قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: {فَاسْأَلُوا أَهلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، فهذا هو طريق الحصول على المعرفة في شأنِ ما لا سبيل إلى تحصيله ذاتيَّاً منها، حيث قد يتوجَّب الرجوع إلى أهل الاختصاص لأنهم يملكون الإحاطةَ بالأشياء بكلِّ دقة، ويستطيعون توضيحَ كثير من خفاياها ومشاكلها.
لهذا كان من الضروري للذين يؤمنون بالنبوة من حيث المبدأ وبالأنبياء في التاريخ الذي سبقهم، ويُثيرون الشكَّ في نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) لأنه لم يقم بما اقترحوه عليه من معجزات، ولأنه ليس مَلَكَاً من الملائكة، أن يسألوا أهلَ الذكر ممَن اختصوا بالعلم في الكتب السماوية، وعرفوا تاريخ الأديان وتاريخ الرسل، ليُعلِّموهم ما لم يعلموا من خصائص الرسول الذاتية، ليعرفوا أنَّ محمداً (صلى الله عليه وآله) لم يكن بدعاً من الرسل، فلماذا يطلبون منه ما لم يكن في غيره، إذا كانت طبيعة الرسالة لا تفرض ذلك، ولم يكن الرسل السابقون قد فعلوا ذلك؟(1).
وقال أيضاً في تفسير الآية وهي نفسها وقد وردت في سورة الأنبياء: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} من العلماء بالكتاب الذي أُنزل على النبيين، ممَن تعتمدون عليهم، في علمهم واطلاعهم ومعرفتهم بالرسالات، فذلك هو سبيل العلم بما يجهله الناس، وذلك بالرجوع إلى أهل الخبرة في ما يختلفون فيه ليكون الحَكَمَ الذي يحسم الخلاف(2).
أقول: العجيب أنه يُصرِّح بأنَّ الله تعالى يطلب من الجاحدين بالنبوة الرجوع إلى علماء الكتب السابقة، وهذا يعني أنه مصرِّحٌ بأنَّ أهلَ الذكر هم أهل التوارة والأنجيل، وظاهر كلامه أنه لا ينفي شمول أهل الذكر لآل محمد (عليهم السلام).
فالمشكلة مع السيد محمد حسين، أنه يرى بأنَّ أهلَ الذكر غيرُ مختصِّين بآل محمد (عليهم السلام)، مع أنه يُوجد عشرات الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام)، فيها تصريحٌ واضحٌ بأنهم (عليهم السلام) هم وحدهم أهلُ الذكر، بل سيأتي عن الأئمة (عليهم السلام) ما ينفي صريحاً كون أهل الذكر يشمل علماء أهل الكتب السابقة، فانتظر.
وعلى أيٍّ، إنَّ الآيةَ الكريمة تتحدَّثُ عن جماعةٍ يُفيِد قولُهم العلمَ واليقينَ، وهذا لا يُمكنْ أن ينطبق على مطلَق مَن ذَكَرَهم هذا المعاصر، فإنَّ أحداً من الناس لا يُفيد قولُهُ العلمَ ـ بغضِّ النظر عن وجود قرائن ـ إلا المعصوم (عليه السلام).
ثم إنَّ الآيةَ وإن وردت في سياقٍ معيَّن، غير أنه من المعلوم أنها لا يُمكن أن تكون مختصَّةً بالجانب الذي وردت فيه، بل هي عامةٌ، ولها من الشمول والسعة ما يمنعها عن الاختصاص بموردها.
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} معناه، إرجعوا إلى أهل الذكر في كلِّ ما تجهلون به.
ولكن هل يُمكن أن تكون الآيةُ في مقام أَمْرِ المريض بالرجوع إلى الطبيب المختصِّ ليُرشِدَه إلى ما يجبُ فعلُهُ أو ما يجبُ تركُهُ، أو في مقام أَمْرِ المزارع بالرجوع إلى أهل الاختصاص في الزراعة، وأَمْرِ الصناعي بالرجوع إلى أهل الاختصاص في الصناعة، وأَمْرِ الجاهل بشيءٍ ما في الرجوع إلى أهل العلم والمعرفة به؟
هذا ما لا يُمكن قبولُهُ، فإنَّ أحداً ممَن يجهلُ بأمرٍ يتعلَّقُ بالزراعة لن يذهب إلى مَن كان مختصَّاً بالأمور العسكريَّة، وإنَّ أحداً من المصابين بداء الصُداع لن يذهب إلى أستاذِ العلوم السياسية ليُعالِجَه، ذلك أنَّ الرجوعَ إلى أهلِّ الخبرة في كلِّ مجالٍ، أمرٌ قد فرغ العقلاءُ عن الجريان عليه، بل لم يقع يوماً موضعَ نقاشٍ أو بحثٍ.
