قال المفسِّر المعاصر: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا} وذلك هو يوم القيامة الذي يحشر الله فيه الناس كلَّهم المؤمنين منهم بآياته والمكذبين(1).
أقول: وقال أئمةُ الهدى من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، أنَّ ذلك هو يوم الرجعة.
فقد أخرج علي بن إبراهيم القمي في تفسيره بسند صحيح عن حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما يقول الناس في هذه الآية {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً}؟ قلت: يقولون إنها في القيامة، قال (عليه السلام): ليس كما يقولون، إنَّ ذلك في الرجعة، أَيحشر اللهُ في القيامة من كلِّ أمةٍ فوجاً ويدع الباقين؟! إنما آية القيامة قوله {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنهُمْ أَحَداً}(2).
وأخرج القمي في تفسيره، والحلي في مختصر البصائر بسند صحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في حديث) فقال الرجل لأبي عبد الله (عليه السلام): إنَّ العامة تزعم أنَّ قوله {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً} عنى يوم القيامة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أَفيحشر اللهُ من كلِّ أمةٍ فوجاً ويدع الباقين؟! لا ولكنه في الرجعة، وأما آية القيامة فهي {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنهُمْ أَحَداً}.
وأخرج القمي في تفسيره بإسناده عن المفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً} قال: ليس أحدٌ من المؤمنين قُتل إلا يرجع حتى يموت، ولا يرجع إلا مَن مُحِّضَ الإيمان محضاً، ومَن مُحِّضَ الكفر محضاً.
وأخرج الحلي في مختصر البصائر بإسناده عن ابن الطيار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزَّ وجل {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً} فقال: ليس أحدٌ من المؤمنين قُتل إلا سيرجع حتى يموت، ولا أحد من المؤمنين مات إلا سيرجع حتى يُقتل.
وبإسناده عن أبي بصير قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): يُنكر أهلُ العراق الرجعة؟! قلت: نعم، قال: أما يقرأون القرآن {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً}.
وأخرج النعماني في تفسيره عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: وأما الردُّ على مَن أنكر الرجعة فقول الله عزَّ وجل {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي إلى الدنيا، فأما معنى حشر الآخرة فقوله عزَّ وجل {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنهُمْ أَحَداً}.
وقال الشيخ الطبرسي في مجمع البيان في تفسير الآية: فدلَّ ذلك على أنَّ اليوم المشار إليه في الآية، يُحشَرُ فيه قومٌ دون قوم، وليس ذلك صفة يوم القيامة الذي يقول فيه سبحانه {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنهُمْ أَحَداً}، وقد تظاهرت الأخبار عن أئمة الهدى من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، في أنَّ الله تعالى سيُعيد عند قيام المهدى(عجل الله فرجه)،قوماً ممَّن تقدَّم موتُهم من أوليائه وشيعته، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، ويبتهجوا بظهور دولته.
وذكر الشيخ المفيد في الفصول المختارة حديثاً جرى بين السيد الحميري الشاعر المعروف وسوار القاضي، قال الشيخ المفيد: وكان أيضا مما جرى له مع سوار، ما حدَّث به الحرثُ بن عبيد الله الربعي قال: كنتُ جالساً في مجلس المنصور وهو بالجسر الأكبر وسوار عنده، والسيد يُنشِدُهُ: إنَّ الالهَ الذي لا شيءَ يشبهُهُ...إلخ، حتى أتى على القصيدة والمنصور مسرور، فقال سوار: يا أمير المؤمنين إنه يقول بالرجعة، ويتناول الشيخين بالسبِّ والوقيعة فيهما، فقال السيد: أما قولُهُ: بأني أقول بالرجعة، فإنَّ قولي في ذلك على ما قال الله تعالى {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ} وقد قال في موضع آخر {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنهُمْ أَحَداً}، فعلمتُ أنَّ ها هنا حشرين: أحدهما عام والآخر خاص(3).
أقول: ومن اللطائف الإلهيَّة في مذهب أبناء الفرقة الناجية، أنَّ السيد الحميري لم يكن من علماء الإماميَّة، أعني لم يكن ممَّن اختصَّ بذلك، ومما يريب أنَّ المعاصر صاحب تفسير من وحي القرآن ممَن يدَّعي الاجتهاد في مذهب أهل البيت، وأظن جداً أنه يقصد الاجتهاد في مقابل أهل البيت.
قال السيد محمد حسين أنَّ المقصود من اليوم في الآية التي نبحث فيها، هو يوم القيامة، وقد ثبت في مذهب الإمامية بأسانيد صحيحة عن أئمة الهدى من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، أنَّ ذلك في الرجعة، وبه قال شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله).
ويا للعجب، عاميٌّ من أبناء الفرقة الناجية ينتصر لعقائد الطائفة المرحومة، وفي مجلس الخليفة المنصور، وهو طاغية من طواغيت بني العباس، بينما في المقابل نرى مُعمَّماً شابت لحيتُهُ وهو يعيش ببركة آل محمد (صلى الله عليه وآله)، نراه وبكلِّ جرأة يردُّ صريحاً على أئمة الهدى، ويختار قولاً قد روى علماؤنا بأسانيد صحيحة عن أئمتنا (عليهم السلام) أنه قول باطلٌ.
----------------
(1) من وحي القرآن ج17 ص 247.
(2) سورة الكهف الآية 47.
(3) خاتمة المستدرك ج 4 ص 134 ؛ الفصول المختارة ص 93 ـ 94 ؛ الصراط المستقيم ج 2 ص 251؛ بحار الأنوار ج 10 ص 233 وج 53 ص 40 و51 و60 و118 و136 وج 90 ص 86 ؛ تفسير القمي ج 1 ص 24 وج 2 ص 36 و130 ـ 131 ؛ تفسير الميزان ج 15 ص 397 و406 ؛ مختصر بصائر الدرجات ص 25 و41 ـ 43 ؛ التبيان ج 8 ص 120 ؛ تفسير مجمع البيان ج 7 ص 405 ـ 406؛ تفسير جوامع الجامع ج 2 ص 724 ـ 725 ؛ التفسير الصافي ج 4 ص 75 ـ 77 ؛ التفسير الأصفى ج 2 ص 916 - 917 ؛ تفسير نور الثقلين ج 3 ص 265 وج 4 ص 99 ـ 101؛ تأويل الآيات ج 1 ص 408 - 409.
|