قال المفسِّر المعاصر: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} أي للملة أو للطريقة أو للشريعة، أو للحياة التي هي أكثر اتصالاً بخطِّ الاستقامة والتوازن بين خصائص الإنسان وعناصر الحياة(1).
أقول: هذا كلام المعاصر، وكما تراه كلام مجمل، وقد أخذ على نفسه عهداً في أن لا يُشير إلى آل محمد (صلى الله عليه وآله) كلما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
أقول: إنَّ هداية القرآن لا تقتصر على شيءٍ دون شيء، ولا تتوقَّفُ عند حدود، ولكننا لاحظنا القرآنَ الذي يهدي إلى الحقِّ، لا يمكن أن نستفيد منه ما ينفع للسعادة الدنيويَّة والنجاة الأخرويَّة، من دون مَن يدلُّ على ما في القرآن كشفاً عن غوامضه وأسراره، وتبييناً لمُجْمَلاته، وتأويلاً لآياته.
وأنت تعرف بأنَّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ومن اليوم الأول، كان غرضه بيان أعيان وأشخاص أهل الحقِّ من بعده، وكان همُّهُ تبيينَ مصاديق أهل الذكر والصادقين، لتقومَ الحُجَّةُ على الناس، وليتمكن طالبُ الحقِّ من الاهتداء إلى الحقِّ بتوسطهم (عليهم السلام).
فندَرَ أن تجد بياناً له (صلى الله عليه وآله) يتحدث فيه عن طريق الحقِّ ومسلِكه وسبيلِه، إلا وهو (صلى الله عليه وآله) مصرِّحٌ تارة ومشيرٌ أخرى إلى أهل بيته الراسخين في العلم، بل وخَتَمَ حياته الشريفة بقوله «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي».
وهذا نصٌّ في أنَّ الحق ـ وهو ما يهدي إليه القرآن الكريم ـ لا يمكن الظفر به، وأنَّ الصراط المستقيم لا يمكن أن يهتدي الإنسان إليه، إلا من طريق العترة الطاهرة(عليهم السلام).
بل إنَّ القرآن الكريم حيث أمر بالكون معهم بـ {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، وبالسؤال منهم بـ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}، هو في الحقيقة ليس إلا في مقام الهداية إليهم، فإنَّه بهم يهتدي الإنسانُ إلى الحق، وليس ما هو أقوم إلا الحق.
وإذا ما كان عليٌّ (عليه السلام) مع الحق، والحقُّ مع عليٍّ، والحقُّ هو عليٌّ، وعليٌّ هو الحقُّ، فهذا يعني أنَّ طالبَ الحق لا بُدَّ وأن يرجع إلى ما يهدي إليه عليٌّ (عليه السلام)، وهو الهادي إلى الحق.
وأخيراً، فإن القرآنَ يهدي للتي هي أقوم، وليس ما هو أقوم إلا الحق، وليس الحق إلا ما يُمثِّله الإمام (عليه السلام)، وما يجري عليه ويهدي إليه.
ونحن حيث وَعَدْنا بأن نقتصرَ في هذه الآيات الأخيرة على إيراد خصوص بعض الأخبار طلباً للاختصار، فلنقتصر على ما ذكرناه، على أنَّه فيما ذكرناه أو ألمحنا إليه مما تقدم من الآيات يكفي، وإن كان التكرار لا يخلو عن فائدة.
هذا وقد أخرج الصفار في البصائر، والكليني في الكافي، ومحمد بن العباس في تفسيره، والحلي في مختصر البصائر، بإسنادهم عن علاء بن سيابة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} قال: يهدي إلى الإمام (عليه السلام).
وفي تفسير العياشي عن أبي إسحق {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} قال: يهدي إلى الإمام (عليه السلام).
وفيه أيضاً عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام) {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} قال: يهدي إلى الولاية.
وأخرج الصَّدوق في معاني الأخبار بإسناده عن الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: الإمام منا لا يكون إلا معصوماً، وليست العصمةُ في ظاهر الخِلْقَةِ فيُعرَف بها، ولذلك لا يكون إلا منصوصاً، فقيل له: يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله): فما معنى المعصوم؟ فقال: هو المعتصِم بحبل الله، وحبلُ الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة، والإمام يهدي إلى القرآن، والقرآن يهدي إلى الإمام، وذلك قول الله عزَّ وجل {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}(2).
-------------
(1) من وحي القرآن ج14 ص 40.
(2) بصائر الدرجات ص 497 ؛ الكافي ج 1ص 216 ؛ معاني الأخبار ص 132 ؛ مختصر بصائر الدرجات ص 5 ؛ تفسير العياشي ج 2ص 282 ـ 283 ؛ التفسير الصافي ج 1ص 365 – 366؛ التفسير الأصفى ج 1 ص 165و672 ؛ تفسير نور الثقلين ج 1ص 377 ـ 378 وج 3 ص 140-141؛ تفسير كنز الدقائق ج 2 ص 184 ؛ تأويل الآيات ج 1 ص 279 ؛ تفسير الميزان ج13 ص 71 ؛ بحار الأنوار ج24 ص 145وج 25 ص 194 ؛ مجمع البحرين ج3 ص 194
|