الصفحة 339
كان قبيحاً، فلم نعرف له معنى معقولاً، فهل بدأ قبحه من حين تحريمه؟ أم أنه كان قبيحاً قبل ذلك أيضاً..

وإذا كانت هذه الآثار السيئة التي زعم أنها أظهرت الحكمة الإلهية في التحريم.. إذا كانت موجودة في صدر الإسلام فلماذا حلل، وإن كانت غير موجودة فلماذا حرم؟! وكيف صار وجودها لاحقاً دليلاً على صوابية التحريم سابقاً، حيث لم يكن ثمة أية مفسدة؟!.

زواج المتعة قبيح:

وقالوا عن زواج المتعة: «إنه لما حرمه النبي (صلى الله عليه وآله) كان قبيحاً. ولما استعملته الطائفة الجعفرية التي استحلته، وشاع في دورها، ونظرنا إلى آثارها السيئة قوي عندنا ظهور الحكمة الإلهية في منع المسلمين من تعاطيه»(1).

____________

(1) تحريم المتعة ص 201 ونكاح المتعة للأهدل ص 324.


الصفحة 340

ونقول:

أولاً:

إنه لا ريب في أن هذا الزواج كان حلالاً في أول الإسلام، فهل كان حينئذ قبيحاً أيضاً؟!

ثانياً:

إنهم يدعون أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد حرمه وهم غير قادرين على إثبات ذلك، فلجأوا إلى التشنيع بهذه الطريقة، حيث ادّعوا وجود آثار سيئة لهذا الزواج حين شاع في دور الطائفة الجعفرية.. مع أن ذلك مجرد ادعاء، ولا مجال لإثبات وجود هذه الآثار السلبية إلا بمقدار ما للزواج الدائم من آثار سلبية تنشأ من التعديات على التشريع، ومن عدم الالتزام بالتكليف وبالمسؤولية الشرعية.. ولا يصح جعل ادعاءات الحاقدين والعلمانيين مستنداً ودليلاً.. فالتمسك بأقوال شهلا حائري يصبح في غير محله، وبعيداً عن الإنصاف.

ثالثاً:

هل القبح المدعى بمعنى القبح الذاتي. فيرد عليه: أنه لو كان كذلك لم يصح تشريعه أولاً.. وإن كان بمعنى نفور الطبع فهذا لا يوجب التغير في الأحكام بالإضافة إلى أنه لا مبرر لنفور الطبع منه، بل هو كالزواج الدائم من هذه الناحية. وإن كان قد نشأ قبحه من التحريم نفسه لأن الحسن ما حسنه الشارع والقبيح ما قبحه الشارع فيرد عليه: أن التحريم لم يثبت

الصفحة 341
بعد بالإضافة إلى المناقشة الواسعة والقوية في صحة هذا الكلام من أساسه.

أقوال أهل الكتاب تشهد!!:

ومن أغرب ما رأيناه هنا: أنهم قد حاولوا الاستدلال بأقوال بعض أهل الكتاب، من أمثال جورج خضر المعروف بمواقفه من الإسلام والمسلمين. حيث اعتبر زواج المتعة جنسي محض غير إنساني. وأنه يتعارض مع الزواج أصلاً، الذي بنيَ على الدوام، وعلى أساس تخطي فكرة المتعة والتمتع(1).

ونقول:

إننا نسجل هنا النقاط التالية:

1 ـ هل أصبحت أدلة استنباط الأحكام هي: كتاب الله وسنة الرسول، والإجماع، وأقوال أهل الكتاب، وخصوصاً المطران جورج خضر.. و..!!

2 ـ إن الله سبحانه وتعالى يقول عن علماء أهل الكتاب:

____________

(1) تحريم المتعة ص 201 عن مجلة الشراع اللبنانية عدد 684 سنة 1995م، ص 6/7.


الصفحة 342
(ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)(1).

ويقول: (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم)(2).

ويقول: (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل، وتكتمون الحق وأنتم تعلمون)(3).

ويقول: (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم)(4).

ويقول: (وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب، وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)(5).

____________

(1) سورة آل عمران، الآية 75.

(2) سورة آل عمران، الآية 69.

(3) سورة آل عمران، الآية 71.

(4) سورة آل عمران، الآية 71.

(5) سورة آل عمران، الآية 78.


الصفحة 343
ويقول: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب، يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل)(1).

ويقول: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب، يؤمنون بالجبت والطاغوت، يقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً)(2).

3 ـ إن كانت أقوال أهل الكتاب من الأدلة أو من المؤيدات، فهل سيأخذ بأقوالهم في تعدد الزوجات، وفي الطلاق.. و..

4 ـ إن أهل الكتاب يبيحون شرب الخمر، ويأكلون لحم الخنزير، ويأكلون الميتة و.. فهل يؤخذ بأقوالهم في ذلك؟.

5 ـ إن الله سبحانه وتعالى يقول: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)(3).

____________

(1) سورة النساء، الآية 44.

(2) سورة النساء، الآية 51.

(3) سورة البقرة، الآية 120.


الصفحة 344

مثقفو الشيعة وزواج المتعة:

وقد زعم بعضهم: «أن مثقفي الشيعة، والمجتمع الشيعي يرفضون هذا «الزنا» المتسمى باسم «المتعة»، فإن الناس في بعض المجتمعات حتى الشيعية ينظرون إلى علاقة المتعة نظرة أكثر خطورة من نظرتهم إلى الزنا..»(1).

