الآية الحادية والثلاثون قوله تعالى:‏{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيـهَا اسْمُهُ يُسَبِّـحُ لَهُ فِيهَـا ‏بِالْغُـدُوِّ وَالآَصَـالِ*رِجَـالٌ لاَ تُلْهِيهِـمْ تِجَـارَةٌ وَلاَ بَيْـعٌ عَـنْ ‏ذِكْرِ اللهِ وَإِقَـامِ الصَّـلاةِ وَإِيـتَـاءِالـزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ ‏فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ}‏سورة النور 36 ـ 37‏

     

 قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ} وهي المساجد التي ‏جعلها الله مكاناً لعبادته، وأراد لخلقه أن يرفعوها في العمران الذي تقوم بها أعمدتها ويرتفع ‏سقفها، وفي العبادة التي أراد الله أن ترتفع أرواحُ عباده إليه، فتعرج إليه في مواقع العبودية، وفي ‏آفاق الصفاء والشروق والنقاء.‏
‏{وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} في ما يعنيه الذكر لاسم الله من استحضار ذاته في نفوس عباده، ليكون ذلك ‏منطلقاً للشعور بحضوره الدائم في حياتهم.‏
‏{يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ} عندما تشرق الشمس في بداية يوم جديد، وعندما تغرب في ‏نهايته، حيث يتحرك التسبيحُ ليوحي للنفس الإنسانية بمعاني العظمة الإلهية، التي يُراد لها أن ‏تنفعلَ بتلك العظمة في عمليةِ انفتاحٍ على خطِّ عبوديَّتها لله.‏
‏{رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ} لأنَّ حضور الله في ذواتهم أقوى من حضور أيِّ ‏شيء غيره فيهم، من الأشخاص أو الأعمال التي تشغل الناس وتُهيمن على حياتهم(1).‏
أقول: قبل الدخول في صلب الموضوع، أُحبُّ أن أسأل السيد محمد حسين فضل الله، فأقول له: ‏مَن الذي قال لك بأنَّ المراد من البيوت هي المساجد دون غيرها؟!‏
ولماذا لا يكون المقصود بعض البيوت غير المساجد؟!‏
ولماذا لا يكون المقصود هو بعض البيوت مع المساجد؟!‏
ومهما يكن، فإنَّ الآيةَ الكريمة تتحدَّثُ عن بيوتٍ صفة أصحابها ومَن فيها، أنهم أناسٌ ذاكرون له ‏تعالى ذكراً حقيقيَّاً تامَّاً.‏
أمَّا أنَّ ذكرهم له تعالى ذكرٌ حقيقيٌّ، فيُستفاد من إطلاق الوصف في الآية، لأنَّ شهادتَه تعالى ‏وإخبارَه ليس مثل شهادةِ وإخبار غيره، وبما أنه تعالى أخبر عن أولئك الأشخاص بأنهم ذاكرون ‏الله تعالى، فهذا يعني أنهم ذاكرون له بما يصحُّ معه أن يُطلَق الوصفُ عليهم على نحو الإطلاق.‏
فلو أنَّ لذكرهم إياه تعالى أيَّ نحوٍ من أنحاء القصور أو التقصير لَمَا صحَّ أن يُقال بأنهم ذاكرون ‏لله، نعم يصحُّ من أبناء البشر أن يُطلِقوا عليهم الوصف بأنهم ذاكرون، وكلامنا في إطلاق المولى ‏سبحانه عليهم ذلك في الآية الكريمة.‏
والذكرُ الحقيقيُّ لله تعالى حاصلٌ بذكره في مملكة الذات في القلب والعقل، فإنَّ العقل هو المُهيمِنُ ‏على المملكة، والذكر الحقيقيُّ حاصلٌ أيضاً بذكره تعالى من خلال الأعمال والأفعال الخارجيَّة، ‏وهذا لا يكون إلا مع كون كلِّ عملٍ صادر من الشخص، يتضمَّنُ ذكراً له تعالى، أو أنه مجسِّدٌ ‏لذكر الله سبحانه.‏
وما لم يحصل الخلوصُ التامُّ له سبحانه، فإنَّ بطبيعة الحال لن يكون الذكرُ ذكراً له تعالى، بل ‏يكون عبارةً عن لقلقةِ لسان، وتقلُّبِ حالاتٍ ليس إلا.‏
