قال المفسِّر المعاصر: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} فهذا هو الموقف الذي يواجهون فيه المسؤولية في كل ما اعتقدوه وما قالوه وما فعلوه، ليتميز الحق عن الباطل، وهم مطالبون بتحديد الإجابة عن أسئلة من قبيل: مَن هو المسؤول عن انحرافهم عن الخط المستقيم؟ وهل يتحملون مسؤولية أعمالهم أو يتحملها غيرهم؟(1)
أقول: نعم إنهم سيسألون عن انحرافهم، وسيكون المتحمِّلُ والمسؤولُ الأول لِمَا وقع فيه الكثيرون في الانحراف، هو مَن أخفى الحقيقةَ تارة، ومَن أجمل الكلام في مقام تشيخصِ وتعيينِ أهلِ الحقِّ تارة أخرى، بل سيكون المسؤولُ الأولُ مَن عَمَدَ ويعمد إلى تضليل الناس من خلال عدم تركيز عقيدتهم في أئمة الهدى من آل محمد (صلى الله عليه وآله).
سيكون المسؤولُ الأول مَن لا يحاولُ في كلِّ مناسبةٍ تعميقَ الارتباط بأئمة الهدى.
سيكون المسؤول مَن لا يحاولُ الهدايةَ إليهم من خلال إفادةِ آيةٍ هنا لذلك، أو مَن لا يحاولُ الدلالةَ عليهم من خلالِ نهوضِ آيةٍ هناك على تعيينهم.
نعم سيُسأَلُ الناسُ عن كلِّ عقيدةٍ وعن كلِّ فعلٍ، ولكن حيث كان هناك بعضُ الأمور أهمَّ من بعضها الآخر، وكانت بعضُ الاعتقادات أوجبَ في الالتزام بها من بعضها الآخر، لذا نجد أنَّ الأحاديثَ التي وردت في تفسير الآية التي نبحث فيها، ركَّزت على أنَّ الناس سيُسألون عن ولايةِ وحبِّ أمير المؤمنين وأهلِ بيته الأطهار (عليهم السلام).
وكيف لا يكون السؤالُ عن ذلك أولاً، ومدارُ قبولِ الأعمال وصكُّ دخول الجنان، هو ولاية الطيبين من آل طه وعدنان (صلى الله عليه وآله).
فقد أخرج الحافظ أبو نعيم، والمرشد بالله في ترتيب الأمالي، والحاكم الحسكاني ـ وهم من أبناء السُّنة ـ وفرات الكوفي ومحمد بن العباس في تفسيريهما، بإسنادهم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله عزَّ وجل {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} قال: عن ولاية عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام).
أقول: وأخرجه ابن مردويه في مناقبه بعدة طرق عن ابن عباس، وأخرجه أيضاً الحسكاني بإسناده عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام).
وأخرج ابن شيرويه الديلمي ـ من أبناء السُّنة ـ في كتابه الفردوس بإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله) {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} عن ولاية عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام).
أقول: وأخرجه الحاكم الحسكاني بإسناده عن مندل العنزي عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وأيضاً بإسناده عن عطية عن أبي سعيد عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وأخرجه أيضاً محمد بن سليمان في مناقبه، بإسناده عن أبي هريرة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأخرجه أيضاً هو والحاكم الحسكاني في الشواهد، والصَّدوق في عيون أخبار الرضا ومعاني الأخبار، بإسنادهم عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأيضاً أخرجه الصَّدوق في العلل والعيون، بإسناده عن أمير المؤمنين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأخرج أبو نعيم في كتابه، والحاكم الحسكاني، وأبو معاوية الضرير بإسنادهم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة، أُوقف أنا وعليٌّ على الصراط، فما يمرُّ بنا أحدٌ إلا سألناه عن ولاية عليٍّ (عليه السلام)، فمَن كانت معه وإلا ألقيناه في النار، وذلك قوله {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ}.
أقول: وأخرجه الشيخ الطوسي في أماليه ومحمد الطبري في بشارة المصطفى بإسنادهما عن أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله)، ومثله أخرج الصَّدوق في العيون والمعاني، بإسناده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن الإمام الهادي (عليه السلام) عن آبائه عن الحسن بن علي (عليهما السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومثله أيضاً أخرج محمد القمي في مأة منقبة، وابن طاووس في اليقين، بإسنادهما عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأخرج الحاكم الحسكاني بإسناده عن سفيان عن السدي في قوله تعالى {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}(2) قال: عن ولايةِ عليٍّ (عليه السلام).
وروى أبو الأحوص عن أبي إسحق في قوله تعالى {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} قال:يعني عن ولاية عليٍّ (عليه السلام).
وروى أبو معاوية علي بن حاتم بإسناده عن مجاهد {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} قال: عن ولاية عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام).
أقول: ومما يُؤيِّد هذا المعنى بل ويدل عليه صريحاً، ما أخرجه الطبراني في معجمه، والثعلبي في تفسيره وابن المغازلي في مناقبه ـ من أبناء السُّنة ـبإسنادهم عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تزول قَدَمَا العبدِ يوم القيامة حتى يُسأَل عن أربع.... وعن حبنا أهل البيت (عليهم السلام).