ونقول:

1 ـ لقد قال تعالى: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن)(2).

2 ـ إن الحكم الشرعي لا يؤخذ من المثقفين، ولا من المجتمعات فيما تميل إليه وما لا تميل إليه، بل يؤخذ من الكتاب والسنة.

3 ـ إن من يصفهم بأنهم من مثقفي الشيعة قد يكونون من الأحزاب العلمانية التي ترفض الدين كأطروحة صالحة لهذه

____________

(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 196.

(2) سورة المؤمنون، الآية 71.


الصفحة 345
الحياة، وتندفع نحو الأفكار الإلحادية والمادية، وتتبناها بقوة، وتحارب الدين والمتدينين بكل ما أوتيت من قوة وحول. وشهلا حائري التي يستشهد هو وغيره بكلامها ليست مستثناةً من هؤلاء..

4 ـ على أننا قد نجد في مثقفي أهل السنة وغيرهم من يعيب على المسلمين صلاتهم وحجهم، وكثيراً من ممارساتهم العبادية، فهل يحكمون بعدم كون تلك التشريعات من الإسلام؟!

مؤمن الطاق، والشاعر اللبناني:

وقد ذكرت: بعض المجلات المصرية قصة لها مساس بموضوع زواج المتعة، ولكنها أجملتها بصورة غير مألوفة، وهي كما يلي:

قال الشرباصي: وإني أذكر ليلة كنت جالساً فيها إلى المرحوم اللواء محمد صالح حرب وكان معنا كبار الفكر الإسلامي، ثم دخل علينا شاعر لبناني شيعي، ومعه ابنته المثقفة الأديبة، وتجاذبنا أطراف الحديث، حتى جاء ذكر زواج المتعة، فأخذ الشاعر اللبناني الشيعي يدافع عنه، لأن مذهبه يبيحه، فما كان من المفكر الإسلامي إلا أن نهض، ومد يده إلى الشاعر

الصفحة 346
قائلاً: «إني أطلب يد ابنتك هذه لأتزوجها زواج متعة، وحدد مدة قصيرة، فاحمر وجه الفتاة خجلاً، واشتد الغضب بأبيها وأخذ يحتد في مخاطبة المفكر الإسلامي، فما كان من اللواء صالح حرب إلا أن قال للشاعر في حدة: لا تغضب فأنت الذي فتحت على نفسك مجال النقد والهجوم، وما دمت لا ترضى لابنتك أن تتزوج زواج متعة، فكذلك كرام الناس لا يقبلون ذلك لأنفسهم ولا لبناتهم»(1).

ونقول:

إن الشاعر اللبناني الذي يتحدثون عنه هو الأديب الكبير محمد علي الحوماني رحمه الله..

وليست هذه هي القصة الوحيدة في التاريخ، فقد سبقتها قصة شبيهة لمؤمن الطاق مع أبي حنيفة. فقد روى ابن حبّان قال: «حدثنا عمرو بن محمد الأنصاري، حدثنا الغلابي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، قال:

____________

(1) يسألونك في الدين والحياة للشرباصي ج5 ص123 و124 وراجع: مجلة الهلال المصرية، العدد الصادر في 13/5/1397هـ.ق. أول مايو سنة 1977م.


الصفحة 347
قال أبو حنيفة لشيطان الطاق:

ما تقول في المتعة؟!.

قال: حلال.

قال: فيسرّك أن أمك تزوجت متعة؟!.

فسكت عنه ساعة، ثم قال:

يا أبا حنيفة، ما تقول في النبيذ؟!.

قال: حلال.

قال: وشربه، وبيعه، وشراؤه؟!.

قال: نعم.

قال: فيسرك أن أمك نبّاذة؟!.

فسكت عنه أبو حنيفة»(1).

وفي رواية: أن عبد الله بن عمير قال للإمام الباقر (عليه السلام): «يسرّك أن نساءك وبناتك، وأخواتك، وبنات عمك يفعلن؟!..

____________

(1) روضة العقلاء، ونزهة الفضلاء ص 213.


الصفحة 348
فأعرض أبو جعفر عنه وعن مقالته، حين ذكر نساءه، وبنات عمه»(1).

وقال الحصري:

«قد اختلطت بعديد من الرجال الشيعة بعضهم يمثل مركزاً دينياً مرموقاً وسطهم. والبعض وإن كان لا يعرف من مذهبه إلا أنه منتسب له، لكن والده من علماء هذا المذهب، أو من أسرة دينية إلى آخره. وبسؤالهم جميعاً هل هم متمتعون «أي عاقدو نكاح المتعة» كان الجواب لي دائماً: لا.

وكان سؤالي لهم دائماً: فلم الخلاف؟ ولم لا تكون وحدة القول واجتماع الكلمة بتحريم هذا العقد الذي هو أشبه ما يكون باستئجار المرأة للزنى بها ساعات وأيام؟

وكان جوابهم لي: غير مقنع، وكانت دعواتي دائماً أن يجمع الله شمل المسلمين وأن يزيل ما بينهم من خلاف»(2).

ونقول:

____________

(1) مستدرك الوسائل ج 7 ص 449 و 450 عن العياشي والوسائل ج 21 ص 6، والكافي ج 5 ص 449، والتهذيب ج 7 ص 250 و 251.

