قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} أي ويتبعه شاهد يشهد له على صحة ذلك، بالمستوي الذي لا يترك هناك مجالاً للشك، كأية قضية من القضايا التي تتأكد لدي المؤمنين من خلال الدلائل البيِّنة والشهود الموثقين.
وقد اختلف المفسرون في شخصية هذا الذي كان على بيِّنة مَن ربه، هل هو رسول الله، أو المؤمنون الذين كانوا معه، أو جميع المؤمنين؟ واختلفوا كذلك في طبيعة هذه البيِّنة، هل هي القرآن، أو العقل والوجدان، أو شيء آخر غير ذلك؟
وكذلك في شخصية الشاهد هل هو القرآن، أو جبرائيل، أو الإمام علي، أو غير ذلك من الاحتمالات؟
لقد تعددت الرواياتُ حول هذه المسألة بالشكل الذي لا يُمكن الركونُ إليها لخللٍ في سند بعضها، وارتباكٍ في مضمون بعضها الآخر، ولا نجد في هذا المجال أوثقَ من عدم الخوض في ذلك، لأنَّ التفسير لا يختلف كثيراً في المعنى الأساس الذي تستهدفه الآية(1).
أقول: قال سبحانه في كتابه العزيز {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي}(2)، وفعلاً فقد ثبت أنَّ سلمان منا أهل البيت، فإنه لمكان متابعته وانقياده لآل محمد (عليهم السلام)، شُرِّف بهذه النسبة، مع أنَّ ابن نوح قد نفاه اللهُ عنه بسبب عدم استجابته لدعوة أبيه نبي الله نوح على نبينا وآله وعليه السلام، {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}(3).
وقال سبحانه في محكم كتابه {قُلْ إن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}(4)، وقد ثبت بالتواتر القطعي أنَّ رسول الله (عليهما السلام) قال في حديث الراية «لأُعطينَّ الرايةَ غداً رجلاً يحبُّ اللهَ ورسولَه ويحبُّه اللهُ ورسولُه» وقد تقدم تفصيل هذا(5).
وحيث ثبت أنَّ علياً صلوات الله ربِّي وسلامه عليه، ممن يحبُّ اللهَ ورسولَه ويحبُّه اللهُ ورسولُه (صلى الله عليه وآله)، فهو ممَن تَبِع الرسول الأكرم (عليهما السلام) حقَّ المتابعة، وهذا يُنتِجُ بالضم إلى آية {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} أنه (عليه السلام) من رسول الله (عليهما السلام).
على أنه قد ثبت أيضاً ومن طريق أبناء السُّنة، فضلاً عما هو مقطوع به من طرقنا، أنَّ علياً (عليه السلام) من رسول الله (عليهما السلام).
فقد أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، والضحاك، وابن ماجة، والترمذي، والنسائي، والطبراني، وابن عساكر، وابن سليمان الكوفي ـ وجميعهم من أبناء السُّنة ـ بإسنادهم عن حبشي بن جنادة ـ والكلام لابن حنبل ـ قال: قال رسول الله (عليهما السلام): عليٌّ مني وأنا منه، لا يؤدي عني إلا أنا أو عليٌّ (عليه السلام).
أقول: والحديث صحيح السند بحسب أصول أهل السُّنة، فقد رواه ابن أبي شيبة عن شريك عن أبي إسحاق عن حبشي، ورواه أحمد بن حنبل عن يحيى بن آدم وابن أبي بكير وأسود بن عامر عن إسرائيل عن أبي إسحاق، ورواه أيضاً عن أبي أحمد الزبيري عن شريك وإسرائيل، والجميع ثقات عندهم(6).
ورُوي من طريق أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وعمران بن حصين وأبي سعيد الخدري وزيد بن يثيع وأبي رافع وغيرهم من الصحابة، فراجع(7).
ثم إنَّ لغةَ القرآن الكريم لغةٌ عربيَّةٌ فصيحة بيِّنةٌ ظاهرة، وقد ذكرنا مراراً أنَّ اللفظَ الوارد في الكتاب الكريم، يراد منه ما هو الظاهر من معناه إلا فيما إذا قامت قرينةٌ على خلاف ذلك.
