قال المفسِّرُ المعاصر في تفسيره: وقد أفاض المفسِّرون كثيراً في الحديث عن الدابَّة في طبيعتها الإنسانيَّة والحيوانيَّة، وفي صفاتها الغريبة وفي كيفيَّةِ خروجها ومضمونِ كلامها مما لم يثبت به حُجَّةٌ قاطعةٌ، وقد لاحظنا أنَّ القرآنَ وضعها في موضع الإبهام ولم يُفصِّل أيَّ شيء من هذه الأمور، فلنترك الخوض في ذلك كلِّه، لأنه مما لا فائدة فيه على مستوى النهج القرآني في مضمونه وإيحاءاته(1).
أقول: قبل أن نُشير إلى الأخبار المفسِّرة للآية والتي كشفت النقاب عن حقيقة الدابَّة، لا بُدَّ من التعليق على ما جاء في كلام السيد محمد حسين.
قوله: «أن القرآن وضعها في موضع الإبهام».
أقول: ولكن هل يدلَّنا السيد محمد حسين كيف أنَّ المولى سبحانه لم يضع الصلاةَ، والزكاةَ، والصومَ، والحجَّ، والخمسَ، وسائرَ العبادات والمعاملات، موضعَ الإبهام؟!
وهل شرائطُ وأجزاءُ العبادات وما اعتبره المولى في المعاملات، علمناه من القرآن الكريم؟!
فلماذا لم يلتزم المفسِّر المعاصر بعدم الرجوع إلى السُّنَّة المباركة في مقام التعرِّف على ذلك، ولماذا لم يقل بأنَّ الله تعالى وضعها موضع الإبهام؟!
ومتى كان حديثُ القرآن عن شيءٍ إلا حديثاً مُجمَلاً مختصَراً وبإشاراتٍ فحسب، وإنما أَوكل سبحانه معرفةَ التفاصيل إلى بيان النبيِّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهلِ بيته الأطهار (عليهم السلام).
قوله: «لأنه مما لا فائدة فيه على مستوى النهج القرآني في مضمونه وإيحاءاته»
أقول: وأنَّى له بالجزم بذلك، وهل كان غرضُ القرآن في جلِّ آياته إلا الدلالةَ على أئمة الهدى (عليهم السلام)، والهدايةَ إلى سادة الورى، لِتتُّمَ الحُجَّةُ على المنكِر المعانِد، وليتأتَّى لطالِب الحقِّ الرجوعُ إليهم بغيةَ الظفرِ والوقوفِ على الحقِّ؟!
وإذا ما ثبت من خلال الأحاديث الموثقة بأنَّ المقصود من الدابَّة في الآية التي نبحث فيها هو أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنه تكون الآية دليلاً على صحة ما يعتقده الشيعةُ من الرجعة، وما أَسْمَاه من مضمونٍ، وما أَعظمه من إيحاءٍ.
وعليه، فتكون الآيةُ في مقام الدلالة على أمر دينيٍّ عقائديٍّ، ولزاماً علينا أن نكون في مقام الانتصار للمذهب الحقِّ، ولما يعتقدُهُ أبناءُ الفرقة الناجية.
وإلا فإنَّ لكلِّ شخصٍ من أئمة أهل الضلال من أبناء السُّنَّة، أن يعمد إلى إنكارِ وإبطالِ الكثير من الأمور التي يعتقدُ بها أبناءُ الفرقة الناجية المرحومة أي الشيعة، بادِّعاء: أنَّ القرآن لم يُعيِّن هنا ولم يُفصِّل هناك!
