قال المعاصر: وينطلق النداء من الله سبحانه ليصدر الأمر بدخوله إلى نار جهنم {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} ينطلق كفره من موقع العناد لا من موقع الفكر القائم على الحُجَّة(1).
أقول: هذا كلامُ المعاصر، وكما تراه خالياً عن أيةِ إشارةٍ إلى مَن هما الذيْن يأمرهما تعالى بإلقاء الكَفَّار العنيد في نار جهنم، مع أنَّ الأخبار الكثيرة وردت على أنهما الرسولُ الأكرم (صلى الله عليه وآله) ووصيُّه مولى المتقين عليٌّ أمير المؤمنين (عليه السلام).
فقد أخرج ابن المغازلي في مناقبه، والحاكم الحسكاني في شواهده ـ وهما من أبناء السُّنة ـ والشيخ الطوسي في الأمالي، ومنتجب بن بابويه في الأربعين حديثاً، والشيخ الطبرسي في مجمع البيان، والطبري في بشارة المصطفى، بإسنادهم ـ والكلام للحسكاني ـ عن شريك بن عبد الله قال: كنتُ عند الأعمش وهو عليل، فدخل عليه أبو حنيفة وابنُ شبرمة وابنُ أبي ليلى فقالوا له: يا أبا محمد، إنك في آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، وقد كنتَ تُحدِّثُ في عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) بأحاديث، فتُبْ إلى الله منها، فقال: أسندوني أسندوني، فأُسنِدَ، فقال: حدثنا أبو المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى لي ولعليٍّ: ألقيا في النار مَن أبغضكما، وأدخلا الجنة مَن أحبكما، فذلك قوله تعالى {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}.
وأخرج الشيخ الطوسي في الأمالي، بإسناده عن الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله عزَّ وجل {أَلْقِيَا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} قال: نزلت فيَّ وفي عليِّ بن أبي طالب، وذلك أنه إذا كان يوم القيامة شفَّعني ربي وشفَّعك يا علي، وكساني وكساك يا علي، ثم قال لي ولك يا علي: ألقيا في جهنم كلَّ مَن أبغضكما، وأدخلا الجنة كلَّ مَن أحبكما فإنَّ ذلك هو المؤمن(2).
وأخرج الحاكم الحسكاني في شواهده، وعلي بن إبراهيم القمي وفرات الكوفي في تفسيريهما، ومحمد القمي في مأة منقبة، بإسنادهم عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ والكلام للحسكاني ـ في قوله تعالى {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنَّ الله تبارك وتعالى إذا جمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد، كنتُ أنا وأنت يومئذ عن يمين العرش، فيقال لي ولك: قُومَا فألقيا مَن أبغضكما وخالفكما وكذَّبكما في النار(3).
وأخرج الحاكم الحسكاني بإسناده عن عكرمة في قوله تعالى {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} قال: النبيُّ (صلى الله عليه وآله) وعليٌّ (عليه السلام) يلقيان.
وأخرج فرات في تفسيره بإسناده عن عباية بن ربعي في قوله تعالى {أَلْقِيَا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} فقال: النبيُّ (صلى الله عليه وآله) وعليُّ بن أبي طالب(عليه السلام).
وأخرج فرات أيضاً بإسناده عن محمد بن الحجاف السلمي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش: يا محمد يا علي، {أَلْقيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} فهما المُلقِيان في النار.
وأخرج فرات عن صباح المزني قال: كنا نأتي الحسن بن صالح وكان يقرأ القرآن، فإذا فرغ من القرآن سأله أصحابُ المسائل حتى إذا فرغوا قام إليه شابٌ فقال له: قول الله تعالى في كتابه {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} فنكت نكتة في الأرض طويلاً، ثم قال عن العنيد تسألني؟ قال: لا، أسألك عن {أَلْقِيَا} قال: فمكث الحسنُ ساعةً ينكت في الأرض ثم قال: إذا كان يوم القيامة يقوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) على شفير جهنم، فلا يمر به أحدٌ من شيعته إلا قال: هذا لي، وهذا لك.
وأخرج محمد بن العباس في تفسيره، بإسناده عن عطاء بن رياح قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن قول الله عزَّ وجل {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا وعليٌّ (عليه السلام) نُلقي في جهنم كلَّ مَن عادانا(4).
أقول: على أنه قد تظافرت الأخبار عند السنة والشيعة ومن طرق كثيرة جداً، أنَّ أمير المؤمنين عليَّاً (عليه السلام) قسيمُ الجنة والنار، وهو شاهدٌ قطعيٌّ على صحة هذه الأخبار ـ وهي بنفسها صحيحة أيضاً ـ التي نقلنا لك بعضها.
فقد أخرج ابن المغازلي وهو من أبناء السنة في مناقبه ـ كما عن ابن البطريق في العمدة ـ بإسناده عن عليٍّ بن ابي طالب (عليه السلام) قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنك قسيمُ الجنة والنار.
وقال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة: فقد جاء في حقِّه (عليه السلام) الخبر الشائع المستفيض «إنه قسيم النار والجنة».