إذن، فالآيةُ تتحدثُ عن قومٍ خلصوا وأخلصوا له تعالى في الذكر والعبادة، وهذا المعنى لا ينطبِقُ ‏على أهل المساجد.‏
فإنَّ المسجدَ لا يخلو القائمون فيه عن التلبُّس بالمعصية، فضلاً عن أنَّ أكثرَ بل جلَّ أهل المساجد، ‏ذاكرون للشيطان في العمق والواقع، قضاءً لواقع عدم الإخلاص الذي يعيشونه، وهذا أمرٌ لا ‏يجهلُ به أبسطُ الجُهَّال.‏
والآيةُ تتحدثُ عن قوم لا يشغلُهم عن ذكر ربِّهم ولا يُلهيهم أيُّ شأنٍ من شؤون الدنيا، وليس ‏للتجارة أو البيع المذكورين في الآية خصوصيةٌ، بقدر ما أنَّ الحديث عن التجارة والبيع تعبيرٌ عن ‏شأنٍ من شؤون الدنيا.‏
وإلا فمَن يشغلُه ويلهيه شأنٌ دنيوىٌّ آخر غير التجارة والبيع عن ذكر الله تعالى ولا يشغلُه ‏خصوصُ التجارة والبيع، فإننا لا نتصور أن يقعَ المدحُ له منه سبحانه، بأنه رجلٌ ذاكرٌ له تعالى، ‏ولا تلهيه تجارة أو بيع.‏
بل مَن يشغله ويلهيه أيُّ شأنٍ من شؤون الدنيا عن ذكره سبحانه، لهو في الحقيقة لا يستحقُّ المدحَ ‏أصلاً وهذا واضح جداً.‏
وعلى هذا فصفة أولئك الأشخاص، أنهم ذاكرون له تعالى في كلِّ مواقع الذكر.‏
وإذا كان لا بُدَّ من التجارة والبيع ومن ممارسة كثير من التقلُّبات الدنيويَّة، فأولئك الرجال ‏الذاكرون المشار إليهم في الآية، إما أنهم تاركون لجميع شؤون الدنيا مما ينتسب إلى الدنيا، أو ‏أنهم يمارسون كلَّ ما لا بُدَّ من ممارسته، ولكنهم يمارسونه من موقع الإخلاص له تعالى في القول ‏والعمل، أي يمارسونه في الله تعالى ومع الله سبحانه، فتكون تجارتُهم وبيعُهم ذكراً له تعالى، ‏ويكون أكلُهم ونومُهم كذلك، من حيث إنهم لا يأتون بأيِّ أمرٍ إلا متقرِّبين به إليه سبحانه.‏
فهم إما لا يمارسون أيَّ أمر من الأمور إلا من خلال إضافتهم له إلى المولى إضافةً بحقٍّ، وإما ‏أنهم في مواقع الذكر الواجب والمستحب تراهم معرِضِين عن الاشتغال بغير الذكر لله تعالى، ‏وعلى كلا الفرضين فلا ينطبِقُ هذا المعنى على أهل المساجد، بل لا ينطبِقُ إلا على الراسخين في ‏حبِّهِ تعالى، والمخلِصين له حقاً قولاً وعملاً.‏
وإذا ما كان شأنُ أولئك كذلك، فإنه يتضِحُ لك بأنه لا ينطبِقُ إلا على المعصومين، وإن كان ‏التفاوتُ بين أهل الكمال والعصمة حاصلاً وواقعاً.‏
ثم إننا وجدنا الآيةَ تُخبِرُ عن البيوت، وأنها أَذِن المولى أن تُرفع وأَذِن أن يُذكر فيها اسمُه.‏
وأنت تعلم بأنه إذا ما أراد الله سبحانه شيئاً فلا رادَّ لأمره، ولا محالةَ فإنَّ ما تعلَّقت المشيئةُ الإلهيَّةُ ‏به لا بُدَّ وأن يحصل، وليس في أيِّ مسجد من مساجد الدنيا ومن اليوم الأول، أيُّ وجودٍ لمسجد لا ‏يُذكر فيه إلا اسمه تعالى.‏
ولا نعرف أنَّ مسجداً من المساجد قد ارتفع بالله تعالى، وفي الله سبحانه.‏
بل في كلِّ مساجد الدنيا يُذكَر فيها المولى ويُذكَر فيها غيرُه، وهل خلا مسجدٌ عن مُرَاءٍ هنا ‏ومنافِقٍ هناك؟!‏
فكيف تكون المساجدُ هي البيوت التي أراد سبحانه أن تُرفعَ، وأن ترتفع بذكره الحق، ولا نرى ‏مصداقاً لهذا.‏
ومتى كان العقلاءُ ينظرون إلى ارتفاع مسجد هنا ارتفاعاً ماديَّاً، ومتى كانوا ينظرون إلى ضخامةِ ‏عمرانه وبديعِ هندسته وإتقانِه؟! فكيف نظن بربِّ العقلاء أن يكون ناظراً إلى ذلك.‏
