قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ} تُنذر الناس عقابَ الله إذا كفروا أو عصوا، ولست معنيَّاً بتغيير الظاهرة الكونية في هذا الموقع أو ذاك، لأنَّ ذلك ليس شأن الأنبياء أو مهمتهم، إلا في الحالات الصعبة التي يفرضها التحدي أو تقتضيها مصلحة الرسالة، لأنَّ المعجزة ليست أسلوباً يُراد منه إخضاع الناس للفكرة، بل هي وسيلة من وسائل توضيح الصورة في بعض المواقف. {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} يُقيم عليهم الحجة في ما كانوا يجهلونه، فيعرِّفهم كل تفاصيله ويدفعهم إلى الالتزام العملي بما يعرفونه، ويوجههم إلى وسائل ذاك الالتزام. وبذلك يتحرك خط الهداية في حركة الأنبياء والأوصياء والأولياء والعلماء، التي يريد الله لها أن تحتوي الساحة كلها، فلا تترك موقعاً بعيداً عن نشاطها(1).
أقول: لا زال أبناءُ الفرقة الناجية ومن اليوم الأول الدعاةَ الحقيقيين للتمسك بالقرآن والرجوع إليه، بالنحو الذي يقود الواقفُ على القرآن والمطَّلِعُ على ما رام تأكيده من لزوم التمسك بإمام يرجع الناس إليه، وهو وحده القادر على حلِّ مشاكلهم، وتحقيقِ هدايتهم، والأخذِ بهم إلى شاطئ الأمان.
والقرآنُ الكريم لم يُرَد له أن يكون الكتابَ الذي يتكفَّلُ توضيحَ جميع ما يحتاجه الناس في أمور معاشهم ومعادهم، وإنما أُريد من الكتاب الكريم أن تتمَّ به الحُجَّةُ على الناس، فلا يبقى لمعتذِرٍ من عذر يومَ العرض على الله تعالى.
وتماميةُ الهدايَّةِ والحُجَّةِ بالقرآن إنما كانت بتوسُّط دلالته على مَن يجب الرجوعُ إليه، ممَن يملِكُ العلمَ بكلِّ ما يحتاجه الناسُ، ويملِكُ المعرفةَ الحقَّةَ بجميع ما يُسأل عنه، وبذلك يكون المولى سبحانه قد تمَّت له الحُجَّةُ في أنه مكَّن الناسَ من التعرُّف على الحق، من خلال تنصيبه لمَن يُعرِّفُهم ويُعلِّمهم الحق ويدلُّهم عليه.
وقوله تعالى {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} من أوضح الأدلة على ما التزم به شيعةُ آل محمد (عليهم السلام) على أمر الإمامة والخلافة، من حيث إنَّ الآيةَ تُفيد وجودَ هادٍ في كل عصر.
وهذا يعني أنَّ الهادي واحدٌ، إما لعدم وقوع الخلاف بأيِّ نحو من الأنحاء بين الهداة الموجودين، مما يصح معه أن يكونوا جميعاً بمثابة هادٍ واحد، وإما لعدم وجود إلا هادٍ واحدٍ أصلاً لكل قوم.
ولكننا نظرنا إلى الواقع فلم نرَ أحداً من العلماء على مرِّ التاريخ إلا وله مع غيره ولغيره معه خلافاتٌ في الرأي، بل لم يعهد الناس ومن اليوم الأول إلا وجود الخلاف والاختلاف بين أهل الخبرة مهما كان الأمر المبحوث عنه.
لا أقول: لا يوجد اتفاقٌ، فإنَّ الاتفاقَ أمرٌ واقع وحاصلٌ، بل أعني أنه مضافاً إلى وجود الاتفاق، فإنَّ الخلاف موجود أيضاً.
وعليه فلا يُمكن أن يُراد من الهداة في الآية ما يشمل العلماء وأهل الخبرة والاختصاص ـ كما ذكره السيد محمد حسين ـ نعم يمكن أن يشملهم بما أنهم يهدون إلى الهادي الحقيقي، وهذا أمر آخر.
ورجعنا إلى ما بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الملكوت الأعلى، فلم نرَ أصحابه قد اتفقوا أو اجتمعت كلمتهم على شيء ـ بقطع النظر عن الأمور التي نصَّ عليها القرآنُ الكريم أو تلك التي أصبحت بمثابة الأمر البديهي عندهم ـ وعليه فلا يمكن أن يكونوا هم الهداة.
وبما أنَّ الآية ناظرةٌ لكلِّ قوم وفي كل زمان ومكان، فلا بُدَّ وأن يكون في تلك الحقبة الزمنية ـ زمن ما بعد رحيل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ـ هاد للأمة.