(2) الحصري: النكاح والقضايا المتعلقة ص 185.


الصفحة 349
1ـ بالنسبة لما قاله هذا الأخير، فإنه هو نفسه يعترف بأنه قد سأل بعض من لا يعرف من مذهبه إلا أنه منتسب له، وسأل أيضاً من يمثل مركزاً دينياً مرموقاً إن كانوا قد تمتعوا، فكان الجواب يأتيه دائماً بالنفي ـ بالنسبة لهذا نقول:

إنه لا يحتاج إلى جواب، فهو يدعي أن إجاباتهم كانت غير مقنعة، ولم يذكر لنا تلك الإجابات لننظر فيها.

2 ـ وأما تمنيه أن تجتمع الكلمة بتحريم هذا الزواج، فقد كنا نتمنى أن تكون أمنيته هي أن يبحث الموضوع بموضوعية وتجرد، ويأخذ بالحق مهما كان مخالفاً لهوى النفس، وللتعصبات المذهبية البغيضة..

3 ـ وأما بالنسبة لقضية الشاعر اللبناني، فإننا نقول:

نعم تلك هي قضية الشاعر اللبناني وابنته مع من وصفه الكاتب بـ «المفكر الإسلامي» وتلك هي قصة أبي حنيفة مع مؤمن الطاق، وعبد الله بن عمير مع أبي جعفر (عليه السلام)..

ولست أدري، هل كان يريد هذا الكاتب العبقري أن لا تخجل فتاة يطلب الزواج منها ـ حتى الدائم ـ وخصوصاً أمام

الصفحة 350
الملأ العام، وبهذه الطريقة العلنية، والوقحة، والمثيرة؟!.

وكذلك، هل يريد: أن لا يغضب والدها لتصرفٍ أرعنٍ جاهل كهذا التصرف، الذي لا تقرّه أعراف، ولا يحتمله رجل متزن يحترم نفسه؟!.

وهل يرى كاتبنا: أن ليس من حق أحد أن يغضب لو طلب منه رجل يد ابنته للزواج الدائم، لو قال له: زوجني ابنتك اليوم، ولسوف أطلقها غداً؟! فهل إذا غضب الأب وثارت ثائرته، ـ والحال هذه ـ يجب أن يحرّم الزواج الدائم، ويمنع منه؟ كما يجب أن يلغى الطلاق، ويستراح منه؟!

إن رضى الأب ليس هو المهم، بل المهم هو ثبوت التشريع الإلهي.

4 ـ وسواء أرضي الشاعر اللبناني أم غضب وسواء أثيرت عاطفته بأسلوب وقح، مسموم، أم لم تثر، فإن الإسلام قد شرّع هذا الزواج في أول الأمر باعتراف الجميع، فلماذا لم يمنع غضب الآباء آنئذٍ من تشريعه؟! أم يمكن أن لا يكونوا في تلك الفترة أهل حميّة وغيرة، أو أهل شرف وكرامة؟! والآن فقد وجدت الغيرة والحمية، وظهر الشرف، وتجلت الكرامة، ولا سيما لدى كاتبنا الفذ!! ومفكره الإسلامي الكبير!!.


الصفحة 351
5 ـ ولا بد لنا من أن نسأل أيضاً:

هل يستطيع كاتبنا الفذ، ومفكره الإسلامي الكبير: أن يمارس كل الحرف والصنائع، التي لا غنى للناس عنها؟!.

وهل يستطيع أن يخبرنا وهو الرجل المرموق إن كان يخجل من بيع الخبز، وطبخ الطعام، أو مسح الأحذية، أو جمع النفايات، وغير ذلك، أم لا يخجل؟!.

وهل يرى ذلك عيباً وشناراً على نفسه، أم لا؟!.

وإذا كان شرفه وكرامته يأبى له ذلك، وما دام لا يرتضي ذلك لنفسه، فلماذا يرتضيه لغيره إذن؟!.

6 ـ وهل عدم مناسبة ذلك لشخص تقتضي تحريمه على كل الناس؟!.

وإذا حرّم الإسلام كل عمل يراه الناس عيباً، ولا يناسب البعض ـ إذا حرمه ـ على جميع الأشخاص، فهل تقوم للحياة بعد هذا قائمة، أو يحلو فيها عيش؟!.

ولست أدري: فلعل الحكم الشرعي، يمكن نفيه بمثل هذه الأمور!! أو لعل الشارع المقدس، حيث شرّع هذا الزواج لم يستطع أن يدرك ما أدركه كاتبنا الفذ، «وعالمنا الإسلامي

الصفحة 352
الكبير»!!.

7 ـ وبعد.. فلماذا لا يلجأ كرام الناس، وأشرافهم، ومختلف فئاتهم إلى عقد المتعة ـ بشرط عدم المباشرة في فترة الخطوبة ـ، كحل أفضل للتحاشي عن الوقوع في محرمات كثيرة، في هذه الفترة بالذات، كالنظر، واللمس، وغير ذلك، مما هو موضع إبتلاء الخطيبين في هذه الفترة الحساسة؟!.

وبذلك يجد الخطيبان: الفرصة الحقيقية للتعرف جيداً على بعضهما البعض، بلا تكلّف، ولا تزيف، ولا قيود، ولا حدود.