وأخرج ابن المغازلي في مناقبه، والخوارزمي في المناقب، ومحمد الطبري في بشارة المصطفى بإسنادهم عن أبي برزة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تزول قدمُ عبدٍ يوم القيامة حتى يسأله الله تبارك وتعالى عن أربع.... وعن حبنا أهل البيت (عليهم السلام)، فقال له عمر: فما آيةُ حبِّكم مِن بعدكم؟ قال: فوضع يده على رأس عليٍّ (عليه السلام) ـ وهو إلى جانبه ـ وقال: إنَّ حبي مِن بعدي حبُّ هذا.
أقول: وأخرجه القمي في تفسيره، والشيخ المفيد والشيخ الطوسي في أماليهما بإسنادهما عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأخرجه أيضاً الشيخ الطوسي في الأمالي بإسناده عن أبي بردة الأسلمي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)(3).
أقول: هذا وليعلم أنَّ ما ورد من طرقنا مما يُؤيَّد هذا المعنى أو يدلُّ عليه كثير جداً، وما سيأتي عند التعرض لآية «ثم لتسألون يومئذ عن النعيم» من سورة التكاثر يدلُّ على ما ورد فيما نبحث فيه هنا صريحاً.
وأخيراً فلست أدري، هل أنَّ هذا المفسِّر المعاصر قد قطع على نفسه عهداً، بأن لا يتعرض في تفسيره لِمَا يرتبطُ ويدلُّ على أئمة العترة الطاهرة من آل محمد (صلى الله عليه وآله)؟!
لا أراك تقول: ولكنه تعرَّض في بعض الموارد في تفسيره لذلك.
لأنك تعرف جيداً ـ وقد مرَّ عليك في هذا الكتاب عشرات الشواهد من ذلك ـ أنه لا يخلو كتابٌ لأيِّ ناصبيٍّ ولأيِّ عَلَمٍ من أعلام أهل الضلال من أبناء السُّنة، وإلا وقد تعرَّض فيه مصنفُهُ لما تعرض له هذا المفسِّر المعاصر فيما تعرَّضَ له في بعض الموارد وهي قليلة جداً، بل قد ذكر أبناء الضلال في كتبهم الكثير والكثير مما لم يذكره المعاصر بل وممَّا لم يُشر إليه أصلاً.
ولولا ضيق المجال لنقلنا لك ذلك،مع أنَّ كتابه وكتبهم منتشرة في الأسواق. وبمقدور كل إنسان أن يرجع إليها، ويتعرف ويقف بنفسه على صحة ما ادَّعيناه.
------------------------------
(1) من وحي القرآن ج 19 ص 186.
(2) سورة الحِجر الآية 92.
(3) علل الشرائع ج 1 ص 218 ؛ عيون أخبار الرضا ج 1 ص 64 وج 2 ص 280 ؛ معاني الأخبار ص 67 ؛ معاني الأخبار ص 387 ـ 388 ؛ مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي ج 1 ص 136و156؛ شرح الأخبار ج 1 ص 233 ـ 234 ؛ مائة منقبة ص 36 ـ 29؛ مناقب آل ابي طالب ج 2 ص 3 ـ 5 و7 ؛ العمدة ص 301 ؛ الفضائل ص 84 ؛ اليقين لابن طاووس ص 236 ـ 238 ؛ الطرائف ص 74 ؛ الصراط المستقيم ج 1 ص 278 ـ 279 وص 292 ـ 293 ؛ حلية الأبرار ج 2 ص 124؛ بحار الأنوار ج 7 ص 129و157 وج 8 ص 67ـ 68 وج 24 ص 52 و270 ـ 271 و ج 30 ص 180 ؛ مناقب أهل البيت للشيرواني ص 76 و172 ؛ الغدير ج 1 ص 387 ـ 389 وج 2 ص 310 ؛ تفسير القمي ج 2 ص 19 – 20 وص 222؛ تفسير فرات الكوفي ص 355؛ تفسير مجمع البيان ج 6 ص 251 وج 01 ص 363 ج 8 ص 301؛ خصائص الوحى المبين ص 142 - 143؛ التفسير الصافي ج 4 ص 266؛ التفسير الأصفى ج 2 ص 1046؛ تفسير نور الثقلين ج 3 ص 165 وج 4 ص 401 – 402؛ تفسير الميزان ج 71 ص 132و141 ؛ بشارة المصطفى ص 227 و252 ـ 253 و374 كشف اليقين ص 361 ؛ الأمالي للشيخ المفيد ص 353 ؛ الأمالي للشيخ الطوسي ص 124 و290 و593 ؛ مجمع البحرين ج3 ص 536 ؛ تأويل الآيات ج2 ص492 ـ 495 و562 و853
من مصادر أبناء السُّنة: شواهد التنزيل ج1 ص 423 ـ 424 وج2 ص 160إلى 164 ؛ نظم درر السمطين ص 109 ؛ ترتيب الأمالي للمرشد بالله ح 46 ص 144 ؛ ميزان الاعتدال ج 3 ص 118؛ لسان الميزان ج 4 ص 211 ؛ المعجم الأوسط ج 9 ص 155ـ 156 ؛ المعجم الكبير ج 11 ص 83 ؛ كنز العمال ج 14 ص 379 ؛ المناقب للخوارزمي ص 76 ـ 77 وص 275؛ ينابيع المودة ج 1ص 332 ـ 338 وج 2ص247 و314 و436 ؛ فرائد السمطين ج1 ح 228 و230 و557 ص289 و302 و292 وج2 ح 556 ص 300 ؛ المناقب لابن المغازلي : ح 157 و172 و289 ص119 و131 و242؛ كفاية الطالب ص 324 باب 91؛ جواهر العقدين ج 2 ص 238 و245 ـ 246.
|