فعطفنا نظرنا على الآية، فوجدنا أنها قد اشتملت على كلمة يتلوه، وفي اللغة العربية معنى يتلوه أنه يجيء بعده وعقيبه، فهذا يعني أنَّ الشاهدَ ممَن يتلو مَن كان على بيِّنة من أمره، والذي كان على بيِّنة من أمره هو الرسول الأكرم (عليهما السلام).
وعليه، فما ورد في بعض كتب أبناء السُّنة ومن طرقهم، بأنَّ المرادَ من الشاهد هو جبريل أو القرآن أو لسان سيدنا محمد (عليهما السلام)، لا يمكن الالتزام بصحته، بغض النظر عن عدم تمامية سنده تارة، أو انه مما ورد عن غير المعصوم تارة أخري، فإنَّ شيئاً من هذه الثلاثة ـ أعني جبرئيل ولسان النبيِّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) والقرآن ـ ليس تالياً لرسول الله (عليهما السلام) ولا مما يأتي بعده.
وبما أنَّ أبناء السُّنة رووا من طرقهم بأنَّ الشاهد هو علي (عليه السلام) كمعنى رابع أوردوه فإنه يتعيَّنُ، لأنه (عليه السلام) هو الوحيد الذي ينطبق عليه من بين المحتملات الأربعة التي ذكروها، أنه يتلو رسولَ الله (عليهما السلام).
وقد ثبت ومن طرقهم وبتوسط رواية أكثر من أربعة من أكابر الصحابة عن الرسول الأكرم (عليهما السلام)أنه قال: عليٌّ مني، فإنَّ ضم هذا إلى ما تقدم يفيد بنحو القطع، أنَّ علياً (عليه السلام) هو الشاهد.
وهذا يعني، أنَّ أحداً لا يصح أن يكون قبل عليٍّ (عليه السلام) وبعد الرسول الأكرم (عليهما السلام) إلا عليٌّ (عليه السلام)، وإلا فلو كان هناك مَن يتقدَّمُ على علي (عليه السلام)، فاللازم أن يكون هو مَن يتلو الرسول الخاتم (عليهما السلام).
ووحدها هذه الآية تكفي في مقام الانتصار لمذهب الفرقة الناجية، الملتزمين ببطلان خلافة أبي بكر وصاحبَيْه، فتقع لنا الحُجَّةُ عليهم، وكما ترى لا تحتاج المسألة لإعمال فكرٍ أو ترتيب مقدماتٍ صعبة.
بينما لو صح ـ وهو لا يصح ـ أن يكون المرادُ من الشاهد أحدَ تلك المحتملات، فإنه من البديهي أن تكون الآيةُ أجنبيةً عن إفادتها الدلالة على مَن هو الخليفةُ الحقُّ بعد رسول الله (عليهما السلام).
وفي المقابل وجدنا السيد محمد حسين فضل الله يقول: ـ كما نقلناه قبل قليل ـ «ولا نجد في هذا المجال أوثق من عدم الخوض في ذلك، لأن التفسير لا يختلف كثيراً في المعنى الأساس الذي تستهدفه الآية».
ونُجيبُ على ما ادَّعاه سائلين السيد محمد حسين وهو الذي يدَّعي العلمَ بأغراض المولى سبحانه، وهو الذي يدَّعي المعرفة بالمعنى الأساس الذي تستهدفه الآية هنا، وتستهدفه الآيات هناك.
فنقول له: مَن الذي قال لك بأنَّ الآيةَ لا تستهدف الإشارةَ والدلالةَ على مَن هو صاحبُ تلك الفضيلةِ والذي لا يدانيه أحدٌ، لتقعَ الحُجَّةُ على المعاندين غاصبي الخلافة فيما ارتكبوه مِنْ تقديم مَن لا يستحق التقديم؟!!
أَطلعتَ الغيب أيها السيد، أم أوحى إليك الله تعالى بذلك؟!!