8 ـ وإذا كنّا قد رأينا هذا الكاتب يختم كلامه بخطابيات تهدف إلى إثارة العواطف، وتنفير النفوس، وبعث الاشمئزاز والقرف من زواج كهذا، وممارسة هذا الأمر المشروع، فإننا نودّ أن نخبره وبكل اعتزاز وكبرياء ـ أن القارئ الكريم أذكى، وأوعى، من أن تؤثر فيه هذه البهرجات، والهملجات، وأن الحكم الشرعي لا يمكن نفيه، كما لا يمكن اثباته بهكذا أساليب.

ولسوف يجد: من القراء الواعين من يطرح عليه أكثر من سؤال، ويثير معه أكثر من مناقشة جدّية، وليست الأسئلة السالفة، وغيرها مما سيأتي من أسئلة، ومناقشات إلا بعضاً منها.


الصفحة 353
وليس الناس أغبياء إلى هذا الحد، الذي يتصوره ذلك الكاتب، ليستطيع أن يخدعهم بهذه الصورة الواضحة والفاضحة.

المزيد من اللعب على العواطف:

وقد حاول بعضهم: أن يستدل على حرمة زواج المتعة بأن المجوزين للمتعة لا يرضونها لبناتهم، وأخواتهم، وقريباتهم، بل لو عرفوا بحدوثها لهن تسود وجوههم، وتنتفخ أوداجهم. فلماذا يغضبون حين يطلب الواحد منهم أن يزوجه ابنته زواج متعة، فإن عالماً شيعياً كان يناقش في أمر المتعة بحماس، فلما ألقي عليه هذا الطلب قام من المجلس(1).

وقد أورد هذا المستدل رواية عن رسول الله مفادها:

أن فتى شاباً طلب من النبي (صلى الله عليه وآله) أن يأذن له بالزنا. فسأله النبي (صلى الله عليه وآله) إن كان يحبه لأمه، أو لأخته، أو لابنته، أو لعمته، أو لخالته.. فنفى الشاب ذلك. فدعا له

____________

(1) عن كتاب الحرية، لعبد المنعم النمر ص 136.


الصفحة 354
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن يغفر ذنبه، ويطهر قلبه، ويحصن فرجه، فلم يكن يعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء(1).

فلو كانت المتعة حلالاً لأذن له النبي (صلى الله عليه وآله) بها بدلاً من الزنا الذي طلبه الشاب(2).

ونقول:

إننا نشير هنا إلى الأمور التالية:

1 ـ إن التشريع إنما يلاحظ المصالح والمفاسد العامة.. ولا ينتظر رضى الناس وسخطهم، وقد قال تعالى: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن)(3).

2 ـ إن هناك أحكاماً كثيرة قد جاءت على خلاف ميل الناس، ولا يرضاها الناس لأنفسهم، مثل: عدم حلية المرأة المطلقة ثلاثاً لمن طلقها إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره. ومثل النكاح بملك اليمين، فإن الإنسان لو استطاع لم يمكن أحداً من أن

____________

(1) عن مسند أحمد بسند صحيح.

(2) راجع: تحريم المتعة ليوسف جابر المحمدي.

(3) سورة المؤمنون، الآية 71.


الصفحة 355
يملك أخته أو ابنته، ثم ينكحها بملك اليمين.

وكذلك الحال: في تجويز الطلاق قبل الدخول، ثم التزويج لرجل آخر من دون عدة. مع علم الأب والأخ بممارستها مع زوجيها الأول والثاني كل شيء سوى الدخول..

فإذا تكرر طلاقها وتزويجها قبل الدخول في يوم واحد عشر مرات.. ومارست مع الجميع كل شيء سوى الدخول، فإن ذلك حلال لها. وإن غضب الأخ والأب والابن. ورآه عاراً وشناراً وانتفخت أوداجهم، واسودت وجوههم، على حد تعبير هذا المعترض.

3 ـ إن لكل شيء آداباً ولياقات تحسن مراعاتها. ولا يصح استخدام أساليب التنفير والإثارة، حتى ولو كانت تعبيراً عن الواقع في حد نفسها. وإلا لجاز لمن يريد الزواج بامرأة أن يأتي إلى أبيها فيقول له: هل ترضى بأن تزوجني ابنتك لكي أدخل ذكري في فرجها، وأصب فيها سائلاً منوياً يتلاقى مع بويضتها لكي تحمل ولداً تلده من فرجها؟!

أو هل يصح: أن يخبر الرجل أبا زوجته بأن ابنته قد ولدت من فرجها ولداً، بمساعدة امرأة نظرت إلى ذلك الموضع،

الصفحة 356
وهي في تلك الحالة؟!

إننا نعتذر من القارىء الكريم: عن هذا الكلام غير اللآئق، فإن هؤلاء يريدون أن تصل الأمور إلى هذا الحد من الإسفاف في القول والإسراف في الوقاحة..

4 ـ على أن هناك الكثير من الأمور المباحة التي تناسب فريقاً من الناس، فيمارسونها برضى وارتياح، ولا تناسب فريقاً آخر، بل ينزعجون منها، ويرون أنها تحط من شأنهم..