والجاهلُ بالشيء أبداً، يسألُ أهلَ الخبرة به بعد معرفتِهِ واطلاعِهِ على مَن هو من أهل الخبرة في هذا المجال أو ذاك، فهو لا يحتاج إلى أن نأَمرَه أو أن نُرشِدَه إلى الذهاب إلى فلان العالِم، وإنما يحتاج إلى الاقتناع أولاً بأنَّ فلاناً عالِمٌ ومن أهل الخبرة.
والمعاندُ أو الجاحدُ المنكِرُ لا يترتَّبُ على أَمْرِنا إياه بالرجوع إلى أهل الخبرة فيما يجهل به أيةُّ ثمرة، والجاهلُ الذي يطلب العلمَ والمعرفةَ لن يحصل عليها، ما دام لم يتحدَّد لديه شخصُ العالِم، أي مَن هو العالِم. أما في الأمور المعاشيَّة، فإنَّ باستطاعة السُذَّج والبسطاء من الناس أن يتعرَّفوا على صاحب الخبرة في هذا المجال أو ذاك، ولكن فيما يتعلَّق بأمور الدين والشريعة والمعارف الإلهيَّة، فالناسُ جميعاً أحوج ما يكونون إلى معرفة مَن هو الذي يجبُ الرجوعُ إليه، وإلى معرفة مَن يملك الحقَّ ويعرف الباطلَ بجميع شؤونه.
ثم إنَّ الآيةَ لم تتحدث عن الرجوع إلى أهل الذكر في شأنٍ خاصٍّ، بل دلت على لزوم الرجوع إليهم في كلِّ ما هو مجهولٌ، ولا نعرف أحداً يملك العلمَ بكلِّ ما يُسألُ عنه، إلا أهل البيت (عليهم السلام).
لم تتحدث الآية عن الرجوع إلى أهل الذكر والذين يملكون العلمَ بكلِّ شيء في وقتٍ خاصٍّ، وهذا يعني أنَّ أهلَ الذكر موجودون أبداً، لا يخلو من واحد منهم زمنٌ.
ومن المُلفت للنظر، أنَّ الآيةَ لم تتعرَّض إلى أنَّ المطلوبَ من أهل الذكر إقامةُ البيِّنة على ما يُجيبون به، وهذا يعني أنَّ المتعيِّنَ على الناس هو السؤالُ منهم أولاً، والالتزامُ بالجواب ثانياً فحسب.
نعم حيث لا يُحتملُ أن يكون هذا كافياً في حقِّ المنكِر الجاحِد، فكان لا محالةَ يتطلَّب الأمرُ معه إلى إقامة البيِّنة على كلِّ ما يَسألُ عنه، فأيُّ شخصٍ من أهل اختصاص عند هذا المفسِّر المعاصر يملك البيِّنةَ على جميع ما يُسألُ عنه؟
ونحن لا ننكر بأنَّ حاصلَ مفادِ الآية: اسألوا أهلَ الذكر إن لم تكونوا عالمين بالبيِّنة، ولكن لا تُفيد أنَّ وجوبَ السؤال يترتَّب عليه وجوبُ إقامة البينة، بل لأهل الذكر شأنُ إقامتها.
على أنَّ المطلوبَ إن كان هو إقامةُ البيِّنةِ وحصولُها، فتعيينُ أهلِ الذكر بكونهم من غير المسلمين ـ كما ذهب إليه بعضُ النواصب من أَتباع غاصبي الخلافة، بدعوي أنَّ المخالِفَ لا يرجع في إثباته بعد إنكاره إليه، أي أنَّ غير المؤمن بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) لا يُطلب منه أن يرجع إلى القرآنِ وأهلِ القرآن وهو منكِرٌ أصل النبوة، وبالتالي فلا يرجع منكِرُ النبوة إلى ما يتوقَّف ثبوتُهُ على النبوة (3)ـ بلا مُوجِبٍ، لأنَّ المطلوبَ هو البيِّنةُ، والتي لا يَفْرقُ الحالُ فيها بين أن يُقِيمها مُسلِمٌ هنا أو كتابيٌّ من أهل الملل السابقة هناك، وإن كنا نجزم نحن أبناء الفرقة الناجية، باختصاص آل محمد (عليهم السلام) بذلك، أي أنَّ إقامة البيِّنة في كلِّ زمنٍ وفي كلِّ شيءٍ من مُختصَّاتهم (عليهم السلام)، وارجع إلى التاريخ والسيرة، والشواهد كثيرة.