والقرآنُ الكريم وحده ومع عدم الرجوع إلى أهل الذكر لا يمكن أن يكون هو الهادي، لأننا نعلم بعدم وضوح ما لا يحصى من الأمور بمجرد الرجوع إليه، إذن فمَن كان الهادي يا تُري في تلك الفترة؟
هل كان أبو بكر؟! وفي أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) مَن هو أفضل منه علماً وحكمةً وشجاعةً، بل مع وجود مَن هو أفضل منه في كل ما يُعدُّ فضلاً؟!
ولكنَّ الهادي الذي تتحدثُ عنه الآيةُ هو هادٍ بحق، ولا يمكن أن يصلح أحدٌ لصيرورته هادياً بحق، ما لم يكن مهدياً بحق وفي كل شيء.
ومن جانب آخر، فإنَّ الآيةَ تتحدثُ عن هادٍ واحد يرجِعُ الناسُ إليه ولا يرجِع هو إلى أحد منهم، وإلا فلو كان ممَن يرجع إلى أحد منهم أيضاً، لانقلب الحالُ في الهادي فلا يكون هادياً بالمطلق، لاحتياجه إلى مَن يهديه فيما يحتاجه من الأمور إلى الناس، مع أنَّ الآيةَ تفرِض وجودَ هاد واحد لا هداة متعددين.
والمولى سبحانه يُخبِر عن وجود هاد واحد في كل زمن، فهل لا يكون موجوداً والعياذ بالله، فيقعُ منه تعالى الإخبارُ عن أمرٍ غيرِ متحقِّق وغيرِ حاصل؟!!
إنه سبحانه يُخبِر عن وجودِ شخصٍ وفي كلِّ زمن موصوفٍ بكونه هادياً، وهذا يعني أنه هادٍ حقيقيٌّ، ولا يكون هادياً حقيقياً إلا مع كونه مهديَّاً منه تعالى، فإن الهدي هو هدي الله.
إنه سبحانه يُخبِر عن كونه قد جعل للناس هادياً إليه، وهل يكون الشخصُ هادياً إلى الله تعالى وفي عقله نحو من أنحاء الضلال، وفي سلوكه شيء من الباطل؟!
فلا بُدَّ وأن يكون ذاك الهادي هادياً بحق ومن عند الحق وفي الحق، وليس هو إلا المعصوم في الفكر والعلم والعمل، فإنه إذا ما كان معصوماً كان هادياً إلى الحق تعالى، وإلا فما لم يكن معصوماً عن الباطل، فلا بُدَّ وأن يرتكِب الباطل علماً وعملاً، فكيف يكون هادياً إلى الحق تعالى؟!!
والمعصومُ شخصٌ لا يمكنُ معرفتُهُ وتحديدُهُ ما لم يدل عليه المولى سبحانه ويرشد إليه، فلا بُدَّ وأن يكون قد دلَّ عليه وهدي الناس إليه، وإلا فوجودُ المعصوم بين الناس مع جهلهم به، لن يُحقِّق غرضَ المولى سبحانه.
وهذا يعني أنَّ ما ذهب إليه أبناءُ الفرقة الناجية ـ من أنَّ القائمَ مقام رسول الله (عليهما السلام) ممَن كان منصوصاً عليه من المولى سبحانه ـ أمرٌ دلَّ عليه القرآنُ، فيقعُ لنا الحُجَّةُ على كلِّ معانِد منكِر، وبهذه الآية فقط.
ولعمري، فإنَّ هذه الآيةَ المباركة لعلها من أوضح الأدلة وأتمها حُجَّةً على مخالفينا في العقيدة، فإنها نصٌّ في وجود هادٍ إلى الحق في كلِّ زمن ولكلِّ قوم، في وجودِ هادٍ إلى الحق في جميع المجالات وفي كل المواقع، ولا معنى لأن يكون الهادي هادياً ولا يكون معصوماً، ولا معنى لأن يكون هادياً ولا يجب اتِّباعُهُ، ولا ثمرةَ تترتَّبُ على وجوده ما لم يكن معلوماً شخصُهُ حتى يُتَّبعَ ويُرجَعَ إليه.
والشيعةُ الإماميَّة هم خصوص مَن يلتزم بوجود حُجَّةٍ إلهيَّةٍ يهدي للحق وإلى اتِّباعه في كل زمان، وهو في زماننا الإمام الحُجَّةُ المهديُّ المنتظر، عجَّل الله تعالى بالحق فرجه وسهَّل مخرجه، وهدانا سبحانه إلى رضاه.