وإلا فهل يليق بالملك أن يشتغل إسكافياً، أو كناساً، أو حائكاً، أو راعياً، أو عاملاً في مزارع البقر؟ أو ما إلى ذلك؟! رغم أن هذه الحرف مباحة ومطلوبة من كثير من الناس.

5 ـ إن الذي أقام ذلك العالم من مجلس المناظرة هو ما لمسه من سوء أدب، ومن إسفاف في الاستدلال، وممارسة أساليب التهريج والاثارة العاطفية، بدلاً من الأسلوب العلمي، الذي يعتمد قول الله ورسوله (صلوات الله عليه) في إيراد الحجج على الأحكام الشرعية.

6 ـ أما بالنسبة للفتى الشاب، فإن الرسول الكريم قد أراد تعريف ذلك الشاب مدى قبح رذيلة الزنا.. حتى لا يستهين

الصفحة 357
بالأمر، ويقع في المحذور الكبير.. وإلا فمن الذي قال: إن ذلك الشاب كان يعاني من مشكلة جنسية أساساً؟!

7 ـ لو دل هذا الحديث مع الشاب على حرمة زواج المتعة لدل على حرمة الزواج الدائم أيضاً، إذ إنه(صلى الله عليه وآله) لم يرشده إليه، كما لم يرشده إلى زواج المتعة.

المتعة تحل مشكلة الشاب فقط:

ويقول البعض: إن زواج المتعة إنما يحل مشكلة الشاب، إذ لا دخول في العذراء.

ونقول:

أولاً:

أن الاستمتاع لا ينحصر بالدخول، فيمكن للفتاة أن تحصل على اللذة من خلال معاشرة الرجل، ولو من دون الدخول.

ثانياً:

ليس من شروط زواج المتعة عدم الدخول بالعذراء، فيمكن ذلك، والأمر يرجع في ذلك إليها، ويمكنها أن تأذن بذلك.


الصفحة 358

ثالثاً:

هل أمر هذا الزواج منحصر بالتمتع من العذراء.

رابعاً:

إن هذا الزواج قد شرعه الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) في صدر الإسلام، فلا بد أن يطالب الرسول (صلى الله عليه وآله) بحل مشكلة الفتاة العذراء أيضاً، فكيف لم يراع النبي (صلى الله عليه وآله) هذا الأمر.

خامساً:

إن زواج المتعة لا يجب فيه تحصيل متعة جنسية، لا كاملة، ولا ناقصة.. فقد يكون له أغراض أخرى تفرضها حاجات الناس في حياتهم العملية.

سرّية هذا الزواج:

ويأخذ البعض على هذا الزواج: أنه يتم في الأكثر بصورة سرية، وذلك يعني: أنه ستنشأ عن ممارسته مشكلات فيما يرتبط بالأولاد..

وهذه السرية تجعل هذا الزواج من قسم الزنا، لأن الزواج فيه إعلان ولا سرية فيه.

هذا بالإضافة إلى إنتفاء الإشهاد في المنقطع..


الصفحة 359

ونقول:

أما بالنسبة لموضوع الإشهاد: في المنقطع والدائم فقد تحدثنا عن ذلك في موضع آخر.

وأما السرية، فإننا نقول:

أولاً:

ليس عنصر السرية من شروط هذا الزواج، وإنما هو تابع لاختيار من يمارسه، وهو أمر خارج عن حقيقته، وأحكامه..

ثانياً:

لنفرض أن السرية قد توفرت في النكاح الدائم مع توفر جمع شرائط الصحة المعتبرة فيه، فهل يحكم ببطلان الدائم أيضاً.

ثالثاً:

إن عنوان الزنا إنما يتحقق في صورة الإقدام على عمل جنسي، غير مشروع، عن سابق معرفة وتصميم..

وهذا الأمر غير متحقق في الزواج المنقطع، لأن المفروض أنه مشروع وجامع لشرائط الصحة.. وهو لا يتوقف على ممارسة الجنس فيه..

رابعاً:

لنفرض أن المتعاقدين قد أعلنا زواجهما المنقطع وأشهدا عليه، فهل يصبح مشروعاً والحالة هذه، وهل يقبل به

الصفحة 360
المعترضون عليه بهذا الاعتراض؟!.

خامساً:

إن ما يدعى من سلبيات تنشأ من إصرار المتعاقدين على السرية يمكن أن يعالجها الحاكم بإجراءات تضبط هذه الحالات، وتمنع من نشوء تلك السلبيات وتحفظ هذا التشريع في تطبيقاته العملية، كما تعالج حالات سوء تطبيق الزواج الدائم.

الضغط الجنسي بسبب الحروب:

ومن الطريف هنا ما ذكره البعض: من أن سبب تشريع زواج المتعة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الضغط الجنسي الذي كان يعاني منه المقاتلون بسبب الحروب، فرخصهم (صلى الله عليه وآله) بالمتعة لبعدهم عن زوجاتهم.

ونقول:

أولاً:

لو قامت الآن حروب ـ كتلك التي كانت في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) فهل يراها هذا القائل حلالاً في هذا الزمان أيضاً في حال الحرب على الأقل؟.


الصفحة 361

ثانياً:

إذا أحلت للرجال المحاربين فما بالها حلّت للنساء اللواتي يريد هؤلاء المحاربون التمتع بهنّ والعقد عليهنّ..