على أنَّ كلَّ مثل هذه الأساليب واضحةُ البطلان هزيلةُ المبنى، فإنَّ أهل البيت (عليهم السلام) عندهم تفصيلُ وتبيينُ ما أجمله القرآن، ولهذا ورد الحثُّ عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بالرجوعِ إليهم والأخذِ عنهم والتمسكِ بهم، ولم يرِد أيُّ نصٍّ على الاكتفاء بما أشار إليه القرآنُ الكريم فحسب، حتى يقول السيد محمد حسين فضل الله فَلْنُجْمِل ما أجمله القرآن، نعم هي مقولةُ أساسِ الفساد وجرثومةِ الطغيان، غاصبِ الخلافة، وظالِمِ الصِّدِّيقة الشهيدة، فإنه وحده صاحبُ مقولة «حسبنا كتاب الله».
هذا وقد بنينا على الاكتفاء فيما يأتي التعرُّضُ له من الآيات على إيراد بعض الأخبار، اللهم إلا إذا دعت الحاجةُ إلى توضيحٍ وبيانٍ، فنشير إلى شيءٍ يسير، لأنَّ المجالَ ضاق علينا جداً.
ومما ينبغي التنبيهُ عليه أنَّ من السخرية بمكان، أن يطلب منا مخالفونا أبناء السُّنَّة في كلِّ أمرٍ نصَّاً صريحاً من عندهم على أحقيَّة أمير المؤمنين (عليه السلام)، أو أن يطلبوا منا في كلِّ فضيلةٍ ثبتت من طرقنا لأمير المؤمنين أو لأبرار عترته (عليهم السلام)، أن يطلبوا منا لها قولاً صريحاً في ذلك من عندهم.
نعم، إنَّ روايتهم لذلك كنصٍّ صريحٍ يقطعُ عذرَ كلِّ معتذِر، ويستبِينُ به بطلانُ باطلِهم وكلُّهُمُ باطلٌ، ولكنَّ الأمر لا يقتصر على ذلك، فإنَّ ضمَّ خبرٍ إلى خبر آخر، يكاد يُفيد في بعض الموارد فائدةَ النصِّ الصريح الواضح.
وأيضاً فإنَّ دلالةَ خبرٍ واردٍ من طرق أبناء السُّنَّة على فضيلة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، يكفي لنا كدليلٍ قطعيٍّ على صحة مضمون خبرٍ واردٍ من طرقنا دالٍ على ذلك المعنى، ولا يضر فيما إذا كان الخبر غير صحيح السند.
فقد أخرج أحمد بن حنبل، وأبو داود الطيالسي، وعبد بن حميد، والترمذي، وابن ماجه، وابن جرير الطبري، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم النيسابوري، وابن راهويه، وابن مردويه، والبيهقي ـ وجميع هؤلاء من أبناء السُّنة ـ والكلام لأحمد بن حنبل ـ بإسنادهم عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: تخرج الدابَّةُ ومعها عصا موسى (عليه السلام) وخاتم سليمان (عليه السلام)، فتخطم الكافر ـ قال عفان أنف الكافر ـ بالخاتم، وتجلو وجه المؤمن بالعصا، حتى أنَّ أهل الخوان ليجتمعون على خوانهم فيقول: هذا يا مؤمن، ويقول: هذا يا كافر(2).
أقول: وعليه فإن ثبت من طرقنا، بأنَّ عصى موسى وخاتم سليمان على نبينا وآله وعليهما السلام هما عند أئمتنا (عليهم السلام)، فإنَّ هذا الحديث الذي نقلناه عن أبناء السُّنَّة، يُمثِّلُ قرينةً قطعيَّةً على صحة الخبرٍ الواردٍ من طرقنا على أنَّ المقصود من الدابَّة هو أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولا نحتاج إلى وجود خبر صحيحٍ موثوقٍ به دالٍ على ذلك بالخصوص، وهذا واضح بأدنى تأمُّلٍ.
هذا وقد ثبت عندنا من طرق كثيرة جداً، بأنَّ عصى موسى وخاتم سليمان هما عند أئمتنا (عليهم السلام).