بينما أبناءُ السُّنة ومن خلال عدم التزامهم بوجود الإمام المهدي المنتظر، فهم مكذِّبون بالآية المباركة، أو غافلون عن فساد مذهبهم، وإلا فإنَّ أدنى التفات إلى الآية، يقضي بوجوب الإذعان بوجود حُجَّةٍ إلهيَّة هادٍ للأمة إلى الحق، وفي زمننا هذا فمَن هو الهادي عندهم إلى الحق؟!
على أنَّ أبناءَ السُّنة لا يلتزمون بعصمة حتى الغاصبين الأوائل، مع أنَّ الآيةَ صريحةٌ في إفادتها بأنَّ الهادي هادٍ للحق، وكيف يهدي أحدٌ للشيء الذي هو فاقده، وكيف تتِّمُ الحُجَّةُ الإلهيَّةُ بشخص مثله؟!!
أَوَ ليس الأحري بالسيد محمد حسين فضل الله أن يعمَد في تفسيره إلى الإشارة إلى مثل هذه الأمور، لا سيما وأنَّ مذهبه استيحاء القرآن.
أَوَ لم يستوحِ من الآية المعنى الذي أشرنا إليه؟!!!
بل إنه مضافاً إلى إهماله الإشارة إلى ذلك، نراه لم يتعرض حتى لنقل ولو خبر واحد مما ورد في هذا المورد عن أئمة الهدي (عليهم السلام)، مع أنَّ الأخبار في أنَّ المقصود بالهادي هو أمير المؤمنين والأوصياء الهداة من أبنائه الطاهرين (عليهم السلام) أكثر من أن تُحصى، بل ورد هذا المعنى من طرق السُّنة وبأسانيد صحيحة.
هذا، ومما تجدر الإشارةُ إليه أنَّ ما نشير إليه من نقاط أو أمور، نناقش فيها في هذا الكتاب لهو مجردُ تمهيدٍ فحسب، لأنَّ إشباعَ الكلام في ما تفيده الآيات وتدل عليه، مما لا يكفيه لبعض الآيات مجلدٌ ضخم فيما إذا أردنا أن نُعطيَ الفكرة حقها.
على أنَّ محققينا وعلماءنا قد أشبعوا في كتبهم ومناظراتهم هذه الأمور كلاماً وتحقيقاً، فلا يظنُّ ظانٌّ أنَّ ما نشير إليه هو غاية ما حققه أبناء الفرقة الناجية في هذه المطالب، أو أنه غاية جهدنا.
هذا، وقد ذكر السيد ابن طاووس: أنَّ أبا عبد الله محمد بن العباس علي بن مروان المعروف بالحجام، أخرج في كتابه من خمسين طريقاً أنَّ الهادي هو أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وظاهر كلام ابن طاووس أنَّ ذلك من طرق أبناء السُّنة، فلاحظ(2).
أقول: ومع ذلك فقد رأينا بعض النواصب قد أنكروا ورود هذا المعنى بإسناد صحيح، ونحن وإن لم يتعلق غرضنا إلا بما أشرنا إليه آنفاً، ولكننا لا نملك هنا وبعد تكذيبهم الصريح وافترائهم الفاضح، إلا أن نرد على بعض النواصب بنحو مختصر جداً وغير مخل بالمطلوب إن شاء الله تعالى.
قال الناصبي: وكل ما يروونه في قوله تعالى {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}..... وغير ذلك من الآيات والأحاديث الواردة في أنها نزلت في عليٍّ لا يصحُّ شيء منها.
وقال الناصبي الآخر: وفي قوله تعالى {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قد روي المفسِّرون من طرق ليس فيها ما يثبت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده على صدره فقال: أنا المنذر وأومأ بيده إلى منكب عليٍّ فقال: أنت الهادي، يا علي بك يُهتَدي مِنْ بعدي، قال المصنف: وهذا من موضوعات الرافضة(3).
أقول: أخرج أحمد بن حنبل ـ من أئمة أبناء السُّنة ـ في مسنده قال: حدثنا عبد الله حدثني عثمان بن أبي شيبة حدثنا مطلب بن زياد عن السدي عن عبد خير عن علي في قوله {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قال: رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) المنذرُ، والهادي رجلٌ من بني هاشم. وفي كتاب ابن عساكر والهادي عليٌّ (عليه السلام).
أقول: وأخرجه أيضاً الطبراني في المعجم، والحاكم الحسكاني في الشواهد، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وابن عساكر في تاريخ دمشق ـ وهؤلاء من أبناء السُّنة ـ بإسنادهم عن السدي.