أيها السيد، كيف تقول: «ولا نجد في هذا المجال أوثق من عدم الخوض في ذلك»؟!!
فهل أنَّ التحقيق عن إثبات أحقيَّة أمير المؤمنين بالخلافة أمرٌ لا يستأهل عندك البحثُ فيه؟!!
وكيف يكونُ تركُ الخوض في إثبات هذا المعنى، مع كونه لا يحتاج لأية مقدمة معقَّدة، أوثقَ وأفضلَ عندك من الخوض في ذلك؟!!!
ثم إنه حيث قد تقدم أنه (عليه السلام) هو مَن عنده علم الكتاب، فأن كان هناك ثمة إشكالاً، فإنَّ بقرينة ما يثبت هنا لا يبقى أدنى مجال للتشكيك فيما تقدم هناك، وليس فيما تقدم هناك من إشكال أصلاً.
وقد رجعنا إلى أئمتنا، فرأينا أنَّ الإمامَ أميرَ المؤمنين يقول وقد سئل عن أفضل منقبة له؟ فقال: قوله{أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} أنا الشاهدُ من رسول الله (عليهما السلام).
أقول: رواه سليم بن قيس في كتابه، وقد قال تلميذ الكليني الشيخ النعماني في كتابه الغيبة، والذي صنفه في أواخر زمن الغيبة الصغري وأوائل الغيبة الكبري للإمام الحجة المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)، قال: وليس بين جميع الشيعة ممَن حملوا العلم ورواه عن الأئمة (عليهم السلام) خلافٌ في أنَّ كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الأصول التي رواها أهل العلم من حملة حديث أهل البيت (عليهم السلام)، وهو من الأصول التي ترجع إليها الشيعة ويُعوَّل عليها(8).
ولو قلنا بأنَّ هذه الروايةَ غيرُ تامة السند، إلا أنَّ ذلك لا يعني الجزمُ بوضْعِها وأنها مما اخترعها الكذَّابون، بل يبقى احتمالُ أنها واردةٌ عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومع هذا الاحتمال، أفلا يجوز أن يُضيِّعَ صاحبُ كتاب من وحي القرآن شيئاً من وقته الثمين، للخوض في تحقيق أصل ثبوت هذه المنقبة الكبري والآية العظمى، لمولى المتقين عليٍّ أمير المؤمنين (عليه السلام)؟!
وإذا كان السيد محمد حسين فضل الله يقول، بأنَّ ترك الخوض في مثل إثبات منقبة هنا لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وفي إثبات فضيلة هناك لآل محمد (عليهم السلام)، أوثق من الخوض في ذلك، فبالله تعالى عليك هل هذا هو ما يُملِيه عليه ولاؤه لآل محمد (عليهم السلام)؟!!!
ثم إنَّ السيد محمد حسين قال: «لقد تعددت الروايات حول هذه المسألة بالشكل الذي لا يُمكن الركونُ إليها لخللٍ في سند بعضها، وارتباك في مضمون بعضها الآخر»
أقول: سنضطرُ وخلافاً للعهد الذي قطعناه على أنفسنا في أول الكتاب بأن لا نذكر إلا بعض أخبار الباب، لكننا سنضطر هنا لنقل كمٍّ معتدٍّ به منها، لنري عن أيِّ إرتباك في المضمون يتحدث السيد محمد حسين؟!!!
ولكن قبل ذلك تجدرُ الإشارةُ إلى التذكير بما تقدم منا آنفاً، إذ قد عرفت أننا لا نحتاج إلى خبر معتبَر السند من طرقنا فيه إشارةٌ أو نصٌّ على أنَّ المراد من الشاهد هو أمير المؤمنين (عليه السلام).
بل لا نحتاج إلى خبر واحد ولو من طريق أهل السُّنة، فإنك قد عرفت وبشكل قاطع، أنَّ علياً (عليه السلام) مِنْ رسول الله (عليهما السلام)، ولا يوجد في أقوال أبناء السُّنة أيُّ معنى يُحتمَل ويصحُّ انطباقه على غير أمير المؤمنين (عليه السلام).