فقد أخرج الصفار في البصائر، والكليني في الكافي، والعياشي في تفسيره، ووالد الصَّدوق في الإمامة والتبصرة، والصَّدوق في كمال الدين، والشيخ المفيد في الاختصاص، بإسنادهم عن محمد بن الفيض عن محمد بن علي (عليه السلام) قال: كان عصى موسى لآدم، فصارت إلى شعيب، ثم صارت إلى موسى بن عمران، وإنها لعندنا، وإنَّ عهدي بها آنفاً.
وأخرج الصفار في البصائر، والكليني في الكافي، بإسنادهما عن سعيد السمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وإنَّ عندي ألواح موسى وعصاه، وإنَّ عندي لخاتمَ سليمان بن داود.
وأخرج الصفار بإسناده عن جابر قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): ألم تسمع قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عليٍّ (عليه السلام): واللهِ لَتُؤتَينَّ خاتمَ سليمان، واللهِ لَتُؤتَينَّ عصى موسى.
وأخرج الصفار والكليني بإسنادهما عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: خرج أميرُ المؤمنين (عليه السلام) ذاتَ ليلةٍ على أصحابه بعد عتمة وهم في الرحبة، وهو يقول: همهمة وليلة مظلمة، خرج عليكم الإمامُ وعليه قميص آدم، وفي يده خاتم سليمان وعصى موسى (عليه السلام).
وأخرج الكليني بإسناده عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) كثيراً ما يقول: أنا قسيمُ الله بين الجنة والنار، وأنا الفاروقُ الأكبر، وأنا صاحبُ العصا والميسم(3).
أقول: وهذا المقدارَ مع الالتفات إلى ما ألمحنا إليه كافٍ وافٍ جداً.
ثم إنَّ ما يمكن أن نحتمل ورودَهُ من الأخبار للتقيَّة، هو الخبر المتضمِّنُ نفيَ منقبةٍ أو فضيلةٍ ثابتةٍ لأحدٍ من الأئمة (عليهم السلام) مما ورد من طرقنا، فما يرد عن أحد من الأئمة في مقام نفيِ منقبةٍ لهم (عليهم السلام) هو بالخصوص ما يتعيَّنُ حملُهُ على التقية.
وإذا ما كان الأمرُ كذلك، فإنَّ ما رواه أبناء السُّنَّة من إنكار أمير المؤمنين (عليه السلام) أو أحد من الأئمة (عليهم السلام)، على أن يكون عليٌّ (عليه السلام) هو المقصود من الآية التي نبحث فيها، هو ما يتعيَّنُ حملُهُ على التقية، ولا نظنُّ بأحدٍ بل لا نحتمل من أحد ممَّن ينتسب إلينا، أن يُشكِّكَ في منقبةٍ من مناقبهم (عليهم السلام)، بحُجَّة أنَّ الإمام الصادق مثلاً قد أنكرها، فإنَّ إنكارَه لا يكون محمولاً على الواقع وعلى بيان الحقيقة واقعاً.
فقد أخرج محمد بن سعد في طبقاته، والبلاذري في أنساب الأشراف، والطبراني في المعجم الكبير، وابن عساكر في تاريخه، وهؤلاء من أبناء السُّنَّة ـ والكلام لابن عساكر ـ بإسنادهم عن عمرو بن الأصم قال: قلت للحسن بن علي (عليهما السلام): إنَّ هذه الشيعة يزعمون أنَّ علياً (عليه السلام) مبعوثٌ قبل يوم القيامة؟ فقال: كذبوا واللهِ، ما هؤلاء بالشيعة، لو علمنا أنه مبعوثٌ ما زوجَّنا نساءه، ولا قَسَمَنا ماله.
أقول: وأخرجه ابن عساكر أيضاً بإسناده عن عاصم بن ضمرة، وأخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل بإسناده عن عاصم بن بهدلة.