فأبداً لا ينظر سبحانه إلى البناء الفخم والعظيم لمسجد، وإنما نظرُهُ تعالى إلى القائمين في هذا ‏المكان أو ذاك، فإن كان فيه أشخاصٌ مخلِصون له تعالى، فإننا نعلم بأنه مكانٌ أَذِن الله تعالى أن ‏يُرفَع أي أن يَرفعَ أهلَه، ومعنى ذلك أنه مهما حاول مَن حاول أن يهدم بنيانَ وأساسَ ذاك البنيان، ‏بالتعرُّض لأهله قتلاً وتشريداً واضطهاداً، فإنَّ أهلَه سيبقَون الآمنين السالمين المنصورين المؤيدين ‏منه تعالى.‏
إذن فليس معنى أنَّ الله أَذِن أن يرفَع البيتَ هو أن يرفع حيطانَه في عنان السماء كما ذكر صاحب ‏تفسير من وحي القرآن، وإنما المقصود وبلا أدنى ريب أنَّ الله أراد أن يرفع أهلَه، وهل يجهل‏‎ ‎أحدٌ ‏بأنَّ التعبيرَ برفع البيت كناية عن رفْعِ أهلِه؟ ومتى رفعَ الله أهلَ المساجد؟!!‏
وهل يمكن أن نتصور بأنه تعالى أراد أن يرفع أهلَ المساجد، وفي المساجد الفُسَّاق، وفيهم مَن ‏فيهم من أهل الضلال والبدع والانحراف؟!‏
وهل غيرُ بيوت الأنبياء قد أَذِن للهُ تعالى برفعها، وها هو التاريخ ومن اليوم الأول، هل ترى أنه ‏سبحانه رفع إلا أهلَ الحقِّ والصلاحِ بحقٍّ؟
وكم حاول أهلُ الضلال أن يضعوا وأن يهدموا بيوتَ آل محمد (صلى الله عليه وآله)، فهل رأيت ‏بيتاً لهم إلا مرفوعاً مرتفعاً آمناً، مأموناً عن عبث كلِّ العابثين والساعين في الأرضِ أرضِ الحقِّ ‏فساداً؟!‏
وهل تعرَّضَ في أمة سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله) بيتٌ كما تعرض بيتُ النبوةِ ومهبطِ الوحي ‏والتنزيل، ومن اليوم الأول وإلى يومنا هذا، ظلماً وقتلاً وتشريداً وقهراً؟
هل تعرَّض إلا بيتُ الطاهرين الصادقين ومن أمة سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله) تشكيكاً ‏بفضائلهم، وإخفاءً لمناقبهم، وهضماً لحقوقهم، وإبعاداً وإزالةً لهم عن مراتبهم التي رتبهم الله تعالى ‏فيها، وقهراً وظلماً لمحبيهم؟
وأنت ترى والحمد لله وحده، أنهم الحاضرون وفي القلوب والعقول وغيرهم الغائب، وأنهم ‏الأقوياء بالحق وغيرهم الضعيف بالباطل، وأنهم المنزَّهون عن كلِّ عيب ونقصٍ وغيرهم ليس ‏متلبِّساً إلا بثوبِ النقص والعيب والعار، وأنهم العالِمون وغيرهم الجاهل، وأنَّ الأمة ومن اليوم ‏الأول وما تزال الفقيرة إليهم، وهم الأغنياء عن سواه سبحانه.‏
فصلوات الله وسلامه على تلك البيوت الشامخة في سماء الحقِّ والعدل، المرتفعةِ بالحقِّ إلى الحق، ‏ما نكست أعلامُها ولن، وما افتقر أهلُها ولن.‏
وصلواتُ الله وسلامُه على بنت الرسالة العالِمة غيرِ المعلَّمة، الصادعِة بالحقِّ، وهي القائلة «فوالله ‏الذي شرفنا بالوحي والكتاب، والنبوة والانتخاب، فكِد كيدك، واسعَ سعيَك، وانصب جهدك، فوالله ‏لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا(‏ 2‏)».‏
وها هو بيتُ آل محمد (صلى الله عليه وآله) الشامخ عُلاً ورفعةً، فليقاتل مَن شاء هذا البيت ‏الرفيع، وكيف شاء وبما شاء، فإنه بيتٌ أَذِن الله تعالى أن يُرفع.‏
وإذا ما كان يظن ظانٌّ أنَّ بمقدوره هدم بيت آل محمد (صلى الله عليه وآله)، إذا كان كذلك، فإنَّ ‏لسانَ الحق قائلٌ مردِّدٌ، كِد كيدَك، واسعَ جهدَك، فواللهِ لبيتُ آل محمد (صلى الله عليه وآله) لا ‏يموتُ وحيُه، ولا يُمحى ذكرُه،
