قال المفسِّر المعاصر: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ}والمراد بالبحر الماء الكثير عذباً كان أو غيره، والظاهر أن المراد بالبحرين العذب الفرات والملح الأجاج{بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ} أي لا يطغى المالح على الحلو ليحوِّله إلى مالح تبطل الحياة به، ولا يطغى الحلو على المالح ليحوِّله إلى حلو فتبطل بذلك مصلحة ملوحته(1).
أقول: نحن لا نُنازِعُهُ في صحة ما ذكره اعتماداً على ظاهر اللفظ، ولكننا نأخذ عليه ونتساءل عن عدم إشارته إلى ما ورد في تفسير الآية عن أئمة العترة الطاهرة وعن جمع من كبار الصحابة.
وأنت إذا ما تفطَّنتَ إلى أنَّ القرآن له ظاهرٌ أنيقٌ، وباطنٌ عميقٌ، وهو مما ورد عن السنة والشيعة(2)، فإنه وبعد أن ورد أنَّ المراد من البطن في الآية وفي كتب أبناء السُّنة ومن طرقهم، وأنه يخص آل محمد (صلى الله عليه وآله)، فلماذا أحجم هذا المعاصر عن الإشارة إلى ما ورد في تفسير الآية مما يُقال عنه: أنه من البطون؟!!
وهل كان تغنِّي مجنون ليلى بجدارن الدار إلا تعبيراً منه عن حبِّه، فما لنا لا نرى من هذا المعاصر ـ إلا في موارد قليلة ـ أيَّ نحو من أنحاء ذكر مَن يزعم أنه يُحبُّهم؟!
أَوَ ليس الحبيبُ أبداً يكون حاضراً في ذهنِ وعقلِ وفكرِ ووجدانِ المُحبِّ؟!
أَوَ ليس كلُّ مُحبٍّ لأمرٍ تراه على الأقل مُشيِراً في كلِّ مناسبة إليه، ذاكراً إياه؟!
وهل هناك من مناسبة لتجسيد هذا المعاصر حبَّه لآل محمد (صلى الله عليه وآله)، وهل هناك من موقع يُعرِبُ فيه هذا المعاصر عن تولِّيه لآل محمد (صلى الله عليه وآله)، أولى وأنسب من أن يُشير في كتابه المطبوع إلى نزول هذه الآية في آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وإلى دلالة تلك الآية على عقيدة حقَّة ـ وكل عقائد أبناء الفرقة الناجية حق ـ في مذهب آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وأن يتعرَّض إلى ما رواه أبناء السُّنة على الأقل مما يَثبت به فضيلةٌ لآل محمد (صلى الله عليه وآله) هنا، ومنقبة لسادة الورى هناك؟!!
هذا وقد قال السيوطي ـ من أبناء السُّنة ـ في الدر المنثور: وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} قال: عليٌّ وفاطمة (عليهما السلام) {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ} قال: النبي (صلى الله عليه وآله) {يَخْرُجُ مِنهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} قال: الحسن والحسين(عليهما السلام).
وقال أيضاً: وأخرج ابن مردويه ـ من أبناء السُّنة ـ عن أنس بن مالك في قوله {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ}قال عليٌّ وفاطمة (عليهما السلام) {يَخْرُجُ مِنهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} قال الحسن والحسين (عليهما السلام).
وقال القندوزي ـ من أبناء السُّنة ـ في ينابيع المودة: أخرج أبو نعيم الحافظ والثعلبي والمالكي ـ من أبناء السُّنة ـ بأسانيدهم عن أبي سعيد الخدري وابن عباس وأنس بن مالك، وكذا روى عنهم سفيان الثوري، وروى سفيان بن عيينة عن جعفر الصادق (عليه السلام)، في تفسير هذه الآية قالوا: عليٌّ وفاطمة (عليهما السلام) بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه، وبينهما برزخ هو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان هما الحسن والحسين (عليهما السلام)(3).
وقد أخرج الحاكم الحسكاني في شواهده ـ من أبناء السُّنة ـ ومحمد بن العباس في تفسيره بإسنادهما عن ابن عباس في قوله عزَّ وجل {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} قال: عليٌّ وفاطمة (عليهما السلام) {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ} النبي (صلى الله عليه وآله) {يَخْرُجُ مِنهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} الحسن والحسين (عليهما السلام).
وأخرج الثعلبي، وأبو محمد القطان، وعلي الطائي في تفاسيرهم ـ وهم من أبناء السُّنة ـ بإسنادهم عن سفيان الثوري في قول الله عزَّ وجل {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ} قال: فاطمةٌ وعليٌّ (عليهما السلام) {يَخْرُجُ مِنهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} قال: الحسن والحسين (عليهما السلام).