وبالجملة فالآية تتحدث عن قومٍ يملكون العلمَ بجميع ما يُسألون عنه، تتحدث عن قومٍ بمقدورهم أن يُقِيموا البيِّنةَ والحُجَّةَ على كلِّ معانِدٍ مكابِر، تتحدث عن قومٍ يُفيد قولُهم العلمَ، ويرفعُ قولُهم الجهلَ.
وقد قرأنا في كتاب الله تعالى {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}، وقرأنا في كتاب ربنا جلَّ وعلا {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى}(4)، وقرأنا أيضاً {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(5)، فعلمنا أنَّ المقصودَ من الذكر هو القرآن.
وعليه أَفلا يكونُ أهلُ الذكرِ هم أهلُ القرآن؟ وأهلُ القرآن بإجماع المسلمين هم آلُ محمد (عليهم السلام).
وعن القرطبي في تفسيره عن ابن عباس، وعن الطبري والقرطبي أيضاً وابن كثير في تفاسيرهم، عن عبد الرحمن بن زيد أنَّ أهل الذكر هم أهل القرآن، وعن ابن كثير في تفسيره قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): نحن أهلُ الذكر(6).
أقول: وجميع هؤلاء من أئمة أبناء السُّنة.
نعم لا يُراد من أهل القرآن أهلُهُ مطلقاً، فإنَّ الاختلافَ بين أهل القرآن في التفسير والتأويل غيرُ منحصِر، فضلاً عن أنَّ كثيراً منهم لا يملكون العلمَ بكثير من الأمور التي يُمكن أن يُسألوا عنها.
ولو قلنا بأنَّ المقصود من أهل القرآن كلَّ ذي خبرة في القرآن، إلا أنه وبعد الاتفاق على أنَّ أهلَ البيت (عليهم السلام) هم أعلمُ أهل القرآن بالقرآن، فلا محالةَ يكون المقصودُ من أهل القرآن خصوصَ أهل البيت (عليهم السلام) على جميع التقادير.
إذ مع اتفاقِ أهلِ القرآن على معنى من المعاني، فأهلُ البيت داخلون في جملة أهل الذكر، ومع اختلافهم وبعد اليقين بكونِ أهلِ البيت (عليهم السلام) هم الأعلم، فيتعيَّنُ الرجوعُ إليهم، فيكونون المقصودين من أهل الذكر.
وإن شئت قلت: إنَّ أهلَ البيت إن كانوا وحدهم أهل الذكر ـ كما يعتقد الشيعة ـ فهو، وإن كان غيرهم أيضاً يُشاركهم في هذا الوصف، فمع الاختلافِ ووجوبِ الرجوع إلى أهل البيت (عليهم السلام)، فلا يترتَّبُ على كون غيرهم مُشارِكاً لهم في الوصف بأنه من أهل الذكر، أيةُ ثمرة.
وصاحب كتاب من وحي القرآن، إما أن يلتزم بوجوب الرجوع إلى أهل البيت (عليهم السلام) على كلِّ تقدير، أي حتى مع مخالفة غيرهم لهم (عليهم السلام)، أو يلتزم بوجوب الرجوع إلى غيرهم، أو بوجوب الاحتياط.
والاحتمالان الأخيران، مُبرهَنٌ على بطلانهما في مذهب الشيعة الإماميَّة، فيتعيَّنُ الاحتمالُ الأولُ، ومعه فلا معنى لتعميم أهل الذكر لما يشملُ أهلَ الخبرة في القرآن، كما فعل هذا المفسِّرُ المعاصر.
اللهم إلا إذا كان له رأيٌّ خاصٌّ يخالِفُ فيه مذهبَ أبناء الفرقة الناجية، وقد برهَنَ محققوا الطائفة المرحومة، أنَّ كلَّ مَن يخالِفُنا في الرأيِّ، لهو من أهل الضلال.
على أننا وحيث قرأنا أيضاً في كتاب الله تعالى {قَدْ أنزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ} (7)، فارتفع النزاعُ ـ ولا نزاع بيننا نحن الإماميين ـ في مَن هم أهل الذكر، إذ يتعيَّنُ أن يكونوا آلَ محمد (عليهم السلام) على كلِّ تقدير، سواء أُريد من الذكر خصوصُ القرآن الكريم، أم نفسُ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).
