قال المفسِّر المعاصر: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} لأنهم كانوا في موقع الجدِّية في مواجهة الحقيقة في ما هو الفكر والسلوك، كما كانوا في موضع الشكر لله في نعمه فكان الإيمانُ مظهرَ خضوعٍ وشكرٍ لله، وكان العملُ بالصالحات تجسيداً دليلَ روحيَّة الخير في نفوسهم، باعتبار ما يُمثِّلُه ذلك من الانسجام مع الخطِّ المستقيم في الحياة المنفتحة على مواقع أمر الله ونهيه، ولذلك كانوا خير البرية(1).
أقول: لا يمكن أن نعتقد بأنه تعالى يُعطي الأحكام جزافاً، فإنه سبحانه الحكيم العليم، ولن نُصدِّق مَن يدَّعي بأنه تعالى جرى في كتابه العزيز في بعض الموارد فيما يخصُّ بابَ المدح أو الذمِّ على ما يجري عليه أبناءُ العرف العام من المبالغة في المدح والذم.
وأيضاً فإننا لن نعتقد به جلَّت كلمتُهُ إلا أنه الحكيم اللطيف العليم، لن نعتقد بالله ربنا أنه ـ والعياذ بالله تعالى ـ يلهو ويلعب، ويقع في التهافت والتناقض.
وهل يُراد منا أن نُصدِّق بما يقوله السيد محمد حسين فضل الله في بيان وتفسير آية خير البرية؟!
أَوَ يتجاهل المفسِّر المعاصر، بأنَّ كلمة خير هنا بمعنى أخير ولكنها لا تأتي إلا بلفظ خير؟!
أَوَ لا يعلم بأنه سبحانه ما كان ليرضى بقولٍ مطلقٍ عن غير المعصوم، لأنه سبحانه لا يرضى الباطل ولا يُحبُّه، وغيرُ المعصوم لا يخلو عن باطلٍ في قولٍ أو عملٍ؟!
أَوَ يجهل بأنَّ الآية لا يُمكن أن تنطبِّقَ أولاً إلا على المعصومين، وببركةِ أنفاسهم تنطبِقُ فيما بعد على مَن تولَّاهم بحقٍّ فإنهم المؤمنون حقاً؟!
فلماذا لم يُشِر أولاً إلى اختصاص خير البريَّة بالصفوة من الخلق أعني سيدنا محمد وآله الأطهار (عليهم السلام)، ومِن ثَمَّ فيعمد إلى استيحائه!!
وكيف يكون سيدُنا محمد وآلُهُ الأطهار (عليهم السلام) وغيرُهم أيضاً خيرَ البريَّة؟!!
فهل هناك مَن يجهل باختصاصهم (عليهم السلام) بذلك، وأنَّ سوى آل محمد (صلى الله عليه وآله) من أنبياء وملائكة وأوصياء وأولياء، ليسوا إلا أَتَباعاً لهم؟!
وواللهِ لولا أنَّ المجالَ ضاق علينا، لما بخلنا عليك بِنَقْلِ تحقيقات أعلامنا وما سَطَرَه محققوا أبناء الفرقة الناجية، ولكننا سنكتفي بنقل بعض الأخبار.
أقول: قال ابن طاووس: إنَّ محمد بن العباس بن مروان في تفسير قوله تعالى {أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} وأنها في مولانا عليٍّ وشيعتِهِ، رواه مُصنِّفُ الكتاب من نحو ستة وعشرين طريقاً أكثرها رجال الجمهور، أي من رجال أبناء السُّنَّة.
هذا وقد أخرج ابن عساكر في تاريخه، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل، والخوارزمي في مناقبه، والحمويني في فرائد السمطين، والكنجي في كفاية الطالب ـ وهم من أبناء السُّنَّة ـ والشيخ الطوسي في أماليه، وفرات الكوفي في تفسيره، ومحمد بن علي الطبري في بشارة المصطفى بإسنادهم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) فأقبل عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): قد أتاكم أخي.. قال: ونزلت {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} قال: فكان أصحابُ محمد (صلى الله عليه وآله) إذا أقبل عليٌّ (عليه السلام)، قالوا: قد جاء خيرُ البريَّة.
وأخرج أبو نعيم، والحاكم الحسكاني ـ وهما من أبناء السُّنَّة ـ بإسنادهما عن محمد بن علي وتميم بن حذلم عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الاية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعليٍّ (عليه السلام): هم أنت وشيعتُك.
أقول: ومثله أخرج الحسكاني، وابن مردويه، ومحمد بن العباس بإسنادهم عن عليٍّ (عليه السلام)، وأيضاً أخرجه الحاكم بإسناده عن أبي داود عن أبي برزة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأيضاً أخرجه الحاكم بإسناده عن بريدة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأخرج الحاكم الحسكاني، ومحمد بن العباس بإسنادهما عن عاصم بن ضمرة عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: آلُ محمد (صلى الله عليه وآله) خيرُ البريَّة.