قال الهيثمي ـ من أبناء السُّنة ـ في مجمع الزوائد: رواه عبد الله بن أحمد والطبراني في الصغير والأوسط، ورجال المسند ثقات.
وأخرج الحاكم النيسابوري ـ من أبناء السُّنة ـ في المستدرك على الصحيحين ـ وكذا ابن عساكر بإسناده عن الحارثي ـ بإسناده عن عباد بن عبد الله الأسدي عن عليٍّ (عليه السلام) {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قال عليٌّ (عليه السلام): رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنذرُ، وأنا الهادي.
قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد.
وأخرج الطبري في تفسيره، والحاكم الحسكاني في الشواهد، والحمويني في فرائد السمطين، وابن الأعرابي في معجم الشيوخ ـ وهم من أبناء السُّنة ـ بإسنادهم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} وضع رسول الله (عليهما السلام) يده على صدره، فقال: أنا المنذر ولكل قوم هاد، وأومأ بيده إلى منكب عليٍّ (عليه السلام)، فقال: أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون بعدي.
أقول: وأخرجه أيضاً الحاكم الحسكاني في الشواهد بإسناده عن ليث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبإسناده عن أبي داود عن أبي برزة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبإسناده عن نفيع بن الحارث عن أبي برزة الأسلمي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبإسناده عن حكيم بن جبير عن أبي برزة الاسلمي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبإسناده عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبإسناده عن عبد الله بن يعلى بن مرة عن يعلى بن مرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبإسناده عن الاعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبإسناده عن عبد الله بن عامر عن الزرقاء الكوفية، وقاله مجاهد كما عن الحاكم الحسكاني، وقاله الواحدي كما عن الحمويني.
أقول: ولكنَّ ابن حجر لم يعجبه ذلك، فقال في فتح الباري: والمستغرَب ما أخرجه الطبري بإسناد حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده على صدره وقال: أنا المنذر، وأومأ إلى عليٍّ (عليه السلام) وقال: أنت الهادي، بك يهتدي المهتدون بعدي.
أقول: وبعد شهادة الحاكم النيسابوري وابن حجر والهيثمي بصحة الخبر، فإنه يتضح لك ما في كلام الناصبِيَّينِ الخبيثينِ ابن كثير وابن الجوزي.
وإذا كان لا يعني من كون عليٍّ (عليه السلام) هادياً، إلا أنه يُبيِّنُ للأمة الحق، ويكون مرجعها إليه عند اختلافها، فإنَّ لصحة الحديث شواهد من أحاديث صحيحة أيضاً.
فقد أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك وابن الاعرابي في معجم الشيوخ وابن عساكر في تاريخه بإسنادهم عن الحسن عن أنس بن مالك، أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعليٍّ (عليه السلام): أنت تُبيِّنُ لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
أقول: وأخرجه أبو نعيم، ومحمد بن سليمان الكوفي، وابن عساكر، والخوارزمي بإسنادهم عن القاسم بن جندب عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)... (الحديث)، وأخرجه الخوارزمي بإسناده عن عبد الرحمان ابن أبي ليلى عن أبيه عن النبي (صلى الله عليه وآله)(4).
وقال السيوطي في الدر المنثور: وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، وأبو نعيم في المعرفة، والديلمي، وابن عساكر، وابن النجار قال: لمَّا نزلت {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} وضع رسول الله (عليهما السلام) يده على صدره فقال: أنا المنذر، وأومأ بيده إلى منكب علي (عليه السلام) فقال: أنت الهادي، يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي.
وقال أيضاً: وأخرج ابن مردويه عن أبي برزة الاسلمي قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ} ووضع يده على صدر نفسه، ثم وضعها على صدر عليٍّ (عليه السلام) ويقول: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}.
وقال: وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة، عن ابن عباس في الآية قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنذر والهادي عليُّ بن أبي طالب.
وقال: وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن أبي حاتم والطبراني في الاوسط والحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر عن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) في قوله {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنذر، وأنا الهادي، وفي لفظٍ والهادي رجلٌ من بني هاشم يعني نفسه، انتهى كلام السيوطي، وهو من أعلام أبناء السُّنة(5).
أقول: قاتل اللهُ البُغضَ، فماذا فعل أميرُ المؤمنين عليٌّ (عليه السلام) حتى نرى أولئك النواصب الحاقدين، مجسِّدين لأبرز معنى من معاني النصب والبُغض لأول القوم إسلاماً؟!