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنَّ السيد فضل الله كان عليه أن يتفطَّن، إلى أنَّ ورود خبر يتضمن ذكر فضيلة لأمير المؤمنين من طرق أبناء السُّنة وبأكثر من طريق، يكفي للقطع بصحة مضمونه.
فإنَّ أعداءَ أمير المؤمنين (عليه السلام) ومِن أول الدهر سعوا في إخفاء ما يستطيعون إخفاءه، وكلُّ الظروف كانت تسير على ما يتمنَّون ويرغبون به، بل حاول جاهداً كلُّ مَن تسلَّم الحكم ومن اليوم الأول في تزوير الحقيقة، وفي اضطهاد كلِّ مَن يعرفونه بالولاء لآل محمد (عليهم السلام).
وفي الآية التي نبحث فيها، فمضافاً إلى أنَّ الفضلَ ما شهدت به الأعداءُ، فإنَّ ذِكْرَ العلماءِ من أبناء الفرقة الناجية جميعاً لهذه المنقبة، ونسبتَهم جميعهم إياها لأمير المؤمنين (عليه السلام) وحده يكفي حتى يكون منا الالتزامُ بمفادها، ولعلَّ هذا مما لا يخفى على أدنى مثقَّفٍ.
ونحن وإن كان يكفي لنا في مقام إلزامِ كلِّ مَن ينتمي إلى هذه الطائفة المرحومة، نقلُ كلام السيد ابن طاووس مكتفين بذلك، ولكنْ للشبهة بل للبدعةِ التي طرحها السيد محمد حسين ـ حيث ادعى وجود ارتباك في مضمون الأخبار ـ فرأينا أن نُورِد كما أشرنا سابقاً قدراً معتَّداً به من تلك الأخبار.
فنقول: قال السيد ابن طاووس ومَن وقف على ما نقله أهلُ الصدق هو عليُّ بن أبي طالب، ما زال شاهداً لمحمد (صلى الله عليه وآله) فعلاً وقولاً من البداية إلى النهايه، ولم يختلف آخرُه إلى آخر الغاية، وقد روي ـ أنَّ المقصودَ بقوله جلَّ جلاله {وشاهد} هو عليُّ بن أبي طالب ـ محمدُ بن العباس بن مروان في كتابه من ستة وستين طريقا بأسانيدها(9).
أقول: فهل هناك يا أبناءَ البشر من خبرٍ رُوي من ستة وستين طريقاً بأسانيدها، ولا يبلغ حدَّ التواتر، حتى نجد أنَّ واحداً من الناس في هذا العصر يعتذر عن عدم التزامه بمضمونه قائلاً: «لخللٍ في سند بعضها» وقد نقلنا كلامه فيما سبق؟!!
نعم لعل السيد فضل الله يقول معتذراً، بأنه لم يظفر بكتاب محمد بن العباس لينظر في صحة دعوي ابن طاووس.
ولكنك تعرف أنَّ ابن طاووس ممَن يُجيد العدَّ، وهو لا يختلط عليه أنَّ خمسةَ إذا جمعناها مع خمسةٍ تكون النتيجةُ عشرةً، وأنَّ ثلاثاً وثلاثين إذا جمعناها مع ثلاث وثلاثين يكون الحاصلُ ستاً وستين.
وأظن أنَّ ابن طاووس بنظر السيد محمد حسين، ليس ممَن يكذب أو يفتري، وليس ابن طاووس ممَن يجهل ما هو معنى تعدُّد الطرق.
هذا وقد وقال السيوطي في الدر المنثور ومثله الشوكاني في فتح القدير: أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم ـ وهؤلاء من أبناء السُّنة ـ في معرفة الصحابة عن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: ما من رجل من قريش إلا نزل فيه طائفةٌ من القرآن، فقال له رجل: ما نزل فيك؟ قال: أما تقرأ سورة هود {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} رسول الله (صلى الله عليه وآله) على بيِّنة من ربه، وأنا شاهدٌ منه.
