام الشهود بعد ساعة مثلاً، ثم يذهبون إلى
____________
(1) راجع: تحريم نكاح المتعة للأهدل ص341.
حديث التحريم يوم الفتح:
وأما بالنسبة لحديث سبرة الجهني الذي يفيد التحريم يوم الفتح والذي اعتبر البعض روايته هي الأشهر والأصح(1)، وقال الزرقاني والعسقلاني، والنص له: «لا يصح شيء من الروايات بغير علة إلا غزوة الفتح»(2).
فقد جاء في واحد من نصوصه، كما في صحيح مسلم، وغيره، ما يلي: «حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث، عن الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه سبرة، أنه قال: أذن لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر، كأنها بكرة عيطاء، فعرضنا أنفسنا عليها، فقالت: ما تعطي؟ فقلت ردائي..
____________
(1) شرح الموطأ للزرقاني ج 3 ص 153.
(2) فتح الباري ج 9 ص 146 وشرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 46.
هذا الحديث لا يدل على النسخ:
إن هذا النص إن صح، فهو لا يدل على تحريم زواج المتعة، حيث إن الظاهر هو: أن النبي (صلى الله عليه وآله): قد أمرهم بتخلية سبيل النساء، استعداداً للرحيل، لا أنه قد حرم المتعة عليهم حرمة تشريعية.
____________
(1) راجع: صحيح مسلم ج 4 ص 131و 133، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 224، وسنن البيهقي ج 7 ص 202 و 203، وأوجز المسالك ج 9 ص 406،، ومسند أحمد ج 3 ص 405، وروايات سبرة حول نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن المتعة يوم الفتح توجد في كتاب التمهيد ج 10 ص 106، والبداية والنهاية ج 4 ص 193 عن البخاري، وأشار إليه الترمذي في الجامع الصحيح المطبوع مع تحفة الأحوذي ج 4 ص 268، وكذا في تحفة الأحوذي نفس الجزء، والصفحة عن المنتقى، والتفسير الكبير ج 10 ص 51، ونصب الراية ج 3 ص 177، والمنار في المختار ج 1 ص 462، وفقه السنة ج 4 ص 42 وتحريم نكاح المتعة ص 58 و 59 و 61، ومسند الحميدي ج 2 ص 374 ط المكتبة السلفية، وسنن سعيد بن منصور، طبع دار الكتب العلمية ج 1 ص 217 وراجع ص 218، وراجع: بجيرمي على الخطيب ج 3 ص 336، ومرقاة المفاتيح ج 3 ص 422 والمبسوط للسرخسي ج 5 ص 152.
ولكن الظاهر هو أن الرواة قد حرفوا هذه الرواية، وزادوا عليها زيادات أخرى، كما يعلم من مراجعة نصوصها المختلفة في كتب الحديث والرواية.
ولكننا مع ذلك، وأخذاً منا بنظر الاعتبار النصوص الأخرى من روايات سبرة المصرحة بالتحريم، نشير إلى بعض الملاحظات حولها في ضمن النقاط التالية:
تناقضات.. وما أكثرها:
1 ـ إننا بالإضافة إلى جميع ما قدمناه مما يدل على عدم صحة حديث التحريم في سنة الفتح، وإلى ما بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، نقول: إن هذا الحديث لا حجية فيه لما فيه من التناقض والاختلاف الكثير بين نصوصه..
ففي بعضها، وهي في مسلم والبيهقي، ومسند أحمد: أن
وفي بعض روايات البيهقي، واحمد، وابن ماجة، وعبد الرزاق، وابن حبان، ونصب الراية عنه وعن سنن أبي داود(1) أنه: كان في حجة الوداع.
وفي بعضها: يوم خيبر(2) وفي بعضها: في عمرة القضاء(3).
وفي بعضها: لم يعين وقتاً ولا زماناً، وإن كان هذا الأمر لا يتنافى مع أي مما سبقه.
وبعضها يقول: إن الإذن بالمتعة كان بعد خمسة عشر يوماً من دخول مكة(4).
وبعضها: أذن لهم بها قبل وصولهم، وبالتحديد وهم في
____________
(1) سنن أبي داود ج 1 ص 283، وغيره، وراجع: الإحسان ج 9 ص 454 و 455 وشرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 46 والاعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 203 و 204، ونيل الأوطار ج 6 ص 274 وسنن ابن ماجة ج 1ص 631 وسنن الدارمي ص 140 ومصادر كثيرة جداً تقدمت.