ثالثاً:

إن هذه الهجمة الإعلامية الشرسة تجعل الضغط الجنسي يتضاعف بصورة لا يضاهيها أي ضغط جنسي واجهه المسلمون في صدر الإسلام أيام الحروب، وغيرها، فهل يفتي هذا القائل بحليتها لمواجهة هذا الضغط الجنسي الهائل..

رابعاً:

قد كان يمكن حل مشكلة الضغط الجنسي آنئذٍ بالزواج الدائم ثم الطلاق بعده.

خامساً:

لماذا ينظر إلى الزواج المؤقت هذه النظرة المحدودة؟! ولماذا لا يكون من أهدافه حل مشكلات أخرى غير مشكلة الجنس؟! فهل كان يحرم الزواج المؤقت في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) لمن لم يكن لديه رغبة جنسية، بل كان يرغب في حياة انس وسكينة، مع شريكة تعينه على بعض مصاعب الحياة والعيش، كذلك المسافر الذي كان يحتاج إلى من تحفظ له متاعه، وتساعده في بقية شؤونه في بلد غربته، كما ورد في بعض الروايات في فصل النصوص والآثار.


الصفحة 362

سادساً:

إذا كان (صلى الله عليه وآله) قد حل مشكلة الرجل الذي يعاني من الضغط، فإن المرأة التي ذهب زوجها إلى الحرب أيضاً قد تواجه الضغط الجنسي، فلماذا تجاهل مشكلتها..

الحل هو الزواج الدائم:

إن هذا القائل بالذات: حين سئل عن سبل حل مشكلة الشباب اليوم، أجاب بلزوم الصيام، والابتعاد عما هو مثير، ثم توفير الظروف المعيشية التي تمكن الشاب من الزواج الدائم.

ونقول:

أولاً:

لا ندري لماذا لم يلتجئ النبي (صلى الله عليه وآله) إلى هذا الحل، بل تركه، وأباح للناس زواج المتعة الذي لا زلنا نختلف حوله إلى هذه الأيام.

فكان عليه (صلى الله عليه وآله) أن يأمر الشباب الهائج جنسياً بالصيام، والابتعاد عن المثير له، وتهيئة الظروف للزواج الدائم.

وهل يمكن مقايسة ما يواجهه الشباب من إغراء في زمن

الصفحة 363
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما يواجهونه في هذه الأيام؟.

ثانياً:

إذا لم يمكن القيام بهذه الأمور لعذر شرعي مقبول كإصابة الشاب بمرض يمنعه من الصيام، ولكونه مكرهاً على العيش في محيط يواجه فيه ما يثيره جنسياً، ولا تتوفر له القدرة على توفير الزواج الدائم فهل يسمح له هذا القائل بزواج المتعة، ويراه حلالاً له..

عدم تحديد العدد هدر لحقوق المرأة:

وقد سجل البعض: إدانة للزواج المؤقت «المتعة» استناداً إلى أن بإمكان الرجل أن يتزوج أي عدد شاء من النساء فيه، وفي هذا هدر لحقوق المرأة.

ونقول:

1 ـ إذا كان الشارع قد قرر للزوجين حقوقاً يطالب كل منهما الآخر بها، فإذا أداها إليه، لم يكن له عليه سبيل في سائر الأمور التي تعنيه هو دونه، فإذا قام الزوج في الدائم وفي المنقطع بواجباته تجاه زوجته، فقد قضى حقها، وليس لها أن تطالبه بما لا حق لها فيه..


الصفحة 364
وكذلك الحال: لو قضت هي حقوقه، فلا يحق له أن يطالبها بما لم يجعله الشارع له. وفي هذا الحال ليس ثمة من حقوق للمرأة لكي يقال: إنها هُدرت أم لم تُهدر. بل الشارع قد جعل للرجل الحق في تزوج أكثر من امرأة، فإذا حرم من هذا الحق، فإن في ذلك هدراً لحقوقه.

2 ـ ولا ندري لماذا لا يكون في الجمع بين أربع نساء في الدائم هدر لحقوق المرأة، ويكون ذلك هدراً لحقوقها حتى لو جمع بين واحدة في الدائم وواحدة في المنقطع، أو بين اثنتين في المنقطع فقط، أو في الدائم فقط..

3 ـ وهل كان في تشريع هذا الزواج في صدر الإسلام هدر لحق المرأة؟!.

4 ـ ولماذا لا يرضى هؤلاء بصحة الزواج في المنقطع بأربع نساء كما يرضون به في الدائم..

5 ـ على أن هذا التعدد الكبير الذي يخشى منه ليس هو محل ابتلاء مفروضاً، ولا لازم التنفيذ على الرجال..

6 ـ وأخيراً.. ماذا لو أن رجلاً أشغل نفسه بالعقد الدائم على أربع نساء ثم الطلاق لهن، والاستعاضة عنهنّ بغيرهنّ، ثم

الصفحة 365
يطلق الأربعة الأخرى ليستعيض عنهن بغيرهن.. وهكذا إلى أن يصل العدد إلى العشرات بل المئات؟!.

المتعة تعني فقد الحافز للزواج الدائم:

ويقولون: إن الله (عز وجل)جعل غريزة الجنس لتكون حافزاً لزواج يبقى به النوع ويعمر به الكون، وفتح باب المتعة يبطل هذا الحافز، ويحول دونه، حيث ينصرف الكثيرون عن الزواج الدائم حتى لا يتحملوا تبعاته، وتكاليفه..