قال الثعلبي: ورُويَ هذا القول أيضاً عن سعيد بن جبير وقال {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ} محمد (صلى الله عليه وآله).
وأخرجه الحاكم الحسكاني في شواهده، والخركوشي في كتابيه اللوامع وشرف المصطفى، بإسنادهما عن سلمان، وأيضاً أخرجه أبو بكر الشيرازي في كتابه عن أبي صالح عن ابن عباس، وأخرجه أيضاً الحاكم الحسكاني بإسناده عن جويبر عن الضحاك، وأخرجه أيضاً ابن المغازلي في مناقبه ـ وجميعهم من أبناء السُّنة ـ ومحمد بن العباس في تفسيره بإسنادهما عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري.
وأخرج القمي في تفسيره، والصَّدوق في الخصال، بإسنادهما عن يحيى بن سعيد القطان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قوله عزَّ وجل {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ} قال: عليٌّ وفاطمة (عليهما السلام) بحران من العلم عميقان، لا يبغي أحدهما على صاحبه، {يَخْرُجُ مِنهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} الحسن والحسين (عليهما السلام).
وأخرج الطبري في دلائل الإمامة بإسناده عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: ورد عبد الرحمن بن عوف الزهري وعثمان بن عفان إلى النبي (صلى الله عليه وآله).... فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) من مقالتيهما.... وهبط جبرئيل (عليه السلام) في تلك الساعة فقال: يا أحمد (صلى الله عليه وآله)، إنَّ الله تعالى يُقرؤك السلام، ويقول: قم إلى عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)،.. وقد أمرك الله أن تُزوِّجه بفاطمة في الأرض، وأن تقول لعثمان بن عفان: أما سمعتَ قولي في القرآن {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ}.
وأخرج فرات ومحمد بن العباس في تفسيريهما بإسنادهما عن أبي السليل (ضريب بن نقير الجريري) عن أبي ذر الغفاري في قوله تعالى {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} قال: أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب وفاطمة (عليهما السلام) {يَخْرُجُ مِنهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} الحسن والحسين (عليهما السلام).
وأخرج فرات في تفسيره عن عبد الله بن مسعود وقد سُئِل يوماً في محفل من المهاجرين والأنصار في قوله عزَّ وجل {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ} قال: لا يبغي عليٌّ (عليه السلام) على فاطمةَ (عليها السلام)، ولا تبغي فاطمةٌ (عليها السلام) على عليٍّ (عليه السلام)(4).
--------------------
(1) من وحي القرآن ج21 ص 310.
(2) فمن مصادر الشيعة أيدهم الله تعالى: نهج البلاغة ج 1 ص 55 ؛ بصائر الدرجات ص 53 و213و216و223 و551 ؛ الكافي ج 1 ص 228 و374 وج 2 ص 599.
ومن مصادر أبناء السُّنة: مجمع الزوائد ج 7 ص 152؛ المصنف للصنعاني ج 3 ص 358 ؛ مسند أبي يعلى ج 9 ص 80 و278 ؛ صحيح ابن حبان ج 1 ص 276 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ج 1 ص 236 ؛ المعجم الكبير للطبراني ج 10 ص 105؛ البرهان للزركشي ج 2 ص 169 ؛ الكامل لابن عدي ج 4 ص 327 ؛ تاريخ مدينة دمشق ج 30 ص 235 وج 42 ص 400.
(3) من مصادر أبناء السُّنة: الدر المنثور ج 6 ص142 ـ 143 ؛ ينابيع المودة ج 1 ص 354 ـ 355 و ج 3 ص 211.
(4) الخصال ص 65 ؛ روضة الواعظين ص 148 ؛ نوادر المعجزات ص 85 ـ 86 ؛ دلائل الامامة ص 82 ـ83 ؛ مناقب آل ابي طالب ج 3 ص 101 ـ 102؛ العمدة ص 399 ـ 400 ؛ بحار الأنوار ج 24 ص 97 ـ 100 وج 37 ص 64 و73 و95 ـ 97 وج 43 ص 31 ـ 32 ؛ مناقب أهل البيت للشيرواني ص 98 ـ 99 ؛ تفسير القمي ج 2 ص 344 ؛ تفسير فرات الكوفي ص 459 إلى462 ؛ تفسير مجمع البيان ج 9 ص 336 ؛ خصائص الوحى المبين ص 212 ـ 213 ؛ تفسير نور الثقلين ج 5 ص 191 ؛ تفسير الميزان ج 19 ص103 ؛ تأويل الآيات ج 2 ص 635 ـ 637 ؛ كشف اليقين ص 399 ؛ شواهد التنزيل ج 2 ص 284 إلى290 ؛ مناقب ابن المغازلي ح393 ص 339 ط1 ؛ نور الابصار للشبلنجي ص 101و400.
|