(2) كنز العمال ج 22 ص 97 عن ابن جرير والاعتصام بحبل الله المتين ج 2 ص 202 وكتاب العلوم لاحمد بن عيسى ص 11.
(3) راجع: التمهيد ص 108 ونيل الأوطار ج 6 ص 272 وشرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180.
(4) صحيح مسلم ج 4 ص 132، والمرأة في القرآن والسنة ص 180، والتفسير الحديث ج 9 ص 53 عن مسند أحمد.
وفي أخرى: أن ذلك كان حين دخول مكة(2).
وأما رواية: مكث ما شاء الله(3).
ورواية: مكث أياماً(4)، فلا تتنافى مع ما سبق.
وفي بعضها: فلما كان عند الظهر رحت إلى المسجد إلخ..(5).
وأخرى تقول: إن التحريم كان في الغد(6).
وفي بعضها: أنه مكث عند صاحبته ثلاثاً، ثم لقي النبي (صلى الله عليه وآله)، فإذا هو يحرمها أشد التحريم(7).
____________
(1) تحريم نكاح المتعة ص 58 و 59، وفي هامشه عن مسند أحمد حسب ترتيب الساعاتي ج 16 ص 192 و 193.
(2) البداية والنهاية ج 3 ص 193 و 318 ومصادر كثيرة تقدمت.
(3) مسند الحميدي ج 2 ص 374.
(4) المصدران السابقان.
(5) تحريم نكاح المتعة ص 60.
(6) الاعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 203 ومصادر كثيرة أخرى تقدمت.
(7) صحيح مسلم ج 4 ص 133 و 131، وسنن النسائي ج 6 ص 127، وسنن سعيد بن منصور ج 1 ص 217، ومسند أحمد ج 3 ص 405، والتمهيد ج 9 ص 108 و 109، ومعرفة علوم الحديث ص 176 وغير ذلك مما تقدم.
وأخرى: بين الركن والباب وحرمها هناك(1).
وأخرى: فوجدته قائماً بين الباب وزمزم(2).
وبعضها: أنه (صلى الله عليه وآله) قام حذاء الكعبة(3)، وهذه لا تنافي ما تقدم.
وواحدة تقول: إن الذي تمتع بالمرأة قد أعطاها بردين أحمرين(4).
وأخرى تقول: بل أعطاها برداً واحداً(5).
وواحدة تدعي: أن رفيق سبرة كان ابن عم له، أو من قومه، كما في صحيح مسلم(6) وسبرة من جهينة، وجهينة من قضاعة..
____________
(1) صحيح مسلم ج 4 ص 132، والمرأة في القرآن والسنة ص 180، والتفسير الحديث ج 9 ص 53 ومصادر كثيرة أخرى تقدمت.
(2) مسند الحميدي ج 2 ص 374.
(3) تحريم نكاح المتعة ص 61.
(4) صحيح مسلم ج 4 ص 133 و 134.
(5) صحيح مسلم ج 4 ص 131 و 132 و 133.
(6) صحيح مسلم ج 4 ص 132.
وفي بعضها: أن الذي كان معه هو أخوه(2).
ورواية أخرى: أن المستمتع هو سبرة نفسه، وكان وسيماً، وبرده خلق، أما ابن عمه فكان قريباً من الدمامة وبرده جديد.
ورواية أخرى تقول: إن سبرة كان هو الدميم، والبرد الجديد له، وابن عمه كان جميلاً، وبرده خلق، وان ابن عمه هو الذي استمتع بها وليس سبرة..(3).
وفي بعضها: أنهما دخلا على المرأة في بيتها، وعرضا عليها الأمر.
وأخرى تقول: أنهما التقيا بها في أسفل مكة أو أعلاها(4).
هذا، ولا ندري ما معنى هذا الترديد في الرواية الواحدة
____________
(1) راجع جمهرة العرب لابن حزم ص 261 و 379 و 408 و 444.
(2) تحريم نكاح المتعة ص 59.
(3) راجع مسند أحمد ج 3 ص 405، ومجمع الزوائد ج 4 ص 264 وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
(4) قد يقال: ان هذا لا يتنافى مع كونهما قد التقيا بها في بيتها الذي كان في أسفل مكة، أو في أعلاها..
واحتمال أن يكون الترديد: من الراوي عن سبرة، لا من سبرة نفسه، يدفعه سياق الكلام، حيث يتحدث المتكلم عن نفسه، وأنه لو صح ذلك للزم التنبيه عليه كما جرت عادتهم..