وأخرج عبد الرزاق الصنعاني ـ من أبناء السُّنة ـ في تفسيره عن معمر عن قتادة قال: قيل لابن عباس: إنَّ رجالاً يقولون إنَّ علياً (عليه السلام) مبعوثٌ قبل يوم القيامة؟ قال: لو كنا نعلم أنَّ علياً (عليه السلام) مبعوثٌ، ما تزوجنا نساءه، ولا قَسَمَنا ميراثَه.
وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره بإسناده عن قتادة من طريق معمر ومن طريق سعيد، وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر ـ وجميع هؤلاء من أبناء السُّنَّة ـ عن أبي إسحق(4).
أقول: وما ينفعنا من هذه الأخبار التي نقلناه من كتب وصحاح أبناء السُّنَّة، أنَّ الحديثَ عن أنَّ علياً (عليه السلام) هو دابَّةُ الأرض، كان حديثَ الشيعة في زمن الإمام الحسن المجتيى (عليه السلام) وزمن ابن عباس.
وإما إنكارُ الإمام المجتبى (عليه السلام) وإنكارُ ابن عباس أنَّ علياً (عليه السلام) يُبعث قبل القيامة، فهل تظنُّ أننا نأخذ به؟!
وإذا ما كانت الشيعة تعتقد في زمن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) وفي زمن ابن عباس بالرجعة، وبأنَّ أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) هو دابَّة الأرض، فنسأل: هل كانت الشيعةُ تدينُ اللهَ تعالى إلا بما ثبت عن أئمة الهدى (عليهم السلام)؟!
وهل تظن بأنَّ أبناءَ السُّنَّة غيرُ متَّهمِين في نقلهم الإنكار الذي نقلوه عن الإمام المجتبى (عليه السلام) وعن ابن عباس؟!!
ولو سلمنا بأنَّ الإنكار حصل وصدر عنهما، إلا أنه أَتظنُّ أنَّ الإنكارَ كان إنكاراً حقيقياً وواقعياً؟!
ويكفي لك أن تتأملَ بمضمون خبر الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، إذ أنَّ كون عليٍّ (عليه السلام) مبعوثاً بعد الموت، لا ينافي قسمةَ ميراثه وتزويجَ نسائه، وأيُّ ربطٍ بين ما ذكره (عليه السلام) في جوابه وبين ما سُئِل عنه؟!
فإنَّ ما ذكره الإمام المجتبى (عليه السلام)، ينفع في مقام الردِّ على مدَّعي عدم موت عليٍّ (عليه السلام)، ولا يصلح للردِّ على مدَّعي الرجعة، وهذا المعنى لا يجهل به الجاهل، فكيف يستدل بذلك الإمام (عليه السلام) على نفي الرجعة؟!! وثبوت الرجعة لا ينافي ما ذكره.
وبالجملة، فقسمةُ الميراث من آثار موت أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولا شكَّ بأنه (عليه السلام) قد استشهد.
وعلى هذا فإنَّ ما أجاب به الإمام المجتبى(عليه السلام) وابن عباس قرينةٌ قطعيَّةٌ على أنهما التزما بالتقيَّة والتعميةِ على أهل الضلال، والدليلُ على ما نقوله هو الجواب الذي أجابا به.
هذا وقد أخرج ابن أبي حاتم ـ من أبناء السُّنَّة ـ عن النزال بن سبرة قال: قيل لعليِّ بن أبي طالب (عليه السلام): إنَّ ناساً يزعمون أنك دابَّةُ الارض؟ فقال: واللهِ إنَّ لدابَّة الأرض ريشاً وزغباً، ومالي ريش ولا زغب، وإنَّ لها لحافراً ومالي من حافر(5).