وسواء ورد في الأخبار الخاصة تحديدُ أهل الذكر وأنهم هم آل محمد (عليهم السلام) أم لم يرد، إلا أنه ألا يكفيه لهذا المفسِّر المعاصر، أن يتأمَّلَ شيئاً قليلاً في مفاد الآية.
واللهِ لقد رأينا كثيراً من أعلامِ أَتباع غاصبي الخلافة، ينقلون أقوالاً للباقر (عليه السلام) هنا وللصادق (عليه السلام) هناك وفي عشرات الموارد ـ وقد مرَّ في هذا الكتاب الشيء الكثير ـ فكيف لا نري لصاحب من وحي القرآن ذلك؟!!
هذا وقد أخرج الكليني في الكافي بإسناده عن أبي بكر الحضرمي قال: كنتُ عند أبي جعفر (عليه السلام) ودخل عليه الورد أخو الكميت فقال: قول الله تبارك وتعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} مَن هم؟ قال: نحن قال: قلتُ: علينا أن نسألكم؟ قال: نعم، قلتُ: عليكم أن تُجيبونا؟ قال: ذاك إلينا.
وبإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلتُ: إنَّ مَن عندنا يزعمون أنَّ قول الله عزَّ وجل {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} أنهم اليهود والنصاري، قال ـ أبو جعفر (عليه السلام): إذاً يدعونكم إلى دينهم! نحن أهلُ الذكر، ونحن المسؤولون.
وأخرج الصدوق في عيون الأخبار بإسناده عن الريان بن الصلت عن الرضا (عليه السلام) ـ والحديث طويل جداً ـ وأما التاسعة فنحن أهل الذكر الذين قال الله عزَّ وجل {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} فنحن أهل الذكر فاسألونا إن كنتم لا تعلمون، فقالت العلماء: إنما عنى الله بذلك اليهود والنصاري، فقال أبو الحسن (عليه السلام): سبحان الله! وهل يجوز ذلك، إذاً يدعونا إلى دينهم ويقولون: إنهم أفضل من دين الإسلام؟! فقال المأمون: فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ما قالوه يا أبا الحسن؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): نعم، الذكرُ: رسولُ الله(صلى الله عليه وآله)، ونحن أهلُه، وذلك بيِّنٌ في كتاب الله عزَّ وجل حيث يقول في سورة الطلاق {فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الألْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أنزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ}، فالذكرُ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله)، ونحن أهلُه.
وأخرج الثعلبي في تفسيره، والطبري في تفسيره، والحاكم الحسكاني في الشواهد، والقرطبي في تفسيره ـ وهؤلاء من أبناء السُّنة ـ ومحمد بن سليمان الكوفي في المناقب، عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام)في قوله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} قال: نحن أهلُ الذكر.
وأخرج الحاكم الحسكاني ومحمد بن مؤمن الشيرازي بإسنادهما عن الحارث قال: سألت علياً (عليه السلام) عن هذه الآية {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}؟ فقال: واللهِ إنا لنحن أهلُ الذكر.
وأخرج الثعلبي عن جابر بن عبد الله قال: قال عليُّ بن أبي طالب نحن أهل الذكر.
وأخرج محمد بن مؤمن الشيرازي ـ من أبناء أهل السُّنة ـ بإسناده إلى ابن عباس قال {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} يعني أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله).
وفي إرشاد الشيخ المفيد بعد أن ذكر خبر يحيى بن عبد الحميد عن معاوية بن عمار عن الإمام الباقر (عليه السلام) نحن أهل الذكر، قال: قال الشيخ الرازي: سألتُ محمد بن مقاتل، فقال: أهل الذكر العلماءُ كافةً، فذكرتُ ذلك لأبي زرعة، فبقي مُتعجِّباً من قوله، وأوردتُ عليه ما حدثني به يحيى بن عبد الحميد قال: صدق محمد بن علي ـ يعني الباقر (عليه السلام) ـ إنهم أهل الذكر.
أقول: والرازي وأبي زرعة من أئمة أبناء السُّنة، واعلم أنَّ المراد من الرازي هنا أبو حاتم صاحب كتاب الجرح والتعديل.