ونقول:

إن السكن، والطمأنينة، واستقرار الحياة، وطلب سهولة العيش، وحب بقاء النوع بالتناسل مما تميل إليه الطباع، وتحفز إليه فطرة الإنسان، غير أنه قد تحول عوائق دون تحقيق ذلك، وتعترضه موانع تمنع من النكاح الدائم، فيلجأ إلى المتعة لقضاء الحاجة الجنسية، وتحصين النفس عن المآثم.

وقد يطلب الولد والسكن في نفس زواج المتعة هذا أيضاً..

إذن فلا يصح القول: إن فتح باب المتعة، يبطل الحافز للدائم، ويحول دونه..


الصفحة 366
وهل بطل الزواج الدائم في البلدان التي ترى مشروعية نكاح المتعة.

و أيضاً: فإن الطلاق مباح عند السنة والشيعة، لكن المسلمين جميعاً حريصون على عدم استخدام هذه الرخصة للاتجاه إلى عقود زواج أخرى..

لو كان هذا الزواج غربياً:

وبعد ما قدّمناه، نقول: إن ذنب هذا التشريع، الذي هو ـ بلا ريب ـ من مفاخر الإسلام، ومن أدلة عظمته، وشموليته، وأصالته ـ إن ذنبه الوحيد الذي لا يغفره له كثيرون ـ: أنه من جهة: شيعي علوي، يواجه عقدة الانتماء، وعصبية المواجهة المذهبية، ومن جهة أخرى: هو شرقي، وديني، ولذا فهو لا يجد العطف الكافي، والمحبة المطلوبة حتى من كثير من أهله وذويه.. وإنما يقابل بإستمرار بالازدراء، والاحتقار لأنه شرقي، ولأنه إسلامي المولد والمنشأ..

ولو أننا استوردناه من غير هذه الأرض، ولا سيما من أوروبا لكان للكثير من هؤلاء الرافضين له موقف آخر، ومن نوع

الصفحة 367
آخر، ولألفينا المؤتمرات تعقد والمهرجانات تقام هنا وهناك، بهدف التأكيد على أهميته، وصحته، وسلامته، أو للتدليل على أنه الحل الأمثل، والأفضل، والوحيد، الذي بإستطاعته أن ينجي البشرية كلها من الوقوع فريسة الانحراف والفساد.

ولربما تجد: دعوة برتراند راسل، ونظرائه ممن تبنّوا الدعوة للزواج المؤقت كحل أفضل لمشكلة الجنس ـ لربما تجد ـ آذاناً صاغية، وقلوباً مفتوحة، وعقولاً متفهمة، لا لشيء إلا لأنها صدرت من رجل غربي، وغير مسلم، حتى وإن كان يمكن أن يكون قد استوحاها من التشريع الإسلامي بالذات ـ ولربما يقبل الناس على هذا الزواج المؤقت استجابة لرأي هؤلاء حتى نضطر في وقت ما إلى القيام بحملة إعلامية واسعة بهدف الدفاع عن الزواج الدائم، والدعوة إليه، وتأكيد صحته وسلامته(1).

الزواج المؤقت صيغة تشريعية متكاملة:

وغني عن البيان: أن الزواج المؤقت يمثل صيغة تشريعية

____________

(1) راجع كتاب: حقوق زن در إسلام ص 32.


الصفحة 368
متكاملة، يمليها واقع الحياة الإنسانية، ويتناغم معها، من حيث إنه يستجيب لواقع ضرورة إشباع الغريزة الجنسية، ويوفر متنفساً قادراً على أن يفتح أكثر من نافذة تهيء فرصاً للتغلب على كثير من المشكلات التي تنشأ من ضغوطات الظروف الحياتية، وهو يمتاز بالمرونة والانعطاف، من خلال نظامه الحقوقي الذي يناسبه، حسبما أظهرته القائمة التي قدمناها، حيث تبين منها حقيقة وجود فوارق مع النظام الحقوقي للزواج الدائم، أو ملك اليمين..

ولأجل ذلك: نجد التشريع الإسلامي لم يلزم الرجل بالنفقة، ولا بالليلة، كما أنه لم يشرع التوارث بين الزوجين إلى غير ذلك مما ذكرناه من فوارق في النظام الحقوقي لهذا التشريع مع ما سواه من التشريعات التي تنظم العلاقة القائمة على التعاقد بين الجنسين في هذه الحياة..

الاحتياط في أمر الأعراض:

وفي الختام نقول: إنه إذا كان البعض يجد حرجاً في الفتوى بتحليل الزواج المؤقت، لأن الأمر يتعلق بالأعراض التي نعلم أن الشارع يتخذ فيها سبيل الاحتياط.. فإننا بدورنا نؤكد

الصفحة 369
على ضرورة الالتزام بهذا الاحتياط ولكن لا في مورد زواج المتعة، لأن الاحتياط فيه يكون خلاف الاحتياط، لأنه إذا كان الله سبحانه قد شرعه لمنع الفساد، والعهار، والزنا ـ كما أشار إليه علي (عليه السلام) حين قال: «لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنا إلا شقي» أو: «.. إلا شفا»(1).

