قال السيد محمد حسين في تفسيره: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} في ما يُحبُّه المؤمنُ لنفسه من التقدُّم في مجالات الخير، والدعوةِ إلى الله، والعملِ في سبيله، والالتزام بالخطِّ المستقيم في العقيدة والشريعة والحياة، بحيث يبلغ الدرجةَ العليا في ذلك حيث الإمامةُ والقيادة، وذلك هو طموح المؤمنين في الحياة في عملية التسامي في آفاق التقوى في ما يُجاهدون به أنفسهم(1).
أقول: قول السيد محمد حسين «بحيث يبلغ الدرجةَ العليا في ذلك حيث الإمامةُ والقيادة، وذلك هو طموح المؤمنين»، قولٌ غير صحيح.
وواللهِ إنَّ المؤمنين ليجهلون من أنفسهم أنَّ عندهم طموحاً لبلوغ الدرجة العليا في ذلك حيث الإمامةُ والقيادة، بل يبرأون إلى الله تعالى ممَّن عنده هذا التوجُّه وهذا النحو من التفكير، وهم على حذر شديدٍ مِن أن يَمكُرَ بهم الشيطان، فيطلبون هذا الطريق، ويطرقون هذا السبيل.
أَليست الآيةُ واضحةً في أنها تتحدث عن قوم هم القدوةُ للمتقين، فرجعنا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في ما وصف فيه المتقين، فرأيناه قد وصفهم بأوصاف لا تكاد تنطبِقُ إلا على الأوحدىِّ من الناس.
فالمتقون كما وصفهم مولاهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، هم أهلُ الفضائل، هم أصحابُ اليقين المتواضعون، وذووا الرشد الزاهدون، رهبان في الليل وقد أحيوه بالعبادة والدعاء والتضرع والبكاء، وفي النهار هم الحلماء العلماء، ليس لهم فيما لا يعنيهم شغلٌ، ولا يعنيهم إلا الحق ونصرته...إلخ.
وبالجملة فالمتقون، هم ثُلةٌ من أهل الكمال والثقة، تتفاوت درجاتُهم، ولا يدنو إلا الأوحدىُّ من الناس من أدناهم، فكيف بمَن يكون إمامَهم ومَن هم به يقتدون، وله يتَّبعون؟!!
أَيرى السيد محمد حسين أنَّ غيرَ المعصوم مَن يكون مقتداهم؟!
أَيرى أنَّ غيرَ المعصوم يصلح لإمامتهم؟!
هذا وقد أخرج الحاكم الحسكاني ـ من أبناء السُّنة ـ في الشواهد، ومحمد بن العباس وفرات في تفسيريهما، بإسنادهم عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى {هَبْ لَنَا مِن أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): قلتُ لجبرئيل (عليه السلام) {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}قال: عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام).
وأخرج الحاكم الحسكاني، وعلي بن إبراهيم القمي وفرات الكوفي في تفسيريهما، بإسنادهم عن أبان بن تغلب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزَّ وجل {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِن أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} قال: نحن هم أهلَ البيت (عليهم السلام).
وأخرج محمد بن العباس بإسناده عن ابن عباس قال: قوله {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِن أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا} نزلت في عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام).
وبإسناده عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله عزَّ وجل {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} هذه لآل محمد (صلى الله عليه وآله) خاصةً.
وبإسناده عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} قال: إيانا عنى بذلك.
وقال ابن شهرآشوب: أبو نعيم الفضل بن دكين ـ من أبناء السُّنة ـ عن سفيان عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير في قوله تعالى قوله {وَالَّذينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِن أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا} قال: نزلت هذه الآية واللهِ خاصةً في أمير المؤمنين (عليه السلام)(2).
أقول: والذي يريب جداً، أنَّ ما ورد عن أئمة الهدى (عليهم السلام) ليس فيه ما يُمكن أن يُوهِم بأنه واردٌ لبيان أحد المصاديق، بل ورد مثل «إيانا عنى».
أَليس من حقي أن أَتعجب ممَّن يقول بأنه يلتزم بما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام)، وأنا أراه وبصريح العبارة يختار قولاً مخالِفاً لأهل البيت (عليهم السلام)؟!!
------------------
(1) من وحي القرآن ج17 ص 81.
(2) تفسير القمي ج 2 ص 117 ؛ تفسير فرات ص 294 ـ 295 ؛ تفسير التبيان ج 7 ص 512 ؛ تفسير مجمع البيان ج 7 ص 313 ـ 315 ؛ تفسير جوامع الجامع ج 2 ص 664 ؛ التفسير الصافي ج 1 ص 50 وج 4 ص 27 ؛ التفسير الأصفى ج 2 ص 876 ـ 877 ؛ تأويل الآيات ج 1 ص 383 ـ 385؛ شواهد التنزيل ج 1 ص 538 ـ 539 ؛ مناقب آل ابي طالب ج 2 ص 263 وج 3 ص 152 ؛ بحار الأنوار ج 24 ص 232 إلى 135 وج29 ص 567 وج 66 ص 262 ـ 263 ؛ دعائم الأخبار ج 24 ـ 25 ؛ شرح الأخبار ج3 ص 475.
|