وقال القندوزي ـ من أبناء السُّنة ـ في ينابيع المودة: أخرج ابن المغازلي الشافعي بسنده عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي إنك قسيم الجنة والنار.
وقال أيضاً: وفى جواهر العقدين: وقد أخرج الدارقطني ـ وهما من أبناء السُّنة ـ عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني: إنَّ علياً (عليه السلام) قال حديثاً طويلاً في الشورى، وفيه أنه قال لأهل الشورى: فأُنشدكم بالله هل فيكم أحدٌ قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت قسيم النار والجنة غيري؟ قالوا: اللهم لا.
وقال أيضاً: أخرج الحمويني ـ من أبناء السُّنة ـ في كتابه فرائد السمطين عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا سألتم الله عزَّ وجل فاسألوه ليَ الوسيلة، فسُئِل عنها فقال: هي درجة في الجنة.. إلى أن قال (صلى الله عليه وآله): فتنادي جهنم: يا علي، ذرني فقد أطفا نورُك لهبي، فيقول لها عليٌّ (عليه السلام): ذري هذا وليي، وخذي هذا عدوي، فَلَجَهَنمُ يومئذ أشدُّ مطاوعةً لعليٍّ (عليه السلام) فيما يأمرها به من رِقِّ أحدكم لصاحبه، ولذلك كان عليٌّ (عليه السلام) قسيم النار والجنة.
وقال أيضاً: ومما يُنسب إلى الإمام ـ بحسب تعبير القندوزي ـ الشافعي:
عليٌّ حـبُّــهُ جُنَّــةْ *** قسيمُ النارِ والجَنَّةْ
وصيُّ المصطفى حقاً *** إمامُ الإنسِ والجِنَّةْ
أقول: وقد ورد في كتب أبناء السُّنة وفي كتبنا في هذا المعنى الكثير جداً فلاحظ على سبيل المثال(5)
-------------
(1) من وحي القرآن ج 21 ص 183.
(2) هامش مناقب محمد بن سليمان الكوفي ج 2 ص 527 ؛ شواهد التنزيل ج2 ص261 ـ 262 ؛ الأمالي للشيخ الطوسي ص290 و368 و628 ـ 629 ؛ الأربعون حديثاً ص 51 – 52 ؛ تفسير مجمع البيان ج 9 ص 244 ؛ بشارة المصطفى ص 89 ـ 227.
(3) شواهد التنزيل ج2 ص 265 ؛ مأة منقبة ص 47 ـ 48 ؛ تفسير القمي ج 2 ص 324 ؛ تفسير فرات ص 436 ـ 437.
(4) شواهد التنزيل ج 2 ص 259 إلى265 ؛ تفسير فرات الكوفي ص 436 إلى440 ؛ تأويل الآيات ج 2 ص 609- 612 ؛ مناقب آل ابي طالب ج2 ص7 وج 3 ص 44 ؛ الفضائل ص 129 ؛ الصراط المستقيم ج 1 ص 295 ؛ بحار الأنوار ج 7 ص334 إلى 338 وج 8 ص70 و266 وج24 ص274 وج 36 ص73 إلى 75 ؛ التفسير الصافي ج 5 ص 62 ؛ تفسير نور الثقلين ج 5 ص112 ـ 113 ؛ تفسير الميزان ج 18 ص 357.
(5) بصائر الدرجات ص 212 و219 و434 ـ 436 ؛ الكافي ج 4 ص570 ؛ علل الشرائع ج 1 ص 127 و161ـ163 و177؛ عيون أخبار الرضا × ج 1 ص 30 و 91 ـ92 ؛ الأمالي للشيخ الصَّدوق ص 83 و442 و768 ؛ كفاية الأثر ص 151 ؛ المسترشد ص 264 ـ 266 ؛ مائة منقبة ص 31 ـ31 ؛ الأمالي للشيخ المفيد ص 213 ؛ الأمالي للشيخ الطوسي ص 305 و553 وص 628 ـ 629 و702 ؛ العمدة ص 265 ـ 377 ؛ اليقين ص 257و397 و458 وص 489 ؛ بحار الأنوار ج 7 ص 194و232 ـ 233 و337 ـ 339 وج 22 ص 317 وج 26 ص 126 و153 و31 ص 344 و382 ـ383 وج 33 ص 162 وج 36 ص90 وج 38 ص 93 وج 39 ص193 ـ 193 و196 ـ 197 ؛ الغدير ج 1 ص 161 وج 3 ص 298 ـ 300.
من مصادر أبناء السُّنة: شرح نهج البلاغة ج 2 ص 260 وج 9 ص 165 وج 19 ص 139 ؛ كنز العمال ج 13 ص152 ؛ المناقب للخوارزمي ص 39 ـ 40 و294 ؛ ينابيع المودة ج 1 ص 90 و173 و249 إلى 254 وج 2 ص 404 ؛ علل الدارقطني ج 6 ص 273 ؛ تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 298 ـ 301 ؛ وج 3 ص 299 ـ 300 ؛ جواهر المطالب ج 1 ص 61.
|