وقال: وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن علي (عليه السلام) في الآية قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) على بينة من ربه، وأنا شاهدٌ منه.
وقال أيضاً: وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن عليٍّ (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله){أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} أنا {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} قال عليٌّ(عليه السلام).
وقال ابن الجوزي في زاد المسير وفي المراد بالشاهد ثمانية أقوال... والثالث: أنه عليُّ بن أبي طالب ويتلوه بمعنى يتبعه، رواه جماعة عن عليِّ بن أبي طالب، وبه قال محمد بن علي وزيد بن علي.
وقال المتقي الهندي في كنز العمال: أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم ـ وهؤلاء من أبناء السُّنة ـ في المعرفة عن عليٍّ (عليه السلام) في قوله تعالى {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) على بيِّنة من ربه، وأنا شاهدٌ منه.
وقال القندوزي في ينابيع المودة: أخرج الحمويني في فرائد السمطين بسنده عن ابن عباس وبسنده عن زادان، هما، عن عليٍّ (عليه السلام) قال: إنَّ رسول الله (عليهما السلام) كان على بينة من ربه، وأنا التالي الشاهدُ منه، وأيضاً أخرجه بسنده عن جابر بن عبد الله، وبسنده عن البحتري هما عن عليٍّ (عليه السلام) بلفظه، وأيضاً أخرجه موفق بن أحمد بسنده عن ابن عباس، وأيضاً أبو نعيم والثعلبي والواقدي أخرجوه بأسانيدهم عن ابن عباس وزادان وجابر كلهم عن عليٍّ (عليه السلام)، وأيضا ابن المغازلي أخرج بسنده عن عباد بن عبد الله وأيضاً عن زين العابدين والباقر والصادق (عليهم السلام)(10).
أقول: والملفت بالنظر أنَّ السيوطي والشوكاني وابن الجوزي والمتقي الهندي والقندوزي ـ وهم من أبناء السُّنة ـ أنَّ أحداً من هؤلاء لم يذكر أنَّ ما ورد بشأنِ عليٍّ (عليه السلام) فيه ضعف في السند أو اضطراب في المضمون، بينما السيد محمد حسين فضل الله رأى أنَّ في السند خللاً وفي المضمون اضطراباً، وقد نقلنا كلامه.
هذا، وإننا على يقين بأنَّ كلَّ غيرِ متَّهَمٍ في عقيدته، وبأنَّ كلَّ غير ذي علَّة في قلبه، ليكفيه ما ذكره ابن طاووس فيما إذا كان ينتمي إلى الفرقة الناجية أعني الشيعة أيدهم الله تعالى، وليكفيه ما ذكره السيوطي والهندي والشوكاني والقندوزي فيما إذا كان من أبناء السُّنة، لا سيما إذا ما ضممناه إلى ما تقدم منا من وضوح الآية بضميمتها لبعض الأخبار، التي قد عرفت أنها ثابتة عند أبناء العامة فضلاً عن أنها كذلك عندنا، ومع ذلك فسنورد طرفاً من الأخبار الواردة عندنا في هذا الباب.
فقد أخرج الكليني في الكافي بإسناده عن أحمد بن عمر الحلال قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قول الله عزَّ وجل {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} فقال: أمير المؤمنين (عليه السلام) الشاهدُ على رسول الله (عليهما السلام)، ورسول الله (عليهما السلام) على بيِّنة من ربه.
وأخرج فرات الكوفي في تفسيره، عن زيد بن سلام الجعفي قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فقلت: أصلحك الله حدثني خيثمة عنك في قول الله تعالى {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} فحدثني أنك حدَّثته أنَّ رسول الله (عليهما السلام) كان على بيِّنة من ربه، وعليٌّ (عليه السلام) يتلوه من بعده وهو الشاهدُ وفيه نزلتْ هذه الآية، قال: صدقَ واللهِ خيثمةُ لَهَكذا حدثته.