أقول: ولكن مضافاً إلى أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لم ينفِ ولم يُنكِر بنحوٍ صريحٍ أنه هو المقصود من دابَّة الأرض في الآية التي نبحث فيها، وهذا يُمثِّلُ قرينةً على صحة ما سُئِلَ عنه مما يعتقدُهُ الناس، فإنَّ الجوابَ الصريحَ أن يقول: لستُ كذلك وما يشبه هذا من تعابير، وأما ما أجاب به (عليه السلام)، فظاهرٌ جداً أنه أسلوبٌ يستخدِمُهُ كلُّ مَن يريد أن يتهرَّب عن جواب ما يُسأل عنه، وهذا المعنى الذي قلناه تعرفه من نفسك فارجع إليها.
نقول: مضافاً إلى هذا، فإنَّ محمد بن كعب القرطي (القرظي) ـ كما عن القرطبي والشيخ الطوسي والطبرسي في تفاسيرهم ـ روى عن عليٍّ (عليه السلام) أنه سئل عن الدابَّة فقال: أما واللهِ ما لها ذنبٌ وإنَّ لها للحية.
وأخيراً فقد أخرج علي بن إبراهيم القمي في تفسيره، والحلي في مختصر البصائر، بإسناد صحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو نائم في المسجد.... فقال له: قم يا دابَّةَ الله، فقال رجل من أصحابه يا رسول الله: أَيُسمِّي بعضُنا بعضاً بهذا الإسم؟ فقال: لا واللهِ ما هو إلا له خاصةً، وهو الدابَّةُ التي ذكر الله في كتابه {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ} ثم قال: يا علي، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة، ومعك ميسم تسم به أعداءك، فقال رجل لأبي عبد الله (عليه السلام): إنَّ الناس يقولون هذه الدابَّة إنما تَكْلِمُهُم؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كَلَمَهُم اللهُ في نار جهنم، إنما هو يُكَلِّمُهم من الكلام.
وبإسنادهما عن المفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رجل لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظان، آية في كتاب الله قد أفسدت قلبي وشكَّكَتْني، قال عمار: وأي آية هي؟ قال قول الله {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ..} فأي دابَّة هي؟ قال عمار: واللهِ ما أجلسُ ولا آكلُ ولا أشربُ حتى أُريكها، فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يأكل تمراً وزبداً، فقال له يا أبا اليقظان: هلُمَّ، فجلس عمار وأقبل يأكل معه، فتعجب الرجل منه، فلما قام عمار، قال له الرجل: سبحان الله يا أبا اليقظان، حلفتَ أنك لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتى ترينيها، قال عمار: قد أريتكها إن كنتَ تعقِل.
وأخرج الصفار في البصائر، والكليني في الكافي، والحلي في مختصر البصائر، بإسنادهما عن أبي الصامت الحلواني عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): وإني لصاحب العصا والميسم، والدابَّةُ التي تُكلِّمُ الناس.
وأخرج محمد بن العباس في تفسيره، والحلي في مختصر البصائر، بإسنادهما عن الأصبغ بن نباتة قال: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يأكل خبزاً وخلاً وزيتاً فقلت: يا أمير المؤمنين قال الله عزَّ وجل {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ} فما هذه الدابَّة؟ قال: هي دابَّةٌ تأكل خبزاً وخلاً وزيتاً.
وبإسنادهما عن الأصبغ بن نباتة قال: قال لي معاوية: يا معشر الشيعة تزعمون أنَّ علياً (عليه السلام) دابَّةُ الأرض؟ فقلت: نحن نقول واليهود يقولون. قال: فأَرسَلَ إلى رأس الجالوت فقال له: ويحك تجدون دابَّةَ الأرض عندكم مكتوبة؟ فقال: نعم، فقال: ماهي؟ فقال: رجل، فقال: أتدرى ما اسمه؟ قال: نعم إسمه إيليا، قال: فالتفتَ إليَّ فقال: ويحك يا أصبغ، ما أقرب إيليا من عليَّا.
وأخرج محمد بن العباس في تفسيره بإسناده عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على عليٍّ (عليه السلام) يوما فقال: ألا أحدِّثُك ثلاثاً قبل أن يدخل عليَّ وعليك داخل؟ قلت: بلى، قال: أنا عبد الله، وأنا دابَّةُ الأرض...(الحديث)
ومثله أخرج أيضاً بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام)، وبإسناده عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وبإسناده عن أبي ذر.