وقال ابن عباس: «ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد (صلى الله عليه وآله) ولولا نهيه عنها ما زنا إلا شفا»(2) ـ نعم إذا كان الأمر كذلك ـ.

فإن الاحتياط المؤدي إلى الفتوى بالتحريم هنا، مع كون الإباحة هي حكم الله الواقعي ـ فيه:

1 ـ اتهام للإسلام بأنه قد شرع أمراً يخالف الاحتياط الموجب لحفظ الأعراض.

2 ـ فيه تسهيل لشيوع الفاحشة، حيث إن نتيجة ذلك هي شيوع الزنا كما هو معلوم.

____________

(1) تقدمت مصادر هذا النص في فصل: النصوص والآثار.

(2) تقدمت مصادر هذا الحديث في فصل: النصوص والآثار.


الصفحة 370
وعلينا أن لا نغفل عن قول ابن عباس: إن المتعة كانت رحمة لأمة محمد، أي، وليس لخصوص الصحابة الذين مارسوها في عهده (صلى الله عليه وآله).

وقبل أن نودع القارئ الكريم: على أمل اللقاء به في فرصة أخرى، نعود لنذكره بأن من البديهي: أن وجود مخالفات شاذة، وسوء استعمال وخطأ في تطبيق التشريع من قبل الناس، لا يوجب إلغاء التشريع من أساسه، كما أنه لا يوجب التحريم المؤبد لزواج المتعة، لأن أمثال هذه المخالفات لا يخلو منها قانون، ولا يسلم منها حكم من الأحكام، وإلا لوجب أن نرفع اليد عن تشريع كثير من الأحكام الهامة، والرئيسية حتى الصلاة، والصوم، والطلاق، وتعدد الزوجات، بل وسائر الأحكام، لمجرد أن البعض يحاول أن يسيء الاستفادة منها، واستخدامها لخداع الناس مثلاً لتحقيق أهداف شخصية..

وهذا مما لا يمكن المصير إليه ولا المساعدة عليه، أو الالتزام به من أي مقنن، أو مشرع على الإطلاق.

كثرة الزنا:

قد تقدم: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد قال: إنه لولا تحريم

الصفحة 371
عمر للمتعة ما زنا إلا شقي ـ أو إلا شقى ـ وإذا شاع الزنا في الناس فتلك هي الكارثة في الدنيا والآخرة، إذ لا شك في أن للطاعات والمعاصي تأثيراتها في حياة الناس، بل حتى في النبات والشجر، وفي الهواء والماء وما إلى ذلك.

ولعل في قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس). إشارة إلى ذلك.

وقد ورد في الحديث الشريف: «إذا كثر الزنا كثر موت الفجأة».

وقد ذكرت رويترز: أنه قد صدرت في لندن 9 تشرين الثاني عام 2001 إحصائية حكومية تقول:

إن الأطفال الذين هم خارج علاقة الزواج في إنكلترا وويلز أكثر عرضة للوفاة قبل بلوغ العام الأول عن عن المواليد الذين يولدون على فراش الزوجية. وقال مكتب الإحصاءات القومية: إن معدل وفيات الأطفال الرضع الذين يولدون عن طريق الزنا.. كان أعلى بنسبة 45% بالمئة عن المواليد الذين يولدون لأبوين متزوجين. إذن فالكلمات التي تنشيء عقد الزوجية تأثيرها حتى في الموت وفي الحياة.. وحتى لو كانت طريقة العقد ليست هي الطريقة المقبولة شرعاً.. فهل من مذّكر ومعتبر؟!..


الصفحة 372

الصفحة 373

كلمة أخيرة:

تلك هي مسألة المتعة، التي شرعها الله سبحانه وتعالى، لحل مشكلة الجنس وارجو أن أكون قد وفقت لإعطاء صورة واضحة عن حقيقة هذا التشريع، وعن كل ظروفه وتفاصيله، وما قيل ويقال حوله..

وأعتقد أن القارئ الكريم، بعد هذه الجولة، سوف يكون مقتنعاً معي بأن هذا التشريع هو في صميم الإسلام، ومن مفاخره، كما أنه من آيات شموله، وعظمته، وفهمه العميق لكل مشاكل الإنسان وحالاته وآلامه، وحاجاته.

وما أظن إلا أننا الآن أحوج من أي وقت مضى إلى العودة إلى تعاليم الإسلام وتشريعاته العظيمة، والرائدة، ولعل شبابنا اليوم أصبح يتفهم بعمق كل ما هو حيوي، وأصيل، ورضي،

الصفحة 374
وجميل، وأصبح أكثر إحساساً بقيمة هذا التشريع من بعض أولئك الذين عاشوا في صدر الإسلام.. بسبب ما يواجهه من تعقيدات الحضارة ومشاكلها الكبيرة، والكثيرة، والخطيرة.

وفقنا الله لفهم هذا الدين القيم الحنيف، ووعي تشريعاته، وأحكامه، بعيداً عن مزالق الجهل، والتعصب الأعمى، الذي طغى، ولا يزال على رأي وفكر، وعقول الكثيرين ممن كانوا ولا يزالون يعيشون هذه الدوامة القاتلة، ولا ينظرون إلى الإسلام بروح صافية، وعقلية مستقيمة..

والله هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.


21 رجب 1408 هـ. ق الموافق 20 ـ 12 ـ 1366 هـ. ش
جعفر مرتضى العاملي