نعم، إنَّ ذنبَ عليٍّ (عليه السلام)، أنه قتل صناديدَهم في بدْر وأُحُد وحُنين، وبدَّد أصنامَهم، وهزم جنودَهم جنودَ الناكثين جندَ الشيطان، وصعاليكَ القاسطين، والمرتدِّين المارقين.
ولكنْ يا تُري ما ذنبُ عليٍّ أمير المؤمنين عند السيد محمد حسين فضل الله، فلم يذكر علياً (عليه السلام) ولو بإشارة؟!!!
فقد أخرج الصفار في البصائر، والكليني في الكافي، ووالد الصدوق في الإمامة والتبصرة، بإسنادهم عن بريد العجلي عن أبي جعفر (عليهما السلام) في قول الله {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قال: رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) المنذرُ، وفي كلِّ زمان منا هادياً يهديهم إلى ما جاء به نبيُّ الله، ثم الهداة من بعد عليٍّ (عليه السلام) ثم الأوصياء واحد بعد واحد.
وأخرج الصفار والكليني بإسنادهما عن عبد الرحمن القصير عن أبي جعفر (عليهما السلام) في قول الله تبارك وتعالى {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} فقال: رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) المنذرُ، وعليٌّ (عليه السلام) الهادي، واللهِ ما ذهبت منا وما زالت فينا إلى الساعة.
وورد بالإسناد عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام)، وعن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام)، وعن حنان بن سدير عن أبي جعفر (عليه السلام)، وعن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام)، وعن نجم عن أبي جعفر (عليه السلام)، وعن عبد الله بن عطا عن جعفر الصادق (عليه السلام)، وعن الفضيل عن جعفر الصادق (عليه السلام)، وعن محمد بن مسلم عن جعفر الصادق (عليه السلام)، وعن مسعدة بن صدقة عن جعفر الصادق (عليه السلام).
وورد بالإسناد عن أبي مريم عن أبي هريرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبالإسناد عن أبي خيثمة عن عبد الله بن عمر عن رسول الله (عليهما السلام)، وعن ابن مسعود عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)(6).
أقول: لا أراك أيها القارئ تقول: إنَّ السيد محمد حسين فضل الله لم يكن ملتفتاً إلى هذه الأخبار.
لأننا نقول: إنَّ كل طالب علم مُبتدِئٍ يعلم جيداً، أنَّ هذه الآية مما يستدلُّ بها أبناءُ المذهب الحق على أحقيَّة مذهبهم، وكل مثقِّف دينياً من الشيعة يعلم أيضاً، أنَّ هذه الآية مما يستدلُّ بها علماءُ الشيعة على دلالة القرآن على وجود إمام معصوم في كل زمن.
-------------------------------
(1) من وحي القرآن ج13 ص 23
(2) سعد السعود للسيد ابن طاووس ص 99.
(3) البداية والنهاية لابن كثير ج 7 ص 395، زاد المسير لابن الجوزى ج 4 ص 228
(4)من مصادر أبناء السُّنة: مسند احمد ج 1 ص 126، المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 122و129-130، المعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 261، المعجم الأوسط للطبراني ج 5 ص 153 ترجمة أمير المؤمنين لأبى نعيم الأصفهاني ج 1ص 63، مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الزيدى المذهب ج1 ص 312 و391 و430 ـ 432، تاريخ بغداد ج 12 ص 368، تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 358 و386، المناقب للخوارزمي ص61 و85، مجمع الزوائد ج 7 ص 41، تفسير جامع البيان ج 13 ص 142، شواهد التنزيل ج 1 ص 381 إلى 395، فتح البارى ج 8 ص 285، نظم درر السمطين ص 89، كنز العمال ج 2 ص 441.
(5) الدر المنثور لجلال الدين السيوطي ج 4 ص 45.
(6) بحار الأنوار ج9 ص 107وج 16 ص 358 وج 18 ص190 وج 23 ص2 إلى6و20 و54 وج35 ص 395 و398، بصائر الدرجات ص 49 إلى 51، الكافي ج 1 ص 191 ـ 192، الامامة والتبصرة ص 131 ـ 132، أمالي الصدوق ص 350، كفاية الأثر ص 87 ـ 88، كتاب الغيبة للنعماني ص 110، مائة منقبة ص 22، الفضائل ص 123، تفسير العياشي ج 2 ص 203 ـ 204، تفسير القمي ج 1 ص 359، تفسير فرات الكوفي ص 205، تفسير التبيان ج 6 ص 223، تفسير مجمع البيان ج 6 ص 14، تأويل الآيات ج 1ص 228، التفسير الصافي ج 3 ص 59، تفسير نور الثقلين ج 2 ص 482، تفسير الميزان ج 11 ص 305.
|