ولَإن أوحى الشيطانُ إلى أوليائه ما أوحى وآزره على ذلك الإنس والجن، فإنَّ ذكرَ آل محمد ‏‏(صلى الله عليه وآله)، وإنَّ مناقبَهم وإنَّ فضائلَهم، ستبقى آمنةً محفوظةً في قلوبِ وصدورِ وكتب ‏وصفحات أوليائهم.‏
ومتى استطاعت سحابةُ اللؤم، أن تحجب نورَ الشمس، ومتى كان مدادُ النصب ـ العداء لآلِ ‏محمد (صلى الله عليه وآله) ـ معكِّراً لبحر الولاء، فهيهات وهيهات.‏
قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره وقد نقلناه فيما سبق: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ} هي ‏المساجدُ.‏
وقال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): هي بيوتُ الانبياء وبيتُ عليٍّ وفاطمة (صلى الله عليه ‏وآله) من أفاضلها.‏
وقد أخرج الحاكم الحسكاني والثعلبي وابن مردويه ـ وهم من أبناء السنة ـ ومحمد بن العباس ‏الماهيار بإسنادهم عن أنس بن مالك وبريدة قالا: قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه الآية ‏‏{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ} فقام رجل فقال: أيُّ بيوت هذه يا رسول الله؟ فقال: بيوتُ الانبياء، ‏فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها؟ ـ بيتُ عليٍّ وفاطمة ـ قال: نعم من ‏أفضلها.‏
وأخرج الحاكم أيضاً بإسناده عن أبي برزة قال: قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) {فِي بُيُوتٍ ‏أَذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ} قال: هي بيوتُ النبي (صلى الله عليه وآله)، قيل: يا رسول الله أَبيتُ عليٍّ ‏وفاطمة (صلى الله عليه وآله) منها؟ قال: من أفضلها.‏
وأخرج علي بن إبراهيم القمي في تفسيره بإسناده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله ‏‏{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} قال: هي بيوتُ الانبياء، وبيت عليٍّ (عليه السلام) ‏منها.‏
وأخرج الكليني في الكافي بإسناده عن أبي حمزة الثمالي قال: كنتُ جالساً في مسجد الرسول ‏‏(صلى الله عليه وآله)، إذا أقبل رجلٌ فسلَّم فقال: مَن أنت يا عبد الله؟ قلتُ: رجلٌ من أهل الكوفة،‎ ‎فقلتُ: ما حاجتك؟ فقال لي: أتعرف أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام)؟... إلى أن قال أبو ‏حمزة: فجلستُ حيث أسمع الكلام وحوله عالَم من الناس، فلما قضى ـالإمام (عليه السلام) ـ ‏حوائجهم وانصرفوا التفتَ إلى الرجل فقال له: مَن أنت؟ قال: أنا قتادة بن دعامة البصري... قال: ‏فسكتَ قتادة طويلا ثم قال: أصلحك الله، واللهِ لقد جلستُ بين يدى الفقهاء وقدام ابن عباس ـ ‏الصحابي المشهور ـ فما اضطربَ قلبي قدامَ واحدٍ منهم ما اضطربَ قدامَك! قال له أبو جعفر ‏‏(عليه السلام): ويحك، أتدرى أين أنت؟ أنت بين يدى {بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ‏اسْمُهُ...}.‏
وأخرج الكليني في الكافي عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزَّ ‏وجل{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ} قال: هي بيوتُ النبي (صلى الله عليه وآله).‏