2 ـ.. والأغرب من ذلك أن نجد رواية لسبرة، تحاول أن تنسب التمتع بالمرأة إلى رجل آخر حيث يقول: «إن النبي (صلى الله عليه وآله) رخص في المتعة، فتزوج رجل امرأة، فلما كان بعد ذلك، إذا هو يحرمها أشد التحريم ويقول فيها أشد القول»(2) فهو إذن لا يدعي ممارسة هذا الفعل، بل يظهر من هذا النص أنه يبعد ذلك عن نفسه..
إلا أن يقال: إنه إنما يريد التعمية على السامع؛ فهو يتحدث عن رجل وامرأة، ويريد نفسه.
____________
(1) صحيح مسلم ج 4 ص 132.
(2) شرح معاني الآثار ج 3 ص 26.
حديث سبرة خبر واحد:
إننا نلاحظ: أنه لم يرو هذه الرواية عن سبرة إلا ولده الربيع، ثم حفيده عبد الملك، إلا ما رواه أبو حنيفة، عن الزهري عن محمد بن عبد الله، عن سبرة(1) وهو أمر ملفت للنظر. وتشاركها في هذه الخصوصية روايات أخرى مما روي عن بعض الصحابة في إثبات النسخ، ولا يثبت النسخ بخبر الواحد لحكم ثابت بنص الكتاب، وبالسنة المتواترة، وبإجماع الأمة، خصوصاً إذا كان مما تعم به البلوى، فكيف إذا تواردت على هذا الخبر العلل والأسقام، وابتلى بالمعارضات في أكثر من اتجاه؟!.
ضعف سند رواية سبرة:
وقد لا يهتم البعض للقدح في سند الرواية من خلال جهالة «سبرة» بن معبد لكونه يرى أن مجرد كونه صحابياً
____________
(1) تحريم نكاح المتعة للمحمدي ص 166/ 167.
قال ابن القيم: «.. الناس في هذا طائفتان: طائفة تقول: إن عمر هو الذي حرمها، ونهى عنها، وقد أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) باتباع ما سنه الخلفاء الراشدون(4) ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح، فإنه من رواية عبد الملك، بن الربيع، بن سبرة، عن أبيه، عن جده. وقد تكلم
____________
(1) راجع: مقالنا عن الصحابة في كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج2.
(2) راجع: تهذيب التهذيب، وغيره من كتب الرجال.
(3) رجال صحيح مسلم ج1 ص 203.
(4) قد علق العلامة الأميني في الغدير ج 3 ص 326 و 333 على هذا الموضع بعد أن ذكر ما يوجب الشك في صحة هذا الحديث، ما حاصله: أنه لو صح فلا بد أن يكون المقصود هو خلفاؤه الأئمة الاثنا عشر الذين تواتر الحديث عنه (صلى الله عليه وآله) حولهم، ونص مرات ومرات على أسمائهم وهم الذين: أولهم علي (عليه السلام) وآخرهم المهدي (عج) إذ لو كان المراد بالحديث مطلق من صار خليفة لم يستقم الحديث لا سيما بملاحظة: أن بعضهم كان يستعين بغيره في معرفة الأحكام الشرعية، بل لقد أجمعت الأمة على مخالفة ما سنه بعضهم في العديد من الأمور.
ولو صح عنده لم يصبر عن إخراجه، والاحتجاج به»(1).
لماذا لم يروه غير سبرة؟!!
ويلفت نظرنا هنا: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد ذكر في خطبته في غزوة الفتح بعض الاحكام المرتبطة بالنكاح، فكان مما قاله: «ألا.. الولد للفراش، وللعاهر الحجر، ولا يحل لامرأة أن تعطي من مالها إلا بإذن زوجها، والمسلم أخو المسلم.. لا تنكح المرأة على عمتها وعلى خالتها».
فلماذا لم يذكر هذا الحكم في خطبته، أو على الأقل لم ينقل أحد ذلك إلينا سوى سبرة.
مع العلم بأنه مما تعم به البلوى، وتتوفر الدواعي على نقله.. وقد كان ذلك الجيش الذي يعد ألوفاً كثيرة بحاجة إلى هذا الزواج، مما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى تذكيرهم به، وإلفات
____________
(1) زاد المعاد ج 2 ص 184 والمنتقى ج 2 ص 519.