وأخرج الكليني في الكافي، ووالد الشيخ الصَّدوق في الإمامة والتبصرة، بإسنادهما عن طاهر قال: كنتُ قاعداً عند أبي جعفر (عليه السلام)، فأقبل جعفر (عليه السلام) فقال: هذا خيرُ البريَّة.
وأخرج الكليني بإسناده عن سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: في كلِّ جناحِ هُدْهُدٍ مكتوبٌ بالسريانيَّة: آلُ محمد (صلى الله عليه وآله) خيرُ البريَّة.
وأخرجه أيضاً الشيخ الطوسي في الأمالي بإسناده عن أمير المومنين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
أقول: ويُؤيِّد هذا ما أخرجه خيثمةُ في حديثه، وابن عدي في الكامل ـ وهؤلاء من أبناء السُّنَّة ـ ومحمد بن سليمان في المناقب، بإسنادهم عن حذيفة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: عليٌّ خيرُ البشر، فمَن أبى فقد كفر.
وأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، ومحمد بن سليمان في المناقب، بإسنادهما عن محمد بن المنكدر عن جابر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأخرجه أيضاً ابن حبان في الثقات بإسناده عن سالم بن أبي الجعد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأخرجه ابن عساكر بإسناده عن عطاء عن عائشة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
أقول: وورد الكثير والكثير جداً في هذا المعنى، فراجع(2).
--------------------------------
(1) من وحي القرآن ج 24 ص 363.
(2) بحار الأنوار ج 22 ص 279 و458 و498 وج23 ص 369 و390 وج24 ص264 وج25 ص 384 وج26 ص 318 ـ 319 ؛ المحاسن ج 1 ص 171 ؛ الامامة والتبصرة ص 65 ؛ الكافي ج 1 ص 306 ـ 307 وج 6 ص 224 ؛ المسترشد ص 271 إلى283و353 ـ 354 ؛ شرح الأخبار ج 1ص 143ـ 144 و195 و202 و210 و212 وج 2 ص 62 و465 وج 3 ص 469 ؛ الارشاد ج 2 ص 181 الأمالي للشيخ المفيد ص 61 ـ 62 ؛ الأمالي للشيخ الطوسي ص251 ـ 252 و335 و405 ـ 406 و671 ؛ مناقب آل ابي طالب ج 2 ص 266 ـ 267 و291 وج 3 ص170 ؛ سعد السعود ص 108؛ مناقب أهل البيت للشيرواني ص 77 ـ 78 و177 ؛ تفسير العياشي ج 1 ص 280 ؛ تفسير القمي ج 2 ص432 ؛ تفسير فرات الكوفي ص 583 ـ 584 ـ 587؛ تفسير مجمع البيان ج 6 ص 266 وج 10 ص 415 ؛ خصائص الوحي المبين ص 224 ـ 225 ؛ التفسير الصافي ج 5 ص 355 ؛ التفسير الأصفى ج 2 ص 1465 ؛ تفسير نور الثقلين ج 1 ص 563 وج 4 ص 85 ؛ بشارة المصطفى ص 149و196 –197و293 و296 و378 ؛ تأويل الآيات ج 1 ص 281 ـ 282 وج 2 ص 629 ـ 630 و831 ـ 833 ؛ من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 493 ؛ علل الشرائع ج 1 ص 142 ؛ عيون أخبار الرضا ج 1 ص 64 ؛ الأمالي للشيخ الصَّدوق ص 135ـ 136 ؛ شرح الأخبار ج 1 ص 141 ـ 144؛ مائة منقبة ص 128ـ 131 ؛ العمدة ص 216 و264 ؛ الفضائل ص 162.
وأما مصادر أبناء السُّنة فنذكر منها: تفسير جامع البيان ج 30 ص 335 ؛ شواهد التنزيل ج 2 ص 458 إلى473 ؛ الدر المنثور ج 6 ص 379 ؛ فتح القدير ج 5 ص 477؛ الكامل ج 1 ص 170 وج 4 ص 10و67 ؛ تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 371 إلى374 ؛ مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي ج 2 ص 521 ـ 523 ؛ ذخائر العقبى ص 96 ؛ المصنف لابن أبي شيبة ج 7 ص 504 ؛ حديث خيثمة ص 200 ـ 201 ؛ الثقات لابن حبان ج 9 ص 281 ؛ تاريخ بغداد ج 7 ص 433 ؛ أنساب الاشراف ص 103 و113 ؛ جواهر المطالب ج 1 ص 257 ؛ ينابيع المودة ج 1 ص 196 و223 وج 2 ص 78 و186 و273 و274 و277 و357 و452 ؛ شرح نهج البلاغة ج 2 ص 188 ؛ نظم درر السمطين ص 92.
|