وأخرج الكليني في الكافي والصَّدوق في كمال الدين بإسنادهما عن أبي حمزة عن أبي جعفر ‏‏(عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: فالحُجَّةُ الأنبياءُ (عليهم السلام) وأهلُ بيوتات الأنبياء (عليهم ‏السلام) حتى تقوم الساعةُ، لأنَّ كتابَ الله ينطق بذلك،‎ ‎وصية الله بعضها من بعض التي وضعها ‏على الناس فقال عزَّ وجل {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ} وهي: بيوتاتُ الأنبياء والرسل والحكماء ‏وأئمة الهدى.‏
أقول: وورد عن أكثر من إمام وبطرق مختلفة فلاحظ (3).‏
وأخيراً، ألا يجوز منا أن نسأل السيد محمد حسين فضل الله عن السبب الذي دعاه إلى اختيار ‏تفسير الآية بمعنى يخالف المعنى الوارد الثابت عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل ‏بيته (عليهم السلام)؟!‏
لعلك تقول: إنَّ الأخبار الواردة تحدثت عن أنَّ المقصود هو بيوت الأنبياء كأحد المصاديق لمعنى ‏البيوت الوارد في الآية.‏
فنجيب: أولاً: إنك إذا ما تأملتَ ما نقلناه لك من أخبار، تخرج بنتيجة حاصلها: بأنَّ المساجدَ لا ‏يشملها لفظ البيوت الوارد في الآية.‏
ثانياً: إنَّ الألفاظ الواردة في الأخبار كمثل «هي بيوت الأنبياء» تفيد الاختصاص في لغة العرب.‏
ثالثاً: لو قلنا بأنَّ الأخبار لا تُفيد تخصيص البيوت ببيوت الأنبياء ومن أفضلها بيت عليٍّ وفاطمة ‏‏(صلى الله عليه وآله)، غير أنه لا يوجد في الأخبار ما يفيد أنَّ المساجد منها.‏
رابعاً: لو قلنا بأنَّ المقصود من البيوت هي المساجد مع بيوت الأنبياء، فلماذا اقتصر السيد محمد ‏حسين على تفسير البيوت بالمساجد، ولم يذكر بيوت الأنبياء وبيت عليٍّ وفاطمة (عليهما السلام).‏
فهل أنَّ تفسير البيوت بما يشمل بيتهما (عليهما السلام) تفسير مخالف لآية قرآنيَّة، أو لحديث ثبت ‏صدوره عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)؟!‏
وهل أنَّ ما ورد ـ في بعض كتب أبناء السنة من روايتهم عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه ‏وآله) من أنَّ بيت عليٍّ وفاطمة (عليهما السلام) هو من البيوت المقصودة في كلامه سبحانه ـ هو ‏بِدعةٌ محرمة، أو أنَّ تلك الأخبار قد دسَّها الموساد الصهيوني والمخابرات لتغذية النزاع بين السُّنة ‏والشيعة؟!!‏
هذه أسئلة نتمنَّى أن يُجاب عنها بعبارة واضحة صريحة.‏

-------------

‏(1) من وحي القرآن ج16 ص 326.‏
‏(‏2‏) الإحتجاج ج2 ص 37 ؛ بحار الأنوار ج45 ص 135.‏
‏(3) الكافي ج 4 ص 559 وج 6 ص 256 وج 8 ص 113إلى 119و331 ؛ كامل الزيارات ص 119؛ كمال الدين وتمام النعمة ص ‏‏218 ؛ عيون أخبار الرضا ج 1 ص 305 إلى307 ؛ بحار الأنوار ج 10 ص 154 و ج 11 ص 49 ـ 50 وج 32 ص 325 ؛ ‏مناقب أهل البيت للشيرواني ص 93 ؛ تفسير القمي ج 2 ص 103 ؛ تفسير فرات الكوفي ص 281 إلى287 ؛ تفسير مجمع البيان ج ‏‏7 ص 253؛ جوامع الجامع ج 2 ص623 ـ 624 ؛ العمدة ص 291 ؛ خصائص الوحي المبين ص 106 ؛ تأويل الآيات ج 1 ص ‏‏362 ـ 363 ؛ التفسير الصافي ج 3 ص 436 ؛ تفسير نور الثقلين ج 3 ص 608؛ ‏
من مصادر أبناء السُّنة: شواهد التنزيل ج 1 ص 531 إلى534 ؛ تفسير القرطبي ج 12 ص 265 ؛ الدر المنثور ج 5 ص 50.‏

     

فهــرس الكتــاب

     

ضلال نت