قال المفسِّرالمعاصر: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} في ما تُوحي به الكلمةُ من كلِّ الخيرات التي أفاضها اللهُ على الناس في الدنيا، من كلِّ ما يعيشون فيه مما يُمثِّل ضرورات وجودهم، ومن كلِّ ما يُقبِلُون عليه أو يستمتعون فيه، مما يُمثِّلُ حاجاتهم الحسيَّة في ما يشتهون ويتلذذون، ومن كل ما ينفتحون عليه من الأمور المعنوية التي تجلب لهم السعادة، وتُوحي لهم بالإرتياح والطمأنينة(1).
أقول: وما ذكره هذا المفسِّر المعاصر هو صريحُ ما نفى الأئمةُ (عليهم السلام) كونه مراداً ومقصوداً من الآية، بل صرَّحوا بعدم كونه مقصوداً وفي كثير من الأحاديث الصحيحة الموثوقة.
فهل أنَّ السيد محمد حسين حقاً ممَن يرجع إلى أئمة الهدى من آل محمد (صلى الله عليه وآله)؟!
وكيف تريد مني أن أُصدقه عندما يقول بأنه ممَّن يُوالي آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وأنا أراه يلتزم في كتابه بما ثبت عن آل محمد (صلى الله عليه وآله) خلافه؟!!
فقد أخرج البرقي في المحاسن بسند صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قال: إنَّ الله أكرم مِن أن يسألَ مؤمناً عن أكلِهِ وشربِهِ.
أقول: والأكلُ والشربُ من ضرورات الوجود، كما عبَّر المعاصر بذلك، وعليه فهذا الخبر الصحيح السند يقيناً، يدلُّ على أنَّ الله تعالى لن يسأل عن ضرورات الوجود من الأكل والشرب، والمفسِّر المعاصر قد صرَّح بالعكس، فيا تُرى أَيكون الصحيح ما يستوحيه المعاصر، أو أنّ الصحيح هو ما ثبت عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام)؟َ
وأخرج البرقي في المحاسن، والكليني في الكافي، ومحمد بن العباس في تفسيره، بإسنادهم عن أبي خالد الكابلي قال: دخلتُ على أبي جعفر (عليه السلام) فدعا بالغداء، فأكلتُ معه طعاماً ما أكلتُ قط طعاماً أنظفَ منه ولا أطيبَ منه، فلما فرغنا من الطعام، قال: يا أبا خالد كيف رأيتَ طعامنا؟ قلتُ: جُعلت فداك ما رأيتُ أنظفَ منه قط ولا أطيبَ، ولكني ذكرتُ الآية التى في كتاب الله {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}، فقال أبو جعفر (عليه السلام): لا إنما تُسألون عما أنتم عليه من الحقِّ.
وأخرج البرقي في المحاسن مثله أيضاً بإسناده عن أبي حمزة، ولكن فيه: ولكنه أنعم عليكم بمحمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله).
وأخرج فرات في تفسيره مثله أيضاً بإسناده عن سدير عن جعفر بن محمد (صلى الله عليه وآله) ولكن فيه: قلت له: بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما النعيم؟ قال: حبُّ عليٍّ (عليه السلام) وعترته (عليهم السلام).
وأخرج الحافظ أبو نعيم والحاكم الحسكاني ـ من أبناء السُّنة ـ وفرات الكوفي ومحمد بن العباس في تفسيريهما، بإسنادهم عن أبي حفص الصائغ عن الإمام جعفر بن محمد (صلى الله عليه وآله) أنه قال: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} واللهِ ما هو الطعام والشراب، ولكن ولايتنا أهل البيت (عليهم السلام).
أقول: وفي كتاب الحاكم: نحن النعيم.
وأخرج الحاكم بن أحمد البيهقي، والصَّدوق في العيون، بإسنادهما عن إبراهيم بن عباس الصولي قال: كنا يوماً بين يدي علي بن موسى (عليه السلام) فقال لي: ليس في الدنيا نعيمٌ حقيقيٌّ، فقال له بعضُ الفقهاء ممَن يحضرُهُ: فيقول الله عزَّ وجل {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}؟!! أما هذا النعيمُ في الدنيا وهو الماء البارد. فقال له الرضا (عليه السلام): لقد حدثني أبي عن أبيه أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، أنَّ أقوالكم هذه ذُكرت عنده في قول الله تعالى {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} فغضب (عليه السلام) وقال:.... ولكنَّ النعيمَ حبُّنا أهلَ البيت وموالاتنا.
وأخرج القمي في تفسيره، بإسناده عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت: قول الله {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قال: قال تُسئلُ هذه الأمةُ عما أنعم اللهُ عليهم برسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم بأهل بيته المعصومين (عليهم السلام)
أقول: ومثله أخرج محمد بن العباس، بإسناده عن عبد الله بن نجيح اليماني عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وأيضاً بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام).
وأخرج أيضاً محمد بن العباس بإسناده عن محمد بن أبي عمير عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) في قوله عزَّ وجل {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قال: نحن نعيمُ المؤمن، وعلقمُ الكافر(2).
-----------------------
(1) من وحي القرآن ج24 ص 395.
(2) المحاسن ج 2 ص 399 ـ 400 ؛ الكافي ج 6 ص 7 وص 280 ؛ عيون أخبار الرضا ×ج 1 ص 136 ـ 137 ؛ مختصر بصائر الدرجات ص 204 ؛ الفضائل ص84 و174 ؛بحار الأنوار ج7 ص 258 و266 و272 وج10 ص209 و221 وج24 ص50 ـ 53 ؛ مناقب آل ابي طالب ج2ص4ـ5 وج3ص 404 ؛ تفسير القمي ج2ص440 ـ 441 ؛ تفسير فرات ص 603 ـ 606 ؛ التبيان ج 10 ص 403 ؛ تفسير مجمع البيان ج10 ص433 ؛ خصائص الوحي المبين ص 165 ؛ التفسير الصافي ج5 ص369 ـ 371 ؛ التفسير الأصفى ج2 ص1473 ؛ تفسير نور الثقلين ج4 ص403 وج5 ص662ـ 666 ؛ تفسير الميزان ج20ص352 ـ 354 ؛ شواهد التنزيل ج2 ص475 إلى477 ؛ تأويل الآيات ج2ص850 ـ 852.
|