أقول: فهل أنَّ هذه الأحاديث والتي بعضها صحيح السند لم يظفر بها السيد محمد حسين فضل الله؟!!(6).
أو أنه يرى بأنَّ هذه الأحاديث التي يثبت بها ما تعتقده الشيعة ـ أيدهم الله تعالى ـ من أمر الرجعة، هو لا يعتقد بها؟
أو أنه رأى من نفسه بأنه مُلَزَمٌ بعدم التعرض إلى تفصيل القول في هذا، تمهيداً منه لما سوف يأتي في الآية التالية، حيث سنرى منه أنه اختار قولاً مخالفاً لما ثبت بالنصوص الصحيحة الصريحة عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام)؟
-----------------------
(1) من وحي القرآن ج17 ص 247.
(2) من مصادر أبناء السُّنة: مسند احمد بن حنبل ج 2 ص 295 و491 ؛ المستدرك على الصحيحين ج 4 ص 485 ؛ مسند أبي داود الطيالسي ص 334 ؛ مسند ابن راهويه ج1ص 442 ؛ جامع البيان ج 20 ص 19؛ الدر المنثور ج 5 ص 116؛ تفسير ابن كثير ج3ص 387 ؛ تفسير القرطبي ج13 ص236.
(3) بصائر الدرجات ص203و195و208و198 ؛ الكافي ج 1ص231 و233 ؛ تفسير العياشي ج2 ص 28 ؛ الإمامة والتبصرة ص116 ؛ كمال الدين ص673 ؛ الإختصاص 269 ـ 270.
(4) من مصادر أبناء السُّنة: الطبقات الكبري ج 3 ص 39 ؛ المعجم الكبير ج 3 ص 26 ـ 27 ؛ تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 588 ـ 589 ؛ مجمع الزوائد ج 10 ص 22 و72 ؛ أنساب الاشراف ص 142و502 ؛ المعجم الكبير ج 3 ص 26 ـ 27 ؛ مجمع الزوائد ج 10 ص 22 و72 ؛ تفسير القرآن للصنعاني ج 2 ص 355 ؛ تفسير جامع البيان ج 14 ص 139 ـ 140 ؛ تفسير القرطبي ج10 ص 105 وج 13 ص 236 ؛ الدر المنثور ج 5 ص 117.
(5) الدر المنثور ج 5 ص 117 ؛ سبل الهدي والرشاد ج 10 ص 191؛
(6) بصائر الدرجات ص 194إلى208و220 ـ 221 و436 ؛ الكافي ج 1 ص 196 ـ 198 ؛ كمال الدين وتمام النعمة ص 143 و376 و673 ؛ الاختصاص ص 269 ؛ الغيبة ص 266؛ الأملي للشيخ الطوسي ص206 ؛ تفسير العياشي ج 2 ص 24 و28 ؛ تفسير القمي ج 2 ص 130ـ 131 ؛ تفسير فرات الكوفي ص 107 ؛ التبيان ج 8 ص 119؛ تفسير مجمع البيان ج 7 ص 404 ـ 405 ؛ تأويل الآيات ج 1 ص 403 إلى407 ؛ إعلام الوري بأعلام الهدي ج 2 ص 240 ـ 241 ؛ مختصر بصائر الدرجات ص 40 ـ 43 و208 ـ 209 ؛ مناقب آل ابي طالب ج 2 ص 297 ؛ مدينة المعاجز ج 3 ص 90 ـ 94 ؛ بحار الأنوار ج 39 ص 242 ـ 243و244 ؛ تفسير الميزان ج15 ص 405 ـ 406؛ ينابيع المودة ج 3 ص 220 ؛ تفسير القرطبي ج 13 ص 236
|