وأخرج العياشي في تفسيره عن ابن سويد عن الصادق (عليه السلام) {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} رسول الله (عليهما السلام){وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} أمير المؤمنين (عليه السلام).
وأخرج أيضاً عن بريد العجلي عن أبي جعفر (عليه السلام) الذي كان على بيِّنة من ربه رسول الله (عليهما السلام) والذي تلاه من بعده الشاهد منه أمير المؤمنين (عليه السلام).
وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق بإسناده ـ وكذا الحاكم الحسكاني في شواهد التنـزيل بإسناده عن علي بن أبي المغيرة عن أبي إسحاق ـ عن عطاء عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) على بيِّنة من ربه، وأنا الشاهدُ منه.
وأخرج الحاكم الحسكاني بإسناده عن علي بن عبد الله ـ وأيضاً بإسناده عن الكلبي عن أبي صالح، ومثله الثعلبي في تفسيره ـ عن ابن عباس في قول الله تعالى {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} قال: النبي (عليهما السلام){وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} قال: هو عليُّ بن أبي طالب خاصة.
وقد رواه القاضي أبو عمر وعثمان بن أحمد، وأبو نصر القشيري في كتابيهما، والفلكي المفسِّر رواه عن مجاهد وعن عبد الله بن شداد.
وأخرج الحسكاني أيضاً بإسناده عن حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك في قوله عزَّ وجل {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} قال: هو محمد (صلى الله عليه وآله) {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} قال: هو عليُّ بن أبي طالب.
وأخرج الطبري في تفسيره وكذا الثعلبي والعياشي بإسنادهم عن عبد الله بن يحيى قال: قال (عليه السلام): ما من رجل من قريش إلا وقد نزلت فيه الآية والآيتان. فقال له رجل: فأنت فأيُّ شيء نزل فيك؟ فقال علي: أما تقرأ الآية التي نزلت في هود ويتلوه شاهد منه؟
وأخرج الصفار في بصائر الدرجات بإسناده ـ وكذا الشيخ الصدوق في كمال الدين بإسناده عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة ـ عن أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) واللهِ ما نزلتْ آيةٌ في كتاب الله في ليل أو نهار إلا وقد علمتُ فيمَن أنزلت، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين: ما الآية التي نزلتْ فيك؟ قال له: أما سمعت الله يقول{أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} قال: رسول الله (عليهما السلام) على بيِّنة من ربه، وأنا شاهدٌ له فيه وأتلوه.
وأخرج فرات عن زادان وأيضاً عن الحسن بن الحسين، وكذا الحاكم الحسكاني بإسناده عن حبيب بن يسار عن زادان، وكذا الثعلبي في تفسيره، قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ذات يوم: والله ما من قريش رجل جرت عليه المواسي والقرآن تنزل إلا وقد نزلتْ فيه آيةٌ تسوقه إلى الجنة أو تسوقه إلى النار. فقال رجل من القوم: فما آيتك التي نزلتْ فيك؟ قال: ألم ترَ أنَّ الله يقول {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} فرسول الله (عليهما السلام) على بيِّنة من ربه، وأنا الشاهدُ منه أتبعه.
وأخرج الشيخ الطوسي في الأمالي بإسناده عن النزال بن سبرة أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يوم الجمعة يخطب على المنبر، فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلا وقد نزلتْ فيه آيةٌ من كتاب الله عزَّ وجل، أعرفها كما أعرفه. فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، ما آيتك التي نزلتْ فيك؟ فقال: إذا سألتَ فافهم، ولا عليك ألا تسأل عنها غيري، أقرأت سورة هود؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فسمعت الله عزَّ وجل يقول: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}؟ قال: نعم، قال: فالذي على بيِّنة من ربه محمدٌ رسول الله (عليهما السلام)، والذي يتلوه شاهدٌ منه، وهو الشاهدُ وهو منه، عليُّ بن أبي طالب، وأنا الشاهد، وأنا منه (عليهما السلام).