أقول: وورد أنَّ المراد بأهل الذكر آل محمد (عليهم السلام)، بالإسناد عن زرارة، وعن هشام بن سالم، وعن بريد بن معاوية، وعن الفضيل بن يسار، وعن سعد الاسكاف، وعن أبي بصير، وعن معاوية بن عمار الدهني، وعن شعيب العقرقوفي، وعن معلى بن خنيس، وعن عبد الله بن عجلان، وعن عمار الساباطي، وعن عبد الحميد بن أبي الديلم، وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، وعن صفوان بن يحيى، وعن الحسن بن علي الوشاء، وعن حمزة بن الطيار، وعن سفيان بن عيينة، وعن عبد الرحمن بن كثير، وعن سليمان بن جعفر الجعفري، جميعاً عن الأئمة (عليهم السلام) وبطرق متعددة مختلفة، فراجع (8).
وأخيراً، فإنَّ الملفت أنَّ الأخبار الواردة عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام)، وهي تبلغ العشرات قد اشتملت على أمور ثلاثة.
الأمر الأول: أنَّ شيئاً من تلك الأخبار لم يقع فيه التفصيلُ ـ لا من السائل ولا من الإمام المجيب على السؤال ـ أيُّ تفصيل بين الآية الواردة في سورة النحل والآية الواردة في سورة الأنبياء، فلم يسأل الإمام (عليه السلام) مِنْ السائل عن أية آية تسأل، وكذا ما وقع في جواب الإمام (عليه السلام)، وأيضاً ما ورد عن الأئمة (عليهم السلام) ابتداءً بأنهم أهل الذكر، فإنَّ في جميع ذلك لم يقع أيُّ تفصيل بين الآيتين.
الأمر الثاني: أنه يستفاد من الأخبار بأنَّ أبناء السُّنة في عصر الأئمة كانوا يقولون بأنَّ أهل الذكر هم علماء الكتب السابقة من اليهود والنصاري، والأئمة (عليهم السلام) في المقابل قد كذَّبوا زعمهم، وزيَّفوا ادعاءهم.
الأمر الثالث: أنَّ ما ورد في عشرات الأخبار فيه تصريحٌ واضحٌ بأنَّ أهل الذكر هو خصوص آل محمد(عليهم السلام).
فارجع إلى الأخبار والتي نقلنا بعضاً قليلاً منها، وتأمَّل فيما فسَّر السيد محمد حسين الآية به، لتعرف الحقَّ ولتعرف أهله.
----------------
(1) من وحي القرآن ج13 ص 232
(2) من وحي القرآن ج 15 ص 193.
(3) تفسير ابن كثير ج 2 ص 591
(4) سورة النحل الآية 89
(5) سورة الحِجر الآية 9
(6) من مصادر أبناء السُّنة: تفسير جامع البيان ج 14 ص 145، تفسير القرطبي ج 10 ص 108 وج 11 ص 271 ـ 272، تفسير ابن كثير ج 2 ص 591
(7) سورة الطلاق الآية 10 ـ 11
(8) بحار الأنوار ج 2 ص 312 وج9 ص 125 و224 و 243 وج11 ص17 و26 وج16 ص 90 و101 و359 وج23 ص 172 إلى 188، بصائر الدرجات ص 58 إلى 63، المحاسن ج 1 ص 216، الكافي ج 1ص 50 و210 ـ 212، كتاب الغيبة للنعماني ص 46، عيون أخبار الرضا ج 2 ص 206 إلى 216، الأمالي للشيخ الصدوق ص 624، الارشاد ج 2 ص 162 ـ 163، الأمالي للشيخ الطوسي ص 664، مناقب آل ابي طالب ج 2 ص 175 و293، مشكاة الأنوار ص 116، روضة الواعظين ص 203، كفاية الأثر ص 259 ـ 260، الايضاح ص 456، كنزالفوائد ص 297، المسترشد ص 598، مختصر بصائر الدرجات ص 68، العمدة ص 288، خصائص الوحي المبين ص 227، الطرائف ص 93 ـ 94، تفسير العياشي ج 2 ص ص 117و260 ـ 261، تفسير القمي ج 2 ص 68، تفسير فرات الكوفي ص 234 ـ 235، التبيان ج 7 ص 232، تفسير مجمع البيان ج 6 ص 159 وج 7 ص 73، تفسير جوامع الجامع ج 2 ص 328، التفسير الصافي ج 3 ص 136، التفسير الأصفى ج 1 ص 649، تفسير نور الثقلين ج 3 ص 55، مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان ج 1ص 129ـ 130
من مصادر أبناء السُّنة: شواهد التنزيل ج 1 ص 431 إلى 437، ينابيع المودة ج 1 ص 357
|