وأخرج محمد بن إسماعيل بن عمرو البجلي ـ كما عن شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي ـ، قال: أخبرنا عمرو بن موسى الوجيهي عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث قال: قال عليٌّ (عليه السلام) على المنبر: ما أحد جرت عليه المواسي إلا وقد أنزل اللهُ فيه قرآنا، فقام إليه رجل من مُبغضيه فقال له: فما أنزل اللهُ تعالى فيك؟ فقام الناس إليه يضربونه، فقال: دعوه، أتقرأ سورة هود؟ قال: نعم، قال: فقرأ {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} ثم قال: الذي كان على بيَّنة من ربه محمد (صلى الله عليه وآله)، والشاهدُ الذي يتلوه أنا.
وأخرج ابن المغازلي بإسناده عن ابراهيم بن محمد بن ميمون ـ وكذا فرات الكوفي في تفسيره بإسناده عن سعيد بن عثمان عن أبي مريم، وكذا عبد الله أبو محمد بإسناده عن عبد الله بن عطاء كما عن القاضي المغربي ـ عن علي بن عابس قال: دخلت أنا وأبو مريم على عبد الله بن عطاء، قال أبو مريم: حدِّث علينا بالحديث الذي حدثتني عن أبي جعفر(عليه السلام)؟ قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) جالساً، إذ مرَّ عليه ابن عبد الله بن سلام، قلت: جعلني الله فداك، هذا ابن الذي عنده علم الكتاب، قال: لا، ولكنه صاحبكم عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي نزلت فيه {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}.
وأخرج الشيخ المفيد في الأمالي بإسناده عن الصباح بن يحيى المزني عن الأعمش ـ وكذا الحاكم الحسكاني بإسناده عن أبان بن تغلب عن المنهال، وأيضاً بإسناده عن منصور بن أبي الأسْوَد عن الأعمش عن المنهال بن عمرو، وكذا ابن المغازلي في مناقبه بإسناده عن ابن المسيب عن المنهال بن عمرو، وكذا أبو نعيم الحافظ بإسناده عن أبي مريم عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو وأيضاً بالإسناد عن عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش ـ عن عمرو بن المنهال عن عباد بن عبد الله قال: قدم رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قوله تعالى{أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}؟ قال: رسول الله (عليهما السلام) الذي كان على بيِّنة من ربه، وأنا الشاهدُ له ومنه.
وأخرج الحاكم الحسكاني عن بسام بن عبد الله عن أبي الطفيل قال: خطبنا عليُّ بن أبي طالب على منبر الكوفة، فقام إليه ابن الكواء فقال: هل أُنزلتْ فيك آية لم يشاركك فيها أحد؟ قال: نعم أما تقرأ {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} فالنبي (صلى الله عليه وآله) كان على بيِّنة من ربه، وأنا الشاهدُ منه(11).
------------------------------------
(1) من وحي القرآن ج12 ص 42
(2) سورة إبراهيم (عليه السلام) الآية 36
(3) سورة هود الآية 46
(4) سورة آل عمران الآية 31
(5) صفحة 165 ـ 167.
(6) أما يحيى فقد وثقه ابن معين وعلي ابن المديني وأبو حاتم والعجلي والنسائي وأبو داود ويعقوب بن شيبة وأبو أسامة فلاحظ الجرح والتعديل للرازى ج9 ص 128، ثقات العجلي ج2 ص 347، تهذيب الكمال للمزى ج 31 ص 188 إلى 192.
وابن أبي بكير وثقه أحمد بن حنبل وابن معين والعجلي وأبو حاتم وابن حبان وغيرهم فلاحظ تهذيب الكمال للمزى ج 31 ص 245 إلى 248.
وأسود بن عامر وثقه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم وعلي ابن المديني ومحمد بن سعد وغيرهم فلاحظ تهذيب الكمال المزى ج 3 ص 226 227.
وأبو أحمد الزبيري وثقه ابن نمير وابن معين والعجلي وأبو زرعة وابن خراش وأبو حاتم والنسائي وغيرهم فلاحظ تهذيب الكمال للمزى ج 25 ص 476 إلى 480.
وشريك وثقه ابن المبارك ووكيع وعيسى بن يونس وأحمد بن حنبل وعلي ابن المديني وابن معين وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة وابوزرعة والنسائي وغيرهم فلاحظ الجرح والتعديل للرازى ج 4 ص 365 367، تهذيب الكمال للمزى ج 12 ص 462إلى 472.
وإسرائيل وثقه يحيى بن سعيد وأحمد بن حنبل وابن معين والعجلي وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة وأبو نعيم وأبو داود وابن سعد والنسائي وغيرهم، فلاحظ تهذيب الكمال للمزى ج 2 ص 515 إلى 524.
وأبو إسحاق وثقه شعبة وأحمد بن حنبل والعجلي وأبو حاتم وابن معين والنسائي وغيرهم فلاحظ تهذيب الكمال للمزى ج 22ص 102 إلى 112، أقول: ولم نتعرض لوثاقة الصحابة لان السنة يعتقدون بعدالة كل الصحابة.
(7) من مصادر أبناء السُّنة: المصنف لابن أبي شيبة الكوفي ج 7 ص495، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ص 15، مسند احمد بن حنبل ج 4 ص 164- 165، الآحاد والمثاني للضحاك ج 3 ص 183، سنن ابن ماجة ج1ص 44، سنن الترمذي ج 5 ص 299، السنن الكبري للنسائي ج 5 ص 45، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص91 ـ 92، المعجم الكبير للطبراني ج 4 ص 16، مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الزيدى المذهب ج 1ص 473 -475، تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 345 ـ 348، الدر المنثور ج 3 ص 209.
(8) كتاب سليم بن قيس الهلالي ص 422، الغيبة للنعماني ص 101 102
(9) سعد السعود ص 72 - 73
(10) من مصادر أبناء السُّنة: الدر المنثور ج 3 ص 324، زاد المسير ج 4 ص 71، فتح القدير ج 2 ص 489، كنز العمال ج 2 ص 438 439، ينابيع المودة ج 1 ص 294- 295.
(11)بحار الأنوار ج7 ص 251 وج9 ص 214 وج10 ص 139 وج16 ص 358 وج33 ص 53 و176 وج35 ص199 و386 ـ 394، كتاب سليم بن قيس ص 313، بصائر الدرجات ص 152- 153، الكافي ج 1 ص 190،كمال الدين وتمام النعمة ص 13، أمالي الشيخ المفيد ص 145 أمالي الطوسي ص361 372، الهداية الكبري ص 92، الاحتجاج ج 1 ص 231 232، مناقب آل ابي طالب ج 2ص 282، العمدة ص 123ـ 124وص 208 ـ 209، العمدة ص 208 ـ 209، خصائص الوحي المبين ص139 ـ 142، الفضائل ص 138، شرح الأخبار ج 1 ص 95 وج 2 ص 311 و343 ـ347 و480 الطرائف ص 79، مختصر بصائر الدرجات ص 40،حلية الأبرار ج 2 ص 437 الغدير ج1 ص 198 و208، تفسير القمي ج 2ص 297، تفسير فرات ص 188 ـ 191، تفسير العياشي ج 2 ص 142 ـ 143، تفسير التبيان ج 5 ص 460 ـ 461، تفسير مجمع البيان ج 5 ص 255، التفسير الصافي ج 1 ص 50 وج 2 ص 437، تأويل الآيات ج 1 ص 225، تفسير نور الثقلين ج 2 ص 344، تفسير الميزان ج 10 ص 185.
من مصادر أبناء السُّنة: تفسيرجامع البيان ج 21 ص 22، تفسير القرطبي ج 9 ص 16، تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 360، المناقب للخوارزمي ص 198وص 278 - 279، شواهد التنزيل ج 1ص 359 إلى 369 كنز العمال ج 2 ص 434، نظم درر السمطين ص 90، شرح نهج البلاغة ج 2 ص 287 وج 6 ص 136 إلى 138 وج 7 ص 220 ـ 221، ينابيع المودة ج 1 ص 294.
|